مقدمة

بلاد إثيوبيا هي الوطن الوحيد المستقل في القارة السوداء، وما وُصِفَت أفريقية بالسواد نسبة إلى لون أرضها أو أهلها، ولكن لكثرة مجاهلها وخوافيها، وإلا فإنه لا شمس تشرق في الآفاق، ولا ضوء يتلألأ في الأرجاء، ولا صحو يملأ الأجواء، مثل شروق شمسها، وتلألؤ ضوئها، وصفاء سمائها، ولا خضرة أزهى وأزهر، ولا خصوبة أغنى وأثمر من التي تُشاهد في غابها وحراجها، وفي حقولها ومزارعها، ولا غِنى في ظاهر الأرض وباطنها كالغنى الذي أنعم الله به على أهل تلك القارة السعيدة من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، فَعُدَّت من أغنى بقاع الأرض معدنًا، وزرعًا، وضرعًا.١

وقد حبتها الطبيعة بمنابع أربعة من أكبر أنهار الأرض وأغزرها ماءً وأجلبها للخير، أعظمها نهر النيل ذي الوادي الخصيب الذي نعمره ونمرح في خيراته، ونُفاخر به.

وفي موضع القلب من هذه القارة تقع إثيوبيا أو الحبشة، وما الحبشة سوى هضبة جبلية شامخة الارتفاع تنحدر كالدرج نحو سهول السودان وبحر القلزم، ومن صميم فؤادها ينبع النيل الأزرق، وعلى سفوح جبالها تنمو أشجار الفواكه الجميلة، وشجيرات البن الخضراء، وجوف أرضها حاشد بالمعادن النافعة، وأهلها قوم ذوو بأس شديد يميلون للحرب، ويبذلون أرواحهم في سبيل الدفاع عن وطنهم، وقد حافظوا على حريتهم واستقلالهم منذ نشأتهم إلى يومنا هذا، ولم يناصبهم العداء في العصر الجديد سوى المصريين والطليان، فهُزموا وانسحبوا.

كانت قارة أفريقية على الخارطة منذ مائة سنة بقعة سوداء تحفها حاشية بيضاء قليلة العرض مع قربها من أوروبا، ووقوع ساحلها الشمالي موازيًا لساحل أوروبا الجنوبي على مسافة ألف ميل، وذلك لأن رداءة إقليمها جعلت إسبانيا وفرنسا والبرتوغال يشحن بأوجههن عنها، ويتزاحمن على الاستعمار في أطراف أميركا والهند السحيقة، وإنما قصدن إلى أفريقية للاتِّجار بالرقيق فيها.

أما الآن فقد أصبح معظم القارة معروفًا بفضل أهل السياحة من قدماء المصريين والعرب والإفرنج الذين جاسوها طولًا وعرضًا؛ فأناروا ظلماتها، ولم يبق مظلمًا فيها سوى بقع صغيرة متفرقة لا بد أن تكشف قريبًا.

ومما يزيدنا ألمًا وأسفًا وحسرة على قارتنا أن دول أوروبا ضمت كل شبر منها إلى أملاكهن بالطرق السياسية، وبذل الأموال والهدايا لحكام البلاد وزعمائها، والخونة من أهاليها، والالتجاء إلى بعض الحيل التي أملاها دهاء رواد الاستعمار، وانطلت على أذهان البسطاء. وقد سُمِّيت وسائل الاغتصاب التي انطوت عليها مكايد هؤلاء المغيرين طرقًا سلمية؛ لأنها لم تكلف المغيرين لا معارك ولا مواقع، ما عدا المغرب الأقصى والحبشة، على حين أن استعمار أمريكا والهند كلفهن ألوف الرجال، وبدرات الأموال.٢

وقد شرع المصريون الأقدمون في الأسفار من عهد الدولة السادسة لكشف أفريقيا، وكان أمراء جزيرة الفنتين يتعدون الحدود الجنوبية، ومهدوا الطريق بين أصوان ورأس بناس (على البحر الأحمر)، وكانت السفن المصرية تمخر البحر الأحمر حينئذ، وكانوا يسمون سكان البلاد إلى جنوبي أسوان باسم «الرماة»، والذين إلى جنوبهم باسم المتلعثمين أو الأعاجم؛ لأنهم لم يكونوا يتكلمون اللغة المصرية، وقالوا: إن وراء أرض المتلعثمين الأرض المباركة التي تفيض الخيرات، ووراءها البحر الجنوبي الذي يجري منه النيل، وتطفو عليه الجزر. وانتهت الرحلات المصرية القديمة في سبيل اكتشاف أفريقيا في أيام الدولة السادسة، ومنها سياحة أردودو، وسياحة خركوف، وحدثت كل هذه الأمور منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، حينما كان أهالي أوروبا يأوون إلى الكهوف والبحيرات، ويسترون أبدانهم بجلود الثعالب والأنعام.

وذكر بلينيوس المؤرخ الروماني سنة ٧٠ للمسيح أن التبابعة، ملوك اليمن، عرفوا جميع ممالك أفريقية الشرقية وجزرها، وكان لهم عليها شيء من السلطة، وكانوا يتجرون مع أهلها بالأفاويه والطيوب.

ولما ظهر الإسلام رحل كثيرون من العرب في القرنين الأولين للهجرة إلى سواحل أفريقية الشرقية والشمالية؛ فملكوا تونس وطرابلس الغرب، واجتاز كثيرون منهم صحاري القيروان، وليبيا، وتوغلوا في داخلية البلاد، وبعضهم ذهبوا إلى السودان من طريق مصر وقنا، وكانت القصير مرفأ لمراكبهم يجتازون منها مضيق باب المندب في البحر الأحمر، ويرتادون السواحل الشرقية حتى وصل بعضهم في بدء تاريخ الهجرة إلى سواحل جزيرة مدغشقر جنوبًا، وأسسوا في شمالها مملكة عربية لم تزل آثارها وقلاعها وبقايا شعوبها موجودة حتى الآن.٣

واستدلَّ العلماء أن العرب من بدء الهجرة عرفوا أكثر بلاد أفريقية، ووصلوا إلى منابع النيل، وتوغلوا في بحيراتها وغاباتها ومجاهلها، وكانت حتى أواسط القرن الماضي يجهلها الإفرنج، ووطئت أقدام الفاتحين من العرب تلك البلاد السحيقة قبل أن تطأها أقدام السياح المتأخرين، وكانت لهم تجارة واسعة في أفريقية كلها، وملكوا الصومال، وجوبع، وممبسة، وزنجبار، وموزمبيق، وكومورو، وانتشرت عندهم النخاسة كما كانت منتشرة عند اليونان والرومان والأوروبيين والأمريكان.

ولما ضعفت شوكة العرب، ونبذوا العلوم والمعارف، وتركوا أسباب التجارة، واشتد ساعد البرتغال جهزوا السفن والرجال في أواخر القرن الرابع عشر، وأرسلوها إلى سواحل أفريقية الغربية والجنوبية والشرقية، وطردوا العرب منها.

وتربط المسلمين بالحبشة أمور شتى؛ أولها مصالح التجارة، قال صفوان بن أمية: «وإنما حياتنا بمكة على التجارة في الصيف، وإلى الحبشة في الشتاء.»

ولما قبض الله خديجة بنت خويلد تزوَّج الرسول من سودة بنت زمعة أرملة السكران بن عمرو بن عبد شمس، ولم يروِ راوٍ أنَّ سودة كانت من الجمال، أو من الثروة، أو من المكان بما يجعل لمطمع من مطامع الدنيا أثرًا في زواج محمد منها، إنما كانت سودة زوجًا لرجل من السابقين إلى الإسلام الذين عُذِّبوا وهاجروا إلى الحبشة وهاجرت معه زوجته، وعانت معه ما عانت، فتزوجها محمد ليَعولَها، وليرتفع بها إلى مقام أمهات المؤمنين.

ولما أرسل النبي إلى ملوك الأرض وفودًا وكتبًا بختمه يدعوهم إلى الإسلام، ومنهم هرقل الروم، ومقوقس مصر، وكسرى الفرس، لم يغفل النجاشي، فكان رد النجاشي جميلًا لطيفًا، خصوصًا بعد ما كان بينه وبين المسلمين الذين هاجروا إلى بلاده، وأقاموا في جواره.

ويظهر أن عاطفة ودٍّ صحيح قد نمت بين النبي وبينه، حتى زعم بعضهم أنه أسلم، ولكن هذا خبر مبالغ فيه، غير أنَّ النجاشي لم يقصر في حمل المهاجرين من المسلمين بزعامة جعفر بن أبي طالب، ومعهم رملة بنت أبي سفيان (أم حبيبة).

ولما عادت أم حبيبة من الحبشة أصبحت من أزواج النبي ومن أمهات المؤمنين. وقد علل المؤرخون هذا الزواج بأسباب كثيرة؛ منها أن محمدًا أراد الارتباط بأبي سفيان، ومنها أنه أراد كيده وهو في وثنيته قد دخلت ابنته في دار خصمه الألد صاحب الدين الجديد.

والسبب الصحيح في زواج النبي من أم حبيبة هو رغبته في مكافأتها على ثباتها في دينها، والأخذ بيدها بعد تنصُّر زوجها، ثم ما رآه فيها من الذكاء الخارق، وحضور البديهة، وسرعة الخاطر، وصدق المشورة في الأزمات، سواء أكانت في الهجرة، أو في الوطن، أو في الحرب، أو في السلم؛ فإنها هي التي دبرت كثيرًا من شئون المهاجرين في الحبشة، وهي التي ردَّت كيد عمرو بن العاص في نحره عندما أراد الدسَّ للمسلمين عند النجاشي،٤ وهي التي أشارت على النبي في الحديبية بحلق شعره، وذبح هديه، والخروج إلى الجيش فاتبعوه، وبذا حلَّت أزمة داخلية كبرى.

وإذن يكون عقل أم حبيبة، ومتانة خُلُقها، وحُسن تدبيرها، وثباتها على دينها (لأنها لم تتبع زوجها ابن جحش عندما ارتدَّ) هي الخلال التي عطفت قلب رسول الله عليها، وجعلته يقدرها قدرها فضمها إلى آل بيته.

هذا بعض ما يربط الحبشة بالإسلام ومصر في العصور القديمة، وقد أسهبنا الكلام فيه في الفصل الأول من الكتاب.

إن مصر والشرق بجناحيه الأدنى والأقصى بعد قلبه الخافق، والعروبة بشعوبها ودولها كلها مهتمة بحالة الحبشة ومركزها في العالم، وأزمتها الحاضرة. وإن اهتمت أوروبا بالمشكلة الحبشية خوفًا على السلم العالمي، أو مقاومة مطامع إيطاليا الاستعمارية، فإننا نهتم بالحبشة لأنها تمثل الشرق وأفريقيا في أسمى مظاهرها وأروعها وأرفعها وأشرفها وأسماها. وأي شيء أعظم من التعلق بالحرية جيلًا بعد جيل، وعصرًا بعد عصر، والوقوف في وجه العدو الأجنبي مهما كانت قوته وبطشه، وسلطانه وتهديده، ووعيده ووعوده، ونفوذه ونقوده؟! فإن الأحباش يرون الحرية أغلى من كل خير في الحياة، كما يرون كل شرٍّ هيِّنًا في سبيلها.

ونحن لا نبغض الطليان، ولا نظن أنهم يناصبوننا العداءَ، أو يحملون لنا حقدًا في حنايا ضلوعهم. وقد دامت علاقة الود بيننا وبينهم أجيالًا طويلة، ولكن هجومهم على الحبشة فى سنة ١٨٩٦، وعلى طرابلس الغرب في سنة ١٩١٢، ومعاودتهم الكرة على الحبشة في هذا العام حوَّل قلوبنا عنهم، والصراحة في هذا الظرف واجبة، فنحن لا نحب أن نرى دولة أجنبية تنقض على مملكة شرقية في هذا العصر؛ عصر المدنية والحرية. وقد هاج الاعتداء الإيطالي ضمير العالم كله، فلا عجب إذا هاج ضمير مصر وبينها وبين الحبشة ما ذكرنا من أواصر الجوار والمودة. ولا نخفي أننا لو استطعنا لمنعنا هذه الحرب بكل الوسائل التي في وسعنا. وإن أسفنا على شيء أسفنا على أن مصر ليست عضوًا في عصبة الأمم لتتمكن من إسماع صوتها؛ لأن قناة السويس واقع في أرضها، وهي قناة عالمية محايدة، ولكن موانع السياسة، وتردد رجالنا حرمتنا من هذا الحق المقدس، فإنَّ مصر ليست أقل من العراق، ولا من الحبشة نفسها، التي ننبري اليوم للدفاع عنها، وكان صوتنا يكون أرفع، وحجتنا أبلغ لو أن لدينا قوة مادية، أو مقعدًا ومنبرًا في جنيف.

وإن تقدمًا كتبه الله لنا، وثروة في العلم والمال تالدة وطارفة، وموطنًا يتوسط العالم القديم برًّا وبحرًا، أنعمها علينا لخليقان بأن يجعلا لمصر مركزًا ممتازًا، فما فتئت مصر تشغل بال العالم في الحرب والسلم، وتحسب لها دول الأرض حسابًا غير يسير، وقال نابليون بونابرت: «مصر أعظم مملكة في العالم.» ولم يخف عليه أنها تستطيع بموقعها الجغرافي أن تتحكم في حظوظ طائفة من الأمم غير قليلة، غير أن مصر كثيرًا ما ضيعت الفرصة السانحة، وأفلتت من يدها زمام السياسة التي تصلح لها، وتهاونت في كثير من حقوقها حتى كادت تمحو حسن طالعها.

ما الذي عاق مصر عن الدخول في عصبة الأمم؟ إنها السياسة، وإنه الجهل العقيم لا قضاء، ولا إفتاء، ولا قول المؤرخين الهراء.

أليس الدافع للفاشيست وهمهم أنهم قادرون على أن يفعلوا ما لو كانت الأسلاف أحياء لقصرت عن فعله؟

ويظهر أن الفاشيين يرون أن من لم يكن داخلًا تحت دولتهم، وممتثلًا لأوامرهم، خارج عن الحضارة، وهم يصفون خصومهم بأنهم متوحشون وطائشون وغير جديرين بأن يكونوا أمة، أو يدخلوا في زمرة العصبة. وتحب أوروبا أن تُذكِّرهم بموقعة عدوة التي ما تخلصوا من ذكراها الأليمة إلا بجهد جهيد.

سيرى القراء أن إيطاليا تعلل نفسها بالانتقام لعدوة، ويكادون وهم يطرحون نزاعهم على بساط البحث في جنيف يهاجمونها بقنابلهم وطائراتهم قبل أن تُكشر الحرب عن أنيابها، وقبل أن تدق تلك الشمطاء طبولها في آذان الأمم المطمئنة الوادعة.٥
ولكن إمبراطور الحبشة، الذي وصفه الدوتشي بالثرثرة، عرف كيف يتقدم إلى جامعة الأمم، فسلَّم الأمر للمندوبين راضيًا، وترك حقه راغبًا، فأمسوا عنه راضين كما رضي، يرون رأيه حذو القذة بالقذة.٦
ولئن ذكروا ثأْر عدوة، الذي انقضت عليه أربعون سنة، فقد أخطئوا المرمى، وأساءوا اختيار الحجة، فإنه في دون هذه المدة تُنسى الأحقاد، وتموت التُّرات، وتبرد الأكباد الحامية، وتسلو القلوب الواجدة، ويُعدم قرن من الناس، ويُخلق قرن جديد، ولم يبق من أرباب تلك الشحناء إلا الأقل.٧

فماذا تفيد إيطاليا الآن من إظهار ما في النفوس، وهيجان ما في القلوب، ما دامت الأخلاف من قومهم، والأحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائع الأحباش وفتكاتهم لا يفكرون في الانتقام من قوم لا تزال سيوفهم ورماحهم تقطر دمًا في سبيل الدفاع عن أوطانهم؟!

وطالما لقي الأحباش أعداءً في سبيل الدفاع عن وطنهم، فلقوهم، نفخ العلانية، خور السريرة، هرج في الرخاء، جزع في اللقاء، تقدمهم ألسنتهم، ولا تشايعهم قلوبهم، إن أُهْمِلوا خاضوا، وإن حُوربوا خاروا، وإن اجتمع العقلاء على رأي طعنوا، وإن أجيبوا إلى مشاقة نكصوا.

ولما اجتمعت عصبة الأمم خلال شهر سبتمبر، وانبرى مندوبو الأمم يدافعون بالبرهانات القوية لجاج إيطاليا وجدالها، لم يجدوا لديها سوى الطعن في الحبشة، والانتقاص من مكانتهم بين الأمم. وكان المندوبون يظنون أن إيطاليا بعد الجدال والخصام واللدد ستلين شدتهم بعض اللين، ولكنهم أضجروا كل عظيم وعبقري، وألمعي من المندوبين وأعضاء اللجان وهم يحاورونهم، فآمن المندوبون وصدقوا أن لا حجة لديهم ولا برهان سوى حجة الذئب ضد الحَمَل، ولكن يظهر أن الرعاة قد تضافروا هذه المرة ليمنعوا المفترس عن الفريسة.

إن مسلك مصر لا ينطوي على العطف فقط، بل إنه مستمد من مشاركة العالم المتحضر رأيه في خطة إيطاليا؛ فالعالم لا يريد حربًا؛ لأنه علم بالخبرة المحرقة أنَّ الحرب عدو التقدم الأَلد، وخصم الحضارة الأَعند، والعالم لا يشفق على من يزعزع أركان السلم، ويهرق الدماء في سبيل مخاوف موهومة من الجوع الذي سوف يلحق — في زعمهم — الأجيال المقبلة. ففي سبيل ضمان الرغيف لأبناء الغد يفنى أبناء هذا القرن عن آخرهم، وحينئذ يكون من قال: «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة.» قد أخطأ في شريعة الفاشيست.

ومن ذا الذي أعطى الطليان حق الاعتداء على الأحباش، والتنكيل بهم، والنيل من كرامتهم، وامتهان أمتهم؛ بحجة تحضيرهم وتمدينهم؟ وهذه أمة على أفريقيتها، وبساطة أخلاق أهلها، وبعدهم عن خبث بعض الممالك المتحضرة يرجع نسبهم إلى الحرية ثلاثة آلاف سنة إلى عهد سليمان الحكيم،٨ في حين أن استقلال الطليان وجلاء آخر جندي أجنبي من عاصمتهم يرجع إلى ستين عامًا.

سوف يُسجِّل التاريخ الإنساني أنه لم يسبق لساسة في العصر الحديث أن يروا نشوب حرب جائرة بمثل هذه السهولة، فهاكم دولة كبرى من ضامنات السلام العام في العالم، وفي الصف الأول بين دول أوروبا المتحضرة، أو التي تقول عن نفسها ذلك، ما برحت في ثنايا ضميرها منذ أعوام تهيئ المعدات العسكرية، وتعد ما استطاعت من قوة وسلاح، ورباط الخيل والطير، فلما وثقت أنها أتمت عدتها، وأكملت استعدادها، أشعلت نار حرب شعواء للغزو في سبيل الفتح والغنيمة، تُذكِّر العالم بغارات القبائل على الممالك الكبرى ذات الحضارة.

ومما زاد هذا الشعور ألمًا أن الدولة المهاجَمة رفيقة لها وزميلة في عصبة الأمم التي تجمع الاثنتين بعهد الشرف.

وفي الحق أن عصبة الأمم لم تُقصِّر في أداء واجبها، فوافق مجلسها المنعقد في جنيف في ٧ أكتوبر بإجماع الآراء على تقرير لجنة الثلاثة عشر، ولجنة الستة، وألقت على الدولة الأوروبية المتمدنة مسئولية الحرب الجائرة.

١  ثبت للباحثين أن حول بحيرة تانا توجد مناجم ذهب، وبلاتين، وماس، وياقوت، وزمرد.
٢  سمي هذا الاستعمار dépecement، وسميت الوسائل المذكورة poitlique d’infiltration.
٣  ص٩٢، أعلام المقتطف، ج٢. كتب عنها رايدر هجارد رواية «هي» أو «عائشة».
٤  في جاهليته. راجع: سيرة ابن هشام، والسيرة الحلبية، وترجمة محمد عليه الصلاة والسلام لمرغليوث.
٥  بعد كتابة ما تقدم هاجموا عدوة في ٣ أكتوبر سنة ١٩٣٥.
٦  عندما دخلت الحبشة عصبة الأمم رحبت بها إيطاليا وأثنت عليها.
٧  لم يسافر إلى الحبشة من بقايا جيش عدوة الإيطالي إلا ضابط واحد في الستين من عمره.
٨  نشرنا آيات القرآن التي لها مساس بهذه القرابة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤