الفصل الثامن عشر

جلسَ البارون هيلمان في ارتياح إلى طاولة العشاء المستديرة المزيَّنة ببراعة بين كاثرين من أحد الجانبين وسيدةٍ أخرى لم يتم تقديمه لها على الجانب الآخر منه، وراح يتأمل قائمة الطعام من خلف نظارته الثابتة في تؤدة، ثم فتح فوطة المائدة الخاصة به وواصل حديثه مع مضيفته الذي كان الإعلان عن العَشاء قد قطعه.

أقرَّ قائلًا: «أنتِ محقة تمامًا أيتها الأميرة.»

«إن موقف المحايدين، لا سيَّما في العالم الدبلوماسي، يصبح صعبًا إلى أقصى الحدود في حالة حربٍ كهذه، وفي بعض الأحيان يكون مثيرًا للإحراج. فالحفاظ على توجه سليم وصحيح غالبًا ما يُسبِّب ضغطًا شديدًا على قدرة المرء على ضبط النفس.»

أومأَت الأميرة في تعاطف.

ثم أسرَّت إلى الجنرال الذي اصطحبها إلى العشاء: «إن هذا البارون شابٌّ جذاب للغاية. كنت على معرفة وثيقة بأبيه وعمه في تلك الأيام السعيدة التي سبقَت الحرب، حين كان المرءُ معتادًا على التنقُّل من بلد إلى آخر.»

قال الجنرال الذي كان يكره الأجانب كلَّهم: «إنَّ له ملامحَ دبلوماسية.» ثم تابعَ في شيءٍ من التعصُّب الطفيف: «من سوء حظهم أن الأوروبيين المحايدين جميعًا، سواءٌ الهولنديون، أو الدنماركيون أو النرويجيون أو السويديون، يشبهون الألمان أكثرَ مما يُشبهون الإنجليز.»

التفتَ البارون تجاه كاثرين وشرَع في مجاملة هامسة. كانت ترتدي فستانًا رائعًا من المخمل الأسود من طرازِ حقبةِ ما قبل الحرب، وكان يلتصق بجسدها لكنه لم يكن يُقيِّد قوامها الطبيعي الممشوق بأي شكل. ومن عنقها تدلَّى عِقد من اللؤلؤ، وكان هو الشيء الوحيد الذي تتزيَّن به.

أقدم البارون في جُرأة يقول: «هل تسمحين لي أيتها الكونتيسة أن أعبر عن إعجابي برِدائكِ، أليس كذلك؟»

قالت مذكِّرةً إياه بابتسامة: «هذا غير معتاد في إنجلترا، لكن لكونك صديقًا قديمًا للعائلة، فسنسمح بذلك. إن هذا الرداء، في الواقع، هو آخِر ما اشتريتُ من باريس. أما الآن، صار المرء يفكِّر في أشياء أخرى.»

فعلَّق قائلًا: «أنتِ واحدة من النساء القليلات اللائي ينخرطن في الأمور الجِسام، ولكنهن يحتفظن بأنوثة طاغية.»

قالت متنهِّدة: «الأمور الجسام لا تسرُّني الآن.»

أجابها قائلًا: «لكنها مثيرةٌ للاهتمام. إنَّ الجو العام في هذه اللحظة مثير ومشحون بكل أنماط الاحتمالات الغريبة. لكننا نتحدث بجِدِّية أكثرَ من اللازم. ألن تُعلميني بأسماء بعض ضيوفكم؟ إنني أعرف الجنرال كروسلي بالفعل.»

قالت في شيء من اللامبالاة: «إنهم غيرُ مهمين كثيرًا حقًّا. هذا التجمع هو تجمعُ مساء الجمعة الخاص بعمتي، وهم جميعًا أصدقاؤها. هذه هي الليدي مالتينبي الجالسة قُبالتك، وزوجها هو الجالس على الجانب الآخر من عمتي.»

كرَّر البارون قائلًا: «مالتينبي. آه، أجل! لهما ابنٌ برتبة عميد، أليس كذلك؟ وهناك آخرُ نراه في أرجاء البلدة في بعض الأحيان، اسمه السيد جوليان أوردين.»

«هذا هو الابن الأصغر.»

واصل البارون حديثه قائلًا: «هل أتخطى حدود الصداقة أيتها الكونتيسة لو تساءلتُ بشأن إن كان هناك شائعةُ خِطبة بينكِ وبين السيد أوردين قد سرَت قبل بضعة أيام؟»

أقرَّت قائلةً: «سرَت هذه الشائعة بالفعل، لكن لم يتقرَّر شيءٌ في الوقت الحالي. فللسيد أوردين عاداتٌ غريبة. لقد اختفى عن الجميع تمامًا قبل بضعة أيام، وعاد لتوه فقط.»

«كان يعمل في الرقابة على المطبوعات، أليس كذلك؟»

صدَّقَت كاثرين على كلامه بقولها: «شيءٌ من هذا القبيل. لكنه ذهبَ إلى فرنسا وأبلى بلاءً حسنًا للغاية. لقد فَقَدَ قدمه هناك.»

علَّق البارون قائلًا: «لاحظتُ أنه يستخدم عكازًا. ودائمًا ما أجده شابًّا ذا مظهر مميَّز ولطيف.»

أكملَت كاثرين تقول: «حسنًا، هذا هو السيد بريثويتر الكاتِب المسرحي، على اليسار قليلًا، ذلك الرجل ذو الشعر الرمادي الناعم والنظارة. وبالطبع تعرف السيدة هاملتون بيردزمور؛ زوجها قائد كتيبة في مصر.»

«والسيدة الجالسة إلى يساري؟»

«الليدي جرايسون. تأتي من الريف مرةً كل شهر لشراء الطعام. لا تُلقي لها بالًا. إنها صمَّاء وتُفضِّل تناول الطعام على الكلام.»

أقرَّ البارون بتنهيدة خفيفة: «أشعر بالراحة كثيرًا. لقد تحدَّثتُ معها ونحن نتخذ مجالسنا، لكنها لم تُبدِ ردًّا. ورحتُ أتساءل إن كنت قد أسأت إليها.»

تابعت كاثرين قائلةً: «الرجل الجالس بجواري هو السيد ميلسون جراي. إنه مليونير أمريكي، وهو هنا ليدرس مناهجَ جمعية الشبان المسيحيين. ولا يتحدَّث في أي شيء في العالم إلا عن أكواخ جمعية الشبان المسيحيين والاستثمارات الأمريكية، وهو جائع للغاية.»

قال البارون: «تبدو الظروف مواتيةً لمحادثة خاصة.»

ابتسمَت كاثرين في وجهه الهادئ. كان النبيذ قد لوَّن وجنتيها بلون وردي خفيف، وتنهَّد الشاب في أسفٍ لفكرة خِطبتها المحتمَلة. فطالما كان أحدَ أشدِّ معجبي كاثرين وكان إعجابه واضحًا وصريحًا.

سألته كاثرين: «لكن فيمَ سنتحدَّث؟» وأردفت: «إنَّ شفتَيك دائمًا ما تنغلقان في الموضوعات المهمة حقًّا. أنت مدهش فيما يتعلق بالكتمان والحذر أيها البارون، حتى معي.»

«ربما هذا لأنكِ تُخفين شخصيتكِ الحقيقية تحت الكثير من الأسماء المستعارة.»

تمتمَت قائلة: «ينبغي أن أُعيد التفكير في ذلك.»

تابعَ البارون حديثه قائلًا: «أنتِ سيدة راقية تنتمين للطبقة الأرستقراطية. ويمكنني إلى حدٍّ كبير أن أتفهم أنكِ وجدتِ مكانتكِ في روسيا غيرَ متوافقة مع الأفكار الحديثة. والأرستقراطية الروسية، واغفري لي ذلك، بصدد مواجهة مرحلة سيئة فعلَت أفضلَ ما في وسعها بما جعلها جديرةً تمامًا بأن تمرَّ بها. لكن بالكاد يمكنني أن أتفهَّم مكانتكِ في إنجلترا. لقد أتيتِ هنا إلى بلدٍ يحكمه حكومة رشيدة، بلد يحكمه الشعب ومن أجل الشعب من كل الأوجه العملية. لكنكِ هنا وفي غضون عامَين فقط صنعتِ من نفسكِ واحدة من أنصار الديمقراطية. فلماذا؟ الناسُ هنا لا يلقَون معاملة سيئة. بل على النقيض، يمكنني القول إن الناس هنا مدلَّلون.»

قالت كاثرين في جدية موضحة: «أنت لا تفهم. في روسيا كانت الطبقة الأرستقراطية هي مَن تضطهد الشعب على نحوٍ خبيث ومخجل. أما في إنجلترا، فإن الطبقة البرجوازية هي مَن تحكم البلاد وتحجب الرؤية عن الطبقة العاملة. إن الانتهازيين والرأسماليين الجُدد والوسطاء هنا هم مَن أصبحوا قوةً قبيحة ومسيطرة. الطبقة العاملة تملك الوسائل التي تُمكِّنها من تأكيد وجودها والمطالبة بحقوقها، لكنهم لم يمتلكوا أبدًا القادة أو التدريب من أجل القيام بذلك. كان ذلك هو موضوع محاضراتي هنا منذ البداية. أريد أن أُعلِّم الناسَ كيف يسحقون الوسطاء. أريد أن أوضِّح لهم كيف يكتشفون قوتهم وكيف يستفيدون منها ويستغلونها.»

تساءل البارون: «ألا ينطوي ذلك على شيءٍ من الخطورة؟» وأردفَ: «فقد تُثيرين بذلك حالة من الفوضى بسهولة.»

أقرَّت قائلة: «ربما لبعض الوقت، لكن لن تستمر أبدًا وقتًا طويلًا. كما تعلم، فالإنجليز يتمتعون بصفة فائقة؛ وهي أنهم يمتلكون المنطق السليم والفطرة. فهم ليسوا بمثاليين كالروس. إن الرجال الذين أنخرط معهم لا يسيرون ورءوسهم نحوَ السماء ولا يخوضون في الوحل. إنما ينظرون أمامهم فقط، ويطلبون ما يرونه ممكنًا.»

غمغم البارون قائلًا: «فهمت. والآن وقد وصلنا إلى هذه المرحلة في حديثنا اسمحي لي أن أسألكِ. هل تقرَئين الصحف؟»

قالت مؤكِّدة: «بدأب.»

«هل لاحظتِ نبرة اضطرابٍ غريبةً جدًّا خلال الأيام القليلة الماضية؛ تلميحات إلى أزمة في الحرب لا يبدو أن لها مبررًا في الموقف العسكري، إشارات مبهمة ولكنها كئيبة إلى حدٍّ ما إلى سلام مبكِّر؟»

قالت كاثرين موافقةً إياه الرأي: «الجميع يتحدَّث عن ذلك. وفي ظني أنني وأنت لدينا فكرة ما عمَّا يَعنيه ذلك.»

سألها البارون في هدوء: «أحقًّا؟»

تابعت كاثرين وقد أخفضَت صوتها قليلًا: «وأعتقد، بطريقةٍ ما، أن ما تعرفه يتخطَّى ما أعرفه أنا بكثير.»

لم يُصدِر البارون أيَّ إشارة، ولم يُبدِ ردًّا. فقد جاءه سؤالٌ من شخص على الجانب الآخر من الطاولة يتعلق بفعلٍ أتاه أحدُ وزراء بلاده. فأجابَ البارون عليه وانجرفَ بصورة سلسة وطبيعية تمامًا إلى حديث عام. ومن دون أي جهد واضح، بدا راغبًا في إنهاء محادثته الخاصة مع كاثرين. لم تُظهر كاثرين أي دلالة إحباط أو خيبة أمل، بل سايرته في الحديث وبذلَت محاولاتٍ ضاريةً للهجوم على موضوع أكواخ جمعية الشبان المسيحيين بمشاركة جارها الجالس على الجانب الأيمن منها. وانقضى بقية وقت العشاء على هذا المنوال، ولم يتجاوز حديثُهما الكلمات العارضة، إلا بعد أن تقابلا بعد ساعةٍ في قاعة الاستقبال الشهيرة الخاصة بالأميرة. كانت الأميرة تحب الترفيه عن ضيوفها بأسلوبها الخاص. فكان ذلك الجناح الطويل بتجاويفه الجدارية العديدة ونوافذه العميقة، يحتلُّ جانبًا كاملًا من جوانب المنزل الكبير، وكان يتميَّز بهيبة وفخامة غرف الصالون، إلا أنه كان يدعم جوًّا من الحرية بصالة الطعام الصغيرة والموسيقى التي يحويها وأرائكه الوثيرة وطاولات البريدج ولوحة الروليت، الأمر الذي جعلها صالحةً للسُّكنى على نحوٍ لافت للنظر.

سألته قائلة: «أتساءل أيها البارون، متى ستُغادر، وما إن كنت أستطيع التعويل على اصطحابك لي إلى حفل لوسونز الراقص؟ لا تتردَّد في الرفض لو كان لديك ارتباطٌ آخر؛ فهذا لن يعني سوى أنني سأتصل ببعض الأصدقاء.»

أجابها البارون على الفور: «أنا في خدمتكِ تمامًا أيتها الكونتيسة. في الواقع، كنت قد قطعت وعدًا بأن أذهب إلى هناك لمدة ساعة.»

سألته: «ربما تحب أن تلعب البريدج الآن؟»

فأجابها: «كانت الأميرة عَطوفة بما يكفي لتدعوَني، لكنني تجرأتُ على الاعتذار. رأيتُ أن الأعداد كانت متساوية من دوني، وكنت آمُل أن أتحدَّث معك أكثر قليلًا.»

جلسا معًا في ركن مريح للغاية. وأحضر لهما أحدُ الخدم القهوة، وعرضَ عليهما رئيس الخدم مشروباتٍ روحيةً غريبة. اتكأت كاثرين في جلستها إلى الخلف وأطلقت تنهيدة ارتياح خفيفة.

ثم قالت: «يصف الجميع هذه الغرفة الخاصة بعمتي بأنها استراحة فندق. إنني شخصيًّا أُحبها.»

اعترفَ البارون قائلًا: «إنها تُمثِّل لي أيضًا جناحًا مثاليًّا. ها نحن بمفردنا، وأريد أن أسألكِ سؤالًا كان على شفتيَّ حين كنا نتناول الشاي معًا في فندق كارلتون، والذي كنتُ لأطرحه عليكِ بالتأكيد لولا المحيط الذي كنَّا فيه.»

قالت مطمئنةً إياه بابتسامة صغيرة: «يمكنك أن تسألني عن أي شيء. فأنا أشعر بالسعادة والرغبة في الثرثرة. لا تحاول أن تدفعني إلى التحدث، وإلا فسأُفشي كلَّ أسرار حياتي.»

فقال البارون قاطعًا وعدًا: «لن أسألكِ الآن إلا عن سرٍّ واحد فقط. هل صحيحٌ أنكِ دخلت اليوم في خلافٍ مع … سأصفهم بأنهم جمعٌ صغير من الرجال يعقدون اجتماعاتهم في ويستمنستر، وكنتِ على تواصل وثيق معهم بعضَ الوقت؟»

كانت نظرةُ الذهول على وجهها واضحةً لا التباسَ فيها.

«كيف عرَفتَ بذلك بحق السماء؟»

هزَّ البارون كتفَيه.

وقال: «نحن في وقتٍ ينبغي فيه للمرء أن يكون على معرفة بكل شيء إن كان يريد النجاح في مهنته.»

لم تتكلم كاثرين للحظة. كان سؤاله صادمًا لها نوعًا ما. لكن في غضون لحظة أو اثنتين، وجدَت كاثرين نفسها تُفكِّر في كيفية تحقيق استفادة شخصية من ذلك.

فأقرَّت قائلة: «هذا صحيح.»

راحَ البارون ينظر بإمعان في مقدمة حذائه اللامع.

ثم قال في جُرأة: «أليست هذه إحدى الحالات التي ربما يمكننا أن نتقارب من خلالها أيتها الكونتيسة؟»

فقالت كاثرين: «إن كان لديك ما تقترحه، فأنا على استعدادٍ للإصغاء إليك.»

تابع البارون قائلًا: «أتساءل إن كنت محقًّا في بعض أفكاري؟ لكني سأضعها موضعَ اختبار. لقد اتخذتِ من إنجلترا مستقرًّا لك. وكان هذا طبيعيًّا لأسباب أُسريَّة. لقد أظهرتِ اهتمامًا كبيرًا بقطاع معيَّن من العامة الإنجليز. ونظريتي في ذلك هي أن اهتمامكِ بإنجلترا ينصبُّ على ذلك القطاع فقط، وأن إعجابكِ بصفات إنجلترا كبلدٍ لا يَزيد عن إعجابي أنا بها.»

أجابته كاثرين في هدوء: «أنت محقٌّ تمامًا.»

أردفَ البارون: «واهتمامكِ هذا منصبٌّ على الكادحين من الرجال والنساء، الناس الذين يحملون على أكتافهم أعباءَ الحياة كلها، الذين ترغبين باستمرارٍ في تحسين أوضاعهم. أفهم من ذلك أن تعاطفكِ عابر للحدود؟»

فقالت موافقةً إياه: «هو كذلك.»

«إذن فهل يُثير الناس من هذه الطبقة في … لنقل في ألمانيا، تعاطفك بالدرجة نفسها؟»

«قطعًا!»

قال البارون: «مِن ثَمَّ فإنكِ تعملين من أجل تحسين أحوال الطبقة الأكثر تهميشًا، سواءٌ كانت ألمانية أو نمساوية أو إنجليزية أو فرنسية؟»

وافقته الرأيَ قائلة: «هذا صحيح أيضًا.»

«سأواصل نظريتي إذن. ألا تكترثين بقضية هذه الحرب، ما دام الشعب يستفيد؟»

أشارت كاثرين: «سوف يثبت ذلك من خلال عملي على مدى الأسابيع القليلة الماضية بين أولئك الرجال الذين كنت تتحدَّث عنهم.»

قال البارون مطلقًا تنهيدةَ ارتياح خفيفة: «إذن فقد اجتزنا الخطوط الشائكة ولم يعد بيننا أيُّ حواجز. أنا على استعداد الآن لأن أبادلكِ الأسرار. أنا لستُ بصديق لهذه البلاد. وليس لدى رئيسي أو حكومتي أدنى رغبةٍ في رؤية إنجلترا تربح هذه الحرب.»

فأقرَّت قائلة: «كنت أعرف ذلك.»

واصل البارون الحديث قائلًا: «والآن أطلبُ منكِ معلومات. هلا تُخبريني عن ذلك؟ لقد قدَّم أصدقاؤك الزائفون شروطَ السلام الألمانية المزعومة إلى السيد ستينسون. ماذا كانت نتيجة ذلك؟»

«أخذ مهلةَ أربعٍ وعشرين ساعةً للنظر فيها.»

سألها البارون وهو يميل نحوها قليلًا: «وماذا سيحدث لو رفض؟» وأردف: «هل سيستخدمون سلاحهم الفتاك؟ هل سيُكملون الطريق حتى النهاية، أم سيقبلون بتسوية؟»

قالت مؤكِّدة: «لن يقبلوا تسوية. لقد تم بالفعل كتابة البرقيات التي ستُرسَل إلى أمناء النقابات المهنية المختلفة. وستُرسَل في غضون خمس دقائق بعد إعلان السيد ستينسون رفضه لالتماس هدنة.»

ألحَّ البارون في سؤاله: «هل أنتِ واثقة من ذلك؟»

«واثقةٌ بما يتخطى أي شك.»

أومأ البارون ببطء.

وأقرَّ قائلًا: «معلوماتكِ قيِّمة بالنسبة إليَّ. وعلى الرغم من أنني مكتفٍ بهذه المعلومات، فلا يمكنني أن أخترقَ الدوائر الداخلية للمجلس نفسِه. لكن الأخبار التي ذكرتها مفيدة.»

قالت كاثرين: «والآن، أتوقَّع منك أن تبوح لي بأعجب الأسرار.»

فأجابها: «سأبوح لكِ بها بكل سرور. إن فرايشتنر موجود في حصن ألماني منذ بضعة أسابيع وقد يُعدَم رميًا بالرصاص في أي لحظة. إن القوة المزعومة للحزب الاشتراكي في ألمانيا ما هي إلا محضُ زيف وكذب. والتوقيعات المرفقة بالوثيقة التي جرى تسليمها إلى مجلسكم قبل بضعة أيام سيتم إنكارها والتنصُّل منها. إن مخطط التواصل مع طبقات العمال لديكم برُمته كان من صنيعة وزارة الحرب الألمانية وتحت رعايتها. ستوضع إنجلترا في موقف مذلٍّ ومثير للسخرية إلى أبعد الحدود. وسيعني هذا نهاية الحرب.»

قالت لاهثة: «وماذا عن ألمانيا؟»

قال البارون في هدوء: «ستكون ألمانيا قد خطَت أول خطوة كبيرة لها في طريق الصعود إلى سُلَّم السيطرة على العالم.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤