الفصل الرابع

وجدَ جوليان قدراته التحاوريةَ في تناقصٍ نوعًا ما؛ إذ كان مستغرقًا في التفكير طوالَ الدقائق الأولى من العشاء بفِعل تبلور تلك الفكرة الجديدة التي استحوذت على عقله بلا شك. غير أن كاثرين سرعان ما أكَّدَت إصرارَها على جذب انتباهه.

فقالت متوسلة: «من فضلك قُم بواجبك وأطلِعْني على كل شيء. تذكَّر أنني سندريلا من بلاد بوهيميا ولا أعرفُ أيَّ شخص هنا.»

فأجابها: «في الواقع، ليس هناك كثيرون لتعرفي بشأنهم، أليس كذلك؟» وأردفَ: «بالطبع تعرفين ستينسون؟»

فأسرَّت إليه قائلة: «كنت أُحدِّق فيه بعينَين فاغرتَين. أليس هذا هو التصرفَ المناسب؟ إنه يبدو لي عاديًّا جدًّا وجائعًا للغاية.»

«حسنٌ إذن، وهناك الأسقف.»

«عرَفتُه في الحال من صوره. لا بد أنه يُمضي كلَّ وقته في التردد على المصوِّر حين لا يكون في الكنيسة. لكنه يروق لي. إنه يتحدَّث إلى عمتي بأسلوب ودودٍ للغاية. ولا شيءَ يجعل عمتي في أفضل حالاتها أكثرَ من جلوسها بجوار أسقف.»

فاستطرد قائلًا: «وتعرفين كلَّ شيء عن آل شرفينتون، أليس كذلك؟» وأضاف: «أما الجنديَّان فهما شابان من ثكنات نورويتش، وكان الدكتور لينارد مُعلمًا خاصًّا لوالدي في أكسفورد، والسيد هاناواي ويلز هو أحدث وزير في حكومتنا.»

قالت: «لا يزال يحتفظ بابتسامةِ راهب مبتدئ. قبل لحظة سمعتُه يُخبر الجالسَ بجواره أنه يُفضِّل ألا يُناقش شأن الحرب. لعله يظن أنَّ ثمة جاسوسًا تحت الطاولة.»

اختتم جوليان حديثَه قائلًا: «حسنٌ إذن، ها قد انتهينا. ولم يتبقَّ أحدٌ سواي.»

فاقترحَت قائلة: «حَدِّثني إذن عن نفسك. في الواقع، عندما أُفكر في الأمر، بالنظر إلى مدة محادثاتنا، أجد أنك كنت متحفظًا وقليلَ الكلام إلى حدٍّ لافت. أنت أصغرُ أفراد العائلة، أليس كذلك؟ كم عدد إخوتك؟»

أخبرها قائلًا: «كان هناك أربعة. قُتِلَ هنري في إيبرس في العام الماضي. أما جاي فلا يزال هناك. وريتشارد برُتبة عميد.»

«وأنت؟»

«أنا محامٍ بالمهنة، لكنني تركتُها وذهبتُ مع أول دفعة من خريجي جمعيات الحقوق في مهمة تجنيدٍ تطوعية، وفقدتُ جزءًا من قدمي في مدينة مونس. ومنذ ذلك الحين وأنا أعملُ في مهنة الرقابة غير المجزية والمملَّة كثيرًا.»

وافقته الرأي قائلة: «إنها مُملة فعلًا، أتخيَّل ذلك. أنت تُمضي وقتك في قراءة خطابات الآخرين، أليس كذلك، فقط من أجل التأكُّد من عدم وجود مراسلات من العدو؟»

قال مصدِّقًا على حديثها: «بالضبط. نحن نكتشف الشيفرات وما إلى ذلك من أشياء.»

«يا لكم من أذكياء لا محالة!»

«نحن أذكياءُ فعلًا، معظمنا كذلك.»

«وهل تفعل أيَّ شيءٍ آخر؟»

فأسرَّ إليها قائلًا: «في الواقع، لقد تركت مهنة الرقابة مؤقتًا. سأعودُ إلى مهنتي.»

«كمحامٍ؟»

«هو كذلك. وقد أُضيف بأنني أعمل صحافيًّا مأجورًا.»

تمتمَتْ قائلة: «يا للتواضع!» وأضافت: «أعتقدُ أنك تكتب المقالات البارزةَ لصحيفة «التايمز»!»

قال جوليان في اندهاش: «تمتلكين فطنةً رائعة بالنسبة إلى شابة صغيرة للغاية مثالك. كيف خمَّنتِ سرِّي؟»

ردَّت في شيءٍ من الغطرسة: «أنا أفضلُ منكِ في تخمين الأسرار.»

صمتَ جوليان بضعَ لحظات. فقد راوده شعورٌ بالصدمة مرةً أخرى بفِعل انحناءةِ شفتَيها الخفيفة.

سألها جوليان فجأة: «هل لديكِ أخٌ؟»

«لا. لماذا؟»

«لأنني التقيتُ شخصًا مؤخرًا — خلال الساعات القليلة المنصرمة في الواقع — له فمٌ يُشبه فمك تمامًا.»

فصاحت قائلة: «يا له من أمر مريع!» وأخرجت من الحقيبة الموضوعة بجانبها مِرآةً صغيرة وراحت تُحدِّق بها. ثم أضافت: «يا له من أمر مزعج أن يمتلك شخص فمًا مثل فمي! لا، لم يكن لي أخٌ يومًا يا سيد أوردين، ولا أخت، وأنا، مثلما قد تكون سمعت، طفلة مشاكسة. أعيشُ في لندن وأُجيد عرض الأزياء للغاية، ولا أجيد الحديث في علم الاجتماع تمامًا. وكما أخبرتُك على ما أعتقد، فأنا أعرف صديقك مايلز فورلي ذا النَّزعة الأناركية.»

اعترضَ جوليان قائلًا: «لا أُحبِّذ أن أُطلق على فورلي أناركيًّا.»

«حسنًا، إنه من دعاة الاشتراكية. أعترفُ بأننا غير محدَّدين في تعريفاتنا. وكما ترى، ثَمة موضوع واحد فقط جمع الاشتراكيِّين ورجالَ حزب العمال والنقابيين والشيوعيين والقوميين والأمميِّين في السنوات الأخيرة. كلُّ مَن يعملون من أجل الحرية يتعلَّمون الشمولية. وإن وجدوا قائدًا لهم، فأعتقد أن دولتك العزيزة المتعجرفة قد تُضطرُّ إلى مواجهة أكبرِ مفاجأة لها في تاريخها.»

نظر إليها جوليان في فضول.

«لديكِ أفكار أيتها الآنسة آبواي.»

فقالت ساخرة: «يا له من أمرٍ غيرِ اعتيادي بالنسبة إلى امرأة!» وأردفَت: «أتُلاحظ كيف أن الجميع يُحاول تجنب الحديث عن موضوع الحرب؟ هلا أعطيهم مزيدًا من الوقت؟ أنا واثقة من أنهم لا يستطيعون الاستمرارَ على هذا النحو.»

فهمسَ جوليان قائلًا: «لن يُكملوا هذه المدة. أنصتي.»

أعلن اللورد شرفينتون موقفه قائلًا: «المسألة التي ينبغي أن نضعَها في الاعتبار ليست متى ستنتهي الحرب؛ بل ما الأشياء المتاح فعلها لوقفها؟ تلك نقطة نستطيع في رأيي أن نُناقشها من دون إثارة حماقات وأفعال متهورة من قِبل المسئولين.»

صرَّح الأسقف قائلًا: «إنْ فشلت الوسائل الأخرى، فستُوقفها المسيحية. فالضميرُ العالمي في طريقه إلى الاستيقاظ بالفعل.»

ومن موقعه على رأس المائدة أعلنَ الإيرل بنبرةٍ ثقة: «إن أعداءنا من جنسٍ واهن بالفعل. إنهم على شفا الإنهاك والاستنزاف. والنمسا، إن سمحتم لي، في محنةٍ أسوأ. هذا هو ما سيُنهي الحرب؛ إنهاكُ خصومنا.»

وأضافَ السيد هاناواي ويلز بغموض شديد: «العامل الحاسم سيكون أمريكا على الأرجح. ستدخل الصراع بكل ما أوتِيَت من قوة في اللحظة الحاسمة. وعلى الأرجح أنها ستفعل في الشَّمال الأقصى ما فشلنا نحن في فعله؛ ستخترق الصفَّ وتضع القوات الألمانية في فلاندرز في ورطة.»

كانت أفكارُ الوزير رائجة. فسرَت همهماتُ استحسانٍ قليلة، شيءٌ بدا أشبهَ بخرخرةٍ تنمُّ عن القَبول والموافقة. كانت وجهة نظره تعبيرًا آخرَ عن ذلك الفشل المخزي بصورةٍ غريبة رغم طابَعه العالمي الشامل، والمتمثِّل في الاعتماد المفرِط على الآخَرين. أما التعليق الهادئ الذي صدرَ عن الرجل الذي رأى فجأةً أن انضمامه إلى النقاش لا غضاضةَ فيه، فقد تسبَّب في شعورٍ بالانزعاج والقُشَعْريرة.

قال السيدُ ستينسون وهو ينحني إلى الأمام قليلًا: «ثَمة شيء واحد يُمكن أن يُنهيَ الحرب في أي لحظة، وهو إرادة الشعب.»

سادت الحيرة والارتباك في أذهان مستمِعيه.

فكرَّر اللورد شرفينتون: «الشعب؟» وأضافَ: «لكن من المؤكَّد أن الشعب يتحدَّث من خلال أفواه حُكَّامه، أليس كذلك؟»

فأيَّدَه رئيسُ الوزراء قائلًا: «وهم قانعون بذلك حتى اللحظةِ الراهنة. لكن ربما تشهد أوروبا أحداثًا غريبة ومؤثِّرة قبل مرور سنواتٍ كثيرة.»

قالت الكونتيسة في نبرةِ توسُّل: «أكمِل من فضلك.»

فهزَّ السيد ستينسون رأسه.

وأجابها: «لقد قلتُ أكثرَ مما كنت أنتوي قوله حتى كفردٍ عادي. لديَّ شيءٌ واحد فقط لأقوله عن الحرب أمام العامة، وهو أننا ننتصر، ولا بد لنا أن ننتصر، وأن وجودنا القوميَّ يعتمد على انتصارنا، وأننا سنستمرُّ حتى بلوغ النصر. أما عن العوائق التي تَحول بيننا وبين النصر، والتي قد تبقى في أذهاننا، فلا يمكن التحدثُ عنها.»

ساد صمتٌ مقتضَب وغير مريح نوعًا ما. فقد فهمَ الجميع أن عليهم تركَ الحديث في هذا الأمر. فوجَّه جوليان سؤالًا إلى الأسقف الجالس عبر المائدة. واستشار لورد مالتينبي الدكتور لينارد بشأن تاريخ الحرب البونيقية الأولى. وعبَّر السيدُ ستينسون عن إعجابه بالأزهار. أما كاثرين التي كانت تُثبِّت ناظِرَيها على رئيس الوزراء، فالتفتت إلى الجالس بجوارها.

وقالت مستجديةً: «هَلا أخبرتني عن امتهانك الصحافةَ يا سيد أوردين؟» وأضافت: «أعتقدُ أنها مهنة شيِّقة.»

«أؤكِّد لكِ أنها مضجِرةٌ للغاية.»

«أتكتبُ عن السياسة؟ أو ربما تكون ناقدًا فنيًّا؟ ينبغي لي أن أُحسن التصرف تحسبًا لذلك.»

قال مطمئنًا إياها: «لا أعرفُ سوى القليل عن الفن. إنَّ اهتمامي الرئيسيَّ في الحياة — خارج نطاق مهنتي بالطبع — ينصبُّ على علم الاجتماع.»

كان اعترافُه الصغير عفويًّا. فرفعتْ حاجبَيها في دهشة.

وصاحت قائلة: «أعتقدُ أنك جاد!» وأضافت: «أحقًّا وجدتُ رجلًا إنجليزيًّا جادًّا؟»

«أقرُّ بالذنب. إنها فلسفة غير صحيحة لكنها حافزٌ مميِّز للحياة.»

فقالت وهي تتنهَّد: «كم هو محزن أنك معاقٌ منذ ولادتك! لا يمكن لعلم الاجتماع أن يُشكِّل شيئًا ذا بال لك. فمنظورك للأمور مشوَّه بطبيعته.»

فوجَّه لها سؤالًا ذا مغزًى: «ماذا عنكِ؟»

فتمتمت قائلة: «يا لغرورنا نحن معشر النساء!» وأضافت: «لقد ترعرعتُ على اعتبار نفسي حالةً استثنائية. وأنسى أنه ربما يكون هناك آخَرون مميَّزون. بل ربما تكون أحدَ ملهِمينا؛ ربما تكون بول فيسك متخفيًا.»

ضاقت عيناه قليلًا وهو ينظر إليها عن كثب. ومن الجانب الآخَر من المائدة، قطعَ الأسقف محادثةً مثيرة عن خُطبِه للطبقات العاملة، ووضع الإيرل كأسَ نبيذه بإيماءةٍ تنمُّ عن نفادِ صبره.

تساءل السيد ستينسون: «ألا يعرفُ أحدٌ حقًّا مَن هو بول فيسك؟»

أجابَه السيدُ هاناواي: «لا أحدَ يعرف يا سيدي. كنت أظنُّ قبل وقتٍ قصير أنَّ من الحكمة أن أُرسل مجموعات بحث شاملةً سيرًا على الأقدام، لكنها لم تكن ذاتَ جدوى تمامًا.»

فسعلَ الأسقف.

واعترفَ قائلًا: «لا بد لي أن أُقر بذنب زيارتي لمكاتب جريدة «مانثلي ريفيو» لهذا الغرض نفسِه. لقد تركتُ له رسالة هناك وأودعتُها لدى المحرِّر، أدعوه فيها إلى اجتماعٍ في منزلي. ولم أتلقَّ ردًّا منه. يبدو أنَّ سرية هويته منيعة.»

فصرَّح الإيرل قائلًا: «أيًّا كانت هُويته، لا بد من تكميم فمه. إنه خائنٌ لبلاده.»

فقال الأسقف بنبرةٍ صارمة: «لا أتفقُ معك يا لورد مالتينبي. إن الخطر الكامنَ في معتقَدات الرجل يكمن في وضوح أفكاره، واقترابها الشديدِ من حقائق الحياة الأساسية.»

فقاطعَهما الدكتور لينارد قائلًا: «إنَّ ذلك الرجل، على أيِّ حال، هو الكاتِب المجهول الأذكى والأبرع منذ عهدِ سويفت وخطابات جونيوس.»

تردَّد السيدُ ستينسون لحظة. وبدا غيرَ واثق من انضمامه إلى المحادثة من عدمه. وفي الأخير تغلَّب عليه الاندفاع.

فقال: «لنكن شاكرين جميعًا أنَّ بول فيسك قانعٌ بالكلمة المكتوبة. فلو وجدَت الديمقراطية الإنجليزية اليوم نفسَها مع قائدٍ مثلِه، لكان هو مَن يحكم البلادَ الآن وليس أنا.»

فاعترضَ الإيرل قائلًا: «الرجلُ من دُعاة السلام!»

فصرَّح الأسقف بنبرة هادئة: «ونحن جميعًا كذلك. نحن جميعًا دُعاةٌ للسلام بمعنى أننا نُحب السلام. ليس بيننا أحدٌ لا يأسى على ما نشهَدُه اليوم من أهوال. ليس بيننا أحدٌ لا يسعى بشغَف لإيجاد العقل المدبِّر الذي يُمكن أن يقودَنا للخروج مما نحن فيه.»

قال الإيرل في إصرار: «لا سبيلَ للخروج من ذلك سوى أن نهزمَ العدو.»

فقاطعه جوليان منضمًّا إلى الحديث للمرة الأولى: «إنَّه السبيلُ الوحيد الواضح، لكننا في تلك الأثناء، يموت منا شخصٌ مع كلِّ دقة من دقات الساعة.»

فقال السيدُ هاناواي ويلز متأملًا: «المسألة هنا تكمن فيما إن كان الجيل الحاليُّ لا ينزع للاشمئزاز والتقزُّز فيما يتعلق بالحياة البشرية. لقد بيَّن لنا التاريخُ الفوائدَ الرائعة التي حصَدَتها أعظمُ الأمم من خلال تقليل عددِ السكان عن طريق الحرب.»

فعلَّق الدكتور لينارد قائلًا: «وقد بيَّن لنا التاريخُ أيضًا أن آخِرَ مصدرٍ من مصادر القوة هو القوة نفسها. فلم يصل أيُّ عقل حتى الآن إلى مخطَّط منطقيٍّ للتحكيم الدولي.»

قال الأسقف معترفًا: «أخشى أن الطبيعة البشرية لم تتغيَّر كثيرًا منذ عهد الفلستيِّين.»

هنا التفتَ جوليان إلى رفيقته.

وتمتم قائلًا: «حسنٌ، لقد اتفقوا جميعًا فيما بينهم، أليس كذلك؟» وأردفَ: «يُمكنكِ أن تجلسي هنا وتستمعي إلى ما يُطلَق عليه الصوت العصري.»

فهمسَتْ قائلة: «لكن ثَمة شيئًا واحدًا مفقودًا. ماذا كان بول فيسك سيقول، في اعتقادك، لو كان هنا في هذه اللحظة؟ أتعتقد أنه كان سيرضى بالاستماع إلى تلك الأصوات الوقحة ويتقبَّلُ حُكمهم؟»

أجابها جوليان: «من دون مقارنةٍ أو استخفاف، أكان السيد المسيح ليفعل؟»

ردَّت قائلة: «في إطار الشرط نفسِه، قد أُجيبك بأن السيد المسيح، من واقعِ كل ما نعرفه عنه؛ يمكن له أن يحكم مملكةَ الفردوس بصورةٍ رائعة، لكنه بلا شك لم يكن ليستطيعَ أن يجمع مجموعةً من الوزراء معًا في داونينج ستريت! لكنني بدأتُ أومن بإخلاصك وصدقك. أتعتقد أن بول فيسك مخلصٌ وصادق؟»

أجابها جوليان: «أعتقد أنه يرى الحقيقة ويُكافح من أجل التعبير عنها.»

كانت النساء ينصرفنَ عن المائدة. فمالت نحوه.

وهمست له قائلة: «لا تتأخَّر عني رجاءً. لا بدَّ لك أن تعترفَ أنني كنت رفيقةَ عشاء رائعةً. وقد حدَّثتُك طوال الوقت في موضوعك المفضَّل. لا بد أن تأتيَ وتُحدثني عما قريبٍ عن الفن.»

وبيده خلف ظهر كرسيِّه، راحَ جوليان يُشاهد النساء وهنَّ يَخرجن من هالة الأضواء الكهربائية الرقيقة إلى الظِّلال الأكثر قتامةً وكآبة للغرف العالية المقبَّبة، فكانت كاثرين أنحلَ قليلًا من معظم الأُخريَات وتسير بحركة متمهلة ذات رشاقة غريبة، لا بد أنها قد ورثتها من أحد أجدادها الروس. ظلَّت كلماتها الأخيرة تتردَّد في ذهنه. كان سيتحدَّث معها عن الفن! راودته رؤيا عابرةٌ للشابِّ الذي كان يرتدي مِعطفًا مشمَّعًا بلونٍ أصفر. فتذكَّر مسيره في الصباح والسيارة المعطَّلة تحت الأشجار. وبدأت دلالةُ تلك الأشياء تتخذ شكلًا معينًا في ذهنه. واستأنفَ جوليان جلسته وهو مذهولٌ بعضَ الشيء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤