الفصل التاسع والعشرون

توجه مارستن إلى عمله مفعمًا بحيوية وإصرار ربما لم يشعر بهما مسئول نقابي من قبل. فقد وضعه الحظ، أو القدر، في المنصب الذي لطالما كان يتمنى الحصول عليه. في البداية، لم يكن ثمة الكثير لفعله سوى الانتظار حتى تتعافى النقابة ممَّا ألمَّ بها من جراح، خلال النزاع الماضي الفاشل، ولكنه كان عاكفًا على التخطيط أثناء انتظاره، وشيئًا فشيئًا وضع النظام الذي كان يأمل أن يُحدث ثورةً في نظم العمالة على مستوى العالم. كان يراها في المستقبل جمهوريةً عمالية مترامية الأطراف، لا تقيِّدها جنسيات، بل تمتد جذورها في جميع أنحاء الأرض، وركيزتها الأساسية هي أن يكدح الفرد بيدَيه لإغناء الآخرين. ولكنه لم ينزلق إلى أوهام النجاح الفوري لمشروعه، ولم يُمنِّ نفسه بأن تنتشر أفكاره بسرعة انتشار وباء الكوليرا، على سبيل المثال، ولكن كان أول آماله أن يجعل للنقابة قدمًا راسخة في إنجلترا، ثم يُقدم على إضراب ناجح بامتياز — يُدار كما يدير قائد عسكري عبقري معركة — لإظهار ما يمكن لمجموعة شديدة التنظيم تحقيقه في مواجهة شركة ثرية وذات نفوذ مثل شركة مونكتون آند هوب. كان يتطلَّع إلى الوقت الذي يصبح فيه جميع العمال في إنجلترا أعضاءً في النقابة العمالية، وكان يأمل في أن يتمكن بعد ذلك من ضم جميع العمال في جميع الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، وأخيرًا ضم الأجانب الجهلاء المضللين. وعندما يتحد الجميع مثل شبكة الكهرباء في مدينة، سيتلقى الرأسماليون التعساء صعقةً مجمَّعة من النظام بأكمله، إذا ما حاولوا الضغط بأصابعهم على أي نقطةٍ منه، وسيموتون دون أن يدركوا ما أصابهم. وسيكون عتاد العمال كاملًا إلى حد ستتضاءل معه الإضرابات أكثر فأكثر حتى تتوقف تمامًا في نهاية المطاف، مثلما تتوقف الحروب عندما تصل الأسلحة الهجومية إلى حالة من الكمال، تردع الدول عن الدخول في صراعات فيما بينها.

ستُقسَّم هذه الجمهورية العمالية العظيمة إلى ولايات متعددة، وستُقسم هذه الولايات بدورها إلى أقسام أصغر بالعدد الذي ستُظهر التجربة أنه الأكثر عملية. سينتخب كل قسم أمينه، وسينتخب الأمناء حاكمًا للولاية، وسينتخب الحكام رئيسًا للمؤسسة بأكملها. ويجب أن يتقاضى كل مسئول راتبًا، حتى في المناصب الأدنى، يكفي لإعالته وإعالة عائلته دون الحاجة إلى العمل بيدَيه، حتى يُكرس كل مسئول وقته بالكامل لصالح النقابة.

أَولى مارستن الكثير من التفكير لمشكلة التوفيق بين الترقيات المستحقة والانتخابات العامة، وربما لو كان يعلم المزيد عن نتائج الاقتراع العام في مدينة مثل نيويورك، لربما أعاد بناء خطته برمتها من جديد، ولكنه كان يؤمن إيمانًا تامًّا بالمَثَل القائل صوت الشعب مؤيَّد بإرادة الرب، وربما لهذا السبب لم يقدِّر الصعوبات العملية التي تحدق بالنظام الذي بدا رائعًا من الناحية النظرية.

أقنعته تجربته السابقة بأنه يجب ألَّا يعلِّق أي آمال على أي مساعدة فعلية من العمال؛ فمحا على الفور هذا العامل من حساباته. فكَّر في أن يبدأ المعركة بحملة توعية، بحيث يتمكَّن بهذه الطريقة من استغلال الوقت الذي سيمر حتمًا قبل أن تمتلئ خزانة النقابة بالأموال مرةً أخرى، ولكنه اكتشف أنه لن يتمكن مطلقًا من جمع أكثر من نصف دزينة من العمال معًا في وقت واحد، كما أن من كانوا يحضرون الاجتماعات التي يدعو إليها لا يُبدون أي اهتمام بما يريد قوله. ولكن لم يحبطه ذلك؛ فقد كان مستعدًّا، إلى حدٍّ ما، لِلامبالاة التي رآها من قبل، وتذكر أن مثله الأعلى، نابليون، لم يكن يثق في أحد. كما أن نابليون كان يضرب دون سابق إنذار، وكانت ضربته تأتي سريعةً وقوية، وقرر مارستن أن يفعل المثل بمجرد أن يتولى زمام السلطة. وبعدما أخفق في ترغيب العمال جماعةً في فكرة وجود نقابة عامة ومغلقة على العمال، حاول مارستن أن يكتسب ثقة كلٍّ منهم على حدة، ولكن سرعان ما اكتشف أنه يسلك طريقًا خطرًا بمحاولته تلك. ودُهش عندما اكتشف أن ثمة معارضةً خفية ناقمة ضده، وأن الكثير من العمال ندموا، على ما يبدو، على اندفاعهم السخي الذي وضعه في هذا المنصب. لم يكن العمال يرون أن ما يؤديه من عمل يستحق المال الذي كان يحصل عليه، ورأى البعض أنهم يعطونه أكثر ممَّا يستحق؛ إذ لم يكن يؤدي أي عمل، ونصحه أكثر من عامل بأن يلتزم الصمت ويترك العمال وشأنهم، وأن يعلم أنه قد أصبح في رغد من العيش، وألَّا يلفت انتباه أعضاء النقابة إلى حقيقة أنهم يدعمونه، ليعيش حياةً من البطالة والترف.

قرَّر مارستن ألَّا يسمح لأي شيءٍ بأن يقف في طريق نجاحه. وكان يعتقد بأنه يستحق أي راتب يتقاضاه منهم، ولا أحد في لندن يملك دافعًا أقوى منه لجمع وتكديس الأموال، ولكن كان أكثر ما يبتغيه هو أن يكون رأي العمال فيه جيدًا، وأن يُقنعهم بأنه يعمل لمصلحتهم وليس لمصلحته الشخصية. وأدرك أنه سيكون عاجزًا بمفرده، ولكن دعمهم الموحد سيمنحه حصانةً لا تُقهر.

دعا مارستن إلى عقد اجتماع لإعادة النظر في راتب أمين النقابة، وشهد هذا الاجتماع حضورًا كثيفًا؛ لأن الموضوع قيد النقاش كان يحظى باهتمام العمال أكثر من حملته التوعوية المنبوذة، التي كان الغرض منها هو تعليمهم مبادئ الاتحاد. واعتقد أغلب العمال أنه أحمق لأنه لم يكن يدرك مدى حسن حظه.

قال مارستن مخاطبًا العمال إن هدفه من شغل منصب أمين النقابة هو توحيد صفوف العمال، لضمان نجاح الإضرابات المستقبلية. لم يحُز البشر أيًّا من حقوقهم دون معارك، ولكن كل المعارك يجب أن تكون ناجحة، ولن يتحقَّق النجاح إلا بعد القضاء على الفُرقة بين الصفوف. وقال صراحةً إنه عرف أن ثمة بعضًا من عدم الرضا بين العمال؛ لأنه يتقاضى أموالًا أكثر من الكثير من عمال النقابة، وإنه قد أعد تقديرًا لأقل مبلغ يساعده على العيش، والذي تبيَّن أنه أقل من أجر أقل موظف في المصنع. وكان على استعداد لتقاضي هذا الأجر، وتكريس وقته وطاقته كاملَين لقضية العمال بكل إخلاصٍ كما لو كان يتقاضى عشرة أضعاف هذا المبلغ.

عندما قال مارستن ذلك، هب جيبونز، الذي عثر أخيرًا على وظيفة في الجوار، واقفًا. قال إنه يعتقد أنه لا يزال من الممكن شغل منصب أمين النقابة بتكلفة أقل. فقد كان واثقًا من أن بينهم رجالًا يشغلون وظائف الآن، ويمكنهم أن يتولوا منصب أمين النقابة دون تقاضي أجرٍ من النقابة، وسيؤدون جميع الواجبات المكلفين بها بصورة مرضية لأغلبية العمال.

سأله رجل من بين الحضور: «لمَ لمْ تقترح ذلك عندما كنت أنت أمين النقابة يا جيبونز؟» وضحك البعض.

رد جيبونز وقد تصاعد حماسه تجاه فكرته: «لم أفعل لأني لم أكن أشغل وظيفةً حينئذ. لا أريد أن أُخطئ بكلمة في حق أمين النقابة الحالي، ولكني أود أن أطرح عليه بضعة أسئلة. لقد كان يومًا ما يرى أن سارتويل رجل ذكي للغاية نافذ البصيرة. أريد أن أعرف يا سيد مارستن، أما زلت على رأيك؟»

فأجابه مارستن: «أجل.»

«هل يمكنك أن تفسِّر للحضور إذن سبب عدم إقدام سارتويل على أي إجراءات أخرى من شأنها تعجيز النقابة، التي نعلم جميعًا أنه يرغب في القضاء عليها، بل وهدَّد بذلك فعليًّا؟ لماذا لم يشترط عندما أعاد العمال إلى المصنع أن يتركوا النقابة؟»

«أنى لي أن أعرف؟ ولكن يمكنني القول إنني أعتقد أن سارتويل رجل عادل في الأساس، رغم أنه قد يخطئ في بعض الأمور، ولا أظن أنه سيتدخل في الحرية الشخصية لموظفيه.»

«إنه لمن كرم أمين نقابتنا أن يتغزل في أمانة رجل نهب خزانتنا، ولن ننسى أن لسارتويل صديقًا واحدًا على الأقل بيننا. ومن المدهش بعض الشيء أن هذا الصديق الوحيد هو الموظف الوحيد، من بين جميع موظفي سارتويل، الذي طُرد من العمل فجأةً وبدون سبب، على حد علمنا. لديَّ سؤال آخر يا سيد مارستن. هل تعلم لماذا طردك سارتويل من العمل؟»

صمت مارستن واحمرَّ وجهه.

فاستطرد جيبونز في هدوء: «لست مجبرًا على الإجابة بالطبع. أنا أسأل فقط عما يدور في أذهان الكثير منا. وإما أنك تعلم السبب، وإما أنك لا تعلمه. لقد دعوت إلى هذا الاجتماع، وأعتقد أنك يجب أن يكون لديك الدماثة والكياسة للإجابة عن أي أسئلة — أي أسئلة معقولة — تُطرح عليك. تقول إنك ترغب في دعم العمال الذين تخدمهم. وهذه رغبة مقبولة، ولكن لكي نوليك هذه الثقة، علينا أن نعرف كل شيء عنك. سأطرح عليك السؤال للمرة الثانية، هل تعلم لماذا طردك سارتويل من العمل؟»

«نعم.»

«لماذا؟»

«بسبب خلاف شخصي بيننا لا شأن لهذا الاجتماع به.»

«أوه، حقًّا! لديك إذن تعاملات شخصية مع الرجل الذي كنا نحاربه، وتفضِّل ألَّا نعلم شيئًا عنها. لن أضغط عليك للحصول على إجابة أكثر تحديدًا. فلا أحد مجبر على إدانة نفسه. لقد منحتُ السيد مارستن فرصةً لكي يفسِّر بعض النقاط الغامضة التي حيَّرت بعضنا، وأعتقد أن الإجابات التي انتُزعت منه بشق الأنفس، بعد تردد شديد الوضوح، لم تحسِّن موقفه، ولم تزد من استعداد أي رجلٍ رشيدٍ بيننا لأن يمنح أمين نقابتنا تلك الثقة التي يبدو أنه يرغب فيها بشدة. أودُّ أن ألفت انتباهكم الآن إلى بعض النقاط. لقد كانت اللجنة التي كنت أعمل معها تراودها شكوك جدية، سواء عن حق أو دون وجه حق، بشأن ولاء السيد مارستن خلال النزاع الأخير. فقبل بدء الإضراب، أقر بنفسه أنه اجتمع مع سارتويل في الغرف المغلقة، كما نعلم أنه الرجل الوحيد الذي التقى العدو خلال النزاع، والرجل الوحيد الذي تمكن من إخبارنا بخطط العدو؛ للأسف، بعد أن فات الأوان للاستفادة من هذه المعلومات. وكلما مررنا بأزمة، وجدنا السيد مارستن يُلقي خطبة تدعو إلى الاستسلام، من منطلق إشفاقه على العمال بالطبع. أنا لا أُلقي باتهامات، بل أعرض حقائق يُقر بها السيد مارستن بنفسه، وإذا كان ثمة خطأ في أيٍّ مما أقول، فهو لا يزال هنا ليصحِّحه لي. وكان لهذه الحقائق تأثير كبير على اللجنة، ما أثار الريبة في أذهان أعضائها؛ فقد شعروا بأن رغبة السيد مارستن في إرضاء سارتويل أقوى من رغبته في رؤية رفاقه ينتصرون، لسبب لا يعلمه إلا الله. وماذا يحدث الآن؟ انتهى الإضراب، وفوجئنا بأن العامل الوحيد الذي طُرد من عمله هو السيد مارستن. ثم كانت الخطوة التالية هي تنصيب هذا الشاب أمينًا للنقابة من خلال تصويت بالإجماع. وظني أن الاقتراع كان في صالح العمال، ولو كنت حاضرًا، كنت سأصوت للسيد مارستن. ولكن دعونا ننظر في الأمر بمزيد من التدقيق. مَن الذي روَّج لانتخاب أمين نقابتنا الجديد؟ لقد وصلت الآن إلى نقطة شائكة، وأريد أن أكون واضحًا تمامًا، وأن أتحدث بإنصاف تام. من النبل «ألَّا نتحدث بالسوء عن موتانا»، ولا يمكنني أن أذكر البطل برونت إلا بالخير. ولا ثناء قد يوفي هذا الرجل حقه؛ فقد ضحى بحياته في سبيل إنقاذ الآخرين.»

قوبل ما قاله جيبونز بهتاف صاخب، ومر بعض الوقت قبل أن يتمكن من مواصلة حديثه. وظل مارستن جالسًا في صمت في مقعده ينتابه شعور بالعجز، كما لو كان مجرمًا قيد المحاكمة. كان يشعر بأن الظروف والملابسات تُضيِّق عليه الخناق.

«مات برونت بطلًا مثلما عاش بطلًا. فقد كان واضحًا وصادقًا في معارضته لنا منذ البداية، وكان يواجهنا بنزاهة كنت أتمنى لو حاكاها سارتويل. فهو لم يحصل على أجر الإضراب على الإطلاق، واستخدم في وصفنا ألفاظًا آمل أنها نُسيت، وأعلم يقينًا أنها قد غُفرت. لم يكن في معارضته لنا أي خداع، وقصم ظهر الإضراب بضربة قاضية عندما بلغ منا الإرهاق مبلغه وأصابنا اليأس. ولكن بينما نذكر جميع محاسن شخصية برونت الرائعة، علينا ألَّا ننسى أنه كان أقوى خصومنا على الإطلاق، وأنه من انتخب السيد مارستن أمينًا لهذه النقابة.

أيها السادة، أنا رجل بسيط لا أرى نفسي أفضل من أي شخص عادي. ولا أبحث عن ملائكة مجنَّحة بين رفاقي من العمال، بل أبحث عن دوافع دارجة وعادية في محاولة تتبُّع الأسباب والنتائج. ليس من الطبيعي أن يتوسل رجل من أجل تخفيض راتبه إلا إذا كان هذا الرجل ملاكًا، أو كان هناك سبب خفي وراء قيامه بذلك. نحن نُضرب عن العمل من أجل رفع رواتبنا، ولم أسمع من قبلُ عن مُفوَّض من العمال يطلب من صاحب عمل أن يُخفِّض راتبه. لقد فعل السيد مارستن شيئًا نعلم أنه أبعد ما يكون عن المعتاد والمألوف، ونرى أنه غير طبيعي. ما دافعه لهذا الفعل؟ من سيعوِّض هذا العجز في راتبه؟ هذه أسئلة أتركها لكم لتُجيبوا عليها. أنا لم أحاول عرض أي شيء سوى الحقائق، ولم أقل شيئًا متناقضًا. والنتيجة سلسلة من الأدلة الظرفية من شأنها أن تقنع أي شخص في أي محكمة في البلاد. كم من رجال أُعدِموا بناءً على أدلة أقل اكتمالًا من تلك.»

جلس جيبونز وسط عاصفة من التصفيق. ونهض مارستن ببطء. كان يعلم أن الاجتماع قد انقلب ضده، وأن عليه أن يقلب الطاولة لصالحه، وإلا خسر السباق قبل أن يبدأ. وحينئذٍ، لمعت في ذهنه عبارة: «ليس الرأسمالي هو من سيهزمك، بل من تُناضل من أجلهم.» وتذكَّر انعدام إيمان برونت التام باتحادهم الزائف. ثم تحدث قائلًا:

«لقد أنصتُّ باهتمام إلى ما قيل، واستمعت دون مقاطعةٍ لأني جلست منبهرًا ببراعة الخطاب، ومعجبًا بقوته ومنطقيته، وآسفًا بشدَّةٍ لافتقاري إلى طلاقة ومواهب الخطيب الذي جلس الآن. ثمة أمران الآن يشغلان ذهني ويسيطران عليه. أولهما أنه لو كان ثمة غريب في مكاني وكنت أنا جالسًا بينكم، كنت سأصدِّق أنه مذنب. ثانيهما ثمة شعورٌ بالتعاطف يطغى عليَّ تجاه أي شخصٍ يُدان بناءً على أدلَّة ظرفية. وصرت أعلم يقينًا الآن أن ثمة الكثير من تعساء الحظ عوقبوا بالموت دون ذنب. جيبونز، لقد أشرت إليَّ على مدار خطابك بالسيد مارستن. أنا أرفض لقب «سيد» كما تفعل أنت بلا شك؛ لذا سأدعوك جيبونز فقط. جيبونز، لقد هزمتني. لقد انقلب الاجتماع الذي دعوت إليه ضدي وصار في صالحك.»

تصاعدت صيحات احتجاج على هذه الكلمات.

«أوه، نعم، هذا صحيح. وسأثبت ذلك فورًا بالدعوة إلى تصويت عليه، إذا أردت.»

فصاح جيبونز: «مهلًا! هذا ليس عدلًا. أنا أعترض على إجراء تصويت بعد إعلان مثل هذا.»

«لن أمنح نفسي أي أفضلية غير عادلة، وما تحدَّثت عن تصويت إلا لوجود تشكيك في مصداقيتي. لقد طرحت عليَّ يا جيبونز عدة أسئلة، وأطالب بحقي في طرح بعض الأسئلة عليك، وأُلزمك بأن تجيب عليها بصدق كما لو كنت تحت القَسَم. هل تعتقد حقًّا أنني أعمل لصالح سارتويل؟»

«لم أقل ذلك.»

«هل تعتقد أني أفعل؟»

«نعم، أعتقد ذلك.»

«ما هدف سارتويل من شراء ذمتي؟»

«أوه، الهدف بديهي للغاية. إذا ما تحكم بك، فسيتحكم بقرارات النقابة.»

«أرجو أن توضح لي كيف سيفعل ذلك. ما من قرار يُتخذ دون أغلبية الأصوات.»

«بالضبط. وهذا ما يجعلك تلتمس ثقتنا ودعمنا، حتى عندما يحين الوقت، يمكنك أن تسلِّم سارتويل ما دفع مقابله.»

«فهمت. وهل سبق أن عرض سارتويل شراء ذمتك؟»

«لم يفعل ذلك البتة. فهو يعلم أني سأرفض قطعًا.»

«هل أقدمت أنت على بيع ذمتك لسارتويل؟»

«ما هذا؟ ماذا تعني؟»

«سأصوغ السؤال بطريقة أخرى. هل أرسلت إلى سارتويل خطابًا خاصًّا قبل بضعة أيام من انتهاء الإضراب؟»

هب جيبونز واقفًا في ارتباك واضح لدرجة أثارت ضحكات عدد من الحضور، وكان الجميع في حالة من الحماس المشوب بالتوتر. فقد كان ما يدور أمامهم من نوعية الأمور التي كانت تستهويهم. فكان مارستن يقلب الطاولة على رأس جيبونز.

صاح جيبونز: «بمَ تتهمني؟»

«أنا مثلك تمامًا، لا أُلقي اتهامات. هل أرسلت له خطابًا أم لا؟»

«يمكنني بصفتي قائدًا للإضراب أن …»

«لا، لا. أجب بنعم أو لا.»

«دعني أشرح ما حدث. أقول إن …»

«أجب على السؤال أولًا يا جيبونز.»

«أرفض إكراهي على الإجابة بهذه الطريقة. أنا على استعداد للإجابة على أي أسئلة، ولكن يجب السماح لي بالإجابة عليها بطريقتي.»

«لا أحد مجبر على إدانة نفسه يا جيبونز، كما أشرت منذ برهة. وبما أننا لا يمكننا أن نحصل على إجابة منك على هذا السؤال، فسأطرح عليك سؤالًا آخر. هل تمنحني الإذن بقراءة خطابك إلى سارتويل أمام الحضور؟»

بُهت جيبونز، ونسي تمامًا في خضم ثورته أن الخطاب قد أُعيد إليه، ولم يتذكر إلا أن محتواه لا يصلح للعرض العلني. وبدا موقفه موقف من يشعر بالذنب.

فهتف الحضور: «اقرأ، اقرأ!» وبدا أن الهتافات قد نبهت جيبونز إلى ما يحدث من حوله.

فتلعثم قائلًا: «أعترض على قراءة خطاب شخصي على الملأ.»

فقال مارستن: «معك كل الحق في هذا أيضًا. لقد اعترضتُ على مناقشة خلاف شخصي على الملأ، واعتُبر اعتراضي ذريعةً ضدي. لا رغبة لديَّ في وضع خصمي في موضع حرج، وسأقول على الفور إن محتوى الخطاب المذكور قد يكون بريئًا مثل كلمات أغنية الأطفال «ماري هاد ليتيل لامب» (ماري لديها حَمَل صغير). فأنا لم أقرأه ولم أرَه من قبل. لقد سمعت عنه بمحض الصدفة، ولكني لا أعرف شيئًا عن محتواه. أعتقد أنك قد أدركت الآن مدى سهولة أن تطرح على رجل سؤالًا قد يتردد في إجابته، ومدى ضعف الأدلة الظرفية. والآن يا جيبونز، أصبحنا متعادلَين، وأنا على استعداد لأن أطوي صفحة الماضي إذا ما كنت مستعدًّا أنت أيضًا لذلك. وأقسم لكم — وهذا كل ما يمكنني تقديمه لكم، لأنني أفقركم — بأنني لا أعمل لصالح أحد على وجه الأرض سواكم. أقسم لكم أني لا أهدف إلا لشيء واحد وهو تحسين أوضاعكم. وكل ما أطلبه منكم هو النزاهة في التعامل. ربما لا يمكنني أن أحقِّق ما أعتقد أني قادر على تحقيقه، ولكني أريد المحاولة. وإذا فشلت، فلندع الرجل التالي يتقدَّم ويحصل على فرصته، ولن يكون له داعم مخلص أكثر مني. إذا ما دبَّت الفرقة بين صفوفنا، فلن نحقق شيئًا؛ لذا أنا بحاجة لدعم كل رجل في النقابة، لا سيما الرجل الذي يعتقد أنني كنت خائنًا، والذي أُعلن له ولكم أني لست خائنًا. والآن يا جيبونز، كان هذا اجتماعًا مفتوحًا للأسئلة والإجابات. ودار نقاشٌ حرٌّ بين الجميع هنا الليلة. ولديَّ سؤال واحد أخير أريد أن أطرحه عليك: هل ستكون صديقي أم عدوي؟»

تصاعد هتاف الحضور قائلين: «فلتلتزم بالقواعد يا جيبونز!»

«لقد حان الوقت!»

«أسمعنا صوتك يا صديقي!»

«أفصح عما لديك يا جيبونز!»

فنهض جيبونز، الذي استعاد رباطة جأشه، وقال: «أقترح أيها السادة تثبيت السيد مارستن في منصب أمين النقابة، وآمل أن يكون التصويت على ذلك بالإجماع. سنمنحه ما يريد، الفرصة العادلة، وما دام يعاملنا بإنصاف، سنعامله بإنصاف. وبما أن صداقتي أو عداوتي مهمة، يمكنني القول إنني صديق أي شخص يدين بالولاء لقضيتنا، وعدو لأي شخص يعارضها. وأعتقد أن هذا كل ما يمكن مطالبتي أو مطالبة أيٍّ من الحضور به.»

وافق الجميع بالإجماع على هذا الاقتراح وتم اعتماده، وتلاشى السبب الذي عُقد الاجتماع من أجلِه من أذهان الجميع.

استمرَّ مارستن في عمله التنظيمي، ولاقى الكثير من التشجيع من الجمعيات التي راسلها. وإذا كانت ثمة معارضة له في نقابته، لم تكن على الأقل تُفصح عن نفسها بوضوح، ولكن لم يرتكب مارستن خطأ الاعتقاد أن جيبونز قد أصبح صديقًا له.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤