الفصل الثاني

النجمة الهاوية

طائفة من الخواطر في طائفةٍ من النساء
وترَقْرَقَ السحاب فإذا هو كنَضْج الدم،١ وإذا هو يَفور فَوْرَهُ؛٢ فَبانَ كأنما يتدفَّق من طعنةٍ أرى دمَها، ولا أرى موضعَها؛ لأن هذا الشَّلالَ الأحمر يتفجَّر منها.
ورأيتها هي طالعةً كالشمس حين تغرب محمرة يَتَغالبُ طَرَفا الليل والنهار عليها؛ ففيها أواخرُ النور، وأوائل الظُّلمة، وسوادُها يمشي في بياضها٣

قلتُ يومًا في صفة إحدى القصائد البديعة: إنها فَنٌّ من الشعر؛ وفي إحدى الصور المُحْكمة: إنها فن من التصوير؛ وفي تلك الجميلة: إنها فنٌّ من المرأة! أما الآن فقد عرفنا أن اصفرارَ الشمس إيذانٌ بسواد نصف أرضها.

وتقول العرب: امرأةٌ مَجْلُوَّة؛ ويفسرون ذلك بأنك إذا رامَقت فيها الطرفَ٤ جال؛ يَعْنُون أنها من جمالها ذاتُ شعاع، فيجول الطرفُ فيها لأجْل شعاعها وبَريقها؛ أفلا يجوز لنا أنْ نزيد في هذه اللغة: وامرأةٌ صَدِئة، ونفسرها بأنها هي التي إذا اتَّصلْتَ بها تركتْ مادةَ الصدأ على روحك اللامع؛ لأنها كهذا الصدأ طينَت على طِينتها؟٥

•••

لست أريد أن أصنعَ في هذا الفصل كتابة؛ حتى لا أدير الكلام على شيء، فقد مُسِخَت تلك النفْسُ في نفسي فخلصَتْ لي منها هذه الكلمةُ الجميلة: «تتمُّ آمالنا حين لا نؤمل»، ولكني مرسلٌ مطرة سحابي تَهطِلُ ما هطلَتْ؛ فالمرأة الأولى أضاعت على الرجل جنَّتَه، ومن نسْلها نساءٌ يُضَيِّعن على الرجل الجنة وخيالَها! ولو استطاعت الأرض أنْ تفرَّ من تحت قدمَيْ مخلوق براءةً منه، لكان أوَّل من تَنخزل تحت رجليه٦ واحدة من هذا النوع!
  • مِلْحُ اللهِ لا يحلو أبدًا؛ فماذا تصنعُ في نفسٍ لو سالت لكانت بُحَيْرَة؟

  • سرورُك من الصديق الطَّيب لا يكلِّفك إلا أنْ تستمتع به، وأنت لا تخسر فيه إذا زال إلا أنه زال؛ فإذا لم يكن الطيِّب في نفسه طيِّبًا كذلك في أثره فهو الخبيث!

  • بعضُ النساء تنْقُصُ بها الحزنَ، وبعضهن تُغَيِّر بها الحزن، وبعضهن … تُتم بها حزنك!

  • لا يتَّقِدُ الشجرُ الأخضر إلا من أشد النار سَعيرًا، وتتَّقِد المرأة الجميلة حتى من أشعة وهمها!

  • في قلب الرجل ألف باب، يدخل منها كل يوم ألف شيء؛ ولكن حين تدخل المرأة من أحدها لا ترضى إلا أن تغلقها كلها!

  • النساء مَنْجَمُ السعادة؛ فرجُلٌ واحد لا يكاد يمدُّ يده حتَّى يضَعها على الجوهرة المُشرقة؛ ومائة رجل يُغَرْبلون حصى المرأة وترابَها ليجدوا فيها شَذرَة تلمع!

  • قال لي زوجٌ عن امرأته: أنا وهي ينتج منهما أنا بِلا أنا!

  • لم يَخلق الله أحدًا مكروهًا قط، وإنما نبغضُ من النَّاس الصورَ المكروهة التي يُحْدِثونها: فعملك شخصُك الحقيقي!

  • كم من امرأة جميلة تراها أصفى من السماء، ثم تثور يومًا، فلا تدل ثورتُها على شيء إلا كما يدل المُسْتَنْقعُ على أن الوحْلَ في قاعه؛ فأَغضِبِ المرأةَ تعرفها!

  • الحبيبُ من تَلتهمه بكل حواسك، فإذا رأيته فقد رأيته، وسمعته، وذُقته، ولمستَه، وشممته؛ والبغيض من تقِيئه من حواسك …

  • في المرأة حقيقةٌ، ولكنها لن تعرفها إلا بفكر رجل، فالكاملة من لا تسيء أحدًا، وإلا أساءت إلى حقيقتها!

  • كل ما يَخْطُرُ ببالك فقدِّرْ معه ضِدَّه إذا كنت تفكر في الحب والبغض!

  • يجب على المدارس حين تعلِّم الفتاة كيف تتكلم، أن تُعلِّمها أيضًا كيف تسكت عن بعض كلامها!

  • الخبيثاتُ للخبيثين، قيل لأرض حَطِيبَة:٧ من تشتهين أن يكون زوجَك لو كنت امرأة؟ قالت: الفأس!
  • تجاورت شجرةٌ من الحَسَك،٨ وشجرة من الورد؛ فَزهَت الوردة زَهْوًا عاطرًا بطبيعة العِطْر الذي في مادتها. فقالت لها الحَسَكة: ويحك! ما هذا الزَّهْوُ الذي أفسدتِ به محلك من نفسي؟ قالت الوردة في كلام هو عِطْرٌ آخر: لا تتعبي نفسكِ في تحقيري، فلست أفهم لغَة الشوك إلا إذا كان يُنْبت الورد!
  • قد يتغيَّر الرجل في نظر امرأته حتى تقول له: يا أنتَ الأولَ، يا أنت الثاني!٩

    … ولكني عرفت رجلًا قال لامرأته: يا أنتِ الخامسة والخمسين!

  • قيل لحيَّةٍ سامَّة: أكان يَسُرُّكِ لو خُلقت امرأة؟ قالت: فأنا امرأةٌ غير أن سمي في الناب، وسمها في لسانها!

  • ما ألأمَ الشجرةَ التي لو نطقت لشتَمَت من يسقيها!

  • لا يفكر الرجلُ فيما لم يَحْدُثْ على اعتبار أنه حادث، إلا في شيئين: المصيبة التي يكرهها، والمرأة التي يحبها!

  • قال رجلٌ حكيم: إذا بلغك عن أخيك ما تكره، فاطلبْ له من عُذْرٍ واحد إلى سبعين عذرًا، فإنْ لم تجِدْ فقل: ولعلَّ له عذرًا لا أعرفه! وقالت امرأةٌ حكيمة: إذا بَلَغكِ عن رَجُلٍ ما تكرهين فاطلبي له من ذنبٍ إلى سبعين ذنبًا، ثم قولي: ولعل له ذنوبًا لا أعرفها … زَوِّجوا الحكمتين أيها الناس!

  • يُخَيَّل إليَّ أنَّ عقل بعض النساء مثل وجوههن المزوَّرة: تحته ما تحته، وليس عليه إلا «غُبارٌ» من العقل!

  • من المستحيل أنْ تُسْكِر النارُ وإنْ كان شررُها ينطفئ كحَبب الكأس، ومن المستحيل أنْ تَلْذَعَ الخمرُ وإن كان حَبَبُها يموجُ موج الشرر، ولكن من الممكن أنْ تجد في امرأة واحدة لذْعَ النار، وإسكار الخمر معًا، وهي شيطانة النساء، يجتمع ممكنُها من مستحيلين!

  • شرُّ النساء عندك وعندي هي التي تجعلك تتنبه إلى ما في النساء من الشر!

  • قال بعضهم لزاهِدٍ عظيم: إني رأيتك الليلةَ تمشي في الجنة؛ فقال له الزاهد: ويْحَك أمَا وجد الشيطان أحدًا يسْخَر منه غيري وغيرك؟ وقال رجلٌ لامرأة: إني رأيتك الليلة في الجنة؛ فقالت له: ويحك! تقولها من غير أن تشكر فضلي عليك مع أني أدخلتك الجنة!

  • أشأم النساء على نفسها من لا تُحبُّ ولا تُبْغض، وأشأمهن على الناس من إذا عدَّت مُبغضيها لا تعدُّ إلا الذين أحبُّوها!

  • يا هذه لا أدري ما تقولين؛ ولكنّ الحقيقة التي أعرفها أن نفس المرأة إذا اتَّسَختْ كان كلامها في حاجة إلى أنْ يُغسَل بالماء والصابون، وهَيهات!

يا مَن على الحب يَنْسانا ونَذكرُهُ
لسوْفَ تذكرنا يومًا وننْساكا
إنَّ الظلامَ الذي يَجلوك يا قمر
له صباحٌ متى تُدركْه أخفاكا

هوامش

(١) خروج الدم وسيلانه.
(٢) غضبه.
(٣) انظر كتاب «رسائل الأحزان».
(٤) أرسلت فيها النظر.
(٥) أي جبلت على جبلتها وطبعها، والصدأ أشبه بالطينة في معدنه.
(٦) أي تنقطع وتنخسف.
(٧) أي كثيرة الحطب؛ لخبث تربتها.
(٨) الحَسَك: هو الشوك، وسُميت به شجرته مجازًا.
(٩) يريد تغيُّر الطباع، وفتور النفس، وما أشبه ذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤