ما المقدمة؟

الميتافيزيقا أحد الفروع الأربعة الأصلية الرئيسية للفلسفة، إلى جانب عِلم الأخلاق، والمنطق، ونظرية المعرفة. إنها موضوعٌ قديم، ولكنها لا تزال تثير الفضول. كما أنها تجذب اهتمام الكثيرين ممن ليس لديهم سوى معرفة بسيطة عنها، ولكنهم حريصون على معرفة المزيد.

تقترن الميتافيزيقا لدى البعض بما هو روحاني أو ديني. ويعرفها آخرون من خلال الشعراء الميتافيزيقيين الذين يتحدثون عن الحب والروحانية. ويهدف هذا الكتاب إلى تعريف غير الملمِّين بالميتافيزيقا بالكيفية التي يفهمها بها الفلاسفة، ويمارسونها. تبدأ العديد من الأعمال التمهيدية للموضوع باستعراض ماهية الميتافيزيقا، والكيفية التي يتسنى بها معرفة حقائقها. ولكن هذا في حد ذاته واحدٌ من أصعب الأسئلة التي اختلف عليها الناس، وسرعان ما قد يجد القارئ نفسه غارقًا في التفاصيل فيفقد الاهتمام. لذلك فإن هذا الكتاب يبدأ من النهاية، وينتهي بالبداية. وهكذا سأحتفظ بسؤال ما هي الميتافيزيقا، وسُبُل الدفاع عنها للنهاية. غالبًا ما تكون أفضل طريقة لفهم نشاطٍ ما، هي ممارسته بدلًا من تنظيره. وفي هذه الحالة، سنبدأ بممارسة بعض الميتافيزيقا: أي تناوُل بعض الأسئلة التي تبدو بسيطةً وسهلةً، ولكنها تتعلَّق بالطبيعة الجوهرية للواقع.

سنتناول مجموعة متنوعة من القضايا باستخدام عددٍ قليل فقط من المفاهيم والمصطلحات المتخصصة. ومع نهاية الكتاب، من المتوقَّع أن يصير القارئ على معرفة معقولة بالمشكلات المتعلقة بالجوهر، والخصائص، والتغييرات، والعِلل، والاحتمالات، والزمن، والهُوية الشخصية، والعدم، والانبثاق. آمُل ألَّا يُرهِب الكتاب قرَّاءه، كما قد تفعل العديد من كتب الفلسفة، خاصةً في الميتافيزيقا.

غالبًا ما تبدو أفكار ومفاهيم وأسئلة الميتافيزيقا سهلةً، بل وساذجةً. ما الأشياء؟ هل الألوان والأشكال لها وجودٌ من نوعٍ ما؟ ما الفرق بين أن يسبِّب شيءٌ شيئًا آخر بدلًا من أن يكون مرتبطًا به فحسب؟ ما الممكِن؟ هل الزمن يمرُّ؟ هل الغياب، والثقوب، والنقص، والعدم لها أي شكل من أشكال الوجود الإيجابي على الإطلاق؟ تبدو هذه الأسئلة حمقاء من وجهة نظر بعض الناس، لكنها من وجهة نظر آخرين في صميم ما تعنيه الفلسفة. وأولئك الذين يرَونها بهذه الطريقة غالبًا ما يشعرون بأن القضايا التي تثيرها هذه الأسئلة هي أهم وأعمق القضايا التي يمكن للبشر التفكير فيها. إن الميتافيزيقا من بين جميع الموضوعات الأخرى هي التي تثير فينا حسَّ التساؤل، ولهذا السبب يعتقد البعض أن ممارسة التمارين الميتافيزيقية هي أنفع ما يمكننا أن نُنفِق فيه وقتنا.

إذا كنتَ قد وصلتَ إلى هذا الجزء، فمن الوارد أن تكون الميتافيزيقا استحوذت على خيالِك وفضولِك. في هذه الحالة، لا بد أن نبدأ فورًا في جولتنا الصغيرة لاستكشاف السِّمات الميتافيزيقية للعالَم. ولكن من أين نبدأ؟ الفلاسفة لا يعلمون على الإطلاق حقًّا. غالبًا ما تكون الأمور التي ينشغلون بها مترابِطة. فلكَي يفهموا مسألةً، عليهم أولًا أن يفهموا مسألةً ثانية. وعلى ذلك لا بد أن ينطبق الشيء نفسه على المسألة الثانية أيضًا: فلِفَهْمها، لا بد أن نفهم مسألة ثالثة، وهكذا دوالَيك. ويبدو أن هذه هي الحال أيًّا كان المكان الذي سنبدأ منه. أحيانًا لا يتأتَّى فهم العالم إلا من خلال فهم الكل، مما يجعل من الصعب شرح مشكلات الفلسفة بتسلسلٍ منظم، مثلما ينبغي للكتب بالضرورة أن تسعى وتفعل. من ثَم فإن موضع البداية اعتباطيٌّ إلى حدٍّ ما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥