الفصل الخامس

المستقبل

(١) المجتمع والفن Society and Art

من المتفق عليه أن الاكتراث الزائد بأي شيء عدا الحاضر، لا يليق بمنزلة الحيوان البشري السوي، ورغم ذلك فكم منا من يستطيع أن يُقاوم تلك اللذة الحمقاء، لذة التفكر في الماضي والتكهُّن بالمستقبل؟ سلِّمْ مرةً بأن الحركة المعاصرة هي أمرٌ خارج عن الشائع بعض الشيء، وأن فيها مخايل بداية، وستجد نفسك تسأل: «بداية ماذا؟» بدلًا من أن تُقرَّ هادئًا لتستمتع بالمشهد النادر — مشهد نهضة. إنه الفن، كما نأمل، جادًّا وحيًّا ومستقلًّا، يَطرُق الباب، ونحن مدفوعون لأن نسأل: «ماذا سوف ينجم عنه؟» هذا هو السؤال العام الذي ستجد أنه يَنقسِم إلى تساؤلين محدَّدين تحديدًا كافيًا: «ماذا سيفعل المجتمع بالفن؟» و«ماذا سيفعل الفن بالمجتمع؟»

إنه لمن الخطأ أن نفترض أنه ما دام المجتمع لا يُمكن أن يؤثر في الفن مباشرة فهو لا يمكن أن يؤثر فيه على الإطلاق. إنَّ المجتمع يُمكن أن يؤثر في الفن بشكلٍ غير مباشر؛ فمِن الجلي أنه إذا اعتبر خلق الأعمال الفنية جريمةً عُظمى فإن كمية النتاج الفني، إن لم تكن كيفيَّته، سوف تتأثَّر. وهناك مُقترحات أقل همَجية، ولكن أشد هولًا بكثير، يَطرحها من وقت لآخر مُخطِّطون حكوميون مثقَّفون، يريدون ألا يجعلوا الفنانين مُجرِمين بل موظَّفين مسئولين ذوي رواتب عالية. ورغم أن إدارة شئون الدولة لا يمكنها أن تفيد الفن فائدة إيجابية، فما يزال بإمكانها أن تُجنِّبه الكثير من أذاها، وإنَّ قُدرتها على الأذى لكبيرة. إنَّ الخير الوحيد الذي يمكن للمجتمع أن يُسديَه إلى الفنان هو أن يتركه وشأنه، أن يمنحه الحرية؛ فكلَّما تحرَّر الفنان من ضغط الذوق العام والرأي العام، ومن رجاء المكافآت ووعيد الأخلاق، ومن الخوف من الجوع التام أو الخوف من العقاب، ومن مَخايل الثروة أو التقدير الشعبي؛ كان ذلك أفضل له وأفضل للفن، وأفضل بالتالي للجميع.

أطلقوا يد الفنان.

ها هو شيء يُمكن أن يفعله للفن أولئك النفر ذوو النفوذ والشأن الذين يؤكِّدون دائمًا أنهم يَودُّون أن يُقدموا للفن أي شيء.

وبوسعهم أن يبدءوا عملية الرعاية بإلغاء المؤسسية في الفن وتجريده من الأوقاف، وسحب الإعانات من المدارس الفنية، ومُصادَرة الأموال التي تُسيء الأكاديمية الملكية استخدامها. إنَّ قضية المدارس عاجلة؛ فمدارس الفن لا تفعل سوى الأذى (ذلك أنها يتعيَّن عليها أن تفعل شيئًا). إن الفن لا يُتعلم، وهو على أيَّة حال لا يُدرَّس، وكل ما بوسع مدرِّس الرسم أن يُدرِّسه هو صنعة التقليد، والمدارس يتحتَّم فيها أن يوجد معيار للامتياز، وهذا المعيار لا يُمكن أن يكون معيارًا فنيًّا؛ ذلك أن مدرِّس الرسم يُقيم المعيار الوحيد الذي يقدر على استخدامه؛ وهو الأمانة في نقل الأنموذج. ليس بإمكان أي معلم أن يصنع من الطالب فنانًا، ولكن بإمكان جميع المعلمين أن يُحولوا الصبية والفتيات التُّعَساء الذين خُلقوا فنانين بالفطرة إلى دجَّالين أو متهوِّسين أو مُجرِمين أو مجرَّد حمقى. الغلطة ليست غلطة المعلم، وما ينبغي أن يُلام؛ فهو هنا لكي يهيئ جميع تلاميذه لمعيارٍ معين للكفاءة يمكن أن يدركه المفتشون وعامة الجمهور، والصفة الوحيدة التي يمكن لهذا المعيار أن يحكم عليها هو مظهر الصدق verisimilitude، والأوجه الوحيدة التي يمكن أن تختلف بين عملٍ وآخر في نظر شخص فاقد الحساسية كالمعتاد (مثل مفتش لجنة التعليم) هي اختيار الموضوع وأمانة النقل؛ ومن ثم فحتى لو أمكن لمُعلِّم الرسم أن يميز الموهبة الفنية فلن يكون بوسعه أن يَرعاها، ليست المشكلة أن معلمي الرسم أشرار بل أن النظام فاسد، وأن مدارس الفن يجب أن تُغلق.
وإنني لأجرؤ على القول بأن المال الذي تُكرِّسه الدولة حاليًّا لإحباط الفن كان أجدى لها أن تُعطيه للأغنياء. وقد كنتُ أودُّ أن أحثَّها على ادخاره لشراء الأعمال الفنية. غير أن هذا ربما لا يُفضي إلى شيء سوى الأذى؛ فمن غير المتصوَّر أن يكون على أي حكومة كانت أن تشتري ما هو أجود من أعمال عصرها؛ فالسؤال هنا هو إلى أي حدٍّ يكون شراء الحكومة حتى للوحات القديمة الرفيعة ذا فائدة للفن؟ وهو سؤال لا يستأهل النقاش؛ فرغم احتمال أن تضمَّ حكومةٌ ما بين مستخدميها من هو قادر على تمييز العمل الفني الرفيع (شريطة أن يكون قديمًا بدرجةٍ كافية) فإن الحكومة الحديثة ستُولي عنايتها بمناوأة ذوقهم الرفيع الذي يُشكل خطرًا. إن اقتناء الدولة للفن القديم الرفيع قد يكون خطة مُجدية وقد لا يكون؛ وإنني لأجرؤ على القول بأنه سوف يكون، ولكن شراء أعمال أساتذة الدرجة الثالثة القدامى، وobjets d’art لا يمكن أن يعود بأي نفع إلا على التجار. وكما آمل أن أوضح لاحقًا، هناك ما يقال من أجل دعم صالات العرض والمتاحف وإثرائها، لو كان بالإمكان تغيير موقف الجمهور وتصور الحكومة تجاه هذه الأماكن. أما بالنسبة للفن المعاصر فتُعدُّ الرعاية الرسمية أضمن وسيلة لرعاية كل ما هو فاحش الخبث والحماقة فيه. إن أنصابنا العامة وتماثيلنا والمباني التي تشين شوارعنا والطوابع البريدية والنقود والبورتريهات الرسمية ليست أكثر من طُعم للغرائز الدنيا لأراذل طلاب الفن، ومن إغراءٍ هائل لأفاضلهم.
بعضٌ من أولئك الأنبياء الكرماء الذين يَقبعون في بيوتهم يحلمون بمجتمعات شيوعية خالصة، بلغت سماحتهم أن يَجدوا مكانًا للفنان في هذه المجتمعات. إن على ديموس Demos١ أن يحتفظ من أجل تسليته بوجارٍ للدجالين. الفنانون في هذه المجتمعات سوف تختارهم الدولة وتدعمهم الدولة، الشعب هو الذي سيؤجر الزمار ويُحدِّد اللحن، ولئن تنجح هذه الطريقة إلى حد كبير في اختيار السياسيين فإنها في مجال الفن سوف تكون موبقة. إن خلق وظائف فنية مريحة هو آخر وسيلة يُحتمَل أن تخدم الفن؛ فسوف يلجأ إليها المئات من فورهم، لا لأن لديهم ما يستوجب التعبير، بل لأن الفن يوفِّر فيما يبدو حياةً مهنيةً سارة وأنيقة، وما دام الدخل مضمونًا فلن تهبط أعداد الحالِمين بالفن كمهنة، وعلى النقيض من ذلك، سيكون التنافس في دولة المستقبل العظمى رهيبًا، وبإمكاني أن أتصور الضغط والكيد بين أصدقاء طلاب الوظيفة ونوابهم البرلمانيِّين، وبين النواب ووزير الفنون الجميلة، وبإمكاني أن أتصور الفن يُنتج تنفيذًا لأمرٍ شعبي في عهدٍ لن يكون فيه كابحٌ للذوق الشعبي إلا الاستغلال الشخصي للوظيفة، ألسنا نتصوَّر جميعًا نوعية الشخص الذي سيتم اختياره؟ أليس لدينا خبرة بما يُريده الجمهور؟ أيها الرفقاء، أيها السادة والسيدات الديمقراطيون الأعزاء، واصِلوا خططكم لإصلاح العالم بكل وسيلة، احلموا أحلامكم، تصوَّروا يوتوبيات، ولكن ارفعوا أيديَكم عن الفنانين، أو انبئوني بصدق هل يَعتقِد أيٌّ منكم أنه كان يُمكن لفنانٍ جيد واحد خلال الثلاثمائة عام الأخيرة أن يجد دعمًا من مثل نظامكم؟ ولا تنسوا أن النظام لو لم يُؤازِره لما كان سُمح له أن يوجد! تذكروا أيضًا أن نظامكم يقتضي أن تتخيَّروا أو ترفضوا فنانيكم وهم بعدُ طلاب؛ إذ لن يكون بوسعكم أن تَنتظِروا حتى يُفرض عليكم اسمٌ ما بحكم سنواتٍ من الصيت والمكانة لدى حفنةٍ من القضاة المُمتازين، فإذا كان ديجا Degas الآن يُبَجَّل كأستاذ من أساتذة الفن، فلأن لوحاته تحقق أسعارًا عالية، ولوحاته تحقق أسعارًا عالية لأن حفنة من الأشخاص (الذين كانوا حريِّين أن يُعجَّل بطرحهم تحت المضخة الحكومية الكبرى) جعلوا لسنواتٍ طويلة يُقرُّون بأستاذيته، وخلال تلك السنوات الطويلة كيف كان يعيش ديجا؟ أكان يعيش على سخاء الشعب الذي يريد كل شيء جميلًا أم على ذكاء وتمييز قلةٍ من رعاة الفن الأغنياء أو الميسورين؟ في دولة المستقبل العظمى لن يكون بإمكانكم أن تتسلموا أساتذتكم جاهزين ناضجين ومن ورائهم سنواتٌ من السمعة والمكانة، بل سيكون عليكم أن تنتقوهم بأنفسكم، وأن تلتقطوهم صغارًا.
ها أنتم أولاء على باب معرضكم السنوي لأعمال الطلاب، جئتم لتتخيَّروا اثنين من المتقاعدين الحكوميين٢ وتصرفوا الباقين لكي يُنظِّفوا مصارف ملبون. سيُختار المتقاعدان بالتصويت الشعبي، وهي الطريقة العادلة الوحيدة لتقليد مُطرب شعبي وظيفةً أنيقة. ولكني، دون علمكم، قد دسستُ بين المعروضات رسمَين لكلود Claude وواحد لأنجر Ingres، علمًا بأن فهرس هذا المعرض خلوٌ من الأسماء. أتظنون أن صاحبيَّ سوف يَحصُلان على صوتٍ واحد؟ ربما، ولكن هل يجرؤ أحدكم أن يقول إن أيًّا منهما يمكن أن يكون له أمل في النجاح في منافسةٍ مع أي واحد من تجار الإثارة الأرذال؟ تقولون «أوه، ولكن كل شخص في الدولة الجديدة سوف يكون رفيع التعليم.» وأجيب «ليكن رفيع التعليم كحملة ماجستير الفنون من أكسفورد وكمبردج الذين ظلُّوا يتعلمون من سن السادسة حتى السادسة والعشرين (وحتى هذا في ظني سيأتي باهظ الثمن). حسنًا إذن، سلموا مجموعة الصور الغُفْل من الاسم إلى أناسٍ مؤهلين لاختيار أعضاء البرلمان عن جامعتَينا العريقتَين، وإنكم لتعلمون جيدًا أنكم لن تحصلوا على نتيجةٍ أفضل، دعوكم إذن من هذا؛ فحتى الرعاية الخاصة أقل قتلًا للفن من الرعاية العامة، ومهما تَحصُلوا في غير ذلك فلن تحصلوا أبدًا على فنانٍ بالاختيار الشعبي.»
تقولون: إنَّ الدولة سوف تجعل هذا الاختيار بواسطة اثنين أو ثلاثة من المسئولين ذوي حساسية فنية عالية. وأقول إنكم أولًا قد توجَّب عليكم أن تأتوا بمسئوليكم، ولا تنسوا أن هؤلاء أيضًا في عيون زملاء عملهم سيُعدُّون أناسًا قد ظفروا بشيءٍ مريح. إن الاعتبارات التي تحكم اختيار الفنانين المأجورين للدولة ستحكم أيضًا اختيار خبرائها المأجورين؛ فبأية علامة سوف يُميِّز الجمهور الشخص ذا الحساسية الفنية، مفترضين دائمًا أنه الشخص ذو الحساسية التي يُريدها الجمهور؟ جون جونز، سمسار الأدوات المستعملة، يرى نفسه حكمًا جيدًا في الفن يضاهي مستر فراي Fry، ويبدو أن مستر أسكويث يرى القائمين على الجاليري القومي أفضل من الاثنين، ولنفترض أنكم بمعجزةٍ معينة قد وضعتم أيديكم على رجلٍ ذي حساسية إستطيقية وجعلتموه مسئولكم، فلا يزال على هذا الرجل أن يُبرِّر صفقاته أمام برلمان منتخب انتخابًا شعبيًّا. إن الأمور بالغة السوء في الوقت الراهن، فلن يُطيق الشعب نصبًا عامًّا يكون عملًا فنيًّا بحق، ولا خادمو الشعب المطيعون يودُّون أن يفرضوا عليه مثل هذا الشيء، ولكن عندما يستحيل على أي شخص أن يعيش كفنانٍ دون أن يُصبح خادمًا عامًّا، وعندما تكون جميع الأعمال الفنية أنصابًا عامة، فهل تتوقَّعون جديًّا أن يكون لديكم أي فنٍّ على الإطلاق؟ عندما يُصبح تعيين الفنانين جزءًا من رعاية الحزب، فهل يشك أحدكم في أن عشرين مؤهَّلًا سوف تنفع الطالب أكثر من أن يكون فنانًا؟ تخيَّلوا مستر لويد جورج يُعيِّن مستر روجر فراي بوظيفة المنتخب الحكومي لفناني الدولة المأجورين! تخيَّلوا — ولستُ هنا أطلب منكم طلبًا ثقيلًا على قواكم — تخيَّلوا مستر فراي يُعيِّن طالبًا مغمورًا وصادمًا وذا موهبة غير تقليدية، وتخيلوا مستر لويد جورج ينزل إلى ليمهاوس ليبرر هذا التعيين أمام آلاف من المصوِّتين، معظمهم لديهم ابنٌ أو أخٌ أو ابن عم أو صديق أو كلب صغير، يشعرون أنه بالتأكيد أفضل تأهُّلًا للوظيفة من ذلكم الطالب بكثير.

إذا كان المجتمع الشيوعي العظيم عاقدًا العزم على إنتاج الفن — والمجتمع الذي لا ينتج الفن الحي مجتمعٌ ملعون — فهناك شيء واحد، وواحد فقط، يستطيع أن يفعله، اضمن لكل مواطن، سواء أكان يعمل أم كان مُتبطِّلًا، مجرد حد أدنى من العيش، ولنقل ستة بنسات في اليوم وفراش في مُنيمٍ عام، اجعل الفنان شحاذًا يعيش على الإحسان العام، وامنح العاملين العمليين المجتهدين تلك الأشياء التي يُحبُّونها؛ الرواتب الكبيرة، ساعات عمل قصيرة، المكانة الاجتماعية، المباهج المكلِّفة. وأعطِ الفنان كفافه وأدوات عمله؛ لا تطالبه بشيء، واجعل حياته من الناحية المادية بائسةً بحيث لا تجذب أحدًا، بذلك لن يلجأ أحدٌ إلى الفن عدا أولئك الذين يَسكُنهم الرُّوح الحارس المقدس حقًّا لا ريب فيه، واجعل للجميع خيارًا بين حياة الوظيفة المرموقة السَّلِسة العالية الأجر وحياة المتشرِّد المزرية. ليس لدينا شك يُذكَر حول اختيار الأغلبية، وليس لدينا شك على الإطلاق حول اختيار الفنان الحقيقي. إن الشبه كبير جدًّا بين الفن والدين، وفي الشرق، حيث يفهمون هذه الأشياء، كان هناك دائمًا انطباعٌ بأن الدين يجب أن يكون شأن هواية. إن دعاة الهند شحاذون، فليكن فنانو العالم جميعًا شحاذين أيضًا. الفن والدين ليسا حرفتَين، ليسا مهنتَين يُمكن أن يؤجر عليهما الناس. إن الفنان والقديس يفعلان ما يجب عليهما أن يفعلا، لا كسبًا للعيش، بل امتثالًا لضرورةٍ سرِّية. إنهما لا ينتجان ليعيشا، بل يعيشان لينتجا، ولا مكان لهما في نظام اجتماعي يقوم على نظرية أن ما يَصبو إليه الإنسان هو حياةٌ ممتدَّةٌ مُمتعة. ليس بإمكانك أن تسلكهما في الآلة، بل يجب عليك أن تجعلهما غريبَين عنها، يجب أن تجعلهما منبوذين؛ ذلك أنهما ليسا جزءًا من المجتمع، بل هما ملح الأرض.

وحين أقول إنَّ أغلب البشر لن يكونوا قادرين أبدًا على إسداء أحكام إستطيقية مرهَفة، فما أقول غير الحقيقة الواضحة؛ فالحساسية الوثيقة في الفن البصري هي في ندرة الأذن الموسيقيَّة الجيدة على أقل تقدير، وما من أحد يتصوَّر أن جميع الناس قادرون على تقييم الموسيقى أو أن الأذن الكاملة يمكن أن تُكتسب بالدراسة. وحدهم الحمقى من يتصوَّرون أن القدرة على التمييز الدقيق في الفنون الأخرى ليست ملَكةً خاصة، ورغم ذلك فليس هناك ما يمنع أن ترهف الأغلبية العظمى من حساسيتها أكثر مما هي عليه بكثير؛ فالأذن يمكن أن تُدرب إلى مدى، أما للوصول إلى إدراكٍ عالٍ للفن، وكذا الوصول إلى إبداعٍ سخي؛ فالأمر يحتاج إلى انطلاقٍ أبعد. إن تسعةً وتسعين من كل مائة زائر لمعارض الصور يجب أن يُعتقوا من هذا الجو المَتحفي الذي يَحجب الأعمال الفنية ويَخنق المشاهدين. هؤلاء التسعة والتسعون ينبغي تشجيعُهم على أن يقربوا الأعمال الفنية بجسارة وأن يُقيِّموها بما هي، وكثيرًا ما يكون هؤلاء أكثر حساسيةً للشكل واللون مما يظنون. لقد رأيت أشخاصًا يبدون ذوقًا مرهفًا في الأقطان والكاليكو وأشياء غير مُعترَف بها كفن لدى القائمين على المتاحف، ثم لا يتردَّدون في الإقرار بأن أي لوحة لأندريا دل سارتو Andrea del Sarto لا بد أن تكون أجمل من أي لوحة لأحد الأطفال أو أحد الهمجيِّين؛ فهم حين يتناولون الأشياء التي لا يُنتظَر منها أن تحاكي الأشكال الطَّبيعيَّة أو تُشابه الروائع القياسية، نراهم يُطلِقون العنان لحساسيتهم الأصلية، ولا تحلُّ بهم الإعاقة التامة إلا في وجود فهرس. إن هيبة التراث هي ما يَجثم على المشاهدين والمبدعين، وإن المتاحف عُرضةٌ تمامًا لأن تصبح اجتماعات «سرية» للتقاليد.
بإمكان المجتمع أن يَصنع خيرًا لنفسه وللفن بأن ينفخ عن المتاحف وصالات العرض غبار الثقافة المصنوعة erudition والعبق التَّفِه لعبادة البطولة، فلنُحاوِل أن نتذكَّر أن الفن ليس شيئًا يُبلغ بواسطة الدرس، لنحاول أن نراه كشيءٍ يَستمتِع به كما يستمتع المرء بحالة حب، وأول شيء علينا أن نفعله هو أن نُخلِّص الانفعالات الإستطيقية من استبداد الثقافة المصنوعة. أذكر أني كنتُ جالسًا يومًا خلف سائق حافلة قديمة تجرُّها الخيل، وإذا بصفٍّ من حمَلة الإعلانات يَعبُرون طريقنا حاملين ملصقة The Empire (الإمبراطورية)، وكان اسم Genée على الإعلان، قال السائق ملتفتًا نحوي: «البعض يُسمِّي هذا فنًّا، ولكن سَلنا نحن عن الفن.» (لعلَّ شعري الطويل قد اكتشف زميلًا ذواقة connoisseur)٣ «إذا كنتَ تريد الفن فعليك أن تَلتمسه في المتاحف.» لستُ أدري كيف نَقذف بهذا الهراء الخبيث خارج رءوس الناس. لقد قذف به داخلها بوقارٍ كبيرٍ ولأمدٍ طويل مُعلمو المدارس والجرائد اليومية والكتب الدراسية الزهيدة والمؤرِّخون المُتبحِّرون وزوار المناطق والوزراء ورجال الدين ورجال الدولة وقادة حزب العمال والمُمتِنعون عن المسكرات ومناهضو القمار والمُتبرِّعون للدولة من كل صنف — بحيث أوقن أن يحتاج إلى قول أبلغ وأشجع من قولي ليقذفها خارجًا مرةً أخرى، غير أنها يجب أن يُطاح بها خارجًا قبل أن يُمكِنَنا أن نظفر بأي حساسية عامة للفن؛ لأنها ما بقيَت في أذهان الناس فإنَّ العمل الفني بالنسبة لتسعة وتسعين بالمائة منهم سوف يموت لحظة يَدخل صالة عرض عامة.
تُرهبنا المتاحف وصالات العرض، تَمحقُنا التحذيرات الضمنية التي ترمُقنا شزرًا من كل زاوية أن هذه الكنوز معروضة للدراسة والإفادة لا لإثارة انفعالٍ بأي حال من الأحوال. تذكر (أيها القارئ) إيطاليا؛ كل مدينة بمجموعتها الفنية العامة، وتذكر مُشاهدي الفنون الدينية! كيف لنا أن نُقنع هذه الحشود من الطبقة الوسطى الدائبة في بحثها بشكلٍ يدعو إلى الرثاء، أن بإمكانهم حقًّا أن يَجنوا بعض المتعة من الصور لو أنهم لم يَعرفوا ولم يشغلهم أن يعرفوا من الذي رسمها. محالٌ أن يكونوا جميعًا غير حساسين للشكل واللون، ولو لم يكونوا محترقين لمعرفة أو تذكُّر من رسمها ومتى رسمت وماذا تُمثِّل، فربما وجدوا فيها المفتاح إلى عالمٍ ليس بمقدورهم الآن أن يعتقدوا بوجوده، والملايين الذين يقبعون في بيوتهم كيف نُقنِعُهم أن الهزَّة التي تُثيرها قاطرة أو خزان غاز هي الشيء الحقيقي؟ متى يفهمون أن المباني الحديدية التي شيَّدها مستر همفري هي أقرب إلى أن تكون أعمالًا فنية من أي شيء يترقَّبون رؤيته في المعرض الصيفي للأكاديمية الملكية؟٤ أيُمكننا أن نُقنع الطبقات المسافرة أن أي كائن إنساني ذي حساسية عادية هو أقدر على تذوُّق عملٍ بدائي إيطالي من أي كاتب من كُتاب سِيَر القدِّيسين؟ أيُمكننا أن نحث الجموع أن يلتمسوا في الفن لا التثقيف بل الطرب؟ أيُمكننا أن نجعلهم غير خجلين من الانفعال الذي يحسونه نحو الخطوط الجميلة لأحد مستودعات البضائع أو لأحد جسور السكة الحديدية؟ إذا أمكَنَنا أن نفعل هذا نكون قد حرَّرنا الأعمال الفنية من جو المتاحف، وهذا بالضبط ما يجب علينا فعله. يجب علينا أن نجعل الناس يفهمون أن الأشكال يمكن أن تكون دالة دون أن تُشابه الكاتدرائيات القوطية أو المعابد الإغريقية؛ وأن الفن هو خلق الشكل وليس تقليده، عندئذٍ، وعندئذٍ فقط، يمكنهم أن يذهبوا وهم مُحصَّنون لكي يَلتمسوا الانفعال الإستطيقي في المتاحف وصالات الصور.

يُقال أحيانًا، بحججٍ معقولة، إنَّ الشعب المُرهف الحس لن تكون به حاجة إلى المتاحف. ويقال إن من الخطأ ان تذهب في طلب الانفعال الإستطيقي، وأن الفن يجب أن يكون جزءًا من الحياة؛ شيئًا شبيهًا بجرائد المساء أو فاترينات المحال التجارية التي يَستمتِع بها الناس وهم ماضون في شئونهم، ولكن إذا كانت الحالة الذهنية لشخصٍ يدلف إلى صالة عرض طلبًا للانفعال الإستطيقي هي حالة غير مرضية بالضرورة، فبالمثل تكون حالة الشخص الذي يجلس ليقرأ شِعرًا. يُغلق عاشق الشعر باب غرفته ويلتقط مجلدًا لملتون وقد عقد النية على أن يُخرج نفسه من عالمٍ ويدخلها في عالمٍ آخر. إن شعر ملتون ليس جزءًا من الحياة اليومية، وإن يكن عند البعض مما يجعل الحياة اليومية محتملة. إنَّ قيمة الصنف الرفيع من الفن لا تتمثَّل في قدرته على أن يُصبِح جزءًا من الحياة العادية بل في قدرته على أن يخرج بنا منها. أعتقد أن وليم موريس هو الذي قال إنَّ الشعر يجب أن يكون شيئًا يستطيع إنسانٌ أن يَخترعه ويُغنيه لرفاقه بينما هو يعمل على النول، لعلَّ كثيرًا جدًّا مما كتبه موريس قد اختُرع أيضًا بهذه الطريقة، ولكن لكيَ تَخلق الفن الأعظم وتدركه فإن أقصى درجات الانفصال عن شئون الحياة تغدو أمرًا ضروريًّا، ومثلما أنَّ الرجال والنساء عبر العصور كانوا يَذهبون إلى المعابد والكنائس بحثًا عن نشوةٍ لا صِلَة لها بمشاغل الحياة والكدح البشري. كذلك قد يذهبون إلى معابد الفن لكي يُخبروا، خارج هذا العالم بعض الشيء، انفعالات تَنتمي إلى عالمٍ آخر. إنَّ المتاحف والصالات تغدو مؤذية لا عندما تكون حرمًا نلوذ إليه من الحياة، حرمًا مكرَّسًا لعبادة الانفعال الإستطيقي، بل عندما تكون فصولًا ومعاهد بحث ومُستَودعات للتراث المنقول.

يجب أن نَنفض عن الحساسية البشرية غبار المعرفة المصنوعة، ونُخلِّصها من وطأة التراث، ولا بد أيضًا أن نخلصها من جور الثقافة؛ فبين جميع أعداء الفن قد تكون الثقافة هي العدو الأشد خطورة لأنه الأشد خفاء، وقد تأتي كلمة «ثقافة» بطبيعة الحال لتعني شيئًا لا غبار عليه مطلقًا؛ فالثقافة قد تعني ضربًا من التَّربية لا يهدف إلا إلى شحذ الحساسية وتقوية القدرة على التعبير عن النفس، إلا أن هذا النوع من الثقافة ليس للبيع. إنَّه يُواتي البعض من التأمل الفردي، ويُواتي البعض الآخر من الاتصال بالحياة، وفي كلتا الحالتين فهو لا يأتي إلا لأولئك الذين يقدرون على استخدامه. أما الثَّقافة الشَّائعة، من الجهة الأخرى، فهي تُشترى وتُباع في سوقٍ مفتوحة. إنَّ المجتمع المثقف، بالمعنى الاعتيادي للكلمة، هو كتلةٌ من الأشخاص الذي عُلِّموا أن يميزوا «الحلو والطيب» le beau et le bien، والشخص المثقف هو شخص لم يَفرِض الفن نفسه عليه بل فُرض، شخصٌ لم تَغمره دلالة الفن، بل يَعرف أن أعلى الناس تهذيبًا ورُقيًّا يُولونه اهتمامًا عجيبًا، يتميَّز هذا الوسط المثقف بأنه رغم اهتمامه بالفن هو لا يأخذ مأخذ الجد، الفن عند هذا الوسط ليس ضرورةً بل ترفًا، ليس شيئًا ما قد يصادفه المرء وينغمر به بين صفحات Bradshaw، بل شيء علينا أن نطلبه ونثني عليه في أوقاتٍ مناسبة وفي أماكن محدَّدة، لا تَستشعر الثقافة توقًا مُسيطرًا إلى الفن كالذي يستشعره المرء تجاه الطباق، بل تنظر إلى الفن كشيءٍ يجب أن تتناوله بجرعاتٍ محتشمة معتدلة، مثلما يودُّ المرء أن يتناول الرفقة من معارفه الأقل تشويقًا. والتعامل مع الفن هو عند الطبقات المثقَّفة مثل الممارسة الدينية عند الطبقة المتوسطة السفلى؛ هو جزية تدفعها المادة للروح، أو — بين الشرائح الأعلى — يدفعها الفكر للعاطفة، فلا المثقفون ولا أدعياء التقوى لديهم حساسيةٌ أصيلة تجاه الانفعالات الهائلة للفن والدين، بل كلاهما يَعرف ما يليق به أن يحسَّ ومتى ينبغي عليه أن يحسه.

فإذا كان إثم الثقافة لا يعدو خلق طبقة من السيدات والسادة الرفيعي التعليم الذين يقرءون الكتب ويرتادون قاعات الموسيقى ويَسيحون في إيطاليا ويتحدَّثون الكثير عن الفن دون أن يخطر لهم قطُّ أي ضربٍ من الأشياء هو؛ إذا كان إثم الثقافة لا يعدو ذلك لما كان أمرُها يدعو إلى أيِّ جلبة، لكن الثقافة لسوء الحظ مرضٌ نشطٌ يجلب لنا شرًّا محقَّقًا ويُفوِّت علينا خيرًا ممكنًا. يرغب المثقفون أولًا وقبل كل شيء في أن يُثقِّفوا الآخرين؛ فالآباء المثقفون يُثقِّفون أطفالهم، آلاف المخلوقات الصغيرة المسكينة يُلقَّنون كل يوم أن يُحبوا ما هو جميل، فإذا اتَّفق أنهم ولدوا غير مرهفي الحس فلا طائل من هذا التلقين. أما المؤلم في الأمر فهو أن نتصوَّر حال أولئك الأطفال الذين كانت لديهم حساسيةٌ حقيقية دمرها آباء حريصون. إنَّ من العسير جدًّا أن نحسَّ انفعالًا شخصيًّا أصيلًا نحو شيء فُرض علينا الإعجاب به بالتربية، إلا أن الأطفال لكي يَصيروا في الكبر أعضاء مقبولين في الطبقة المثقفة فلا بد أن يُلقَّنوا أن يتبنوا الآراء الصحيحة؛ أي لا بد أن يتعرفوا على المعايير، معايير الذوق هي جوهر الثقافة، هذا هو السر في أن المثقَّفين كانوا دائمًا أنصارًا للقديم. لقد نشأ في فن الماضي تصنيفٌ تقليدي للروائع القياسية يستطيع به حتى أولئك الذين لا يملكون حساسيةً أصلية أن يُميِّزوا بين الأعمال الفنية، وهذا بالضبط ما تريده الثقافة؛ ومن ثم فهي تُلح على تقديس المعايير، وتنظر شزرًا إلى أي شيء لا يمكن تبريره بالرجوع إليها، تلك هي التهمة الخطيرة الموجَّهة إلى الثقافة. إنَّ الشخص المُلم بالروائع الأوربية ولكنه غير حساس تجاه الشيء الذي يجعلها روائع سيقف محيرًا تمامًا أمام أي تجلٍّ جديد لذلك «الشيء» الخفي. إنَّ علينا أن نحترم أساتذة الماضي، ذلك شيء طيب، والأطيب لو أننا نتلقَّى كل فن حي بالترحاب. الفن الحي ضرورة، والفن الحي تَخنقُه الثقافة التي تلحُّ على الفنانين أن يَحترموا المعايير، أو لنَقُل بصريح العبارة، أن يُقلِّدوا أساتذة الماضي.

ومن ثم فإن المثقفين الذين يتوسَّمون في كل لوحة إشارةً ما على الأقل إلى إحدى الروائع المعروفة، يخلقون عن غير وعي منهم مناخًا غير صحيٍّ على الإطلاق؛ ذلك أنهم أغنياء ورعاة وأسخياء. إنهم الأعداء الأبرياء جدًّا للأصالة، ولكنهم أعداؤها الطبيعيون؛ لأنَّ العمل الأصيل هو المحك الذي يكشف الذائقة المصنوعة المُتنكِّرة في هيئة حساسية فنية، ومن المعقول، بالإضافة إلى ذلك، أن أولئك الذين كانوا دائمًا حريصين كلَّ الحرص على أن يتعاطفوا مع الفنانين لا بد أنَّهم يتوقَّعون أنَّ الفنانين يُفكِّرون ويَشعُرون كما يفكرون هم ويشعرون. إلا أنَّ الأصالة تُفكِّر وتشعر لنفسها، والفنان الأصيل في عامة الأحوال لا يَعيش تلك الحياة المهذبة الفكرية التي يُمكن أن تلائم العشيق من الطبقة المثقفة. إنه ليس فاتنًا، وربما يكون لا فنيًّا٥ على التحقيق. إنه ليس من النبلاء ولا الأوغاد؛ الثقافة غاضبة لا تصدق، فها هو امرؤٌ ينفق ساعات عمله في خلق شيءٍ ما يبدو غريبًا ومقلقًا وقبيحًا، ويُكرِّس وقت فراغه للجوانب الحيوانية البسيطة. أليس من المؤكد أن رجلًا مختلفًا عنا كل هذا الاختلاف لا يُمكن أن يكون فنانًا؟ ولذا تُهاجمه الثقافة وأحيانًا ما تُدمِّره، فإذا استمر بعد ذلك فإن على الثقافة أن تتبناه، بذلك يغدو جزءًا من التراث، يغدوا معيارًا، عصا ليُقرَع بها العبقري الأصيل القادم الذي يَجرؤ على الخروج على التقليد متكئًا على نفسه لا وليَّ له إلا فنه.
في القرن التاسع عشر ذُهل المثقفون إذ وجدوا أن وغدين مثل كيتس Keats وبيرنز Burns كانا أيضًا شاعرَين عظيمَين، فكان لا بد أن يَقبلوهما، وأن يئولوا نذالتهما لإزالة الخلاف. أما انغماس بيرنز في الإدمان المُغثي فقد رُثي له في بضعة أسطر وضُرب عنه صفح، كما لو أن بيرنز لم يكن سكيرًا صميمًا مثلما هو شاعرٌ صميم! وأما سوقية رسائل كيتس إلى فاني برون فقد نالها الاستهجان الودي من جانب ماثيو أرنولد الذي لا يُنتظَر منه أن يرى أن رجلًا لا يقدر على كتابة مثل هذه الرسائل ما كان ليكتب «عشية عيد القديس أجنس» The Eve of St. Agnes. والثقافة في يومنا بعد أن فشلَت في قمع مستر أغسطس جون تُرحِّب به بحماسٍ فاقد التمييز أتى متأخِّرًا عن أوانه حوالي عشر سنوات، قد يَقتحم الباب هنا وهناك رجلٌ ذو بأس. إلا أن الثقافة لا تحب الأصالة أبدًا إلى أن تَفقد مظهر الأصالة؛ فالعبقري الأصيل صعبٌ أن يُعاشر حتى يُدركه الموت؛ فالثقافة لن تعيش معه، وستتخذ صاحب الصنعة المداهن عشيقًا لها. إنها تهيم بالرجل الذي يملك المهارة الكافية لكي يقلد، لا أي عملٍ معين من أعمال الفن، بل الفن نفسه، تهيم الثقافة بالرجل الذي يُقدِّم، على نحوٍ غير متوقِّع، ما قد تلقنت بالضبط أن تتوقَّعه، فهي لا تريد الفن، بل تريد شيئًا ما شديد الشبه بالفن؛ بحيث يُمكنها أن تحسَّ ذلك الصنف من العواطف الذي يجمل بها أن تحسَّه نحو الفن. ولنقل بصراحة إنَّ المثقفين ليسوا أكثر شغفًا بالفن من قدامى الفلسطينيين Philistines،٦ ولكنهم يُحبُّون الإثارة، ويُحبُّون أن يروا وجوهًا قديمة تحت قلانس جديدة، تعجبهم مباذل مستر لافيري الإغرائية وأقاصيص م. روستاند الأدبية واللوذعية، ويتقبَّلون رينهاردت وباكست ويُعيدونهما ببلاهة، ويبدو أن هؤلاء الحلوانيِّين يروقون لأفكار المثقفين الطَّبيعيَّة ومشاعرهم ويُحدِّدون لها الفن وأماراته. إن الثقافة أخطر بكثير من الفلسطينية القديمة؛ لأنَّ الثقافة أكثر ذكاءً وتلونًا، ولها مظهر خادع بأنها تقف إلى جانب الفنان، ولها فتنة من ذوقها المكتسب، وبإمكانها أن تُفسد لأن بإمكانها أن تتحدَّث بثقة وسلطان غير معروفَين في فلسطين القديمة. وهي إذ تتظاهَر بالاهتمام بالفن يجد الفنانون أنفسهم مُكترِثين بأحكامها لا يسعُهم أن يَتجاهَلوها. إنَّ الثقافة لتَنطلي على أولئك الأشخاص الذين دأبوا على أن يستخفُّوا بالذوق السوقي، ومع الثقافة نفسها، حتى بالمعنى المتدنِّي الذي كنت أستخدم فيه الكلمة. لسنا بحاجة إلى أن نفتعل مشاجرة، ولكن علينا أن نحاول أن نحرر الفنان والجمهور أيضًا من سطوة رأي المثقَّفين، ولن يتمَّ الخلاص حتى يتعلم أولئك الذين أتقنوا احتقار رأي الطبقات المتوسطة السُّفلى أن يستخفُّوا أيضًا بمعايير، واستنكار، أولئك الذين دفعهم قصور عواطفهم إلى أن يعتبروا الفن ترفًا أنيقًا.
إذا شئتم أن يكون لديكم فن جميل وتذوُّق جميل للفن، ينبغي أن يكون لديكم حياة حرة جميلة لفنانيكم ولأنفسكم. ذلك شيء آخر يُمكن للمجتمع أن يسديه إلى الفن؛ يُمكن أن يَقتل المثل الأعلى للطبقة الوسطى، وهل وُجد قط مثلٌ أعلى بهذه الهشاشة؟ ذلك الممتهن الدءوب الذي يشقُّ طريقه إلى النجاح المادي بالكدح والمثابرة على الاشتغال بالتوافه، ديك ويتنجتون Dick Whittington؛ أيُّ مثلٍ بطولي لأمةٍ شجاعة! أيُّ أحلام يحلمها عجائزنا، وأيُّ رُؤًى تطوف برءوس عرافينا! ثماني ساعات من الإنتاج الذكي، وثماني ساعات من الاستجمام اليَقِظ، وثماني ساعات من النوم المنعش للجميع! يا لها من رؤية تتخايل أمام أعين شعب جائع، إذا كان ما تريدونه هو الفن العظيم والحياة الجميلة، فلا بد أن تتخلُّوا عن هذه الوسطية (النصفية mediocrity) الآمنة.

الراحة هي العدو، وما الإسراف إلا بُعبع البورجوازية، الإسراف لم يحطم نفسًا قط، ولا حتى الانغماس، إنما التآكل الدقيق المطرد الذي تحدثه الدعة هو ما يدمر، ذلك هو انتصار المادة على العقل، ذلك هو الطغيان الأخير. أتراهُم أفضل حالًا من العبيد أولئك الذين يتوجب عليهم أن يتوقفوا عن عملهم لأن حصة الغداء قد حانت، وأن يقطعوا حوارهم لكي يلبسوا للعشاء، وأن يُغادروا على عتبتهم الصديق الذي لم يَروه لسنواتٍ من أجل ألا يفوتهم الترام المعتاد؟

بوسع المجتمع أن يفعل شيئًا للفن؛ لأن بوسعه أن يزيد مساحة الحرية، وحتى السياسيون يمكنهم أن يقدموا إلى الفن خدمة؛ يمكنهم إلغاء قوانين الرقابة ورفع القيود عن حرية الفكر والقول والسلوك، ويُمكنهم حماية الأقليات، ويُمكنهم حماية الأصالة من سخط الدهماء الأنصاف، ويُمكنهم أن يضعوا نهاية للمذهب القائل بأن من حق الدولة أن تقمع الآراء غير الشائعة لمصلحة النظام الشائع. كم من حرية عارمة تُمنح لمن يتحدث إلى الغوغاء بمسلماتها المقبولة! فأقل ما يمكن للدولة أن تفعله هو أن تحمي مَن لديهم قولٌ يُحتمل أن يُسبِّب شغبًا. إن ما لا يؤدي إلى الشغب ربما لا يستحق أن يُقال، وفي الوقت الراهن، لعلَّ أفضل شيء يمكن أن يفعله أي شخص عادي من أجل تقدُّم الفن هو أن يثور من أجل مزيدٍ من الحرية.

(٢) الفن والمجتمع Art and Society

والفن ماذا عساه أن يسدي إلى المجتمع؟

يُضيف إليه رُوحًا، بل ربما يُطلق سراحه؛ فالمجتمع يلزمه خلاص.

مع نهايات القرن التاسع عشر بدت الحياة كأنها تفقد نكهتها، وبدا العالم رماديًّا مُفتقر الدم، يعوزه الوهج. الرصانة أصبحت زيًّا سائدًا، ليس غير الأغبياء من يهمهم أن يبدوا رُوحيِّين، إنَّ أواخر القرن التاسع عشر في أفضل جوانبها تُذكِّر المرء بهزليةٍ (فارس) مُسِفَّة عاطفيًّا، وفي أسوأ جوانبها تذكر بنكتةٍ متحجِّرة القلب، ولكن، كما رأينا، فقبل منعطف القرن بدأت حركة انفعالية جديدة تعبر عن نفسها، في فرنسا أولًا ثم في أوروبا، تطلَّبت هذه الحركة، كي لا تذهب سُدًى، قناةً أو مجرًى عساها تتدفَّق فيه إلى غايةٍ ما، كانت مثل هذه القناة في العصر الوسيط دانيةً قريبة المأخذ؛ إذ اعتادت الخميرة الروحية أن تُعبِّر عن نفسها من خلال الكنيسة المسيحية، رغم أنف المعارضة الرسمية في عامة الأحوال، أما في العصر الراهن فمن غير المُمكِن لأي حركة حديثة على أي قدر من العمق أن تُعبِّر عن نفسها بهذه الطريقة، وأيًّا ما كانت الأسباب فتلك حقيقةٌ مؤكدة. وفي اعتقادي أن السبب الرئيسي هو أن عقول أهل العصر الحديث لا يمكن أن تجد غناءً في الدين الدوجماوي. ومن المؤسف أن المسيحية لم تشأ أن تُقلِع عن ألوان من الدوجما بعيدة عن جوهرها كل البعد. إن تورط الدين في الدوجما هو الذي أبقى العالم لا دينيًّا في ظاهره، ولكن، رغم أن مآل كل دين أن تعترشه الدوجما، فهناك واحد يمكنه أكثر من غيره أن ينفضها عنه دون عناء أو اكتراث، ذلك الدين هو الفن؛ فالفن دين، إنه تعبير عن، ووسيلة إلى، حالات ذهنية لا تقل قداسةً عن أية حالةٍ ذهنية يمكن للبشر أن يخبروها، وإنَّما إلى الفن يتجه الذهن الحديث، لا من أجل التعبير الكامل عن انفعالٍ متعالٍ فحسب، بل أيضًا من أجل إلهامٍ يعيش به.

وُجد الفن منذ البدء بوصفه دينًا متزامنًا مع كل الأديان الأخرى، ومن البين أنه لا يمكن أن يكون هناك تضاد جوهري بينه وبينها؛ فالفن الأصيل والدين الأصيل مظهران لروحٍ واحدة، كذلك شأن الفن الزائف والدين الزائف، ومنذ آلاف السنين والبشر يُعبِّرون بالفن عن انفعالاتهم الفائقة الإنسانية، ويجدون فيه الغذاء الذي تعيش عليه الرُّوح. الفن هو أعم وأبقى صور التعبير الديني جميعًا؛ لأن دلالة التضافُرات الشكلية يمكن أن يدركها أحد الأجناس وأحد العصور بنفس الكفاءة التي يدركها به جنسٌ آخر وعصرٌ آخر؛ ولأن تلك الدلالة هي شيء مستقل عن التقلبات البشرية، شأنها في ذلك شأن الحقيقة الرياضية، وعلى الإجمال، ليست هناك أداة أخرى لنقل الانفعال ولا وسيلة أخرى إلى النشوة قد أسعفت الإنسان مثلما أسعفه الفن. وما من فيضٍ من طرب الرُّوح إلا هو واجدٌ في الفن قناةً تتولاه وتحدوه، وحين يفشل الفن فإنما يَفشل لافتقاد الانفعال وليس لافتقاد التكيُّف الشكلي. واليوم إذ تشرع الحركة الناشئة في البحث عن موئل تلجأ إليه وتعيش، فمن الطبيعي أن تتجه إلى الديانة الوحيدة ذات الأشكال اللانهائية والثورات الدائمة.

ذلك أن الفن هو الديانة الوحيدة التي تُشكِّل نفسها بما يوافق الروح، والديانة الوحيدة التي لن يطول تقيُّدها بالدوجما على الإطلاق. إنه ديانةٌ بلا كهنوت، ومن الخير ألا تُودَع الرُّوح الجديدة في أيدي الكهنة؛ فالروح الجديدة في أيدي الفنانين، ذلك خير؛ فالفنانون، كقاعدةٍ عامة، هم آخر من ينظمون أنفسهم في طوائف رسمية، وإذا نُظمت هذه الطوائف فهي قلما تنطلي على أرواحِ الصفوة؛ فالمتمرِّدون من الرسامين أكثر شيوعًا بكثير من المتمرِّدين من رجال الدين، وفي حالة «التوفيق» (الذي هو تلف كل ديانة؛ لأنَّ الإنسان لا يمكنه أن يخدم سيدَين) تُصاب كل طوائف أوروبا تقريبًا بالبدانة. عن طريق التوفيق نجح الكهنة بأعجوبةٍ في الاحتفاظ بوعائهم سليمًا. أما الفنانون الأُصلاء في كل حركة جديدة فإنهم يَزدرون الوعاء ويُقدِّسون الروح، وإن ازدراءهم الرقيق للوعاء لا يقلُّ فائدةً عن اعتقادهم الجليل في الروح. ونحن حين ننظر إلى تاريخ الفن فقد تبدوا لنا فترات القنوط والتوفيق طويلة، إلا أنها بالمقارنة بالأديان الأخرى تُدهشنا بقصرها؛ إذ لا يلبث فنانٌ حقيقي أن يظهر عاجلًا أو آجلًا، وكثيرًا ما ينجح بمقدرته وحدها في أن يُعيد تشكيل الوعاء بحيث يحتوي الروح احتواءً كاملًا.

والدين، وهو مسألة اقتناع وجداني، ينبغي ألا يكون له شأنٌ باعتقادات الفكر. إنَّ لدينا قناعةً وجدانية بأن بعض الأشياء خيرٌ من بعضها الآخر، وأن بعض الحالات الذهنية طيبٌ وبعضها ليس طيبًا، ولدينا قناعة وجدانية قوية بأن العالم الجيد ينبغي أن تكون له الأفضلية على العالم الرديء، ولكن ليس ثمة براهين على هذه الأشياء، قليلة هي الأشياء الهامة التي تقبل البرهان؛ فالأشياء الهامة يتوجَّب أن يُحسَّ بها ويُعبر عنها، ذلك هو السبب في أن الأشخاص الذين لديهم أشياء هامة تُقال، يَميلون إلى كتابة قصائد أكثر من ميلهم إلى كتابة دراسات أخلاقية، وإنني أقدم لنقادي هذه العصا هدية. إنَّ الإثم الأصلي للدوجماويِّين هو أنهم لا يقنعون بأن يحسُّوا ويُعبِّروا، بل يلزمهم دائمًا أن يخترعوا تصورًا فكريًّا لكي يمثِّل هدفًا لانفعالهم؛ فهم يستنتجون من طبيعة انفعالاتهم موضوعًا يجدون أنفسهم مُضطرين إلى البرهنة على وجوده بواسطة نسق ميتافيزيقي متقن الخداع، والنتيجة محتومة؛ يَصير الدين إلى أن يعني لا الشعور بانفعال بل الولاء لعقيدة، وبدلًا من أن يكون مسألة قضايا فكرية، وهنا يحقُّ جدًّا للارتيابي (الشاك) أن يتدخل ويقوض للدوجماوي نسقه الميتافيزيقي الاحتيالي (ad hoc)٧ باعتراضات مفحمة، يبدو لي ألا أحدَ من عقليي كمبردج يمكنه أن ينكر أنني أحسُّ انفعالًا معينًا، غير أنني في اللحظة التي أحاول فيها أن أبرهن على موضوع الانفعال أضع نفسي في مأزق عسير.

ما من أحد رغم ذلك يودُّ أن ينكر وجود الموضوع المباشر للانفعال الإستطيقي؛ وهو تجمعات الخطوط والألوان. أما ما اقترحتُه من احتمال وجود موضوع قصيٍّ للانفعال فهو قد يؤدي بي إلى مصاعب، غير أني إذا قُوضَتْ آرائي الميتافيزيقية بجرة قلم فذاك أمرٌ لا يهمُّ البتة، وليس لأي آراء ميتافيزيقية في الفن أهمية، فكل ما يهمُّ هو الانفعال الإستطيقي وموضوعه المباشر. أما عن وجود موضوعٍ قصيٍّ وعن طبيعته الممكنة فهناك نظرياتٌ لا تحصى، معظمها، إن لم يكن كلها، قد كُذبت، ورغم أن بضع نظريات منها قد وجَدت من يدافع عنها ببسالة، فهي لم يُكتب لها أبدًا أن تزيح الفن تمامًا أو تقوم مقامه؛ فلم يحدث يومًا أن نجحت الدوجما في أن تحلَّ محل الدين. لقد تبيَّن دائمًا بشكلٍ ما أن دلالة الفن تتوقف بصفة رئيسية على الانفعال الذي يُثيره، وأن الأعمال أهم من النظريات، ورغم أن هناك محاولات تمَّت لرفض أشتاتٍ من الدوجما، وتعريف الموضوع القصي وتوجيه الانفعال، فقد كانب قدرة فنان أصيل واحد، في عامة الأحوال، أن يحطِّم التقليد الزائف، وكان هناك دائمًا إدراكٌ مُبهَم بأن اللوحة التي تحرِّك المشاعر الإستطيقية لا يُمكن أن تكون خطأً، وأن النظرية التي تدينها بالهرطقة إنما تدين نفسها. ويظل الفن دينًا غير دوجماوي، أنت فيه مدعوٌّ إلى أن تحسَّ انفعالًا لا أن تذعن لنظرية.

الفن إذن قد يُشبع الحاجة الدينية لعصرٍ ينمو بحدة لا يحتملها الدين الدوجماوي، ولكي ينجح في ذلك يجب أن يوسع من نطاق تأثيره، ينبغي أن يكون هناك مزيد من الفن الشعبي، مزيد من ذلك الفن الذي لا أهمية له بالنسبة للعالم ولكنه مهمٌّ بالنسبة للفرد؛ إذ من الجائز أن يكون الفن من المرتبة الثانية وهو مع ذلك فنٌ أصيل، وينبغي كذلك ألا يكون الفن احترافيًّا كله، ونحن لن نحقق ذلك بأن نرشو أفضل الفنانين لكي يحطوا من قدر أنفسهم، بل بتمكين كل إنسان أن يبدع من الفن قدر استطاعته؛ فمن المحتمل أن معظم الناس قادرون على التعبير عن أنفسهم إلى حدٍّ ما في شكل، ومن المؤكد أنهم بهذا التعبير يمكن أن يظفروا بسعادة غير عادية، أما من ليس لديهم شيءٌ يُعبِّرون عنه على الإطلاق، وليس لديهم أية قدرة على التعبير فهم أخطاء الطبيعة. أولئك ينبغي أن يُعالجوا بحنوٍّ إلى جانب المعتوهين الميئوس من حالتهم والمصابين باستسقاء الدماغ، أما بالنسبة للأغلبية فمن المتيقَّن أن لديهم انفعالات غامضة ولكن عميقة، ومن المتيقن أيضًا أنهم لا يستطيعون أن يدركوا هذه الانفعالات إلا في التعبير الشكلي، أن يقفز المرء ويصيح، ذلك تعبيرٌ عن النفس وإن لم يشفِ غليلًا، ولكن أدخل فكرة الشكلية تجد في الرقص والغناء بهجة مشبعة، الشكل هو الطلسم. وبالشكل تتحوَّل الانفعالات الغامضة والعصية وغير الأرضية إلى شيء ما محدَّدٍ ومنطقي وماثل فوق الأرض. إنَّ صنع أشياء نافعةٍ هو عملٌ موحش، ولكن صنعها وفقًا للقوانين الباطنية للتعبير الشكلي هو في منتصَف الطريق إلى السعادة، وإذا كان للفنِّ أن يقوم مقام الدين فلا بد أن يكون في مُتناول من هم بحاجة إلى الدين، ومن السُّبل الواضحة لتحقيق ذلك أن نُدخل في العمل النفعي هزة الإبداع.

ولكن العمل النفعي على أية حال يجب أن يظلَّ آليًّا في معظمه، وإذا شاء العاملون النفعيون أن يُعبِّروا عن أنفسهم على أتمِّ نحو ممكن فلا بد لهم أن يقوموا بهذا التعبير في أوقات فراغهم. هناك صنفان من التعبير الشكلي متاحان للجميع؛ الرقص والغناء. ومن المحقَّق أنه في الرقص والغناء يكون العاديون من الناس أقرب ما يكونون من الإبداع. إنَّ فناني الطبقة الأولى ندرة، وغير متاح أن يشهد منهم أي عصر من العصور أكثر من بضعة، ولكن ربما يَحفل أي عصر من العصور بملايين من الفنانين الحقيقيين. إن الفن الذي لا يرقى إلى مستوى المعرض العام لا بأس بأن نبدعه رغم ذلك، لمُتعتنا الخاصة، وما إن نَستوعِب هذا المبدأ حتى لا يعود أحدٌ يَستشعِر خَجِلًا حين يُسمى هاويًا. ولن يكون علينا أن ندَّعي أن جميع أصدقائنا فنانون عظام؛ لأنهم هم أنفسهم لن يزعموا مثل هذا الزعم، وهم في الدولة العظمى المأمولة لن يكونوا في فئة الشحاذين الإلهيِّين، بل سيكون أصدقاؤنا هواةً يستخدمون الفن عن وعي كوسيلة إلى الغِبطة الوجدانية، ولن يكونوا فنانين يستخدمون كل شيء عن وعي أو عن غير وعي كوسيلة إلى الفن، فلنَرقُص إذن ونُغنِّ؛ فالرقص والغناء فنون حقيقة، ليس فيها غناءٌ مادي وإنما قيمتها كلها في دلالتها الإستطيقية. لنرقص، قبل كل شيء، ونبتكر رقصات؛ فالرقص فنٌّ شديد الخلوص، خلقٌ للشكل المجرد، وإذا شئنا أن نجد في الفن إشباعًا عاطفيًّا فمن الضروري أن نُصبح خالقين للشكل، من الضروري ألا نقنع بمجرد التأمل بل يجب أن نبدع، يجب أن نكون إيجابيين في تعاملنا مع الفن.

وهنا سأَصطدم ببعض الشخصيات المُمتازة من الرجال والنساء الذين يُحاولون أن «يُدخلوا الفن في حياة الناس» بأن يزجُّوا بأطفال المدارس وفتيات المصانع زرافاتٍ خلال الجاليري القومي والمتحف البريطاني. من منا لم يألف رؤية هذه القطعان الصغيرة من الضَّحايا تلغط وتدلف خلال المعارض وتزيد جو المتحف كآبةً على كآبته؟ أي فعلة يفعلها بحساسيتهم الأصلية معلمٌ جادٌّ وبيده فهرس التواريخ والأسماء والتعليقات المناسبة؟ ما علاقة كل هذه البطاقات في الميثولوجيا والتاريخ، وهذا الجذل البيداجوجي٨ والطرب المشائي، ما علاقة ذلك بالانفعال الأصيل؟ في زي أي دجال مريعٍ مُبهم يقدم الفن إلى الناس؟ إن الأثر الوحيد الذي يمكن أن تتركه الزيارات الشخصية للمتاحف هو أنها تؤكد للضَّحايا شكوكهم بأن الفن شيءٌ بعيدٌ غاية البُعد مهيبٌ موحش إلى غير حد. إنهم يَنصرِفون وفي قلوبهم إجلالٌ مشوبٌ بالرعب الدائم تجاه ذلك السفنكس (أبي الهول) القديم الرابض في ميدان ترافالجر يطرح على العابرين أحاجي لا تستأهل الإجابة، ذلك السفنكس الذي يعنى به المثقفون ويطعمه الأغنياء.٩
تَعَلَّم المشي أولًا قبل أن تحاول العدو، فإذا كان بوسع صانعٍ ذي حساسيةٍ فائقة أن يُفيد فائدةً ما من روائع الجاليري القومي (شريطة ألا يقترب منه مثقفٌ يريد أن يُخبره بما يجب أن يحسَّه، أو يمنعه أن يحسَّ على الإطلاق بأن يدعوه إلى التفكير) فإن مِن الأفضل كثيرًا للصانع ذي الحساسية العادية ألا يَرتاد المعرض حتى يكتسب، بمحاولة التعبير عن نفسه في الشكل، بصيصًا من الرأي الصائب عما يصبو إليه الفنانون، ومن المؤكَّد أن بمقدور كل إنسان تقريبًا، رجلًا كان أو امرأة، أن يكون فنانًا صغيرًا ما دام كل طفل تقريبًا هو فنان، ثمَّة حسٌّ بالشكل يُمكن أن نلمسه في معظم الأطفال، فماذا يحلُّ به؟ إنَّها الحكاية القديمة: الطفل أبو الرجل، وإذا شئت أن تحتفظ للرجل بالهبة التي وُلد بها، فلا بد أن تتعهَّده صغيرًا، أو بالأحرى تحميَه أن يُتعهد! فهل نستطيع أن نرفع عنه أيدي الآباء والمعلمين وأنظمة التعليم التي تحوِّل الأطفال إلى رجال ونساء عصريين؟ هل نستطيع أن نُنقذ الفنان الكامن في كل طفل تقريبًا؟ إننا نستطيع على الأقل أن نقدم بعض النصائح العملية؛ لا تعبثوا برد الفعل الانفعالي المباشر تجاه الأشياء الذي هو عبقرية الأطفال، لا تتصوَّروا أن البالغين هم بالضرورة أفضل من يقضي بما هو خير وما هو هام، لا تبلغ بكم الغفلة أن تفترضوا أن ما يُثير انفعال العم هو أطرف مما يثير تومي، لا تظنوا أن طنًّا من الخبرة تعدل ومضةً من البصيرة، ولا تنسوا أن معرفة الحياة لا تُسعف أحدًا في فهم الفن؛ ولذا لا تُعلموا الأطفال أن يكونوا أي شيء أو يحسُّوا أي شيء، فقط ضعوهم على الطريق؛ طريق اكتشاف ماذا يريدون وماذا يكونون. حسبي بذلك من نصائح عامة، أما ما أودُّ قوله على وجه التخصيص فهو ألا تأخذوا الأطفال إلى معارض الصور والمتاحف، وأهم من ذلك بالطبع ألا ترسلوهم إلى مدارس الفن التي تعلمهم النزعة التجارية الادعائية، لا تشجعوهم أن يلتحقوا بنقابات الفنون والحرف حيث يُحتمل أن يتعلموا حرفة ولكنهم سيفقدون حسهم الفني، في هذه المؤسسات الموقرة يسود تصورٌ سامٍ عن العمل الصادق والحرفية الأمينة، فيا للأسف لماذا لا يتذكر أولئك الحريصون على الصدق والأمانة أن هناك أشياء أخرى في الحياة؟ إنَّ لحِرَفيي النقابات الصادقين مثلًا أعلى عمليًّا وجديرًا بالثناء، غير أنه مثلٌ محدود وضيق الأفق، مثلٌ أخلاقي وليس فنيًّا. إن الحرفيين رجال مبدأ، وهم مثل كل رجال المبادئ قد أقلعوا عن عادة التفكير والشعور؛ لأنهم وجدوا أسهل عليهم أن يسألوا ويجيبوا عن سؤال «هل هذا يتفق مع مبادئي؟» من أن يسألوا ويجيبوا عن سؤال «هل أُحس أن هذا خير أو حق أو جميل؟» ولذا أقول لكم لا تشجعوا طفلًا أن ينخرط في «الفنون والحرف» Arts and Crafts؛ فالفن لا يقوم على الحِرفة بل على الحساسية، إنه لا يعيش بالعمل الأمين بل بالإلهام، إنه شيء لا يُعلم في الورش وفصول المدارس بواسطة الحرفيين والمعلمين المُتحذلِقين، وإن أمكن إنضاجه في الأستوديوهات بواسطة أساتذة من الفنانين، صحيح أن الصبي لا بد أن يكون حرفيًّا جيدًا إذا شاء أن يكون فنانًا جيدًا، ولكن لندعه يعلم نفسه حيل صناعته بالتجربة، التجربة في الفن لا في الحرفة.
وأودُّ أن أقول لأولئك الذين يشغلون أنفسهم بمسألة إدخال الفن في حياة الناس: لا تلهوا بلعبة «الإحياء». إنَّ اللفظة ذاتها تحمل رائحة المدفن، الإحياء ينظر إلى الوراء، بينما الفن معنيٌّ بالحاضر، ولن نغري الناس بالإبداع بأن نعلمها أن تقلد، وأرى أن إحياء رقصة المريسة morris-dancing والغناء الشعبي، ما لم يكونا ساحرين، ليسا أكثر من «فنون وحرف» في الهواء الطلق. إن عليهما غبرة المتحف، وهما قد يحولان الصبية والفتيات إلى بُحاث أذكياء، لكنهما لن يجعلا منهم فنانين، ولا يمكن لعصرَين مختلفين أن يُعبِّرا عن حس الشكل بنفس الطريقة تمامًا؛ ومن ثم فإن كل المحاولات الرامية إلى خلق أشكال عصرٍ آخر لا بد لها أن تضحي بالتعبير الانفعالي من أجل براعة التقليد، وما كان للقصف القديم الصاخب أن يَشفي الجوع الروحي الحاد أكثر مما تشفيه الحرفية الدقيقة أو سويعات مع «كنوزنا الفنية»، ليس غير الإبداع المتأجج، والتأمل الواجد، ما يُشبع حاجة أناسٍ يبحثون عن ديانة.
وباعتقادي أنه من المُمكن، على صعوبته الشديدة، أن نمنح الناس كلا الاثنين، إذا كان الناس حقًّا يريدونهما، إلا أن الإبداع، وأنا على يقين من ذلك، بالنسبة إلى أغلب الناس يجب أن يسبق التأمل، في مدرسة مسيو بواريه «إيكول مارتان» Ecole Martaine١٠ أعداد كبيرة من الفتيات الفرنسيات جُمعن من الأزقة وما حولها، هن الآن يَخلقن أشكالًا ذات فتنة وأصالة مدهشتَين، لا ينازع أحد في أنهن يجدن بهجةً في عملهن. إنهن لا ينسخن من أي أصل، ولا يتبعن أي تقليد؛ فالذي يَدِنَّ به للماضي، وهو كثير، قد استعرنه بطريقة لا شعورية تمامًا مع صنف أجسادهن وعقولهن، من تاريخ جنسهن وثقافته التقليدية، يختلف فنُّهن عن الفن البدائي مثلما تختلف أي مُتمهِّنة حياكةٍ فرنسية عن أي أمريكية من الهنود الحُمر. غير أنه يعدل فن البدائيين أصالةً وحيويةً. إنه ليس فنًّا عظيمًا، وليس عميق الدلالة، وكثيرًا ما يكون من الدرجة الثالثة بلا خلاف، إلا أنه فن أصيل؛ ومن ثم فإنني أضع صانعات إيكول مارتان في صف أفضل الرسامين المعاصرين، لا بوصفهن فنانات، بل بوصفهن مظاهر للحركة الجديدة.
لستُ متيَّمًا بموسيقى الرجتيم rag-time ورقصة الديكة الرومية turkey-trotting، ولكنهما أيضًا مظاهر للحركة الجديدة، في تلك الإيقاعات المغضبة المتهوسة أجد وعدًا بفن شعبي أكبر مما في إحياء الغناء الشعبي ورقصة المريسة؛ فهي على الأقل تحمل علاقةً ما بانفعالات أولئك الذين يُغنُّونها ويرقصونها، إنها جيدة بقدر ما تحمل من دلالة، غير أن دلالتها ليست عظيمة؛ فليس في نفوس حاضني الأرانب تُلتمَس الروح الجديدة في أوجها، وما كان لرقصهم وغنائهم أن يوقظا العالم من سُباته، ولن يَدين لهم المستقبل بذلك الفضل الذي أُوقنُ أنه سينساه سريعًا. ليس في الرجتيم أو التانجو كبير دهشٍ أو جِدة، غير أن من الخطأ أن نُغفل أي شكل تعبيري حي، ومن السخف المحض أن نهاجمه. إنَّ التانجو والرجتيم طائراتٌ ورقية يطير بها نفس الريح الذي يملأ الأشرعة العظيمة للفن البصري، ليس باستطاعة كل إنسان أن يقتني زورقًا شراعيًّا، ولكن باستطاعة كل صبي أن يشتري طائرة ورقية، وفي عصر يبحث عن أشكال جديدة يُعبر فيها عن ذلك الانفعال الذي لا يمكن أن يُعبر عنه بكفاية إلا في الشكل وحده، سيتطلع الحكيم برجاء وأمل إلى أي صنف من الرقص أو الغناء يتصف بأنه شعبي وغير تقليدي في آن.

فليُحاوِل الناس إذن أن يخلقوا الشكل لأنفسهم، ربما يُفضي ذلك إلى خلطٍ وفوضى من الشكل، ولكن لا ضير؛ فالمهم أن يكون لدينا فنٌّ حيٌّ وحساسية حية. إن الإنتاج الغزير لفنٍّ رديء هو مضيعةٌ للوقت، ولكن لا ضير في ذلك ما دمنا لن نسمح له أن يمسَّ الفن الجيد بأذًى، فليجعل كل واحد من نفسه هاويًا، ولنُقلِع عن فكرة أن الفن شيء يعيش في متاحف لا يفهمها إلا الدارسون. ولعلَّ ممارسة الفن أن تُكسِب الناس حساسية؛ فإنهم لو اكتسبوا الحساسية لإدراك الفن الأعظم، ولو إلى حدٍّ ما، سيكونون قد ظفروا بالدين الجديد الذي كانوا يبحثون عنه. إنني لا أحلم بأي شيء يمكن أن يُثقل أو يخفف من فهارس المؤرخين الكنسيين، ولكن إذا صح أن أهل العصر الحديث لا يجدون شفاءً في الدين الدوجماوي، وإذا صح أن هذا العصر، كردِّ فعل ضد مادية القرن التاسع عشر، بات على وعي بحاجته الروحية ويتوق إلى إشباعها، فيبدو من المعقول أن أنصحهم بأن يلتمسوا في الفن ما يريدون وما يمكن أن يمنحه الفن. ما كان للفن أن يخذلهم، وإنما الخطب أن الأغلبية لا بد دائمًا أن تكون مفتقرةً إلى الحساسية التي يمكنها أن تأخذ من الفن ما الفن مُعطيه.

سيكون ذلك مؤسفًا جدًّا للأغلبية، ولكنه للفن لن يعني الكثير؛ فالفن لأولئك القادِرين على الإحساس بدلالة الشكل لا يُمكن أن يكون أقل شأنًا من ديانة، فلا شكَّ عندي أن هؤلاء يجدون في الفن ما وجدته الطبائع الدينية الأخرى وما تزال تجده في الصلاة والعبادة الجياشة، يَجِدون ذلك اليقين الوجداني، وتلك الثقة بالخير المطلق التي تجعل الحياة كُلًّا هامًّا ومنسجمًا.

•••

وحيث إنَّ الانفعالات الإستطيقية هي شيءٌ خارج الحياة وفوقها، فإن بوسع المرء أن يلوذ بها من الحياة. إن من قُدِّر له يومًا أن يعرف الوجد وأن يتبدد في أوه ألتيتودو O Altitudo١١ واحدة، لن يكون له أن يؤخذ بإثارات العمل الفارغة ويُغالي في تقديرها. ومَن وُهب القدرة على أن يأوي إلى عالم الوجد سيعرف كيف يتعامل مع الوقائع بحجمها. جديرٌ ذلك الذي يختلف كل يوم إلى عالم الانفعال الإستطيقي أن يعود إلى عالم الشئون البشرية مسلَّحًا لمواجهتها بشجاعة، وربما بشيءٍ من الازدراء. وهو إذا كان يجد أغلب الولع البشري تافهًا بالقياس إلى النشوة الإستطيقية، فليس في ذلك ما يدعوه إلى الجفاء والبرود، بل إن بإمكان ديانة الفن من الناحية العملية أن تُسعف إنسانًا أكثر مما يسعفه الدين البشري؛ فقد يتعلم في عالمٍ آخر (عالم الفن) أن يشك في الأهمية القصوى لهذا العالم. ولكن إذا كان هذا الشك يوهن من حماسته لبعض الأشياء الممتازة حقًّا فسوف يبدد أوهامه حول العديد من الأشياء غير الممتازة. إن ما ينتقص من رصيد حبه للبشر قد يُضاف إلى رصيده من الشهامة، ولما كانت ديانته لا تستهلُّ بوصية «أحب جميع الناس» فهي لن تنتهي، ربما، بحضه على أن يبغض أكثرهم.
١  باليونانية: الناس؛ أي عامة الناس، أو عامة الشعب (خاصةً باعتبارهم وحدةً سياسيةً). (المترجم)
٢  أي جئتم لتعيين موظفين فنيِّين مآلهم إلى التقاعد لا المجد والإبداع، باعتبار ما سيكون، ولا يخفى ما بأسلوب كلايف بل من سخرية حاذقة وتهكم ماكر. (المترجم)
٣  الذواقة أو «خبير الذوق» connoisseur هو ذلك الشخص الذي نما ذوقه الفني واتَّسعت خبرته وأرهفت قوى التمييز عنده، بفضل مَلَكة التذوق الأصلية، مضافًا إليها تمرس طويل بالأعمال الفنية وعملية طويلة من النظر المُدقِّق والعميق والمقارن. (المترجم)
٤  مثال على هذا كانت محكمة الشرطة المؤقَّتة التي شُيدت حديثًا في شارع فرنسيس، القائمة على مبعدة من «طريق محكمة توتنهام»، ولا أدري إن كانت بعدُ قائمة، فإن كانت فهي واحدة من القطع القليلة المحتملة من العمارة الحديثة في لندن. (المؤلف)
٥  Inartistic.
٦  الفلسطيني القديم philistine مصطلح أطلقه ماثيو أرنولد على أولئك الذين يرون الثراء مفتاح السعادة، وهي الوصمة التي تصم بها التوراة قدامى الفلسطينيِّين، وقد صار المصطلح يشمل كل من لا يكترث بالثقافة والفنون والقيم الجمالية والروحية ولا يعبأ بغير القيم المادية والمصلحة العملية، ويشمل بخاصة ذلك الشخص الذي لا يُميِّز الكيفيات الخاصة للأعمال الفنية، وهو على وجه التقريب تقيض «الذواقة» أو «خبير الذوق» connoisseur، ومن أمارات هذا الشخص حين يتناول عملًا فنيًّا أن يُبدي اهتمامًا زائدًا بموضوع العمل أو مضمونه، مصحوبًا بعدم اكتراث بالخصائص الشكلية المحضة الخاصة بالوسيط الحسي. (المترجم)
٧  آثرت استخدام لفظة «احتيالي» ترجمةً للمصطلح اللاتيني الهام ad hoc ويَعني حرفيًّا «لأجل ذلك» أي «من أجل هذا الغرض» أو «خصيصًا لهذا الغرض»، وتوصف الفرضية بأنها احتيالية أو تحايلية ad hoc hypothesis حين تُتَّخذ لا لشيء إلا لإنقاذ نظريةٍ ما من الدحض والتقويض أو من المصاعب الناجمة عن بزوغ معطيات جديدة لا تتفق مع النظرية أو لا يسعها إطار النظرية. إنها فرضية تقام «بعد» ظهور المُعطيات المضادة وعلى مقاس هذه المعطيات، بغريزةٍ «بروكرستية» واضحة، وبدون أي أساس نظري مستقل، هي بتعبيرٍ آخر «ترقيع نظري»، ولكن كل هذه المثالب «غير الصورية» informal ليست دليلًا على خطأ الفرضية بالضرورة. (المترجم)
٨  التدريسي.
٩  السفنكس هنا هو الفن (كما يُعرض للناس) ويشبهه كلايف بِل بأبي الهول الغامض المريع في أسطورة أوديب، يعرض للعابرين ألغازًا صعبة ويلتهم من يعجز عن حلها. (المترجم)
١٠  قد نأمل الكثير من ورش أوميجا في لندن، ولكنهم حاليًّا لا يشغلون إلا الفنانين المدرَّبين، وعلينا أن ننتظر لنرى أي تأثير سيكون لا على غير المدربين. (المؤلف)
١١  O. Altitudo تعبير لاتيني يدل على غاية الوجد الديني أو النشوة الروحية، وهي بادئة العبارة اللاتينية: O altitude divitiarum sapientiae et scientiae Dei! وتعني: ما أعمقها كنوز كلٍّ من الحكمة ومعرفة الله. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤