جامعة القاهرة وتطور التعليم الجامعي
جاء استكمال بنيان الجامعة وتحويلها إلى جامعة حكومية عام ١٩٢٥م ثمرة من ثمار مرحلة جديدة من تاريخ مصر المعاصر كانت ثورة ١٩١٩م نقطة الانطلاق بالنسبة لها، وهي مرحلة تميزت بتعلق آمال المصريين في تحقيق الاستقلال الوطني، وتهيئة البلاد لتحمل تبعاتِه. ورغم أن مصر نالت استقلالًا منقوصًا في تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢م الشهير، إلا أن جذوة النضال الوطني من أجل استكمال الاستقلال لم تخبُ يومًا، فساهم المصريون في الإبقاء عليها متَّقدة دائمًا حسب مواقعهم الاجتماعية المختلفة، وتبايُن مصالحهم، وحجم الآمال التي يعلِّقونها على الاستقلال الوطني. وما إنشاء بنك مصر وسعيه لبناء قاعدة وطنية للاقتصاد المصري، إلا أسلوب من أساليب تعبير النخبة الاجتماعية المصرية عن أملها في الاستقلال عن التبعية للرأسمالية الأجنبية، وما كان تأسيس الجامعة واستكمال بنيانها ببعيدٍ عن آمال المصريين في دعم استقلال بلادهم، وتحقيق نهضتها التي يشكل التعليم والعلم حجر الزاوية فيها.
لذلك ارتبط إبراز كيان الجامعة المصرية وتنظيمها ورعاية الدولة لها، بتطور التعليم في مصر، وخاصة التعليم الثانوي الذي يؤهل الطلاب للالتحاق بالجامعة. ولما كانت شهادة التعليم الثانوي تؤهل حامليها للعمل بالدواوين الحكومية، وتسمح لبعضهم بالالتحاق بالمدارس العليا لتحقيق نفس الغاية؛ وهي تخريج الكوادر اللازمة لخدمة مختلف المصالح الحكومية، فإن الحاجة أصبحت تدعو إلى إعادة النظر في التعليم الثانوي من حيث نظامه وبرامجه بما يرقى به إلى المستوى المناسب لتأهيل التلاميذ للالتحاق بالجامعة.
ومن هنا كان حرص علي ماهر باشا وزير المعارف (مارس ١٩٢٥–يونيو ١٩٢٦م) على إعادة النظر في مختلف مراحل التعليم العام بما يحقق تكامل بنيان نظام التعليم الذي تقبع الجامعة عند قمته، مسترشدًا ببرامج التعليم في بعض البلاد الأوروبية، وخاصة فرنسا وبريطانيا وبلجيكا.
ولما كان وزير المعارف الرئيس الأعلى للجامعة، فقد اهتم اهتمامًا خاصًّا بالتعليم الثانوي، فأدخل عليه تطويرًا يهدف إلى ربطه بالتعليم الجامعي باعتباره المصدر الذي تحصل منه الجامعة على طلابها، فجعل التعليم الثانوي خمس سنوات بدلًا من أربع، يزوَّد الطالب فيها بالمعارف العامة لمدة ثلاث سنوات، ثم يتفرع التعليم الثانوي إلى ثلاث شعب في الفرقتين الرابعة والخامسة هي: العلوم، والآداب، والرياضيات؛ حتى يتزود الطلاب بالدراسات التي تعينهم على التوجه لدراسة التخصصات المختلفة في الجامعة.
وفي أواخر عام ١٩٢٨م، استدعت وزارة المعارف خبيرين في التعليم أحدهما سويسري (د. كلاباريد، أستاذ علم النفس بجنيف)، والآخر بريطاني (مان، المفتش بالمدارس البريطانية) لدراسة أوضاع التعليم العام في مصر، واقتراح خطة تحقق الربط بينه وبين التعليم الجامعي، وقام الخبيران باستطلاع أحوال التعليم العام، ثم وضع كلٌّ منهما تقريرًا منفصلًا. وطبعت الوزارة التقريرين عام ١٩٢٩م.
وما لبثت الحكومة أن أدركت الحاجة إلى وضع سياسة تعليمية تقوم على أسُسٍ ثابتة من شأنها مسايرة روح العصر وتطوراته، وتكون قابلة للتدرج حسب حاجات البلاد وما يتفق مع نهضتها وتطورها، فشكَّل مراد سيد أحمد باشا — وزير المعارف — في أكتوبر ١٩٣٠م لجنة برئاسته وعضوية وكيل الوزارة ومدير الجامعة وعمداء كلياتها ونظار المدارس العالية وأربعة يختارهم الوزير من أهل الخبرة. وتضمَّن قرار تشكيل اللجنة تحديد مهمتها باقتراح سياسة عامة للتعليم، ووعدت الوزارة بتزويد اللجنة بكل ما تحتاج إليه من بيانات. غير أن اللجنة لم تُدعَ للاجتماع إلا مرة واحدة في مارس ١٩٣١م، ولم تدعَ للاجتماع بعد ذلك. ولعل مردَّ ذلك إلى انشغال حكومة إسماعيل صدقي بالصراع السياسي الذي دار كردِّ فعلٍ للانقلاب الدستوري، ونتيجة للأزمة الاقتصادية التي زادت من صعوبة ربط السياسة التعليمية باعتمادات مالية جديدة. وهكذا ظل نظام التعليم الثانوي يشوبه القصور.
وعندما تولى أحمد نجيب الهلالي باشا وزارة المعارف عام ١٩٣٥م، أعد تقريرًا عن التعليم الثانوي، رأى فيه تخصيص دراسات تدريبية للمعلمين بتنظيم محاضرات يلقيها عليهم أساتذة الجامعة لرفع كفاءتهم التدريسية، وضرورة العناية باللغتين الإنجليزية والفرنسية في المرحلة الثانوية؛ حتى يستطيع من يلتحق بالجامعة الاطلاع على المراجع المختلفة.
لذلك برزت الحاجة إلى التوسع في التعليم الجامعي، ووقعت هذه المهمة على عاتق جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) فوضعت نواة جامعات أخرى، واضطلعت بعبء تأسيسها.
(١) جامعة فاروق الأول (جامعة الإسكندرية)
وعندما ازداد الإقبال على التعليم الجامعي، أصبحت جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) لا تتسع لقبول جميع المتقدمين لها، وظهرت الحاجة إلى التوسع في التعليم الجامعي، وكانت الحكومة تلح على الجامعة في مستهل كل عام دراسي لزيادة أعداد الملتحقين بها من الطلاب، بينما كانت الجامعة لا تستطيع تلبية طلبة الحكومة؛ حتى لا يؤثِّر ذلك على مستوى التعليم بها؛ ومن ثَمَّ بدأ التفكير في إنشاء فرع للجامعة بالإسكندرية يكون امتدادًا لها ونواة لجامعة مستقلة فيما بعد. فقرر مجلس الجامعة عام ١٩٣٨م، إنشاء فرعين بالإسكندرية لكليتَي الحقوق والآداب، ووافق مجلس الوزراء — في ٦ أغسطس ١٩٣٨م — على قرار مجلس الجامعة ثم أنشئ فرع لكلية الهندسة بالإسكندرية عام ١٩٤١م. وأعدت وزارة المعارف مشروع قانون جامعة الإسكندرية التي أطلق عليها اسم «جامعة فاروق الأول» وقد رؤي أن تكون على غرار جامعة القاهرة (فؤاد الأول) حتى تتحقق الاستفادة من تجارب الجامعة الأم.
وبصدور القانون رقم ٣٢ لسنة ١٩٤٢م في ٢ أغسطس ١٩٤٢م قامت جامعة فاروق الأول بالإسكندرية التي تكونت في أول أمرها من كليات: الآداب، والحقوق، والطب، والعلوم، والهندسة، والزراعة، والتجارة، بعد أن قضت فترة حضانة مدتها أربع سنوات في حجر جامعة القاهرة؛ حيث أصبحت فروع الآداب والحقوق والهندسة بالإسكندرية نواة للجامعة الجديدة.
ولكن مهمة جامعة القاهرة لم تتوقف بقيام جامعة الإسكندرية كجامعة مستقلة، بل لعبت الدور الأساسي في إمداد الجامعة الناشئة بالخبرات اللازمة والكوادر من أعضاء هيئة التدريس، وخاصة أن الجامعة الوليدة لم تكن قد توفرت لها الإمكانات التي تعينها على أداء رسالتها، وكان الدكتور محمد حسين هيكل باشا (وزير المعارف عندئذٍ) ميالًا إلى الاستعانة بالأساتذة الأجانب في المواقع التي تستدعي فيها الحاجة لذلك؛ حتى يتم إعداد هيئة التدريس الخاصة بجامعة الإسكندرية في مصر وخارجها. وبذلك وقع على عاتق جامعة القاهرة سدُّ النقص في هيئات التدريس بانتقال بعض أعضاء هيئاتها التدريسية إلى الإسكندرية، وكذلك المشاركة في إعداد هيئة التدريس لجامعة الإسكندرية بالدراسات العليا بجامعة القاهرة.
(٢) جامعة إبراهيم باشا الكبير (عين شمس)
وفي عام ١٩٥٠م، أُنشئت جامعة إبراهيم باشا الكبير (عين شمس) بالعباسية بالقاهرة؛ لتلبية الحاجة إلى التوسع في التعليم الجامعي بعدما ازداد الإقبال عليه بعد الزيادة في أعداد خريجي المدارس الثانوية بعد الحرب العالمية الثانية، وزيادة سكان القاهرة والمحافظات القريبة منها بالشكل الذي جعل جامعة القاهرة عاجزة عن استيعاب المتقدمين لها من حمَلة الشهادة الثانوية، وجعل الحاجة ملحة إلى إنشاء جامعة جديدة بمدينة القاهرة، وخاصة أن هناك بعض المعاهد العليا التي تصلح نواة لكليات جامعية جديدة، مثل مدرسة الفنون والصنائع بالعباسية، كما كانت هناك المواقع التي شغلتها كلية العلوم جامعة القاهرة بملاحق قصر الزعفران بالعباسية، مما يسَّر سبيل إقامة كلية للهندسة تحتل موقع مدرسة الفنون والصنائع وتستفيد بمعاملها وإمكاناتها، وكذلك كلية للعلوم، وثالثة للطب مستفيدة من مستشفى الدمرداش الذي كانت تُشرف عليه كلية الطب بجامعة القاهرة، بالإضافة إلى إنشاء كليات الآداب (التي احتلت موقع مدرسة أجنبية سابقة بشبرا) والحقوق والتجارة اللتين نزلتا ضيوفًا على الهندسة وبعض المدارس العليا بالمنيرة، حتى أمكن بناء الحرم الجامعي بالعباسية وانتقال الكليات إليه (١٩٦٢م) بينما اتخذت كلية الزراعة من قصر محمد علي بشبرا الخيمة مقرًّا لها.
ووقع على عاتق جامعة القاهرة — مرة أخرى — القيام بالدور الأساسي لتنظيم الجامعة الجديدة، وتم انتقال بعض أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة في مختلف التخصصات إلى الجامعة الجديدة؛ حيث توفرت كراسي الأستاذية الشاغرة، وفرص الترقي في سلك هيئة التدريس، فاستفادت جامعة إبراهيم باشا الكبير بخبرات أعضاء هيئة التدريس الذين انتقلوا إليها من جامعة القاهرة الذين اكتسبوا خبراتهم عبر سنوات الدراسة والتدريس بالجامعة الأم، فقد كان معظمهم من خريجي جامعة فؤاد الأول. كما ساعد وجود الجامعة الجديدة بالقاهرة على الاستعانة بأعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة لسد النقص في أعضاء هيئة التدريس عن طريق انتدابهم للتدريس بجامعة إبراهيم باشا الكبير التي أصبحت — بعد قيام ثورة يوليو ١٩٥٢م — تُعرف باسم «جامعة عين شمس».
وفي منتصف الخمسينيات، طُرحت فكرة ضم جامعة عين شمس إلى جامعة القاهرة؛ حتى لا يكون هناك ازدواج ناتج عن وجود جامعتين متماثلتين في التخصصات في مدينة واحدة، فدافع الدكتور طه حسين عن فكرة الإبقاء على جامعة عين شمس مستقلة — في مقال نُشر بجريدة الجمهورية في ٧ أغسطس ١٩٥٥م — وطالب وزير التربية والتعليم بالتأني في تعديل نظام الجامعة، واستشارة الخبراء قبل إدخال أي تنظيم جديد؛ حيث إن النظام المعمول به في جامعات الشرق والغرب هو تعدد الجامعات وليس إدماجها. فاستمرت جامعة عين شمس جامعة مستقلة تؤدي رسالتها إلى جانب جامعة القاهرة.
(٣) جامعة محمد علي باشا الكبير (أسيوط)
ومع صدور القرار الخاص بإنشاء جامعة إبراهيم باشا الكبير بالقاهرة عام ١٩٥٠م، صدر قرار بإنشاء جامعة محمد علي باشا الكبير بأسيوط، ولكن كان من الصعب — في ضوء الإمكانات المتاحة — أن يُلقى عبء تأسيس جامعتين في وقت واحد على عاتق جامعة القاهرة لذلك استنَّت الدولة سُنة حميدة عندما بدأت بإعداد أعضاء هيئة التدريس لأول جامعة بصعيد مصر، فأوفدت البعثات إلى الخارج لدراسة الدكتوراه في مختلف التخصصات التي تحتاج إليها الجامعة الجديدة.
وبدأت الدراسة بالجامعة التي أصبحت تُسمى «جامعة أسيوط» (بعد قيام ثورة يوليو ١٩٥٢م) عام ١٩٥٧م، وكانت البداية بكلِّيتين هما كلية العلوم وكلية الهندسة، ثم استكملت الجامعة كلياتها تدريجيًّا. وكان على جامعة القاهرة أن تدعم الجامعة الجديدة بالأساتذة والكوادر المتخصصة وتعينها على إعداد لوائحها ونظام الدراسة بها، وهو ما فعلته جامعة القاهرة طوال فترة التأسيس (١٩٥٠–١٩٥٧م)، وفي مرحلة ما بعد التأسيس، فأعدت لجامعة أسيوط الكثير من أعضاء هيئة التدريس، وقام أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة بالتدريس بجامعة أسيوط حتى استكملت بنيانها واكتفت بذاتها.
•••
وهكذا كانت جامعة القاهرة دعامة التعليم الجامعي في مصر ولا تزال، فامتدت رسالة الجامعة خارج حدود مصر إلى السودان بتأسيس فرع جامعة القاهرة بالخرطوم (١٩٥٥م)، بالإضافة إلى فرعَي الفيوم وبني سويف (١٩٨١م).
(٤) فرع جامعة القاهرة بالخرطوم
توثيقًا للروابط التاريخية بين مصر والسودان، وتدعيمًا للتعاون العلمي والثقافي بين البلدين الشقيقين، وتحقيقًا لرغبة أبناء السودان من خريجي المدارس الثانوية المصرية هناك، وخريجي المدارس الثانوية السودانية، قامت جامعة القاهرة بإنشاء فرع لها بالخرطوم بمقتضى اتفاقية ثنائية عُقدت بين الحكومتين المصرية والسودانية عام ١٩٥٥م، وصدر قرار مجلس الوزراء المصري في ٢١ سبتمبر ١٩٥٥م بإنشاء فروع لكليات الآداب والحقوق والتجارة لجامعة القاهرة بمدينة الخرطوم.
وافتُتحت الدراسة في الساعة الخامسة من مساء السبت ١٥ أكتوبر ١٩٥٥م، وبلغ عدد الطلاب المقبولين عندئذٍ بالفرع ٢٦٨ طالبًا وطالبة موزعين على الفروع الثلاثة لكليات الآداب والحقوق والتجارة. ونمَت تلك الفروع لتصبح كليات لها لوائحها الأساسية المناظرة للوائح الكليات الأم بالجامعة. وفي العام الجامعي ١٩٧٤ / ١٩٧٥م، تم إنشاء كلية العلوم كفرع لكلية العلوم الأم بالجامعة من الناحية الأكاديمية.
ويتولى إدارة فرع الخرطوم نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون فرع الخرطوم، ويمثل الفرع في مجلس جامعة القاهرة، ويعاونه في إدارة الفرع مجلس فرع جامعة القاهرة بالخرطوم الذي يضم عمداء كليات الفرع برئاسة نائب رئيس الجامعة لشئون الفرع. ويباشر هذا المجلس اختصاصات مجلس الجامعة فيما يتعلق بشئون التعليم وشئون الطلاب والبحث العلمي.
ويمنح الفرع درجة الليسانس في الآداب في أحد التخصصات التالية: اللغة العربية وآدابها، الجغرافيا، التاريخ، الاجتماع، الدراسات الفلسفية، كما يمنح ليسانس الحقوق ودبلومَي الدراسات العليا في القانون العام والقانون الخاص. وتمنح كلية التجارة درجة البكالوريوس في إحدى الشعب الثلاث: المحاسبة، إدارة الأعمال، الاقتصاد، كما تمنح درجة الدبلوم في العلوم الإحصائية والتكاليف. وتمنح كلية العلوم درجة البكالوريوس في التخصصات المختلفة.
ويقوم الفرع بمنح درجتَي الماجستير والدكتوراه في الآداب في مختلف التخصصات الموجودة بالفرع، وكذلك درجة دكتوراه الفلسفة في المحاسبة وفي إدارة الأعمال.
(٥) فرع جامعة القاهرة بالفيوم
صدر قرار جمهوري عام ١٩٨١م بإنشاء فرع لجامعة القاهرة لشئون الفيوم وبني سويف، ثم صدر قرار آخر عام ١٩٨٣م بإنشاء فرع لجامعة القاهرة لشئون الفيوم وبني سويف، ثم صدر قرار آخر عام ١٩٨٣م بإنشاء فرع لجامعة القاهرة لشئون كليات الجامعة بمحافظة الفيوم، وفرع آخر للجامعة لشئون كليات محافظة بني سويف.
ويشمل فرع الفيوم ثلاث كليات صاحبت نشأته هي: التربية، والزراعة، والهندسة، ثم أُنشئت عام ١٩٨٤م كلية جديدة للخدمة الاجتماعية.
وكانت كلية التربية بالفيوم نواة للفرع، فقد تأسَّست عام ١٩٧٥م وتخرجت الدفعة الأولى فيها عام ١٩٧٩م. أما كلية الزراعة فتأسَّست في العام التالي (١٩٧٦م)، وكانت أول دفعة تخرجت فيها عام ١٩٨٠م، وتضم ستة أقسام هي: وقاية النبات، الاقتصاد الزراعي، الإنتاج النباتي، الإنتاج الحيواني، استصلاح الأراضي والمياه، الصناعات الزراعية. أما كلية الهندسة فقد أُنشئت عام ١٩٨١م، واستقر الرأي على أن تبدأ الدراسة فيها بشعبتَي هندسة التشييد والهندسة الميكانيكية؛ حتى تنمو الكلية نموًّا تدريجيًّا يتناسب مع ظروف محافظة الفيوم.
(٦) فرع بني سويف
ويضم فرع بني سويف أربع كليات هي: كلية التجارة، كلية الحقوق، كلية الطب البيطري (وتأسَّست عام ١٩٨٠م)، وكلية الآداب (وتأسَّست عام ١٩٨٥م).
وقد استقت كليات الفرع مناهجها الدراسية من الكليات المناظرة بجامعة القاهرة.
ويقع عبء التدريس في هذه الكليات على كاهل أعضاء هيئة التدريس بالكليات المناظرة؛ حتى يستكمل الفرع تكوين هيئة التدريس الخاصة به.
ومن المتوقع أن يصبح كل فرع من فرعَي الجامعة بالفيوم وبني سويف نواة لجامعة مستقلة في المستقبل.
وإذا كانت جامعة القاهرة — حجر الزاوية في التعليم الجامعي في مصر — قد ارتبطت بالكفاح الوطني من أجل التحرر السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فقد لعبت دورًا خالدًا في تدعيم أركان التعليم الجامعي في مصر بتبنِّيها للجامعات التي أُنشئت في الأربعينيات والخمسينيات، وما زالت تؤدي رسالتها في احتضان نواة جامعات أخرى جديدة.
وفي عهد ثورة يوليو، أصبح التعليم الجامعي والتوسع فيه موضع رعاية النظام الجديد، وخاصة أن مصر أقدمت على التنمية الاقتصادية وما ارتبط بها من مشروعات احتاجت المزيد من الكوادر المتخصصة. وجاء تمصير الشركات والمؤسسات الأجنبية (١٩٥٧م)، ثم قرارات تأميم البنوك والشركات الصناعية والتجارية (١٩٦١م) ليضع أسُس القطاع العام في مجالات الإنتاج والخدمات المختلفة، مما اقتضى توسعًا في التعليم بشتى مراحله بعد أن أصبح التعليم حجر الزاوية في التنمية الاجتماعية. وامتدت مجانية التعليم إلى الجامعة عندما تقررت مجانية التعليم في مختلف مراحله، وطبق مبدأ تكافؤ الفرص في القبول بالجامعات على أساس مجموعات الدرجات بالثانوية العامة، فتوسعت الجامعات في قبول الطلاب توسعًا لم يواكبه زيادة في إمكانيات الجامعات من حيث أعضاء هيئة التدريس والمعامل والمكتبات وقامت الدولة بالتوسع في إنشاء الجامعات الإقليمية لمواجهة الإقبال المتزايد من حمَلة الثانوية العامة على التعليم الجامعي.
ورغم ذلك، فإن الأمر لا يتوقف على الكم دون الكيف؛ إذ إن إعداد الخريجين إعدادًا يتناسب مع التقدم العلمي يتطلب رفع كفاءة الخدمة التعليمية في الجامعة، وخاصة الجامعات الإقليمية الجديدة، وذلك بدعم الإمكانات والتجهيزات والمكتبات ومختلف أنواع الخدمات التي تقدم للطلاب، مع مراعاة احتياجات خطط الدولة للتنمية.
كما أن النقص في عدد هيئات التدريس — بالإعارة والتوزيع على عدد كبير من الكليات الإقليمية — لا يسمح بالتركيز على البحوث في كثير من الأحيان، مما ينعكس سلبيًّا على وظيفة أساسية من أهم وظائف الجامعة، ويؤثِّر تأثيرًا بالغًا على الدراسات العليا.
ورغم ذلك، تلعب الجامعة دورًا أساسيًّا في خدمة المجتمع وتبذل الجهد — في حدود الإمكانات المتاحة — لأداء رسالتها. ولكن الأمر يحتاج إلى إعادة تنظيم الجامعات المصرية، وعلى رأسها جامعة القاهرة بما يكفل لها مواكبة التطور الحديث في نظم التعليم الجامعي من حيث برامج الدراسة، والبحوث، ونظم الامتحانات وتقييم الطلاب، وربط الجامعات الإقليمية — على وجه الخصوص — بالبيئات الاجتماعية التي تخدمها بما يحقق التمايز في التخصصات. وقد حدث شيء من هذا في بعض تخصصات جامعتَي الإسكندرية وقناة السويس وغيرهما، غير أن الأمر يحتاج إلى رسم استراتيجية جديدة للتعليم الجامعي في مصر في إطار متطلبات التنمية، تُوائم بين مخرجات التعليم الجامعي وحاجات المجتمع من مختلف التخصصات من حيث الكم والكيف معًا دون إهدار للطاقات العلمية والبشرية سعيًا وراء تحقيق معدلات أداء أفضل، والأخذ بالأساليب الحديثة للإدارة الجامعية.
(٧) المجلس الأعلى للجامعات
ونتيجة للتوسع في التعليم الجامعي، وإنشاء جامعات جديدة خرجت من تحت عباءة جامعة القاهرة — الجامعة الأم — أصبحت هناك حاجة إلى جهاز يتولى التنسيق بين هذه الجامعات بعضها وبعض ويرسم سياسة التعليم الجامعي في البلاد، فكان قيام «المجلس الأعلى للجامعات». وقد بدأ المجلس عام ١٩٥٠م مع إنشاء جامعتَي إبراهيم باشا الكبير (عين شمس) ومحمد علي باشا الكبير (أسيوط).
غير أن إطاره القانوني واختصاصاته ونظام العمل فيه حُددت — لأول مرة — بالقانون رقم ٥٠٨ لسنة ١٩٥٤م بشأن إعادة تنظيم الجامعات المصرية، والقانون رقم ٣٤٥ لسنة ١٩٥٦م في شأن تنظيم الجامعات المصرية.
وبذلك أصبح هناك مجلس أعلى للجامعات يتكون من مديري الجامعات ووكلاء الجامعات، وعضو عن كل جامعة يعينه مجلسها سنويًّا من بين أعضائه، وثلاثة من ذوي الخبرة في شئون التعليم الجامعي (زيدوا إلى خمسة بالقانون ١٨٤ لسنة ١٩٥٨م) يعيَّنون بقرار من وزير التربية والتعليم لمدة سنتين قابلة للتجديد، وأمين المجلس. وتولى رئاسة المجلس الأعلى للجامعات أقدم مديري الجامعات المصرية، ثم أصبحت رئاسة المجلس لمدير جامعة القاهرة (القانون ١٨٤ لسنة ١٩٥٨م). بحكم وجود أمانة المجلس بها؛ حتى يستطيع متابعة عمل الأمانة التي يتولاها أحد الأساتذة ويصدر بتعيينه قرار من وزير التربية والتعليم، ثم تقرر (عام ١٩٦٣م) أن تكون رئاسة المجلس الأعلى للجامعات لوزير التعليم العالي على أن ينوب عنه في حالة غيابه أقدم مديري الجامعات المصرية، وظل الأمر كذلك حتى الآن.
ورغم حرص المشرع المصري على تأكيد احتفاظ كل جامعة بشخصيتها المعنوية وميزانيتها المستقلة، وحريتها في التصرف في أموالها، ومنح مدير الجامعة في ذلك كله صلاحيات الوزير مما أعطى انطباعًا — لمن يأخذ الأمور بظواهرها — أن استقلال الجامعة كان معنويًّا، إلا أن وجود المجلس الأعلى للجامعات — على أهميته كجهاز تنسيق ورسم لسياسة التعليم الجامعي — جعل استقلال الجامعات استقلالًا اسميًّا إذا وضعنا في اعتبارنا أن وزير التربية والتعليم هو الذي يقترح اسم من يعين في وظائف مديري الجامعات ووكلاء الجامعات، ويقوم بتعيين عمداء الكليات (الذين يشكلون القطاع العريض لمجلس الجامعة)، كما يعين الأعضاء الخمسة من ذوي الخبرة بشئون التعليم الجامعي، فكان المجلس الأعلى للجامعات — بهذا الوضع — أداة تحكم السلطة الإدارية في توجيه الجامعات المصرية وفق ما ترسمه الوزارة، لا وفقًا لما تراه المجالس والهيئات الجامعية، وخاصة أن قرارات المجلس الأعلى للجامعات تعد نافذة وملزمة للجامعات إلا فيما عدا المسائل التي تقتضي إصدار قانون أو قرار وزاري، وهي على أية حال ملزمة للجامعات جميعًا، وخاصة بعد توسيع صلاحيات المجلس الأعلى على نحو ما سنرى، عندما نلقي نظرة على تطور اختصاصاته.
وجاء القانون رقم ٤٩ لسنة ١٩٧٢م، ليعطي المجلس الأعلى للجامعات صلاحيات جديدة عن طريق توسيع اختصاصاته، فأصبحت تشمل (إضافة إلى ما سبق) التنسيق بين نظم الدراسة والامتحان والدرجات العلمية في الجامعات، وتحديد وإنشاء تخصصات الأستاذية بالجامعات، وتنظيم قبول الطلاب في الجامعات وتحديد أعدادهم، ورسم السياسة العامة للكتب والمذكرات ووضع النظم الخاصة بها، ورسم الإطار العام للوائح الفنية والمالية والإدارية لحسابات البحوث وللوحدات ذات الطابع الخاص في الجامعات، ووضع اللائحة التنفيذية للجامعات واللوائح الداخلية للكليات والمعاهد، وأخيرًا المتابعة الدورية لتنفيذ سياساته وقراراته في الجامعات.
وبتوسيع صلاحيات المجلس الأعلى للجامعات، وإضافة اختصاصات إدارية وتنفيذية إليه، تحول من جهاز تخطيط ومتابعة ورسم سياسات إلى جهاز إدارة وتوجيه، له الرأي الأخير فيما يتصل بأدق أمور الجامعات، وتلتزم الجامعات بتنفيذ قراراته (حسب ما جاء بالقانون).
وهكذا أخضِعت الجامعات لسلطة مركزية قيدت — إلى حدٍّ ما — حريتها في الحركة، وحالت دون تحقيق التمايز بين الجامعات بعضها وبعض في مجالات التعليم والبحث العلمي إلا في أضيق نطاق، كما تدخلت في أدق خصوصياتها، مثل إلزام الجامعات بقبول أعداد من الطلاب تفوق إمكاناتها وقدراتها التعليمية، إلى غير ذلك من الآثار السلبية.
ولا يعني ذلك أن وجود المجلس الأعلى للجامعات في حد ذاته أمر غير مطلوب أو مرغوب فيه، بل إن الضرورة تستدعي وجوده للتنسيق بين الجامعات، ورسم السياسات الخاصة بالتعليم الجامعي وتقديم المشورة فيما يتصل بالتعليم ومراحله المختلفة بوجه عام، ووضع مستوًى علمي محدد — من خلال معايير وضوابط أكاديمية — للمتطلبات التي يجب توفرها فيمن يتولون وظائف هيئة التدريس بمختلف مراتبها، دون أن يتحول إلى جهاز إدارة وتوجيه من خلال تلك الصلاحيات الإدارية الواسعة التي أعطاها له القانون.
فدور المجلس الأعلى للجامعات هو دور البوصلة التي تحدِّد الاتجاه وترسم معالم الطريق، ويبقى لمجالس الجامعات حق تحديد خطاها وإيقاع خطواتها على هذا الطريق، فيختص المجلس الأعلى برسم سياسة التعليم الجامعي في ضوء خطة الدولة وفي إطار نظام التعليم العام، ويتابع تنفيذ هذه السياسة، بينما تقوم مجالس الجامعات بتخطيط برامج التعليم في كلياتها وتنفيذ تلك البرامج بما يتراءى لكلياتها ومعاهدها ولا يخرج عن الإطار العام لسياسة التعليم الجامعي.