الفصل الثالث

حصل شهاب على بكالوريوس الزراعة، وامتلأ أبوه زهوًا وفخارًا؛ فقد حقق ابنه حلمه العريض وأصبح أحد خمسة نالوا الشهادات العليا قبله في البلدة كلها.

وبعد أن هدأت الفرحة قال الشيخ متولي لابنه بمشهد من زوجته تفيدة: والآن ماذا تريد؟

– والله هذه المسألة الباشا هو الذي يبتُّ فيها، إن كان الأمر بإرادتي فأنا أفضل التوظف في الحكومة.

وقالت تفيدة: كله بأمر الله، توكل عليه سبحانه.

وقال شهاب في غير مبالاة: توكلت على الله.

وقال الشيخ متولي في حماسة: على بركة الله الحمد لله الباشا هنا هذين اليومين، جهِّز نفسك لنذهب إليه بعد المغرب إن شاء الله يكون قد صحا من قيلولته.

– وهو كذلك.

وقالت تفيدة: ربنا يجعل في وجهكم القبول إن شاء الله.

•••

قال الباشا: مبروك يا باشمهندس شهاب.

– بارك الله فيك يا سعادة الباشا، والله أنا لا أدري ماذا أفعل لأشكر أفضال سعادتك، ربنا وحده هو القادر على ذلك.

كان شهاب قد تعلَّم النفاق فأحسن تعلمه، فإن كان قد نال شهادته العليا بدرجة مقبول فهو في النفاق ممتاز مع درجة الشرف الأول، إن كان الشرف يقبل أن يقترن بالنفاق.

قال الباشا: والآن أين تريد أن تعيَّن؟

– يا سعادة الباشا الأمر لك.

– ما رأيك أن تعيَّن عندي بالدائرة مشرفًا على حدائق الموالح؟

– يا سعادة الباشا العمل في دائرة سعادتك شرف يتمنى أن يناله أي إنسان.

– إذن على بركة الله.

– إنما إذا سمحت سعادتك لي بكلمة.

– قل ما تريد كلمة أو عشر كلمات.

– أظن سعادتك لا ترضى أن أكون رئيسًا لأبي؛ فأنا طبعًا لن أجرؤ أن أعطي له أوامر، وإذا لم أقم بواجبي فلا خير فيَّ، وخصوصًا أن الموالح تحتاج دقة كاملة في مواعيد الري والتقليم وغير ذلك، وأنا أخشى ألا أكون صالحًا لهذا وأبي يعمل تحت رئاستي. سعادتك خير من يقدر هذه المعاني.

– والله كلامك له وجاهته، فهل تريد أن تعيَّن في الحكومة أو في إحدى الشركات الزراعية؟

وقال الشيخ متولي في سرعة صريحة: إنه يتمنى وظيفة في الحكومة.

وقال الباشا: وهو كذلك، ومن حسن حظك أن وزير الزراعة صديق عزيز، يا متولي اطلبْه في التليفون، وأخرج الباشا دفتر التليفونات الخاص من جيبه وقال للشيح متولي: هاك رقم منزله.

وصاح شهاب في فرحة صادقة في هذه المرة: هكذا في الحال يا سعادة الباشا.

– ولماذا أؤجل ما أستطيع أن أفعله في الحال.

وما هي إلا دقائق حتى كان الباشا يقول لوزير الزراعة بعد التحيات: يا معالي الباشا ابن خولي الدائرة حصل على بكالوريوس الزراعة وأريد أن تعيِّنه.

وجاء رد الوزير عبر الأثير: إذا لم نساعد الذين يعملون معنا فمن نساعد؟

معاليك فلاح أصيل وتعرف هذه الأمور.

– هل تحب أن أعيِّنه في مكتبي؟

– والله يكون هذا فضلًا أضيفه إلى أفضالك.

– أرسله إليَّ ومعه بطاقة منك.

– وهو كذلك، وألف شكر.

– هذا واجب، ولا شكر على واجب.

– تصبح على خير يا معالي الباشا.

– وأنت من أهله يا سعادة الباشا.

وانتهت المكالمة والتفت الباشا إلى شهاب وقال له: إنه سيعينك في مكتبه.

وهبَّ شهاب واقفًا، وانكب على يد الباشا الذي أسرع وسحبها وهو يقول: لماذا هذا؟ إن ما فعلته أمر طبيعي.

وأخرج الباشا من حافظته بطاقة، وكتب فيها توصيته وأعطاها لشهاب وهو يسأله: متى تستطيع أن تسافر؟

قال شهاب: بكرة إن شاء الله من الفجر.

وراح الفتى وأبوه يدعوان للباشا بطول العمر وبكل سعادة وهناء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤