مقدمة

في عام ١٩٣٢ شهد الاقتصاد الأمريكي أعتى نوبات كساده في التاريخ الحديث. أقام جيشٌ من قُدامَى المحاربين العاطلين عن العمل مخيماتٍ في واشنطن العاصمة، ونظَّموا مسيرات جابَتْها، وبلغ معدل البطالة حوالي ٢٥ بالمائة، وبدا أن العالم بأسره يتباطَأ حتى توقَّفَ بلا حَراك. وأقدَمَ فرانكلين دي روزفلت على مواجَهة الأزمةِ بقبوله ترشيح الحزب الديمقراطي له لمنصبِ رئيس الجمهورية، متعهِّدًا ﺑ «صفقة جديدة للشعب الأمريكي».1 وفي تلك الخطبة وحدها، تضمَّنَتْ عناصرُ «الصفقة الجديدة» زيادةَ الأشغال العامة، ودعمَ أسعار المنتجات الزراعية، وفتحَ أسواق رهونات جديدة، وخفضَ ساعات العمل وأيامه، وتنظيمَ الأوراق المالية، واستعادةَ التجارة العالمية، وإعادةَ تشجير الريف، وإلغاءَ الحظر على الخمور. وبعد أن تولَّى روزفلت الرئاسة في عام ١٩٣٣، تعاوَنَ مع الكونجرس من أجل الموافَقَة على القوانين اللازمة لهذه التدابير كلها وغيرها؛ وبحلول نهاية العقد، كان نطاقُ الصفقة الجديدة قد اتَّسَعَ ليشملَ التأمينَ الاجتماعي ضد الشيخوخة والبطالة والإعاقة، وإدارةَ مستجمعات المياه، ودعمَ إنشاء الاتحادات العمَّالية، والتأمينَ على الودائع، وتعزيزَ نظام الاحتياطي الفيدرالي، من بين جملة خطوات مبتكَرَة أخرى.
ضَمَّتِ الصفقةُ الجديدةُ مجموعةً متنوِّعةً من المكونات التي تناقَضَتْ أحيانًا لدرجةٍ جعلت الباحثين يُعانُون حتى الآن في إجمالها. ويتفق المؤرخون كثيرًا مع رأي أشعيا برلين الذي قال في عام ١٩٥٥ إن الصفقة الجديدة كانت عملًا مثيرًا للإعجاب أحدَثَ توازنًا بقدرته على «التوفيق بين الحرية الفردية … والحد الأدنى اللازم من التنظيم والسلطة.»2 ولكن — كما يقول ديفيد إم كينيدي — لا يسعنا أن نرى الصفقةَ الجديدة إلا عندما «يُنظَر إليها بمنظورٍ تاريخيٍّ.»3 فبعد الاستماع إلى التعهُّدات التي قطَعَها روزفلت على نفسه في عام ١٩٣٢، ومتابعة الكونجرس وهو يُجرِي الكثيرَ من الإصلاحات في الأيام المائة الأولى من إدارته في عام ١٩٣٣، ومشاهدة البيت الأبيض يتصدَّى للتحديات من المحكمة العليا والخصوم السياسيين في عام ١٩٣٥، والاستماع إلى روزفلت وهو يقدِّم نفسَه باعتباره «رائد» مصالح الشركات في عام ١٩٣٦؛ كان سيصعب استشرافُ ما بَدَا جليًّا بعد انتهاء العقد. وحقيقةً لم تكن هناك أدلةٌ كثيرةٌ على أن روزفلت أو أيَّ شخصٍ آخَر شَرَع في خلق النظام المتوازِن الذي صُمِّمَ بعناية ليمثِّلَ الصفقةَ الجديدة؛ فقد نشأ مع استجابة الرئيس والكونجرس للقضاءِ وجمهورِ الناخبين والعالَمِ المتغيِّر الذي ضرَبَه الكسادُ.

في هذه المقدمة القصيرة جدًّا، أعرضُ بعضَ الأفكار الأساسية لقراءتي الأولى لهذه الأزمة الشديدة، وما استجابت به أمريكا من تشريعات لا تزال مؤثِّرة حتى يومنا هذا؛ فالعالم الذي انهار في عام ١٩٢٩ انهار لأسباب قد تنبَّأ بها سَلَفًا المراقبون الثاقِبُو النظر. إن الفشل اللاحق وشبه الكامل في إصلاح الضررِ إنما نجم عن أخطاء واضحة في الحكم والقرارات، ومن ثَمَّ كان بالإمكان التخفيف من البؤسِ الذي ألَمَّ طويلًا بملايين البشر. وقد حقَّقَ روزفلت ونوَّابُ الكونجرس من الديمقراطيين في عهد الصفقة الجديدة نجاحًا تاريخيًّا باهرًا بتصحيحهم لتلك الأخطاء. لكنهم أيضًا ارتكبوا هم أنفسهم أخطاءً، وأنا لا أقلِّل من شأنهم بقولي هذا. وفي انتخابات عام ١٩٣٦، طلب أغلب الناخبين الأمريكيين من قادتهم المضِيَّ في تجاربهم، وطَرْح الأخطاء جانبًا، بدلًا من العودة إلى الطرق القديمة التي يَرَونها سيئةَ السمعة كلها. وأصبحَتْ روحُ التجريب البراجماتي هذه هي الأساسَ الذي قام عليه إيمانُ جيلٍ بالأسلوب الأمريكي الجديد، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في مختلف أصقاع العالم.

والآن، إنْ كان يساوِرُكَ شكٌّ في أن الموضوع على هذه الدرجة من البساطة، وإنْ كنتَ تصرُّ على أن هذه الجُمَل البسيطة في حاجةٍ إلى تقييدات وتفصيل، فعليَّ أن أقرَّ بالحقيقة؛ بعيدًا عن الحدود التي يفرضها عليَّ هذا الكتابُ الموجَزُ، فإنني أُكنُّ الكثيرَ من الاحترام لما تتسم به هذه الحقبةُ من تعقُّد وما أثمرَتْ عنه الأبحاثُ التي تتناولها. وانطلاقًا من أنك ستواصِل القراءةَ بدافع رغبةٍ أكيدةٍ في الإلمام بهذه الحقبة، ينتهي الكتاب بتوصياتٍ لقراءاتٍ إضافيةٍ إنْ أردْتَ الاستزادة. أما متن الكتاب فيلتزم بهذه الحجج الأبسط على أساس أنها تقوم مقام مقدمةٍ مفيدةٍ للموضوع.

بدأ الكساد الكبير في أواخر عشرينيات القرن العشرين، ولم يتزامَنْ بالضرورة مع «الانهيار الكبير» في عام ١٩٢٩، ولكنه حدث في وقت قريب منه، وأصاب عالَمًا تربط أواصرَه أنواعٌ معيَّنة من الديون: ديون داخلية وديون خارجية. ويُلقِي الفصلُ الأول الضوءَ على هذا العالَم، وعلى الموقع الفريد الذي احتلَتْه أمريكا فيه، شارحًا كيف اختلف هذا العالَم عن عالَم ما قبل الحرب العالمية الأولى، وموضِّحًا مواطِنَ الضعف في النظام كما أبرزها النقَّاد المعاصِرون؛ وتتمثَّل في أن شبكة الديون التي ربطَتْ أواصرَ هذا العالَم بدَتْ هشَّةً في تحليل أدق مراقبِيه.

ويناقش الفصلُ الثاني ردودَ الأفعال المتخَذَة إزاءَ الأزمة؛ بدءًا من نظام الاحتياطي الفيدرالي، الذي يقوم مقام البنك المركزي في الولايات المتحدة، وانتهاء بدور الرئيس هربرت هوفر والأغلبية الجمهورية في الكونجرس. وعلى عكس الاتهامات التي كالَهَا الديمقراطيون للجمهوريين، لم يقف الجمهوريون مكتوفي الأيدي، ولكن المبادئ التي ارتكَزَ عليها هوفر منعَتْه من أن يبذل الجهد الكافي، وتفاقَمَتِ الأزمة بدرجةٍ مروعةٍ في فترة رئاسته.

يوضِّحُ الفصلُ الثالث أن جسامةَ الكساد الكبير تعود إلى تأثيره الواسع النطاق؛ فقد أصاب كافةَ قطاعات الاقتصاد الأمريكي وجزءًا كبيرًا من اقتصاد العالم. وربما الأكثر أهميةً أنه شجَّعَ المموِّلين والناخبين الأمريكيين من أبناء الطبقة الوسطى على أن يعدوا أنفسهم من أفراد الفئة الكبيرة ذات الحظِّ العاثر، لا من القلة المحظوظة.

وتناوُلُنا للصفقة الجديدة في هذا الكتاب يقتضي — شأنه شأن كافة النقاشات على هذا المنوال — تبنِّي مبدأ انتقائيٍّ لتفسير ما يندرج تحت هذا العنوان وما لا يندرج تحته. وستجد مبدأين في هذا الكتاب؛ الأول تاريخي: في حين يستخدم الكُتَّابُ أحيانًا مصطلحَ «الصفقة الجديدة» للإشارة إلى برنامج الحزب الديمقراطي الحديث، أو في الواقع إلى توسُّع الدولة الأمريكية في ظلِّ أي إدارة لأي غرض من الأغراض بعد عهد روزفلت (وهو المفهوم الذي يحمل أحيانًا اسم «نظام الصفقة الجديدة»)؛ فقد آثَرْتُ التركيزَ هنا على فترة الثلاثينيات من القرن العشرين — التي بعدها ارتأى روزفلت ومعاصروه أن الصفقة الجديدة قد انتهَتْ — ولن أتحدَّثَ إلا بإيجاز عن إرث هذه الفترة الذي خلفَتْه في سنوات الحرب.4 أما الثاني فهو وظيفي؛ فقد قسمتُ الصفقة الجديدة إلى ثلاثة أجزاء: (١) التدابير التي أحرزَتْ نجاحًا في تحويل عجلة الكساد الكبير إلى الاتجاه المعاكس. (٢) التدابير التي أخفقَتْ. (٣) التدابير التي لم تحقِّق الكثير في مواجهة الكارثة آنذاك ولكنها عملَتْ على الحدِّ من كوارث مستقبلية أو التخفيف منها.
بخلاف إيمان روزفلت الراسخ بأن «الرجل المعدِم ليس برجلٍ حرٍّ»، لم يكن هناك تقريبًا ما يجمع مكونات الصفقة الجديدة.5 فلم تجسِّد برامجُ الصفقة الجديدة أيَّ منهجٍ من مناهج الإدارة السياسية للاقتصاد، ولم تَرِدْ في كتاب أو خطبة أو بنات أفكار أحدهم، بل في بعض الأحيان لم يساهم روزفلت نفسه إلا بالقليل في تلك التشريعات أو حتى عارَضَها لتتكشف أهميتها ونجاحها في النهاية. بزغَتِ الصفقةُ الجديدة بمرور الوقت من خلال الصراعات التي دارَتْ رَحاها بين الرئيس والكونجرس والمحكمة العليا، وكان كلٌّ منهم متأثِّرًا بما سيجنيه من أصواتٍ انتخابيةٍ، الأمر الذي استمرَّ في تأجيج هذا العراك المستمر، من أجل إقامة بلد أقوى.

يغطِّي الفصل الرابع، بعنوان «إنعاش الاقتصاد والغوث»، ما أقْدَمَتْ عليه الصفقةُ الجديدة للعمل على استقرار بنوك أمريكا وعُمْلتها وائتمانها ودَعْمها، والجهد المستمر المبذول من أجل توفير الغوث الفوري للملايين التي عانَتْ من آثار الكساد مع عدم المساس بالتقاليد والمؤسسات الأمريكية. كان سيتسنَّى لهذه الجهود وحدها — إن جرى السعي وراءها بقوةٍ — أن تُنهِي الكساد، لكن كان لدى أصحاب الصفقة الجديدة طموحاتٌ أكبر.

يشرح الفصل الخامس، بعنوان «إدارة الزراعة والصناعة»، محاولاتِ الصفقةِ الجديدة إعادةَ خلق الاقتصاد الموجه الذي شهدَتْه أمريكا في الحرب العالمية الأولى في زمن السِّلْم خلال أزمة ثلاثينيات القرن العشرين. كانت هذه الجهود محل أخذٍ وردٍّ في ذلك الوقت، وبالنظر إليها اليوم تبدو مفتقِرةً بشدة إلى النصح الرشيد، ولكنها ضاربة بجذورها في السياسة الأمريكية، وساعدت إخفاقاتها على تحويل الصفقة الجديدة إلى الآلية المتوازِنة التي أصبحَتْ عليها.

يستعرض الفصل السادس، بعنوان «قوة مكافئة»، السُّبُلَ التي حاوَلَ من خلالها أصحابُ الصفقة الجديدة إعادةَ توزيع النفوذ في الاقتصاد الأمريكي. لم يلجئوا إلى إعادة التوزيع الحكومي للثروة من خلال سياسة فرض الضرائب ودفعات الرعاية الاجتماعية، بل استخدموا القانونَ لتشجيع جماعات أصحاب المصالح والأفراد المشاركين على التصرُّف بمعزلٍ عن أرباب عملهم.

قبل عام ١٩٣٦، كان استخدام القوة المكافئة قد أصبَحَ خصيصةً مميزةً للصفقة الجديدة. وحيث إن استراتيجيةَ القوة المكافئة لم تكن أبدًا بقدر كفاءة تدخُّل الدولة المباشِر، فقد أتاحت الاستراتيجيةُ لروزفلت، على حدِّ قول برلين، «إرساءَ قواعدَ جديدةٍ للعدالة الاجتماعية … دون إجبار بلده على ارتداء جلباب من المعتقدات لا فِكاك منه — سواء أكانت معتقدات الاشتراكية أو رأسمالية الدولة — أو تبنِّي التنظيم الاجتماعي الجديد الذي تباهَتْ به الأنظمةُ النازيةُ باعتباره «النظام الجديد».»6 بتطبيق هذه الأساليب أعطَتِ الصفقةُ الجديدة المجموعاتِ الأضعفَ في المجتمع القدرةَ على إبرام صفقاتٍ أفضل في سوقٍ لم تؤثِّر عليها تأثيرًا كبيرًا في الأساس.

يتناوَل الفصل الختامي بالكتاب كيف أن الناخبين الأمريكيين جدَّدوا ثقتهم في روزفلت، تلك الثقة التي تجسَّدَتْ في النصر الساحق الذي حقَّقَه في عام ١٩٣٦، ويشرح أسبابَ تباطُؤِ الصفقةِ الجديدة تدريجيًّا حتى توقَّفَتْ — مع ما سبق — في غضون بضع سنوات تَلَتْ ذلك النصرَ. كان للمحكمة العليا دورها في ذلك، وكان لطموح روزفلت الذي تخطَّى الإمكانات دوره أيضًا، ولا نغفل كذلك الدورَ الذي لعبَتْه نتائجُ أولى تجاربهم في تغيير عقول بعض أصحاب الصفقة الجديدة. وختامًا، يبرز الكتاب كيف أن الحربَ التي كانت تلوح في الأفق، واستجابةَ أوروبا وأمريكا لها، جعلَتِ الصفقةَ الجديدة تتخلَّى عن حذرها المالي وحرصها التجريبي.

لم تكن الصفقة الجديدة هي التي أنهت الكساد الكبير. فكما أطلع مواطنٌ أمريكي عاصرَ فترة الثلاثينيات من القرن العشرين ستادز تيركيل، فإن «المصانع التي أنتجَتْ أسلحةَ الحرب العالمية الثانية هي التي أنهَتِ الكسادَ الكبير.»7 لم تبلغ البطالةُ المعدلات التي بلغَتْها في عام ١٩٢٩ حتى عام ١٩٤٣.8 لكن رغم أنه يمكننا من ثَمَّ أن نقول إن الصفقة الجديدة لم تتم مهمتها بنجاحٍ، فلا يمكننا أن نقطع بأنها لم تحقِّق نجاحًا؛ فخلال فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، باستثناء الركود الذي أصاب الاقتصاد في الفترة ١٩٣٧-١٩٣٨، شهد الاقتصاد تحسُّنًا؛ حيث شهد معدلُ النموِّ زيادةً بلغَتْ ٨٪ سنويًّا في الفترة ١٩٣٣–١٩٣٧، و١٠٪ في الفترة ١٩٣٨–١٩٤١، في حين أخَذَ معدل البطالة يتراجَع باطِّراد.9 ويذكِّرنا معدلُ التعافِي المبهِر هذا بالشوط الذي كان على الولايات المتحدة أن تقطعَه كي تتعافى بعد عهد هربرت هوفر، كما يساعد على تفسير أسباب تحقيق الصفقة الجديدة هذا النجاح السياسي.

واجَهَتِ الصفقةُ الجديدة — باعتبارها برنامجًا لإصلاح الاقتصاد السياسي الأمريكي والعالمي — قَدَرًا غامضًا؛ حيث غامت ملامحها مع الدخول في الحرب. بدأت الصفقة الجديدة في صورة مجموعة حلول أمريكية خالصة لمشكلةٍ ذات أهميةٍ عالميةٍ، واستمرت على هذا المنوال في الأساس، مع أن اتفاقية التجارة الأنجلو-أمريكية في عام ١٩٣٨ كان الهدفُ منها رسمَ نهجٍ دوليٍّ لإحياء الاقتصاد العالمي. وفي حين أن النظام الذي سادَ بعد الحربِ — الذي ساعَدَ روزفلت في آخِر سنواته في إقامته من أجل العالَم — يدين بالكثير إلى طُرُقِ الصفقة الجديدة المتمثِّلة في التجريب البراجماتي ونقل السلطة بعيدًا عن متناوَلِ الولايات، فإنه بسبب نشوب الحرب قبل أن تتجلَّى بوضوحٍ دروسُ الصفقة الجديدة، لم يستطع المراقبون فضَّ الاشتباك بسهولة بين الحدثين العظيمين. إن الوضوح الأخلاقي في أربعينيات القرن العشرين أضفَى غموضًا على الخيارات الصعبة والنجاحات الجزئية والمساوَمَات السياسية التي جَرَتْ في ثلاثينيات القرن نفسه.

وفي خاتمة الكتاب أُلقِي بالضوء على تأثير الصفقة الجديدة على عالَم ما بعد الحرب، من خلال نظام بريتون وودز الذي تمثل في مجموعة من الاتفاقيات الدولية الهادفة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، والذي ظلَّ قائمًا حتى السبعينيات من القرن العشرين، ولم تبدأ الولايات المتحدة حتى تلك الفترةِ التراجُعَ عن صفقتها الجديدة داخليًّا وخارجيًّا. وحتى بعد تعاقُب عدة عقود قادَ السياسيون إبَّانها محاولةَ إحياء أفكار ما قبل عام ١٩٢٩، زاعمين مرارًا وتكرارًا أن الحكومة تمثِّل مشكلةً للاقتصادات الحديثة، وليسَتْ حلًّا لها، فإن الالتزام الأساسي للصفقة الجديدة بتحمُّل المسئولية المشتركة عن الأمن الاقتصادي وتشكُّكها في الاعتماد الكامل على المصرفيين والسماسرة التنفيذيين بالشركات، لم يَمُتْ تمامًا.

وسيجد القارئ بين صفحات هذا الكتاب أن هذه التفسيرات لم يكن منبعُها إلمامًا بسيطًا بأحداث الماضي من وجهة نظر بحثية فحسب، ولكنها أيضًا مستقاة من تقييمات ذكية أجراها مراقبون معاصرون. وفي الوقت الذي كان فيه الأمريكيون ينعمون بمزية وجود فرانكلين روزفلت ذي القدرات الرئاسية الفذة في وقتي السِّلم والحرب، كان بينهم جيلٌ جدير بالاهتمام من العلماء الاجتماعيين وغيرهم من المحللين السياسيين. ويعتمد الكتاب كثيرًا على هؤلاء العلماء بقدر اعتماده على العلماء الذين خلفوهم واستقَوا من رؤاهم. واتباعًا لنصيحة أحد أذكى هؤلاء العلماء، نبدأ الكتاب بوصفٍ للعالَم الذي كان يعرج حتى توقَّفَ تمامًا عن الحركة في الحرب العالمية الأولى ١٩١٤–١٩١٨.

هوامش

(1) “Text of Governor Roosevelt’s Speech at the Convention Accepting the Nomination,” New York Times, January 3, 1932, 8.
(2) Isaiah Berlin, “President Franklin Delano Roosevelt,” in The Proper Study of Mankind: An Anthology of Essays, ed. Henry Hardy and Roger Hausheer (London: Chatto and Windus, 1997), 636-37.
(3) David M. Kennedy, Freedom from Fear: The American People in Depression and War, 1929–1945 (New York: Oxford University Press, 1999), 365.
(4) Steve Fraser and Gary Gerstle, eds., The Rise and Fall of the New Deal Order, 1930–1980 (Princeton: Princeton University Press, 1989). On the New Deal’s contribution to the later growth of the executive branch, see Theodore Lowi, The End of Liberalism: The Second Republic of the United States (New York: W. W. Norton, 1979).
(5) Cited in Kennedy, Freedom from Fear, 280. See also Berlin, “President Franklin Delano Roosevelt.”
(6) Berlin, “President Franklin Delano Roosevelt,” 629-30.
(7) Studs Terkel, Hard Times: An Oral History of the Great Depression (New York: The New Press, 2000), 57.
(8) Susan B. Carter et al., eds., Historical Statistics of the United States, Earliest Times to the Present, Millennial Edition (New York: Cambridge University Press, 2006), series Ba475. Unemployment as a percentage of the civilian labor force was 2.9 percent in 1929; 3.1 percent in 1942 and 1.8 percent in 1943.
(9) Christina D. Romer, “What Ended the Great Depression?,” Journal of Economic History 52, no. 4 (1992): 757.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤