الفصل السابع

نهاية البداية

كان فرانكلين ديلانو روزفلت يتحدَّث بثقةٍ دون تكلُّفٍ وبلهجةِ الطبقة العليا من أهالي البلاد، ولكنها بطبيعة الحال كانت تخفى على أغلب الأمريكيين وراء الجدران الصخرية والطُّرُق المحفوفة بالأشجار لوادي نهر هَدسون ولونج آيلاند. قَدِمَ أسلافُ روزفلت إلى نيو أمستردام في القرن السابع عشر، ولم تشرد عائلته بعيدًا عن تلك البقعة، برغم صعود الحكومات وسقوطها، وكان لآل روزفلت يدٌ في بعض هذه الأحداث. كانت عائلة والدته — آل ديلانو — من التجار، وارتاد روزفلت مدرسة جروتون والتحَقَ بجامعة هارفرد، وقد كانَتَا للفتيان البروتستانت البيض الأغنياء. وعندما تزوَّجَ من ابنة عمه البعيد إليانور روزفلت (لتصبح إليانور روزفلت روزفلت)، أصبح الرئيس ثيودور روزفلت عمه بموجب هذا الزواج، وقد سار على خطواته ليكون بالهيئة التشريعية عن الولاية، والأمين المساعد للبحرية الأمريكية وحاكمًا لنيويورك، ولولا إصابته بأزمة شلل الأطفال الذي يصيب الكبار، والذي جعله غير قادرٍ على الوقوف دون قدرٍ كبيرٍ من المساعدة والجهد والألم، ما كان ليكابد أيَّ صعوبةٍ جليةٍ، وبالتأكيد ما كان ليُحرم من أية ميزة يمكن أن يمنحها بلد ديمقراطي.

لا يوجد في خلفية روزفلت ما يجعله في أيِّ مركزٍ شبيهٍ بالمُدافِع عن حقوق الشعب؛ كما أنه لم يَخُض الانتخاباتِ في عام ١٩٣٢ باعتباره كذلك، عندما انتقَدَ هوفر لما حدث من عجوزات في عهده، كما لم ينتهج ذلك عندما كان رئيسًا فيما بعدُ. وفي الولايات المتحدة كسائر العالم الصناعي، حبذت الظروفُ نمو سياسات الإنفاق الاجتماعي، إلا أن روزفلت نفسه، باعتباره زعيمَ الحزب الأكثر تفضيلًا لتلك البرامج، قاوَمَ هذه السياسات. فأحيانًا لم يكن اتجاهه المحافِظ في المسائل المالية مفيدًا، كما حدث عندما عارَضَ التأمينَ على الودائع، أو أبدى عدم اكتراثه بقانون علاقات العمل الوطني حتى وافَقَ عليه الكونجرس على أي حال. وفي أحيانٍ أخرى شكَّلَ اتجاهُه المحافِظُ السياسةَ الاجتماعيةَ الأمريكيةَ، كما حدث عندما حدَّدَ البنيةَ التساهمية والفيدرالية لمنظومة الضمان الاجتماعي. وبرغم استعداده للتجربة، فإن بواعثه المحافظة في المسائل المالية لم تتركه يومًا، والتي جعلت روزفلت — الذي بزغ نجمه في عام ١٩٣٦ باعتباره بطلَ العمَّال وفيلسوفَ القوة المكافئة — أكثر وأكثر تفردًا. عندما رشَّحَه حزبه إلى منصب الرئيس ذلك الصيف، أعلَنَ روزفلت الحربَ على «الأمراء الأثرياء لهذه الأسر الاقتصادية الجديدة … فهذه الأقطاب الاقتصادية تشكو من أننا نسعى إلى الإطاحة بمؤسسات أمريكا، لكن ما يشتكون منه في الحقيقة هو أننا نسعى إلى الاستيلاء على سلطتهم. إن ولاءنا للمؤسسات الأمريكية يقتضي الإطاحة بهذا النوع من السلطة.»1 واستمرَّ روزفلت في «التأييد بحرارةٍ للأسس الشجاعة والواضحة القائم عليها هذا الفكر»، والذي كان يضع «المجرمين أصحاب الثراء الفاحش» على مقربة من «الخاطفين واللصوص» في قائمة أعداء الأمة.2
كان خصوم روزفلت ينعتونه أحيانًا بالخائن لطبقته، ولكن كما كتب المؤرخ ريتشارد هوفستاتر في عام ١٩٤٨: «إذا كان الفرد يقصد بطبقته كلَّ المستوى المسئول عن رسم السياسات وممارسة السلطة، فمن الممكن القول إن طبقته هي التي خانته.»3 وبرغم عناية روزفلت بتنفيذ برنامج الصفقة الجديدة، ورغم التحفُّظ والحذر واحترام الفيدرالية الأمريكية لكلِّ تدبيرٍ اتخذته الصفقة الجديدة، ورغم الأدلة الجلية التي كشفت بالفعل والقول أن إدارة روزفلت نجحت مرةً بعد أخرى في إنقاذ الرأسمالية الأمريكية ولم تكن لديها أية نية في استبدالها؛ واجَهَ روزفلت في أفضل الأحوال تكاسلًا متعمَّدًا، وواجه كثيرًا تعاونًا مخادعًا؛ ومع نجاح الصفقة الجديدة وانحسار الكساد، كان العداء على طول الخط من أبناء طبقته الذين كانوا يعتبرون (كما اتضح) أن أقل التغيُّرات في النظام الاجتماعي منذِرةٌ بالفوضى.
fig8
شكل ٧-١: التقط بن شان صورة هذه اللافتة المكتوب عليها «لا نقدِّم الخدمةَ إلا للتجار من البيض» — وهي واحدة من بين كثيرات في أرجاء الدولة — في لانكستر، أوهايو، لصالح إدارة أمن المزارع في عام ١٩٣٨.
بقدر اعتماد الحزب الديمقراطي على أصوات البيض من أنصار التمييز العنصري، وبقدر بناء إدارة روزفلت لبرامج الصفقة الجديدة لاحترام مؤسسات الفيدرالية وحقوق الولايات تحديدًا من أجل تجنُّب تكدير السياسات العِرقية بالجنوب، تمكَّنَتِ الصفقةُ الجديدة مع ذلك من مساعدة الأمريكيين الأفارقة أكثر مما فعلَتْ إدارةُ هوفر، وأكثر مما قام به الحزب الديمقراطي القديم. إن فكرة «المواطن المنسي» جعلت القائمين على الصفقة الجديدة يشعرون بنوع من الخزي، وذكرتهم بأن الأمريكيين السود عادة ما كانوا يقعون في تلك الفئة أكثر من أي طبقة أخرى. وبوصفها السيدة الأولى، صارت إليانور روزفلت واحدة من هؤلاء القائمين على تطبيق الصفقة الجديدة. كانت قد عملت في شبابها في دار رعاية مجتمعية تساعد الفقراء من المُهجَّرين في مدينة نيويورك، وأبدَتْ قدرًا كبيرًا من الحساسية لقضايا الطبقة والعِرق لدرجة أنها أصبحت القناة التي يمكن من خلالها أن يُسمَع صوت المدافعين عن الحقوق المدنية مثل والتر وايت من «الاتحاد الوطني لتقدُّم الملوَّنين» في البيت الأبيض. والجدير بالذكر أنها دفعت هوبكينز بإدارة سير الأشغال للتأكُّد من وصول الغوث إلى العمال من السود، إضافةً إلى البيض.4 ولكن لم تحقِّق تلك الجهود سوى نجاحٍ جزئيٍّ — فهيئة الرقابة المدنية، على سبيل المثال، قاوَمَتْ بوضوح الإدماج العِرقي — ولكن حقَّقَتِ الصفقة الجديدة تقدُّمًا على صعيد البطالة بين السود لم يحقِّقه من قبلُ أيُّ برنامج، فيدرالي أو حكومي، ديمقراطي أو جمهوري.5
قوَّضَتْ تلك التغييرات إحساسَ البيض الجنوبيين بالتميُّز، وأخذ البعض هذا التهديد على محملٍ شديد الجدية لدرجة أنهم طالَبوا بتعويض. فذات مرة، كتب مسئول تنفيذي متقاعِد بمؤسسة دو بون إلى المسئول التنفيذي آنذاك بالمؤسسة في أوائل عام ١٩٣٤ يشكو إليه قائلًا: «رفض خمسة زنوج عندي في جنوب كارولينا العمل هذا الربيع … قائلين إنهم التحقوا بأعمال سهلة لدى الحكومة»؛ ليتلقَّى الرد الذي أشار إلى أنه ربما تكون هناك حاجة إلى مؤسسة تسعى إلى: «تعليم الناس قيمة تشجيع الآخرين على العمل، تشجيعهم على أن يصيروا أغنياء.»6 وكانت هذه الشرارة التي تمخَّضَ عنها اتحادُ الحريات الأمريكي، الذي هزأ به أحدُ مساعدي روزفلت واصفًا إياه بأنه يشبه الشريط اللاصق — «أولًا: إنه منتج من منتجات مؤسسة دو بون، ثانيًا: يمكنك بسهولة استكشاف ما وراءه» — وهو ما يعني أن أعضاءه، رغم تصريحهم أنهم ليس لديهم أي مصلحة حزبية فيما يتعلَّق بدستور الولايات المتحدة، لم يكن لديهم أي هدف سوى هزيمة روزفلت في عام ١٩٣٦.7
بعد مضيِّ عام، حازَ اتحادُ الحريات حليفًا ثمينًا في معارضته للصفقة الجديدة: المحكمة العليا للولايات المتحدة. ففي ٢٧ مايو عام ١٩٣٥، قرأ رئيس المحكمة تشارلز إيفانز هيوز الحكمَ المتَّخَذ بالأغلبية في قضية «شكتر ضد الولايات المتحدة». أُدين مالكو مجزر شكتر في محكمةٍ فيدراليةٍ ببيع «دواجن غير صالحة» وغيرها من الانتهاكات لقانون إدارة الإنعاش الوطني لصناعة الدواجن. قال هيوز، مخالِفًا ديباجة أكثر من قانون من قوانين الصفقة الجديدة: «إن الظروف الاستثنائية لا تخلق سلطةً دستوريةً أو تضخِّمها.» رأت المحكمة أن إدارة الإنعاش الوطني مثَّلَتْ تفويضًا غير قانوني بالسلطة من الكونجرس إلى الرئيس، ومن ثَمَّ إلى السلطات التي تضع القوانين، وأن ذلك على وجه الخصوص يُؤوِّل قدرة الكونجرس الدستورية لتنظيم التجارة بين الولايات على نحو فضفاض للغاية.8
وفي ٣١ مايو، عقد روزفلت مؤتمرًا صحفيًّا وصَفَه مراسل صحيفة ذا نيويورك تايمز9 بأنه «المؤتمر الأول من نوعه في تاريخ البيت الأبيض الذي يتحدَّث الرئيسُ فيه على نحوٍ غير رسمي … مُلقِيًا الضوءَ — دون الرجوع إلى أوراق يقرأ منها — على قضية بدت له لا يسبقها في الأهمية شيء سوى الحرب.» قرأ الرئيس من برقياتٍ تلتمس منه استعادةَ إجراءاتِ إدارة الإنعاش الوطني التنظيمية، واقترحَتْ إحدى البرقيات قيامه بتجريد المحكمة العليا من ولايتها على الضوابط الصناعية، إلا أن روزفلت قال: «هذه البرقيات عديمة القيمة.» وأضاف أن حكم المحكمة في قضية شكتر كان «أكثر أهميةً من أي حكمٍ آخَر أصدرَتْه المحكمةُ منذ قضية دريد سكوت» (القضية التي تؤكِّد أن الحكومة الفيدرالية لا تملك أيَّ سلطةٍ لحظر العبودية في الولايات المتحدة، والتي عجَّلَتْ بنشوب الحرب الأهلية)؛ لأن المحكمة اعتمدت على تعريف حاسم لبند التجارة بالدستور. قرأ روزفلت الحكم على أنه يمنع الحكومة الفيدرالية من تنظيم الصناعة والتعدين والزراعة والإنشاءات، حتى إن كانت المواد الخام أو المنتجات النهائية الناتجة عن تلك الأنشطة عبرت حدود الولايات. وفي بلدٍ يعتمد على التجارة بين الولايات، بلدٍ حوَّلته وسائلُ الاتصالِ والنقلِ الحديثةُ إلى أمة واحدة، جعلت هذه القراءةُ للقانون الحكومةَ الفيدرالية عقيمةً وعديمةَ الجدوى. وقد صرَّحَ روزفلت قائلًا: «من الآن فصاعدًا سيكون لدينا ثمانٍ وأربعون أمة … إنه لوضع سخيف ومستحيل بكلِّ ما تحمل الكلمة من معنًى.» إن التفسير الحاسم لبند التجارة ربما كان صالحًا عندما كان القليل من التجارة يعبر الحدود بين الولايات وكان شعب الأمة يتنقل «بعربات الخيول». استطرد روزفلت قائلًا: «الآن نحن معتمدون بعضُنا على بعض — إننا مرتبطون بعضُنا ببعض»، فالولايات المتحدة كانت في حاجة إلى حكومة قومية. بدأ روزفلت كلامه: «الآن، فيما يتعلَّق بمخرجنا من ذلك …» ثم لزم الصمت، ليستطرد قائلًا: «أعتقد أنكم تريدون أن تعرفوا شيئًا عمَّا أنا بصدده، وإني سأُطلِعكم على القليل جدًّا جدًّا مما سأفعله.»10
ولأكثر من عامٍ، لم يُدْلِ روزفلت بأي شيءٍ ذي مغزًى على الملأ حول المحكمة العليا والصفقة الجديدة، ولم يفعل ذلك حتى عندما أصدرَتِ المحكمةُ حكمها بعدم قانونية إدارة الإصلاح الزراعي في يناير، ومجموعة أخرى من تدابير الصفقة الجديدة فيما بعدُ. كان خصومه يُسهِبون في الحديث، وبدأ أعضاء اتحاد الحريات يحتفون بالقضاة بوصفهم مُدافِعين عن الأسلوب الأمريكي. وبدأ خصوم روزفلت يُعلِنون أن قضية الانتخابات القادمة ستكون المحكمة. وتساءل يوجين تالميج، الديمقراطي المحافِظ من جورجيا، هل أراد الناخبون الأمريكيون «حفنةً من الشيوعيين … ليكونوا خلفاء» للقضاة الطاعنين في السن؟ وقال الجمهوريون بأن روزفلت تجاوَزَ تقاليد المدنية الأمريكية بتعليقاته «البالية»؛ وقد قال مرشحهم، آلف لاندن حاكم ولاية كنساس، إن روزفلت قد «فقَدَ عقلَه».11 وقال السيناتور آرثر فاندينبرج (جمهوري من ميشيجان) بدهاءٍ: «لا أعتقد أن الرئيس لديه أيةُ نيةٍ ليكون مثل موسيليني أو هتلر أو ستالين، ولكن حديثه كما سمعتُ منه هو بالضبط الحديث الذي كان هؤلاء الرجال سيقولونه.»12
مع أن روزفلت لم يتحدث كثيرًا، حافظَتْ إدارته والكونجرس على نشاطهما، وتمَّتِ الموافقةُ على قانون واجنر لإعادة حقِّ العمَّال في التنظيم النقابي وتعزيزه كما هو معترَف به في قانون الإنعاش الصناعي الوطني، وتمَّتْ أيضًا الموافَقة على قانون «جافي كول» لإنشاء نسخةٍ مصغَّرةٍ من إدارة الإنعاش الوطني من أجل صناعة فحم البيتومين خصوصًا، على أساس أن تلك الصناعة تعمل في الواقع على نطاق الولايات.13
وسايرَتِ المحكمةُ أصحابَ الصفقة الجديدة؛ فقضَتْ ببطلان قانون الفحم في مايو عام ١٩٣٦؛ ليكون حُكْمها واحدًا من سلسلةٍ من الأحكام التي أصدرَتْها على مدار عامٍ، كان أغلبها موجَّهًا ضد الصفقة الجديدة بأفكار بدَتْ في نظر فليكس فرانكفورتر، أستاذ القانون آنذاك بجامعة هارفرد، أنها «مكتوبة لِلْبُلْهِ» وجعلته في حالة غضب شديدة، مُعرِبًا عن ذلك بالقول: «من الواضح أن التاريخ والوقائع السابقة لم يمثِّلَا أيَّ شيءٍ.»14 ولم يكن أعضاء هيئة التدريس بهارفرد هم الأمريكيين الوحيدين الذين أصابهم الاستياء؛ إذ تشير مصادرُ مطَّلِعة إلى أن الرئيس تلقَّى خطاباتٍ من ناخبين شاكين، كما فعل رجل من تكساس: «قلتُ لك إن الأثرياء دائمًا ما يُهْرَعون إلى المحكمة العليا من أجل إبطال قوانيننا.»15
وفي النهاية تغلَّبَتِ المحكمةُ على المشرِّعين الفيدراليين وتقدَّمَتْ لتضع عقبةً أمام الولايات. وفي قضية «مورهيد ضد نيويورك بالنيابة عن تيبالدو»، حكمَتِ المحكمةُ بأنه ليس بمقدور الولايات تحديدُ الحد الأدنى لأجور العاملات. وعلَّق روزفلت بهدوء قائلًا: «يبدو أنه اتضح تمامًا … أن «المنطقة المحرَّمة» التي ليس بمقدور أي حكومة — سواء كانت فيدرالية أو بإحدى الولايات — أن تمارس سلطاتها فيها، معالمها آخذة في الوضوح أكثر وأكثر. ليس بمقدور ولاية أن تفعل ذلك، ولا باستطاعة حكومة فيدرالية أن تفعل ذلك أيضًا.»16 وقد اعترف بعض الجمهوريين أنه بهذا الحكم لم يَعُدِ الدفاعُ عن المحكمة العليا استراتيجيةً انتخابيةً جيدة. وقد قال عضو الكونجرس هاميلتون فيش (ديمقراطي عن ولاية نيويورك): «أقول إلى أصدقائي الجمهوريين إن عبَّرْتُم عن أيِّ تأييدٍ لهذا الحكم … فسيعني هذا مليون صوت لصالح الحزب الديمقراطي.» وعلق هربرت هوفر بقوله: «يجب اتخاذ إجراءٍ بشأن إعادة الصلاحيات التي كانت الولايات تظنُّ أنها تمتلكها بالفعل.»17
ولكن حتى ذلك الحين كان الجمهوريون مُلزِمين أنفسهم تمامًا بسياسة الوقوف إلى جانب المحكمة ضد روزفلت، لدرجة أنه لم يكن بمقدورهم تغيير مسارهم بسهولة. وقد شدد هوفر في المؤتمر الوطني الجمهوري على أنه «ينبغي أن يشكر الأمريكيون الربَّ القدير على الدستور والمحكمة العليا.» وأعقب كلمتَه تصفيقٌ حارٌّ لمدة دقيقتين.18 وكتب آرثر روك في صحيفة ذا نيويورك تايمز: «إن المحكمة تعلم أنها خاضعة لمحاكمة.»19 فإن كان الأمر كذلك، فالمحكمة وضعَتْ نفسها في قفص الاتهام، وأدخل الجمهوريون أنفسهم معها؛ أما روزفلت، في موقفه الأقرب إلى الصمت المُطْبِق حيال المسائل القضائية، فلم يكن في جَعْبته الكثير ليفعله. كانت الانتخابات بمنزلة استفتاءٍ على المحكمة بالقدر نفسه الذي ارتقَتْ به أهمية بالغة باعتبارها استفتاء على الصفقة الجديدة، لا باعتبارها برنامجًا بعينه أو نجاحًا، ولكن بوصفها استعدادًا لاستخدام سلطة حكومة الولايات المتحدة بالنيابة عن الأمريكيين العاملين والبائسين. وبينما وقف خصوم روزفلت إلى جانب المحكمة العليا في مواجهة الصفقة الجديدة، وقف روزفلت بجانب الصفقة الجديدة في مواجهة الكساد. وقد قال في قاعة ماديسون سكوير جاردن في ٣١ أكتوبر: «اليوم سأتلو عليكم قائمة الشرف، قائمة الشرف التي تضمُّ مَن وقفوا بجانبنا عام ١٩٣٢ وما زالوا اليوم واقفين إلى جوارنا. بقائمة الشرف أسماء الملايين الذين لم تُتَحْ لهم الفرصةُ قطُّ؛ رجال يتلقَّون أجورًا لا تسدُّ رمقهم، نساء يعملن بمنشآت شاقة، أطفال يعملون على المناول.» ثم بدأ يعدِّد المعادين لهم:
أعداء السلام القدامى: احتكار الصناعات والاحتكار المالي، والمضاربة، والنشاط المصرفي الطائش، والعداء الطبقي، والتعصُّب الإقليمي، والتربُّح من الحرب؛ لقد بدءوا يعتبرون حكومة الولايات المتحدة مجرد تابعٍ لشئونهم الخاصة … إنهم مجتمعون على كراهيتي، وأنا أرحِّب بكراهيتهم لي. أودُّ أن يُقال عن إدارتي الأولى أن قوى الأنانية والتعطُّش للسلطة وجدَتْ ما يضاهيها؛ وأودُّ أن يُقال عن إدارتي الثانية إن تلك القوى وجدَتْ سيدها.20
وكان هناك إجماع بين جمهور الناخبين؛ فجميع الولايات عدا ماين وفيرمونت صوتَّتْ لصالح روزفلت. لم يحظَ أيُّ رئيسٍ بهذه الأغلبية في المجمع الانتخابي منذ أن خاضَ جيمس مونرو الانتخابات دون منافسة تقريبًا عام ١٨٢٠؛ وفاز روزفلت بنصيبٍ من الأصوات الشعبية (أكثر من ٦٠ بالمائة) أكبر مما حصل عليه أي مرشح منذ بدء تسجيل الأصوات الدقيق عام ١٨٢٤.21 فاز روزفلت بأغلبية غير مسبوقة من أصوات الأمريكيين الأفارقة واليهود، ولكن الأكثر أهميةً أنه جلب العمَّال إلى صناديق الاقتراع بأعداد قياسية للإدلاء بأصواتهم لصالح الرئيس الذي علموا أنه يقف إلى جانبهم. وجد منظِّمو الانتخابات أن أبناء الطبقة الوسطى كانوا أقرب إلى التصويت لصالح الرئيس من الأغنياء، وأن الطبقة العاملة كانت أقرب إلى التصويت لصالح الرئيس من الطبقة الوسطى. حتى داخل الطبقة العاملة كان هذا التراتب واضحًا؛ فبالاتجاه لأسفل على مقياس المهارات، كان العمَّال الأقل مهارةً أقربَ إلى التصويت لصالح الرئيس أكثر من العمال الأكثر مهارةً. كان لدى الشعب الأمريكي فكرة جيدة عن موقف الرئيس؛ كما كتب أحدهم إليه: «أنت الرئيس الوحيد الذي ساعَدَ الطبقة العاملة من الشعب في يوم من الأيام.»22 وفي الوقت نفسه، خفَتَ حسُّ الأصواتِ داخل البلد الذي سعَى من قبلُ إلى تحدِّي روزفلت على زعامة الطبقتين الوسطى والعاملة. كان هيوي لونج قد قُتِل العام السابق، وقاد الأب تشارلز كوجلين، كاهن المذياع، جهودًا لم يُكتَب لها النجاح للدفع بحزب ثالث، وتعرَّضَ لتقريع شديد من جانب الكنيسة الكاثوليكية لسياساته، وخسر مستمعيه مع ازدياد تحوُّله إلى معاداة السامية. وحتى الحزب الشيوعي في الولايات المتحدة تجنَّبَ انتقادَ روزفلت.23
كُتِب للأغلبية الوطنية الساحقة التي كوَّنها روزفلت أن تستمر قرابة ثلاثين عامًا، ولكن في لحظة أوْجِ انتصارها كانت الصدوع التي ستؤدِّي إلى انهيارها قد ظهرَتْ بالفعل؛ فالائتلاف القائم برنامجه على استخدام الحكومة الفيدرالية لمساعدة الأمريكيين المنتمين إلى الطبقة العاملة والأمريكيين الأفارقة والأمريكيين الأصليين كان ائتلافًا اجتذَبَ على نحوٍ شبه كاملٍ الأمريكيين بالحضر. ربما نجح هذا الائتلاف جيدًا في انتخاب رئيس؛ لأن المدن الحافلة بالسكان يمكن أن تدعم الولايات الحافلة بالسكان بالكثير من الأصوات الانتخابية. إلا أن هيكل الكونجرس وخاصة مجلس الشيوخ قاوَمَ هذه السياسات الخاصة بالطبقة والمدينة، ويرجع ذلك بالأساس إلى أن المزارعين في القرن الثامن عشر كانوا يرَون أن المقصد من الكونجرس هو أن يفعل ذلك فحسب؛ فالمناطق الريفية والمناطق ذات البلدات الأصغر والجنوب الأبيض بسياسته العنصرية الثابتة؛ كانت تنظر بعدائيةٍ متزايدةٍ إلى إدارة روزفلت، في حين كان الرئيس يعلن نفسه — بصراحةٍ متناميةٍ — بطلَ المقهورين في الدولة. فاز روزفلت بولايةٍ جديدةٍ على أساس صفقةٍ جديدةٍ واضحةٍ، ولكنه أوضَحَ بجلاءٍ الفارقَ بين الصفقة الجديدة والحزب الديمقراطي.24
أمضى روزفلت العام الأول من فترة ولايته الثانية موضِّحًا هذا الفارق على نحوٍ ما كان ليختاره، مع أول خسارة سياسية كبيرة له. فرغم صمت الرئيس عن المحكمة العليا عام ١٩٣٦، تحدَّثَ أنصار الإصلاح القضائي كثيرًا عن تغييرٍ في تشكيل المحكمة، مستدعين عصر التجديد عندما جرَّدَ الكونجرس الجمهوري المحكمةَ من ولايتها في بعض القضايا وغيَّر عددَ أعضائها. واكتشف أحد مستشاري الرئيس أن العدو الأول للصفقة الجديدة بالمحكمة، القاضي جيمس ماكرينولدز، عندما كان يعمل نائبًا عامًّا في عهد الرئيس وودرو ويلسون في عام ١٩١٣، اقترح إصلاح القضاء الفيدرالي من خلال اشتراط تعيين قاضٍ جديد مكان القاضي الذي يبلغ السبعين ولا يستقيل. كان أشد أربعة قضاة في المحكمة العليا عداءً للصفقة الجديدة قد تجاوزوا السبعين من أعمارهم، ولم يكن أيٌّ من القضاة تحت سن الستين، واستقر روزفلت على خطة ماكرينولدز لزيادة عدد أعضاء المحكمة؛ أو كما قال المؤيدون سرًّا والمعارضون علنًا: «ملْء» المحكمة.25
وقبل أن يشرع الرئيس في تنفيذ الخطة بفترةٍ كافيةٍ، كان للمحكمة رد فعل واضح؛ ففي ديسمبر، بعد الانتخابات وقبل تولِّي روزفلت مقاليد الحكم رسميًّا، أدلَى القاضي أوين روبرتس — الذي كان قد صوَّتَ من قبلُ مع أربعة قضاة آخَرين مناهضين للصفقة الجديدة مشكلين أغلبية بالمحكمة — بصوته لصالح أغلبية جديدة مؤيِّدة للصفقة الجديدة في حالةٍ بَدَتْ — تقريبًا للمراقبين كافةً — أشبهَ بتحوُّلٍ صريحٍ في الموقف. ولم تُصدِر المحكمةُ حكمَها في قضية فندق «ويست كوست ضد باريش» حتى شهر مارس، ولكن قال القضاة في هذا الحكم عكس ما قالوه في قضية «تيبالدو»؛ إذ قالوا إن الولايات يمكنها في الواقع تشريع الحد الأدنى للأجور،26 وسريعًا ما أيَّدوا قانونَ واجنر وقانون الضمان الاجتماعي، وبعد ذلك أصبحوا أكثر ودًّا بكثيرٍ تجاه الصفقة الجديدة بنواحيها كافةً.
مع ذلك واصَلَ روزفلت تنفيذَ خطته بتغيير تشكيل المحكمة. زعم المؤيدون أن الفكرة لها ميزات واضحة؛ فالجمهوريون ملئوا المحكمة إبَّان عصر «التجديد»، وأيَّد ثيودور روزفلت تدابيرَ مشابِهةً إبَّان فترة رئاسته وبعدها، وعندما تولَّى فرانكلين روزفلت المنصبَ كان أقل بقليل من ٣٠ بالمائة من القضاة الفيدراليين ديمقراطيين، وإبَّان فترته الرئاسية الأولى كلها لم يتمكَّن من تعيين قاضٍ واحدٍ بالمحكمة العليا، وأحسَّ الجميع تقريبًا أن قضية «تيبالدو»، على وجه الخصوص، مخالِفة بوضوح لوقائع الحقبة الزمنية والتقاليد.27 إلا أن خطة مَلْءِ المحكمة مثَّلَتْ فرصةً ممتازة لتلفيق تهمةِ الطموح الديكتاتوري لروزفلت، التي كان لها وقع خاص في عصرٍ غير مستقرٍّ شهد ديكتاتوريين حقيقيين في البلدان المتقدمة. وأصدرت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ تقريرًا يدين خطة الرئيس واصفًا إياها بأنها «بلا طائل، وبلا جدوى، وتمثِّل مخالفة في غاية الجسامة لمبدأ دستوريٍّ» ذكَّرَهم بالمآسي التي عانَتْ منها النُّظُم السياسية لبلاد أخرى مؤخرًا. كان سبعة من بين العشرة الموقِّعين على التقرير ديمقراطيين، وكما كتَبَ أحدُ المراسِلين، بَدَا التقرير مثل «وثيقة انشقاق» للديمقراطيين المحافظين.28
خلال فصل الصيف، ومع اتخاذ المحكمة لموقفٍ أكثر استرضاءً من أيِّ وقتٍ مضى، تزايَدَتِ المعطياتُ التي تفيد بأنه لا حاجة لخطة روزفلت لملء المحكمة. وفي النهاية آلَ أمرُها إلى الهزيمة وسط الموت — قضى السيناتور جوزيف تي روبنسون (ديمقراطي من أركانسو)، زعيمُ حزب روزفلت بالبرلمان، نَحْبَهُ أثناء ضغطه للموافَقَة على مشروع القانون — والتهديدات بالقتل من خصوم الرئيس الساعين لتطبيق القانون بأيديهم؛ كما ضعف بمرور الوقت دعم إدارة الرئيس بالكونجرس.29
أُضِيف إلى تأثير المعركة التي طال أمدُها حول المحكمة العليا والانقسام داخل الحزب الديمقراطي، صعوبةٌ أخرى أكبر عملت على تقويض الصفقة الجديدة؛ فلأول مرة منذ انتخاب روزفلت وبوقعٍ بطيء، سقط البلد في ركود اقتصادي، مهدِّدًا ادِّعَاءات الصفقة الجديدة بالنجاح. لم يبدُ الأمرُ مثل انعكاسٍ عاديٍّ لدورة الأعمال؛ فالاقتصاد لم يكن قد تعافَى بعدُ بالكامل من كبوته في عام ١٩٢٩. وأنحى منتقدو الإدارة باللائمة على روزفلت جرَّاء الركود، وقالوا إنه بثَّ الذعرَ في نفوس رجال الأعمال فتمسكوا بأموالهم؛ مما منَعَهم من إجراء استثمارات مُثمِرة، كما أنْحَوْا باللائمة على ضرائب الضمان الاجتماعي التي أصبحت سارية عام ١٩٣٧، جرَّاء سحب النقود من الاقتصاد. وداخل الإدارة، أنْحَى أصحاب الصفقة الجديدة باللائمة على رجال الأعمال لرفضهم عمدًا الاستثمارَ — لبدئهم ما أطلقوا عليه «إضراب رأس المال» لسلب الصفقة الجديدة مصداقيتها — وأنْحَوْا باللائمة أيضًا على روزفلت؛ وفي محاولة منه لإحياء سياسته المالية المحافظة، أمر روزفلت بإجراء استقطاعات في الإنفاق على الأشغال العامة بهدف إحداث توازُنٍ في الميزانية.30 ومع انخفاض الإنفاق في الصفقة الجديدة، ارتفَعَ معدل البطالة.31
أرسل جون مينارد كينز إلى الرئيس خطابًا سريًّا مؤرَّخًا ١ فبراير ١٩٣٨، قال فيه إن روزفلت يجب أن يتصرَّفَ كما لو أن عامَّة منتقديه على حق. وحسب وصف كينز، كان خفض الإنفاق على المساعدات «خطأ بدافع من التفاؤل»، وأن مواصلة الإنفاق على الأشغال العامة من شأنه أن يساعد على عكس الركود. وأشار كينز إلى أن الولايات المتحدة في الوقت نفسه كانت في حاجةٍ إلى مؤسسات القطاع الخاص للمساعدة على حلِّ مشكلاتها، فيقول: «بإمكانك فعل أي شيءٍ تحب بهذه المؤسسات، إذا عاملْتَها (حتى الكبرى منها) لا كذئاب ونمور، ولكن كحيوانات أليفة بطبيعتها، مع أنها نشأت نشأةً سيئةً، ولم تتلقَّ التدريبَ الذي كنتَ تريده لها … فإن أدمجْتَها في حالة العند والشراسة والذعر القادرة عليها الحيوانات الأليفة التي أُسِيئت معاملتها، فلن تنتقل أعباء الأمة إلى السوق.» لذلك كان على روزفلت إعادة إدماج رجال الأعمال في جهود الإنعاش الاقتصادي، وأصبحَتْ لتوصيات كينز أهمية أخرى حينذاك؛ فقد نشر في عام ١٩٣٦ كتابه «النظرية العامة للتشغيل والمال والفائدة» الذي شجَّعَ — بجانب الركود — الاقتصاديين الأمريكيين على الاعتقاد بأن تمويل الإنفاق الحكومي بالاقتراض يمكن أن يجلب الانتعاش الاقتصادي من وسط الركود، من خلال حث المستهلكين على مزيد من الشراء.32
تصرَّفَ روزفلت كما لو أنه صدَّقَ نصف حجة كينز على الأقل؛ ففي ربيع عام ١٩٣٨، طلب روزفلت مواصلةَ الإنفاقِ على الأشغال العامة، معترفًا بأنه «بدأ يقل بسرعة كبيرة جدًّا» في عام ١٩٣٧.33 وفي يونيو، أعطى الكونجرس موافقته على إتاحة حوالي ٣ مليارات دولار لمواصلة الإنفاق على المساعدات وبزيادة المساهمات الفيدرالية في الاقتصاد زيادةً هائلةً.34 ولكن كانت المعركةُ مع المحكمةِ العليا والركودُ قد أضعفا روزفلت؛ ففضلًا عن زيادة الإنفاق على المساعدات، حصل من الكونجرس على قانون «معايير العمل العادلة»، الذي حظر عمالة الأطفال وقرَّرَ حدًّا أدنى فيدراليًّا للأجور.35 ولكن لم يحصل روزفلت على هذا القانون إلا بمساعدة كبيرة من حملة طويلة نظَّمَها اتحاد المستهلكين الوطني وبعض اتحادات العمال الكبرى،36 وبعد ذلك لم يَعُدْ بمقدور أصحاب الصفقة الجديدة إصدارُ قوانين جديدة مهمة.
وهكذا هاجَمَ الرئيس مصدرين رئيسيين للمعارضة؛ فلمواجهة الشركات المنظمة، أنشأ روزفلت اللجنة الاقتصادية الوطنية المؤقتة، التي كان هدفها فضح الممارسات السيئة للمحتكرين. ولمناهضة ديمقراطيي الجنوب المحافظين، شنَّ حملةً شخصيةً، إلا أن كِلَا الجهدين فشلَ؛ فقد أجرَتِ اللجنةُ الاقتصادية الوطنية المؤقتة جلساتِ استماعٍ بشأن مختلف المجالات، ودرست مجموعة متنوعة من السُّبُل لإنهاء حالات الاحتكار، أو على الأقل تنظيمها. وفي حين كشفت اللجنة عن كمٍّ ضخمٍ من البيانات حول الصناعة الأمريكية وأبلغت بها كما ينبغي، لم تخرج بمقترح واضح لمواجهة الشركات المحتكرة والشركات القابضة التي كانت تسيطر على الشركات الأمريكية، ولكنها أكَّدَتْ أن الحكومة يجب أن تلعب الدور الذي أوعز به كينز؛ أي تعزيز الرخاء من خلال معايرة الإنفاق لتشجيع المستهلكين على الشراء.37
اتَّخَذَ روزفلت نفسه منهجًا حزبيًّا أكثر تقليدية تجاه الاقتصاد، مشيرًا إلى الجنوب على أنه «مشكلة الأمة الاقتصادية رقم ١»، ومُستهدِفًا إياه بوصفه مشكلة الحزب الديمقراطي السياسية رقم ١؛ فقال: «أعتقد أن الجنوب سيظل ديمقراطيًّا، ولكني أعتقد أنه سيتخذ شكلًا ديمقراطيًّا أكثر ذكاءً من الشكل الذي أبقى على الجنوب لأسباب أخرى ضمن صفوف الحزب الديمقراطي طوال تلك السنين … ستكون ديمقراطية ليبرالية.»38 نظَّمَ روزفلت حملةً لم يُكتَب لها النجاح ضد ديمقراطيي الجنوب خلال صيف عام ١٩٣٨، وكان ردُّ فعلهم أن استدعَوا الشبحَ الذي أوغر صدور الجنوب الأبيض منذ الحرب الأهلية، وهو التدخُّل الخارجي من قِبَل المحرضين الشماليين. في انتخابات الكونجرس في شهر نوفمبر، سجَّلَ جمهور الناخبين الأمريكيين خيبةَ أملهم من الرئيس؛ لتتمخَّض الانتخابات عن مجلس نوَّابٍ فقَدَ فيه النواب الديمقراطيون اثنين وسبعين مقعدًا، ومجلسِ شيوخٍ فقدوا فيه سبعة مقاعد.39 واتضح أن تنبُّؤَ روزفلت غير صحيح؛ فلم يتحول الجنوب إلى الليبرالية، بل لن يظل ديمقراطيًّا إذا ما أصرَّ الديمقراطيون على تغيير العلاقات العنصرية التي تحكمه. وبعد انقضاء عشر سنوات على ذلك، تجنَّبَ خَلَفُه هاري إس ترومان الهزيمة بفارقٍ ضئيلٍ عندما تخلَّى الجنوبُ عن الحزبِ الديمقراطيِّ؛ لأنه تبنَّى قضيةَ الحقوق المدنية للأمريكيين الأفارقة.
من انتصار عام ١٩٣٦ حتى انكسار عام ١٩٣٨، أوضَحَ روزفلت ما باستطاعة الصفقة الجديدة تغييره في السياسة الأمريكية وما لم يكن باستطاعتها؛ فعلى المستوى القومي في الاقتراع في انتخابات الرئاسة، تمكَّنَ الرئيس من تقديم نفسه بوصفه بطل الشعب ورائد صفقتهم الجديدة ضد الحرس القديم المتمثِّل في الأغنياء والمحافظين. كان بإمكانه الاعتماد على الخطاب البليغ وواقع السياسة الطبقية ليُعاد انتخابه مجدَّدًا، إلا أن القوانين والعادات الأمريكية لا تتيح المجال لإخضاع السياسات القومية للتنظيم الحكومي. وفي مواجهة كونجرس منتخبٍ من الضواحي، ومجلسِ شيوخٍ منتخَبٍ من الولايات، فشلت سياسةُ روزفلت المتشعِّبة. في عام ١٩٣٨، أَظْهَرَ صندوقُ بريد الرئيس الانقساماتِ بين فئات الدولة؛ ففي حين كتب له البعض ممتدحين ومتسائلين، كما كتبَتْ سيدة تقول: «كيف يمكن أن يكون أحدهم ضدك؟! لقد أبقيْتَ على الكثير من الآباء والأبناء معًا من خلال إدارة سير الأشغال!» عارضَه آخَرون بوضوح، فكتبت إحدى السيدات إليه قائلة: «كم أشعر بالامتعاض عندما أرى أنك لا تملك أيَّ شيءٍ ببرنامجك سوى ما كان بجَعْبتك لخمس سنوات، ولا تعطي إلا لمَن سيقبلونه!» وسأله رجل يقول: «هل خطر ببالك من قبلُ أن الدولة كانت تسير في طريقها قبلك وستستمر في السير بعد رحيلك؟»40
من الإنصاف أيضًا أن نقول إنه فضلًا عن التأمين الصحي، أرسى روزفلت والكونجرس من خلال التعاون بينهما نسخًا أمريكية من المكونات الرئيسية للضمان الاجتماعي التي كانت موجودةً في البلاد الصناعية الأخرى، بما في ذلك ضم المسنين والعاطلين والمعوقين وغيرهم من المُعالين تحت مظلة هذا الضمان. ودعمَا البنوك والعملة، وأنقذَا الرأسمالية الأمريكية اعتمادًا على أفكارهما، ودشَّنَا تنمية المناطق المتخلفة بالجنوب والغرب، مع أن بعض الأهداف مُنيت بالفشل؛ مثل تصدير نموذج هيئة وادي تينيسي إلى مناطق أخرى.41 وكان الديمقراطيون قد اكتشفوا بالفعل الخطرَ السياسيَّ المُحْدِق بهم عندما تقدَّموا خطوةً بسيطة جدًّا نحو الحاجة الأمريكية إلى توفير الحقوق المدنية للمواطنين السود.
وفي نهاية ثلاثينيات القرن العشرين، وجَدَ صانِعو السياسة — الذين اتجهوا إلى واشنطن لتغيير الأسلوب الذي كانت تعمل به الأمة — أنه بات يُطلَب منهم على نحوٍ متزايدٍ أن يجدوا سُبُلًا لجعل الهيكل الحالي للاقتصاد الأمريكي أفضل قليلًا. وصرفَتْ وكالاتٌ مثل مجلس تخطيط الموارد القومي النظرَ عن فكرة التغييرات الهيكلية، مستعيضةً عنها بفكرة استغلال الحكومة في تحسين المؤسسات القائمة.42 قوَّمَ الكونجرس البرامج؛ فأعاد إنشاء إدارة الإصلاح الزراعي للإبقاء على السياسات التوافقية كما هي دون إزعاج المحكمة العليا وتعديل الضمان الاجتماعي. وتنامى قبول أصحاب الصفقة الجديدة للسياسة التي كانت يُطلَق عليها عمومًا «سياسة كينز»، حتى إنهم من خلال الميزانية الفيدرالية تمكَّنوا من تعزيز إنفاق الأمريكيين، ومن ثَمَّ تعزيز النمو الاقتصادي الكلي دون التدخُّل في الأنشطة الأساسية أو توازُن الاقتصاد.
ولكن على المستوى التشريعي، بالرغم من أن المرحلة الإبداعية من الصفقة الجديدة كانت في طريقها لبلوغ نهايتها، فإن هذه النهاية لم تكن سوى بدايةٍ جديدةٍ؛ حيث بدأَتْ فكرةٌ ما تتمخَّضُ عن تلك الصراعات التشريعية والتنازلات. كانت الفكرة بسيطةً، فكما يقول أحدُ عمَّال الغوث في إدارة سير الأشغال في عام ١٩٣٨:
هذه هي الطريقة التي أرَى بها هذا الأمر: هذا بلد غنيٌّ، وأعتقد أنه لن يضير الحكومة أن تُطعِم وتكسوَ مَن يحتاجون الطعام والكساء؛ فنصفهم لا يستطيعون الحصول على عملٍ، أو غير مُعَدِّين لمباشَرَةِ العمل إنْ حصلوا عليه … لدينا المال، الكثير من المال. لا معنى لأن تحبس الحكومة هذه المساعدات البسيطة عن الفقراء، ولا داعي للتساؤل: هل كان البعضُ غيرَ مستحقِّين لتلك المساعدات … كثير منهم يأتون هنا، فلماذا أوبخهم بدلًا من أن أمنحهم ما يستحقون من مساعدات؟ أنت بحاجةٍ لأن تتقبَّلَ الجميع، صالحهم وطالحهم.43

الفكرة في حديث هذا العامل هي أنه لن يضير بلدًا غنيًّا أن يساعد حتى الفقير غير المستحق؛ وقد خرجت هذه الفكرة من رَحِم الصفقة الجديدة، كما خرج أيضًا من رَحِم نفسِ الصفقةِ الحديثُ نفسه وأيضًا الفكرةُ التي مفادها أن أيَّ بلدٍ غنيٍّ يجب أن يسجِّل هذا الحديث ويحتفظ به؛ مع أنه كان حديثًا لرجل عادي.

ظلَّ حديثُ هذا العامل باقيًا إلى يومنا هذا؛ لأن إدارة سير الأشغال احتفظَتْ به، إلى جانب ما تفتَّقَتْ عنه أذهانُ كثيرين غيره من الأمريكيين. أرسَلَ مشروعُ الكَتَبَة الفيدراليين التابِع لإدارة سير الأشغال، إلى جانبِ عددٍ من المشروعات الشبيهة، كتَّابًا إلى جميع أرجاء البلاد ليس لكي يسجِّل الأمريكيون فقط رأيَهم حول الصفقة الجديدة أو الكساد أو الرئيس، بل لتسجيل أي شيء وكل شيء: حياتِهم وآمالِهم وطموحاتِهم وما يؤرِّقهم، ليس بغرض تمجيد الصفقة الجديدة أو الأمة، ولكن من أجل تسجيل الثقافة وشعبها. وعَمِلَ الكَتَبَة بحرصٍ قدر الإمكان، متَّبِعِين التعليمات الصادرة إليهم بضرورة «تدوين ما يقوله المتحدث بالضبط»؛44 فسجَّلوا كيف يتحدَّث الأمريكيون ويغنون ويعملون ويلعبون، وسجل زملاؤهم بكاميراتهم الصورةَ التي كان يبدو عليها الناس والدولة، وأَجْرَوا مقابلاتٍ مع المزارعين الحاليين الذي يسدِّدون إيجارهم بحصةٍ من محصولهم، وعبيد سابقين. يقول أحدهم: «أرقد في فراشي المتواضِع ليومين لأُشْفَى من آثار الجَلْد، وقد يُشفَى منها جسدي ولكنها تترك بقلبي علامات لا تُمحَى. لا يا سيدي! لا تزال موجودة بقلبي إلى يومنا هذا.»45 وعثروا على مستوطنين قدامى، وهنود تذكَّروا الوقت الذي جاء فيه المستوطنون الأوائل. دوَّنوا رواياتٍ طوالًا، وقصصَ أشباحٍ، وأغانيَ شعبيةً؛ أشياءَ من ماضي الريف في الدولة الآخذ في التلاشي في خِضَمِّ الأمة الحضرية الوطنية الحديثة. وقد نشروا تلك البيانات في «الاتحاد اليهودي في نيويورك» (١٩٣٨) و«طريق يو إس وان: من ماين إلى فلوريدا» (١٩٣٨) و«الزنوج في فيرجينيا» (١٩٤٠) و«قبيلتا هافاسوباي ووالباي» (١٩٤٠)، من بين العشرات من الكتب الأخرى حول كلِّ ولايةٍ وشعبٍ وسمةٍ من سمات الأرض.

ومع مشروعَي الفن الفيدرالي والمسرح الفيدرالي، شكَّلَتْ إدارة سير الأشغال ثقافةً جديدةً للدولة؛ فتمخَّضَ عن المشروع الفني جداريات وملصقات ذات أسلوب بصري مميز، وكفل المشروعُ المسرحي للأمريكيين مشاهَدَةَ مسرحياتٍ مثل «ماكبِث» أو «دكتور فاوستوس» أو «ذا ميكادو» أو أي عمل مقتبَس من رواية سنكلير لويس «لا يمكن أن يحدث هنا» التي تحذر من إمكانية قيام نظامٍ فاشيٍّ في أمريكا، ليس في نيويورك فحسب وإنما في مدن شتى من البلاد.

fig9
شكل ٧-٢: ملصق لمشروع المسرح الفيدرالي يعلن عرض مسرحية مقتبَسَة من رواية سنكلير لويس «لا يمكن أن يحدث هنا».
fig10
شكل ٧-٣: هذه اللوحة الجدارية من إنجازات مشروع الفن الفيدرالي التابع لإدارة سير الأشغال، في مدرسة جورج واشنطن الثانوية في سان فرانسيسكو، وتصوِّر مشهدًا من الثورة الأمريكية.
ولكن أخفقَتْ هذه الطموحات الثقافية للصفقة الجديدة بسبب المعارضة نفسها التي وقفت في طريق طموحاتها السياسية؛ فالديمقراطيون المحافظون، لا سيما الجنوبيون مثل عضو الكونجرس مارتن ديز من ولاية تكساس، بدءوا في إثارة القلق علنًا حول التأثير الشيوعي على الصفقة الجديدة. بدأت لجنة الأنشطة غير الأمريكية التي شكَّلَها ديز جلساتِ استماعٍ في عام ١٩٣٨ للتحقيق في تأثير الشيوعية على الاتحادات العمالية والصفقة الجديدة بوجهٍ عامٍّ، بما في ذلك مشروع المسرح الفيدرالي. وفي ديسمبر، مَثُلَتْ هالي فلانانجان مديرة المشروع، أمام اللجنة، عندما ذكرت اسم كريستوفر مارلو الذي كتب مسرحية «دكتور فاوستوس»، سألها عضو الكونجرس جوزيف ستارنيز: «أنتِ تنقلين عن ذلك المدعوِّ مارلو! هل هو شيوعي؟» فأجابته فلانانجان: «سجِّلْ ما سأقول في المَضْبَطَة … إنه كان أعظم أديب مسرحي في عهد شكسبير، الفترة التي سبقَتْ شكسبير مباشَرةً.»46 كشف الحوار مدى عمق الهُوَّة بين الثقافة التي كان أصحاب الصفقة الجديدة ينشرونها والثقافة المطلوب تذوُّقها في بعض مناطق الدولة. وبحلول عام ١٩٣٩، كانت لجنة ديز قد أنهَتْ تمويل مشروع المسرح الفيدرالي، وحوَّلَ المحافظون في الكونجرس انتباهَهم إلى وكالات الصفقة الجديدة الأخرى. وفي صيف عام ١٩٣٩، بدءوا في التحقيق بشأن المجلس الوطني لعلاقات العمل، وصوَّتَ المحافظون من الديمقراطيين والجمهوريين معًا من أجل إسقاط مشروعات القوانين الخاصة بالإنفاق التي تقدَّمَ بها روزفلت.47
وفي الوقت الذي أعاقَتْ فيه المعارضةُ المحافِظةُ روزفلت، فإنه بدأ ينظر فيما وراء الصفقة الجديدة بالتفكير في الخطوة التالية. وقد قال أحد مستشاريه إن الرئيس أخبره في عام ١٩٤٠ أنه «بذل على الأرجح كلَّ ما بوسعه بشأن القضايا المحلية.» واندلعت الحرب في أوروبا لتَسترِق انتباهه. وبالرغم من أنه قال لمَن تبقَّى من أصحاب الصفقة الجديدة: «علينا أن نبدأ في كسب الحرب»، فإنه لم يهجر الصفقة الجديدة تمامًا، حتى عندما بدأت الأمة الحرب.48

هوامش

(1) Franklin D. Roosevelt, “Acceptance Speech for the Renomination for the Presidency,” June 27, 1936, Philadelphia, PA. Checked online, 2/27/2007, at www.presidency.ucsb.edu/shownomination.php?convid=37.
(2) James MacGregor Burns, Roosevelt: The Lion and the Fox (New York: Harcourt, Brace and Company, 1956), 272.
(3) Richard Hofstadter, The American Political Tradition and the Men Who Made It (New York: Vintage, 1989), 435.
(4) Harvard Sitkoff, A New Deal for Blacks (New York: Oxford University Press, 1978), 60.
(5) Bruce J. Schulman, From Cotton Belt to Sunbelt: Federal Policy, Economic Development, and the Transformation of the South, 1938–1980 (Durham, NC: Duke University Press, 1994), 34.
(6) Frederick Rudolph, “The American Liberty League, 1934–1940,” The American Historical Review 56, no. 1 (1950): 19.
(7) William E. Leuchtenburg, The FDR Years: On Roosevelt and His Legacy (New York: Columbia University Press, 1995), 124.
(8) 295 U.S. 495, 528.
(9) Charles W. Hurd, “President Says End of NRA Puts Control Up to People,” New York Times 6/1/1935, 1.
(10) Franklin D. Roosevelt, press conference, May 31, 1935. Checked online, 3/1/2007, www.presidency.ucsb.edu/ws/print.php?pid=15065.
(11) William E. Leuchtenburg, “When the People Spoke, What Did They Say?: The Election of 1936 and the Ackerman Thesis,” Yale Law Journal 108, no. 8 (1999): 2088, 2080.
(12) Leuchtenburg, “The Origins of Franklin D. Roosevelt’s ‘Court-Packing’ Plan,” Supreme Court Review 1966 (1966): 358.
(13) 49 Stat. 991; “The Bituminous Coal Conservation Act of 1935,” Yale Law Journal 45, no. 2 (1935).
(14) Leuchtenburg, “When the People Spoke,” 2106; Leuchtenburg, “Comment on Laura Kalman’s Article, ‘The Constitution, the Supreme Court, and the New Deal’,” American Historical Review 110, no. 4 (2005).
(15) Leuchtenburg, “The Origins of Franklin D. Roosevelt’s ‘Court-Packing’ Plan,” 355.
(16) Leuchtenberg, “When the People Spoke,” 2084.
(17) Ibid., 2090.
(18) Ibid.
(19) Arthur Krock, “In Washington,” New York Times 5/27/1936, 22.
(20) Franklin D. Roosevelt, “Address at Madison Square Garden, New York City,” 10/31/1936. Checked online 3/7/2007 at www.presidency.ucsb.edu/ws/print.php?pid=15219.
(21) Leuchtenburg, FDR Years, 145-46.
(22) Ibid., 153.
(23) Alan Brinkley, The End of Reform: New Deal Liberalism in Recession and War (New York: Vintage, 1995), 257–62, Leuchtenburg, FDR Years, 137.
(24) James T. Patterson, Congressional Conservatism and the New Deal: The Growth of the Conservative Coalition in Congress, 1933–1939 (Westport, CT: Greenwood Press, 1981).
(25) Leuchtenburg, “The Origins of Franklin D. Roosevelt’s ‘Court-Packing’ Plan,” 390–99.
(26) Leuchtenburg, “Comment on Laura Kalman’s Article.”
(27) Leuchtenburg, “The Origins of Franklin D. Roosevelt’s ‘Court-Packing’ Plan,” 349, n. 8.
(28) Leuchtenburg, “FDR’s Court-Packing Plan: A Second Life, a Second Death,” Duke Law Journal 1985, no. 3/4 (1985): 675–77.
(29) Ibid.: 685–87.
(30) “President Plans 600,000 WP A Cut,” New York Times, 1/26/1937, 2.
(31) Patrick Renshaw, “Was There a Keynesian Economy in the USA between 1933 and 1945?,” Journal of Contemporary History 34, no. 3 (1999): 343-44.
(32) William J. Barber, Designs within Disorder: Franklin D. Roosevelt, the Economists, and the Shaping of American Economic Policy, 1933–1945 (Cambridge: Cambridge University Press, 1996), 108–12; Brinkley, End of Reform, 82–85, 94–97.
(33) Lester V. Chandler, American Monetary Policy, 1928–41 (New York: Harper and Row, 1971), 325-26.
(34) 52 Stat. 809 and E. Cary Brown, “Fiscal Policy in the Thirties: A Reappraisal,” American Economic Review 46, no. 5 (1956); Chandler, American Monetary Policy, 254.
(35) 52 Stat. 1060.
(36) Landon R. Y. Storrs, Civilizing Capitalism: The National Consumers’ League, Women’s Activism, and Labor Standards in the New Deal Era (Chapel Hill: University of North Carolina Press, 2000), 177–205.
(37) Brinkley, End of Reform, 122–31.
(38) Schulman, From Cotton Belt, 49-50.
(39) Checked on the Clerk of the House website, 3/8/2007, http://clerk.house.gov/art_history/house_history/partyDiv.html, and the Senate Historian website, 3/8/2007, www.senate.gov/pagelayout/history/one_item_and_teasers/partydiv.htm.
(40) Lawrence W. Levine and Cornelia R. Levine, eds., The People and the President: America’s Conversation with FDR (Boston: Beacon Press, 2002), 234-35, 241.
(41) Leuchtenburg, “Roosevelt, Norris and the ‘Seven Little TVAs,’” Journal of Politics 14, no. 3 (1952).
(42) Patrick D. Reagan, Designing a New America: The Origins of New Deal Planning, 1890–1943 (Amherst: University of Massachusetts Press, 1999); Brinkley, End of Reform, 245–61.
(43) [Federal Writers’ Project], These Are Our Lives (New York: W. W. Norton, 1975), 366.
(44) Joint Committee on Folk Arts, WPA folksong questionnaire, 1939. Library of Congress Digital ID AFCTS wpa001, viewed online 3/8/07.
(45) Jerre Mangione, The Dream and the Deal: The Federal Writers’ Project, 1935–1943 (New York: Avon, 1972), 264.
(46) Roy Rosenzweig and Barbara Melosh, “Government and the Arts: Voices from the New Deal Era,” Journal of American History 77, no. 2 (1990): 596.
(47) Patterson, Congressional Conservatism, 321-22.
(48) Brinkley, End of Reform, 144.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤