٢

انسللت إلى هناك، فألقيت الخُصَى قدَّام امرأة عمي وأنا مبهور الأنفاس. قلت: «عمي ماليان بعثني إليكِ، ويقول لك خذي بيض العجول هذا.»

كانت تغسل شَعرها وسط الحوش، وذراعاها عاريتان لا يسترهما شيء فلما رأت خُصَى العجول مطروحة أمامها أجفلت، فعقصت شَعرها المبتل وهي تزرُّ عينيها قائلة لي: «ما هذا … ما هذا الذي بعثه معك يا بن العبيطة؟»

– «بيض عجول … من العم ماليان.» أكملتُ قائلًا، «ويوصيكِ بشدة أن تنزعي منه عروق البول … قبل كل شيء.»

قالت امرأة عمي: «يا للقرف! شيء يغمُّ النفس … وأين عمك الآن؟»

قلت: «سيجيئك في الحال … ومعه طبيب الوحدة البيطرية الأستاذ لاو تونغ … قال إنه يأتي ليشرب معه في البيت.»

أسرعت المرأة فتلفَّحت بسترة فوق كتفَيها ومسَحَت شَعرها بالمنشفة كيفما اتفق، قالت: «جاءتك بلوى … لماذا لم تقُل لي ساعة أن دخلتَ … الأستاذ لاو تونغ بنفسه؟ هذا ضيف عزيز وقليلًا ما يزور أحدًا في بيته.»

وبينما نحن في هذا، إذا بالعم ماليان داخلًا علينا يدفع دراجة ضيفه إلى مدخل الحوش، والرفيق لاو تونغ وراءه بقامته المائلة إلى الأمام وعنقه الطويل كعنق إوزة يمشي بعرجٍ خفيف في رجلَيه، فبدا أشبَه ما يكون بإوزة عرجاء.

صاح ماليان: «تعالوا يا حاضرين … انظروا مَن عندنا اليوم؟»

تهلَّلَت امرأة عمي فرحًا، قالت: «معقول؟ أليس هذا هو الرفيق لاو تونغ، يا أهلًا وسهلًا … يا لها من ريح طيبة التي جاءت بك عندنا!»

قال لها لاو تونغ: «ما كان الواحد يتوقَّع أن يجد مَن يعرفه هنا.»

قالت: «وهل نقدر أن نجهل مقامك وقدرك عندنا؟! أنت منذ نحو سنة تقريبًا زرتنا وعملتَ عملية إخصاء لخنزير برِّي صغير.»

ردَّ عليها قائلًا: «يعني نحن لم نلتقِ منذ سنة … لكنك ما زلتِ مشرقة الوجه مثل آخر مرَّة رأيتكِ فيها.»

قالت له: «أتعرف؟ نحن في عاداتنا المحلية لا نستطيع أن نجامل بعضنا بعضًا بهذه الكلمة … لأنك إذا قلت لواحد من الناس هذه العبارة فمعناها أنه متسخ البدن، أسود الخلقة كأنه طالع من بئر فحم، لا يشرق منه سوى وجهه … ساعتها نقول إنه «مشرق الطلعة»!»

لحقها العم ماليان مصحِّحًا: «لا … هو يقصد مشرقة كطلوع النهار في اليوم الرائق، بهذا المعنى … ولكن لماذا بللتِ شَعركِ هكذا؟»

قالت له: «قلتُ في نفسي لا بد أن يكون مظهري طيبًا قدَّام الضيوف.»

قال: «وماذا تفيد الزينة في وجه الدِّببة! عندك خُصَى الثيران هذه … خذيها بسرعة واعملي لنا طبقًا يُؤكَل، مع كأسين لي وللرفيق لاو تونغ … وانظري إذا كان عندنا بيض دجاج فاعملي لنا طبق بيض مقلي.»

سألته: «هكذا فقط؟ بيض دجاج ولا شيء آخَر؟!»

قال الرفيق لاو تونغ: «لا نريد أن نتعبك يا امرأة أخي!»

قالت: «لا تقُل هذا، لا تَعب هناك ولا أي شيء … ما دمتَ قد جئتَ فمرحبًا بك، تعالَ اجلس هنا على الكانغ١ … إلى حين الانتهاء من الطبخ.»

– «آه، صحيح … مضبوط فعلًا.» مشى ماليان وهو يقود ضيفه: «اقعد على الكانغ … هنا.»

أخذه من يده وأجلسه ثم استدار ناحيتي وقال لي: «اذهب بسرعة يا روهان مع امرأة عمك، وانظر ماذا تريد منك.»

«اذهب بعيدًا أو اجلس مع الضيف … ولا تقعد معي هنا وتربك لي الدنيا …» كذا قالت لي امرأة عمي … «طيب، اسمع … اذهب حالًا وهاتِ لي الماء.»

رحت وأحضرت لها دلوين من الماء.

قالت: «أسرِع واقطف لي الكراث من الحوش.»

قطفت الكراث من الحوش.

نظرت لي وقالت: «ما لك تجلس هكذا؟! قُم اغسل الكراث.»

قمت وغسلته كله، ربطة واحدة على قدر ما تيسَّر.

جلستُ بجوارها أنظر إليها وهي تطرح خُصَى الثيران على الطاولة، ثم تقطِّعها بالسكين الكبير، لكن السكين لم يقطع جيدًا، فوضعت النصل فوق حافة الجرة وسحبت حدَّه عدة مرات … تشيت تشيت تشيت … فراح الشرر يتطاير من أثَر الاحتكاك، ثم عادت بالسكين تقطع بها وهي حامية فشقت كل خصية فلقتين، وبانت عروق البول داخلها وكانت تتخلَّلها مستعرضة بدرجة تجعل من الصعب إزالتها بسهولة. وهنالك كان عمي ماليان يدق على حافة الشباك الصغير ينبهنا قائلًا: «لا تنسوا أن تنزعوا منها عروق البول … وإلا فلن تؤكل!» ردَّت عليه امرأته تطمئنه: «هدِّئ نفسك … كل هذا معمول حسابه … إذا كنت خائفًا فتعالَ انزعها بيدك.» وخفضت المرأة صوتها وغمغمت: «أنت تتكلم على مزاجك … فكيف أنزعها وأنظفها لك؟! هذه تحتاج إلى أن نجيء لها بالجرَّاح ليو كوايدو، يفصل عروقها عن اللحم … وربما هو نفسه لا يمكنه أن ينزعها مهما حاول.» وبالتالي فقد أراحت نفسها من وجع الرأس ولم تفصل عروق البول عن باقي اللحم، وأخذت تهوي بحد السكين على البيضات الست حتى صارت كومة مقطَّعة في شرائح، وقالت: «نحن حتى لو جئنا بأحسن طباخ في الدنيا لكي يزيل عنها رائحة الصنان فلن يقدر … ولا حتى طباخ الرئيس «شيانغ كاي شيك» … لأن الرائحة ستبقى فيها حتى بعد ما تنزل البطن … قُل لي أنت … صح هذا أم غلط؟» وافقتُها تمامًا لكن العم ماليان راح يدق حافة الشباك ثانية: «بسرعة … جهزوا الأكل.» فأجابته امرأته: «خلاص … يُجهَّز حالًا، ها هو فوق النار … اسبقني يا روهان وأوقِد الفرن.»

ذهبتُ أمام الموقد، ومن بين كومة القش التقطت كمية فأشعلت فيها النار.

أمسكت المرأة بفرشاة الغسيل فمسحت بها القِدْر مسحتين ثم أخذت قنِّينة الزيت من وراء القِدْر وصبَّت فيها القطرات الضئيلة، ففاحت الرائحة الذكية وتدفَّقَت في أنفي.

في تلك الساعة بالضبط، سمعتُ مَن يفتح الباب الكبير ويُنادي بأعلى صوته: «يا ريِّس … يا عم ماليان … أين أنت؟»

استطعت تمييز الصوت في الحال، وعرفتُ أنه العم دو.

دخل ووراءه بَدَت الثيران وراء البوابة وهي مربوطة بالحبل في يده … كانت ثلاثتها هي تلك التي لاقت العذاب في عملية الإخصاء، وكانت تحتشد متراصَّة أمام البيت، أما العم دو، فقد بدا مرهقًا للغاية فتهيَّأ للجلوس على الأرض مكانه، فقفز الريس ماليان من فوق الكانغ، وجرى صَوْب الحوش فزعًا: «ما لك؟ ماذا جرى؟»

كان الرفيق لاو تونغ في أعقابه هو الآخَر يهرول قافزًا من جلسته إلى الفناء مباشرةً، يسأل باهتمام: «هل حصلت مشكلة؟»

لم يكترث للرد على لاو تونغ لكنه راح يقول للعم ماليان في شيء من التذمر: «يا ريِّس … أنت كبير الناس هنا، والكبير مثلك يجب أن يفكِّر في الناس من حوله، ومع ذلك فأنت تأكل وتشرب، وتنسى أن هناك آخرين … أنا مثلًا … هل فكرتَ في أن تدعوني إلى مائدتك؟»

ردَّ عليه: «رجل في مثل سنك الكبير هذا … هل من المعقول بحياتك، أن يتصرف هكذا كالأطفال! في الحكم المحلي والبلد كلها، هناك كثير من الدعوات والولائم يقيمها المسئولون … فهل عندما يستقبل القادة الكبار واحدًا مثل كيسنجر … هل يلزم، يعني، أن يوجهوا لحضرتك دعوة إلى العشاء؟»

«أنا ما قصدت شيئًا من هذا أبدًا.» قالها مضطربًا.

«إذَن، فماذا تقصد بالضبط؟» سأله ماليان.

قال دو: «أنت سمعت الرفيق دو وهو يؤكد علينا … وكان يعيد ويزيد ويحذِّرنا من أن نتركها ترقد على الأرض، وخصوصًا العجل شوانجين … أليس كذلك؟ ألم تسمعه يقول هذا الكلام؟ ألم تسمعه وهو يقول إنهم لو رقدوا فربما يتلف الجرح ويعاود النزف من جديد؟ وإن الجرح لو نزف هذه المرة فلن يتداوى؟ المشكلة الآن هي أن العجول تريد أن تستريح وتنام على الأرض، وحتى عندما أسرح بها وألهيها فهي رغم ذلك مصمِّمة على ما في دماغها وإذا سهوتُ عنها وفارقتها لأي سبب، أسرعَت إلى الرقاد على الأرض تريد الراحة.»

قال له: «إذَن … مطلوب منك ألا تسهو عنها أو تفارقها.»

قال دو: «لكني أنا أيضًا أريد أن أرجع لبيتي وآكل … فماذا أعمل؟ يعني أنا إذا لم أجلس وآكل الآن من خُصَى العجل مع الرفيق لاو تونغ، فلا بد أن أعود إلى البيت وآكل … لأني لا بد أن أتناول طعامي مثل كل الناس، وفوق هذا كله فمطلوب مني أن أذهب وأعلف الثلاث عشرة بقرة التي في الوحدة الإنتاجية، فكيف هذا؟ ثم إني — في الأول والآخر — ستجيء عليَّ ساعة وأنام … أصحيح أم لا؟»

«فهمت … فهمت … لا تقُل أي شيء آخَر، وعمومًا فالحزب لن يرضيه أن يظلمك.» وراح العم ماليان يزعق في الحوش: «يا روهان … روهان … تعالَ! لك عندي شغل ستحبه للغاية، اذهب مع عمك دو، واسرح بالعجول معه … ولك أجر يوم كامل.»

اندلقت كومة اللحم في القِدْر المليء بالسمن فأصدرت صوت طشطشة مميزة، وبدا أن رائحة الطعام المختلط برائحة عروق البول تنطلق بقوتها في سقف البيت وتملأ جنباته.

«أنت سمعت الكلام يا روهان، أم انسدت أذناك ولم تسمع؟» صاحَ عمي ملء الحوش.

قالت لي المرأة في هدوء: «اذهب كما قال، وطبقك عندي أحفظه لك بجانبي، وبعدما يأتي المساء سأنادي عليك لتأخذ نصيبك.»

قمتُ ومشيت إلى الحوش، ورأيت دائرة الشمس الحمراء تغوص تحت الغروب.

١  دكة مصفَّحة مزوَّدة بمدفأة من تحتها. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤