النقد السابع عشر

١٧ / ٦ / ١٩٥٢

جمع حديث تنمية الشعور الاجتماعي بين جمال التعبير وصحة التفكير. رافق الدكتور الركابي الإنسان من الكهف إلى القلاع التي وضع فيها حقوق الإنسان، أي عندما صار الإنسان إنسانًا، ثم راح ينظر في بيئاتنا العربية فبان له أنه ينقصنا من هذا الشعور شيء كثير، وأن لا دواء لهذا المرض العضال إلا بالتثقيف، واكتساب الفنون، وإذ ذاك نتسامح مع الآخرين، كان الدكتور صريحًا جدًّا، فما حابى ولا كتم عنا شيئًا من أسرار الداء الدفين الذي يهدد هيكلنا الاجتماعي، فليته يضرب دائمًا على هذا الوتر.

وتكلم الدكتور سامي الدهان عن شاعرية ابن حيوس، وتحقيق العلامة خليل مردم بك لديوانه، كم كنت أتمنى لو أشار الدكتور سامي في هذا العرض إلى جهود المجمع العربي الدمشقي في سبيل إحياء هؤلاء الشعراء، وطبع آثارهم، ولعله لم يفعله لئلا يلحقه بعض الثناء على تحقيقه ديوان الوأواء، وإخراج المجمع له بالطبع الفاخر، فلمردم والدهان، وخصوصًا الأستاذ الرئيس كرد علي شكر العروبة على ما يبذلون بسخاء من وقت ومال في سبيل إحياء الغابرين من رجال القلم، وخصوصًا الشاميين منهم، والأقربون دائمًا أولى بالمعروف.

وفي روضة الشاعر كان شعر الأستاذ نعمان ماهر الكنعاني من المحصول الرائج، وزاد عليه الأستاذ نعمان لهجته الشجية المتنهدة في الإنشاد حتى كدت أشعر بعظيم بلواه وأنا في لبنان، وهو في قبرص.

وتحدث القاضي حسن المأموني بك عن شئون المرأة الكبرى من زواج وطلاق، فلام المجتمع لأنه يتغاضى عن الرجل، ويشجب المرأة المسيئة، ثم انتهى إلى القول في الطلاق أنه أبغض الحلال إلى الله.

وأرادت الآنسة عائدة فهمي هاشم أن يكون لها رأي في تعليم المرأة، ولكنها لم تقل شيئًا مما أوحى به إلينا العنوان.

وفي بريدنا الأدبي سمعت في حديث «الطبيعة في شعر الأندلس» أن شكسبير كان يدعو إلى الريف حيث يعيش الناس بلا أحقاد ولا أضغان، فإذا صح هذا القول كان شكسبير كأكثر من عرفوا الريف من بعيد، ثم قطع هذا الحديث، وانتقل إلى موضوع الشعر الباكي، وخص الباحث باللوم هذا البيت:

أفحتم علي إرسال دمعي
كلما لاح بارق في محيا

أظن أن قائله، وهو الأخطل الصغير، قد فاق جميع الشعراء حتى المتنبي في هذا البيت، أما قال أبو الطيب:

ما لاح برق أو ترنم طائر
إلا انثنيت ولي فؤاد شيق

فتأمل الفرق العظيم في الصورة بين قول بشارة وقول المتنبي.

وكما قطعوا حديث الطبيعة في شعر الأندلس كذلك قطعوا حديث «العرب والفنون الجميلة» للأستاذ روكسي بن زايد العزيزي، قال العزيزي عن صومعة غمدان، إن النائم فيها يرى الطير في السماء … إن العبارة مقطوعة، فكلنا يرى الطير في السماء أينما نام، أما قصد الجاحظ منها فهو أنه لعظم ارتفاعها كان يميز النائم فيها الطيور المتشابهة. أما رواية العزيزي عن أستاذه الكرملي أن سفر أيوب كتب بالعربية، ثم ترجم إلى العبرية، وضاع الأصل العربي، فأظنه غير صحيح؛ لأننا لا نجد في سفر أيوب لون شعرنا العربي، ثم أراد روكس بن زايد أن يمجد العرب أيضًا فتاه فقطعت المحطة حديثه، وكان أحرى بها أن تدرك الشطط قبل أن تذيع.

وحدثتنا السيدة نرجس داود في مطالعاتها عن أهمية الإحصاء عند الأميركان، فتذكرت تهكم مارك توين بالفرنسيين. أما نديم الصباح فهو نديم حقًّا فليته ككل أيام رمضان، بل ليته يدوم شرط أن لا تتكرر نكاته وطرائفه.

لقد تعسفت هذه المرة الآنسة سميرة عزام في قصتها سرياليزم، فواحد من ألف من مستمعي الإذاعة تطيب لهم قصة كهذه.

أما قصة العجيلي، وموضوعها صوم رمضان، فكانت أقرب إلى الأفهام من تلك، وهي في إبانها.

إن الأخطاء في اللغة والقراءة كانت غير قليلة هذه المرة، قيل: حدقوا فيه، وهي حدقوا إليه. وقيل: الماء المثلج، وهي الماء المثلوج. وقيل: رأسها كانت شفافة، والرأس مذكر، إلا إذا كانت المرأة تؤنثه لتقيم من ذلك حجة للمطالبة بحقوقها.

وقيل: تحرق أيامها على محرابه، وهذه صورة غريبة، بل بدعة أدبية جديدة، وقيل: فصول شيقة، وشيقة لا تؤدي هذا المعنى. وقيل: ورب سائل يقول، والصواب قال، وقرئ ينظرون شزَرًا وهي ساكنة الزاي. أما الآنسة فهيمة حافظ فلحنت كثيرًا، وأخطأت جدًّا في تعبيرها فليتها تدقق أكثر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤