النقد الثامن عشر

٢ / ٧ / ١٩٥٢

كان أكثر الكلام في هذه الفترة عن الصوم، وفوائده الروحية والجسدية، ثم عن العيد ومعانيه الروحية، وما يجب أن يوحي إلى أصحاب الأكياس الوارمة، والصناديق المنتفخة المبتلاة بالكظة، فهذا أديب الأمس، وقاضي اليوم الشيخ علي الطنطاوي يتحدث إلى الأستاذ أحمد أبو سعد عما رأى ويرى في شهر رمضان، رأى مؤمنين غير متمسكين، رأى أن رمضان فر من الأسواق، واختبأ في الجامع، لم يره في العراق إلا في جامعي الأعظمية والجيلاني، ثم مضى الطنطاوي القاضي يرثي الصوم بلغة الأدباء، لا تحزن يا شيخ ولا تيأس، فإذا كان لا يزال في المسلمين من يصوم فالنصارى عافوه جميعًا إلا نفرًا قليلًا جدًّا.

وكان سؤال أبي سعد عن التقدمية فتجاهلها الشيخ الطنطاوي، وقال: إنه لم يفهمها بعد، واستعار أبو سعد لسان الملحدين ليجرب صاحب الفضيلة، فاحتد هذا واحتدم، وانتهى الوقت المعين، وكم كان الوقت فضاض المشاكل في موقف أحرج من هذا الموقف.

أما جلسة العيد، وقد كانت معقودة من فضيلة القاضي مغنية، والأستاذ الشيخ محمد الشام، والأديب حسين مروة، فأصلت العيد وفصلته، وألم القاضي مغنية بما كان يجري منذ زمان في القرى من مسالمة ومصالحة بين الناس بمناسبة الأعياد، وسئل الأستاذ مروة عن العيد في الشعر، فروى وأحسن التعليل.

هذا ما استرعى الانتباه في هذه الفترة من المواضيع الخاصة أو مواضيع الساعة، أما المواضيع الأخرى فمتفرقة متنوعة.

ركن الطلبة: ما أكثر نوادر المعلمين والتلاميذ وطرائفهم، وكم أتمنى على الأساتذة أن يتصدوا لها فيفكهوا بها مستمعيهم، فللأساتذة نوادر وللتلاميذ نكات كثيرة عفوية لو جمعت لكانت مجلدات ضخمة، فأين المعلمون منها، قال الأستاذ جميل البديري في حلقة طلاب المدرسة الأردنية وطالباتها: من يقصر له صفر مدور، فلو قال كذاك الأستاذ: من يقصر له كعكة بسمسم، لكانت النكتة أبرع وأروع.

وعقدت جلسة أدبية من الدكاترة كزبري، وكرد علي وحداد، فمد لهم الأستاذ بيبي فراشًا وثيرًا، ثم قال: إنه ترك الساحة، ولكنهم ما كادوا يجولون في بحثهم حتى نجم الأستاذ بيبي بغتة، ودخل في الدعوى شخصًا رابعًا لا ثالثًا، تلك خصلة البدن أبعد الله الكفن، فكما كان في المدرسة يضايقني حتى يفلقني، كذلك هو يفعل اليوم كلما عنت له كلمة، فهو لا يدعها، ولو أدت إلى خراب المسكونة.

أما زجل السيدة زينب محمد حسين — وإن نقصته الشاعرية والموسيقى — فلم يفته النقد المر للمرأة، فلو حمل عليهن رجل مثل هذه الحملة لما نجا من خير التحيات، لقد صدق المثل القائل: لا يقطع الشجرة إلا فرع منها.

وكتب الأستاذ نجاتي صديق قصة الأسبوع، وموضوعها «سكة العيد»، فأجاد الوصف والتحليل، وتعسف في الحكاية، التعبير صالح جدًّا للرواية لولا بعض هنات لغوية فيه مثل: تحيك الشباك، ومضارعها تحوك، وإن كان من مصادرها السماعية حياك وحياكة.

وكانت جلسة مع الشاعرة فدوى طوقان، فنسي مقدمها السيد موسى الدجاني أنه يحكي ولا يكتب، فقال عن الشاعر إبراهيم: يضيق عنه الحديث في هذه العجالة! كانت الجلسة غير موفقة أسئلة، ولكن ضحكات السيد موسى العريضة أنعشتها نوعًا ما …

وفي باب روضة الشعر أعجبتني قصيدة للآنسة مقبولة الحلي، هي على وزن وقافية: حكم المنية في البرية جار، وإذا لم تفز الآنسة بالطريف من صور تلك ومعانيها فقد فازت بالتعبير والعاطفة، لم تعجبني كلمة الزأر قافية، كما لم يعجبني التوقف من التالية بالنيابة، وما لي أقول: هذا يعجبني، وهذا لا يعجبني؟ فربما كنت لا أعجب أحدًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤