النقد الثامن والعشرون

٢٠ / ١١ / ١٩٥٢

«المرأة في كتاب عربي»، ذاك كان عنوان حديث الآنسة مرزية القوتلي، أتت الآنسة في صدر حديثها على ذكر كتاب مشهور قبل أن تتخلص إلى الأستاذ شكيب الجابري القصصي الموهوب، وبدلًا من أن تتحدث عن أحد كتبه كما يدل العنوان، راحت تتحدث عن قصصه: نهم، وقدر يلهو، وقوس قزح، وقد أطلقت على تلك المرأة لقب البطلة الجابرية، ثم تساءلت عما إذا كانت تلك المرأة خيالية أم حقيقية.

إن أبطال القصصيين الحقيقيين يا آنستي، يكونون أولًا حقيقيين، ولكن القصصي الملهم ينفث فيهم شيئًا من روحه، فتدب فيهم حياة جديدة، ويمسون غير ما كانوا، أما إذا صورهم كما هم فيكون الفنان إذ ذاك مصورًا فوتغرافيًّا لا مصورًا يدويًّا، إن النواة موجودة، ولكن صيرورتها شجرة وارفة الظلال إنما تتوقف على المناخ والتربة … فالجابري ليس واقعيًّا كما تظنين ويظن قارئه، ولا خياليًّا، بل هو يجمع بين طرفي الواقع والخيال، وهكذا يعمل كل فنان أصيل، والجابري واحد من هؤلاء.

وكان الأستاذ أبو سعد جد موفق في اختيار الدكتور سليم حيدر شخصية أسبوع، وكان أكثر توفيقًا إذ باحثه في معضلتنا التربوية، جال الدكتور في هذا البحث جولات موفقة، وأبدى آراء صائبة نتمنى أن يعطى الوقت الكافي لتحقيقها، قال الدكتور: جيش من أنصاف المتعلمين، ويا ليته قال من أرباع أو أخماس، فأكثرهم أميون، إلا أنهم يقرءون ويكتبون … واستطرد الأستاذ أبو سعد إلى الشعر، فأسمعنا الدكتور صاحب ديوان «آفاق، وملحمة الخلق» رائعة جد حيدرية، ذكرتنا بتلك العهود القديمة، يوم كان في أكثر الوزراء شعراء، كالصاحب، وابن العميد، والطغرائي.

الأقاصيص: كانت الأقصوصة الأولى في هذا البرنامج مترجمة، وقد حاولت الإصغاء إلى الأستاذ مبارك إبراهيم، فلم أستطع اللحاق به؛ لأنه كان يسوق سيارته بسرعة عجيبة، فملت من دربه إلى الرصيف، وتركته وشأنه.

أما قصة «مغادرة الجنة» فالضعف الفني عام فيها، وإني أنصح أكثر هواة الأقاصيص من كاتبات وكتاب أن يترجموا، فليست القصة سرد أحاديث وقص أخبار، القصة قطعة فنية، وأكاد أقول شعرية، بل تفوق الشعر؛ لأنها ذات حبكة وعقدة، ومن أول شروطها البيان الرفيع.

وقد أعجبني ما قاله الأستاذ محمد بديع سربية حول هذا الموضوع، في حديثه عن الأفلام العربية، إذ أشار إلى ما لقوة القصة وحبكتها وسياقها من تأثير في الإخراج، فليت الطامحين والطامحات إلى إنشاء القصص يفكرون في هذا حين يضعون تصاميم أقاصيصهم.

ولكن ما لنا ولهذا النعي وعندنا قصة «راعية الأحلام»، للأستاذ يوسف جوهر، إنها قصة كما يجب أن تكون القصص سردًا وحبكًا وتحليلًا نفسيًّا، لقد أجاد الأستاذ يوسف جوهر تحليل تلك العقدة النفسية في شخصية بطله أمين، فأرانا أن حبه لوداد قد استحال فكرة ثابتة طلق لأجلها الكتب والأقلام والمحابر، احتل الحب ساحة شعور بطل راعية الأحلام، وطرد منها كل شيء، فصار لا يفكر إلا بعروس أحلامه، وهناك نقطة أخرى أجاد هذا القصصي الموهوب عرضها، إذ جعل وداد راعية الأحلام تهذي على فراش الموت محدثة حبيبها كأنها معه، ثم تفارق الحياة.

الخلاصة أن قصة الأستاذ جوهر في طليعة قصصنا العربي، ولا أنعى على هذا القصصي المجيد إلا إلحاحه على كلمة «حماس»، فليته قال حماسة واستراح، ثم قوله يحدق في الشرفات، والوجه حدق إلى الشرفات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤