النقد الثالث والأربعون

١٧ / ٦ / ١٩٥٣
رمضان والعيد: كانت أحاديث رمضان والعيد مباراة رائعة جال في حلبتها أصحاب الفضيلة والأدباء والمؤرخون، فأفاد منها المستمعون أدبًا ومعرفة، تحدث الأستاذ الشيخ محمد حسن مخلوف عن رمضان شهر الصيام وشهر القرآن، والأستاذ رشيد العبيدي طرق الموضوع نفسه؛ فكان حديثه الصباحي — على قصره — جامعًا بليغًا جدًّا.

والشيخ جمال الحنفي تحدث عن الحياة العائلية في القرآن الكريم، فأرانا أن النبي كان يشاور نساءه، وإن جاء: الرجال قوامون على النساء، ثم تخطى إلى القول أن لا بد من رئاسة في البيت، وهذه القيمومة لا بد منها.

وفي ندوة الشرق الأدنى المعقودة في العراق تحدث ثلاثة علماء، فعرفنا كيف يحتفى برمضان في العراق ومراكش وحضرموت، قال الدكتور تقي الدين الهلالي المراكشي: إنهم في مراكش يعدون له العدة قبل حلولة بأشهر، وإنهم يفطرون على «الحريرة»، وإن الزوايا الصوفية تعمل وتحيا في هذا الشهر، كما أن لأشراف تطوان جلسة موسيقية أسبوعية. أما الأستاذ عمر باوزير الحضرموني، فخص بالذكر إعطاء المحرومين في بلاده، وقد كان حضرته أسهل أعضاء هذه الندوة لسانًا وكلامًا.

ولما أذن رمضان بالبين دار الكلام حول العيد، فعالجت الندوة في مصر موضوع الأعياد في الإسلام، وسأل شيخ هذه الندوة — محمد المويلحي — الأستاذ محمد علي حماد «المخضرم» أن يتحدث عن العيد منذ أربعين سنة، فأفاض الأستاذ حماد في الحديث، وأشار إلى توزيع الثياب الجديدة والأطعام، أما السيدة زينب لبيب فقالت: إن العيد لمصافاة القلوب، فتذكرت كيف كنا ننتظره في القرية لنقضي على الخصومات بين أهلها، ثم انتقدت السيدة زينب المرأة التي تتشدد في طلب الملابس بمناسبة العيد، وقالت: إن رسالة المرأة هي تأليف القلوب، ونشر السعادة في الأسرة.

وكأني بالدكتورة بنت الشاطئ قد شاءت أن يكون موضوعها «أسلوبنا في العيد» غربلة لكل ما قيل، فانتقدت عاداتنا في الأعياد، ورسمت لها مشروعًا جديدًا لتكون أعيادنا أكثر جدوى، وذلك بأن يكون العيد ذكرى لمن أحسنوا في العام الماضي ضبط النفس، ثم حثَّت المرأة على الجهاد في سبيل الخير والحق والجمال.

وبهذه المناسبة أتحفنا الأستاذ عز الدين فراج بإضمامة طريفة من أقوال نوابغ الغرب في شخصية النبي الأعظم، لقد أنصف هؤلاء العلماء من خلق إنسانية جديدة انتشرت في جميع أقطار المسكونة، فمتى يقدم منا نحن الشرقيين من يدرسون هذا المواطن الأسمى درسًا منصفًا مثل هؤلاء؟ لن يكون هذا إلا عندما نبرأ من دائنا الاجتماعي، فترينا أعيننا الشخوص كما هي لا كما نتخيلها بأعين الملل والنحل.

فإلى العرب أجمعين والمسلمين قاطبة، نقدم أخلص التهنئات، ونتمنى أن نثب الوثبة الكبرى قبل العيد القادم.

روضة الشعر: قدم منها باقة الأستاذ عزيز أباظة، فقال في مقطوعة «قدر»: عربد الدهر وألقى بعصاه، أظن أن من يعربد لا يلقي بعصاه، بل يضرب بها! وقال في مقطع حنين: حتى إذا الليل لفتك جواشنه، وإشباع الكاف لا يجوز في علم العروض.
شخصية الأسبوع: أنصف الأستاذ أبو سعد إذ اختار الشاعر العلامة وديع البستاني شخصية أسبوع، فالرجل الذي قضى عمره بين الأوراق والأقلام يستحق أن يكون شخصية العام؛ فوديع البستاني أول من عرب الخيام، وها هو يعرب المهبراتة جريًا على خطة معلمه سليمان البستاني معرب الإلياذة.
حديث الأطفال: جميلة كانت أساطير الأستاذ كامل الكيلاني، فهذا «الأرنب العاصي» يروق لنا نحن الأطفال الكبار، فكيف بالصغار؟ اللغة صحيحة مفهومة، ولعلها لا تقل سهولة وامتناعًا من أساطير ابن المقفع، ولعل الكيلاني قد أراد مجاراة شوقي فعمل المنشور الذي أصدرته حكومة الأرانب رجزًا، أنا لا أستحسن الشعر هنا، ولكني لم أجده نابيًا، كما وجدت لفظة عرجتها، أي صيرتها عرجاء، فأين الأستاذ من الهمزة؟ فلمثل هذه الحالة وضعت أحرف الزيادة.

وفي هذه الفترة سمعت أيضًا قصصًا من الحياة: «كلب وثلاثة رجال»، و«بائع الزهور»، وهما مسليتان أيضًا، وإن خلتا من روعة أسطورة الكيلاني.

الأقاصيص: أعجبني جدًّا حديث الأستاذ عبد الوهاب الأميني عن خير قصة في العالم، كانت منتقاة من ستين ألف قصة، اشترك في هذه المباراة خمسة وأربعون قطرًا ما عدا العالم العربي، الجائزة كانت ٥٠٠٠ دولار، ولكن اللجنة المحكمة وزَّعتها على أربع أقاصيص، فكانت الأقصوصتان الأوليان إفرنسيتين، ثم أضيف إلى الأربع قصة هندية رآها المحدث خير تلك الأقاصيص، أما في نظر اللجنة فهي الخامسة، وقد لوحظ أن مؤلفي هذه الأقاصيص وجوه جديدة، وليسوا من المشاهير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤