النقد الخامس والأربعون

١٥ / ٧ / ١٩٥٣
نحو مجتمع أفضل: الأستاذ سلامة موسى رجل عقل يؤمن بالعلم، وهو كاتب مناضل تحت لوائه يستحق لقب رسول التطور، فقد عقد له هذا اللواء بعد الشميل وصروف، فخاض معارك النشوء والارتقاء باحثًا عن جذوره في أعماق النفس البشرية، مضى يدعونا إليه في ملبسنا ومأكلنا وأثاث بيوتنا، ولا أنسى أنه دعا إلى خلع الطربوش، ولبس البرنيطة حاسبًا أن ذلك يجدد تفكيرنا فنجاري ركب الحضارة، فهذا الكاتب الاجتماعي المختمر الفكر يرى بناء المجتمع على أساس العلم الحديث، ويحارب العادات المتأصلة فينا، ويرى أن البشر لا يدركون مجتمعًا أفضل ما لم تستحل عواطفهم إلى حقائق يمكن بحثها كالقضايا العلمية، فلا تطغى قلوبنا على عقولنا حين يمس البحث من قريب أو بعيد عاداتنا وتقاليدنا.

فسلامة لا يؤمن إلا بالعلم، ولذلك يرى أن المجتمع الأفضل هو الذي يربينا تربية نكون معها طلبة مدى حياتنا نتعلم، ونختبر الدنيا، ونزداد حكمة ومعرفة، ثم لا يكتفي بتلك المعرفة التي ينشدها الخياليون، فيحث على حرفة نرتزق بها لنعيش شرفاء، تلك رسالة سلامة موسى الحرة التي اعتنقها منذ شب، وقد كان يسكت يوم لم يكن يستطيع رفع الصوت جهرة.

وتحدث الدكتور جبرائيل جبور عن اهتمام العرب القدماء بالكتاب، وتنافسهم في شرائه، ثم استطرد إلى الشكوى من الطلاب الذين لا يقبلون على المطالعة. نعم، إن طلاب اليوم أمسوا ولا يعنيهم إلا الحصول على الشهادة، فينصبون لها الشراك في كل طريق يؤدي إليها، وما لهم وللمعرفة ما زالوا لا يهمهم إلا تلك الورقة، ولا بأس إن كانت من نوع السلاح الفاسد.

ومن شخصيات الأسبوع قدم الأستاذ محمد البيري الأمير رئيف أبي اللمع، الأمين العام المساعد للجامعة العربية، فكان حديث الأمير كالخطابة، ولكل امرئ من دهره ما تعود، نسب الأمير الكلمة المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا للإمام علي، وأظنها لابن الخطاب، أما نصيحة الأمين العام المساعد للشباب العربي، فلم تكن من خير ما عنده.

وتحدث الدكتور الأهواني والأستاذ عبد الغني حسن عن أثر محمد عبده في الجامع الأزهر، وكيف حاول ذلك القطب العظيم التجديد في كل شيء. وتحدث الدكتور أحمد كمال زكي عن صلة الأدب بالحياة، فطاف بنا حول الكرة الأرضية حتى ألقى عصا الترحل عند بشار والجاحظ اللذين مثلا عصرهما والحياة فيه أصدق تمثيل.

يعتبر الدكتور أن كل أدب يفقد قيمته إذا ابتعد عن الحياة، وأنا أعتقد أن الأدب الذي ينغمس في الحياة يفقد قيمته بعد فوات أوان تلك المواد التي كونت ذلك الأدب، الأدب يصبح تاريخًا إن لم يكن لصاحبه شخصية فنية تكفل الديمومة لما يكتب، فهذه الأبيات التي تمثل حالة الدويلات العربية في زمان المتنبي ستفقد وزنها حين يتغير وضعنا الحاضر، ولا يبقى لشاعرنا الأعظم إلا فكرته الإنسانية العظمى.

وقد ورد ذكر الجاحظ عند الأستاذ قدري طوقان حين بحث الإخلاص للحق في كتب العرب. إن العربي جريء، وكل جريء يحب الحق ويقول الحق، وأما مزج العلم بالأدب فهذه طريق شقها الجاحظ للعقل العربي، فكان كل من جاءوا بعده عيالًا عليه.

وتحدثت السيدة نعمة أحمد فؤاد عن العناصر الإنسانية في الأدب المعاصر، فأكثرت من المترادفات في التعبير، ورددت ألفاظًا بعينها مرات كثيرة، حتى إنها رددت كلمة الإنسان زهاء ثلاثين مرة.

وفي روضة الشعر كانت قصيدة «يا ربيع الحياة» للأستاذ مصطفى عبد الرحمن جيدة السبك، ولكنه ارتكب في قوافيها هفوة عروضية — سناد الردف — فجمع بين بشرًا ونكرًا ونورًا.

أقاصيص الأسبوع: كانت قصة الأستاذ جعفر الخليلي وصفًا للجن الذين يفتقدوننا من آن إلى آخر، والقصة تمتاز بمفاجأة القارئ بأن بطل الأقصوصة سعيدًا قد مثل دور الجن دورًا مكنه من الاستقلال ببيت، فأراح أهله واستراح هو.

أما أقصوصة «عصا الساحر» للأستاذ درويش الجندي، فهي تحليلية تجيد فيها الأم تعليم بنتها سحر الرجال، وأقصوصة «بعث حب» للأستاذ حافظ محمود تتألف من رسالة وجوابها، ولكن سامعها يحسبها خطبة لا قصة حين يبدأها صاحبها بسيداتي وسادتي. الإنشاء أنيق، ولكن الإنشاء الأنيق وحده لا يؤلف قصة ممتعة.

مآخذ: قال أحدهم: العوامل ثلاث، وهي ثلاثة، وقال آخر: طيلة وهي طول، وذكَّر أحدهم القِدر وهي مؤنثة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤