النقد الخامس

٣ / ١ / ١٩٥٢
برنامج المرأة: بناء على تقاليد اليوم التي أعطت المرأة حق الصدارة في «التشريفات» حتى أصبحت لا تقف لأحد عند السلام — رأيت أن أقدم نقد برنامجها هذه المرة، مبتدئًا بحديث، الطفل المزاحم، للآنسة إنعام الصغير، العنوان مثير، كان العوام يقولون: ولد ورش، ولا يدرون أنه غيور حتى جاء فرويد، وبعد بهذه الغيرة «الولادية» إلى أقصى حدودها، قابلت الآنسة إنعام بين الغيرة في طفولة البنين والبنات، ولعلها تغير رأيها حين تقارن ما تعلمته في كتب علم النفس بملاحظاتها العتيدة في الحياة … الحديث تربوي ينير طريق الأمهات، ولكني لا أجاري علماء النفس الذين تطرفوا في الموضوع تطرفًا كبيرًا.

ومن غيرة الطفل على أمه ننتقل إلى غيرة الأم في قصة «المرأة الخالدة» للسيدة ألفة الإدلبي، التعبير جميل، والوصف حسن، والمرأة في كل حال هي أقدر منا على وصف غيرتهن. لم تحسن السيدة ألفة تشابك الحوادث في سياق قصتها كما أحسنت التحليل في صدرها. أما الإلقاء فجيد، وإن كانت تخفف صوتها للترنم فيضيع عليَّ بعض كلامها، قالت: في السابعة عشر من عمرها، وهي إما السابع عشر على تقدير العام، أو السابعة عشرة على تقدير السنة، أما تجاعيد فلا تنون؛ لأنها ممنوعة من الصرف.

وللدكتورة إكرام الصغير حديث عنوانه: هل تكفل القوانين الحديثة الحماية الكافية للمرأة؟ أفاضت في موضوعها إفاضة دكتورة فأثنت على تحرر المرأة الرومانية، وفاتها أن تذكر أنه كان من النساء نبيات عند العبرانيين، وانتهت الدكتورة إلى أن المرأة لم تتحرر بعد؛ لأن عقلية الرجل تأبى ذلك، إني أخاف يا سيدتي الدكتورة أن يخلو البيت في الغد من السكان، فبعد تحرير المرأة سوف تأتي حرية الأطفال متى بلغوا الفطام.

وفي هذا البرنامج حديث بمناسبة عيد الميلاد للكاتبة المخضرمة السيدة سلمى صائغ، لم تشأ أن يكون حديثًا عاديًّا على النحو المعروف في هذه المناسبة، فكتبت قصة جعلت بطلها رجلًا نذلًا يسرق دينارًا شاءت سيدة رعناء أن تكون بابا نويل، فوضعته في حذاء بنت بائسة مكومة على جانب الطريق، فسرقه مقامر خاسر، وعاد فلعب به فربح كثيرًا، ثم راح يفتش عن البنت ليتبناها فما وجدها، القصة ناجحة، وليت سلمى حدثتنا عن النساء المقامرات بدلًا من الرجال، فموضوع المرأة المقامرة نادر، ولعله أطرف، وقد لا يحسنه إلا امرأة …

وإذا انتقلنا إلى حديث الصباح رأينا أنه لا بد من التنويه بحديث الأستاذ محمد طاهر اللاذقي وعنوانه: الدجل والدجالون، أما مارون عبود في حديث الميلاد، فما رأيته إلا كاهنًا عتيقًا لا ينقصه إلا الثوب واللحية، أما صوته فأراحنا منه القارئ عنه بالنيابة، فله الشكر.

وهناك حديث جمعة للشيخ محمد المغربل، لقد علَّم الناس الحلم بالمثل بما رواه من حكايات عن رسول الله، كان العنوان: ادفع بالتي أحسن، فأرتنا الحكايتان كيف دفع النبي العظيم فظاظة ذاك الأعرابي الجلف، وألقى عليه وعلى من حضر درسًا إنسانيًّا رفيعًا.

وما زلنا في صدد الأحاديث الدينية فلا بد من الثناء أيضًا على حديث «رسالة الأرض إلى السماء» للقس فريد عودة. إن رئيس الطائفة الإنجيلية في بيروت واعظ ملسان، فالصوت صوت عيسى، واللمس لمس يعقوب، التعابير تعابير خطيب مدني بليغ، واللهجة لهجة واعظ، لم يسم المسيح إلا كلمة الله، والروح الصالح، ومن يطالبه بأكثر ما زال الجميع يقولون على اختلاف الملل والنحل: الكلمة صار جسدًا، وحلَّ فينا.

ثم ننتقل إلى مختارات شعرية للأستاذ أحمد أبو سعد، ظننت أنها باقة طريفة من شعره، فإذا بها لهذا وذاك من الشعر المقروء كثيرًا، كنا ننتظر من صاحب «حمم» ولو بعض حمم فخاب الظن.

أما في الأحاديث الأدبية فقد تحدث الدكتور جودت الركابي عن «مسئولية الكاتب»، وأراده مناضلًا عن الحرية، لا مؤمنا بنظرية الفن للفن، ليس لنا أن نعارض.

ويلذ لي أخيرًا أن أنبه إلى أن استعمال «كافة» مضافة غير جائز، فلا يقال كافة التأثيرات، بل يقال: التأثيرات كافة، وكذلك لا يقال: رب قائل يقول، كما قال الأستاذ تيودوري، بل يقال ورب قائل قال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤