الفصل السادس عشر

الشيخ الميرغني

وردت برقية من سواكن في ٢١ مارس مفادها أن الشيخ الميرغني ومعه شيخ آخر يقال: إنه من مكة المكرمة ذهبا في ذلك اليوم إلى المعسكر الإنجليزي ليحضر خضوع كثير من مشايخ القبائل الذين جنحوا إلى السلم مع الإنجليز، وفي حين آخر أن هذا الميرغني صاحَب فرقة إنجليزية تسير إلى بيرهندوك ليكون على يديه طاعة بعض القبائل في تلك النواحي، ويقال: إن إحداها لم تزل مترددة في قبول الطاعة وعدمه.

هذا مما يعجب منه؛ أن شيخًا يظهر بين المسلمين بمظهر العلم والإرشاد، ثم يقود جيشًا إنجليزيًّا لإذلال أبناء ملته وإخوان دينه وجنسه، وهو يعلم أن شرفه شرفهم، وسيادته بسيادتهم، ولولاهم ما نال الإكرام والإجلال، وما أغدقت عليه النعمة، وتوفرت لديه دواعي الترف والنعيم، وتمتع بكامل لذاته وشهواته! كيف يسوغ له أن يقدم جيوش الإنجليز، قبل الوقوف على مقاصدهم، وماذا يريدون من تذليل جيش العرب وإخضاعهم، هل يصح له أن يأتي مثل هذا وهو يعلم ما يحذره الشرع وما يبيحه اغترارًا ببعض الأوهام التي لا أساس لها؟!

وكتب إلينا من مصر والحجاز أن جماعة من العلماء في القطرين حكموا بمروقه وقالوا: إن هذا من أعظم الزلات التي لم يُرتكب نظيرُها في الإِسلام، على أنه ليس من العلماء ولا من العَارِفين بطُرُق الإرشاد، وإنما نال الاعتقاد عند بعض السودانيين وراثةً عن أبيه، وأنه لم يتميز عن العامة الأُميين في شيء، وإن كان هذا لا يدفع العجب من فعله.١
١  هذا النص كما ورد في الأصل، ويبدو أن ما كتبه السيد جمال الدين الأفغاني، وهو في عنفه، يمثل صورة من صور الرأي العام حينذاك. ومما لا شك فيه أنه قد بنى حكمه هذا مما تجمع لديه من المعلومات، ولا يخفى أنه كان موجودًا في باريس عام ١٨٨٤م، فإذا قَدَّرْنَا الظروف التي كانت تُحيط بالموقف، وبُعد الشقة، واستحالة الوصول إلى مصادر ثقة يعول عليها لما يجعل الأخذ بهذا الرأي في موضع الحذر والحيطة، ولا ننسى أن الخلافات الطائفية كانت على أشدها في شرق السودان في ذلك الوقت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤