الفصل التاسع والخمسون

أخبار سياسية

صرح اللورد جرانفيل في مجلس اللوردات بأنه ورد للحكومة الإِنجليزية أخبارٌ عن الجنرال جوردون، إلا أنه كَتَمَها عن المجلس ولم يُطْلِعْهُ عليها، ومع هذا فإنها مهملةٌ من التاريخ، ولم يُعهد أن مأمورًا سياسيًّا لدولةٍ عظيمة يُخابر وزراء دولته بلا تاريخ، ولعل ما ألفه الوزراء البريطانيون من التمويه على الشرقيين أصبح فيهم عادة تجري بينهم حتى على أبناء جنسهم وفي مجالسهم العالية.

وردت أخبارٌ إلى «الديلي نيوز» مفادها أن جميع القرى في شمال بربر إلى مراوى جاهرت بالثورة وانقطع الطَّرِيق إلى بربر، وفي خبرٍ آخر أن من الظنون ميلُ مدير دنقلا إلى مُنَابَذة الحكومة، فقد كان يطلب من أيام مددًا يَستعين به على إخلاء المدينة وإنقاذ حاميتِها، واليوم يأبى الخروج منها بل يطلب أن تُبعث إليه نجدةٌ يفتح بها البلاد السودانية فتحًا جديدًا.

ثم استبد بما لم يكن من حدود وظيفته، فأرسل بعض ضباط الباشبزوق١ إلى وادي حلفا؛ ليأتيه ببعض الذخائر والآلات الحربية، ونال رسله ألف بندقية وأربعمائة ألف فشك، ونهبوا مخازن الحكومة، وأحضروا معهم عددًا من المدافع إلى دنقلا.
وربما يعاب على المدير إتيانُ مثل هذا العمل ويعد من باب الخيانة لحكومته المصرية، ولكن ماذا يصنع بعدما علم أن الحكومة المصرية خرجت عن كونها حكومة وطنية بتصرف الإنجليز فيها، وأن حكامها أصبحوا لا يملكون من الأمر شيئًا، فإن صدق هذا المأمور في خدمته فلا تكون فائدةُ الصدق إلا تثبيت قدم الإنجليز في بلاده وتأييد ملكتهم عليها، فيكون في الحقيقة خيانة لوطنه وبخسًا لحقوقه، فله العذر إذا انحاز إلى الفئة الثَّائرة ما دام الإنجليز حكامًا في مصر.
  • يقال: إن محمد أحمد سار من الأبيض لفتح دكاشيا أو الخرطوم، ويغلب على الظن أن مسيرَهُ لفتح الخرطوم، فإن حل بها ما حل ببربر وشندي مع هيجان القبائل في الجهات الشمالية ترقبنا عاقبةً هائلة أنذرنا بها وحذرنا منها مرارًا عديدة.

  • من رأي أحد المراسلين لجريدة «الديلي تلغراف» أن الجنرال جوردون سيقيم في الخرطوم إلى فيضان النيل، فإنْ لم تأته نجدةٌ يقوى بها على الفوز بنجاح مأموريته، لزمه أن يصعد على النيل الأبيض إلى خط الاستواء، وأنه يمكنه بعد ذلك أن يعمل أعمالًا عظيمةً في الأُمم الإفريقية القاطنة فيما وراء خط الاستواء، ثم عقب كلامه بأمانٍ وأوهام لا تنقص عن أماني جوردون عندما سار من القاهرة إلى الخرطوم.

  • في برقية من أسوان إلى «الديلي نيوز» أن ابن أخي حسن باشا خليفة ومعه شخص آخر فَرَّا من بربر وكانا منطلقَين إلى جهة الشمال فاعتقلهما عرب روباتاب بالقرب من أبي حمد.

  • يقال: إن الحكومة المصرية (أو الإِنجليزية) تجتهد بوسعها للمحالفة مع قبائل العرب في جنوب مصر؛ ليكونوا لها عونًا على مدافَعة سيل الفتنة إذا ارتفعتْ غواربها على حدود مصر الطبيعية، ولا نظن أن سعيها ينجح لدى العرب؛ فإن ذمتهم ودينهم لا تسمح لهم بمساعدة الإنجليز في تملُّك بلاد المسلمين.

  • أبى اللورد جرانفيل أن يرخص لنوبار باشا بالسفر إلى أوروبا مدة غيبة السير بارين، فإن أصر نوبار باشا على طلب الرخصة فإن اللورد جرانفيل سيطلب من الخديو أن يستبدله برياض باشا أو شريف باشا.

هذا كله والإنجليزُ لا يريدون أن تكون مصر تحت سيادتهم ولا يحبون أن يُرفع عليها علمُ حمايتهم، وليس يدرى ما الغرض من السيادة والحماية سوى التصرف في الإدارات والتحكم في أولياء الأمور، هذا وزير مصر الأكبر لا ينال رخصة سفر إلا بإذن من جرانفيل، ولا يأذن له، ويرى أن له أمرًا على الخديو باستيزار فلان! فإنْ لم تكن هذه سيادة فما هي السيادة؟!
  • في خبر أن الأميرال هفت وصل إلى أدوفا (من البلاد الحبشية)، وأسلفنا أنه كان في نيته إغراءُ ملك الحبشة بإيقاد حرب صليبية يهلك بها أمم العالم فداءً لشهوات الإنجليز، إلا أنه جاءت الأخبار بعد هذا أن الأميرال لم يصادف سعة من صدور الحبشيين وأن الملك يوحنا وقف على خديعة دولة إنجلترا، ولم يُظهر عناية بما أتى إليه الأميرال ولم يبعث لملاقاته أحدًا، بل أظهر الحبشيون غاية الخشونة في معاملة الوفد الإنجليزي حتى إنهم امتنعوا عن بيع المأكولات لهم، وقد ذكرت بعض الجرائد صورة المعاهدة التي يُراد عقدها مع ملك الحبشة — ولا يهمنا الآن ذكرها.

  • هجم جماعة من الثَّائرين على سواكن في التَّاسِع عشر من هذا الشهر، وزحفوا إلى المدينة حتى صاروا على خمسين مترًا من أسوارها، ثم أطلقوا عليها النيران مدة ساعتين حتى أَثَّرَ الرصاص في كثير من البيوت، ولم يتحرك جيش الحامية أدنى حركة لمدافعة هذا الهجوم العنيف، ويظهر من هذا أن انتصار الجنرال جراهام في سواحل البحر الأحمر لم يكن له أثر وإنما هو قولٌ يذكر ورواية تؤثر وأن غزواته لم تزد الثَّائرين إلا إقدامًا.

  • كتب مراسل التان في القاهرة أنْ لا صحة لما أشاعتْه الجرائدُ من القبض على مسيو أوكلي، النائب الأيرلندي الذي حملته همته على السفر إلى الأبيض.

١  الباشبزوق: بمعنى الاحتياطي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤