تقديم

أیسخولوس

حياته ومؤلَّفاته

يحتل عصر أیسخولوس مكانًا بارزًا في المقدمة، في عصور تاريخ العالم التي تتميز بالطموح القومي والأعمال القومية المجيدة. ويزخر، في الوقت نفسه، بالأفكار الروحية المنعكسة في ذهن ذلك الشاعر الأستاذ؛ يحتل ذلك المكان جنبًا إلى جنب مع شكسبير. فقد تجسَّم خياله في شعر من أسمى نوع وُجد؛ في هيلاس Hellas في الجزء الأول من القرن الخامس، وفي إنجلترا في عصر الملكة إليزابيث. ولا يزال وحي ذلك الشعر ونموذجه ظاهرَين في عصرنا الحاضر.
وقعت حياة ذلك الكاتب المسرحي الإغريقي في عصورٍ مليئةٍ بالاضطرابات الخارجية والداخلية، عصور العواطف الجياشة والمرح والعجب والأمل، عندما اكتشف المواطن الأثيني نفسه كفرد، لأول مرة. فلاحظ مظاهر الحياة بمتعة ذهنية، وباعتماد على النفس، وبروح عالية، وبنشاط جم مشغول بتنازع البقاء الحادِّ، الشخصي والقومي، بأملٍ وثقةٍ في حسن الجزاء العادل، وبوعي دائم بمسئوليته إزاء الصالح العام. كان ذلك العصر عصر امتداد المعارف واتساعها، عصرًا شاهد أحداثًا برهنت على عزيمة أثينا وشجاعتها عندما طرحت عنها الجبين الذي كان لها في ظل الاستبداد، فطردت، في عصر هذا الشاعر، طاغية بيت بيزيستراتوس Peisistratus، وعدَّلت الدستور في عهد كلايسثينيس Cleisthenes، حتى ضمنت في ذلك الوقت تأييد جميع مواطنيها، وكونت نظامًا حكوميًّا يضمن للدولة طريقًا حرًّا لزيادة التقدُّم نحو الديموقراطية الحقة. كما اكتسبت تلك المدينة في حياته قوة مادية تؤهلها للقيام بدور قيادي كقوة دولية في انتصار بلاد الإغريق على البربرية الاستبدادية التي هددتها لمدة جيل بالقضاء على كيانها السياسي. أبدى مواطنو ذلك الشاعر، في هذا الانتصار، بطولةً في التضحية بالنفس والجرأة القهارة، ولما زال الخطر الفارسي وانمحى تمامًا كلُّ احتمال لعودة الاستبداد الجائر للطغيان، شهد الجزء الأخير من حياة شاعرنا إعادة بناء أثينا التي هدم الغزاةُ معابدَها ومنازلَها، كما شهد الجزء الأخير منها بداية تلك التيارات القوية المتضاربة للحياة السياسية القديمة والجديدة، عندما أخذت الديموقراطية تشق طريقها الظافر بقيادة بركليس Pericles. كانت أثينا، في شباب أیسخولوس، قسمًا سياسيًّا صغيرًا يحكمه طاغية جامح الإرادة. وعند موته، كان أهل أثينا يحاربون في آسيا وفي مصر وفي قبرص، في آنٍ واحد؛ ويسيطر أسطولُهم على بحر إيجة، وكانت أثينا تسير بخطًى ثابتة نحو تكوين إمبراطورية، تكسبها وتحافظ عليها بقوتها البحرية.
كان أیسخولوس ممثل الأدب الوحيد في ذلك العصر الزاخر بالأحداث البالغة الأهمية لكلٍّ من حكومة تلك المدينة والعالم الأكبر؛ ذلك العصر الذي تمثله في الحرب والسياسة شخصيات عملاقة، ميلتياديس Miltiades وثيميستوكليس Themistocles وأريستيديس Aristeides وكيمون Cimon، كما يمثله في فن التصوير والنحت، وفن الخزف بولوجنوتوس Polygnotus ومورون Myron وبروجوس Brygus. وقد استجاب كلٌّ من هؤلاء إلى الحافز القوي الذي قدمته له بيئته. ولم يكن أیسخولوس مجرد متفرج، وإنما أسهم في حوافز عصره وحركته الجبارة، وساعد في جعل وقته يختلف تمام الاختلاف عن أوقات معاصريه سیمونیدیس Simonides وباكخوليديس Baccchylides. وكما يصور هوميروس النزاع في عصر سابق، بفنٍّ يتميَّز بالخيال الجمِّ والمشاعر التلقائية، كذلك يصور أیسخولوس العصر العظيم الثاني للفكر الإغريقي، وهو يقدم روح الحياة الأتيكية القومية الأكثر تفكيرًا، كما جعلتها الحرب التي نشبت للدفاع عن استقلالها.

أيقظت الحربُ المكتسبة بالثورة الشعبَ الأثيني، ونبهته إلى الوعي الذاتي، وحثته على إقامة الحكم الذاتي في ظل الحرية التي يحميها قانون شرعه شعب يحكم نفسه. وقد اكتسب كلٌّ من العدالة والنظام الإلهي للعالم أهميةً لم تكن معروفةً لشعبٍ يشتغل سوادُه بالزراعة، انمحت وقتذاك حواجز ذلك العالم الإقليمي الأكثر ضيقًا. واتحدت كلمة الناس إذ رأوا الخطر الخارجي، وأحسوا بدافعٍ يدفعهم إلى الوحدة الروحية التي لم تكن معروفةً من قبل، وبشعور قوي بالوحدة سرعان ما ذاب بفعل النفوذ المركزي للعمل السياسي الإغريقي. أثَّر التحول إلى العالم الخارجي في كلٍّ من السياسة والمجتمع، وهزيمة الغطرسة البربرية، والاتحاد السريع للمدافعين عن حرية بلاد الإغريق؛ أثرت كل هذه العوامل على أیسخولوس، فساقته إلى فكرة نشأة البشرية وتطورها، ونشأة الآلهة أنفسهم وتحولهم من الطغيان إلى الحرية، ومن القتال إلى السِّلم، ومن الشقاق والخصام إلى المحبة والوئام. فقَلَّت الاضطرابات والفوضى والبربرية، وحلت محلها المساواة التي هي أساس القانون والنظام.

لم يكن تطوُّر أثينا القديمة هذا بأسرع من تطور الفن التراجيدي على يد مؤسسه الحقيقي … فقد أبدى فن الأدب في هذا العصر تطورًا سريعًا لا يعادله أي تطورٍ في التأريخ، شأنه في ذلك شأن المعمار والنحت.

عرض أیسخولوس أولى مسرحياته في سنة ٤٩٩ق.م. ولم تمضِ غير ثلاثين سنة فحسب على إقامة بيزيستراتوس، الذي أخضع الطغيان بحمايته للفنون، مباريات سنوية في التراجيديا، في عيد ديونيسيا Dionysia المدينة. فشهد ثيسبيس Thespis، في هذه المباراة، شاعرنا التراجيدي الأول، الذي عُرضت مسرحياته في الاحتفالات القروية ونالت الجائزة. نال أیسخولوس أول فوزٍ له في سنة ٤٨٤ق.م. أي قبل موقعة سالامیس Salamis بأربعة أعوام. ومنذ ذلك التاريخ حتى وفاته في سنة ٤٥٦ق.م. كان هو الشاعر التراجيدي الأول لعصره.
بوسعنا أن نخمِّن، نظرًا لغياب الأدلة المادية، على أن هذا الفن، كما تَلقَّاه ذلك الشاعر، كان يتألَّف من أغاني الكوروس فحسب، يتخللها بعض السرد مع حوارٍ قصيرٍ بين قائد الكوروس وشخص يمثله ممثل واحد أدخله نبوغ ثيسبيس. لم تكن هناك خطة بالمعنى الذي عُرف فيما بعد، ولا تقدم حقيقي في الفعل الدرامي، ولا تصوير للشخصيات. وكان الفن، كما تركه، قد بلغ ذروة إمكانيات التعبير الأصلي. أخذ أیسخولوس أساطيره ومادة قصصه من هوميروس وهسيود Hesiod ومن الشعراء الدوريين، ومن الأشعار الشجوية والرجز والشعر الغنائي، ولا سيما شعر ستيسيخوروس Stesichorus، ومن كتب الحكم القديمة، ومن كُتَّاب النثر القدامى والمعاصرين، الذين تناولوا الأساطير الموروثة في كتاباتهم؛ أخذها أیسخولوس ونفخ فيها نفسًا من روحه، ووجد فيها تعبيرًا لأفكاره الشخصية عن الأمور البشرية والإلهية. ويرجع الفضل في تحويل أشخاص عصر البطولة إلى شخصيات درامية زاخرة بالإرادة والعاطفة، تعمل بواعثها السهلة الفهم على حثِّ العمل الدرامي ودفعه قدمًا إلى الأمام، إنها شخصيات، حتى ولو كانت فردية، فإنها لا تقل معاصرة لكل عصر؛ لأنها نموذجية في بشريتها العالمية، نقول يرجع الفضل في هذا إلى خيال ذلك الشاعر الخصب، وإحساساته الأخلاقية والدينية، وفكره البحاث المتأمل، أكثر مما يرجع إلى عقله وذكائه. وإنَّ مقدرته على الإلمام بأفق أوسع، وتصوير أشخاص عائلات بأسرها أو شعوب بأكملها، لَأعظمُ من قدرته على جَعْل أشخاصه الفرادى يتسمون بطابع الفردية. وإنَّ متعته في الفرد لَأقل من متعته في الأسرة أو في الجماعة القومية التي ينتمي الفرد إلى حظوظها. لا تجد موهبته الشعرية بصفته مواطنًا أثينيًّا ذا صلة بالحياة في عصرٍ من التطورات السياسية والاجتماعية المحمسة في وقت كان اتجاه إحساس الإنسان فيه إلى حريته الروحية أقل من اتجاهه إلى حريته السياسية، لا تجد تلك الموهبة تعبيرًا إلا في فن — رغم حداثة خلقه — أرسل صوته مدويًا أكثر من سائر الفنون الأخرى، يعبر عن غريزة عصره وقومه. كان ذلك الفن وحده هو الذي يملك القدرة على تصوير الروح الجماعية لحياة شعب حر لم يقم بدور مضاد في المجتمع الذي يصوره شاعر البطولة العظيم، الذي لا يزال قصصه عن الحرب والمغامرة يسيطر على إعجاب مجتمعات واسعة في وقت منافسة قصائد الشعراء المتجولين. وإذا كانت الأساطير القديمة غامضةً غموضًا فظيعًا منذ أول نشأتها في وقت الشفق، فقد هذبها هذا الشاعر في ضوء الروح الصافية للعقيدة المبنية على العقل والصلاح … اكتشف أیسخولوس وجود مادة أخلاقية ودينية في أساطير قومه، فَحوَّلَها إلى مسائل خاصة بمصائر البشر، أو إلى عدالة الآلهة: فيتألم بروميثيوس Prometheus١ وتتألم إيو Io٢ أمام عيوننا، فنجد أنفسنا في الحال وجهًا لوجه أمام سؤال عما إذا كان سيد أوليمبوس Olympus٣ إلهًا عادلًا. وظن الشاعر نفسه في تلك المستويات العالية للفكر والعاطفة حيث يستطيع ملاحظة الخير والشر، وهما من عوامل القدر الغامضة التي تجعل من خُلُق الإنسان أداتها، وأوجد العلاقة بين العقاب والإثم، ومعنى الآلام ومعاملات الرب مع الإنسان، والوحدة الأساسية للهدف الإلهي. تناول أیسخولوس هذه الأفكار السامية، مبدئيًّا، کفنان وليس كواعظ، وشرع يوضح حالات عدم المطابقة، التي تمنعنا من أن ننسب إليه أي مذهب فلسفي أو ديني متعمد. لم يُسلم معلم الدين أو الفيلسوف روحَه إلى أية أسرار غامضة أو عقيدة. كان الإنسان أعظم من أعماله وهو الأعظم بين معاصريه، ولو أن العمل هو خلاصة عقل ذي عظمة روحية مثقل في طريقه القديم بأسرار جميع العالم غير المفهوم.
ما عادت الفلسفة في عصر أیسخولوس مجال الباحث في أسباب الأشياء، المنعزل … وقد شمل المفكرون الأيونيون الإنسان في تأملاتهم على أنه جزء من مكونات الطبيعة؛ إلا في حالة اتصال الدين بالعلوم الطبيعية، كما هو الحال في فيثاغورث Pythagoras. وجد أیسخولوس في الإنسان «مركز ثقل» العالم. وجده في الإنسان الذي يُظهر تجاربه وأفعاله في بيئته، وفي عوامل النفوذ البعيدة التي انحدرت إليه من أسلافه في أجيال متتابعة. كانت لديه فكرة أو لمحة عن الأسباب المعقدة الكامنة وراء الأحداث البشرية. فاستطاع في مسرحية «بروميثيوس» على الأقل أن يجد نواة الفعل التراجيدي للباعث الناشئ من الداخل. والحقيقة أنه لم يوفق بين عناصر الحياة المتضاربة بَيْدَ أن سِرَّ فنه الكامل النمو، هو فهمه للعلاقة العابرة بين الأخلاق والأفعال والكوارث. وإذا كانت متنوعاته أقل من متنوعات يوریبیدیس Euripides، وكذلك أقل من متنوعات سوفوكليس Sophocles، فإنه يرى الحياة كوحدةٍ أكثر مما يراها هذان. فنسب الحقائق الخالدة للحكمة القديمة لقومه، والأمثال التي يتضمنها علم الأخلاق، إلى حياة الإنسان، وهي تعمل وتتألم. وفي الوقت ذاته أظهر تعميم استعمال هذه الأشياء في أشخاص الماضي الأبطال. شرع أیسخولوس، بعد أن استغل الظروف الملائمة له في دولته بعد انتهاء الحرب الفارسية، شرع يسيطر خطوة خطوة مع تكرار التجارب، على تكنية (القواعد الفنية) فنه الذي طور صورتيه الأكثر ميكانيكية (واللتين ليستا أقل روحية) وهما الموسيقي والرقص، حتى بلغتا ذروة الإتقان الذي تمتعتا به فيما يختص بالفن الدرامي. فزود التراجيديا بمبدئها المرشد للاستغناء عن عنصر الكوروس بالعنصر الدرامي الأكثر حيوية، والقادر وحده على الوصول بالمشاعر والحكم، الموحية للعقل البشري، إلى أسمى درجة. ويبدو أنه هو الذي ابتكر وحدة المجموعات الثلاثية والرباعية، التي عندما تُحول إلى مسرحيات تتخللها مادة الأساطير، وكل منها عبارة عن مسرحية تتضمن فعلًا دراميًّا كاملًا هو جزء من مجموعة أكبر تمثل أرقى فكرة عن النبوغ الإغريقي في فن الدراما. والحقيقة أنه يُعزى إلى أیسخولوس تطوير فن ناشئ إلى صورة فخمة، واختصر أثر الزمن في محو أعمال أسلافه. وصار بوسع خَلَفِه أن يعملوا على ضوء وهدي أعماله، وقد أطلق العنان لفهمهم وخيالهم أن يسرحا في مجال أوسع، بواسطة فهمه وخياله هو نفسه. ولا يدين بفنه إلى أي شخص أعظم من نفسه. وبالاختصار، كان هو مشرع التراجيديا في العالم. ولم يسعَ إلى مطابقة فنه لذوق عصره، بل كان يرمي إلى أن يُضفي على ذلك الذوق نبلًا في ضوء عالم نموذجي. وإذ تناول آفاقًا أبعد مما تناول أسلافه، كَرَّس جهده ﻟ — «الزمن Time» الذي أطلق عليه معاصره بندار Pindar٤ اسم «سيد الخالدين» و«خير حامٍ للرجال العادلين».
وُلد أیسخولوس في سنة ٥٢٥/٥٢٤ق.م. تبعًا لما اتُّفِق عليه بالإجماع في العصور القديمة، وهذا تاريخ قد يكون صحيحًا تقريبًا. وكان والده يوفوريون Euphorion مواطنًا أثينيًّا من منطقة إليوسيس Eleusis. وكانت إليوسيس هذه دُوَيلةً لم تُمحَ ذكرى استقلالها في القرن السابع — هذا إذا نُسبت إلى هذا العصر أنشودة هوميروس التي نظَمها في الربة ديميتير Demeter٥ والتي تسجل أنه كان يحكمها ملك وطني. وصحب إدماجَ المجتمع الصغير في المجتمع الأكبر طقوسٌ دينية تتعلق بالأسرار الدينية التي رسم لمعرفتها كل رجلٍ من أصل هيليني. وظلت صفات وأخلاق أهل إليوسيس، حتى القرن الرابع، تميزهم عن المواطنين الأثينيين. ويبدو أن يوفوريون كان أحد أعضاء طائفة النبلاء، وكان واسع الثراء. كان أیسخولوس، بحسب مولده، من طبقةٍ اجتماعيةٍ أرقى من طبقتَيْ سوفوكليس ويوريبيديس. ويعرف الرجل النبيل العريق الأرومة بقوله: «هو من كان نبيل المولد، يتبوأ عرش الشرف في سموٍّ ورفعة» ويصف ذا الثروة القديمة بالعطف على عبيده. وكان ذا رقة إنسانية ورحمة بعامة الشعب أكثر من معاصره الأريستوقراطي بندار؛ وقد بُني النبيل الأثيني على نمط يختلف عما بُني عليه الأريستوقراطي البيوتي Boeotian أو الدورياني Dorian. ورغم مركز أیسخولوس الاجتماعي فلم يأنف من التمثيل في مسرحياته. ولسنا بحاجةٍ إلى أن ندهش لهذا. فقد كان دور الشاعر المسرحي، في عصره، مصحوبًا بدور الممثل وبالمهارة في الموسيقى وفي فن الكوروس، وبمجموعة من الوظائف التي لا تمنع صاحبها من خدمة المجتمع في كلٍّ من المجلس والحقل. وقد حققت الدراما الناشئة فائدة عظمى من قيام الشاعر بالتمثيل. يجب على الممثل أن يترجم مبتكرات شخصيته الثانية إلى صوت وبصر.
لما كان أیسخولوس يوباتريديًّا eupatrid٦ فقد كان عضوًا في الأريستوقراطية القديمة التي أشارت الأسطورة في خلقها إلى ثيسيوس Theseus.٧ والحقيقة أن المميزات السياسية لهذه الأسر الموجودة في مختلف المناطق التي تمتاز بالثروة وبالقوة، قد اكتسحتها إصلاحات كلايسثينيس٨ مع كثير من الطقوس المحلية التي قامت بدور بارز فيها. ومع ذلك، فإن هيبتها الاجتماعية ونفوذها المهيمن على الصفة الصورية للوظائف الدينية في الدولة، ظَلَّا باقيين لمدة قرن بعد ذلك. وقد اتصلت هذه بظهور عبادة ديونيسوس Dionysus،٩ ومن المحتمل أن الراغبين في التطهر من التلوث بجريمة الدم كانوا يلجئون إليها. أما في إليوسيس، فقد نظمت أسرة اليومولبيداي Eumolpidae اليوباتريدية ملاحظة طقوس الأسرار الدينية، وقدمت رئيس الكهنة الخاص بالعيد، وكونت هيئة تفسير القانون المقدس، كما كونت، في حالات معينة، محكمة للنطق بالحكم في قضايا المخالفات الدينية. كذلك كانت هناك طائفة يوباتريدية أخرى هي طائفة الكيروكيس Ceryces، قدمت الكهنة الأقل أهمية، واشتركت مع عائلة اليومولبيداي في الاضطلاع بطقوس الرسامة الدينية. ولا نعرف إلى أية أسرة من أسر إليوسيس اليوباتريدية العديدة ينتمي هذا الشاعر. بيد أن مولده في ظل القداسة الشهيرة للأهداف الدينية الأكثر نقاءً، قد ضمن لشبابه فترة أعده لمهمته فيها نفوذ الأسرار المقدسة الثابت فيما يختص بالأم وبالفتاة. ليس كمدرس للدين، وإنما كمعلم متدين لشعبه عن طريق الفن الدرامي.
بينما لا يمكن تفنيد احتمال تأثير هذا النفوذ على ذلك الشاعر النامي فإن هناك مسألة لا تزال بغير جواب: هل كان أیسخولوس من المرسومين فعلًا لتلك الأسرار؟ فإذا كان كذلك، فلا بد أنه كان خبيرًا بتلك الطقوس كاملة حتى لا يكون جاهلًا بأية مظاهر يسبب إفشاؤها الكفر أو التجديف. فهل كان استقلاله عن الأخلاقيات السائدة وقتذاك، وميله إلى الهرطقة الميثولوجية التي نجد الدليل المناسب عليها في التراجيديات، وهل كان اتصاله القريب بالمعبد، قد جعله كل ذلك يحس بعدم الحاجة إلى التقديس الإليوسياني؟ ومع ذلك، يقول أريسطو، ويؤيده كلمنت Clement السكندري، إن ذلك الشاعر، عندما اتُّهم بالكفر لإفشائه نقطًا معينة من تلك الأسرار، لجأ إلى تبرئة نفسه معتذرًا بأن خطأه يرجع إلى التهاون؛ إذ لم يلاحظ أن المسائل موضوع التهمة كانت ضمن أسرار طقوسها. ويمدنا هيراقليديس بونتيكوس Heracleides Ponticus تلميذ أريسطو بتفاصيل (وربما كانت غير حقيقية) مؤداها أن أیسخولوس كاد يُعدم في المسرح، ولكنه أفلت بالتجائه إلى مذبح ديونيسوس، وأنه عندما قُدِّم للمحاكمة أمام الأريوباجوس Areopagus١٠ (محكمة جنايات أثينا)، كان أهمُّ ما استندت إليه المحكمة في تبرئته هو بلاءه الحسن وشجاعته في موقعة ماراثون Marathon. غير أنه ما من أحد، سواء أكان هيراقليديس أو أيليان Aelian الذي يعرف ظروف هذه الواقعة بالضبط، يعرف ما فيه الكفاية ليذكر لنا اسم القطعة أو الموضوع الذي يُؤاخَذ عليه هذا الشاعر. والحقيقة أن الأقدمين لم يعرفوا المادة الموضوعية أو الذنب الموضوعي (كما هو عنوان المسرحية أو المسرحيات التي تتضمن هذا الذنب) بينما لا يزال حدسهم، وكذلك تخمين المحدثين ولا سيما ما يقول بأن مسرحية «يومينيديس Eumenides» هي موضوع تلك التهمة؛ ولا يزال ذلك الحدس مفتقرًا إلى الدليل المقبول. ومن المحتمل جدًّا في غياب الأدلة الكهنوتية التي تحمي المعتقد اللاهوتي ولا توجده، أن الكفر المنسوب إلى هذا الشاعر لا يختص بأي مذهب سري أو عقيدة سرية (لم تكن الأسرار الإليوسيانية Eleusian Mysteries عقيدية في أساسها، ولم يتورع أريستوفانيس Aristophanes عن إفشاء قوانينها مع تغيير طفيف)، بل بمظهر شكلي محض من الرموز الدرامية المعتبرة مقدسة في تلك الطقوس. أما الجمهور فيعزو هذا الأمر إلى إهمال الطقوس أكثر مما يعزوه إلى الهرطقة اللاهوتية. والحقيقة أن أیسخولوس اعتاد ذکر مصطلحات آراء التأملات اللاهوتية، ولكن يبدو أن هرطقته، على خلاف هرطقة دانتي Dante، لم تكن مقصودةً بالذات. بيد أن الاتهام لا يزال موجودًا، ولو أنه ما من شاعر في بلاد الإغريق كان متشبعًا بروح دينية متحمسة عميقة مثل أیسخولوس.١١ ومهما كان أصل استعمال الأشعار التي وضعها أريستوفانيس على لسان أیسخولوس عند بداية احتكاكه بیوريبیدیس (الضفادع ٨٨٦–٨٨٧)، فإننا نعرف أن السطر الأول، على الأقل، من تأليف الشاعر الأكبر سنًّا:
«أيا ديميتير، يا مَن تغذِّين روحي الغضة،
اجعليني أهلًا لأسرارك.»

إذن، فمن الواضح جدًّا أن أريستوفانيس كان يعتبر أیسخولوس من المطلعين على تلك الأسرار، إلا إذا كان أريستوفانيس نفسه مذنبًا في الشيء ذاته الذي اتهم به تاريخ حياته الأدبي كما وضعه الفلاسفة المتجولون. وسواء تعلم طقوس ديميتير المقدسة في وطنه، أو لم يتعلمها هناك، فإنه لم يرسم في إليوسيس، وإنما نال تلك الرسامة في ماراثون وسالامیس، فجعلته واضع «قوانين الرب».

لما كان هذا الشاعر إليوسيانيًّا، فقد كان عرضة لنفوذ أثينا المجاورة حيث كان يُعقد جزء من الاحتفال الرئيسي بتلك الأسرار. ولا يمكننا الحط من قيمة الحافز الجديد الذي أُضيف إلى خياله الشاب بوجود رجالٍ في أثينا، في عهد هیبارخوس Hipparchus ابن بيزيستراتوس، مُلمِّين بالشعر الكهنوتي والوحي وطقوس التكفير والتطهير، في وقت الحماس الروحي، إذ كان الناس يتسابقون، بدافع المشاعر الدينية والأخلاقية إلى الحصول على التطهير من الذنوب وراحة البال من الآثام. فالشاعر الذي تضم مؤلَّفاته شيئًا من الآثار المباشرة للأسرار الإليوسيانية لا بد أن كان ذا معرفة بتعاليم فيثاغورث. وإن بعض إشاراته إلى محاكمة المجرمين ومعاقبتهم بعد الموت على الجرائم التي اقترفوها في هذا العالم المستقاة من المصادر الأورفية ما في ذلك أدنى ریب.
ولما كان أیسخولوس شاعرًا مدربًا على القتال، فقد أدَّى الخدمة العسكرية في ماراثون عند أول التحامٍ عظيمٍ مع الفرس الغزاة، وفي سالامیس. وربما كان أحد الجنود الثقيلي التسليح، الذين أبادوا، بقيادة أريستيديس،١٢ تلك القوة المرابطة في جزيرة بسوتالیا Psyttalea. وللرغبة في السموِّ بشهرة هذا الشاعر الجندي، جعلته الروايات يشترك أيضًا في الحرب في أرتيميسيوم Artemisium وفي بلاتيا Plataea. وقد اهتم جماعة معينة من العلماء المحدثين، اهتمامًا بالغًا، بإشارة هذا الشاعر إلى مواقع الشمال ومعارف طقوسه، فجعلوه يُسهم في حملة كيمون التراقية (الذي أباد حصن إيون Eion المسيطر على مصب نهر سترومون Strymon في سنة ٤٧٦–٤٧٥ق.م.)، وربما في بعض الحملات الأخرى لاستعادة مواضع الاستيطان الواقعة على السواحل التراقية، تلك الحملات التي استمرت عدة سنوات.
يُحتمل أن تكون زيارة أیسخولوس الأولى للملك هييرو Hiero، فيما بين سنتَيْ ٤٧٦، ٤٧٣ق.م. (وهذه هي السنة السابقة لإبادة الفرس). ولما كان هذا الملك القبرصي صديقًا للأدباء وحكمًا بالغ الذوق، فقد سما ببلاطه إلى درجةٍ رفيعةٍ حتى إن الشعراء ذوي أرفع العبقريات في الوطن، أمثال بندار وسيمونيديس وباكخوليديس، قد وجدوا من المريح لهم قبول كرم ولطافة حامٍ لا يوجد خير منه في فن تقدير مَن اعتُبروا ملوك فناني عصرهم في بلاد الإغريق. وربما كانت زيارة أیسخولوس الأولى للغرب ذات صلة باحتفال هييرو بإعادة بناء مدينة إتنا Etna سنة ٤٧٦/٤٧٥ق.م. ونرى في مسرحية «نساء إتنا Women of Etna» أن الشاعر ترك المصادر العليا للميثولوجيا البانهيلينية Pan-Hellenic، ووجد ضمانًا في طقوس الصقليين المحلية للتكهن بالرخاء الذي استقاه من مؤسسي تلك المدينة عند سفح الجبل الذي ثار في سنة ٤٧٨/٤٧٩ق.م. (أو تبعًا لثوكوديديس Thucydides١٣ في سنة ٤٧٦/٤٧٥ق.م.) فأُوحي إليه بالفقرة الشهيرة في بروميثيوس (سطر ٣٤٧)، والوصف الأكثر روعة في قصيدة بندار لهييرو. وربما شاهد أیسخولوس بنفسه ثوران ذلك البركان، ولكن تصويره لهذا المشهد أقل حيوية من تصوير الشاعر الغنائي له. وإذا كان قد كتب تلك الفقرة بعد مضي مدة طويلة، فمن المعقول أنه دخل المسابقة عمدًا مع بندار الذي ألف قصيدته في سنة ٤٧٠ق.م. ومهما كان هذا الأمر، فما من أحدٍ من زملائه يمكن أن يكون قد دخل المسابقة مع أیسخولوس عندما أجاد عرض مسرحية «الفرس» هناك، وهي مسرحية عن الحرب، تُوِّجت من قبل بالجائزة الأولى في أثينا. وقد ذهب أیسخولوس وقتذاك إلى قبرص، لا ليكسب الشهرة، بل ليتسلم جائزة الشهرة.
لا ينظر صغار الذكاء إلى العظماء إلا في ضوء صغرهم، فقد عُزيت مغادرة أیسخولوس لبلاد الإغريق وذهابه إلى صقلية، نقول عُزيت في العصور القديمة إلى أنه ذاق جذور المرارة بسبب تفضيل الشاعرين سیمونیدیس وسوفوكليس عليه، أو لأنه لم يستطع احتمال روح ذلك العصر. وما قصة انسحاب أیسخولوس إلى صقلية بسبب غيظه من اندحاره على يدَي سوفوكليس، إلا قصة تافهة وسخيفة. لا بد أن كان أیسخولوس، في نفس السنة التي انتصر فيها سوفوكليس (سنة ٤٦٨ق.م.)، في أثينا يكتب مسرحيته «الأوديبوديا Oedipodea»، استعدادًا للعيد الدرامي في العام التالي. أما سبب سفره إلى صقلية في سنة ٤٥٨ق.م. بعد عرض «الأوريستيا Orestea» فلا يزال غامضًا. وقد قيل الشيء الكثير عن عدم رضا هذا الشاعر (المحافظ في ميوله السياسية كغيره من ذوي العقول الفنية الكبيرة) عن نمو نفوذ الحزب المناوئ لكيمون … يبدو أن الزمن لم يكن ملائمًا لرجلٍ أثينيٍّ من عصر أريستيديس، يتخذ في ذلك الوقت نظرة شفق الحياة. بعد ذلك أخذ جيل جديد طائش، يفتقر إلى روح الوقار التي كانت للجيل القديم، يشق طريقه إلى المقدمة. فهاجم إفيالتيس Ephialtes بالاشتراك مع بركليس حصن الأريستوقراطيين، وهم مجلس «الأريوباجوس». بدأت المعارضة بحركة ترمي إلى إبعاد بعض أعضاء تلك الهيئة بتهمة ابتزاز الأموال، انتهت بهجوم على صيانتها للقانون، والاحترام الشكلي الواجب للآلهة تاركة للمجلس، كوظيفته الهامة الوحيدة، اختصاصه في الفصل في قضايا القتل (سنة ٤٦٢). فقدم بركليس وثيقةً تنص على دفع أجور لهيئة المحلفين، وأعطى الأراخنة مبلغًا معينًا للنفقات اليومية. فارتفعت النزعة السياسية. فقُتل إفيالتيس في سنة ٤٦١ أو سنة ٤٦٠ق.م. أما التصويت بأغلبية الأصوات الذي أباد كلًّا من ميجاكليس Megacles وكسانثيبوس Xanthippus وأريستيديس وثيميستوكليس، فقد أبعد كيمون، في سنة ٤٦١، من مشهد النضال الحربي … يتخذ هذا الشاعر في مسرحية «يومينيديس» موقفًا بعيدًا عن صخب الأطماع الحزبية، فيقوى مذهبه الخاص بالصلح. وإذ وافق بولاء على ذلك القانون الذي غير طبيعة الأريوباجوس، فإنه يوصي بإلحاح في تلك المسرحية بوقف الحزازات والأحقاد والأخذ بالثأر، ويذكر احتجاجه الجدي ضد أية تجديدات أخرى، مع الإشارة إلى الاقتراح (المقدم في نفس سنة «الأوريستيا») الخاص بقبول أعضاء من طبقة ذوي الأملاك في الفئة الثالثة في مناصب الأراخنة وفي الأريوباجوس. غير أنه إذا كان أیسخولوس أقل ابتعادًا عن أحداث ذلك الوقت، من سوفوكليس أو جوتيه Goethe، فليس من العدل اتهامه بالافتقار إلى الغيرة الحزبية في وطنه … سبق أن أوحت إليه سالاميس بالميول البانهيلينية. وكانت الوطنية القومية التي لا تقل عن الوطنية القروية مع الغيرة الدينية إيحاء عبقريته.

رغم عدم إمكاننا تفنيد احتمال عدم رضا هذا الشاعر عن مجرى الأحداث في وطنه، فإنه لم يكن بالرجل الذي يهجر وطنه غاضبًا، كما هو الحال في المحدثين. ربما لم يكن لديه أي باعث أعمق من استعداده لإعادة عرض مجموعته الثلاثية الأخيرة.

مات أیسخولوس في جيلا Gela بصقلية سنة ٤٥٦/٤٥٥ق.م. وأما عبارة التأبين الجميلة التي كتبت على قبره وصِيغت بروح القرن الخامس التي تنظر فقط إلى كونه مواطنًا جنديًّا، وليس بصفته شاعرًا، فيحتمل جدًّا أنها صِيغت في أثينا بعد موته بفترة قصيرة.
«يخفي هذا القبر رماد أیسخولوس
ابن يوفوريون، وفخر جيلا المثمرة،
وبوسع ماراثون أن تخبر بشجاعته المجربة،
كما يخبر بها ميديس Medes ذو الشعر الطويل الذي يعرفها حق المعرفة.»

ظل الاعتراف بذلك الشاعر مدة طويلة بعد موته! فصدرت القرارات العامة بعرض مسرحياته. أما نبوغه التراجيدي فانحدر إلى ابنه وإلى بعض أولاد شقيقته.

يوجد في الكابيتولين Capitoline١٤ تمثال نصفي يُقال إنه تمثال أیسخولوس، بَيْد أن التعرف عليه لا يستند إلى أي دليلٍ قاطع سوى المقارنة التي قام بها أولًا ميلكيوري Melchiorri، إذ قارنه بصورة على لوحة زجاجية١٥ اعتُبرت إما مصورة على نمط «تأليه» هوميروس. وإما إشارة إلى الأسطورة القائلة بأن ذلك الشاعر لقي حتفه عندما ألقى نسر بدرقة سلحفاة فوق رأسه الأصلع، إذ خاله صخرة، وهذه أسطورة وجدت مكانًا، على الأقل، في مؤلفي السير توماس براون Sir Thomas Browne بعنواني «المبتذل Vulgar» و«الأخطاء الشائعة Common Errors». وقد يكون تمثال برلين هذا من صنع حديث. غير أن القصة القائلة بأن درقة سلحفاة كسرت جمجمة رجل أصلع تؤيدها إشارة ديموقريطوس Democritus في القرن الخامس عند مناقشته علاقة المقصود بالصدفة. وقد شاعت نسبة هذا التمثال لأیسخولوس بطريقة عرضية، ولو أن بعض الشخصيات الشهيرة، أمثال: فيدياس Pheidias وهيبوقراطيس Hippocrates وديوجينيس Diogenes، تملك الأدلة المادية الخاصة بهذه المسألة.
كان أیسخولوس، كما قال ميلتون Milton عن سبنسر Spenser، «شاعرًا حكيمًا وجادًّا». وإذا طرحنا جانبًا أية محاولة لجعل تمثال الكابيتولين محاكاة للدلالة على مزاج أیسخولوس إن لم تكن على أخلاقه، فإن أعماله لتلقي بعض الضوء على شخصيته. ففيها السمات الحقيقية للشخصية. فالشاعر الذي تخيل «بروميثيوس» و«الأوريستيا» لا بد أن كان رجلًا بعيد الغور، ركزت روحه على عظائم الأمور في الحياة، Sempre il magnanimo si magnifica in suo cuore. وإذ كان متصوفًا مثل ميلتون، فإننا نتخيله ذا طبيعة استكملت صفات الرجولة في قوة، كما نتخيله عنيفًا، إن لم يكن صارمًا، سما بنفسه فوق طرق التفكير العامة، ويعرف لنفسه حق قدرها الرفيع، عديم الاكتئاب إذ كان كثير الدعابة، ويشبه النبي العبري حزقيال Ezekiel؛ غير أن هذا الأخير لم يكن صلب الرأي مثل أیسخولوس.
عُرضت أولى مسرحيات أیسخولوس في سنة ٤٩٩ق.م. وعُرضت آخر مسرحية له في سنة ٤٥٨ق.م. ولا يقل مجموع ما ألفه عن تسعين تراجيدية ومسرحية ساتورية، متحدة، كقاعدة، في مجموعات تتكون كلٌّ منها من أربع مسرحيات. أما مسرحيات المجموعات الثلاثية (ذات المسرحيات الثلاث) فترتبط معًا بصلة مادة الموضوع، أو بأية صلة مثالية من الصلات الأخلاقية أو الروحية للأفكار الميثولوجية. ولم يعجز هذا الشاعر عن الاحتفاظ بحرية علاجه للموضوعات، حتى بعد أن ابتكر الدورة الدرامية. ومع ذلك، تختلف درجة العلاقة بين مسرحية وأخرى. ففي حالة مسرحية «الفرس» المبنية على درامياتٍ ذات صفةٍ أسطوريَّة، يبدو من المحتمل أنه فضَّل فيها، متعمدًا، حرية الأسلوب. وقد نال الجائزة الأولى ثلاث عشرة مرة، ولو أنه لم يحظَ بأول فوز له إلا في سنة ٤٨٤ق.م. وبذا يخالف صدق المثل الذي قاله جوزيف دي میستر: Joseph de Maistre «مَن لم يُهزم ثلاثين مرة فلن يهزم إطلاقًا.» ولم يبقَ من مسرحيات أیسخولوس إلا سبع فحسب سلمت من اعتداء الزمن، وتتألف منها مجموعة جُمعت بعد السيد المسيح بوقت ما، ولكن ليس قبل القرن الثاني للميلاد. وأشهر مؤلفاته الباقية هي الأوريستيا، وأجزاؤها الفردية متصلة، حتى إن بقاء أية مسرحية من مجموعتها لَيجر بقاء الأخريات. أما مسرحية «برميثيوس المقيد Prometheus Bound» ففريدة في موضوعها ولقيت قبولًا لدى الذوق الرفيع؛ وسجلت «الفرس» انتصارًا في الوطنية القومية. ويُشتَمُّ من «السبعة ضد طيبة Seven against Thebes» روح الحروب. وربما كان جمال أناشيد الكوروس في مسرحية «المتضرعات»، ونغمتها الدينية السامية، هما اللذَان حفظاها من الضياع. وقد اختفت مؤلفات أكثر شهرة من المؤلفات الباقية — habent sua fata libelli — وإذا كان ما بقي لدينا لأبي التراجيديا قليلًا، فإن هذا القليل ليتميز بنبوغ، هو في حد ذاته خاصية من خواص القوى الابتكارية التي من أسمى نوع.
في أولى أيام أیسخولوس، كان منافسوه خويريلوس Choerilus وبراتیناس Pratinas وفرونیخوس Phrynichus يحظون بقبولٍ أعظم مما يلقاه هو من الرأي العام، ولم يحظَ بأول فوز له إلا بعد جهد دام خمسة عشر عامًا، وبعد أن اضطر هذا الشاعر التراجيدي الأول لمدينة أثينا، إلى أن يتبارى مع منافسيه في نفس المجالات التي تخصصوا فيها. وإن فرونيخوس هو الذي أدرك الإمكانيات التراجيدية للموضوعات المستقاة من التاريخ المعاصر، الذي قد تكون أشجانه دورًا يقابل سقوط طروادة، وهو الذي صور الاستيلاء على ميليتوس Miletus كأمر متوقع يساعده على وضع مسرحية من كارثة الفرس التي حدثت قبل بداية تلك المسرحية، وقبل المنظر المخصص للشرق. وقد تناول أیسخولوس هذا الموضوع بنظرة سيكولوجية عميقة، وبأثر إخباري أكثر، وقوة أعظم لتصوير روح أمة بأسرها. ومن المحتمل جدًّا أن يكون فرونيخوس قد سبقه في تناول أسطورة الدانائيات Danaïds. «شاعر وارث لشاعر، كما في حالتك الآن.»

تتكون أهم تجديدات أیسخولوس الشكلية في دور الكوروس، وقبل كل شيء آخر، في إضافة الممثل الثاني. فإن زيادة ممثل آخر على الممثل الواحد لدى ثيسبيس، قد جعلت أیسخولوس المؤسس الحقيقي للدراما؛ إذ جعل بالإمكان تنازع الإرادات المتعارضة، وحوَّل الفعل إلى شخصيات أكثر كمالًا، وأضاف تقدمًا جوهريًّا في الفعل الدرامي. فأصبح في المشهد الواحد ثلاثة أشخاص (من بينهم متعهد الكوروس) متكلمين. أما في المسرحيات الأبسط فترجح كفة عنصر الكوروس على كفة العنصر الدرامي. والكوروس هو العنصر الرئيسي في مسرحية «المتضرعات»، كما هو أيضًا، إلى حد ما، في «الفرس» فغدا الكوروس عاملًا حيويًّا في الاقتصاد الدرامي، في «الأوريستيا». ولا تزال مسرحية «المتضرعات»، تراجيديةً عتيقةً «مقمطة بثياب عهد الرضاع»، بينما نرى «الأوريستيا» تراجيدية كاملة النضج … لم يتردد ذلك الشاعر، في شيخوخته، في الاعتراف بأهمية إضافة الممثل الثالث التي ابتكرها سوفوكليس الجريء في أول قفزة له نحو الشهرة. فقال، وهو في السبعين من عمره وكان لا يزال لَيِّن الطباع: «إنه لَمِن الممتع للعجوز أن يتعلم.» وقد حسنت أعماله الأخيرة أعماله المبكرة. وإن حياته لسجل للتقدم المطَّرد للموهبة الشعرية التي توحي بها عبقرية من أعلى طراز، وذلك، على الأقل، في محيط الصنعة المسرحية. ويمكن مقارنة ذلك التقدم بتقدم أعظم كُتَّاب المسرحيات الإنجليز الذين كانت أعمالهم الأولى إعادة صقل أعمال غيرهم من كُتَّاب المسرحيات.

كان المصدر الرئيسي لقصص أیسخولوس، الخزانة العظمي لشعر البطولة، وتضم كميةً ضخمةً من شعر الأبطال. وكان في حياته على صلة بمؤلف الإلياذة Iliad والأوديسة Odyssey — وهاتان منظومتان، مادتهما أساطير العصور القديمة بعد أن هذبها ذوق الشعراء المنشدين المتجولين، وزاد فنهم في طولها، متقربين إلى الميول الشعبية، وملتمسين قدسية الأشعار من وجود آلهة المعتقدات القومية والنماذج البشرية المعتبرة مثلًا عُليا لأمتهم … عاش أیسخولوس في دنيا البطولة تلك كما يعيش الكاتب المسرحي الحديث في دنيا عصره وجيله. جاء هوميروس إلى أثينا بعزيمة جديدة منذ أن تقرر تلاوة أشعاره في العيد البان أثيني، الذي كان يقيمه أو يحييه بيزيستراتوس … اجتاح طرق التفكير في العصور القديمة تيار من شعر الأبطال، معظمه أساطير أيونية lonic، محاذيًا اتساع أفق الخيال إذ ذاك، فكان أیسخولوس، هو وبندار، أول من لاحظ إمكانيات جديدة للفن الشعري، يمكن أن تشع روحًا جديدة على ذلك العصر. فواجهت قيود الحياة الناشئة عن العادات والقانون والدين، في قوم معظمهم من الزراع؛ بخيال أقاربهم غير المحدود، في الجانب الآخر من بحر إيجة. فأثار هوميروس، قبل غيره من الشعراء المسنين، نشاط عقل أیسخولوس … قيض لأساطير شاعر البطولة القومي المليء بالروح الأتيكية الحديثة المولد، ولم تعكر صفوه، بعد، روح النقد ولا روح السخرية الناشئتان عن تطور الفكر الموضوعي في عصر يوريبيديس، قيض لها أن تصير وسيلة لخلق عالم يشرف فيه الرب على شئون البشر ويديرها. كانت الأساطير المقتبسة من هوميروس لحمة وسداة نسيج مؤلفات أیسخولوس؛ ولم تكن، كما هي الحال في بندار، عنصرًا مساعدًا استُخدم لأغراض التوضيح والزخرف استعمل أیسخولوس الأسطورة للتعليم والتهذيب والرقي، فلقيت ترحيبًا واسعًا في قالبها التراجيدي لدى الرأي العام كالذي لقيه شعر البطولة، وأوسع مما لقي الشعر الشجوي أو أشعار الكوروس الغنائية. وتتخلل روح البطولة طريقة أیسخولوس في تناول موضوعاته. فلديه اتساع بطولي ونشاط بطولي وتصوير بطولي. ولكن ذلك كله لا يشير إلى أي عنصر آخر غير مادة البطولة التي يقرر أیسخولوس، وهو مدرك أنه مدين لملك الشعراء المنشدين، بأن مسرحياته ليست سوى لقيمات من مائدة هوميروس العظيمة، كما لو كان أحد الأبطال الذين خصصت لهم بعض فتات الطعام، تبعًا للخيال السائد وقتذاك. والحقيقة أن أیسخولوس قد منح الدراما طابعها التراجيدي، بأن فتح أمامها مجال شعر الأبطال.
مما يميز أیسخولوس عن غيره من شعراء عصره، أنه رأى في قصص البطولة موضوعات بطولية تصلح للفن التراجيدي. فرسم أساطير مختارة من الدوائر الطروادية والأرجوسية والطيبية، ومصادرها في الإلياذة والأوديسة، ومن دائرة شعر البطولة في هسيود.١٦ وتأثر، في بعض الأحيان بتعديلاتها على يد ناظمي شعر الكوروس الغنائي، وخصوصًا ستيسيخوروس Stesichorus. ويبدو أن سابقي أیسخولوس لم يميلوا إلى الأساطير المأخوذة من قصة أخيل Achilles١٧ وأوديسيوس Odysseus،١٨ بينما كان سوفوكليس أكثر منه اعتمادًا على الإلياذة والأوديسة.
تتصل مسرحية «الكاريون Carians» أو «أوروبا Europe» بالحرب الطروادية التي تناولت قصة ساربيدون Sarpedon ابن زوس الذي قتله باتروكلوس Patroclus في المعركة، وتكون «المورميدون Myrmidons» و«النيريديات Nereids» و«افتداء هكتور Hector» مجموعة ثلاثية مواضيعها موت باتروكلوس Patroclus،١٩ وصنع عدة حربية جديدة لأخيل، ومقتل هكتور،٢٠ ومجيء بریام Priam٢١ للحصول على جثة ابنه. والشخص الرئيسي في كل هذه المسرحيات هو بطل الإلياذة، الذي تسابق أیسخولوس مع هوميروس، فرأى فيه شخصية تراجيدية حقيقية. وفي مسرحية «وزن الأرواح Psychostasia»، ظهر زوس Zeus٢٢ نفسه على خشبة المسرح ممسكًا بميزان، من فوق، في إحدى كفتيه روح أخيل وفي الكفة الأخرى روح میمنون Memnon٢٣ (ولم يحدث قط في هوميروس أن وقعت عين إنسان على زوس)، بينما ترجو كلٌّ من ثيتيس Thetis٢٤ وأورورا Aurora٢٥ عطف زوس من أجل ابنها. أما «صعود الأرواح Psychagogoi» و«بنیلوبي Penelope» و«جامعو العظام Ostologoi» و«کیرکي Circe» فتتناول استدعاء الأرواح من هاديس Hades٢٦ بواسطة تايريسياس Teiresias،٢٧ ومغامرات أوديسيوس، وموته. ووجدت موضوعات طروادية أخرى مكانًا في مسرحية «الموسيانيون والتليفوس Mysians and the Telephus» وفي «بالاميديس Palamedes» وفي «فيلوقراطيس Philocrates».
تحتل أساطير أرجوس Argos مكانًا بالغ الأهمية في المؤلفات الباقية. فأولًا؛ توجد مجموعتان رباعيتان، تتكون إحداهما من «المتضرعات» و«المصريون» و«الدانائيات» لما قبل التاريخ، مع المسرحية الساتورية «أموموني Amymone»؛ وتتكون الأخرى من «أجاممنون» و«حاملات القرابين» و«يومينيديس»، مع المسرحية الساتورية «بروتيوس Proteus». كذلك لمسرحيتَي «بروميثيوس» و«السبعة ضد طيبة» علاقة بأرجوس. كما توجد مجموعة تتناول قصة بيرسيوس Perseus، وتتكون من «نيميا Nemea» و«الأرجوسيون Argives» و«الإليوسينيون Eleusinians» و«ساحبو الشبكة Net-Draggers» و«السيريفيون Seriphians» و«فورکیدیس Phorcides».
توجد أساطير طيبة في الأوديبية («لايوس Laius» و«أوديبوس Oedipus» و«السبعة ضد طيبة» و«سفنكس Sphinx»)، وفي ثلاث تراجيديات تتناول موضوعاتٍ تتعلق بطقوس عبادة ديونيسوس العربيدية. وكانت أهم هذه المسرحيات، هي: اللوكورجية Lycurgea، وتتكون من «إدنوي Ednoi» و«باساراي Bassarae» و«نیانیسکوي Neaniskoi» و«لوکورجوس Lucurgus»؛ وتتناول القتال (وربما الصلح) من أجل ديانة أبولو — ديونيسوس، وديانة أبولو — هيليوس، وبطلها أورفيوس Orpheus. وهذه تشبه في موضوعها مسرحيات: «مربيات ديونيسوس Nurses of Diongsus» و«الباكخانتيس Bacchants» و«کسانتریاي Xantriae» و«بنثيوس Pentheus» و«سیمیلي Semele» و«ألكميني Alcmene». وكذلك «الهرقليداي Heracleidae» من الدائرة الطيبية.
تتناول موضوعات أسطورية أخرى قصة بحارة سفينة الأرجو Argonauts،٢٨ وأجاكس Ajax،٢٩ والمباراة من أجل أسلحة أخيل، وصيد الخنزير الكالودوني Calydonian Boar Hunt وأوريثويا Oreithyia ونیوبي Niobe، وغير هذه … جمع أیسخولوس الأساطير الموجودة في عصره من مناطق خارج أتيكا، من أفواه الناس، وحاكها في «نساء إتنا» و«جلاوكوس البحري Glaucus of the Sea». وأكثر ما يميز هذا الشاعر عن لاحقيه، تفضيله الأساطير قبل الهيلينية ولا سيما للموضوعات فوق البشرية، فانجذب بدرجة عجيبة إلى قصة ولادة ديونيسوس ومجيء عبادته إلى تراقية وطيبة. وما كان لخياله أن يسرح إلا في مملكة الضخم والعجيب والمدهش — في «بروميثيوس» وبطلها أحد التيتان، وفي «صعود الأرواح»، وفي «وزن الأرواح» وفي «العذراوات النبالات Toxotides». وصور الإثم والعقاب في «أكتايون Actaeon»، وصور الهاربيات Harpies٣٠ يلوثن طعام البطل في «فينيوس Pheneus»، وصور فايثون Phaethon٣١ في «الهلياديس Heliades» يسوق جياد رب الشمس إلى هلاكها. ولم يتورع هذا الشاعر في «كسانتریاي Xantriae» عن أن يقدم ملكة السماء في زي كاهنة. ويبدو أنه كان مولعًا بمخلوقات البحر، مثل: جلاوكوس، وبنات أوقيان Ocean، وبنات فوركوس Phorcys. لم يقنع أیسخولوس بالأرض مكانًا للفعل التراجيدي، فجعل مشهد «وزن الأرواح» في أوليمبوس، ومشهد «سيسوفوس Sisyphus» في هاديس. كثيرًا ما قيد لاحقوه ظهور الآلهة وقصروه على عالم البشر.

يبدو أن أشهر المسرحيات التي عُثر عليها كسرًا ولا تتصل بالمسرحيات الباقية هي: «أوروبا»، والمجموعة الثلاثية المكونة من «المورميدون» و«النيريديات» و«افتداء هكتور» و«اللوكورجيا» و«فيلوقراطيس»، و«وزن الأرواح» و«نیوبي».

عرضت مسرحية «الفرس» في سنة ٤٧٢ق.م. والسبعة ضد طيبة في سنة ٤٦٧ق.م. و«الأوريستيا» في سنة ٤٥٨ق.م. ولأسباب داخلية يمكن وضع مسرحية «العذراوات المتضرعات Suppliant Maidens» قبل أول انتصار لهذا الشاعر (في سنة ٤٨٤ق.م.) و«بروميثيوس» إما بين «الفرس» و«السبعة ضد طيبة» أو بين «السبعة ضد طيبة» و«الأوريستيا».
١  شقيق إبيميثيوس ووالد ديوكاليون. يميزه الاسم بروميثيوس كرجلٍ ذي بصيرة، بينما الاسم إبيميثيوس يشير إلى رجل قصير البصر. كان يُعتبر بروميثيوس أعظم محسن عرفه البشر، وبطل الأموات ضد دكتاتورية زوس. أتى إليهم بهدية النار فمهد بذلك الطريق لتقدم مدنيتهم وعلومهم وفنونهم. كان يُنظر إليه أيضًا كخالق للإنسان. صنعه من الطين في هيئة الآلهة ومنحه بعض صفات الحيوان.
٢  أحبها زوس وحوَّلها إلى عجلة ليحميها من غضب زوجته هيرا. وعلى ذلك طلبت هيرا من زوس أن يقدمها هدية لها فوضعتها تحت حماية الوحش أرجوس ذي المائة عين.
٣  أي زوس حاكم العالم ورئيس سائر الآلهة والبشر. اختص بأن يشرف على مجالس آلهة أوليمبوس العظام وهو يتأثر أحيانًا بآرائهم وبنصائح ومطالب الأفراد، ولكنه كان في الوقت نفسه يستطيع أن يصرف الأمور دون الاستعانة بهم؛ إذ كان يفوقهم جميعًا قوة، وكانت إيماءة واحدة من رأسه تكفي لتحقيق رغبته وتزلزل جوانب أوليمبوس الذي كان يقوم فوق أعلى ذؤاباته قصره المنيف.
٤  شاعر إغريقي غنائي طائر الصِّيت. وُلد في قرية قريبة من طيبة عام ٥٢٢ق.م. وهناك من يقول في عام ٥١٨ق.م. كان من عائلة إسبرطية عريقة واشتُهرت أشعاره بروعة الأسلوب وجمال الكلمات وحسن اختيارها مع الإبداع في صياغة أوزانه الشعرية.
٥  إحدى ربات الإغريق العظيمات. كانت ربة البقول والفاكهة والبذر والحصد بل الزراعة عامة.
٦  استُعمل هذا الاسم هنا كإشارة عامة إلى «النبل»، وليس كاسم عائلة خاصة هي «اليوباتريداى». ويمكن ملاحظة أن هذه الأسرة «genos» أخرجت من طقوس اليومينيديس Euminides حماة حق الأم، ويبدو أن ذلك لعلاقتها بأوريستيس بطل حق الأب. وقال البعض إن أوريستيس كان يعتبر جد (genos) وأول «مفسر» لما يختص بتطهير المتضرعين في حالة القتل.
٧  ابن أيجيوس ملك أثينا. قال البعض إنه ابن الإله بوسايدون، إله البحر. علمه «خيرون» الصيد، كما تدرب على مختلف التمارين الرياضية والبدنية، حتى ظُن فيما بعد أنه مبتكر رياضة المصارعة.
٨  مؤسس الديموقراطية الأثينية. ابن ميجاكليس Megacles الألكمابونيدي Alcmaeonid الذي تزوج أجاريستي Agariste، ابنة كلايسثينيس، طاغية سيكوون Sicyon.
٩  رب الخصب العظيم وخصوصًا في الكروم؛ ولذا كان إله الخمر. وموطنه الأصلي، تبعًا للأساطير العادية، طيبة حيث أنجبته سيميلي، ربة القمر، من زوس، الذي أهلكها ببرقة، وولد الطفل بعد أن حملت به مدة ستة شهور فحسب؛ ولذلك وضعه زوس في فخذه وخاط الفخذ حتى اكتمل نمو الطفل، فأعطاه لإينو Ino ابنة سيميلي. وبعد موتها حمل هيرميس Hermes، رسول الآلهة، الطفل إلى حوريات جبل نوسا Nysa، أو كما تقول رواية أخرى، إلى هياديس Hyades دودونا اللواتي ربينه وأخفينه في كهف خوفًا من غضب هيرا.
١٠  محكمة قديمة للجنايات في أثينا. وسُمِّيت بهذا الاسم لأنها كانت على تل أريس Ares بجانب الأكروبول حيث يُقال إن إله الحرب حُوكم على مقتل هاليرونيوس Halirrothius ابن بوسایدون. وقد رفع تشریع صولون الأريوباجوس إلى هيئة من أقوى الهيئات بأن نقل إليها الجزء الأكبر من اختصاص المحكمة القضائية ephetae العامة، كما عهد إليها بالإشراف على جميع الإدارة الشعبية وإرشاد الحكام، وأعمال المجمع الشعبي والدين والقانون والآداب والطاعة، ومنحها سلطة استدعاء أي فرد، حتى الخاصة، للإجابة على أي سلوك غير شرعي. وكانت «محكمة الأريوباجوس»، كما كان يطلق عليها كامل هذا الاسم، تتألف من أعضاء لمدى الحياة يُعرفون باسم أريوباجيتيس Areopagites. وكانوا يكملون عددهم بأن يضموا إليهم بعض الأراخنة الذين أدَّوا مدة خدمتهم بغير لوم. لم يكن كبر سنهم وحده هو الذي يزيد في نفوذهم، بل وطبيعتهم المقدسة أيضًا.
١١  كان أیسخولوس أول مفكر من المفكرين «المستنيرين» العديدين قُدِّم إلى المحكمة بسبب هفواته الدينية؛ فقد حُوكم كلٌّ من دیاجوراس Diagoras وأناكساجوراس Anaxagoras وبروتاجوراس Protagoras وسقراط Socrates، وستيلبون Stilpon وأريسطو وثيودوروس Theodorus على مثل هذه التهمة، كما حُوكم أندوكيديس Andocides على إفشاء الأسرار الدينية. واضطر أیسخولوس إلى أن يعيد كتابة بداية مسرحيته «ميلانيبي الحكيم Wise Melanippe».
١٢  عاش حوالي عام ٤٦٨ق.م. لقب ﺑ «العادل». هو ابن لوسيماخوس Lysimachus وأحد القادة الديموقراطيين في أثينا. اشتُهر بنزاهته وعدالته ووطنيته وتواضعه الجمِّ. اصطدم مع ثیمیستوكليس Themistocles لما دانت السلطةُ للأخير مما أدى إلى طرده من البلاد عام ٤٨٢ق.م.
١٣  مؤرخ إغريقي ذائع الصِّيت عاش ما بين ٤٦٠ و٤٠٠ق.م. على وجه التقريب. أثيني المولد ومن عائلةٍ تجري في عروقها الدماء التراقية.
١٤  القمة الجنوبية لتل الكابيتولين بروما، يقوم فوقها معبد جوبيتر الذي بدأ بناءه التاركوينيون Tarquins، ولكنه لم يتم حتى العام الأول من عصر الجمهورية (سنة ٥٠٩ق.م.). كان هذا المعبد مستطيل الشكل يقرب من المربع، بواجهته ثلاثة صفوف من الأعمدة بكل منها ستة عمد، وبكل جانب أربعة أعمدة. وقد نُحتت هذه الأعمدة على الطراز الدوري أو التوسكاني.
١٥  توجد هذه اللوحة الآن في برلين.
١٦  شاعر إغريقي قديم اشتهر بمنظومته «الأعمال والأيام» وبمجموعة أخرى من المنظومات القيمة كمنظومة «الثيوجونيا Theogony» وتعتبر الوثيقة الأولى التي نظم بها هسيود سلسلة نسب الآلهة الذين أوردهم هوميروس في منظومتيه الإلياذة والأوديسة دون مراعاة لأنسابها أو ترتيبها الزمني.
١٧  ابن ملك المورميدون من الحورية ثيتيس Thetis. تعلم أخيل فنون الحرب والفصاحة على يد فوينيكس Phoenix، كما تعلم فن العلاج على يد القنطور خيرون Chiron جد أمه. ولكي تجعله أمه خالدًا كانت تدهنه بالأمبروسيا نهارًا وتضعه فوق النار ليلًا لتتلف أي عنصر بشري ورثه عن أبيه. حتى إذا كان ذات ليلة جاء أبوه فوجد ابنه يشوى فوق النار فأقام الدنيا وأقعدها. فغضبت الربة لإحباط خطتها، فهجرت الزوج والابن وعادت إلى بيتها مع الحوريات.
١٨  ابن ملك إيثاكا. تزوج بنيلوبي وأنجب منها ابنًا اسمه تيليماخوس. اتخذه هوميروس بطلًا لملحمته «الأوديسة» فخلدها وخلدته.
١٩  نشأ مع أخيل فتولدت بينهما صداقة كانت مضرب الأمثال. وعندما انسحب أخيل من القتال في طروادة وتوالت الهزائم على الإغريق، أقنع باتروكلوس أخيل أن يعيره درعه ليجدد القتال ويزعج الطرواديين بظهوره في القتال على أنه أخيل. فوافق أخيل وكان النصر حليف باتروكلوس فترة من الزمان قتل خلالها كثيرًا من الأبطال ودفع بالطرواديين أمامه في تقهقر.
٢٠  أكبر أبناء بريام وهيكوبا وزوج أندروماخي. قائد الطرواديين في الحرب الطروادية، وأعظم قادتهم ومحاربيهم. حل محل بريام عندما حال كبر سنه دون القيام بإدارة شئون الدولة. أتى ذكره في الإلياذة كمحارب شجاع وبطل صنديد صبور.
٢١  ملك طروادة العجوز إبان الحرب الطروادية. تزوج هيكوبا فأنجبت أولًا هكتور، ثم حلمت قبل أن تلد ابنها الثاني باريس Paris أنها ولدت جذوة نار. ففسر أيساكوس الحلم بأن باريس سيكون سببًا في دمار طروادة، فأرسله بريام إلى هلاكه، ولكن باريس اكتشف فيما بعد أصل أبويه وعاد ليعيش من جديد مع عائلته.
٢٢  رب الأرباب والبشر. كان يصور في هيئة ذات رهبة وجلال، له خصلات مناسبة ولحية كثة، كانت هيبي من خدمه وهيرميس رسوله الأمين الذي ينقل أحكامه وأوامره في لمح البصر إلى أقاصي الأرض.
٢٣  ملك إيثيوبيا. كان أخوه قد اغتصب العرش منه ولكن هرقل أعاده إليه. ذهب بعد موت هكتور لمساعدة بريام.
٢٤  ابنة نيريوس ودوريس، ربة البحر، قامت هيرا، زوجة زوس بتربيتها وتزوجت بيليوس الذي كان بشرًا فأنجبت منه أخيل العتيد.
٢٥  اسم روماني لإيوس، ربة الفجر ووالدة الرياح والنجوم وبالأخص نجم الصباح.
٢٦  أي الخفي. هو ابن كرونوس وشقيق زوس وبوسايدون وهيرا. كان ينظر إليه كإله يحكم عالم الأموات مجردًا من الشفقة نحو سائر المخلوقات. هو عنوان الخوف والبغضاء عند البشر.
٢٧  طيبي المولد، ومن أشهر المنجمين والعرافين الذائعي الصيت ووالد ابنة واحدة تدعى مانتو.
٢٨  هم أبطال الإغريق الذين ذهبوا مع جاسون Jason للبحث عن الجزة الذهبية. ولقد كانوا خمسين بطلًا من بينهم كثير من الأبطال المشهورين مثل هرقل وكاستور وثيسيوس ونسطور وأورفيوس.
٢٩  ابن ملك سلاميس. أحد القواد الإغريق الذين حاربوا في طروادة. وكان يلي أخيل في المرتبة. أتى بمعجزات هي آية في الشجاعة والقوة. كانت رحى القتال تدور حول جسد باتروكلوس، فاستطاع أخيرًا أن يحصل عليه ويحمله إلى أخيل.
٣٠  كانت «الهاربيات» بنات ثاوماس وحورية البحر إلكترا. كن يُوصَفن كمخلوقات مخيفة جائعة لها أجسام وأجنحة ومخالب طيور ورءوس عذاری.
٣١  ابن هيليوس، إله الشمس. ذهب إلى قصر الشمس وطلب من أبيه الحق في قيادة عربة الشمس ليوم واحد ليبرهن للناس على حقيقة ميلاده. كاد يتسبب في حرق الأرض لو لم يصبه زوس بصاعقة من صواعقه فقتله. حزنت عليه أخواته حزنًا شديدًا وأخذن يبكين بشدة حتى تحولن إلى أشجار زان كما تحولت دموعهن إلى كهرمان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤