مقدمة

لقد شهدت القرون الوسطى الأوروبية لقاءً غريبًا بين الفلسفة واللاهوت المسيحي من جانب، والفلسفة والعلوم العربية من جانب آخر، هذا بفضل اللقاح الفكري الذي حدث في الفكر الأوروبي على أثر وصول النصوص اليونانية المترجمة إلى اللاتينية من العربية، المصحوبة بتفاسير وتعليقات فلاسفة الإسلام، وأيضًا ببعض نصوص هؤلاء الفلاسفة أنفسهم.

ولحركة الترجمة من العربية إلى اللاتينية خطورة كبرى لتحديد وتقييم مدى تأثير التراث القديم والتراث العربي والإسلامي عندما وصل إلى مفكري المسيحية في ربوع أوروبا ومراكز ثقافتها، هذا مع العلم بأن العربية المترجمة لم تنته إلى الغرب اللاتيني دفعة واحدة، بل على دفعات متوالية أتت كل منها على طابعها الخاص.

وهناك نوعان أساسيان من هذه الترجمات؛ أولًا: تلك التي تُرْجِمَت رأسًا من النص العربي الأصلي، وهي عادة أُنْجِزَت في القرنين الثاني والثالث عشر، والنوع الثاني: هي التي تُرْجِمَت عن الترجمات العبرية التي قام بها مترجمون يهود بخاصة في آخر القرن الثالث عشر والقرنين الرابع والخامس عشر، والتي انتهت إلى الطبعة الشاملة لجميع مؤلفات ابن رشد التي وصلت إلى العالم الغربي (بخاصة طبعة البندقية apud Junctas).

ونخصص بحثًا لكل واحد من هذَين النوعَين من التراجم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤