الباب الرابع

أثر ابن رشد في الغرب في العصر الوسيط

الرشدية اللاتينية
أدرك فجر القرن الثالث عشر في أوروبا الغربية أوجه، وكان نقطة انطلاق لعهد جديد، فقد سجَّل البابا إينوشانسيوس الثالث Innocentius III (١١٩٨–١٢١٦) انتصار البابوية والكنيسة في نضالها مع الإمبراطورية الجرمانية، وكان لنشأة القوميات ولتقوية السلطة الملكية في بعض بلاد أوروبا أثر محسوس في توحيد الصفوف واستتباب السلام الداخلي.
لقد استولى الصليبيون على القسطنطينية إثر مغامرة مشئومة سنة ١٢٠٤، وأسسوا الإمبراطورية اللاتينية الشرقية، فانفتحت عيون الغربيين على مراكز الثقافة القديمة اليونانية والهلينيستية، ومن وجه آخر حقَّق ازدهار المدن الحرة والطوائف المهنية للمجتمع انتعاشًا ماديًّا، وخلق للمثقفين جوًّا ملائمًا للدراسات العليا، وتأسَّست أولى الجامعات في باريس وبولونيا Bologne وأكسفورد Oxford ونابولي، فأعطت للحركة العلمية دفعًا قويًّا، كما أن تأسيس المؤسسات الرهبانية الجديدة مثل الدومينيكان والفرنسسكان ساهم في تكاثر مراكز البحوث، ومدهم بعدد كبير من أشخاص منقطعين للعلم والدراسة، وأخيرًا ازدادت الاتصالات بين الغرب والعالم العربي وثقافتهما.
وقد أصاب المجتمعَ المثقفَ المسيحي في القرون الوسطى نوع من التوتر الذهني الذي يلازم دائمًا فترة الانتقال إلى النضوج الفكري، أو بتعبير آخر: «أزمة نمو» crise de crissance، فلأول مرة في تاريخه كتب له أن يواجه وجهًا لوجه المذهب الأرسطي، وهو مذهب ينظر إلى العالم نظرة طبيعية محضة بعيدة كل البعد عن الحقائق الدينية المنزَّلة، وقد كان حتى القرن الثاني عشر المذهب الأغسطيني محور التفكير المسيحي، وهو قد استطاع أن يوائم المسيحية مع الأفكار الأفلاطونية الحديثة المتوجهة نحو التأمل الديني والحياة الروحية، ولكن لأرسطو موقف آخر ونزعات من شأنها أن تثير عند المؤمن الشك والمخاوف، فنظرته التجريبية إلى العالم والحياة كانت تبدو وكأنها تنكر العالم الروحي المتعالي والإيمان الصرف، فإذا كان المنطق الأرسطي عندما وصل إلى الغرب في القرن الثاني عشر قد أثار عاصفة في الأوساط العلمية، فكم كان متوقعًا أن تحدث هزات عنيفة عندما يدخل في ميدان اللاهوت التقليدي تعليم أرسطو الميتافيزيقي والطبيعي.

فلم يكن مندوحة من التصادم، على الأقل في بداية اللقاء، قبل أن يستطيع كبار المسيحيين من تصفية المذهب الأرسطي وتجنيده لخدمة الإيمان والدين.

ومنذ القرن الثاني عشر كانت المدارس الكبيرة في فرنسا تحظى بشهرة واسعة في جميع أنحاء أوروبا، بحيث أن أصبحت باريس — في آخر القرن الثاني عشر — العاصمة الفكرية للمسيحية، على الأقل فيما يخص الفلسفة واللاهوت، وسرعان ما كانت الأفكار التي كانت تناقش في جامعة باريس أن تنتشر في الخارج وتسيطر على الأذهان في أوروبا المسيحية

وقد ذكرنا فيما سبق أن الدراسات الحديثة قد أثبتت أن الترجمات اللاتينية لمعظم آثار أرسطو كانت في متناول القراء اللاتين سنة ١٢٠٠، فكان الأورغانون مترجمًا بأجمعه، فكان «المنطق القديم» Logica vetus يُتداول في أيدي العلماء منذ أيام «بوئيس» أي في القرن السادس، وانتشر المنطق الجديد Logica nova في القرن الثاني عشر مع جزء كبير من الطبيعيات وأربع الكتب الأولى من الميتافيزيقا وجزء من الأخلاق النيقوماخية، وزد على ذلك بعض كتب الكندي والفارابي ومؤلفات ابن سينا، أما ابن رشد فقد ذكرنا أن أول دخوله في أوروبا كان قبل ١٢٣٠ بقليل.
وجاء تعليم ابن رشد مؤكدًا ومعززًا لمذهب أرسطو فاستُقْبِلَ بحماس، وابتدأت آراؤه تنتشر في الأوساط العلمية، واعتُبِرَ — كما كان شأنه عند علماء اليهود — «المفسر» بمعنى الكلمة Commentator مما أثار مخاوف السلطات الكنسية في باريس، فشرعت باتخاذ إجراءات شديدة لتحريم تعليمه في الجامعة بدون تنقيح، وفي سنة ١٢١٠ أصدر أسقف باريس أمرًا بمنع تعليم النصوص الأرسطية الخاصة بالميتافيزيقا والعلوم الطبيعية وتفاسيرها، وإلا يُحْكَم على مَنْ يخالف الحرمان، وفي سنة ١٢١٥ أُعيد هذا الحظر وأُضيف إليه اسمان: دافيد دي دينان David de Dinant وأموري دي بين Amaury de Bène مع مشاركة شخص ثالث اسمه موريسيوس الإسباني  Mauricius Hispanus، وقد ظنَّ البعض أن موريسيوس هذا هو ابن رشد، ولكن قد رجَّحت الدراسات الحديثة أن هذا من غير المحتمل.
وعلى كلٍّ، ابتدأت أفكار ابن رشد تنتشر في بعض الأوساط وتجد لها أنصارًا، وقد استفحل الأمر لدرجة أن أسقف باريس إتيين طامبييه Etienne Tempier أصدر في العاشر من ديسمبر ١٢٧٠ قائمة مكونة من ثلاثة عشر قضايا اعتُبِرَت «رشدية» averroiste تستوجب الحظر، وفي فترة لاحقة في سنة ١٢٢٧ ارتفع عدد القضايا المحظورة إلى ٢٢١، وقام ألبرت الكبير وتوما الأكويني بكتابة — كل منهما — رسالة لدحض الرشدية؛ الأول: في رسالة اسمها «في وحدة العقل ضد الرشديين» De Unitate intellectus contra averroistas، والثاني: في رسالة اسمها «المسائل الخمسة عشر» De XV problematibus.

وقد كانت أهم مآخذ اللاهوتيين على الرشديين اللاتين قولهم بوحدة العقل المنفعل لجميع البشر بالنوع وبالعدد وما يلزم عنها من استحالة الخلود الشخصي، فإذا انحلَّ الجسد لدى الوفاة عاد العقل إلى حالته الأولى من الوحدة، أما الفرد من حيث هو عقل وجسد فلا بقاء له بعد الموت.

ولم يقتصر الأمر على باريس فحسب بل وصل إلى إيطاليا، فذهب عدد من «المفكرين المتحررين» إلى أن الله هو مجرد المحرك الأول للعالم، وأن ما يحدث في العالم المادي والروحي والشخصي والاجتماعي ليس هو إلا من أثر الفلك، ومجموع هذه الآراء المنحرفة الخاصة بعدم خلود النفس والحتمية الفلكية واللا أخلاقية، وعدم العناية الإلهية بالفرد … إلخ وُصِمَ «بالرشدية» averroisme، وقد تسرَّبت هذه الآراء إلى بعض فئات من الشعب بحيث أصبحوا لا يبالون بالقيم الدينية والأخلاقية (انظر رينان ص).

وإزاء هذا النوع من «الرشدية اللاتينية» المتطرفة كان هناك نوع من الرشدية المعتدلة التي اعتمدها ألبرت الكبير وتوماس الأكويني، فهما يرفضان في مذهب ابن رشد كل ما يخالف العقيدة الدينية، ولكن يستعينان به في بعض مسائل فلسفية مثل خلق العالم وفي منهجه في التفسير لنصوص أرسطو؛ لأنهما يعتقدان أن فلسفة أرسطو — التي كان ابن رشد من خير مفسريها — قابلة للانسجام مع العقيدة الدينية على شرط أن تُطهَّر مما يشوبها من أخطاء.

وهناك كان مذهب رشدي آخر ألا وهو الذي ذهب إليه سيجير دي برابان Siger de Brabant البلجيكي الذي كان أستاذًا في كلية العلوم والفنون، جاء إلى باريس سنة ١٢٦٠، وعُلِّمَ في جامعتها الفلسفية، وهو لم يحاول أن يتمثَّل المذهب الرشدي، بل توخَّى في تعليمه أن يقدِّم الفلسفة الأرسطية الرشدية بحذافيرها كما وجدها في أيامه بالرغم مما فيها من مخالفة للتعليم الديني، مع العلم بأنه كان يقر صراحة بأن التعليم الديني هو الذي يملك الحقيقة، نعم، لم يقل «بالحقيقة المزدوجة» la double verité ولكنه صرَّح أنه من الممكن أن يؤدي البرهان العقلي إلى نتيجة تخالف العقيدة الدينية، وهذا ما يميز هذا النوع من الرشدية اللاتينية.
لقد أدانته السلطة الكنيسة سنة ١٢٧٧، فاختفى من المسرح الجامعي، كما توقَّف أيضًا من التعليم رشدي آخر بؤئيس دي داسي Boèce de Dacie.
وقام دفاعًا عن الرشدية الراهب الكرملي جيوفاني باكونتورب Giovanni Baconthorpe من المتخصصين في الرشدية، وقد لُقِّبَ برئيس الرشديين Averroistarum princeps والفرنسكاني جيوفاني دي ريباترانسوني Giovanni de Ripatransone وهنري دي هاركلي Henri de Harclay الذي كان أستاذًا في جامعة أكسفورد.
وفي النصف الأولى من القرن الرابع عشر يمكننا أن نذكر في باريس كمدافع عن الرشدية: جان دي جاندان Jean de Jandun الذي حاول أن يجدد ويؤكد التضاد بين العقل والإيمان على غرار ما ذهب إليه سيجير Siger، وهناك أيضًا بعض علماء من إنجلترا الذين كان لهم نزعة رشدية مثل توماس دي ويلتون Thomas de Wilton وبارلي Burleigh، وقد اتصلت بهما مجموعة العلماء الرشديين التي أُنْشِئَت في جامعة بولونيا Bologne في أوائل القرن الرابع عشر مثل: أنجلو دي أريزو Angolo di Arezzo وأربانو دي بولونيا Urbano di Bologna وتاديئو دا بارما Taddeo da Parma.
ومن مناهضي الرشدية اللاتينية يجب أن نذكر إيجيديوس رومانس أي جيل دي روم Aegidius Romanus (= Gilles de Rome) الذي سنتكلم عنه بعد قليل، وريمون لول Raymond Lull المتوفَّى سنة ١٣١٥ الذي حمل عليه حربًا شعواء وألَّف ضده عدة كتب.
وكان من أشهر المراكز المهتمة بالرشدية اللاتينية مركز في جامعة بادوا Padoa أنشأه بييترو دابانو Pietro d’Abano، وقد استمر نشاط المركز لغاية القرن السابع عشر، وحاول ببيترو بومبونازي Pietro Pomponazzi أن يجدد النزعة الرشدية بربطها بأفكار إسكندر الأفروديسي فسمَّى مذهبه بالمذهب الإسكندراني Alexandrisme، وضد هذا التيار ذات النزعة المادية قام تيار آخر بحث في الباباليون العاشر وبقيادة أغسطينو نيفو Agostino Nifo، وهذا التيار الجديد كان مبنيًّا على آراء الشارح الروحي لأرسطو سنبلقيوس Simplicius ويقر بأن ابن رشد في مذهبه الخاص بوحدة العقل لم ينفِ روحية النفس الإنسانية وعدم فنائها.
وفي عصر النهصة ظهر — كما قلنا سابقًا — عدد من تفاسير لابن رشد وأرسطو، غير أن الروح الجديدة «الإنساوية» humaniste كانت تفضل أن تتجه نحو أرسطو اليوناني لا بقصد أخذه كمرشد فكري بل بغية التبحر العلمي، أما الرشدية الأصلية فقد احتفظت بين فلاسفة اليهود مثل ليفي بن جيرسون Levi ben Gerson وإليا دي مديغو Elia de Medigo في بدوا Padoa.

المراجع

قد أشرنا مرارًا إلى الكتاب التاريخي لرينان «ابن رشد والرشدية»، وأبدينا رأينا فيه (انظر ص٥٦) وقد حذا حذوه الأب ماندونيه Mandonnet الدومينكي في كتابه التاريخ «سيجير دي برابان والرشدية اللاتينية»، والطبعة الثانية أهم من الأولى وفيها إضافات هامة خاصة من نصوص لممثلي الرشدية اللاتينية.
غير أنه لا بد من الرجوع إلى البحوث الجديدة لباحث معاصر أستاذ في جامعة لوفان وهو فان ستينبرجن Van Steenberghen الذي نشر نصوصًا عديدة لسيجير، ودرس بعمق الظروف التي عاش فيها، وقد انتقد موقف رينان وماندونيه، انظر كتبه الهامة في القائمة المثبوتة بعد هذا البحث.
ويستطيع القارئ أيضًا الرجوع إلى دائرة المعارف الفلسفية الإيطالية Enciclopedia Filosofica فسيجد فيها نبذًا دقيقة عن كل اسم ومذهب ورد في بحثنا.
وإتمامًا لعرضنا للرشدية اللاتينية، رأينا أن ننشر فيما يلي ما كان يُؤخذ على ابن رشد من الأخطاء أو بالأحرى من «الضلالات»، كما وردت في كتاب جيل دي روم الملقب بضلالات الفلاسفة De Error philosophorum، وأول مَنْ نشر النص الأب ماندونيه وأعاد طبعه بطريقة أدق ومحققة الأستاذ يوسف كوخ، وترجمه إلى الإنجليزية الأستاذ جون ريدل: Giles of Rome Errores philosophorum. Critical text with notes and Introduction by Joseph Koch; English translaton by John O. Riedl Marquette University Press, Milwaukee, Wisconsin, 1944.
Capitulum IV
De collectione errorum Averrois
Commentator autem omnes errores Philosphi asseruit imo cum majori pertinencia, et magis ironice locutus est contra ponentes mundum incepisse quam Philosophus fecerit. Immo sine comparatione plus est ipse arguendus quam Philosophus, quia magis directe fidem nostram impugnavit, ostendens esse falsum cui non potest subesse falsitas, eo quod innitatur Primae Veritati.
  • (1)
    Praeter tamen errores Philosophi arguendus est, quia vituperavit omnem legem, ut patet ex II° et XI°, ubi vituperat legem Christianorum, sive legem nostram Catholicam et etiam legem Sarracenorum quia ponunt creationem rerum, et aliquid posse fieri ex nihilo. Sic etiam vituperat in principio III° Physicorum, ubi vult quod, propter contrariam consuetudinem legum, aliqui negant principia per se nota, negantes ex nihilo nihil fieri, quod peius est, nos et alios tenentes legem, derisive appellat loquentes, quasi garrulantes, vel garrulatores, et sine ratione se moventes. Et etiam in VIII° Physicorum vituperat leges, et loquentes in lege sua appellat voluntates, eo quod asserant aliquid posse habere esse post non esse. Appellat etiam hoc dictum voluntatem, ac si esset ad placitum tantum et sine omni ratione. Et non solum semel et bis, sed pluries in eodem VIII°, contra leges creationem asserentes ut talia prorumpit.
  • (2)
    Ulterius erravit in VII° Metaphysicae, dicens quod nullum immateriale transmutat materiale, nisi mediante corpore in transmutabili, propter quod angelus non posset unum lapidem hic inferius movere. Quod et si aliquo modo sequi posset ex dictis Philosophi, ipse tamen non adeo expresse hoc negavit.
  • (3)
    Ulterius erravit dicens, in XII° Metaphysicae, quod potentia in productione alicuius non potest solum in agente, vituperans Johannem Christianum, qui hoc asseruit. Est enim contra veritatem hoc, et contra Sanctos, quia in aliquibus factis tota ratio facti est potentia facientis.
  • (4)
    Ulteius erravit dicens, in eodem XII°, a nullo agente posse progredi immediate diversa et contraria, et ex hoc vituperat loquentes in tribus legibus, scilicet Christianorum, Sarracenorum et Judeorum qui hoc asserebant.
  • (5)
    Ulterius erravit in dicto XII°, dicens quod omne substantiae intellectuales sunt aeternae et actio pura, non habentes admixtam potentiam. Cui sententiae ipsemet, a veritate coactus, contradicit in III° De Anima, dicens nullam formam esse liberam a potentia simpliciter, nisi formam primam; nam omnes aliae formae diversificantur et essentia et quidditate, sicut ipsemet subdit.
  • (6)
    Ulterius erravit, in dicto XII° dicens Deum non sollicitari nec habere curam sive providetniam individuorum hic inferius existentium adducens pro ratione quia hoc non est conveniens divinae bonitati.
  • (7)
    Ulterius erravit negans trinitatem in Deo esse, dicens, in dicto XII°, quid aliqui putaverunt trinitatem in Deo esse et voluerunt evadere per hoc et dicere quod sunt tres et unus Deus et nesciverunt evadere quia cum substantia fuerit numerata, congregatum erit unum per unam intentionem additam. Propter quod secundum ipsum si Deus esset trinus et unus sequeretur quod esset compositus quod est inconveniens.
  • (8)
    Ulterius erravit dicens Deum non cognoscere particularia quia sunt infinita ut patet in Commentario suo super illo capitulo: Sententia patrum etc.
  • (9)
    Ulterius erravit quia negavit omnia quae hic inferius aguntur reduci in divinam sollicitudinem sive in divinam providentiam sed secundum ipsum aliqua proveniunt ex necessitate materiae absque ordine talis providentiae quod est contra Sanctos.; quia nihil hic agitur quod penitus effugiat hunc ordinem quia omnia quae hic aspicimus vel divina efficit providentia vel permittit.
  • (10)
    Ulterius erravit quia posit intellectum numero in omnibus hominibus ut ex III° De Anima patet.
  • (11)
    Ulterius, quia ex hoc sequebatur intellectum non esse formam corporis ideo dixit in eodem III° quod aequivoce dicebatur actus de intellectu et aliis formis propter quod cogebatur dicere quod homo non reponeretur in specie per animam intellectivam sed per sensitivam.
  • (12)
    Ulterius ex hoc fundamento posuit quod ex anima intellectiva et corpore non constituebatur aliquod tertium et quod non fiebat plus unum ex tali anima et corpore quam ex motore coeli et coelo.
Capitulum V. In quo summatim recolliguntur dicti errores
Omnes autem errores Commentatoris praeter errores Philosophi sunt hi:
  • (1)
    Quod nulla lex est vera, licet possit esse utilis.
  • (2)
    Quod angelus nihil potest movere immediate nisi coeleste corpus.
  • (3)
    Quod angelus est actio pura.
  • (4)
    Quod in nulla factione tota ratio facti est potentia facientis.
  • (5)
    Quod a nullo agente possint simul progredi diversa.
  • (6)
    Quod Deus non habet providentiam aliquorum particularium.
  • (7)
    Quod in Deo non est trinitas.
  • (8)
    Quod Deus non cognoscit singularia.
  • (9)
    Quod aliqua proveniunt ex necessitate materiae absque ordine divinae providentiae.
  • (10)
    Quod anima intellectiva non multiplicatur multiplicatione corporum, sed est una numero.
  • (11)
    Quod homo reponitur in specie per animam sensitivam.
  • (12)
    Quod non fit plus unum ex anima intellectiva et corpore quam ex motore coeli et caelo.

ترجمة النص اللاتيني السابق:

الفصل الرابع: في مجموعة أخطاء ابن رشد

أما «المفسر»١ فهو قد أقر جميع أخطاء «الفيلسوف»٢ بل بإصرار أشد، وقد تكلم أكثر مما فعل «الفيلسوف» ضد الذين يقرون أن للعالم بداية، حقًّا يجب أن يدحض أكثر بكثير مما يدحض «الفيلسوف»؛ لأنه هاجم إيماننا بطريقة أكثر مباشرة، مدعيًا أنها باطلة حيث لا يمكن أن يكون بطلان؛ إذ إنه مبني على الحقيقة الأولى.
  • (١)

    وزيادة على أخطاء «الفيلسوف» يجب أن يُدْحَضَ؛ لأنه عاب على كل شريعة كما يتضح في الكتاب الثاني والكتاب الحادي عشر من الميتافيزيقا حيث يذم شريعة المسيحيين وهي شريعتنا الكاثوليكية، بل أيضًا شريعة المسلمين؛ لأنهم يقولون بخلق العالم وإنه من الممكن أن يُخْلَقَ شيء من العدم.

    كما أنه هاجم أيضًا [الشريعة] في بداية الكتابة الثالث من الطبيعيات حيث يقول: إن البعض — خلافًا لعادة الشرائع — ينفون المبادئ البديهية، فينفون أن شيئًا يمكن أن يُخْلَقَ من العدم، بل ما هو أسوأ يسمينا باحتقار نحن والذين يتمسكون بالشريعة «متكلمين» أي ثرثارين بدون عقل.

    وفي الكتاب الثامن من الطبيعيات يعيب الشرائع ويسمي أنصارها «إرادات»؛٣ لأنهم يقرون أنه من الممكن أن يُخْلَقَ شيء من العدم، ويسمي أيضًا هذا القول «إرادة» كما لو كانت جزافًا مجردًا ليست مبنية على أي سبب، وهو يهاجم الشرائع القائلة بالخلق لا مرة أو مرتين بتلك الهجومات بل ينفجر عليها مرارًا.
  • (٢)

    ثم أخطأ في الكتاب الثامن من الميتفايزيقا، فقال: إن غير المادي لا يغير المادي إلا بواسطة جسم غير قابل للتغير؛ ولذا لا يستطيع ملك أن يحرك حجرة في هذه الدنيا، وبالرغم من أن هذا القول يمكن أن يستخرج من كلام «المفسر» إلا أنه لم يصرح به على هذا الشكل.

  • (٣)
    ثم أخطأ في الكتاب الثاني عشر من الميتافيزيقا عندما قال: ليس من الممكن عندما تحدث قوة شيئًا أن تكون فقط في الفاعل، وهو يلوم يوحنا المسيحي٤ الذي ذهب إلى هذا القول، وهذا يخالف الحقيقة ويخالف ما قاله القديسون: إن كل سبب الحادث في بعض الحوادث هو قوة الفاعل.
  • (٤)

    ثم أخطأ في نفس الكتاب الثاني عشر عندما قال: إنه ليس من الممكن أن يخرج من فاعل ما مباشر أشياء مختلفة ومضادة؛ ولذا لام متكلمي الشرائع الثلاثة من مسيحيين ومسلمين ويهود؛ لأنهم قالوا بهذا.

  • (٥)

    ثم في نفس الكتاب الثاني عشر أخطأ عندما قال: إن كل الجواهر العقلية قديمة وفعل صرف وليست ممتزجة بالقوة، وقد أجبرته الحقيقة أن يخالف نفسه عندما قال في الكتاب الثالث من كتاب النفس: إنه لا يوجد أي صورة متحررة بالإطلاق عن المادة إلا الصورة الأولى، إذ إن جميع الصور الأخرى تتنوَّع بالذات وبالماهية كما ذكر بذلك هو نفسه.

  • (٦)

    ثم أخطأ عندما قال في الكتاب الثاني عشر المذكور أن ليس لله اهتمام ولا عناية بالأفراد الموجودين في هذه الدنيا، مدعيًا أن هذا غير ممكن وغير لائق بالجود الإلهي.

  • (٧)

    ثم أخطأ عندما نفى وجود الثالوث في الله، فقال في الكتاب الثاني عشر: إن البعض ظن الثالوث موجودًا في الله، وحاولوا أن يتهربوا [من الصعوبة] فقالوا: إنهم ثالوث وإله واحد، لم يعرفوا أن يتهربوا؛ لأن الجوهر عندما يتعدد يكون الواحد قد اجتمع بمعنى مضاف؛ ولذا — حسب قوله هو — إذا كان الله ثلاثة وواحدًا فيكون مركبًا وهذا غير مقبول.

  • (٨)

    ثم أخطأ عندما قال: إن الله لا يعلم الجزئيات؛ لأنها غير متناهية كما هو واضح في تفسيره في الفصل المعنون: «قول الآباء … إلخ».

  • (٩)

    ثم أخطأ لأنه نفى أن كل ما هو موجود في هذه الدنيا يرجع إلى العطف الإلهي أي العناية الإلهية، فهو قد أقرَّ أن بعض الأشياء تصدر من حتمية المادة بدون نظام هذه العناية، وهذا يخالف تعليم القديسين؛ لأنه لا يحدث شيء في هذه الدنيا يهرب تمامًا من هذا النظام؛ لأن كل ما نراه في هذا العالم إما أن تكون العناية الإلهية أحدثته أو أذنت به.

  • (١٠)

    ثم أخطأ لأنه قال بأن العقل واحد بالعدد في جميع البشر كما هو واضح في الثالث من كتاب النفس.

  • (١١)

    ثم لأن من هذا يلزم أن العقل لا يكون صورة الجسد، قال في نفس الثالث من كتاب النفس: إن كلمة «فعل» تُسْتَعْمَل بطريقة مشتركة عندما تُطْلَق على العقل والصور الأخرى؛ ولذا اضطر أن يقول: إن الإنسان لا يندرج تحت النوع بالنفس العقلية بل بالنفس الحسية.

  • (١٢)

    ثم بناءً على هذا المبدأ، قال: إن من النفس العقلية والجسد لا يتكوَّن شيء ثالث، وإن اتحاد تلك النفس بالجسد لا يكون أكثر وحدة من اتحاد محرك السماء بالسماء.

الفصل الخامس: حيث تجمع بطريقة مقتضبة الأخطاء المذكورة

جميع أخطاء ابن رشد ما عدا أخطاء «الفيلسوف» [أي أرسطو] هي الآتية:
  • (١)

    ليس هناك تشريع حق، مع إمكانه أن يكون مفيدًا.

  • (٢)

    لا يستطيع الملك أن يحرِّك مباشرة إلا الجسم السماوي.

  • (٣)

    إن الملك فعل محض.

  • (٤)

    لا يكون في أي تكوين قوة الفاعل هي العلة الكاملة للشيء.

  • (٥)

    ليس من الممكن أن تصدر من أي فاعل في نفس الوقت آثار مختلفة.

  • (٦)

    ليس لله عناية بالأفراد.

  • (٧)

    لا يوجد في الله ثالوث.

  • (٨)

    إن الله لا يعلم الجزئيات.

  • (٩)

    إن بعض الأشياء تصدر من حتمية المادة بدون نظام العناية الإلهية.

  • (١٠)

    إن النفس العقلية لا تتعدَّد بتعدُّد الأجسام بل هي واحدة بالعدد.

  • (١١)

    إن الإنسان يندرج تحت النوع بواسطة النفس الحسية.

  • (١٢)

    ليست وحدة اتحاد النفس العقلية بالجسد أكمل من وحدة اتحاد محرك السماء بالسماء.

١  يعني ابن رشد.
٢  يعني أرسطو.
٣  هذه هي الترجمة الحرفية للكلمة اللاتينية voluntates لعلها هي تحريف لكلمة involventes، بمعنى: غط، لف، غشى، ويكون المعنى عندئذ: «الذين يخفون معاني القرآن»، انظر طبعة كوخ Koch ص١٧ هامش ٤٢.
٤  هو يحيى النحوي، أي فبلويونس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤