الفصل الثلاثون

ملف: «محاورات مع المرأة المصرية»

(١) المرأة المشكلة

جرت العادة أن يُدلِّل الكُتَّاب المرأة — إلا طالب الاستشهاد منهم ذلك الذي يُعاديها — ويُدلِّلونها نفس التدليل الفاسد الذي ندلل به أطفالنا؛ فالحق معها سواء كانت محقَّة أو محقوقة. وأنا مع تدليل المرأة، حتى ذلك النوع من التدليل؛ لأنها في رأيي زهرة، زهرة الحياة بكل بهيجِ ألوانِها، والزهرة تُدللها الطبيعة بنَدى الصباح، بالفراشات المِلاح تنقل رسائل الغرام بينها، بالإنسان حين يَصنع منها باقة ويُعامِلها بأرقِّ الرقة، أنا مع تدليل المرأة، ولكني أيضًا مع شيء آخر، هو ألا تُدلَّل فقط، ولكن أن تفعل مثلما تفعل الأم الطبيعة أو الأم الإنسانة في بلاد أخرى كثيرة، وتُكسِبها بجوار الدلال «شخصية» قوية تستطيع أن تصمد بها في الحياة. إنَّ المرأة عندنا لا تبدأ تُدرِك أنَّ الحياة وَعِرة ومُخيفة إلا في السن الثلاثين أو الأربعين — وهذه سن متأخِّرة جِدًّا — والإنسان حين يَصطدِم بالحياة يلجأ في حلِّ هذا الصدام أو النجاة منه إلى ثقافته المكتسَبة، وحين تدرك المرأة عندنا الورطة التي وجدت نفسها فيها تهرع إلى ثقافتها المكتسبة، فلا تجد عندها شيئًا يَكاد يُذكَر، وحينذاك تهرع إلى ثقافتها المختزنة أو تَجري مباشرةً إلى أمها التي لا تملك هي الأخرى إلا معارف الجدة والجيران والتقاليد.

وفي الأرياف ينجح هذا الأسلوب؛ لأن المشاكل هناك أبسط، والرجل هو الآخر غير متفوِّق كثيرًا على المرأة في درايته بالحياة، بل ربما العكس هو الصحيح.

وفي الطبقات الغنية جِدًّا لا توجد مشكلة؛ لأنَّ حل المشكلة: خلاص … «نسيب بعض» و«يسيبوا» بعض فعلًا، وانتهينا؛ فالوضع المادي المرتفع يُتيح لأيٍّ من الأبوين أن يَحتضن الأولاد وينفق عليهم.

المشكلة هي في الطبقات المتوسِّطة، العاملات في المصانع، المدرِّسات، الطبيبات، الحكيمات، النساء اللاتي لا يعملْن ومن يُسمُّونهن ربات البيوت، هؤلاء غير القادرات على الانفصال وغير القادرات على البقاء، وغير القادرات على المُضيِّ في الشوط إلى نهايته.

حينذاك ترضخ المرأة، وتَنكسِر إرادتها، ومعنى انكسار إرادتها أنها تحوَّلت إلى إنسان مربوط الجناح، «يؤدي» ما عليه أداء الواجب، وتَكتسِب المرأة هذه النظرة الشجية الحزينة الغريبة التي أُسميها «طابع نظرة المرأة في شرقنا الحزين».

•••

وأنا أقول … إذا كان الرجل يعاني من الظلم في مجتمعنا.

فالمرأة تعاني من ظلمَين في وقت واحد، الظلم الذي يعاني منه الرجل ثُمَّ الظلم الذي ينالها من الرجل المظلوم.

فلماذا تستكين المرأة المصرية لهذَين الظلمَين؟

ذلك هو السؤال الذي يؤرِّق بالي.

لماذا لا تُحقِّق إرادتها وليَكُن ما يكون؟

أهناك شيء يَبقى بعد انتزاع حرية الإنسان في اتخاذ قرار، وتحقيق ذاته؟

أم إن الخوف الذي قد تُعاني منه بعضهنَّ من الدنيا في خارج عالَمها أكثر تأثيرًا في نفسها من المذلَّة التي تُعانيها كل يوم؟

حبَّذا لو جاءتني بعض الردود المدروسة لنَستطيع أن نُناقش هذه الفكرة التي تُشكِّل عقدة العقد بالنسبة للمرأة.

كنت أقطن ذات مرة — وأنا طالب في ثانوي — في منزل قريب من المدرسة، وكان يتكوَّن من الزوج والزوجة والحماة (أم الزوج) وكانت — والحقُّ يُقال — حماةً قاسية غاية ما تكون القسوة، وكان يبدو أن أهل الزوجة بعيدون أو لم يَعُد لها أقرباء أحياء، فكانت تتحمَّل هذه القسوة بتقبُّلٍ ذليل، قد تَطفح لها ذات يوم دمعة، ولكنها تحتمل والسلام.

وذات يوم عُدت من المدرسة فوجدت المنزل مقلوبًا رأسًا على عقب؛ ذلك أن «زينب» وكان هذا هو اسم الزوجة، قد رحلت … إلى أين؟ لا أحد يدري.

وانتشر أقرباء الزوج والحماة في كل شارع واتجاه يبحثون عن زينب.

وأخيرًا وجدوا زينب في قرية في مُنتصَف الطريق إلى طنطا.

وكانت عودة ولا عودة نابليون إلى عرشه.

ومن يومها عرَفَ كلٌّ حدوده.

ولم تُصبح زينب أبدًا بعد هذا ذلك الكمَّ المهمل.

فلماذا تستكين بعضُ النساء للظلم سواء الواقع عليهنَّ من رجالهن أو من المجتمع؟

لماذا؟

(٢) ناقصات العقل والدين!

أحقًّا كان هذا قصد الرسول الكريم حين قال: «النساء ناقصات عقل ودين»؟

أبدًا لا أعتقد أن مُحَمَّدًا العظيم كان يقصد المعنى الذي استُغلَّ به هذا الحديث أبشع استغلال.

أقول هذا وعندي من الأحاديث الشريفة ما يُثبت أن الرسول صلوات الله عليه وسلامه كان يُكنُّ للمرأة احترامًا لا يقلُّ أبدًا عن احترامه للرجل. أليس هو القائل عن عائشة رضي الله عنها هذا الحديث: «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء.»

والسيدة عائشة امرأة بالطبع، فإذا كان النبي الكريم نفسه يقول خذوا نصف دينكم عن عائشة، أليس في هذا إعلان واضح لا لبس فيه عن أعظم تقدير ممكن أن يكون لكائن بشري؟ ألا يكفي هذا دليلًا على أن الإسلام كعقيدةٍ يَعترف للمرأة بحقها في الوجود وبحقِّها في المساواة التامة بالرجل، بحقها في أن تعمل، وتتعلم، وتعلم؟!

إذن فأولئك الذين يزايدون باسم الإسلام ويحكمون على المرأة بما صوَّرت لهم عقولهم الغبية الضيقة الأفق في الخرافات، لا يتحدثون باسم الإسلام أبدًا، إنما هم يتحدثون عن رأيهم هم في قضية المرأة؛ إذ إن الإسلام كدين بريء تمامًا من أيَّة إساءة أو نَيل من شأن المرأة، وإذا كان التشريع الإسلامي قد جعل للمرأة نصفَ ما يَرِثه الرجل، فهذا لحكمة اقتصادية يعرفها الجميع، وإذا كانوا في إنجلترا لا يُفرِّقون بين البنات والأولاد فقط في الميراث، بل التشريع البريطاني يجعل الطفل الأول هو الذي يرث ثروة والده ولقبه ويُحرَّم على بقية إخوته وأخواته الميراث تمامًا، ألا يُعتبر التشريع القرآني أكثر عدالةً بكثيرٍ من التشريع الوضعي البريطاني الذي يُعتبَر أكثر التشريعات الغربية تقدُّمًا وتطوُّرًا.

إذن الحكم على المرأة كجنس بهذه التفسيرات الخاطئة، واستعمال كلمة أو حديث شريف استعمالًا لم يأخذ في اعتباره الظروف التي قيل فيها والأسباب التي أدَّت لهذا القول، كل هذا الأشياء للأسف ما كانت لتَحدُث لولا أننا مجتمع شرقي رجالي محْض، لا تلعب المرأة فيه أي دور أو يعهد إليها أحيانًا ببعض الأدوار الثانوية لتُصبح جزءًا من الديكور العام الخادع لمجتمع يريد أن يثبت للعالم أنه متحضِّر ومتقدِّم.

ولنقرأ معًا هذه الفقرة من الخطاب الهام الذي وصلني ضمن بريد هذا الأسبوع:

اعتبرني من «الأغلبية الصامتة» التي تحدَّثتَ عنها في أحد أبوابك، ويُهمني أن أُوضِّح لسيادتك أن صمت المرأة في مجتمعنا يكون غالبًا عن يأس، يأس من قُدرتها على تغيير وضعها وواقعها، ولذلك فالمرأة غالبًا ما تقف في الظلِّ، في جانب الأغلبية الصامتة اليائسة من التغيير، التغيير الذي أَعنيه هو تغيير فكر الرجل في مجتمعها؛ فبالرغم من النموِّ الحضاري الهائل الذي يَشهده عالمنا والذي يؤثِّر في مجتمعنا بصورة عميقة ومباشرة، هذا التغيير الذي يستتبع بالضرورة تطوُّرًا في الأنماط الفكرية السائدة كي يَجعلَها مَرِنةً ومُتجاوِبة مع روح العصر.

هذا التطور يُعطي للمرأة مكانتها التي هي جديرة بها؛ فالمرأة اليوم، وفي مجتمعنا المصري بالذات، تكافح كفاحًا عظيمًا، لا أبالغ إن قلت إنه حتى المرأة الأوروبية التي سبقتنا لا تقوم بمثل ما تقوم به المرأة العاملة عندنا؛ فهي تعمل وفي نفس الوقت تحمل فوق كتفيها مسئولية أسرة كاملة، بينما الزوج يحتفظ لنفسه بحق السيادة وليس عليه إلا أن يدرَّ دخلًا للأسرة ليجلس بعد هذا مُستريح الضمير، بينما زوجته عائدة من عملها في خارج المنزل لتُقابل لدى عودتها عملًا إضافيًّا لا يقلُّ خطورةً وأهميةً عن عملها بالخارج.

هذا جزء يسير من خطاب الآنسة «هالة توكل»، والذي كنتُ أودُّ لو كانت المساحة تسمَح بنشره كاملًا.

ولقد اخترت هذه الفقرة لأنها تفتح لنا ملفَّ المشكلة «رقم ثلاثة» التي تُعاني منها المرأة المصرية والعربية، والتي أحبُّ أن أبدأها بخطاب من المغرب الأقصى من السيدة (أو الآنسة) سعدية عمري بالحي المحمَّدي بمدينة الداويات بمراكش: «فأنا أريد المرأة قوية، معتزَّة بنفسها وشخصيتها، صادقة مع ذاتها، مدركة لمسئوليتها تجاه بيتها وأولادها ومجتمعها، مُسايرة في نفس الوقت روح العصر. إنَّ ما يغيظني هو أن كثيرًا مِنَّا نحن الجنس الآخر كما يقولون لا يؤمنَّ بأنفسهنَّ وبحقهنَّ الطبيعي المقدس في أن يكنَّ كما يُرِدن، وليس أبدًا كما يريد التفكير الرجالي الضحل الأفق.»

وبهذا نكون قد بدأنا في مناقَشة المشكلة الثالثة والخطيرة جِدًّا من حياة المرأة المصرية والعربية والشرقية بوجهٍ عام؛ ألا وهي مشكلة التقاليد والمرأة، مشكلة نظرة المجتمع المتخلفة إلى المرأة، مشكلة عدم توافُق حياتنا العصرية التي نَحياها بالتقاليد التي ورثناها والتي تقيد خطواتنا إلى الأمام بقَيد حديدي لا يرحم … ولكن هذا حديث خطير آخر نتركه للعدد القادم.

(٣) مشكلة المرأة رقم واحد

ألستَ معي أن الحياة قسمة مشتركة بين الرجل والمرأة، وأنه من الخير لهما معًا أن يلتقيا على تفاهُم وتصالُح، وذلك لا يكون إلا إذا عرَف كل منهما موضعه من الآخر، وإلا إذا اعترف كل منهما بمكانة الآخر وحق صاحبه، وأفسح له المكان الذي يُحقِّق به وجوده ويحفظ عليه ذاته، وبهذا يُمكنه أن يُعطي للآخر أكثر؟!

مهندسة زراعية
هناء عبد السميع عيد، سوهاج
أنا لستُ معكِ فقط، ولكن هذه هي «الجنَّة»، ومثلها مثل الجنة التي وعَد بها الله سبحانه وتعالى عباده الصالحين، لا سبيل إليها إلا بكفاح عظيم يَستغرق عمر الإنسان كله في عمل الخير واجتناب الشر وعبادة الرحمن، إنها إذن نهاية النهاية، أسعد وأعظم نهاية.

ولكن المشكلة أننا لكي نصل إليها علينا أن نقطع «مشوارًا» طويلًا جِدًّا. لقد نشرتُ خطابك يا سيدتي أو آنستي المهندسة كتعبيرٍ عن رأي «الأغلبية الصامتة» التي تحدَّثت عنها في الأسبوع الماضي، كلنا، رجالًا ونساءً، نُريد ما تريدين، ولكن المعضلة هي كيف نصل.

وانتهَينا في الأسبوع الماضي أيضًا إلى أن مشكلة المرأة رقم واحد في مصر والبلاد العربية، ولنقُل اختصارًا لأشياء كثيرة في «الشرق» هي الرجل.

هناك سوء فهم كامل أو على أقل تقدير شبه كامل لفكرة «الرجل»، سواء عند نسائنا أو عند رجالنا على حد سواء.

عند الحيوانات، معظم الحيوانات، الرجل هو «الملقِّح» للأنثى فقط، تستعمله الأنثى لكي تؤدِّي وظيفتها البيولوجية الأساسية الأولى، وهي أن تحمل و«توجد» النوع لكي يستمر بقاؤه، يُلقِّحها ويَمضي باحثًا عن فريسة يَلتهِمها وحده، ليغفو قليلًا ثُمَّ ينهض ليبحث عن أنثى أخرى، وهكذا، فهذه هي وظيفته الأولى والأخيرة.

ولكن، حتى في الحيوان، توجد بعض الأنواع التي تتدرج فيها وظائف «الذكر» من مجرد «طلوقه» إلى صاحب عاطفة، يَبدأ مع الأنثى في تكوين «بيت»، بل ويبدأ يرعى هو الصغار بينما الأم تبحث لهم عن الغذاء أو العكس، توجد حيوانات لا تستطيع أن تُزاول التلقيح إلا بعد «حب» وتبادُل عواطف، بل أحيانًا تخوض معارك دموية رهيبة للحصول على الأنثى.

وكلما تدرج الحيوان في رقيِّه نمَت لديه القدرة على «الإحساس» و«العواطف». ولقد شاهدت بعينَي رأسي في البحر الأحمر عروس البحر كما يُسمونها، وهي في رأيي أرقى الحيوانات البحرية على الإطلاق، تَحتضِن بزعانفها الأمامية التي تحورت وكادت تُصبح كيدَي الإنسان تمامًا، تَحتضِن جنينها، وتصعد به فوق الماء لتستكشف الخطر ثُمَّ لتَختَفي في غمضة عين.

هذا في الحيوان.

ولقد بدأ الإنسان كالحيوان،

أو بالضبط كالحيوان المكوِّن للأسرة.

ليس فقط ملقِّحًا لاستمرار النوع،

ولكنه المسئول بحكم تكوينه الجسماني العضلي عن جلب الطعام للأبناء وللأم.

صيَّادًا أبدًا.

يصيد ليعول الأسرة.

يصيد كفرد، ثُمَّ حين أدرك أنه كفرد معرض أكثر للخطر والزوال، بدأ في تكوين مجتمعات، وبدأ ذكور الإنسان يصيدون معًا، ومنهم ومن إناثهم وأولادهم تتكون تجمعات، ثُمَّ مجتمعات، ثُمَّ قبائل.

ومن هنا بدأ الإنسان سُلم الرقي والتحضر، والرقي والتحضر يَعنيان تعقُّد العلاقات بين الذكر والأنثى والأطفال، ثُمَّ بين هذه العائلات الصغيرة والقبيلة ثُمَّ المجتمع والأمة.

ولأن الحصول على الغذاء لم يعد هو الصيد وحده …

بل أصبح للذكاء والمهارة بل وأحيانًا للدقة والضعف الجسماني مع مهارة استعمال الأيدي فاعلية في جلب الغذاء لا تقلُّ — إن لم تزد — عن القُدرات الجسمانية؛ فقد بدأت المرأة الأم تشارك في جلب القوت، وأصبح الرجل يُشارك في المهام التي كانت مَقصورة على المرأة وحدها من تربية أطفال إلى إقامة البيت.

ولكن كان كل هذا على مُستوى العائلة الصغيرة فقط.

أمَّا على مستوى العائلة الأكبر، القبيلة أو الأمة، لم يتغير الوضع كثيرًا؛ إذ ظلت القوة البدنية تحكم تصرفات المجتمع ككل، ليس فقط من أجل الإنتاج وجلب الطعام، ولكن من أجل الحرب والغزو وكبح جماح المجتمع في الداخل والتغلُّب بالقوة على الباطشين وإقرار النظام.

بمعنى أن «الحكومة» بقيَت رجالية محضة.

والوجه الأول لمشكلة الرجل في شرقنا، بل وفي الغرب أيضًا وفي كل مكان، أنه ليس مجرد رجل.

إنه أوَّلًا وأساسًا حكومة رجال.

أمَّا هو كفرد، وعلاقته بهذه الحكومة وعلاقة هذه الحكومة وهذا الفرد بالنصف الآخر للمجتمع (المرأة)؛ فتلك مسألة أخرى.

(٤) مزيد من الحرية للمرأة

السؤال إذن: هل حرية الإنسان «سواء كان رجلًا أم امرأة» ضرورية إلى هذا الحد؟ وماذا يمكن أن يحدث لو حُرم الإنسان منها؟

أجل، الحرية ضرورية جِدًّا بالنسبة، ليس فقط للإنسان، ولكن لجميع الكائنات، بما فيها حتى النبات، وأنا أذكر أني خلال قراءاتي منذ بضع سنين كنتُ أقرأ كتابًا عن بافلوف (وهو العالم الشهير الذي قلَب علم وظائف الأعضاء رأسًا على عقب)، كنت أقرأ عن تجاربه، وإذا بي أكتشف أنه اكتشف وحده معنى الحرية بالدليل العملي القاطع؛ فقد كان يُجري تجاربه على الكلاب، وكان بعض هذه الكلاب مُطلَق السراح في الحديقة وبعضها كان موضوعًا في أقفاص، وقد لاحظ «بافلوف» أن الكلاب، رغم أنها من سنٍّ واحدة، وكانت ذات وزن متقارب جِدًّا حين أُدخلت إلى العمل، لاحظ بافلوف أن الكلاب الطليقة تنمو نموًّا طبيعيًّا، وأن المحبوسة ينقص وزنها وتنحف بطريقة ليس لها من سبب أو تعليل، وأعاد بافلوف إجراء تجاربه، بوعي هذه المرة، ووضع الكلاب الطليقة في أقفاص، بينما أطلق سراح الموضوعة في أقفاص، وأيضًا لم يكن غريبًا أن يحدث العكس ويزداد وزن الكلاب الطليقة بينما تنقص أوزان وشهيات الكلاب المحبوسة.

ولقد أطلق بافلوف على هذا العامل الذي يجعل الكلاب تَفقد شهيتها وينقص وزنها، معامل الحرية Freedom Factor.

فإذا كان هذا هو حال الحيوان، فما بالك بالإنسان الذي هو — أو هي — ليس فقط أرقى الكائنات في الكون، ولكنه أكثرها حساسيةً وإدراكًا ووعيًا، وتغيُّرًا حسب كمية الحرية المتاحة له.

إذا كان ممكنًا قياس «معامل الحرية» بالجرام والأوقية، باعتباره اكتشافًا علميًّا حقيقيًّا، ترى ماذا يحدث في الإنسان إذا أمكن قياس «معامل حريته»؟ قطعًا سنجد أن الإنسان أو الإنسانة سيَذوي بأسرع مما تذوي به القطط أو الكلاب أو القِرَدة أو أي حيوان آخر.

وإذا كان إحساس الرجل مرهَفًا، وإذا كان إحساسه ليس «كل» حياته، فما بالك بالمرأة، وهي كتلة إحساس، وهي عاطفة مُصفاة تقود حتى «العقل» نفسه بكل قدراته؟

إنني أعتقد أن مقدار التحضُّر لأي مجتمع يُقاس بكمِّ ونوع الحرية الممنوحة للمرأة فيه.

لا تقيسي أي حضارة بمقدار ما في عاصمتها من مبانٍ وشوارع واسعة وعربات فارهة، قيسي تحضر أي مجتمع أو بدائيته بمقدار ما يمنح للمرأة من حرية.

وكثيرٌ جِدًّا من الرجال تُخيفهم كلمة «الحرية» إذا ذُكرت مقرونة بكلمة «المرأة»، ربما لأنهم يعتقدون أن «حرية» المرأة تعني تحرُّرها الجنسي وانفلاتها.

وهم يَظلمون المرأة في هذا ويَظلمون الحقيقة، ويظلمون حتى أنفسهم — باعتبار أنهم، أي الرجال، أحرارٌ بما فيه الكفاية — هل أدى هذا إلى انفلاتهم جنسيًّا أو اجتماعيًّا؟ بالعكس، إنَّ كثيرًا جِدًّا مما حققه الرجال في مجال العمل والخَلْق والابتكار يعود — فقط — ليس إلى تكوينه العقلي والجسدي، وإنما إلى الكم الهائل من الحرية الممنوحة له.

بالعكس، إنَّ حرية المرأة تعني شرفها؛ ذلك أن المرأة الحرة لا يُمكن أن تُعطيَ نفسها بالمال أو الشُّهرة أو الأبهة. إنَّ المرأة الحرة تعني أن المرأة مُتمتِّعة أيضًا بحق الاختيار؛ فهي تختار حينئذٍ إرادتها الحرة المُطلَقة، الزوج الذي ستتزوَّجه، والحبيب الذي تُحبُّه، أمَّا المرأة المغلوبة على أمرها، الحبيسة في بيت أبيها أو زوجها، فهي التي تُعطي نفسها لأيِّ طارق ولأي سبب، هي المغلوبة حقيقةً وليسَت الحرة هي المغلوبة.

•••

والسبب مُضحِك في أن الرجل في مجتمعنا حر، والمرأة فيه — في غالبيَّته — ليست حرة، السبب اقتصادي محض؛ فالرجل يَحكم ويتحرَّر بمقدار ما يتمتَّع به مِن دخْل، وكانت المرأة في العهد الغابر تموت جوعًا أو عريًا إذا طرَدَها الأب أو الزوج من بيتها.

وللتدليل على هذا علينا أن نلاحظ ما حدث بالنسبة للمرأة حين تعلَّمَت، وحين اشتغلت، وحين أصبح لها قدر ما من الاستقلال الاقتصادي. إنها في الحال أخذت تُزاول حريتها الاقتصادية تلك، وتطالب أحيانًا بالطلاق، وترفض أحيانًا هذا العريس أو ذاك، وتَجرُؤ أن تقول لا في أحيانٍ بملء فيها …

ولكن هل هذا يكفي؟

هل الانتظار، حتى تتعلَّم كلُّ نسائنا وبناتنا ويَعملن، كافٍ لأخذهنَّ زمام المبادرة ونيل حريتهن؟

لا أعتقد أبدًا أن هذا يكفي.

فثمَّة آلاف ومئات الآلاف وملايين النساء في مجتمعنا راضيات تمامًا بهذا الوضع، وكأنما استكنَّ إلى العبودية، وأصبحت فكرة الحرية، أي فكرة أن يكنَّ مَسئولات تمامًا عن سلوكهن وتصرفاتهن، مسألة غير واردة بالمرة.

ولا يُمكن أن تنتظر المرأة التي تعلَّمت واستغلَّت هذا الإذن من الأغلبية حتى يَنلن حريتهن.

ولكن هذا حديث في «علاج» مشاكل المرأة.

ونحن بعد لم نَخلُص من إثارة كل مشاكلها؛ فقد تحدَّثنا عن الرجل باعتباره المُشكلة رقم ١ في حياة المرأة، والمرأة باعتبارها المشكلة رقم ٢، ولا تَزال الأعداد قادِمة ومثيرة.

(٥) لماذا حرية المرأة؟

ونُتابع نقاش المشكلة رقم ٢ في حياة المرأة المصرية، وهيَ المرأة المصرية نفسها، ومن المُستحسَن أن نَبدأ المناقشة بهذه النُّبذة من خطاب جاءني:

أكتب إليك متسائلةً: هل هذه «الهُوجة» في العالم وفي مصر حول حقوق المرأة، وحرية المرأة، وحقها في العمل أو الامتناع عنه، هل تتصوَّر يا سيِّدي أن هذه الأشياء رغم خطورتها وأهميتها، تَشغل بال المرأة العادية التي لا تريد أن تكون زعيمة سياسية أو محط أنظار الناس.

ماجدة العطار

وألتقط أنا من كل ما قالته هذه القارئة الفاضلة عنصرًا واحدًا نتحدث عنه اليوم، عنصر «حرية المرأة»، هل فعلًا الحرية ضرورية لكي تحيا المرأة؟ وكيف استطاعت جداتنا وأمهاتنا أن يَعِشن وهنَّ فعلًا أمثلة صارخة لعهد الحريم؟ كيف استطاعت نساء محرومات من أية حرية هكذا بإخراجنا نحن للحياة ناحين وناجحات رغم «انعدام» الحرية؟

والحق أن السؤال وجيه.

والإجابة عنه تقتضي أن نضع تلك المشكلة تحت ميكروسكوب يُكبِّرها عشرات المرات كي نستطيع أن نراها؛ ذلك أنها مشكلة دقيقة وفي حاجة لانتباهٍ تامٍّ لفَحصها وتأمُّلُها، ثُمَّ الخروج بنتائج هامة من فحصها.

وأول سؤال يخطر على بالنا هو السؤال البسيط: ما هي الحرية؟

إن التعريف الوحيد للحرية في هذا المجال هو: الحق في الاختيار، بدءًا من اختيار الطعام والشراب والملبس إلى اختيار الحبيب أو الزوج، إلى اختيار التعليم ونوعه ومداه.

ذلك لأن الإنسان إذا فقد «الحق المقدس» في الاختيار، لا أقول إنه حينذاك يفقد كيانه كله ويتحوَّل إلى حيوان، ولكن انعدام الحرية في الاختيار معناه العيش بالإجبار، معناه أن يتحول الكائن الحر إلى «عبد»، له كل أخلاق العبيد وتصرُّف الجبناء، كائن ذو حياتين، حياة في العلن أمام الناس وحياة في السر، كائن من المستحيل أن ينعتق حتى لو أُتيحت له الحرية لأنَّ أغلاله الداخلية تمنعه أن يتصرَّف كالأحرار.

وهذا هو بالضبط ما كان عليه موقف جداتنا وأمهاتنا الكبار.

إنهن — وأرجو عذري في التعبير — إماء أو عبيد.

عبيد زوج باطش رهيب، ومجتمع أكثر بطشًا، وتقاليدَ دائمًا على حساب المرأة وضدها.

وهكذا رُبينا من جدات وأمهات كالعبيد.

وقد يندفع أحدهم أو إحداهن ويقول: وما له … ما احنا كويسين أهه.

وأردُّ قائلًا: أبدًا، نحن أبدًا لسنا كويسين.

إنني ما قابلتُ شابًّا مصريًّا أو عربيًّا ووجدته نتيجة بيئة أو «أم» طبيعية مائة في المائة، وإنما تجدين فيها نقطة ضعف، تَجِدينه إذا قورن بزميله في الغرب أكثر خوفًا من الحياة وأقل احترامًا، يعيش بمنطق غير الواثق بنفسه وذاته، منطق ابن أو بنت المرأة المستعبَدة.

ذلك لأن الأم التي تُصبح زوجة وأمًّا بغير اختيارها لا يُمكن أن تستطيع أن تربي أولادها على حق الاختيار؛ إذ هي لا تعرفه، ولا تدرك معانيه العميقة والمستقبلة، ولهذا تجدنا نحن وأولادنا أيضًا من بَعدنا قد رُبينا على أن المجتمع سائر هكذا، وأن علينا أن نسير بنفس الطريقة وعلى نفس النمط، وإلا اعتبرنا شُذَّاذًا؛ نتيجة مجتمع لا يؤمن بالتفرد، ولا يُمكن أن يغفر لك الخروج على حدوده، فنحن سجناء التقاليد، عبيد.

إذن، نحن حين نطالب للمرأة بحريتها، أي حقها في الاختيار، لا نطلب لها هذا وحدها، بل لكي يتحرَّر المجتمع كله ويُصبح حق اختيار الحاكم أو المسئول أو القانون حقًّا مُقدَّسًا عنده لا يستطيع أحد مهما بلغت قوته أن يقربه أو يلمسه.

ذلك أيضًا لأن المجتمع في حقيقة الأمر إنما هو وليد الأم وتقاليد الأم ونفسية ومزاج وحدود الأم، والحرية للأم ليس معناها أننا «نحلُّ» العائلة أو نعتدي على مقدساتها، وإنما نحن بهذا نُريد عائلات من نوع آخر، عائلات مبنية على فتاة تَختار بمُطلَق إرادتها فتًى تحبه ويحبها ويتزوَّجان ليُنشئا أولادًا أحرارًا مثلهما، لهم كامل ومطلق حق الاختيار؛ فالحياة لا تقبل الإرغام أبدًا، ولا يُمكن أن تغفر لمن يلوي ذراعها ليُطبِّق شريعته هو وشروطه عليها، إنها حينئذٍ تتشوَّه وتعوج، بل أحيانًا تَنحرِف تمامًا وتصبح ضد الحياة.

•••

ولهذا فالمشكلة الثالثة أمام المرأة المصرية هي الحرية، لا تزال المرأة المصرية أَمَة، حتى لو خُيِّلَ إليها أنها حرة. إنها حرة في إنتاج الأولاد والبنات وإفناء عمرها في تربيتهم، ولكن ليتَها تُفني عمرها في تربيتهم ليُصبِحوا شُبَّانًا وشابات أحرارًا، أقوى من أي واقع وقادرين على تغيير أي واقع. إنها تربيهم لكي يصبحوا مثلها ومثل أمها، مع أن أحقابًا من الزمن تمضي، والعالم يتغيَّر، ولكن بطئنا نحن في التغيُّر والتغيير سببه مئات القيود الداخلية العميقة التي غرسَتْها فينا أمٌّ ليست تمامًا حرة أو شبه حرة أو سعيدة بعبوديتها.

(٦) الخطاب الغريب!

تصوَّرت أول الأمر أنه تساؤل وجيه يَستحِق تمامًا الوقوف عنده والرد عليه، وهذا هو التساؤل:

أحسستُ، وأحمد الله على أنه مجرد إحساس بأنك تُحاول إرضاء المرأة بالوقوف إلى جانبها، وأتمنى أن تُثبت لي عكس ذلك. إنك تتملَّقها لتكسب العديد من المناصرات والقارئات، أليس كذلك؟

وإجابتي على مرسلة الخطاب سلوى السيد المندوه، كلية العلوم جامعة المنصورة (أولى بيولوجي)، إجابتي ليست نفيًا لزعم طالبة العلوم هذه؛ فأنا فعلًا أناصر المرأة، وأعتبرها الكائن المقدَّس على ظهر الأرض، لأنها الأصل، أصل الحياة، ولسنا نحن الرجال سوى «الوسيلة» لاستمرار الحياة على سطح الأرض، وأنت يا طالبة «العلوم»، قسم «البيولوجي»، لا بُدَّ تعرفين أن الذكر في جميع أنواع الكائنات في طول المملكة الحيوانية ينتهي دوره تمامًا ولا يُصبح له أي جدوى، بل إن الطبيعة أحيانًا تقسو على هذا الذكر فيموت بمجرد تلقيح الأنثى، مثلما يحدث في النحل حين تظلُّ الملكة طائرةً إلى أعلى وأعلى حتى يلحق بها أحد الذكور الأكثر قدرة على الطيران من بين الذكور المُنطلِقين وراءها، وبعد التلقيح تنتهي حياته فعلًا ويموت، بينما تعود الملكة إلى الخلية التي كانت فيها وهي حامل لعشرات ومئات أطفال النحل؛ حيث بمولدهم تنشأ مملكة نحل جديدة كاملة، وتحدُث المعركة الشهيرة بين الملكة القديمة وبين الملكة وجيوشها الجديدة، وتحدُث عملية «الطرد» للجديدة أو القديمة لتُكوِّن الملكة ورعاياها مملكة أخرى مستقلة.

إذن أنا لا أناصر المرأة متملِّقًا أو راغبًا في كسب عطف الجنس الناعم، إنما أنا أفعل هذا لإيماني الذي لا يتزعزع بالحياة، وحُبًّا فيها ولها، والكُتَّاب يكتبون بدوافع كثيرة، بعضهم يَكتُب ليُصبح مشهورًا أو غنيًّا، وبعض آخر يكتب ليفرض على الناس آراءه. وأنا شخصيًّا أعتقد أني أكتُب مُحاوِلًا أن أسهم بجزء يسير لإضفاء بعض الجمال على هذه الحياة ولمحارَبة كل ما هو ضدَّها، لأجعل للحياة وللأحياء أهدافًا أكثر نُبلًا، فإذن أنا أكتُب لأُناصِر المرأة باعتبارها أصل الحياة، فأنا إذن أكتب في صلب القضية التي أَعتنقُها كسبب للكتابة، ولا يُهمني أبدًا أن تَستحسِن أية قارئة ما أكتب أو تُشيد به، إنما المهم تمامًا عندي هو إيصال الرسالة للقارئة والقارئ، هو أن أقوم بالدَّور الذي وهبت له كل حياتي. وقد يكون في هذا بعض الحديث عن النفس، التي أكره أن أتحدَّث عنها، ولكني فعلًا وُوجِهت بالكثير من الأصدقاء والقراء وهم يسألونني بنوع من الاستنكار كيف أكتب لمجلَّة خاصة بالمرأة، وكنت أغضب كثيرًا لهذا التساؤل؛ فبعضهم غارق إلى آذانُه في التعصب لجنسِه وبعضهم لا يحفل قليلًا أو كثيرًا بحكاية المرأة عندنا؛ فهي لا تُشكِّل — في رأيهم — أي مشكلة، والكارثة أن هذا يَصدُر أحيانًا من بعض النساء؛ فبعد السطور الأولى من تساؤل الآنسة سلوى الذي ذكرته آنفًا، وجدتها فجأة تُدلي برأي مُذهِل، أول ما يُذهل أنه صادر من فتاة، واقرءوا أوَّلًا هذه السطور التي جاءَت برسالتها:

ولأَقُل إنه مهما حاولت الدفاع عن المرأة فهي لن تَرضى؛ فهي دائمًا تريد المزيد، إنها أنانية، منافقة، وكائن غير بشري، بعيدة كل البُعد عن الآدمية بل والإنسانية. أجل، إن المرأة كجنس ليس فيها ذرة إنسانية، إن كل شيء في المرأة لا بُدَّ له من إصلاح، وهذا لن يكون إلا بالشدة، ليس من جانب الرجل طبعًا؛ فهو الجنس الأضعف وإن كان لا يعترف أو يرضى بذلك، لا تحاول يا سيدي إثبات عكس ذلك، فالشيطان يتملَّك ذلك المخلوق البغيض الذي أكرَهُه كرهي للحياة، ذلك المخلوق، ذلك الجنس المُشبَع بالألغاز غير جدير بصفة الإنسانية أو البشرية. لا تُؤاخذني في اندفاعي؛ فأنت الذي أثَرتني بنشر خطاب «إنجي سندباد» الذي أعجبني، ولكن ما يُغضبني فيه هو الحديث عن المرأة «الإنسانة»، والرجل «الإنسان»، فلا شيء في حياتنا اسمه إنسانية بالمرة.

وليتني أستطيع أن أنشر بقية الخطاب؛ فهو فعلًا أو بالأحرى صاحبته «حالة» لا أعتقد أن كثيرًا من النساء أو القارئات يُعانين منها، ولكنها ربما تُعبر عن «حالات» ليست بالقليلة عند الرجال كجنس.

أعترف أن كثيرًا من الرجال في مجتمعنا يَعتنقون هذا الرأي ويجدون له سندًا في بعض الأحاديث النبوية الشريفة؛ ومنها ذلك الحديث الذي يقول فيه النبي صلوات الله وسلامه عليه النساء ناقصات عقل ودين. والغريب أن كثيرًا من الرجال سارعوا باتخاذ هذا الحديث الشريف كشعار يمضون به عبر البلاد وعبر التاريخ، مُسلِّطين سيفه على رقاب النساء، يشلُّون به المرأة ويهبطون بمستواها فكريًّا وإيمانيًّا ووجوديًّا. وأعتقد أن الرسول عليه الصلاة والسلام آخر ما كان يعنيه في أن يُستغَل حديثه هذا الاستغلال غير السليم المنفصل عن مناسبته.

ولكن هذا الموضوع هام جِدًّا سنبحثه في العدد القادم إن شاء الله.

(٧) البركان في الأعماق، وعلى السطح السلام

لا أعرف لماذا حدَث ما حدث، ولكنه حدث؛ فأنا ما بدأت هذا الباب لأشعلها حربًا بين الرجال والنساء، أو لأتهم المرأة وأُبرِّئ الرجل، أو لأتهم الرجل وأبرئ المرأة، أو أتحدى (بالمعنى العضلي أو الظاهر للكلمة) ضراوة النساء. يبدو أن بيننا أو على الأقل بيننا وبين عدد غير بسيط من قراء حواء سوء فهم لا أجد له تفسيرًا إلا أن هؤلاء القارئات لم يَستَوعِبن تمامًا ما أردتُ قوله.

خذنَ مثلًا هذه النماذج من الخطابات:

أُرسل لك بسبب تعصُّبي لحواء، وأحب أن أسألك من الذي زعم أن المرأة تَستسلِم لموقع مهين في المجتمع؟ فقد كرَّمها الإسلام، ولكن التي لم تفعل ما أمرها به دينها هي التي تَستسلِم لهذا الموقع المهين. أهذه هي المرأة التي تفتح النقاش حولها؟ هذه هي رسالتي الثالثة، ولكني لم أجد الرد.

فتاة، حواء امرأة، في سن المراهقة

أرسل إليك لأعرفك أن المرأة عورة عورة عورة … فأنا أعتقد من صميم أعماقي أنني عورة، ولا يُمكن أن تغير اعتقادي.

ح. أ. ف.

أنا إنسانة ولستُ إنسانًا، ومع ذلك فأنا لا أدخل ضدك المعركة، بل أقف بجانبك وضد المرأة في مجتمعنا، نعم! إني معك، فأنا أعاني من عقد المرأة المترسِّبة في أعماقها … أعاني من أخذها الأمور بسطحية وتفاهة برغم العلم الذي وصلَتْ إليه. إني لن أذكر اسمي الحقيقي، وأعترف أني لا أجرؤ على ذلك؛ لأن زوجي رغم حصوله على مؤهل عالٍ من الدراسة الجامعية من النوع المتزمِّت الرجعي في طباعه وعقائده، ورغم المعارك الطويلة التي خُضتها منذ أن تزوجته لأُغيِّر من طباعه وعوائده، بل وأفكار المجتمع الذي ندور فيه، وما زلتُ أُحارب وأناضل مُحاوِلةً أن أحافظ على الخيوط البسيطة التي لا تَزال تربطني بزوجي وأبنائي؛ فهم يحتاجون إلى تلك الأسرة المترابطة ولو ظاهريًّا مهما كانت مفكَّكة من الباطن، وأعتقد أن حرصي هذا ليس جُبنًا أو ضعفًا … بل هو تضحية من أجل المصلحة العامة لعائلتي. إن مشكلتي أني إنسانة صادقة مع نفسها كل الصدق … إذا كرهت تصرُّفًا قُلت رأيي فيه، وإذا أعجبتني صفة في إنسانة أو إنسان ذكرتها بلا خجل. أُحبُّ أن أمارس الرياضة، وأخلق المرح من حولي في نفوس «ستات» لا يلذُّ لهن إلا النميمة، وإلا علاقات ذلك العالم السري العريض الذي يتداولن أخباره، وله كل يوم فضائحه، ومثل الجرائد عناوينه الكبرى وعناوينه الصغيرة، لا تذكر فيها حسنة لمخلوقة أو لمخلوق، وإنما الكل سواء في السوء، والبحث جارٍ عمَّن هي أسوأ، عملية قتل رهيبة لكل نظيف وجميل وصادق في النفس، أنا قرفانة قرفانة من أني أنتمي ولو ظاهريًّا إلى هؤلاء «الستات»، وأنت تريد أن تخاطب فيهن «الإنسان» … أمامك مليون سنة إن شاء الله …

إنجي سندباد (اسم مستعار)

أنا مختلفة معك تمامًا؛ فالمرأة نزلت ميدان العمل كالرجل تمامًا، وحصلت على كل ما يحقُّ لها مع كونها إنسانة، وحتى على ما لا يحق لها. ثُمَّ إن الأديان والشرائع لم تقرَّ للمرأة بالحقوق التي يُنادي بها البعض من مساواة، فهل نادت الأديان بخروج المرأة؟ إنَّ المرأة نفسها عورة، ولا يجب أن تخرج وسط الرجال وتتعرَّض لنظراتهم، ثُمَّ إن المرأة لا تملك القدرات التي يملكها الرجل … فقد أثبتت الدراسات أن الرجل يتفوَّق على المرأة من ناحية القُدرة الميكانيكية والقدرة العلمية. أمَّا المرأة فتتفوَّق على الرجل من ناحية القدرة اللغوية والقدرة الأدبية …

عزة منصور محسن
الإسكندرية

هذه بعض عينات من الكومة الكبيرة من الخطابات أمامي، التقطتها كما يَفعلون في مُسابقات التليفزيون كيفما اتفق؛ ذلك لأني قضيتُ أكثر من خمسة وعشرين يومًا أقرأ في هذه الكومة، وما قدَّمتُه هنا هو عيِّنة لا تَفترق كثيرًا جِدًّا عن بقية الخطابات، لا أنكر أن بعض الخطابات ليسَت قطعًا أدبية فقط، ولكنها ربما أحسن بكثير مما يكتبه بعض كُتَّابنا وكاتباتنا المُحترفين والمُحترفات، ولكني لستُ بسبيلي إلى استعراض إمكانات التعبير لدى المرأة، إنما أنا أنظر إلى هذه الكومة أمامي وأتأمَّلها بدهشة وقليل من الذُّعر، فما أراه أمامي ليس خطابات، ولكنه بركان، بركان تَفجَّر، أو ربما كان من حظي أو سوء حظي أني نجحتُ في تفجيره؛ ذلك أن الخطابات ليسَت من مُعتادات الكتابة للمَجلات، وأن داخل كل خطاب رأيه، بل ورأيًا ساخنًا يتدفَّق، لا يُهم أن يكون ردًّا موضوعيًّا على ما كتبته، ولا يُهمُّ أنه لا علاقة له إطلاقًا بما قُلت؛ فكثيرات يزعمن أني أتحيَّز للرجال، وأنا لم أتحيَّز لهم، وكثيرات يَزعمن أني تحمَّست للمرأة، وأنا لا أنكر حماسي للمرأة، ولكن كلمتي لم يكن سببها ذلك الحماس فقط … هذه الحرب الرهيبة الدائرة بين الرجل والمرأة، هذا السلام الكائن فوق السطح فقط وفي الأعماق تغلي الصدور، هذه الكومة لا يمكن أن يمر بها الإنسان مرور العابر. لقد علَّمتْني أن أُصبح دقيقًا جِدًّا في تعبيراتي وواضحًا تمامًا، ولهذا أقول إن ليس معنى هذا الرد فعلًا أن كل نساء مصر ثائرات على رجالهن أو العكس، ولكن معناه أن نساءً كثيرات يَعِشن في أزمة ورجالًا كثيرين يَعيشون في أزمة، وأن هناك سببًا ما يُثير التعاسة في بيوت ونفوس كثيرة، ومن أجل هذا بدأت هذا الباب …

فهناك أسباب خاصة لكل حالة، هذا صحيح.

ولكن لا بُدَّ أن هناك أسبابًا عامة من الممكن، ليس فقط مناقشتها، بل وحلها، ولهذا طالبت في نهاية كلمتي الأخيرة في هذا المكان منذ أسبوعين أن نفتح ملف المرأة المصرية.

ولكني من خلال هذه الكومة، ومن خلال تأمُّل أعمق للمشكلة، وجدتُ أن الملف ليس ملف المرأة فقط، ولكنه ملف ذلك الكائن المزدوَج ذي العلاقة المتشابكة المزدوجة … ملف «المرأة-الرجل».

وإذا كنت هذه المرة أفتح الصفحة الأولى لهذا الملف.

فإنما أردتُ بالعيِّنات من الخطابات أن أرى أن ليس هناك في مجتمع النساء، واسمحوا لي أن أقول أيضًا ليس هناك في مجتمع الرجال، بل ليس في مجتمعنا كله أيُّ حدٍّ أدنى من الاتفاق حول مفهوم العلاقة بين المرأة والرجل.

إنها علاقات تنشأ كيفما اتَّفق، ويتَّفتق عنها أبناء وبنات كيفما اتفق، حتى بين المتعلمين والمتعلِّمات والمثقَّفين والمثقَّفات … لا اتفاق حول مفهوم واحد … مجرَّد مفهوم واحد.

هل المرأة ندٌّ؟

هل المرأة عورة؟

هل المرأة جارية؟

هل المرأة هي الأحقُّ بالسيادة؟

هل نُحاول أن نُغيِّر من أنفسنا ليُغيِّر الله سبحانه وتعالى مِنَّا؟

أم تبقى تلك الحرب الضروس دائرة في الخفاء، مسالمة تمامًا فوق السطح؟

(٨) الأغلبية الصامتة

أُبادر فأعتذر لقارئات وقراء «حواء» عن انقطاع كتابتي لهذا الباب طوال الفترة الماضية؛ ذلك أني كنت في أعظم وأكرم رحلة يقوم بها الإنسان، وأرجو أن يغفر لي الله سبحانه ذنوبي، وأن تغفر لي قارئاتي انقطاع الحوار الخطير الممتع — على الأقل بالنسبة لي شخصيًّا — ذلك الذي كان دائرًا بيننا.

وبعد …

كُنَّا قد وصلنا إلى مرحلة فتح «ملف» المرأة المصرية والعربية، وفتح الملف يعني أن نبدأ نُناقش إلى أعمق الأعماق، ودون حرج من أية تأثيرات أو قوى، ما هي بالضبط المشكلات الأساسية للمرأة عندنا، وبمناقشة المشكلات نستطيع أن ننفض عنها — أقصد المرأة — كل العوائق والأتربة التي تَحولُ دون وجود أو ظهور نفسها الحقيقية كإنسانة أعمق وأقوى إنسانيةً من الإنسان الرجل … هكذا أعتقد، قد يَثور عليَّ رجال كثيرون معتقدين أني أنافق المرأة أو أتملَّقها، ولكن لو علموا الحقيقة، لو علموا أني أتكلم بلغة العلم الصرف، أو بالأحرى بلغة الحقيقة الموضوعية المجرَّدة، لغيَّروا رأيهم. إني أؤمن أن الحياة امرأة، وأن دور الرجل منذ أن كان حيوانًا منويًّا هو «المساعد» على إبقاء جذوة خلق واستمرار ووجود الحياة المتمثِّلة في المرأة.

ومن هذه الحقيقة البدائية البسيطة ينبني كل ما يتراكم فوقها من مكوِّنات نفسية وأوضاع وصراعات وظلم وتعسف وهوان.

ولقد بدأت هذا الباب بهدف، لا أبالغ وأقول إنه الوصول إلى هذه الحقيقة وإقناع المرأة أوَّلًا ثُمَّ الرجل بها … ولكن على الأقل إلقاء أضواء قوية تُنير وتكشف عن أركان كثيرة مظلمة في تلك المعادلة البالغة التعقيد، معادلة «المرأة-الرجل».

إنه باب أُحاول أن أقوم فيه بدور الدليل الذكي — أو الذي أرجو أن يكون ذكيًّا — دليل المرأة إلى المرأة، ودليل الرجل إلى المرأة، ودليل المرأة إلى الرجل، ودليلهما معًا إلى حياة أكثر رحابةً وعدالةً وإنسانيةً وصدقًا.

وكان لا بُدَّ لي أن أقوم بدور هذا الدليل، لا بُدَّ لي من دليل أنا أوَّلًا، أمَّا دليلي إلى الرجل فأنا أعرفه تمامًا؛ ذلك أني رجل. أمَّا دليلي إلى المرأة فهو الذي حيَّرني وحيرني طويلًا وكثيرًا؛ ذلك أني من الكُتَّاب الذين وَهَبوا الجزء الأكبر من حياتهم بحثًا عن المرأة منذ أن كنتُ طفلًا صغيرًا قُضيَ عليه أن يعيش بعيدًا عن عائلته، وبالذات عن أمه، ومن رحمة الله بالبشر أن أودَعَ في الطفل غريزة الالتصاق بأمه، وأودَعَ في الأم غريزة احتضان الابن؛ فالأم هي دليل الطفل إلى الناس، من خلالها يعرف الآخرين، ومن خلالها بالذات يعرف المرأة، فإذا حُرم من هذا الدليل ضاع أو كاد، وقضى وقتًا طويلًا جِدًّا من عمره يتلمس طريقه إلى المجتمع وإلى الناس وبالذات إلى المرأة.

إذن المسألة من ناحيتي خطيرة للغاية، ليس فقط أن أتعلم من المرأة ولكن، وهذا هو الأهم، أن — أعلم أيضًا — المرأة طريقها إلى الطفل، وبالذات لو كان رجلًا، فأتعس الأطفال هم الأطفال الرجال، وخبرة الرجل الحقيقية تأتي من رجل لم ينشأ ليجد البساط سهلًا وناعمًا كالحرير ولا مشكلة عنده إطلاقًا في علاقة، أيَّة علاقة، يُقيمها مع المرأة، أية امرأة.

ولأني كذلك، فقد كانت الطريقة المثلى للوصول إلى المعرفة الحقيقية لأفكار وعواطف وأعماق المرأة المصرية والعربية هي إتاحة الفرصة لها أوَّلًا لتعبر عن نفسها وتقول رأيها، ثُمَّ نبدأ النقاش.

وبدأ النقاش، ونشرتُ هنا نماذج محدودة جِدًّا لآراء كثيرة غير مَحدودة.

ولكنَّ هناك خطابًا هامًّا جدًّا لم أنشره بعد.

ذلك لأنني لم أتلقَّه.

ولن أتلقاه.

فالخطاب من الأغلبية الصامتة، سواء من السيدات أو الرجال.

أولئك الذين يَسمعون ويقرءون وتتكوَّن لديهم آراء في كل شيء.

ولكنهم لا يُعبِّرون عن هذه الآراء، يؤثرون الصمت، إمَّا لعدم اكتراثهم حتى بإبداء الآراء، وإمَّا ليأسهم من أن يَستمع لهم أو يَحفل برأيهم أحد، وإمَّا لأسباب أخرى كثيرة؛ إذ إنهم كما قلتُ الأغلبية العظمى الصامتة التي لا تتكلَّم أو تكتب حتى لتفسِّر هذا الصمت المطبق.

ولكني مع هذه الأغلبية أَستعمِل سليقة الكاتب وموهبته.

إذ خاصية الكاتب الأولى أن «يُحس» الآخرين، حتى ولو لم يفهمهم أو استعصى عليه الفهم.

وإحساسي بهذه الأغلبية.

بل ما خرجت به من معظم من جَرُؤن وتحمَّسْن لقول أو كتابة رأيهن.

وأول صفحة في ملف المرأة المصرية والعربية.

مكتوبٌ عليها بالخط العريض الأحمر: الرجل.

أجل، أول مشكلة للمرأة عندنا هي: الرجل.

(٩) هناك هدف

أنا مُدرِّسة … طول عمري مُدرِّسة، وقد بدأت مُدرِّسة حضانة، وها أنا ذي مدرِّسة ثانوي أولى في مادة «…»، ولقد أخذت كتابتك إلى المرأة ومحاوَلة استدراجها للحوار وللبوح عن كامن سرِّها مأخذًا — واعذرني في هذا — ليس بمثل الجدية التي كنتُ أتوقعها منك، ولكن بمضيِّ الوقت، ومُضي الموضوعات التي طرقتها، اتَّضح لي أنه باب من أخطر الأبواب، ليس الذي سيجيئك منه الريح، ولكن — فيما أعتقد — سيُغيِّر من تفكير المرأة جذريًّا عن نفسها … وإليك أسبابي …

وأنا مع احترامي الكامل للأسباب التي أوردَتْها السيدة المُدرِّسة لا أستطيع أن أوردها هنا؛ ففيها كثيرٌ مما يمسُّ شخصي من صفات في رأيي أنا لا أستحقها، ولكني أنتهز هذه الفرصة لأقول لماذا وقع اختياري على هذا الخطاب بالذات لأنشر هذا المقتطف منه؟ الواقع أن سبب هذا أن جزءًا ليس بالقليل من الخطاب خصَّصته السيدة الفاضلة للحديث عن الأولاد والبنات المصريين، خاصةً بعدما يتعدُّون مرحلة الابتدائية وتبدأ تتكون — أو تظهر — شخصياتهم الحقيقية؛ إذ هنا وجدت الهدوء يُغادر قلم السيدة الأستاذة وتنهال في أسلوب شديد الصدق من ناحية ولكنه شديد القسوة من ناحية أخرى، منتهيةً إلى أن العائلة المصرية بأبيها وأمها هي أسوأ منبع أو معمل لصناعة الأجيال الجديدة؛ فالعائلة المصرية تحيا بلا نظام، وتُعلِّم أولادها الفوضى، وتحيا بلا تخطيط، وتعلم أولادها التلقائية الشديدة التي تبلغ حد البلَه، ويكتشف الولد أو البنت أن الكذب عند أمه وأبيه هو أسهل الأشياء، وأن كُلًّا منهما يتعامل — حتى مع أولاده — تعامُلًا من وراء الآخر، بمعنى لا شيء هناك مقدَّس، لا كلمة الأم ولا كلمة الأب، خاصةً في السنين الأخيرة، وأن الأغلبية الغالبة من الآباء يَترُكون عاتق التربية على الأم، والأم بدورها باعتبارها قد تزوَّجت قبل أن يعلمها أحد معنى أن تتعلَّم أو تُدرك دور الأم في ناحية عاجزة عن القيام بدور الأم، مفضِّلةً القيام بدور الزوجة أو المُدردِشة في التليفون أو المتحدثة عن آخر صيحات المودة، ونصائحها لأولادها من قبيل نصائح وزارة التربية والتعليم التي كانت تُطبع على آخر الكراريس التي كانت تُوزِّعها الوزارة وليست مبنية على دراسة عميقة لشخصية كل بنت وكل ولد.

وأنا لا اعتراض لي إطلاقًا على كل ما قالته السيدة الفاضلة، اعتراضي الوحيد أنها متحاملة أكثر مما يجب؛ فالآباء والأمهات معظمهم هكذا في العالم، وبالعكس، قد أكون معها في كثيرٍ جِدًّا من الأشياء التي قالتها.

بل — وهذا هو المُضحِك — لقد بدأت هذا الباب وليس في ظني الرجل أو المرأة أو خلق حوار بينهما؛ فالحوار الحقيقي بين الرجل والمرأة هم الأطفال نتيجة هذه العلاقة، وهذا هو الحوار الذي كنتُ أقصده، وهذا هو الحوار الذي كنت أرجو أن أخرج منه باستنتاجات وتصحيحات وقواعد معينة؛ بحيث لو انصلح الحوار في النهاية انصلح طرفا الحوار، فنحن هنا لا نريد أن يكون الباب باب «كلام»، ولكنه باب يؤدي إلى «فعل» وإلى «تغيير»، وإلا لأصبح كلامًا فارغًا.

وإذا لم يكن الفعل والتغيير هدفهما هو هؤلاء الأبرياء التُّعساء الذين نأتي بهم إلى الدنيا، ففيم يكون الفعل، وما هو هدف التغيير أي تغيير؟!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤