الصراع يبدأ مبكرًا!

عندما انتهى «عثمان» من شرح فكرته، هتف «قيس» ضاحكًا: لقد حقَّقَت الساندويتشات هدفَها!

قال «خالد»: إنها فكرة جيدة، وسوف يُجنِّبنا تنفيذُها معركةً محتملة!

ثم أضاف «فهد» ضاحكًا: برغم أنها ليست جديدة؛ فالشياطين يلجئون إليها كثيرًا، إلا أنها جاءت في مكانها الصحيح!

قال «أحمد» في النهاية: عليكم بالاستعداد وارتداء الأقنعة الموجودة، وكذلك أدوات الماكياج. انتظر لحظة ثم أضاف: سوف أُبطِّئ من سرعة اللنش، حتى يكون لدينا الوقت الكافي لتنفيذ الفكرة.

قال «عثمان»: إن ملابس الصيادين سوف تكون مكملة للخطة، وسوف تُبعد عنَّا عيونهم تمامًا.

أخذ «أحمد» ينفِّذ خطة «عثمان». أرسل رسالة شفرية إلى عميل رقم «صفر» في «فيلادلفيا». كانت الرسالة تقول: «٤٨ – ٥٠ «وقفة»، ٢٦ «وقفة»، ١٣ «وقفة»، ٢ – ٤٦ – ٥٨ «وقفة»، ٢ – ٤٦ – ٣٦ – ٤٨ – ٥٨٧ – ٤٦ «وقفة»، ٥٠ – ١٢ – ٦ – ٢ – ١٠ «وقفة»، ٤٨ – ٢٠ – ٤٤ – ٤ «وقفة»، ٢٨ – ٥٨ – ١٦ «وقفة»، ٦ – ٥٠ – ٦ – ٣٤ – ٢٠ – ٥٠ – ٢ «وقفة»، ٣٦ – ٥٥ – ١٦ «وقفة»، ٢ – ٤٦ – ٥٠ – ٤٢ – ٣٢ – ٥٢ «وقفة»، ٤٨ «وقفة» انتهى.»

بعد قليل، كان جهاز الاستقبال يسجل ردَّ عميل رقم «صفر» الذي جاء في رسالة شفرية أيضًا تقول: «عُلِم، وفي انتظاركم!»

أسرع «أحمد» يجهز نفسه. وما إن مضَت ربع ساعة، حتى كان الشياطين قد تحولوا إلى صيادين بملابسهم المعروفة. وقد تغيَّرت ملامحهم بعد أن لبس كلٌّ منهم قناعًا ووضع الماكياج اللازم. وعندما اقتربَت النقطة المحددة للقاء. حرَّك «أحمد» ذراعًا فأخذ اللنش طريقَه إلى السطح، حتى طفَا فوقه، وظهر ضوءُ النهار من جديد.

قال «عثمان» مبتسمًا: ها هو النهار قد ظهر من جديد.

ألقى «قيس» نظرةً على كلِّ الجهات. في نفس الوقت التي سجَّلَت فيه شاشةُ التليفزيون وجودَ نقطة سوداء على البعد. رفع «قيس» نظارة مكبرة، ثم أخذ يمسح سطح الماء، حتى توقَّف عند مركب صيد تقف في عرض المحيط. قال: إن الهدف أمامنا بانحراف ٣٥ درجة.

وجَّه «أحمد» اللنش إلى الاتجاه المطلوب، ثم انطلق. لم تمضِ عشر دقائق حتى كان اللنش يقترب من المركب حتى التصق به. جاء صوت يقول: أهلًا برجال البحر، لعل الصيد كان وفيرًا هذه المرة!

ابتسم الشياطين، بينما ظهر الرجل العجوز صاحب الصوت مبتسمًا، وقال: مرحبًا بكم مرة أخرى وأهلًا بكم!

ردَّ «أحمد» تحيَّتَه. فقال الرجل: هل تحتاجونني؟

ابتسم «أحمد» وقال: إن وجودك يُسعدنا!

ضحك الرجل حتى ظهر فمُه الخالي من الأسنان وهو يقول: ويسعدني أنا أيضًا. لولا أن لديَّ مهمةً أخرى!

ثم قفز في اللنش. بينما كان الشياطين يأخذون طريقهم إلى مركب الصيد. وقبل أن يفكروا في أي شيء، كان اللنش قد انطلق في سرعة جنونية. ضحك «عثمان» وهو يقول: إنه أكثر شبابًا منَّا.

وقف «أحمد» خلف عجلة القيادة في مركب الصيد، ووجَّهَهُ نحو مدينة «فيلادلفيا» التي لم تكن تبعد بأكثر من عشرين كيلومترًا.

قال «خالد»: الآن. نحن في منطقة الأمان.

ردَّ «قيس»: لكننا سوف نخرج بلا صيد، فأين السمك؟

أضاف «فهد»: لعله في ثلاجات المركب.

قال «عثمان»: إذن. هيَّا نبحث!

انطلق «خالد»، و«فهد»، و«قيس»، و«عثمان» يفتشون المركب، حتى وصلوا إلى الثلاجات الضخمة. وعندما فتح «قيس» الثلاجة، هتف في دهشة: إنني لا أصدق. إن الأسماك موجودة فعلًا. ثم مدَّ يده وأمسك بسمكة من نوع البوري رفعها إلى أعلى وهو يصيح: هل رأيتم أجمل منها؟

قال «عثمان» ضاحكًا: ما أجملها على النار الآن. إن البوري المشوي هو ألذ طعام يمكن أن نأكله!

حمل «قيس» سمكة البوري الفضية، واتجه بها إلى حيث «أحمد»، وقال: ما رأيك في وجبة شهية من البوري المشوي؟

ضحك «أحمد» وهو يقول: سوف تكون حفلة بوري رائعة!

ظل الشياطين يضحكون. فجأة، وصلَت رسالة شفرية من عميل رقم «صفر» يُخبرهم أنهم سوف يبيتون في فندق «كلاريدج»، وأن الغرف محجوزة بأسماء: «رانك»، «جونر»، «هابي»، «جو»، «جيرار». غَرِق الشياطين في الضحك. وكلٌّ منهم يختار لنفسه اسمًا. قال «فهد»: إنني «جيرار»؛ فهو اسم له رنين.

قال «خالد»: إنني «هابي» السعيد دائمًا.

قال «عثمان»: أما «جونز» فهو يذكِّرني بالمسرحية الرائعة … الإمبراطور «جونز».

ثم نظر إلى «أحمد»، وقال هل تذكرها؟

ابتسم «أحمد»، وقال: لقد شاهدناها معًا في لندن. هل تذكر تلك الليلة؟

كانت مدينة «فيلادلفيا» تبدو من بعيد الآن. فقال «عثمان»: ما رأيك أيها الصديق «جو» في سهرة نقضيها الليلة بعد صيدنا الكبير في هذه الرحلة؟

ردَّ «قيس»، وقد اختار اسم «جو»: إنها فكرة رائعة يا عزيزي «جونز»؛ لأنك صاحب الفكرة، فأنا صاحب الدعوة. إنني أدعوك أنت والصديق «أحمد»، أقصد «رانك».

ضحك الشياطين، بينما كان المركب يقترب من الميناء. كان منظر الشياطين بديعًا وهم بملابس الصيادين، وقد طالَت لِحاهم قليلًا. كانوا وكأنهم مجموعة من الصيادين عائدون من رحلة صيد بملابسهم التي تحمل رائحة الصيد والسمك. دخل المركب الميناء، وبسرعة كان هناك رجالٌ في الانتظار.

قفزوا إلى المركب، وهم يرحبون بالشياطين. وكانت تسمع كلمات: أهلًا بالصديق «جونز»، لعلك وُفِّقتَ في الصيد!

ويقول آخر: إن «مايك» ينتظرك يا عزيزي «رانك»؛ فلا تزال بينكما موقعة في الشطرنج.

كان الشياطين يسمعون هذه الكلمات وهم يبتسمون لأنهم يعرفون أن هؤلاء الرجال يتبعون عميل رقم «صفر» …

غادر الشياطين المركب؛ حيث استقلُّوا تاكسيًا إلى فندق «كلاريدج» الذي كان يقع قريبًا من الميناء. كان النهار قد انقضى معظمه، وأوشك الليل أن يقترب.

وفي فندق «كلاريدج» أخذوا مفاتيح الغرف، وصَعِدوا إليها على السلالم؛ فقد كانت تقع كلها في الطابق الثاني.

فتح «أحمد» باب غرفته لكنه لم يخطُ إلى داخلها مباشرة؛ فقد انتظر قليلًا. إن الحذر مطلوب في كل لحظة، خصوصًا وأنه قد فكر في إمكانية رصْد حركتهم في أيِّ وقت. لقد فكر «أحمد» أن العصابة يمكن أن ترصد اللنش، ومركب الصيد، والانتقال إليه، ويمكن أن تضعَ خطَّتَها لاصطياد الشياطين. في الوقت الذي يظنون فيه أنهم قد خرجوا من دائرة المراقبة. المهم أن الحذر مطلوب في كل خطوة. ولهذا وقف قليلًا قبل أن يخطوَ داخل الغرفة. ضغط زرَّ النور، فغرقَت في الضوء. أغلق الباب، ثم دخل في هدوء. إن الخطاب الذي يحمل خريطةَ مقارِّ عصابة «سادة العالم» يقبع داخل حقيبته السرية. ولذلك فقد وضعها داخل الدولاب، ثم أغلق بابه ووضع المفتاح في جيبه. انتظر لحظة، ثم نزع القناع من فوق وجهه، واتجه إلى الحمام. كان يشعر أنه في حاجة إلى حمام دافئ، ثم ينام ساعة. وكان هذا اتفاقه مع بقية الشياطين. ما إن فتح الماء الساخن، حتى تخيَّل أنه يسمع صوتًا في الغرفة. انتظر لحظة؛ فلم يكن قد خلع ملابسه بعد. ركز انتباهه واستمع، غير أنه لم يكن هناك صوت. فتح الماء أكثر فارتفع صوت الماء. كان يفكر: إذا كان هناك أحد، فإن صوت الماء المرتفع سوف يُغريه بالحركة، في نفس الوقت، اقترب من الباب في حذر وهو يلتصق بجدار الحمام. ألقى نظرة سريعة من الزاوية التي يقف فيها. فلم يرَ شيئًا. ولم تكن واجهةُ الدولاب تقع في اتجاه بصره. لكنه عندما نظر في مرآة التسريحة تجمَّد مكانه. كان هناك مَن يحاول فتح الدولاب. فكر بسرعة ثم أخذ يغني بصوت منخفض وكأنه يستحمُّ فعلًا. ثم يُسرع إلى وضع يده تحت الماء، ويرفع صوته بالغناء، ثم يعود مرة أخرى ينظر في اتجاه نفس الزاوية ليراقب مَن بالداخل، وهو يحاول محاولةً مستميتة كي يفتحَ الدولاب. ظل «أحمد» في مكانه يفكر: هل يهاجمه الآن، أو ينتظر قليلًا حتى يفتح الدولاب؟ كان الرجل لا يزال يحاول في حذر شديد. كان الرجل في حدود الأربعين من عمره مفتول العضلات، تبدو على وجهه الشراسة.

فكر «أحمد»: لماذا لم يُغلق الرجل عليه الباب قبل أن يبدأ في المحاولة؟!

وأجاب هو نفسه على السؤال: المؤكد أنه أراد ألَّا يلفتَ النظر. وهذا يعني أنه يثقُ في قدراته تمامًا. كان الرجل لا يزال يحاول فتْحَ الدولاب.

فكر «أحمد»: تُرى هل يعرفون أنه يحمل الرسالة الهامة، أو أن هناك محاولات أخرى تَحدُث في نفس الوقت مع الشياطين!

فجأة رنَّ جرس التليفون. توقَّف الرجل، ثم اختفى بجوار الدولاب، فلم يَعُد يظهر في المرآة.

تراجع «أحمد» بسرعة، إلى حيث الدش، ووضع يدَه تحت الماء، حتى يعطيَ تأثيرًا أنه يستحم، ثم قال بصوت مرتفع: كيف أَخرجُ إليك الآن يا عزيزي صاحب التليفون. إنني ما زلتُ تحت الدش.

ثم عاد مسرعًا إلى نفس الزاوية السابقة … خرج الرجل من جانب الدولاب. وبدأ محاولةَ فتح الدولاب من جديد في نفس الوقت الذي كان فيه التليفون لا يزال يرنُّ. كان «أحمد» يريد أن يَصِل إلى قرار ليختار اللحظةَ المناسبة التي يهاجم فيها الرجل. انتظر حتى استطاع الرجل في النهاية أن يفتح الدولاب، ثم أخذ يعبث بما فيه، حتى أخرج الحقيبة السرية، بدأ يعبث بها. في نفس اللحظة، قفز «أحمد» قفزة واسعة وهو يسدِّد ضربة قوية إلى الرجل، وقبل أن يتحرك الرجل كان «أحمد» قد قذف به في نهاية الغرفة. بينما سقطَت الحقيبة على الأرض. لم ينظر «أحمد» إليها، بل تابع الرجل. وقبل أن يستجمع قواه، كان «أحمد» قد طار في الهواء وضربَه ضربةً قوية، إلا أن الرجل كان بارعًا؛ فقد تفادى ضربة «أحمد». وانتظر قليلًا، ثم ضرب «أحمد» ضربةً أصابَته في وجهه، فترنَّح. أسرع الرجل خلفه، وسدَّد ضربة أخرى، لكن «أحمد» كان يتوقع هذه الحركة، فتفاداها، ثم سدَّد ضربة إلى الرجل، تلقَّاها في قوة، دون أن يُصدرَ أيَّ صوت. لكنَّ ضربة أخرى كانت تأخذ طريقَها إليه، فاهتزَّ غير أنه تمالَكَ نفسه. ودار دورة كاملة حول نفسه. وقبل أن يضرب «أحمد»، كان «أحمد» قد طار في الهواء، وضربَه ضربةً قوية، جعلَته يترنَّح، ثم يصطدم بالحائط، وكان الرجل قد اكتشف أن «أحمد» ليس سهلًا؛ فقد قفز بقوة وهو يضرب النافذة بكتفه، فانكسرَت وسقط خارجها. أسرع «أحمد» خلفه. لكن الرجل كان قد وصل إلى الأرض، واقفًا على قدمَيه، ثم اختفى بسرعة. وقف «أحمد» ينظر إلى الحقيبة السرية، ثم أسرع إليها، وفتحَها. كانت الرسالة موجودة. رنَّ جرس التليفون فأسرع إليه. رفع السماعة، وامتلأ وجهُه بالدهشة، لِمَا سَمِعه من «عثمان».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤