تقديم
صَوْت دونالين ميلر هو صوت معلمة حقيقية؛ فقد همست في آذاننا بأفكار عملية، وتوثيقات، وحقائق جوهرية بشأن تعليم القراءة المستقلة التي تضيع في كثير من الأحيان وسط صخب الاستعدادات الدائمة التزايد للاختبارات؛ فخوفًا من الفشل أو بسبب الضغوط المفروضة علينا من خارج الفصول التي نُدرِّس لها، نتخلى عن الاستراتيجيات والبرامج التي قد تساعد طلابنا في تحقيق النجاح في القراءة والتفكير والكتابة. وترى عينا دونالين الناقدتان ما يحدث حاليًّا في فصولنا، فتأسف للكيفية التي غالبًا ما تتحول بها فصول القراءة إلى أماكن لا محل فيها للقراءة؛ أو بالأحرى القراءة الحقيقية كما يصفها التربويُّون. وتشير دونالين إلى أن لجنة القراءة الوطنية قد نبذت قيمة القراءة المستقلة، لكنَّا لا يسعنا أن نفعل ذلك ببساطة؛ فما الذي قد يدفعنا إلى التركيز على القراءة الزائفة؟
هذا الكتاب كتابٌ عمليٌّ وحماسيٌّ، لا تطرح فيه دونالين ميلر نصوصًا معقدة، أو وصفات لا حصر لها، أو حلولًا سريعة غير واقعية؛ وإنما — بأساليب واضحة ومتيسرة — تشاركنا ميلر التفاصيل العملية لبرنامج قراءة مستقلة، مقدمةً اقتراحات بشأن كيفية البدءِ في منهجية ورشة عمل لا تجعلك تفقد أعصابك والحفاظِ على استمرارها. هل تساءلتَ يومًا كيف تحفِّز شخصًا رافضًا القراءة؟ تقدِّم لك دونالين نصيحةً عمليةً بسيطةً في هذا الشأن. هل تساءلتَ يومًا كيف تجعل طلابك يسجلون ما يقرءونه؟ هل توصلتَ إلى كيفية تشجيع الطلاب على الاستجابة للقراءة دون تجريدها من كل جوانب المرح التي تنطوي عليها؟ لقد فعلتْ دونالين ذلك، وفي كل صفحة من صفحات هذا الكتاب، توضِّح دونالين كيف يمكن لأي معلم الإنصات بذكاء لطلابه والرد عليهم، والوصول بهم إلى آفاق جديدة قد تبدو بعيدة المنال من التحصيل والفخر بالقراءة. ومن خلال الرسوم التخطيطية التي يصممها الفصل، وتدوين الملاحظات، ومحادثات الطلاب، وأنشطة الكتابة؛ تثبت ميلر كيف يمكن للتعليم الذي نقدمه أن يتدفق بسهولة ويُسْر من خلال تفاعلات الطلاب مع النص ومعنا وبعضهم مع بعض.
دونالين صديقةٌ تحب أن تجلس معها على سجيتكَ والتحدث إليها لبعض الوقت، وهي أيضًا من الأصدقاء الذين لا يتجنبون أبدًا الخوض في الموضوع مباشرةً؛ فتُصرِّح بما تفكر فيه وتعرفه بالضبط، ولا تُحجِم عن فعل ذلك. وتنبع مصداقيتها من الخبرة والتجربة، الفشل والتقويم، البديهة الفطرية والاهتمام الصادق، العناد والقدرة على التخلي عن الأشياء. إن دونالين تعلمنا من خلال قصص فصولها وآراء طلابها، وتقدِّم لنا معلومات للتوسع، وتبديل بؤرة اهتمامنا، وجعل فصولنا سبيلًا نحو القراءة الممتعة على مدار الحياة.
تظل دونالين ثابتة على موقفها ومخلصة للممارسات التي أصقلتها في فصولها، مذكِّرةً إيانا بأن تعليم القراءة يتعلق بأمر واحد فقط؛ ألا وهو القراءة. لا مجال هنا لأوراق التدريبات، أو الاختبارات الحاسوبية، أو البرامج التحفيزية، أو النصوص الجاهزة، أو النصوص التي تكتسب قيمتها من كونها كتبًا مهنية. تعبِّر دونالين ميلر عن متعة القراءة، وتذكِّرنا بما ينبغي علينا المحاربة من أجله — طلاب منشغلة أيديهم وأنظارهم وعقولهم بكتب حقيقية يختارونها بحُرية — وما ينبغي أن نصرف اهتمامنا عنه.
ستدفعك قصة دونالين الشخصية إلى التأملِ في برنامج القراءة الذي تطبِّقه وتحسينه. وسواء أكانت تتحدث عن أنواع القرَّاء وحلول التدريس لهم، أم كانت تُذكِّرك (أو تعرِّفك) بعبقرية شروط كامبورن للتعلم وقابليتها للتطبيق، أم تفسر لك لماذا يجب علينا الكفاح من أجل الحصول على وقت للقراءة المستقلة في فصولنا؛ سوف تستمع إلى صوت معلمة حقيقية يقع على مسامعك.
اتخِذْ لنفسك جلسة مريحة مع هذا الكتاب الجيد؛ فالكتب الموصَى بها شخصيًّا هي الأفضل، أليس كذلك؟ ومثلما ترشح دونالين وطلابُها بعضهم لبعض الكتبَ، أرشِّح لك هذا الكتاب. فلتقرأْه الآن، وسيُلهِمك لفتح كتابٍ ما وتعزيز برنامج القراءة المستقلة الخاص بك أو إعادة بدئه لأجلك ولأجل فصلك؛ فقد حدث لي ذلك.
بين طيَّات هذا الكتاب، تحثُّنا دونالين على التأمل في كيفية اشتراك طلابنا في برنامج القراءة الخاص بكلٍّ منا من خلال عرض قصتها الشخصية. إنها تقدِّم لنا رؤية لما يبدو عليه برنامج القراءة الفعَّال، ومدى السهولة التي يمكن تنفيذه بها. لا شك أن أي شيء بهذه الروعة يحتاج إلى بعض الجهد، لكن أي جهد هادف لا نشعر مطلقًا أن به صراعًا. ومع هذا الكتاب، سوف نسترخي فحسب مع تدفق الكلمات ونكتشف كل الأماكن التي يمكننا الذهاب إليها.