مقدمة المؤلفة

لست باحثة متخصصة في القراءة أو خبيرة في سياساتها، ولا أحمل درجة الدكتوراه، إنما أنا معلمة قراءة، شأني شأن الكثيرين منكم، ومصدر مصداقيتي هو أنني معلمة أحثُّ طلابي على القراءة كثيرًا، وعلى حبٍّ للقراءة يستمر لوقت طويل بعد تَرْكِهم فصلي؛ فأطلب منهم قراءة أربعين كتابًا خلال الفترة الزمنية التي يقضونها في فصلي المدرسي للصف السادس؛ وبمرور العام تلو الآخر، يصل طلابي إلى هذا الهدف الخاص بالقراءة أو يتجاوزونه. لا يقرأ طلابي عددًا هائلًا من الكتب فحسب، وإنما يحصلون أيضًا على درجات عالية في تقييم القراءة الذي تجريه ولايتنا، وهو تقييم المعرفة والمهارات بولاية تكساس (تاكس). لم يفشل أيٌّ من طلابي على الإطلاق في تقييم الولاية على مدار أربعة أعوام، ويحصل معدل ٨٥ بالمائة من طلابي على درجات تتجاوز التسعين بالمائة في هذا التقييم، وهو نطاق الدرجات الذي يحظى بالاحترام في تكساس. لقد درَّسْتُ لطلاب من جميع الخلفيات الاقتصادية والعلمية، بدءًا من أبناء المهاجرين غير المتحدثين بالإنجليزية الذين يعانون من صعوبات مع اللغة الإنجليزية وصولًا إلى أبناء أساتذة الجامعات. لكن الظروف التي أُهيئها في فصلي تنجح مع هؤلاء الطلاب كافة.

عندما طلب منِّي موقع teachermagazine.org «تيتشر ماجازين» الإلكتروني الإجابة عن أسئلة القرَّاء المطروحة في عمود «اسأل الخبير» في خريف عام ٢٠٠٧، كان تحفيز الطلاب على قراءة عدد هائل من الكتب هو مصدر مصداقيتي معهم ومع آلاف القرَّاء الذين جعلوا هذا العمود بالغ الشهرة. وانهالت الأسئلة على موقع «تيتشر ماجازين دوت أورج» الإلكتروني من المعلمين والإداريين وأولياء الأمور بشأن انتقاء الكتب، ودفع الطلاب للاهتمام بالقراءة، وتهيئة ظروف من شأنها تشجيع الأطفال على القراءة في الفصول المدرسية وغرف المعيشة بالمنازل.
ونظرًا للطلب الواضح على المعلومات العملية المتعلقة بتنشئة أطفالٍ قرَّاءٍ، عرض عليَّ المحرِّرون في موقع «تيتشر ماجازين دوت أورج» بعد ذلك مهمةً طويلةَ المدى، تتمثل في كتابة مدونة بعنوان «الهامسة بالكتب» The Book Whisperer. وهذه المدونة هي المكان الذي يمكنني فيه رفع شعار القراءة الحرة خاصتي ومناقشة المشكلات التي يواجهها المعلمون يوميًّا؛ ألا وهي: السياسات القومية وسياسات الولايات والمقاطعات التي تفرض علينا ما ندرِّسه، وسعينا الأبدي لحث طلابنا على القراءة.

ما الذي يجعل الحاجة لتحفيز القرَّاء الصغار وإلهامهم مسألة بهذا القدر من الأهمية؟ لماذا يحتاج المعلمون وأولياء الأمور بشدة إلى معلومات حول كيفية دفع الأطفال إلى القراءة؟ يقع هذا الموضوع في بؤرة الضوء لأن كثيرًا من الأطفال لا يقرءون؛ فهم لا يقرءون بالإتقان الكافي، ولا يقرءون بالقدر الكافي، وإذا تحدثت مع الأطفال، فسيخبرونك بأنهم لا يعتبرون القراءة ذات مغزًى في حياتهم.

يُصْدر مجال الدراسات البحثية المتعلقة بالقراءة دراسةً تلو الأخرى في محاولة لتفسير سبب عدم تعلم القرَّاء الناشئين القراءة على نحو جيد بوصولهم إلى الصف الثالث، وعدم اهتمام طلاب المرحلة المتوسطة بالقراءة، وتراجع مقدار قراءات طلاب المرحلة الثانوية مع كل عام يمر عليهم في المدرسة، وعدم تمكُّن العديد من الطلاب من فهم المعلومات التي تحويها كتبهم الدراسية أو اجتياز الاختبارات القياسية. وبدلًا من إعادة النظر في الأساس الواهي الذي قام عليه عدد هائل من برامج القراءة على المستوى الفيدرالي ومستوى الولايات، يطلب واضعو السياسات في التقرير الصادر عن لجنة القراءة الوطنية عام ٢٠٠٠، الذي يحمل عنوان «تعليم الأطفال القراءة»، الحصولَ على المزيد من الأموال، ويرجون منا جميعًا مَنْح هذه البرامج مزيدًا من الوقت (المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية، ٢٠٠٠). الأطفال لا يمكنهم الانتظار، وليس أمامهم الكثير من الوقت؛ فبينما يتهافت واضعو السياسات، ومجالس التعليم على مستوى الولايات والمقاطعات، والإداريون، على اكتشاف أفضل الممارسات لدفع الأطفال إلى القراءة، واضعين برنامجًا تلو الآخر يدَّعون أن كلًّا منها يحوي الحلول المطلوبة؛ ينهي هؤلاء الأطفال دراستهم ويتنفَّسون الصعداء لعدم اضطرارهم لقراءة أي كتاب على الإطلاق بعد ذلك.

لقد عملنا بكدٍّ لوضع أنظمة لتعليم القراءة، لكنني أرى أنه ليس لدينا أي مبرر لتنظيم فعلٍ مثل القراءة في المقام الأول. والجهات الوحيدة المستفيدة من الاتجاهات الحالية الهادفة لإنتاج برامج لا نهاية لها لتعليم القراءة هي دور النشر وشركات الاختبارات التي تَجْني مليارات الدولارات من البرامج والاختبارات التي تنتجها. والمثير للضيق أنَّ مَن يستأثرون بالقدرة على دفع الأطفال للقراءة — وهم مؤلفو كتب الأطفال وأولياء الأمور والمعلمون — يحصلون على أقل قدرٍ من التقدير سواء من الناحية المالية أو أي نواحٍ أخرى.

أعتقد أن هذه الآلية المؤسسية المتمثلة في البرامج المكتوبة، وأوراق تدريبات الاستيعاب (الأوراق القابلة للنسخ، أو المذكرات، أو الأوراق القابلة للطباعة، أو أي اسم تودُّ إطلاقه عليها)، وحزم الحوافز الحاسوبية، والمناهج القائمة على التدرُّب على الاختبارات؛ تدعم أرباح الشركات التي تبيعها. قد تخدع هذه البرامجُ المدارسَ بإيهامها بأنها تَستخدم كل الموارد المتاحة لتعليم القراءة، لكن مصير هذه البرامج يكون الفشل؛ لأنها تتجاهل الفكرة الأهم؛ فعند التدقيق في كل هذه البرامج، سنجد أنها تطمس فكرة «الطفل الذي يقرأ كتابًا».

في عام ٢٠٠٠، استبعدت لجنةُ القراءة الوطنية القراءةَ المستقلةَ من توصياتها المتعلقة بتحسين تعليم القراءة، مشيرةً إلى أن «اللجنة لم تتمكن من التوصُّل إلى علاقة إيجابية بين كلٍّ من البرامج والتعليم الذي يشجع على قدر كبير من القراءة الحرة وتَحَسُّن التحصيل في القراءة» (المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية، ٢٠٠٠: ١٢-١٣). ما يحيِّرني أن مبادرةً تهدف لتحسين تحصيل الطلاب في القراءة تَستبعد القراءة الحرة المستقلة. يحدد الباحث والناشط المرموق، ستيفن كراشين، مؤلف كتاب «قوة القراءة»، إحدى وخمسين دراسة تثبت أن الطلاب في برامج القراءة الحرة يحققون أداءً أفضل أو معادلًا لأداء الطلاب في أي نوع آخر من برامج القراءة. وتَوصَّل كراشين إلى أن حافز الطلاب للقراءة واهتمامهم بها يكونان أكبر عندما تُتاح لهم فرصة القراءة في المدرسة. وتشير نتائج كراشين إلى أنه يجدر بأي نشاط آخر مُتَّبَع في الفصول المدرسية لتعليم القراءة أن يحقِّق نفس نتائج القراءة المستقلة — ليس فقط من حيث التحصيل في القراءة، وإنما أيضًا من حيث «التحفيز» — وإلا فسيكون مُضِرًّا بالطلاب.

وقد سُئِلت مؤخرًا خلال فعالية كنت ألقي فيها خطابًا عن الكيفية التي أبرِّر بها لناظر المدرسة مسألة الساعات التي أخصصها من وقت الفصل المدرسي لقراءة الطلاب. وعندما أشرتُ إلى نتائج الاختبارات التي حصل عليها طلابي، تعالت صيحات الانبهار من جميع أنحاء القاعة، لكن التركيز على درجات الاختبارات أو عدد الكتب التي يقرؤها طلابي لا يفي الأمر حقَّه؛ ولا حتى نصف حقه؛ فطلابي — كما ترى — ليسوا قرَّاءً ضليعين وبارعين فحسب؛ وإنما هم مُحِبون للكتب والقراءة.

من هنا يجب أن تبدأ تنشئة قرَّاء يواظبون على القراءة مدى الحياة. وأي شخص يصف نفسه بالقارئ يمكنه أن يخبرك بأن الأمر يبدأ بالتعرُّف على كتب عظيمة، والحصول على ترشيحات صادقة، ومعرفة مجموعة من القرَّاء يشاركونك هذا الشغف. إن أوراق التدريبات التي يقدمها أي معلم لطلابه لا تجعل منهم قرَّاءً، ولو كثرت؛ بل الكتب وحدها هي التي تفعل ذلك.

إن ابتكار التربويين لمصطلحات «القراءة الفعلية» و«القراءة الأصيلة» و«القراءة المستقلة» للتفريق بين ما يفعله القرَّاء في المدرسة وما يفعله القرَّاء في الحياة؛ يشكل جزءًا من المشكلة. لماذا يجب أن يكون هناك اختلاف؟ لماذا ينفصل الهدف من تعليم القراءة عن القراءة في بقية حياة الطالب؟ متى أصبحت القراءة عملية تكنوقراطية حتى فقدنا الكتب والأطفال في خضم الجدل القائم بشأنها؟ إنني مقتنعة بأننا إذا أوضحنا للطلاب كيفية تبنِّي القراءة بوصفها مسعًى مستمرًّا على مدار حياتهم، وليست مجرد مجموعة من المهارات اللازمة من أجل الأداء المدرسي، فسوف نحقق بذلك ما أعتقد أننا مُكلَّفون بفعله؛ ألا وهو تنشئة أشخاص قارئين.

بغضِّ النظر عن المرحلة التي وصلتَ إليها من حياتك المهنية كمعلم، ثمة شيء سيقدمه لك هذا الكتاب. يستكشف كلُّ فصل من هذا الكتاب جانبًا من جوانب عملي كمعلمة، يمثل جزءًا من خطة مترابطة الأجزاء تهدف إلى بناء ثقافة للفصل المدرسي يقرأ الطلاب في إطارها. وتشمل الموضوعات المطروحة ما يلي:
  • «تأملاتي الشخصية حول شغفي بالقراءة طوال حياتي»: يتمثل أقوى عناصر ممارستي لمهنة التدريس في استمتاعي بالقراءة وتجاربي معها. تابِعْ رحلتي كقارئة، وتَدبَّرْ فيما تعنيه القراءة لك.

  • «استراتيجيات عملية يمكنك تطبيقها في فصلك»: استكشِفِ التفاصيل العملية لإنشاء مكتبة عامة في الفصل المدرسي، وتحديد متطلبات القراءة، وتخصيص وقت للقراءة، وتغيير أسلوبك في التدريس ليتماشى مع عادات القرَّاء الحقيقيين.

  • «قصص واقتباسات من طلاب أصبحوا قرَّاءً»: إن أفضل الدروس التي تعلمتُها بشأن تدريس القراءة استقيتُها من طلابي. فلتَدَعْ كلماتهم بشأن عيشهم مع القراءة، والكيفية التي تمنعهم بها المدارس غالبًا من أن يصيروا قرَّاءً، ترشدك وتلهمك. كل اقتباسات الطلاب المذكورة في هذا الكتاب لطلابي من الصف السادس.

  • «همسات»: تَعرِض هذه الفواصلُ القصيرةُ الموزَّعةُ عبر صفحات الكتاب التدريباتِ التي استخدمتُها في المراحل المبكرة والمتوسطة والمتقدمة من العام الدراسي للتشجيع على الحوار حول القراءة بيني وبين الطلاب.

ما الداعي إذن من وراء تأليف كتاب آخر حول دفع الطلاب إلى القراءة؟ هل أنا منافقة لاستهجاني صناعة البرامج المتَّبَعة في تعليم القراءة، ثم مشاركتي فيها عن طريق إصدار كتاب آخر يدَّعي احتواءه على إجابات؟ على الرغم من قراءتي وتطبيقي العديدَ من هذه الأفكار بنفسي، بما في ذلك الأفكار المتعلقة بكيفية إقامة وِرَش عمل للقراءة والكتابة وتدريس استراتيجيات الفهم، فإن هذا الكتاب يقدِّم شيئًا مختلفًا. وقد قال توني موريسون: «إذا كان هناك كتاب ترغب في قراءته بشدة لكنه لم يُكتَب بعد، فعليك إذن بكتابته» (جيكوبز ويالمارسون، ٢٠٠٢). وهذه حقيقة هذا الكتاب؛ فهو الكتاب الذي تمنيتُ أن أجده عندما كنت أتعلم كيفية التدريس؛ فقد كنت بحاجة لكتاب يوضح لي كيفية ربط حبي للقراءة بتدريسي لها، وكيفية استخدام ما أعرفه بالفعل عن معنى أن يكون المرء شغوفًا بالقراءة طوال حياته لتشجيع طلابي على القراءة، لكنني لم أعثر عليه قط.

أتصور أن بعض قرَّاء هذا الكتاب ستَثْبُت لهم صحة الممارسات الممتازة التي يتبعونها بالفعل لتحفيز طلابهم على القراءة. انعموا بهذا الشعور بالتثبُّت؛ فأنتم جديرون به! وبعضكم بحاجة إلى النصائح العملية التي أقدِّمها، فافعلوا ما يفعله المعلمون العظماء دائمًا: استولوا على ما يمكنكم استخدامه من أفكار. لكن ثمة قلة بيننا بحاجة لتغيير جوهري، وهو تبديل نموذجنا الفكري بشأن ما يجب أن تكون عليه القراءة، سواء لطلابنا أو لأنفسنا. أتمنى أن تعثروا على هذا التغيير. ربما يلهمك هذا الكتاب لبدء البحث عنه. وبغضِّ النظر عن أي نوع من القُرَّاء أنت، اعلم أنني أُقدِّرك وأرحب بك في هذا الكتاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤