الجزء الخامس

الجزء ٥(أ)

الهدف من هذين الجزأين التاليَين هو توضيح كيف أن الأفكار الجديدة التي قدَّمها كلٌّ من ديديكند وكانتور ظهرت على نحوٍ مُماثل تقريبًا لنشأة حساب التفاضل والتكامل، أي في صورة أساليب لمعالجة بعض المشكلات المُلحة للغاية التي عجزت الرياضيات حقًّا عن إحراز أي تقدُّم دون التصدي لها ومواجهتها. تتمثل فكرة الجزء ٥ في رسم مخطط لرصد التطورات والخلافات الخاصة بما بعد حساب التفاضل والتكامل التي خلقت بيئةً مواتية أصبحت فيها رياضيات الأعداد فوق المنتهية أمرًا مُمكنًا، بل وضروريًّا أيضًا إن جاز التعبير. كما يُرجى ملاحظة أننا سوف نكون هنا بصدد «رسم مخطط». فلا سبيل لإنشاء جدولٍ زمني، حتى لو كان جدولًا زمنيًّا تقريبيًّا، للفترة ما بين عامَي ١٧٠٠ و١٨٥٠. فالأحداث كانت كثيرة للغاية ومتواترة على نحوٍ سريع جدًّا.

في العموم، كان وضع الرياضيات بعد عام ١٧٠٠ غريبًا جدًّا، وكان جزءٌ كبير من هذه الغرابة يتعلق — مرةً أخرى — بالعلاقات بين الواقع التجريبي والتجريد المفاهيمي.١ وحسبما يمكن أن يشهد أي شخصٍ انتقل من دراسة الرياضيات في المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية، فإن التحليل أكثرُ تجريدًا بكثيرٍ وأصعب من أي شيءٍ جاء قبله.٢ وفي الوقت نفسِه، فإن قوته التفسيرية غير مسبوقة وتطبيقاته العملية تتجاوز الآفاق. ويُعزى سبب ذلك بصفةٍ أساسية إلى قدرة التحليل على التحديد الكَمِّي للحركة والمعالجة والتغيُّر، وكذلك إلى التعميم المتزايد للغاية لقوانين الفيزياء التي تُكتَب على صورة معادلات تفاضلية أو متسلسلات مُثلثية. وفي الوقت نفسِه، ومثلما حدث تمامًا مع تطوُّر حساب التفاضل والتكامل الكلاسيكي، فإن الكثير من التقدُّم الذي شهدته الرياضيات في الفترة ما بين عام ١٧٠٠ وعلى أقل تقدير عام ١٨٣٠ كان ردَّ فعل على مشاكل علمية، سبق أن ذكرنا بعضها من قبل. الفكرة هنا أكثر رسوخًا عما كانت عليه في الجزء ٣(ب): لقد نجحت أدوات التحليل حقًّا في كل شيءٍ بدءًا من علم الفلَك ووصولًا إلى العلوم الهندسية، والملاحة، وأساليب الحرب، وغيرها. والنتيجة كانت ما أطلق عليه العالِم الكبير البارع إم كلاين «امتزاج افتراضي للرياضيات ومجالات العِلم الواسعة.»

في الواقع، مميزات هذا الامتزاج أكثرُ جلاءً من مَخاطِره. ولنتذكر مرةً أخرى أن إحدى ميزات الرياضيات التي لا تُقَدَّر بثمن أنها من المُفترض أن تكون استنتاجية، وهي حقيقة بديهية مُسلَّم بها لنظرياتها. تؤسَّس الحقائق العلمية على أساس تجريبي؛ فهي حقائقُ استقرائية، ومن ثمَّ فإنها تخضع إلى جميع الشكوك المجردة التي يتعرَّض لها المرء في الصباح الباكر والتي تحدَّثنا عنها بالتفصيل في الجزء ١. الاستقراء — بلغة المنطق — لا أساسَ له، بينما تُبنى الحقائق الرياضية على أساسٍ راسخ من المُسلَّمات وقواعد الاستنتاج. هذا كله ناقشناه من قبل، وكذلك الصِّلة بين الأساسيات والصرامة، بالإضافة إلى ما ورد في مسرد المصطلحات الأول بالجزء ٣(ﺟ) بشأن محاولة التحليل (في النهاية) لإضفاء مزيدٍ من الدقة والصرامة على حساب التفاضل والتكامل.

جوهر الموضوع: لا يكفي أن تكون النظريات الرياضية قابلة للتطبيق؛ فمن المفترض أيضًا أن تكون مُعرَّفة بدقةٍ ومُثبَتة على نحوٍ يتفق مع المعيار الاستنتاجي الرائع لدى الإغريق. ومع ذلك، ليس هذا ما حدث خلال معظم العَقد الأول من القرن الثامن عشر. كان الأمر في الحقيقة أشبهَ بفقاعة سوق الأوراق المالية. وبدا الوضع رائعًا لفترةٍ وجيزة. خلقَ «الامتزاج الافتراضي»، الذي مكَّنت فيه الاكتشافات الرياضية حدوث تطوراتٍ علمية حفَّزت بدورها مزيدًا من الاكتشافات في الرياضيات،٣ وضعًا للرياضيات أشبه بشجرةٍ٤ ذات فروع وارفة وممتدةٍ ولكنها بلا جذور حقيقية راسخة. لم تكن تُوجَد حتى هذه اللحظة تعريفات ذات أساس راسخ ودقة صارمة لمفهوم التفاضل أو المشتقة أو التكامل أو النهاية أو المتسلسلات المتقاربة والمتباعدة. ولا حتى تعريف للدالة. كان هناك جدلٌ مستمر، ولكن في الوقت نفسِه بدا أن أحدًا لم يكن يهتم.٥ أثبتت حقيقة أن مُتناهياتِ الصغر في حساب التفاضل والتكامل (والآن النهايات من النوع اللانهائي التي يُمكن أن «تقترب» منها المقادير دون أن تصل إليها تمامًا)، صحتها دون أي أساس مُترابط. وهذا أمرٌ اعترَى موضوع التحليل برمته. ودون أن يُصرِّح أحدٌ بذلك بوضوح، شرعت الرياضيات في اتباع النهج الاستنتاجي.
الكثير من التطوُّرات المهمة والالتباسات الهائلة التي شهدها العقدُ الأول من القرن الثامن عشر كان من نصيب المجالات الخاصة بالدوال والمعادلات التفاضلية والمتسلسلات المثلثية. وفيما يخصُّ موضوعنا هنا، سيكون من المهم إلقاءُ نظرةٍ على بعض المشاكل المحددة في الرياضيات والعلوم التي استُخدِمَت فيها هذه المفاهيم. وسوف يتطلب هذا بدوره وضع مسرد مصطلحاتٍ آخر ذي صلة بالموضوع (ولكنه سيكون أصعب،٦ والذي يُمكنك مرةً أخرى أن تُكرِّس له قدرًا كبيرًا من الوقت والاهتمام حسبما تسمح خلفيتك واهتمامك (ولكن ربما ينبغي لك أن تتجاوزه على الأقل ثم تستعد للرجوع إليه لاحقًا إذا صادفتك صعوباتٌ في موضعها) وهكذا.

مسرد المصطلحات الثاني

  • مشتقة (اسم) مقابل تفاضُلة (اسم): يجب التمييز بين هذَين المصطلحين رغم أنهما وثيقا الصلة للغاية، حتى إن المشتقة أحيانًا ما تُسمَّى «معامل تفاضُلي». ونذكر مما وردَ في مسرد المصطلحات الأول أنَّ المشتقة هي معدل تغيُّر دالة بالنسبة إلى المُتغير المستقل. وفي حالة دالة بسيطة مثل ،٧ تكون المشتقة هي . ومع ذلك، فإن كلًّا من و هنا عبارة عن تفاضُلتَيْن. وفي حالة مثل ، حيث هي المتغير المُستقل، تكون تفاضُلة (أي ) هي أي تغيُّر اختياري في قيمة ، وفي هذه الحالة يُمكن تعريفُ عن طريق ، حيث هي مشتقة . (هل هذا مفهومٌ؟ إذا كانت ، فإن هي بديهيًّا ).

    من الطرُق السهلة لفهم هذين المصطلحين بسلاسةٍ ويُسر أن نتذكَّر أن المشتقة هي حرفيًّا النسبة بين تفاضُلتَيْن، وهذه هي الطريقة التي عرَّف بها تلامذة لايبنتس المُشتقة في المقام الأول.

  • مُشتقة جزئية مقابل تفاضُلة تامَّة: يُعدُّ هذا هو التمييزَ الوثيقَ الصلةِ بالنسبة إلى «الدوال في عدة متغيرات»،٨ أي تلك الدوال التي تتضمَّن أكثر من مُتغير مُستقل واحد. المشتقة الجزئية هي معدل تغيُّر دالة متعددة المتغيرات بالنسبة إلى أحد المتغيرات ذات الصلة، حيث تُعامَل المتغيرات الأخرى على أنها ثوابت، ومن ثمَّ سيكون للدالة عمومًا مشتقاتٌ جزئية بعددِ ما لها من متغيراتٍ مستقلة. يُستخدَم رمزٌ خاص أسماه د. جوريس «ديسلكسيك ٦» للمشتقات الجزئية، كما على سبيل المثال في المُشتقتَيْن الجزئيتَيْن لمعادلة دالة حجم الأسطوانة القائمة، ، وهما: و . أما التفاضُلة التامة، على الجانب الآخر، فهي تفاضُلة دالة في أكثرَ من مُتغيرٍ مُستقل، وهو ما يُكافئ عادةً قولنا إنها تفاضُلة المتغير التابع. يُستخدَم الرمز « » للتفاضُلات التامة أيضًا. في حالة دالة مُتعددة المتغيرات مثل ، التفاضُلة التامة ﻟ ستكون .

    ربما يبدو أول مُدخَلَيْن هنا شديدَي التخصُّص، ولكنهما في الواقع ضروريان للمعادلات التفاضلية.

  • معادلات تفاضلية (بدءًا من (أ) إلى (ﺟ)) (أما (ب)، فهي عامة إلى حدٍّ ما): هي أول أداة في الرياضيات لحل مسائل في الفيزياء وعلوم الهندسة والقياس عن بُعد والتشغيل الآلي (الأتمتة) وكل أنواع العلوم المادية. وعادةً ما تكون بداية تعاملك مع المعادلات التفاضلية في نهاية مُقرَّر الرياضيات في العام الأول بالجامعة؛ فسوف تكتشف في حساب التفاضل والتكامل (٣) مدى صعوبتها وكيف أنها موجودة حقًّا في كل شيء.
    • (أ) بمفهوم واسع، تتضمَّن المعادلاتُ التفاضلية علاقاتٍ بين مُتغير مُستقل ومتغير تابع ، ومشتقة (مشتقات) ما ﻟ بالنسبة إلى . يمكن النظر إلى المعادلات التفاضلية إما على أنها حساب تكامل في نوعٍ من العقاقير المهلوسة من الفئة الرابعة وإما (وهذا أفضل)٩ على أنها «دوالُّ أعلى»، بمعنى أنها أعلى من الدوال العادية بفارق مستوًى واحد من التجريد، وهو ما يعني بدوره أنه إذا كانت الدالة العادية عبارة عن آلة مدخلاتها بعض الأعداد ومخرجاتها أعداد أخرى،١٠ فإن المعادلة التفاضلية عبارة عن آلة مدخلاتها دوالُّ معينة ومخرجاتها دوالُّ أخرى. وهكذا، فإن حل أي معادلة تفاضلية يكون دائمًا عبارةً عن دالة ما، بل وتحديدًا دالة يمكن التعويض بها في المتغير التابع للمعادلة التفاضلية لإنشاء ما يُعرَف باسم «المُتطابقة»، وهي مساواة بين عبارتَين رياضيتَين؛ أي نوع من طوطولوجيا الرياضيات.
      قد لا يكون هذا ذا فائدة كبيرة للغاية. وبمصطلحاتٍ أكثر تحديدًا،١١ فإنَّ معادلة تفاضلية بسيطة مثل يكون حلُّها هو الدالة التي مُشتقتها هي . هذا يعني أن المطلوب الآن هو التكامل، أي إيجاد الدالة (الدوال) التي تُحقق . وإذا كنتَ لا تزال تذكر بعضًا من مُقرَّر الرياضيات في العام الأول بالجامعة، فستعرف على الأرجح أن يساوي (حيث هو ثابت التكامل الشهير،١٢ التي هي نفسها المعادلة ، والتي ستكون فيما بعد حلَّ المعادلة التفاضلية . وستكون الحلول الخاصة لهذه المعادلة التفاضلية هي تلك الدوال التي يأخذ فيها قيمة مُحددة، كما في حالة وهكذا.
    • (ب) من حيث التمثيلاتُ البيانية، نظرًا إلى وجود وما يُسمَّى بالحلول العامة/الخاصة، تميل المعادلات التفاضلية إلى إعطاء «مجموعات من المنحنيات» كحلول. بينما تميل عادةً مفكوكاتُ هذه المعادلات، على الجانب الآخر، إلى إعطاء متتابعاتٍ من الدوال، ولتعلم أن الانتقال في التحليل من متتابعات/متسلسلات من المقادير إلى متتابعاتٍ/متسلسلاتٍ من الدوال هو في نهاية المطاف عنصرٌ جوهريٌّ ومحوريٌّ في موضوع اللانهائية. ومن الناحية التاريخية، هذا الانتقال هو ما حدَّد تحوُّل الرياضيات من تحليل أويلر في بداية القرن الثامن عشر إلى تحليل كوشي في الفترة ما بين أوائل القرن التاسع عشر ومنتصفه. وكما ذكرنا بإيجاز في الجزء ٣، يُنسَب الفضل إلى البارون أيه إل كوشي في أول محاولة حقيقية لإضفاء الدقة على التحليل؛ فقد استحدث مفهومًا أكثر تطورًا للنهاية يعتمد على التقارب، واستطاع أن يُعرِّف في ضوئه الاتصال والمُتناهيات في الصغر بل وحتى اللانهائية.١٣
      كان كوشي أيضًا أول مَنْ بحث جديًّا في متسلسلات الدوال التي تتضمَّن أيضًا المسائل المحورية فيها موضوع التقارُب.

      جزء تكميلي سريع للنقطة (ب)

      • معادلة تفاضلية (ب): يوشك المصطلح أن يزداد تعقيدًا. وفضلًا عن إمكانية العودة إلى مسرد المصطلحات الأول عند الحاجة، عليك أن تعلم هنا حقيقتَين مترابطتَين: (١) التقارب هو (أو على الأقل يبدو) مختلف جدًّا في حالة متتابعات/متسلسلات الدوال عنه في حالة متتابعات/متسلسلات المقادير. على سبيل المثال، ما تتقارب إليه مُتسلسلة متقاربة من الدوال هو دالة معينة … أو من الأدق أن نقول إن مجموع متسلسلة متقاربة من الدوال سوف يتقارب دائمًا من دالةٍ ما.١٤ (٢) تُوجَد مجموعة كبيرة ومتبادلة من العلاقات بين مفاهيم الاتصال للدوال والتقارُب لمتسلسلة من الدوال. ولحُسن الحظ، لا يعنينا منها سوى القليل، ولكن في العموم تقع هذه العلاقات في صميم موضوع التحليل المُضطرب في القرن التاسع عشر، وتتداخل معها بعض الأمور بدرجةٍ كبيرة. ومثالٌ على ذلك خطأ شهير ارتكبه كوشي، وهو الذي نعرضه هنا كإشارةٍ فقط إلى مدى ارتباط الاتصال والتقارُب بالنسبة إلى الدوال. ذهب كوشي إلى أنه إذا كان مجموع مُتتابعة من الدوال المتصلة تتقارب عند جميع نقاط فترةٍ معينة إلى دالة ما ، فإن الدالة نفسَها تكون مُتصلة على هذه الفترة. ونأمُل أن تتضح أكثرَ أهميةُ ذلك ووجهُ الخطأ فيه في الجزأَين التاليَين.
      نهاية «جزء تكميلي سريع للنقطة (ب)» قيد النقاش.

      •••

      بما أنك لا تستطيع فعليًّا إيجاد مجاميعَ جزئية من متسلسلاتٍ من الدوال، يُصبح من المهم إذن وضعُ اختباراتٍ عامة لتقارب هذه المسلسلات/المتتابعات. ينصُّ اختبارٌ عام رائد، يُسمَّى شرط كوشي للتقارب (أو ) خلال العقد الثاني من القرن التاسع عشر، على أن متتابعة غير منتهية تتقارب (أي تكون لها نهاية) إذا وإذا فقط كانت القيمة المطلقة ﻟ أقلَّ من أي مقدار مُحدد لجميع قيم ، على افتراض أن كبيرة بما يكفي.١٥
      حقيقةٌ أخيرة عن الدوال والتقارب (كان ينبغي على الأرجح تضمينُها في التكملة السريعة المُضمَّنة أعلاه): لإثبات أن دالةً ما قابلة للتمثيل (= قابلة للفك) على صورة متسلسلة غير منتهية، يجب أن تتأكَّد من أن المتسلسلة تتقارب عند جميع النقاط من . ومن الواضح أن هذا لا يمكن تحقيقُه بجمع عددٍ لا نهائي من الحدود؛ فلا بدَّ هنا من برهانٍ مجرد. وهذا أيضًا سيكون مُهمًّا عندما نتحدَّث عن أبحاث كانتور الأولى في التحليل.
    • (جـ) أحد الأسباب التي تجعل المعادلات التفاضلية صعبةً للغاية في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي وجود الكثير من الأنواع والأنواع الفرعية منها، التي يتمُّ تحديدها بكل أنواع المصطلحات شديدة التخصُّص مثل «رتبة»، و«درجة»، و«قابلية الفصل»، و«التجانس»، و«الخَطية»، و«التأخر»، و«معامل النمو» في مقابل «معامل التضاؤل»، وغيرها. وبالنسبة لنا، فالتمييز الأهم هو بين المعادلة التفاضلية العادية والمعادلة التفاضلية الجزئية. تحتوي المعادلة التفاضلية الجزئية على أكثرَ من مُتغير مُستقل واحد، ومن ثمَّ تكون لها مشتقاتٌ جزئية (ومن هنا جاء الاسم)، بينما المعادلة التفاضلية العادية لا تكون لها أيُّ مُشتقات جزئية. وبما أن معظم الظواهر الفيزيائية تكون معقَّدة للغاية بما يتطلَّب دوالَّ مُتعددة المتغيرات ومشتقات جزئية، من غير المُستغرَب أن تكون المعادلات التفاضلية المفيدة والمهمة حقًّا هنا هي المعادلات التفاضلية الجزئية. ثمة تعريفان آخران ينبغي معرفتهما عن المعادلات التفاضلية، وهما الشروط الحَديَّة والشروط الابتدائية، وهما يتعلقان بتحديد قيم المسموح لها أو قيم أي ثوابت موجودة في المعادلة. المصطلحان وثيقا الصلة نظرًا إلى وجود علاقات مهمة بين هذَين الشرطَيْن وتحديد فتراتٍ مُعينة على خط الأعداد الحقيقية يمكن تحديدُ مدى الدالة عليها، والأخيرة ستكون مهمة للغاية في تحليل فايرشتراس خلال الفترة ما بين منتصف القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر الذي سنتحدَّث عنه في الجزء ٥(ﻫ).
  • المعادلة الموجية: هذه معادلة تفاضلية جزئية شهيرة وفعَّالة للغاية. وهي مؤثرة للغاية في كلٍّ من الرياضيات البحتة والتطبيقية، وبصفة خاصة في الفيزياء والعلوم الهندسية.١٦ فيما يخص أهدافنا هنا، الصيغة ذات الصلة هي صيغة أو «غير اللابلاسية» للمعادلة الموجية، التي (معلومة إضافية) تبدو على النحو التالي:
  • المتسلسلات المُثلثية: كان ينبغي على الأرجح تناولُها في مسرد المصطلحات الأول، وهي بالأساس متسلسلة حدودها مكتوبة على صورة نِسَب الجيب وجيب التمام١٧ لزوايا متنوعة. وتكون الصيغة العامة عادةً شيئًا من قبيل . تلعب المتسلسلات المُثلثية دورًا رئيسيًّا في موضوعنا، ليس فقط لأنها تشمل متسلسلة فورييه كأحد أنواعها الفرعية،١٨ ولكن أيضًا لأن بعض الدوال المهمة للغاية يمكن تمثيلها بواسطة المتسلسلات المُثلثية وكذلك المعادلات التفاضلية الجزئية. وتقع الصلة بين المعادلات التفاضلية الجزئية والمتسلسلات المُثلثية في صميم تعريف الدالة. وفي الواقع، فإنَّ تعريف الدالة في الرياضيات الحديثة، الذي يختلف عن التعريف الوارد لها في مسرد المصطلحات الأول في تحديد أنَّ العلاقة بين كل و الخاصة بها يُمكن أن تكون اختيارية تمامًا، دون الحاجة إلى قاعدة أو حتى تفسير١٩ هو نِتاج جهود بحثية مُضنية على العلاقات بين الدوال، وتمثيلها على صورة متسلسلات.
  • التقارُب المنتظم والمعلومات الفرعية المرتبطة به (أ–ﻫ): تتضمَّن هذه العناصر التعريفات الواردة في مسرد المصطلحات الأول لمصطلحَي الفترة والدالة المتصلة، وكذلك الجزء المتعلق بتقارُب متسلسلة من الدوال في الجزء الخاص بكوشي — المعادلات التفاضلية (ب) — أعلاه. بالإضافة إلى كون هذا المصطلح ضروريًّا لِفَهم بعض النتائج الكبرى السابقة على كانتور التي سوف نتحدَّث عنها في أجزاءٍ لاحقة، فإنه سوف يُعطيك فكرةً عمَّا اتَّسَم به التحليل في القرن التاسع عشر من تجريد مُتقلب حقًّا.
    • (أ) التعريف الأساسي: تكون متسلسلةٌ من الدوال المتصلة في متغيرٍ ما على فترة ما منتظمة التقارب إذا كانت تتقارب عند كل قيمةٍ من قِيَم بين و . هناك أيضًا معلومة متداوَلة بأنَّ «بواقي»٢٠ المتسلسلة التي يجب أن تكون صغيرة على نحو غير مُتناهٍ بما يُتيح لنا تخطِّيَها. وجوهر الموضوع هو أن مجموع المتسلسلة المتقاربة المنتظمة التقارُب سوف يكون في حدِّ ذاته دالةً متصلة في على الفترة .
    • (ب) وكما أنَّه ليست كل متسلسلة متقاربة، فإنَّ كل متسلسلة متقاربة لا تكون بالضرورة منتظمةَ التقارب. وبالمثل، ليس جميع المتسلسلات المتقاربة رتيبةً (مُطَّرِدة)، وهو ما يعني بصفة أساسية أنها تتغيَّر في الاتجاه نفسِه دائمًا. مثال على المتسلسلة الرتيبة النقصان: الثنائي .٢١
    • (جـ) من الأمور المتعلقة بتقارُب متسلسلة على فترة مُعطاة مسألة أن دالة ما تكون متصلة قطاعيًّا على فترةٍ مُعطاة، وهو ما نحصل عليه عند إمكانية تقسيم إلى عدد محدود من الفترات الجزئية، بحيث تكون متصلة على كل فترةٍ جزئية على حِدَة وتكون لها نهاية محددة عند كل نقطة نهاية دُنيا (= ) وعُليا (= ). (لاحظ هنا أن كلمة «قطاعي» يمكن أيضًا أن تُعدِّل (تُحدِّد) كلمة رتيبة)،٢٢ بمعنى أن بعض المتسلسلات الرتيبة — وليس جميعها — تكون رتيبة قطاعيًّا، وهذه معلومة عابرة سوف تحتاج إليها في الجزء ٥(د).
    • (د) لأسبابٍ معقدة، إذا كانت دالة ما متصلة قطاعيًّا، فسوف يكون لها عدد محدود فقط من نقاط عدم الاتصال في الفترة المُعرَّفة عليها. ولِفَهم الفكرة جيدًا، فإن عدم الاتصال ما هو إلا نقطة٢٣ تكون الدالة عندها غير متصلة. مثال: من الواضح أن دالة فورييه غير الكاملة سوف تكون لها نقاط عدم اتصال عند أي قيمة من قيم تجعل يساوي . يوجد العديد من الأنواع الفرعية المختلفة لنقاط عدم الاتصال، وهي حقيقة سوف نتجاهلها غالبًا. وفيما يخص التمثيلات البيانية، فإن عدم الاتصال عبارة عن نقطة لا يكون المنحنى عندها أملسَ، أي حيث يرتفع أو ينخفض فجأة، أو حتى حيث يُوجَد فراغ. لاحظ أيضًا تنقيحًا دلاليًّا بسيطًا: بما أن المصطلح «نقطة عدم الاتصال» يُمكن أيضًا أن يشير — حسب التجريد من المستوى الثاني — إلى الشرط العام لكون شيءٍ ما غيرَ متصل، فإن المصطلح «نقطة استثنائية» يُستخدَم أحيانًا للإشارة إلى نقطة محددة يُوجَد عندها عدم اتصال. ولُب الموضوع هنا أن التحليل يميل إلى استخدام «نقطة عدم الاتصال» و«النقطة الاستثنائية» بالتبادل.
    • (هـ) أخيرًا: يبدو مصطلح «التقارُب المُنتظم» مشابهًا على نحوٍ خادع لمصطلح «التقارب المُطلق»، وفي الواقع فإنهما مصطلحان مختلفان تمامًا في الرياضيات. يمكن أن تحتويَ متسلسلة غير منتهية متقاربة على حدودٍ سالبة (مثل متسلسلة جراندي من الجزء ٣(أ)). إذا أصبح أيٌّ من أو جميع الحدود السالبة للمتسلسلة موجبة (أي: إذا سُمِح فقط بالقيم المطلقة للحدود) وظلت متقاربة، فإنها تكون إذن «متقاربة مطلقًا»، وإلا فستكون «متقاربة شرطيًّا».
نهاية «مسرد المصطلحات الثاني»

الجزء ٥(ب)

المغزى العام في غالبية محتوى الجزء ٥ حتى الآن: شهد القرن الثامن عشر تداولًا لأفكارٍ مهمة، ولكنها غير مدعومة بالأدلة عن الدوال والدوال المُتصلة والدوال المتقاربة وغيرها، وخضعت تعريفاتها وخصائصها المختلفة لتغييرٍ وتنقيح مُستمرَّيْن مع معالجة التحليل لمسائل متنوعة. وكما ذكرنا من قبل، وكما كان الحال تمامًا في القرن السابع عشر، فإن الكثير من هذه المسائل كانت علمية فيزيائية. وفيما يلي بعض المسائل الكبرى في القرن الثامن عشر: سلوك السلاسل المرنة المُعلقة بين نقطتَين (وهو ما يُعرف أيضًا ﺑ «مسائل منحنى السلسلة»)، وحركة نقطة على طول منحنيات الهبوط (= «المنحنى الأسرع هبوطًا/الأقصر زمنًا»)، وحزم مرنة تحت تأثير الشَّدِّ، وحركة بندول في وسائط مقاومة، والأشكال التي يتخذها شراع تحت تأثير ضغط الرياح (= «فلاريا») ومدارات الكواكب فيما بينها، والمنحنيات الكَاوية في علم البصريات، وتحركات البوصلة الثابتة على كُرة (= الخطوط الثابتة المتوازية مع خطوط الطول). فيما يخص أهدافنا هنا، أهمها جميعًا هي مسألة «الوتر المُهتَز» الشهيرة، التي ترجع في بعض جوانبها إلى اكتشافات فيثاغورس بشأن السُّلَّم الموسيقي الثنائي النغمات في الجزء ٢(أ). تتمثل مسألة «الوتر المُهتَز» العامة فيما يلي: بمعلومية طول وترٍ مشدود بشكل مُستعرَض، وموضعه الابتدائي، وشَدِّه، احسب حركته عند تحريره ليبدأ في الاهتزاز. ستكون هذه الحركة عبارة عن مُنحنيات، وهو ما يمكن أن نُسميَه أيضًا دوالَّ.

السبب في أن مسألة الوتر المُهتَز تُعَدُّ غالبًا إحدى الركائز الأساسية في رياضيات السنة الثانية بالجامعة هو أنها تُعَد أول تطبيق حقيقي للمعادلات التفاضلية الجزئية في مسألة تخصُّ الفيزياء. وإليكم لمحة تاريخية عن هذا الموضوع. في فترة الأربعينيات من القرن الثامن عشر، اقترح جيه إل آر دالمبير ما هو في الأساس معادلة موجية في بُعدٍ واحد لتكون التمثيل الصحيح لمسألة الوتر المُهتَز، مُعطيًا٢٤ الحلَّ العام حيث هي نقطة على وترٍ طوله و هي الإزاحة المُستعرضة ﻟ عند الزمن و ثابت،٢٥ وكل من و دالتان تحدَّدان عن طريق الشروط الابتدائية. وكان موضع الخلاف المُثير للجدل هو النطاقَ المسموح به لكلٍّ من و . واتضح أنَّ حلَّ دالمبير لا يكون صحيحًا إلا عندما يكون «المنحنى الابتدائي» للوتر (وهو طريقة تمديده في البداية) هو في حدِّ ذاته دالةً دورية. وهذا يضع قيدًا كبيرًا على تمديده، في حين أن الرياضيات والعلوم في حاجةٍ بالطبع إلى حلولٍ عامة تمامًا، ومن ثمَّ بدأت الشخصيات الرئيسية الفاعلة أمثال إل أويلر ودي بيرنولي وجيه إل لاغرانج وبي إس لابلاس ودالمبير٢٦ الجدال بشدة بعضهم مع بعض حول ما إذا كان يمكن جعلُ التمديد الابتدائي للوتر على هيئة منحنًى أو دالة بأية حال، ويظل تطبيق المعادلة الموجية ممكنًا، وكيف يمكن ذلك. مُختصر القول إنهم توصلوا في النهاية إلى إجماع آراءٍ بأن المنحنيات ستكون دوالَّ دورية، وتحديدًا موجاتٍ جيبية. ومن هنا، لأسبابٍ معقدة، استُنتِج أنه مهما يكن شكل تمديد الوتر في البداية — بمعنى أي منحنًى مُتصل على أية حال — فسيكون من الممكن تمثيلُ هذا المنحنى بواسطة متسلسلة مثلثية.
بإيجاز: أدَّى الخلاف حول مسألة الوتر المُهتَز إلى ظهور قدرٍ كبير جدًّا من الاكتشافات المهمة والعظيمة حول طبيعة الدوال، والمعادلات التفاضلية، والمتسلسلات المثلثية، والعلاقات بينها. والاكتشاف المهم في موضوعنا هنا هو فكرة أن أي دالة متصلة٢٧ يمكن تمثيلها على صورة متسلسلة مثلثية. بدأ أويلر أولًا، ثم دالمبير وجيه إل لاغرانج وأيه سي كليروت، في استنتاج طرق لتمثيل «دوالَّ اختيارية» على صورة متسلسلات مثلثية. ولكن المشكلة أن هذه الطرق كانت دائمًا ما تُستنتَج وتُطبَّق فيما يخص مسألة فيزياء مُعينة أو أُخرى، ثم يُزعَم أنَّ حلَّ هذه المسألة هو تفسير الطريقة. لم يستطع أحد إثباتَ فكرة تمثيل الدالة على صورة متسلسلة مثلثية بوصفها نظرية مجردة. واستمر الحال على هذا النحو حتى نهاية القرن الثامن عشر تقريبًا.
والآن نحن في بداية القرن التاسع عشر، الذي بدأ خلاله كوشي والنرويجي إن إتش أبيل،٢٨ أبحاثًا مهمة عن تقارُب المتسلسلات، وهي الأبحاث التي برزت أهميتها على نحوٍ أكبر عام ١٨٢٢. ففي هذا العام، أوضح البارون الفرنسي جيه بي جيه فورييه٢٩ (١٧٦٨–١٨٣٠)، الذي كان يعمل على مسائل في قابلية التوصيل الحراري في الفلزات، في كتابه «النظرية التحليلية للحرارة» أن قابلية التمثيل بواسطة متسلسلة مثلثية يمكن في الواقع إثباتها لكلٍّ من الدوال٣٠ المتصلة وغير المتصلة، وحتى للمنحنيات «المرسومة رسمًا حرًّا». كان شرح فورييه شديد التخصُّص بما جعله عصيًّا على الفَهم، ولكن ما فعله بالأساس أنه استغل العلاقة بين مجموع متسلسلة وتكامل دالة: لقد أدرك أن قابلية تمثيل الدوال الاختيارية تمامًا بواسطة متسلسلات يتطلَّب إهمال النظرية الأساسية لحساب التفاضل والتكامل وتعريف التكامُل هندسيًّا٣١ بدلًا من مجرد أنه عكس التفاضل.
نظرًا إلى أن العديد من الفصول الدراسية تُدرِّس متسلسلات فورييه دون إعطاء لمحة عن تاريخ الرياضيات آنذاك، فمن الجيد أن نذكر على الأقل أن فورييه بدأ بمعادلة تفاضلية جزئية من الرتبة الثانية لانتشار الحرارة في جسم أحاديِّ البُعد، ،٣٢ حيث هي درجة حرارة نقطةٍ ما عند الزمن ، التي استخدم بعدها أسلوبًا قياسيًّا للمعادلات التفاضلية يُسمَّى «فَصْل المتغيرات»، بالإضافة إلى الشرط الابتدائي أن ، لاستنتاج تلك المتسلسلة المُثلثية الخاصة جدًّا المعروفة الآن بمتسلسلة فورييه، التي صيغتها معروضة في المثال ٥(ب):
المثال ٥(ب)
حيث
إنَّ متسلسلة فورييه هذه قريبة جدًّا في واقع الأمر مما اقترحه دي برنولي كحلٍّ لمسألة الوتر المُهتَز من قبلُ في خمسينيات القرن الثامن عشر، باستثناء أن فورييه استطاع أن يحسب معاملات٣٣ المتسلسلة لجميع القِيَم بين و . في حالة ، على سبيل المثال، — أي إنك إذا أجريت التكامل لكل حدٍّ على حدةٍ، فإن المعاملات سوف تكون مضروبًا في المساحة تحت المنحنى ( ) في الفترة بين و . مع إمكانية إجراء عملياتٍ حسابية مُماثلة لكلٍّ من و .
وعليه، فإنَّ الفكرة هنا أنه، من خلال صيغة معاملات فورييه هذه، كلُّ دالة وحيدة القيمة يمكن تصوُّرها — سواءٌ أكانت جبرية أو مُتسامية أو متصلة أو حتى غير متصلة٣٤ — تُصبح قابلةً للتمثيل بمتسلسلة مُثلثية من نوع متسلسلات فورييه على الفترة . تتوفر في هذا الأسلوب كل المميزات ومواطن القوة الرائعة (التي طوَّرها فورييه في الأساس لإعطاء حلٍّ عامٍّ لمعادلة الانتشار (وهو ما قدَّمه حقًّا)). مثالٌ على ذلك: أتاحَ فهم التكامل هندسيًّا وتصوُّر الدالة بمعلومية قيمها بدلًا من صيغتها التحليلية،٣٥ أتاح لفورييه افتراض إمكانية تمثيل الدوال على صورة متسلسلات على فتراتٍ محدودة فقط، وهو ما يُعدُّ خطوة تقدُّم أساسية في مرونة التحليل خلال القرن التاسع عشر.
وفي الوقت نفسه، فإن متسلسلات فورييه على الرغم من ذلك تعدُّ غالبًا عودةً إلى بدايات حساب التفاضل والتكامل فيما يتعلق بالفاعلية العملية مقابل الدقة الاستنتاجية. وأصبحت متسلسلة فورييه، لا سيَّما عندما نقَّحها إس دي بواسو في عشرينيات القرن التاسع عشر، الطريقةَ الأولى لحل المعادلات التفاضلية الجزئية، التي هي — كما ذكرنا سابقًا — المفتاح الذهبي للفيزياء الرياضية والديناميكا والفلك وغيرها، ومن ثمَّ فقد أحدثَت طفرةً هائلة في الرياضيات والعلوم مُجددًا. لكنها أيضًا تفتقر إلى أساس ثابت؛ فلا يُوجَد ما يُسمَّى بنظرية دقيقة عن متسلسلة فورييه. وكما جاء على لسان أحد مؤرِّخي الرياضيات، فإن أساليب فورييه «أثارت من الأسئلة ما يفوق مستوى اهتمامه بالإجابة عنها أو قدرته على حلها.» من الصائب أيضًا أنَّ «النظرية التحليلية للحرارة» تنصُّ، ولكنها لا تبرهن، على أنَّ دالة «اختيارية تمامًا» يمكن تمثيلها بواسطة متسلسلة، كالموضحة في المثال ٥(ب)، كما أنها لا توضح الشروط المحددة التي يجب أن تُحقِّقها الدالة حتى يمكن تمثيلُها على هذا النحو. بل والأهم من ذلك أن فورييه زعم أن متسلسلته المُسمَّاة باسمه دائمًا ما تكون متقاربة على فترةٍ ما بغض النظر عن ماهية الدالة أو حتى إمكانية كتابتها على صورة دالة مفردة « »، وعلى الرغم من أن لهذا تأثيراتِه المهمةَ على نظرية الدوال، فلا يوجد برهان أو حتى اختبار لصحة ما زَعَمه بشأن التقارب الدائم.
(معلومة إضافية: كانت هناك مسألة مُماثلة تتضمَّن تكاملات فورييه، التي كلُّ ما يجب أن نعرفه عنها هو أنها أنواعٌ خاصة من حلول «الأشكال المغلقة» للمعادلات التفاضلية الجزئية التي يزعم فورييه — مرة أخرى — أنها تصلح لأي دوالَّ اختيارية، والتي يبدو بالفعل أنها تصلح، أي إنها جيدة بوجهٍ خاص لمسائل الفيزياء. ولكن لم يستطع فورييه ولا غيره في بدايات العقد الثالث من القرن التاسع عشر إثباتَ أن تكاملات فورييه تصلح لكل الدوالِّ على الصورة ؛ وذلك جزئيًّا لأنه لا يزال هناك الْتِباسٌ شديد في الرياضيات حول كيفية تعريف التكامل … ولكن، على أية حال، فإن السبب الذي يجعلنا نأتي على ذكر مسألة تكاملات فورييه هو أن أبحاث أيه إل كوشي عنها قادته إلى «دقة التحليل» وهو أمرٌ يُنسَب إليه الفضل فيه، وجزءٌ من هذه الدقة يشمل تعريف التكامل على أنه «نهاية مجموع» لكن معظمها (= معظم الدقة) يخصُّ مسائل التقارب المذكورة في النقطة (ب) والجزء التكميلي السريع الذي تضمَّنه جزء المعادلات التفاضلية في مسرد المصطلحات الثاني، وتحديدًا كما في تلك المسائل المتعلقة بمتسلسلة فورييه.)٣٦
يوجد أسلوبٌ آخر لتوضيح الصعوبة العامة. كان لدى فورييه (إلى حدٍّ ما مثل لايبنتس وبولزانو) أسلوب هندسي بالأساس لفهم الأشياء، وكان مُولعًا بالإثباتات الهندسية لا بالبراهين الشكلية. في العديد من الجوانب، يُعدُّ هذا امتدادًا لحساب التفاضل والتكامل الكلاسيكي واتجاه التفكير الذي يرى أن النتائج أهمُّ من البراهين في العقد الأول من القرن الثامن عشر. لكن إمكانية الدفاع عن هذا النهج في تراجع الآن. فقد كان عشرينيات القرن التاسع عشر لفورييه هو العقد الذي اكتُشِفت فيه أول الهندسيات غير الإقليدية (التي اعتمدت بصفة أساسية على اكتشاف أنَّ مُسلَّمة توازي العناصر٣٧ غير ضرورية ويمكن الاستغناء عنها)، الذي أصبحت فيه فكرة أنَّ الهندسة يمكن أن تكون أي نوع من الأساسيات الثابتة الأحادية المعنى لأي شيءٍ منافية للعقل وغير منطقية رسميًّا. من القضايا ذات الصلة أن علماء الرياضيات من نيوتن إلى أويلر وصولًا إلى سي إف جاوس قد واجهوا مشكلة متناقضة مريعة في استخدام المتسلسلات دون الاهتمام بالتقارب في مقابل التباعد،٣٨ وساعدت تأكيدات فورييه وكوشي على التقارُب في فتراتٍ على كشف إلى أي مدًى كان التحليل يفتقر إلى الدقة فيما يخصُّ المتسلسلات. وكانت المحصلة النهائية هي بدء إجراء تصحيحي في حالة عدم التيقُّن المحيطة بالتحليل، أو كما عرضه إم كلاين، «بدأ علماء الرياضيات يقلقون بشأن عدم دقة المفاهيم والبراهين الخاصة بفروع التحليل الواسعة.» وشهدت عشرينيات القرن التاسع عشر بداية إطلاق تصريحاتٍ من قبيل تصريح كوشي «سيكون من الخطأ الجسيم أن تعتقد أنَّ المرء لا يُمكنه العثورُ على اليقين إلا في الإثباتات الهندسية أو في شهادة الحواس.» وتصريح أبيل «قليلٌ جدًّا من النظريات في التحليل المتقدِّم جرت برهنتها بأسلوبٍ سليم منطقيًّا. ويجد المرء في كل مكان هذه الطريقة البالية للتوصُّل من الخاص إلى العام.»٣٩ التي أصبحت فيما بعد مقولةً شهيرة عن خفض النفقات في العقد الأول من القرن التاسع عشر بنفس شهرة مقولة دالمبير: «فقط استمِرَّ في المضي قدمًا.» عن سياسة الحرية الاقتصادية في القرن الثامن عشر.

الفكرة العامة: إلى جانب سقوط إقليدس، كانت قضايا الدوال الاختيارية والتقارب التي أثارتها «متسلسلة فورييه» هي ما حدا بعلماء الرياضيات في هذا العصر إلى إدراك أن المفاهيم الأصغر مثل «مشتقة» و«تكامل» و«دالة» و«متصل» و«متقارب» يجب تعريفها بدقة، حيث تعني «بدقة» هنا تأسيسَ التحليل على البراهين الشكلية والمنطق الحسابي بدلًا من الهندسة أو الحَدْس، أو الاستنتاج من مسائلَ بعينها.

وذلك باستثناء أن كلمة «حسابي» تعني بدورها نظام الأعداد الحقيقية، الذي في ذلك الوقت كان لا يزال في حدِّ ذاته فوضى غير قائمة على أساس. كانت هناك، على سبيل المثال، مشاكلُ كبيرة مع الأعداد السالبة؛ إذ كان أويلر مقتنعًا أن الأعداد السالبة هي في الواقع ، أي إنها يجب أن تكون على طول الجانب الأيمن على خط الأعداد، وفي أربعينيات القرن التاسع عشر رأى أيه دي مورجان أن الأعداد السالبة كانت «تخيُّلية» مثلها تمامًا مثل ، ودعُونا لا نتحدَّث حتى عن اللغَط الذي أُثيرَ حول الأعداد المركَّبة. ومع ذلك، كانت المشكلة الأسوأ أن مفهوم الجذر بالنسبة إلى «العدد الحقيقي» كان في حدِّ ذاته غير واضح؛ لأن الأعداد غير النسبية كانت لا تزال غير مُعرَّفة. إذا كنتَ لا تستطيع تعريف أعداد مثل أو بطريقة مُتسقة، فإنك لا تستطيع إثبات أيٍّ من قوانين الحساب الأساسية المتعلقة بها، كأن تُثبت — على سبيل المثال — أن .٤٠ هذا ليس جيدًا من حيث الدقةُ. يُوجَد قدر معيَّن من الأعمال الجانبية القيِّمة في هذه الفترة عن الأعداد غير النسبية المُتسامية مقابل الجبرية،٤١ ولكن في الغالب كان نظام الأعداد الحقيقية الذي يسعى الجميع جاهدين إلى اتخاذه أساسًا للتحليل هو في حدِّ ذاته مُعلَّق في الهواء بلا أساس، وذلك من الناحية المنطقية.

الجزء ٥(ﺟ)

جزءٌ تكميلي يتضمَّن أخبارًا طريفة، لن نتطرَّق إليها بعد الآن؛ منعًا للإخلال بالزخم الهائل للواقع الرياضي ما قبل كانتور

يُوجَد العديد من الصور الحيَّة لجي إف إل بي كانتور في الكتب، والتي نأمل أن نستطيع رصد واحدةٍ منها على الأقل وإعادة نسخها هنا في موضعٍ ما. كان كانتور ألمانيًّا برجوازيًّا ذا مظهرٍ عادي يرجع إلى عصر الياقات المُنشَّاة واللِّحى القابلة للاشتعال (لاحظ، في صور العائلة، الصَّدريَّة وساعة الجيب التي تتدَّلى منها سلسلة تنمُّ عن الوجاهة، وضفائر الزوجة وملابسها ذات الحشوة التي ترفع مؤخرة الثوب، والملامح الهادئة أو الشاردة للغاية للرجل الفيكتوري النموذجي. وفي الولايات المتحدة، كان يضع قبعة).

figure
هذه الصورة ينقصها الضفائر وساعة الجيب ذات السلسلة الفخمة، ولكنك فَهمت الفكرة.

حوالي عام ١٩٤٠، ذكَرَ مؤرِّخو رياضيات بارزون ينتمون إلى الحزب الاشتراكي الوطني أنَّ جي إف إل بي كانتور كان لقيطًا، حيث وُلِدَ على متن سفينةٍ ألمانية في طريقها إلى ميناء سان بطرسبرج وعُثِرَ عليه هناك، والداه غير مَعلومَيْن. وهو ما كان مَحضَ خيال. وكان الألمان قلِقِين فيما يبدو من أن كانتور ربما يكون يهوديًّا؛ فقد كان وقتئذٍ واحدًا من أعظم المُفكرين على الإطلاق في ألمانيا. ولا تزال قصة كونه لقيطًا تُتَداوَل أحيانًا؛ فهي تتماشى مع بعض قوالبنا النمطية تمامًا كما مع النازيين. وثمة قصة أخرى كبيرة عن أن كانتور قد استنتج العديد من أشهر براهينه عن اللانهائية أثناء وجوده في إحدى المصحَّات، وهو ما يُعدُّ أيضًا محضَ هُراء. فقد كانت أول مرة يدخل فيها كانتور المستشفى عام ١٨٨٤، عندما كان عمره ٣٩ عامًا، وكان وقتها قد أنجز بالفعل معظم أعماله المهمة. ولم يدخل المستشفى مرةً أخرى حتى عام ١٨٩٩. وكان ذلك في العشرين عامًا الأخيرة من حياته حيث كان دائمَ التردُّد على المستشفيات والخروج منها. وتُوفي في مستشفى هَاله للأمراض العقلية في ٦ يناير ١٩١٨.

كان منزل عائلة كانتور الكائن في شارع هاندلشتراس يشهد إقاماتٍ لفتراتٍ وجيزة أثناء الحرب العالمية الثانية. ولا يُوجَد دليل على أن النازيين كانوا يعرفون مالكي هذا المنزل. ومع ذلك، كان من الواضح أنَّ الأجزاء الرئيسية من تركة كانتور الأدبية قد سُرقَت أو حُرقَت. وكان معظم ما تُرِك موجودًا في أكاديمية العلوم بمدينة جوتينجن ومتاحة للقراءة والاطلاع من خلف الزجاج. والخطابات العائلية وسلاسل النَّسَب وغيرها. وما زال يُوجَد أيضًا القليل من سجلات الرسائل الخاصة بكانتور، التي كان يستخدمها الأشخاص المُتعلمون آنذاك لكتابة مسوَّدات بالرسائل قبل نسخها بعناية استعدادًا لإرسالها. وذلك بالإضافة إلى وجود علماء رياضياتٍ آخرين كتبَ إليهم وكانوا لا يزالون يحتفظون برسائله. وهذه هي المصادر الرئيسية.

figure
رسمٌ بالقلم الرصاص مشار إليه بعد فقرتَيْن أدناه، ولا أدري تمامًا لماذا يضعونه هنا.
فيما يلي اقتباسٌ على لسان جيه دبليو دوبين، عميد تلامذة كانتور في الولايات المتحدة: «لم يبقَ إلا قدر ضئيل للغاية من المعلومات بما لا يُتيح أيَّ مجال لتقديم تقييم مُفصَّل حول شخصية كانتور، وهو ما يدفع المؤرِّخ إما إلى التزام الصمت المُطبق إزاء الموضوع أو الاجتهاد في التخمين قدْر استطاعته.» وجُل التعليقات المنشورة يخصُّ والِد كانتور، السيد جورج دبليو كانتور، وتحديدًا القضية الحديثة الكبرى حول ما إذا كان «جورج فولديمار له تأثير ضار وهدَّام تمامًا على صحة ابنه النفسية»٤٢ أم أن جورج دبليو كان حقًّا «رجلًا حساسًا وموهوبًا، محبًّا لأبنائه بشدة، وأراد لهم أن يَحيَوا حياةً سعيدة وناجحة ومُثمرة.» وفي كلتا الحالتَين، من المؤكَّد أنه كان هناك اثنان من رجال الأعمال لهما بالغُ الأثر في حياة جي إف إل بي كانتور، أحدهما كان والده والآخر كان البروفوسير ليوبلد كرونكر الذي سوف يبدأ يلوح في الأفق في الجزء ٦.

كان لدى السيد جورج والسيدة حرمه ستة أبناء، وكان أولهم هو جورج الابن. وكانت الأسرة بأكملها أسرة فنية وصاحبة أداءٍ عالٍ: العديد من الأقارب كانوا عازفي كمان كلاسيكيِّين أو رسَّامين لهم أعمالٌ معروضة، وكان عمُّه الأكبر مديرَ معهد كُونسِرفاتوار في فيينا ومدرِّس الفنان المُبدِع جوزيف خواكيم، وكان عمُّه الكبير أستاذَ القانون الذي درَّس لتُولستوي في جامعة كازان. وُلِدَ جي إف إل بي كانتور يوم ٣ مارس ١٨٤٥، برج الحوت. وكان عبقريًّا في عزف العود عندما كان طفلًا. ولا أحدَ يدري سببَ تركه العزف، لكن بعد حضوره فصلًا دراسيًّا في الرباعيات الكلاسيكية في الجامعة لم يرد ذِكْر آخر لموضوع الكمان. كما أنه فنانٌ يُجيد رسم المناظر الطبيعية. ولا يزال يُوجَد له من أيام الطفولة رسمٌ بالقلم الرصاص استثنائيٌّ تمامًا، ويرجع سبب شهرة هذا الرسم إلى «تصريح» غريب بما لا يقبل الجدل ومكتوب باليد اليسرى كان جورج دبليو تداوله عن الرسم، وما زال هذا التصريح نفسُه موجودًا؛ لأن جورج الابن احتفظ به لديه طوال حياته (وهو ما كان غريبًا أيضًا):

في حين أن جورج فرديناند لويس فيليب كانتور لم يقضِ سنواتٍ في دراسة الرسم وفقًا للنماذج القديمة، وفي حين أن هذا هو أول عمل له وفي هذا الفن الصعب لا يتحقق أسلوب مُتقَن إلا بعد اجتهادٍ كبير ومثابرة، وفي حين أنه حتى الآن قد أهمل بشدة هذا الفن الجميل، فإنَّ الوطن — أعني الأسرة — يشعرون نحوه بالامتنان بإجماع الآراء نظيرَ عمله الأول هذا، الذي يُعدُّ فعلًا مُبشرًا للغاية.

تتفق كلُّ المصادر على أن جورج دبليو قد أشرف بشخصه على تنشئة أبنائه الدينية بأسلوب حازم للغاية. ولاحِظ كيف يُمكن بسهولة النظرُ إلى هذه التنشئة بمنظور عصرنا الحالي على أنها استبداد أو تعصب، في حين أنها قد تكون في الحقيقة مجرد أسلوب تنشئة مُواكِب للزمان والمكان آنذاك. وقد يصعُب تحديد ذلك على نحو قاطع. تمامًا كما في حقيقة أن كانتور الأب «كان يُولي اهتمامًا خاصًّا بتعليم ابنه [جورج] وكان حريصًا على توجيه تطوره الشخصي والفكري.»

انتقلت الأسرة من سان بطرسبرج إلى ألمانيا الغربية عندما كان عُمر جورج ١١ عامًا. والسبب — وفقًا للمؤرخين — هو «اعتلال صحة» جورج دبليو، الذي كان في خمسينيات القرن التاسع عشر رمزًا لمرض السُّل؛ كان تغيير مكان السكن مشابهًا للانتقال من شيكاغو إلى مدينة سكوتسديل. وعاشوا بصفة أساسية في فرانكفورت على نهر الراين. والتحق جورج بمدرستَيْن إعداديتَيْن في درامشتات وفيسبادن. ومثلما حدث على ما يبدو مع معظم علماء الرياضيات، فإنَّ عبقرية كانتور في التحليل اكتُشِفَت في بداية سنوات المراهقة، ولا يزال يُوجَد في الأكاديمية خطاباتُ إطراءٍ من مُدرِّسيه في مادة الرياضيات. النسخة القياسية من القصة هي أنَّ جورج دبليو كان يريد أن تُوظَّف مَلَكات جورج الابن في استخداماتٍ عملية، وحاول إرغام الصبي على التخصُّص في الهندسة، وأنَّ جورج كان مُولَعًا بدراسة الرياضيات البحتة، وكان عليه أن يثور تارةً ويستجديَ تارةً أخرى وهكذا، وأنه عندما نزلَ جورج دبليو عند رغبة ابنه في النهاية كان ذلك بأسلوبٍ فرضَ ضغطًا هائلًا على ابنه الضعيف للإنجاز والتميُّز. ومرةً أخرى، من غير الواضح ما إذا كانت هذه الرواية صحيحةً حقًّا وإلى أي مدًى كانت العلاقة بين الأب وابنه فريدة من نوعها.٤٣

أتمَّ كانتور دراسته الجامعية في زيورخ، ثم حصل على الدرجة الألمانية المكافئة لدرجة الماجستير والدكتوراه في جامعة برلين، التي كانت في ذلك الوقت تُكافئ في أوروبا «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا». وكان من بين أساتذته في برلين إي إي كومر وإل كرونكر وكيه فايرشتراس. وكان كرونكر هو الأستاذَ الذي أشرف على رسالة كانتور العلمية ومُعلِّمه الحقيقي ونصيره في القسم. وسيتجلَّى ما ينطوي عليه هذا من مفارقة في الجزء ٦.

الجزء ٥(د)

نعود الآن إلى عشرينيات القرن التاسع عشر مع فورييه والمتسلسلات المُثلثية وكل التحديات والفرص المرتبطة بهذا الشأن. إذا كان شرح متسلسلات فورييه في الجزء ٥(ب) وكل المعلومات المُقحَمة ضمن موضوع المعادلات التفاضلية في مسرد المصطلحات الثاني حول الاتصال والتقارب واضحة جزئيًّا، فلن تُفاجَأ حين تعلم أن فورييه في كتاب «النظرية التحليلية للحرارة» قدَّم أول تعريفٍ حديث للتقارُب بالإضافة إلى تقديم الفكرة الأساسية للتقارب في فترةٍ ما. لكن مرةً أخرى لم يستطع فورييه إعطاءَ برهانٍ دقيق، أو حتى تحديد معايير التقارُب التي من شأنها أن تجعل هذا البرهان مُمكنًا. ومن ثمَّ، فإن الفكرة هي أننا الآن بصدد الحديث عن التقارُب.

كان بولزانو،٤٤ وطبقًا لروايةٍ أكثر تداولًا، كوشي هو مَنْ قدَّم أول عملٍ بارزٍ عن الشروط والاختبارات الخاصة بالتقارُب. وكما ذُكِرَ في موضعَين بالفعل، فإن الكثير من نتائج كوشي كانت قيِّمة، لكنه وقع أيضًا في أخطاء غريبة تسبَّبت في مشكلاتٍ أكثر. وعلى الرغم من أن جزءًا كبيرًا من عمله كان ينصبُّ على متسلسلات الدوال، على سبيل المثال، اختار كوشي أن يُعرِّف «النهاية» بدلالة المُتغيرات لا الدوال. أو ربما يُوجَد مثالٌ أفضل هنا وهو الأسلوب الذي حاول به إثبات وجود تطابُق كامل بين التقارُب والاتصال بدلالة متتابعات/متسلسلات من الدوال. تذكَّر٤٥ أن ما ذهب إليه كوشي هو أنه إذا كانت متتابعة من الدوال المُتصلة تتقارب في فترة إلى دالة ، فإن نفسها تكون متصلة على ، وهو ما اتضح أنه لا يكون صحيحًا إلا إذا كانت المتتابعة المتقارِبة تقارُبًا منتظمًا. وما حدث في هذه الحالة هو أنَّ إن أبيل، بينما كان بصدد إثبات خطأِ كوشي٤٦ وتعديل النظرية، قد وضعَ ما يُسمَّى الآن باختبار التقارُب المنتظِم٤٧ لأبيل، مثلما وُضِعَت تمامًا كل أنواع المعايير والشروط الأخرى لأنواع التقارُب المختلفة لمختلف أنواع المتسلسلات المُثلثية والمتسلسلات الكثيرة الحدود عندما اجتهد علماء رياضيات مُختلفون في القرن التاسع عشر لتصويب أخطاء علماء رياضياتٍ آخرين، أو لحل المسائل بطرُق أفضل.
يُعدُّ جي بي إل دركليه (١٨٠٥–١٨٥٩)، صديق فورييه، واحدًا من أبرز علماء الرياضيات في تنقيح البراهين في ذلك العصر، والذي أسهَم المقالُ البحثي الذي نشره عام ١٨٢٩ بعنوان «حول تقارب المتسلسلات المُثلثية» Sur la Convergence des Series Trigonometriques كثيرًا في توضيح وتدقيق ما بات يُعرَف بعد ذلك باسم «المسألة العامة لتقارُب متسلسلة فورييه». يُوجَد العديد من التطوُّرات المُهمة في هذا البحث، مثل أن دركليه كان أول من اكتشف وميَّز بين التقارُب المطلق والتقارُب المشروط، بالإضافة إلى أنه أثبت بطلان ادِّعاء كوشي بأن المتسلسلة الرتيبة النقصان هي نفسها المتسلسلة المتقاربة. ومع ذلك، فالأهم هو أنَّ دركليه في مقاله «حول التقارُب» أسَّس وأثبت أول مجموعة من الشروط الكافية٤٨ لكي تتقارَب متسلسلة فورييه إلى دالتها الأصلية .
هذه النتيجة الأخيرة وثيقة الصلة بالموضوع وتستحق بعض التفاصيل. استخدم دركليه دالةً دورية على الفترة وأثبتَ بصفةٍ أساسية أنه (١) إذا كانت متسلسلة فورييه لهذه الدالة الدورية متصلة قطاعيًّا؛ ومن ثمَّ لها عدد محدود فقط من نقاط عدم الاتصال٤٩ في هذه الفترة، و(٢) إذا كانت المتسلسلة رتيبة قطاعيًّا، فإن (٣) المتسلسلة سوف تتقارَب دائمًا إلى ، حتى إذا كانت تلك الدالة تتطلَّب أكثرَ من نوعٍ من الصيغة « » لتمثيلها على الفترة.
يُوجَد شرطٌ واحد إضافي، أثبته أيضًا دركليه. يجب أن تكون الدالة قابلةً للتكامُل؛ أي إن يجب أن يكون محدودًا؛ ذلك بالأساس لأن معاملات فورييه للمتسلسلة ذات الصلة تُحسَب على أنها تكاملات، ويجب أن تكون هذه المعاملات «مُعرَّفة جيدًا» (وتلك قصة طويلة). وكمثالٍ على هذه الدالة غير القابلة للتكامُل؛ ومن ثمَّ لا يمكن تمثيلها بواسطة متسلسلة فورييه المُعرَّفة جيدًا، ابتكر دركليه دالة باثولوجية قيمها تُساوي الثابت عندما يكون عددًا نسبيًّا، لكنه يُساوي الثابت (حيث ) عندما يكون عددًا غير نسبي، وتكون بذلك فعلًا دالة غير قابلة للتكامُل. وهذه الدالة الباثولوجية هي غالبًا التي قادت دركليه، بعد ثماني سنوات،٥٠ إلى تعريف «الدالة» الذي ما زال مُستخدَمًا في الرياضيات الحديثة: «تكون دالة في عندما يكون لكلِّ قيمة من قِيَم في فترة مُعطاة قيمةٌ فريدة ﻟ مناظرة لها». وجوهر الموضوع أن التناظُر يمكن أن يكون اختياريًّا تمامًا؛ فلا يهم ما إذا كان اعتماد على يتفق مع أي قاعدةٍ مُعينة، أو حتى ما إذا كان يمكن التعبير عنه رياضيًّا.٥١ يبدو هذا غريبًا، ولكنه في الواقع دقيقٌ تمامًا من وجهة نظر الرياضيات، حيث إن الاختيارية هنا تقتضي العمومية القصوى، وهو ما يُعرَف أيضًا بالتجريد. (في الواقع، تعريف دركليه قريب جدًّا أيضًا من فكرة بولزانو وكانتور عن التناظُر الأحادي بين مجموعتَين من الأعداد الحقيقية، إلا أنَّ «المجموعة» و«العدد الحقيقي» لم يكن بالطبع قد جرى تعريفهما بعدُ في الرياضيات).
في مقاله عام ١٨٣٧، استطاع دركليه أيضًا توضيح أنك تستطيع تخفيف شرط الرتابة (٢)، بل والسماح بعددٍ أكبر من نقاط عدم الاتصال (١) في برهانه عام ١٨٢٩، وما زال يضمن تقارُب متسلسلة فورييه إلى دالتها القابلة للتكامُل … ما دام عدد نقاط عدم الاتصال في (١) ما زال محدودًا. ومع ذلك، هذا لا يُشبه برهنة تقارُب متسلسلة فورييه لأي اختيارية، لا سيَّما عندما تُحاول تطبيق مبدأ فورييه على الدوال الصعبة وغير المُتصلة غالبًا للتحليل والبحث ونظرية الأعداد.٥٢ وفيما يخصُّ هذه الدوال المُعقدة، كان السؤال الذي لم يستطع دركليه الإجابة عنه أبدًا هو ما إذا كان يمكن تخفيفُ المعيار (١) في برهانه للسماح بعددٍ لا نهائي٥٣ من نقاط عدم الاتصال في الفترة؛ على أن يظَل المعيار يُمثِّل شرطًا كافيًا للتقارُب.
يدخل الصورة الآن جي إف بي ريمان (١٨٢٦–١٨٦٦، عملاق الرياضيات البحتة الذي أحدَث ثورة في كل شيء؛ بدءًا من الدوال، إلى نظرية الأعداد، وصولًا إلى الهندسة،٥٤ وكان المنافِسَ المهم الوحيد لكانتور من بين علماء الرياضيات في ذاك القرن، وإن يكن لفترة وجيزة وفي دور انتقالي غالبًا. كان ريمان يكبُر كانتور بعشرين عامًا، ومن ثمَّ كان تلميذ دركليه في جامعة برلين، وكذلك كان صديق آر ديديكند.٥٥ وفي بحث رائد عام ١٨٥٤،٥٦ شرع ريمان في تناول المسألة العامة لتقارُب متسلسلة فورييه بأسلوب جديد تمامًا. فمن خلال تركيزه على الشرط القائل بأن يجب أن تكون قابلةً للتكامل لكي يُمكن تمثيلُها بواسطة متسلسلة فوررييه، استنتج الشروط العامة التي يجب أن تُحقِّقها أي دالة لكي يكون لها تكامُل، وأصبحَت هذه الشروط في نهاية المطاف مهمةً لكلٍّ من نظرية التكامل الخاصة بالتحليل للتكامل ولتقارُب المتسلسلات. وكونها «شروطًا عامة يجب أن تُحققها أي دالة» يعني في جوهر الأمر أنها شروط ضرورية، في حين أنك تذكر أن برهان دركليه عام ١٨٢٩ كان يتضمَّن شروطًا كافية. واستطاع ريمان عن طريق عكس أسلوب أستاذه والتركيز على الشروط الضرورية للتقارُب؛ أن يحلَّ مشكلة دركليه الكبرى: أنشأ دالة لها عددٌ لا نهائي من نقاط عدم الاتصال في كل فترة، ولكنها مع ذلك قابلةٌ للتكامل ومُتقاربة ١٠٠٪ عند كل نقطة.٥٧ وترتَّب على هذه النتيجة ما يُعرَف ﺑ «نظرية التوطين» لريمان، التي تنصُّ على أن تقارُب متسلسلة مُثلثية عند نقطةٍ ما لا يعتمد إلا على سلوك دالتها ذات الصلة في جوار٥٨ صغير على نحوٍ اختياري لتلك النقطة. وهذا «الجوار الصغير على نحوٍ اختياري» هو ما يُؤكِّد في النهاية صحة ادعاءات فورييه ودركليه عن تمثيل المتسلسلات لدوال اختيارية تمامًا: فمن خلال نظرية التوطين، يمكن تمثيل الدوال الباثولوجية أو حتى الدوال غير المُتصلة بدرجةٍ كبيرة؛ بواسطة متسلسلات مثلثية، وبواسطة متسلسلة فورييه إذا كانت هذه الدوال قابلةً للتكامُل.
كما يحدُث غالبًا، مع أن أبحاث ريمان كانت تُجيب عن أسئلةٍ طُرِحَت في السابق، فقد أثارت أيضًا في الوقت نفسه أسئلة جديدة، وهذه الأسئلة هي في النهاية ما جعل بحثه لعام ١٨٥٤ مُهمًّا للغاية. مثال: إحدى النتائج المُتضمَّنة في «نظرية التوطين» أنه يمكن تمثيل دالتَين مُختلفتَين قابلتَين للتكامل بواسطة نفس المُتسلسلة المثلثية حتى لو كانتا تختلفان عند عددٍ كبير — ولكنه محدود — من النقاط، فهل يُمكن بأية حال الحصول على نفس النتيجة لدالتين تختلفان عند عددٍ لا نهائي من النقاط؟ تساؤلاتٌ أخرى مهمة: ما هي بالضبط خصائص المتسلسلات المثلثية التي يُسْمَح لها أن تكون متقاربة حتى مع وجود عددٍ لا نهائي من النقاط الاستثنائية في كل فترة؟ ما هي بالضبط علاقة الاتصال والفترات والجوار فيما يخصُّ بنظرية المتسلسلات المُثلثية؟ وهل كل متسلسلةٍ مثلثية هي متسلسلة فورييه (أي: هل كل متسلسلة مثلثية تتقارَب إلى دالة قابلة للتكامل؟) وإذا كان يمكن تمثيلُ أكثرَ من دالة بنفس المتسلسلة المثلثية، فهل العكس صحيح؟ أو هل لكل دالة فريدة تمثيلٌ فريد بمتسلسلة مثلثية وحيدة؟٥٩

بعد أبحاث ريمان، كان البرنامج البحثي المُهم التالي لعلماء الرياضيات البحتة بصدد التفكير في الأساليب اللازمة لحلِّ المشاكل التي طُرِحَت، ولا سيَّما التحدي الخاص بوضع أسسٍ دقيقة لتلك الأساليب، بدلًا من الحَدس الاستقرائي أو الديني الذي كثيرًا ما تميَّز به التحليل في الماضي. لاحظ أن التركيز على الدقة أو الأسُس يُعزى جزئيًّا إلى أن دوالَّ ريمان المجردة تمامًا قد أخرجت في النهاية متسلسلة فورييه من الرياضيات التطبيقية في مجال الفيزياء وأدخلتها في الرياضيات العُليا في حدِّ ذاتها. لكن بالإضافة إلى أننا بالطبع الآن في خمسينيات القرن التاسع عشر والحاجة إلى الدقة (كما سبق أن ناقشنا في عشرينيات القرن التاسع عشر في الجزء ٥(ب)) أمرًا أكثر إلحاحًا بصفةٍ عامة. ففي الواقع، استغرق الأمر عدة عقود، ولكن ازدهار أسلوب التبرير بالنتائج قد أفسح الآن المجال تمامًا أمام اقتصادٍ أكثر انكماشًا يُطبق أسلوب «البرهنة في حينها» لِما أسماه جميع مؤرِّخي الرياضيات «حَوْسبة التحليل».

الجزء ٥(ﻫ)

الشخصية الرئيسية في هذه المرحلة هو كارل فايرشتراس (١٨١٥–١٨٩٧)، الذي يُمكن الآن الكشفُ عنه بوصفه واحدًا من أبطال الاقتباس الذي جاء على لسان بي راسل عن مفارقات زينون في الجزء ٢(أ). وفيما يلي بقية الاقتباس:٦٠

من زمنه [زمن زينون] حتى يومِنا هذا، شرعَ أنبهُ المفكرين من كل جيلٍ في دراسة المسائل، ولكنهم — بوجهٍ عام — لم يُحققوا شيئًا. ومع ذلك، في زماننا هذا، كان هناك ثلاثة رجال — هم فايرشتراس وديديكند وكانتور — لم يُطوِّروا المسائل فحسب ولكنهم حلُّوها تمامًا. وجاءت حلول علماء الرياضيات النابغين هؤلاء واضحةً جدًّا بما لا يدع مجالًا للشك أو الصعوبة … ومن بين المسائل الثلاث، كانت مسألة المُتناهي في الصغر من نصيب فايرشتراس الذي حلَّها، بينما كان ديديكند هو من بدأ حلَّ المسألتَين الأخريَين وأنجزهما كانتور بشكلٍ حاسم.

لم يَسلك فايرشتراس مباشرةً نفس الاتجاه الأكاديمي لكلٍّ من فورييه وكوشي ودركليه وريمان، وحتى أصبح في الأربعينيات من عمره، كان غامضًا ومُلتبسًا بنفس النهج الذي كان عليه بولزانو. وقضى السنوات الأولى من حياته المهنية في التدريس في المدارس الثانوية في بروسيا الغربية (ليس مركزًا بالضبط)،٦١ وقد قال حرفيًّا إنه فقير جدًّا لدرجة أنه لا يَقْوى على تحمُّل أجرة بريد إرسال أبحاثه إلى الدوريات العلمية. ولكنه شرع في نشرها في النهاية في أواخر خمسينيَّات القرن التاسع عشر وأحدَثَ ثورةً في الرياضيات ككل. وقد عُيِّن أستاذًا في جامعة برلين المرموقة، وتلك قصة طويلة ومن النوع الرومانسي. (معلومة إضافية: كان فايرشتراس أيضًا مشهورًا وسط علماء الرياضيات بأنه ضخم البِنية، ورياضيٌّ موهوب، وحزبيٌّ مُخضرم، ومُتفوقٌ في الكلية، وغير مُكترث بالموسيقى (أغلب علماء الرياضيات كان لديهم شغفٌ بالموسيقى)، ومَرِح، وغير عصبي، واجتماعيٌّ، وجيدٌ ككلٍّ، ومحبوبٌ كثيرًا من زملائه. كما كان أعظم مدرس رياضياتٍ في ذاك القرن، مع أنه لم يحدُث أبدًا أن نشرَ محاضراته، ولا حتى أن ترك مسوَّداتٍ لتلاميذه).٦٢
إنَّ السبب الفعلي الذي جعلنا نتحدَّث الآن عن فايرشتراس هو أنَّ اكتشافاته في الأغلب هي التي مكَّنت الرياضيات من تفنيد التساؤلات التي أثارتها أبحاث دركليه وريمان عن المسألة العامة لتقارُب متسلسلات فورييه. لدرجة ما قاله مؤرِّخ الرياضيات أيه جراتان جينيس، «تاريخ التحليل الرياضي خلال الثُّلث الأخير من القرن التاسع عشر كان يتعلق بقدرٍ كبير وملحوظٍ بقصة تطبيق علماء الرياضيات لأساليب فايرشتراس على مسائل ريمان.» ولم يكن الإلهام الحقيقي وراء هذه الأساليب هو فورييه ولا ريمان، لكنه كان إن إتش أبيل الذي ذكرناه على هامش الموضوع (وكان فايرشتراس من أشدِّ المُتحمسين لأبيل)، وتحديدًا ابتكار سُمِّي بالدوال الناقصية التي استنتجها أبيل من التكامُلات الناقصية حوالي عام ١٨٢٥، التي برزت بعد ذلك — اختصارًا لهذه القصة الطويلة — في حساب طول قوس القطع الناقص وكانت عنصرًا مُهمًّا في كلٍّ من الرياضيات البحتة والتطبيقية.٦٣ كان أول بحثٍ مُهم لفايرشتراس (عودةً إلى بروسيا الغربية، على ضوء الشموع، أثناء تصحيحه الاختبارات) يتضمَّن مفكوك دوال ناقصية على صورة متسلسلات قُوى، الذي أدَّى به إلى المسائل المتعلقة بتقارُب متسلسلات القوى،٦٤ ومن ثمَّ إلى التقارُب والاتصال والدوال بصفةٍ عامة.
إنَّ السبب الذي جعل راسل يَشيد به في مسألة المُتناهيات في الصغر هو نفسُه السبب الذي جعل فايرشتراس يحوز قَصَب السَّبْق في حوسبة التحليل ويتصدَّر المشهد. كان أول مَنْ قدَّم نظرية دقيقة تمامًا ولا تشوبها شائبة من الناحية الميتافيزيقية عن النهايات. ونظرًا لأنها مهمة وتُشكِّل أساس الأسلوب الذي درسَ به معظمُنا حسابَ التفاضل والتكامل في المدرسة، دعونا نُنوِّه سريعًا على الأقل أن تعريف فايرشتراس للنهايات حلَّ محل مصطلحات كلٍّ من أبيل وبولزانو وكوشي المُستقاة من اللغة الطبيعية مثل «تتقارَب إلى نهاية.» و«تُصبح أقلَّ من أي مقدارٍ مُعطى.» مع الرمزَيْن إيبسلون ودلتا الصغيرين و ورمز القيمة المطلقة « ». ونختتم بفائدة مهمة أخيرة لنظرية فايرشتراس وهي أنها ميَّزت مُصطلحَي النهايات والاتصال بطريقةٍ تُتيح تعريف أيٍّ منهما بدلالة الآخر. انظر، على سبيل المثال، تعريفه للدالة المتصلة الذي ظلَّ التعريف القياسي في الرياضيات على مدى ١٥٠ عامًا فيما بعد:٦٥   دالة متصلة عند نقطة إذا وإذا فقط كان، لأي عددٍ مُوجب ، هناك عدد بحيث إن لأي في الفترة ، فإن .

جزء تكميلي سريع يتضمَّن معلوماتٍ شبه إضافية

يُرجى تخطِّي الأسطر الثلاثة التالية إذا، وفقط إذا كان تعريف فايرشتراس مفهومًا تمامًا بالنسبة إليك.

بما أنَّ التعريف السابق ليس بمعلومةٍ إضافية، التأكيد على احتمالية أن يكون السبب وراء أهمية هذا التعريف واضحًا مائة بالمائة. يُمكن أن نتحدَّث عن كيف أن التعريف يُعَدُّ على وجه التحديد تدقيقًا رياضيًّا لما جاءَ في كتاب كوشي «دروسٌ في التحليل» عن أنَّ « سوف تكون دالةً متصلة في المُتغير إذا كانت القيمة العددية للفرق تتناقص بلا حدود مع تناقُص »؛ وكان الجديد الذي قدَّمه فايرشتراس أنه أتى ببديلٍ حسابي تمامًا ودقيق لعبارة «يتناقص بلا حدود.» المُبهمة. لكن لا شيء من ذلك سوف يعني الكثير إذا لم نستطع أن نرى كيف أن تعريف فايرشتراس الجديد صحيحٌ حقًّا، وهو ما يقتضي بدوره فَهْم بناء الجملة الشديدة التقنية والتخصُّص التي صِيغَ بها لعلماء الرياضيات. فاللغة الفائقة التجريد يُمكن أن تجعل التعريف يبدو إما بسيطًا تمامًا (على سبيل المثال، بما أن و غير مُعرَّفيْن على أن أيًّا منهما له علاقة مباشرة بالآخر، ألا يُصبح واضحًا أنه يُمكنك أن تختار لأي تُريده؟) أو غامضًا تمامًا (على سبيل المثال، كيف يُمكنك تحديد قيمة إذا كنتَ لا تعلم ما هو ؟) أو على الأقل مثل الشكاوى الأولية التي أدلى بها فصلُنا إلى د. جوريس، والتي عالجها بأسلوبه المُعتاد الذي لا يُنسى، على النحو التالي تقريبًا.٦٦
أولًا، تذكَّر من مسرد المصطلحات الأول كيف أن الدالة المُتصلة تعني أن تغيُّرًا ضئيلًا جدًّا في المتغير المستقل للدالة لن يُؤدي إلَّا إلى تغيُّر ضئيل جدًّا في المُتغير التابع ( ، المعروف كذلك ﺑ )، «التغيُّر الضئيل جدًّا» هو ما يعنينا حقًّا هنا أنه: يُوضح أن فروقًا مثل في التعريف سيجري تصوُّرها باعتبارها مقدارًا صغيرًا فعلًا. وفيما يخصُّ و : هي نقطة مُعينة؛ أي النقطة التي سوف نحسب قيمة اتصال الدالة بالنسبة إليها، و هي — تقنيًّا — أي نقطة على الإطلاق في فترة تعريف الدالة، مع أنه بالنظر إلى تعريف الدالة المُتصلة من الأفضل التفكير في على أنها أي نقطة «قريبة بدرجةٍ كافية» من . ذلك لأن الفكرة في تعريف فايرشتراس هي أن نتحقَّق من أنَّ فرقًا ضئيلًا جدًّا بين و لن يُؤدي إلا إلى فرقٍ ضئيل جدًّا بين و . وتكمن آلية هذا التحقُّق في العددَين المُوجبَين و ، ويُمكننا فهمُ هذَين العددين وعلاقتهما في إطار لعبة. ها هي اللعبة: اختر أيَّ عددٍ مُوجَب تريده، مهما كان صغيرًا، وسأُحاول من جانبي إيجاد عددٍ موجب يجعل علاقة الاقتران صحيحة،٦٧ وإذا استطعتُ إيجاد هذا العدد الموجب لأي عدد موجب تختاره، فإن الدالة تكون إذن مُتصلة عند ، وإذا لم أستطع فإنها إذن غيرُ متصلة.
على غِرار ما فعله د. جوريس، سنتناول هنا مثالًا على دالةٍ غير متصلة، حتى نُدرك أن جوهر الموضوع أنَّه ليس أي عدد قديم سيكون صالحًا لعدد مُعطًى. ومن ثمَّ، يكون تعريف الدالة كالتالي: إذا كان ؛ و إذا كان . سوف نحسب قيمة اتصال الدالة هذه عند النقطة حيث . وفكرة اللعبة أنك تستطيع اختيار أي قيمةٍ موجبة تُريدها ﻟ ، ولنقل — مثلًا — إنك اخترت . وبذلك، يكون عليَّ الآن إيجاد قيمة موجبة ﻟ بحيث تكون علاقة الاقتران صحيحة. لكن يُرجى الآن الرجوعُ إلى أو استرجاع القاعدة الواردة في الحاشية السُّفلية رقم ١٤ في الجزء ١(ﺟ) بأن علاقة الاقتران المنطقي لا تكون صحيحةً إلا عندما يكون كلٌّ من الحد السابق لعلامة والحد التالي لها صحيحًا. والآن، انظر الحدَّ التاليَ لعلامة في مثالنا، « ». طبقًا لتعريف الدالة لدَينا، نعلم أن ، وطبقًا للتعريف نفسه، نعلم أنَّ أي نقطة أخرى بجوار النقطة تكون قيمة لها هي ؛ (لأن هي النقطة الوحيدة التي عندها ). ومن ثمَّ، بما أن ، فإنَّ سوف يُساوي دائمًا، الذي من الواضح أنه أكبرُ من . وبغض النظر عن قيمة التي سوف أختارها ليكون المقدار أصغرَ منها، لن يكون المقدار أبدًا أقلَّ من عندما . وبما أن الحد الثانيَ سيكون خطأً، فإن علاقة الاقتران سوف تكون خطأً أيًّا كانت قيمة . ويترتَّب على ذلك أنه لا تُوجَد هنا قيمة مُوجبة تكون لها ، وعليه فإن معيار التعريف «لأي عددٍ موجب ، يوجد عدد موجب بحيث إن …»، غير مُتحقِّق. ومن ثمَّ، فإن الدالة غير متصلة عند (وهو ما كنا نعلمه عندما بدأنا، لكن الفكرة كلها كانت في تطبيق تعريف فايرشتراس على حالةٍ واضحة). انتهت اللعبة.
نهاية «جزء تكميلي سريع يتضمَّن معلومات شبه إضافية»، وعودةٌ إلى المحتوى الرئيسي للجزء ٥(ﻫ) الجاري.

•••

من الموضوعات المُحيِّرة نوعًا ما التي لم نتناولها في الجزء التكميلي: لم يُعرِّف فايرشترايس أعلاه سوى الاتصال عند نقطة، لكن بما أنك تستطيع اختيار أي نقطةٍ في فترة مُعطاة لتكون هي ، فإن يمكن تعريفها بوضوح على أنها مُتصلة في فترةٍ ما إذا كانت مُتصلة عند كل في هذه الفترة. ومن ثمَّ، يُستنتَج من التعريف الأول تعريفٌ عام لاتصال الدوال، وهذا هو ما زعزع عالَم الرياضيات، وكذلك فعل تعريف النهاية: إذا أخذت بتعريف فايرشتراس الأصلي، فإن يُمكن أن تُعرَّف على أن لها نهايةً عند إذا كان بإمكانك إحلالُ محل ، ومع ذلك تجد لأي بحيث تكون العلاقة صحيحة.
إنَّ السبب في أن هذا كله يبدو مُجردًا للغاية أنه فعلًا كذلك. ولكن، هذا التجريد الشديد هو ما جعل نظرية فايرشتراس عن الاتصال والنهايات أوضحَ وأصحَّ نظريةٍ صادفها أي شخصٍ في هذا الموضوع.٦٨ لا وجود لأي غموض يتعلق باللغة الطبيعية؛ فالتعريف لا يَستخدِم سوى الأعداد الحقيقية ومؤثراتٍ أولية مثل « » و« ». ونظرًا لأن النظرية مجردة وصحيحة وحسابية، فقد مكَّنت أيضًا فايرشتراس من تعريف «التقارُب» في مقابل «التقارُب المُنتظم» في مقابل «التقارب المُطلق» بدقة، وتقديم اختبارات حقيقية لهذه المصطلحات،٦٩ وإثبات عددٍ من الفرضيات المُتعلقة بالاتصال وتقارُب المتسلسلات المثلثية التي لم يستطع أحدٌ أن يُثبتها من قبل. وتشمل الأمثلة الوثيقة الصِّلة هنا (١) إثباته أنَّ متسلسلة من الدوال المتصلة٧٠ يُمكن أن تتقارَب إلى دالة مُتصلة و(٢) إثباته المُشار إليه سلفًا لعدم صحة نظرية أن الاتصال = عدم القابلية للاشتقاق (التفاضُل)، وهو ما أوضحه عن طريق استنتاج دالة مُتصلة ١٠٠٪ ولكن ليس لها مُشتقة عند أي نقطة. وإذا كان الفضول يدفعك إلى معرفة هذه الدالة، فإنها بمعلومية حيث عدد فردي و و ، وهو ما يعني بالتبعية أنك إذا مثَّلت بيانيًّا فإنك تحصل على منحنًى لا يتضمن أيَّ مماس على الإطلاق. سوف تتذكَّر من الجزء ٣(ب) أن بي بي بولزانو قد قدَّم دالةً مُماثلة (التي لا يُوجَد أي دليل أن فايرشتراس كان على علمٍ بها)، بيد أنَّ هناك اختلافًا جوهريًّا بينهما. كلُّ ما فعله بولزانو أنه قدَّم المثال خاصته، ولكن بفضل تعريفاته الشديدة التخصُّص كان لدى فايرشتراس الأهليةُ التي مكَّنته أن يُثبت حقًّا أن الدالة التي أوجدها متصلة وقابلة للتفاضل في آنٍ واحد. ومن الإنجازات الأخرى التي تُحسَب له أنه في تحليل فايرشتراس دائمًا ما يكون المثال المادي مُتطابقًا مع البرهان العام المجرد.
كما ذُكِرَ في الجزء ٣(ﺟ)، يرجع الفضل إلى كلٍّ من بولزانو وفايرشتراس معًا في نظرية مُهمة عن نهايات الدالة المتصلة،٧١ وهي نظرية في محلها الآن وذلك جزئيًّا لأنها تُصوِّر متسلسلة/متتابعة غير منتهية من الأعداد الحقيقية على أنها مجموعة غير مُنتهية من نقاط خط الأعداد الحقيقية (ومجموعات النقاط هذه هي أول أنواع المجموعات اللانهائية التي سوف تستهوي جي كانتور وتُثير اهتمامه). ربما تريد هنا تذكُّر التعريفات الخاصة بكلٍّ من «الفترة» و«النهايات في مقابل الحدود» في مسرد المصطلحات الأول. تنصُّ نظرية بولزانو وفايرشتراس اصطلاحيًّا أنَّ كل مجموعة غير مُنتهية من النقاط تحتوي على نقطة نهاية واحدة على الأقل، وهي نقطة بحيث كل فترة حول تحتوي على عدد لا نهائي من عناصر المجموعة.٧٢ ربما لا يبدو الأمر كذلك على الفور، لكن نظرية بولزانو وفايرشتراس هي حقًّا بمثابة كُرةٍ من اللهب. على سبيل المثال، للحصول على حلٍّ شافٍ وخالٍ من مُتناهيات الصغر لمفارقة عدم وجود لحظة تالية التي تضمَّنها الجزء ٤(ب) (التي هي في حد ذاتها نتيجةٌ للفرضية التي يصعُب فهمهما عن كثافة خطِّ الأعداد الحقيقية وكونه يتألَّف من عددٍ لا نهائي من النقاط).
إذا كنتَ مُستعدًّا لهذا، فإليك آليةَ ذلك. في واقع الأمر، تتألف نظرية بولزانو وفايرشتراس من نظريتَين؛ إحداهما هي نظرية بولزانو التي ترجع إلى حوالي عام ١٨٣٠ وتنصُّ على أنه إذا كانت لدَينا فترة مُغلقة ، فإن أي دالة متصلة في ، التي هي موجبة لقيمةٍ ما من قِيَم وسالبة لقيمةٍ أخرى من قِيم ، يجب أن تُساويَ لقيمةٍ ما من قِيَم .٧٣ هندسيًّا، يُمكنك فهمُ ذلك بملاحظة أن أي منحنًى مُتصل من مَوضعٍ ما أعلى المحور إلى موضعٍ ما أسفل المحور لا بدَّ فعليًّا أن يقطع المحور في نقطةٍ ما. ولكن من حيث الدقةُ، كانت مُشكلة بولزانو هي أن إثبات هذه النظرية يتطلَّب منه إثبات أن كلَّ مجموعةٍ محدودة من القيم أو النقاط يجب أن يكون لها حدٌّ أعلى أصغر،٧٤ وهذا الإثبات الأخير انهار لعدَم وجود نظرياتٍ مترابطة للحدود والأعداد الحقيقية. ولذا، مرةً أخرى، لم يستطع بولزانو في الحقيقة إلا أن يقترح نظريته وتوضيح صحتها هندسيًّا؛ إذ لم يستطع إثباتها رياضيًّا. ولكن بعد عشرين عامًا، استخدم كيه فايرشتراس نظريته الدقيقة عن النهايات لإثبات «تمهيدية الحد الأعلى الأصغر» لبولزانو كجزءٍ من نظريته عن القيم المتطرفة، التي هي الجزء الكبير الآخر من نظرية فايرشتراس وبولزانو. ومن خلال نظرية القيم المُتطرفة (= إذا كانت مُتصلة في ، فلا بدَّ أن تُوجَد نقطة واحدة على الأقل في حيث تكون لها قيمة قُصوى مُطلقة هي ، ونقطة أخرى في حيث تكون لها قيمة صغرى مُطلقة هي )، وكذلك تعريف فايرشتراس الفعَّال للاتصال، الذي قدَّم مَخْرَجًا رياضيًّا من إشكالية عدم وجود لحظة تالية. بعبارةٍ أخرى: بما أنَّ من الواضح أنَّ الزمن دالة مُستمرة التدفُّق،٧٥ يُمكننا أن نفترض فترةً محدودة بين أي لحظتَين و ، وعندئذٍ يُمكننا بفضل نظرية القِيَم المُتطرفة إثبات وجود نقطة في حيث تكون دالة الزمن لها أصغرُ قيمةٍ مُطلقة ، ومن ثمَّ أنَّ القيمة هذه ستكون من وجهة نظر الرياضيات هي اللحظة التالية مباشرةً بعد .
بناءً على هذه النتيجة، ربما يُمكنك ملاحظة كيف أنَّ نظرية القِيَم المتطرفة يُمكن توظيفها ضدَّ حُجة التقسيم الثنائي نفسها لدى زينون (حيث دالة متصلة نموذجية). ومع ذلك، في تحليل فايرشتراس الصارم، لا تعدُّ نظرية القِيَم المتطرفة ضروريةً حتى، حيث إن النظرية الحسابية للنهايات تسمح لنا أن نُفسِّر — بمعنًى دقيق — السبب في أن المتسلسلة المتقاربة مجموعها يُساوي .

الجزء ٥ ﻫ(١)

جزء تكميلي حول تحليل فايرشتراس وزينون
سوف تتذكَّر أننا قد حاولنا استحضار وصيغ حلول أخرى مختلفة للقسمة الثنائية، لنجد فقط أنها لا «تذكر بوضوح الصعوبات المُتضمَّنة»، بل إنها لا تعدو أن تكون مجرد شرحٍ لكيفية عبور الطريق. ويُمكن الآن تجاهلُ كل هذه المحاولات السابقة، مع أنه لا ضرر من استرجاع أو مراجعة ما ورد في الحاشية السفلية رقم ٣٥ في الجزء ٢(ﺟ) عن كيف أن الأعداد العشرية عبارة عن تمثيلاتٍ لمتسلسلات مُتقاربة. وهذا بالإضافة بالطبع إلى بضع الصفحات الأخيرة في الجزء ٥(ﻫ) أعلاه. وهكذا كان أحد ملامح الرد الذي قدَّمه تحليل فايرشتراس على مبدأ التقسيم الثنائي.٧٦
في الواقع، تدور فكرة التقسيم الثنائي حول عددٍ نِسبي مُعين (= عرض الطريق، وطول القوس من الفخذ إلى الأنف)، وهو العدد الذي يدعونا زينون إلى تقريبه بواسطة متسلسلة قوًى مُتقاربة من أعدادٍ نسبية أخرى حيث يرمز نفسُه إلى المُتتابعة غير المُنتهية . ربما يبدو هذا غامضًا من الناحية النظرية المجردة، لكن العديد من الأعداد النسبية يمكن تقريبها بنفس الطريقة. العدد النسبي ، على سبيل المثال، يمكن تقريبه بواسطة المتسلسلة المُتقاربة التالية: . في الواقع، يُعدُّ التقسيم الثنائي أكثر صعوبةً إلى حدٍّ ما من موضوع العدد النِّسبي ، ويمكن الحدُّ من هذه الصعوبة بالحديث عن التقسيم الثنائي «المُنقَّح» الأكثر تجريدًا كما جاء في الجزء ٢(ب)، حيث لا يُوجَد زمن أو حركة، ولكنْ كلُّ ما هنالك ببساطة هو مقدارٌ ما نُوجِد نصفه ثم نصف هذا النصف (أي الرُّبع)، ثم نصف هذا النصف المُنصَّف (أي الثُّمن) وهكذا، حتى أصغر الأجزاء التي تبدأ بالمقدار الذي يُساوي حيث هي عدد كبير على نحوٍ اختياري.٧٧ وبجمع كل هذه الأجزاء الناتجة على هذا النحو نحصُل على لهذا التقسيم الثنائي على صورة متسلسلة القوى المتقاربة التالية: . والمُلاحَظ أن تقريبٌ للعدد تمامًا كما أن تقريبٌ للعدد . بمعنى أن مجموع يختلف عن بفارق فقط، وهذا الفرق سوف يُصبح صغيرًا على نحوٍ اختياري عندما يَزيد بلا حدود.
لا شكَّ أن لفظتَي «على نحوٍ اختياري» و«بلا حدود» هنا تبدُوان غامضتَين وغيرَ مُوفَّقتَين في أداء المعنى، وهكذا أراد زينون أن يكونا؛ فهو يريد أن يعوقنا بحقيقة وجود عددٍ لا نهائي من الحدود في « »، وأنَّك في العالَم الحقيقي لا تستطيع أبدًا التوقُّفَ عن جمع هذه الحدود، وهذه هي الإشكالية التي جاء فايرشتراس لإنقاذنا منها.
ثَمَّة مبدآن أوَّليان سيُساعدان في معرفة آلية ذلك بسهولة. أولًا، اعلم أن الدليل يعمل أيضًا بمثابة عددٍ ترتيبي٧٨ لأي حَدٍّ مُعطًى في المتسلسلة ؛ أي إن هو الحد الأول، و هو الحد الرابع، و هو الحد رقم وهكذا. لاحظ، أيضًا، أنَّ الفرق بين أي حَدَّيْن مُتتاليين من يتضاءل أكثر فأكثر كلما تقدَّمت أكثر في المتسلسلة. ويُمكن تمثيل «الفرق» في هذه الجملة الأخيرة كمسافةٍ على خط الأعداد؛ أي إننا هنا بصدد التحدُّث عن الفترات.
إذن، دعونا نبدأ من هنا. نعلمُ أن مجموع للقسمة الثنائية سوف يختلف عن بفارق فقط؛ حيث . لإثبات أن هو فعلًا مجموع ، علينا إثباتُ أن هو نهاية الدالة حيث .٧٩ ونُثبت ذلك عن طريق نظرية فايرشتراس التي تنصُّ على أن « تكون لها نهاية عند النقطة إذا وإذا فقط كان، لأي عددٍ مُوجب ، يُوجَد عدد موجب بحيث تكون لأي في الفترة . و كلاهما يُساوي ، و هي ، و يُمكن أن يكون أي شيءٍ نُريده، وأبسط طريقة لهذا البرهان هي أن تفترض أنَّ النقطة . وتذكَّر (بافتراض أنك قرأت تكملة الجزء ٥(ﻫ)) أن بناء الجملة الغريب في هذا التعريف يعني حقًّا أننا بحاجةٍ إلى إيجاد لأي بحيث تكون علاقة الاقتران المنطقي صحيحة. ومن ثمَّ، فإن المبدأ الأساسي الآخر الوحيد هو التأكُّد من تذكُّر ما تَعنيه علامتا القيمة المطلقة: و كلاهما يُساوي 9، و و متكافئان أيضًا. يستخدم فايرشتراس القِيَم المُطلقة؛ لأننا نتحدَّث عن فتراتٍ على خطِّ الأعداد؛ أي عن المسافة العددية بين النقاط المختلفة، التي تكون هي نفسها في كِلا الاتجاهَين. وهنا، تتمثَّل وظيفة علامتَي القيمة المُطلقة « » في أنها جعلَتْنا نُبدِّل موضعَي حَدَّي الطرح المختلفَين، وهو ما يُتيح لنا بسهولةٍ تمثيلَ الفترات التي نتحدَّث عنها على خط الأعداد الحقيقية بوضوح.
نعتذِر عن كل هذا الإطناب، فهذا في الواقع أسهلُ مما يبدو عليه الأمر. إذن: لإثبات أن هو نهاية الدالة الثنائية ، علينا أن نُوجِد لأي عددٍ مُوجب بحيث تكون الفترة بين و أقلَّ من ، عددًا موجبًا بحيث تكون العلاقة صحيحة، وهو أمر لا يصعُب إيجاده. وفيما يخصُّ والحد الثاني في علاقة الاقتران، فالوضع عبارة عن عكسٍ للمثال الوارد في الجزء التكميلي: لن يكون خطأً أبدًا أيًّا كانت القيمة الموجبة التي تختارها ﻟ . كأن تُحدد — مثلًا — أن . ويُمكنك عندئذٍ أن تجعل صحيحةً بافتراض أن يساوي (كما سيكون في الحد العاشر من )، وفي هذه الحالة ، وفي هذه الحالة ، وفي هذه الحالة ، وهي نفسها ، التي هي بالفعل أصغرُ من . الفكرة هي أنه بغض النظر عن صِغر قيمة التي تختارها، يمكنك تعديلُ قيمة بحيث يكون أقلَّ من .
وعليه، فإنَّ الحد الثانيَ في علاقة الاقتران سيكون دائمًا صحيحًا. والآن، كلُّ ما يجب أن ننشغل به هو الحد الأول في علاقة الاقتران وإيجاد العدد الموجب الذي سيجعل صحيحًا لقيمة مُعطاة. من الواضح أنه ليس لدَينا الحرية المُطلقة نفسُها لاختيار على غرار ما كان لنا عند اختيار ؛ لأن اختيارنا ﻟ يُحدِّد القيمة التي نُعيِّنها ﻟ ؛ ومن ثمَّ إلى وقيمة لها التي يجب أن يكون أكبر منها. لكن يتضح أن علاقة اعتماد على تُتيح إيجاد ذات صلةٍ بسهولة. لنُلقِ نظرة مجددًا على المثال حيث ومن ثمَّ و . نحتاج هنا إلى قيمة موجبة بحيث يكون . في هذه الحالة تحديدًا، سوف يُحقق المطلوب تمامًا … وفي الحقيقة اتضح أن سوف يفي بالغرَض لكل قِيم الممكنة. وربما تعلم على الأرجح تعليلَ ذلك. السبب هو أن كلَّ قِيم الممكنة يجب، طبقًا للتعريف، أن تكون موجبة. وعلى الرغم من أن تتضاءل أكثرَ فأكثر، وكلما تضاءلت قيمة ازدادت قيمة لتجعل أقلَّ من ، وكلما ازدادت قيمة سيقترب من — ومع ذلك، يضمن شرط أن تكون أكبر من أن يكون دائمًا أقل من . وبما أنه — بغضِّ النظر عن قيمة الموجبة التي تختارها — يضمن أن تكون علاقة الاقتران صحيحة دائمًا، ومن ثمَّ يتحقَّق المعيار الأساسي للتعريف «لأي عددٍ موجب ، يُوجَد عدد مُوجَب ». وعليه، فإنَّ ، وهكذا يكون هو مجموعَ . وعندئذٍ، يُمكنك حقًّا عبورُ الطريق.
هكذا يكون قد زال الالتباس الأساسي للقسمة الثنائية: الانتقال من النقطة إلى النقطة لا يقتضي عددًا لا نهائيًّا من المهام الجزئية الضرورية، وإنما بدلًا من ذلك مهمة واحدة يُمكن تقريب « » يمكن أن يكون بطريقةٍ صحيحة عن طريق متسلسلة غير منتهية متقاربة. وآلية هذا التقريب هي ما استطاع تحليل فايرشتراس شرحه فعلًا، بطريقةٍ حسابية تمامًا، من دون مُتناهيات الصغر، أو أي غموض يتعلق باللغة الطبيعية على غِرار ما برع فيه زينون. وليس بغنيٍّ عن القول إن التقسيم الثنائي — بعد فايرشتراس — قد أصبح مجردَ مسألةٍ كلامية أخرى.
ومع ذلك، فالخلاصة هي أنَّ البرهان الذي أوردناه تفصيليٌّ على غير العادة. وفي مراحل الدراسة قبل الجامعية، نادرًا ما نُشير فعليًّا إلى إثبات أنَّ أو في سياق الفترات أو لفايرشتراس. تُعَدُّ هذه البراهين الآن الأساسَ الخفيَّ — إن جاز التعبير — لمفهوم النهايات، تبريره الاستنتاجي؛ فما زال المفهوم نفسُه يُشرَح بمصطلحات اللغة الطبيعية مثل «بلا حدود» و«تقترب من». وهو ما قد يكون جيدًا. وبدلًا من أي استفاضة في الإجابات التقنية في مقابل الواقعية، دعونا نُلاحظ فقط أن حلًّا قياسيًّا للقسمة الثنائية في دروس الرياضيات سوف يتوقف أساسًا بعد الفقرة الثانية من الجزء ٥ (ﻫ)، وتحديدًا النقطة (١). أي إنَّ درس الرياضيات سوف يُنشئ المتسلسلة المتقاربة ، ويُوضح أن الفرق بين و1 هو ، ويشرح أن هذا الفرق يُصبح صغيرًا على نحوٍ اختياري كلما زادت قيمة بلا حدود، ويُعلِّمك أن الأسلوب الصحيح لمعالجة متسلسلة كهذه هو «بافتراض أن المجموع يقترب من النهاية عندما يقترب من ما لا نهاية، وبكتابته على الصورة » الجزء الوارد بين علامتَي الاقتباس مأخوذٌ من كتاب دراسي فعلي في الرياضيات، نسخة مُنقَّحة ترجع إلى عام ١٩٩٦، وكان وضعها هكذا على سبيل التأكيد. ويستمر السرد في الكتاب نفسِه:
لا تعني هذه «المعادلة» أنه يتوجَّب علينا حقًّا أن نجمع عددًا لا نهائيًّا من الحدود؛ فهذا مجرد تعبير مُختصر لحقيقة أن هو نهاية المجموع المحدود عندما يقترب من ما لا نهاية (وهي مدًى غيرُ منتهٍ على أي حال). ولا يدخل المدى غير المُنتهي إلا في الإجراء المُستمر بلا نهاية وليس كمقدارٍ فِعلي.

دعونا نُؤكِّد، بأسلوبٍ هادئ جدًّا ومعتدل النبرة، أنك إذا استطعت في رأيك أن تستشفَّ أثرًا طفيفًا من المدرسة الأرسطية في كل هذه التأكيدات المُلحَّة بوجوب عدم التعامل مع اللانهائية على أنها «مقدار فعلي» في مسائلَ مثل التقسيم الثنائي، فإنك لا تستشف الأمور جيدًا. كما أنَّ المسألة ليست فقط في أسلوب المعادلات الذي تُدرَّس به الآن الرياضيات للطلاب الجامعيين. الموضوع أعمق من ذلك وأقدم. كان من بين الأمور اللافتة للنظر في تحليل القرن التاسع عشر ونظرية الدالة أنهما كلما ازدادا تعقيدًا، جاءت معالجتهما للانهائية — على نحوٍ أكثرَ غرابةً — أقربَ شبهًا بمفهوم «الاحتمالية» العتيق للغاية لأرسطو. ويُمثِّل تحليل فايرشتراس ذروة هذا التعقيد والتشابُه.

ومع ذلك، إذا لاحظت — عن طريق مصادفةٍ أخرى — أن التقسيم الثنائي وحلَّه المزعوم في قاعات الدرس يُعنَيان فقط بالأعداد النسبية وخط الأعداد، ناهيك عن أن المثال النموذجي على برهاننا المُتمثل في البرهان باستخدام و في الجزء ٥(ﻫ) كان كله أيضًا يُعنى بالأعداد النسبية. ومن ثمَّ، فأنت في وضعٍ يمكنك أن تُدرك فيه وجود نوعٍ من المفارقة اللطيفة.

هوامش

(١) إذا التزمْنا بعبارة «لكن بمعدل أكبر» بعد كل معلومةٍ مُعطاة، فإن آخر ثلاث فقراتٍ في الجزء ٣(ب) يُمكن تطبيقها هنا على نحوٍ جيد جدًّا مرةً أخرى.
(٢) م. إ.: لا يرجع السبب في هذه الصعوبة، على الرغم ممَّا يعتقده غالبًا أقطاب العلوم الإنسانية، إلى كل هذه الرموز الكثيرة التي يمكن أن تجعل تصفُّح كتابٍ من مقرَّر الرياضيات الجامعي أمرًا مفزعًا للغاية. الرموز الخاصة بالتحليل هي في الواقع طريقة موجزة جدًّا لتمثيل المعلومات. فلا يُوجَد الكثير من الرموز المختلفة، وبالمقارنة مع اللغة الطبيعية فإنها يمكن تعلُّمها بسهولة بالغة. المشكلة ليست في الرموز. بل إنَّ التجريد والتعميم المُفرط للمعلومات التي تُمثلها هذه الرموز هو ما جعل مُقرَّر الرياضيات الجامعي صعبًا للغاية. ونأمُل أن يكون هذا مفهومًا؛ لأنه صحيح تمام الصحة.
(٣) م. إ.: يُقصَد بذلك نتائجُ جديدة ليس فقط في الرياضيات الراسخة، ولكن في مجالاتٍ جديدة تمامًا بعد حساب التفاضُل والتكامل، بما في ذلك المعادلات التفاضلية وأنواع مختلفة من المتسلسلات غير المنتهية والهندسة التفاضلية ونظرية الأعداد ونظرية الدوال والهندسة الإسقاطية وحساب التغيرات والكسور المستمرة، وهكذا.
(٤) م. إ.: لاحظ أننا عُدنا مجددًا إلى تشبيه الشجرة.
(٥) عليك هنا أن تُطالع تبرير دالمبير الشهير عن عدم وجود برهان دقيق لمفهوم النهايات، «واصل التقدُّم فحسْب، وسوف يأتيك اليقين.» ولكن ليس هذا فحسب، بل راجع أيضًا ما قاله أيه سي كليرو (١٧١٣–١٧٦٥، عالِم الرياضيات والفيزيائي الكبير) عام ١٧٤٠ تقريبًا «[كما هو معروف في المعتاد] يجب أن تعتمد الهندسة، مثلها مثل المنطق، على الاستدلال الصوري من أجل دحض المُجادلين وتفنيد حُججهم. ولكن الوضع تغيَّر رأسًا على عقب. فكلُّ ما يفعله الاستدلال — الذي يُعنَى بما يعرفه المرء مُقدمًا بحُكم فطرته السليمة — هو حجبُ الحقيقة وإرهاقُ القارئ، وصار لا يُعتدُّ به حاليًّا.»
(٦) اعترافٌ واجب: في الواقع، ستكون أجزاءٌ من مسرد المصطلحات الثاني صارمة الدقة وربما يكون هذا بصفةٍ عامة هو أصعب جزء في هذا الكتيب برمته، ونأسف على ذلك. ولكن التحدُّث عن ذلك جملةً واحدة وعلى نحوٍ مكثَّف دون الاحتكام إلى سياقٍ محدد؛ أفضلُ من التوقف بين الحين والآخر لإعطاء تعريفاتٍ صغيرة وإقحام معاجم وسط شرح الإسهامات الفعلية للأشخاص. وقد جرَّبنا كِلا الأسلوبَين في مرحلة المسوَّدات، وكانت مساوئ الأسلوب الأول أقلَّ من مساوئ الأسلوب الثاني.
(٧) م. إ.: هذا الرمز العام للدوال هو إهداءٌ من إل أويلر السابق ذكره، وهو شخصية عظيمة للغاية في رياضيات القرن الثامن عشر.
(٨) ما يُسمَّى في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي بحساب التفاضل والتكامل مُتعدد المتغيرات، ويُقصَد به بالأساس رياضيات السطوح المكوَّنة من ثلاثة أوجه والمُجسَّمات المكوَّنة من أربعة أوجه وهكذا.
(٩) م. إ.: ما يلي هو أسلوب د. جوريس في شرح المعادلات التفاضلية الذي أصبح أوضح وأهم من الأسلوب المليء بالصيغ الذي يطرحونه في مُقرر الرياضيات الجامعي.
(١٠) م. إ.: حقيقة مُثبَتة من قِبل د. جوريس: الصورة الأصلية في نظام الكتابة الياباني لكلمة «دالة» تعني حرفيًّا «مربع الأعداد».
(١١) إن جاز التعبير.
(١٢) هذا موضوعٌ يطول شرحه. ولذا، يُرجى فقط أن تعلم بوجود شيءٍ من هذا القبيل.
(١٣) هذا كله ورد في الفصل الأول من كتاب كوشي الشهير «دروس في التحليل»، على سبيل المثال فيما يخص و : «تُصبح الكمية المتغيرة متناهيةَ الصغر عندما تقلُّ قيمتها العددية إلى ما لا نهاية بحيث تُقارب النهاية.» و«تصبح الكمية المتغيرة متناهية الكبر عندما تزداد قيمتها العددية إلى ما لا نهاية بحيث تقارب النهاية .» (ولكن هذا بحيث لا تعني — كما يوضح إم كلاين — كمية محددة وإنما شيئًا كبيرًا بلا حدود).
(١٤) ميزةٌ أخرى للتفكير في المعادلات التفاضلية على أنها دوالُّ أنه بما أن مفكوك الدوال التفاضلية يكون عبارة عن متتابعات/متسلسلات من الدوال، فمن المنطقي أن ما يخرج — إن جاز التعبير — من الطرف الآخر لهذه المتتابعات/المتسلسلات من المفترض أن يكون دالة.
(١٥) م. إ.: لعلك تعلم أو تذكر من مُقرر الرياضيات الجامعي أن هذا لا يُشبه مُطلقًا اختبار التقارب العام الذي يُدرَّس حاليًّا. والسبب هو شبه خطأ وقع فيه كوشي: اتضح أنه يُمكن بدقة إثباتُ أن شرط كوشي للتقارب ( ) شرطٌ ضروري للتقارب. ولا بدَّ أيضًا لأي اختبارٍ مميز للتقارُب أن يُقدِّم شروطًا كافية، الأمر الذي تحتاج فيه إلى نظرية عن الأعداد الحقيقية، وهو ما لم يكن موجودًا حتى سبعينيَّات القرن التاسع عشر.
(انظر خلاصة الحاشية السفلية رقم ١٤ في الجزء ١(ﺟ) عن الشروط الضرورية في مقابل الشروط الكافية.)
(١٦) م. إ.: بالرجوع إلى المجالَين الأخيرَين، أو في أحد فصول الفلك، ربما تكون قد درستَ المعادلة الموجية بالاشتراك مع «دوال بِسل»، التي هي حلول خاصة للمعادلة الموجية المكتوبة على صورة نوع خاص من نظام الإحداثيات الثلاثي الأبعاد.
(١٧) التي هي بالطبع — وعلى وجه التدقيق — دوالُّ مثلثية، ومن ثمَّ يُمكنك أن تُلاحظ السبب في أن المتسلسلات المثلثية هي حالة كلاسيكية من متسلسلات الدوال التي ناقشناها أعلاه في جزء المعادلات التفاضلية (ب).
(١٨) لا ضرر في الواقع من العودة إلى مسرد المصطلحات الأول ومراجعة تعريف «متسلسلة فورييه» مرةً أخرى، لا سيَّما الجزء الذي يُشير إلى أن متسلسلة فورييه عبارةٌ عن مفكوكات دوالَّ دورية. ذلك لأن المتسلسلات المثلثية هي في حدِّ ذاتها متسلسلات دورية، بمعنى أنها بصفة أساسية تُعيد الموجة نفسها مرارًا وتَكرارًا، مع العلم أن كلمة «دورية» جاءت من كلمة «دورة» التي تشير إلى الزمن اللازم لإتمام موجة (أي دورة) واحدة، وأن (المعروفة بالموجة الجيبية) هي دالة دورية نموذجية. (م. إ.: إذا كنتَ تذكُر مصطلح «متسلسلة تذبذُبية»، فهذا أمر مختلف تمامًا ولا صلة له بالموضوع هنا وينبغي محوُه من الذاكرة على مدى الجزء المُتبقي من هذا الكتيب.)
(١٩) موضوعٌ يطول شرحه، وسوف يتضح تقريبًا خلال الأجزاء القليلة القادمة.
(٢٠) لا تسأل.
(٢١) م.إ.: الدالة الرتيبة، من جهة أخرى، هي دالة مشتقتها الأولى لا تغير إشارتها + أو - بغضِّ النظر عما إذا كانت المشتقة متصلة أم لا. (تأكد تمامًا أننا لن نضطر إلى التعامل مع الدوال الرتيبة، مع أن تحليل فايرشتراس يتطلَّب الخوض في كل ما يمكن تصوُّره حتى لو كان إلى حدِّ الإطناب.)
(٢٢) م. إ.: بالتأكيد، ليس المقصود هنا الرتابة أو الملل؛ فلا يُوجَد شيء من هذا القبيل في مصطلحات الرياضيات في أي مصدر.
(٢٣) المعنى هنا هو نقطة في مجال الدالة .
(٢٤) التفاصيل التالية هي معلومات إضافية.
(٢٥) م. إ.: هذا هو نفس الثابت المذكور في الجزء الخاص بالمعادلة الموجية، الذي يُعرَّف بأنه «سرعة انتشار الموجة» أو معنًى قريب إلى ذلك.
(٢٦) لسبب ما، هذه هي الفترة التي كان فيها جميع علماء الرياضيات المُهمين تقريبًا من فرنسا أو سويسرا في القرن التالي ستكون الغلبة لعلماء الرياضيات الألمان. ولا يُوجَد تفسير جيد لذلك في المراجع. ربما تكون الرياضيات مثل الجغرافيا السياسية أو الرياضات الاحترافية، حيث دائمًا ما تتطوَّر سلالات ثم تتلاشى، وهكذا.
(٢٧) وهو ما يُكافئ تمثيلها على صورة منحنًى (لأننا مثلما قال د. جوريس، الذي اعتاد دائمًا أن يُكرِّر ويُؤكِّد، إذا لم نحصل على ذلك فلن نفهم أبدًا العلاقة التي تربط مسألة الوتر المُهتَز والمعادلة الموجية بالمتسلسلة المثلثية).
(٢٨) م. إ.: ١٨٠٢–١٨٢٩، ينضم إلى إي جالو كأكبر معجزتَين مأساويَّتَين شهدهما القرن، وهي قصة طويلة وحزينة، مارس (وكذلك فعل أبيل) تأثيرًا خصبًا للغاية بعد وفاته على كيه فايرشتراس.
(٢٩) م. إ.: (معلومة إضافية بخصوص الحاشية السفلية رقم ٢٦): كان الكثير من علماء الرياضيات الفرنسيين البارزين في هذه الفترة من النبلاء أيضًا؛ لابلاس كان مَركيز ولاغرانج كان كُونت وكوشي كان بارون وهكذا، وكان من بين هذه الألقاب على الأقل التي أنعم بها نابليون الأول لقب البارون الذي حازه فورييه على أية حال، وكان والده يعمل حائكًا.
(٣٠) مُختصر الحكاية وراء دالة فورييه غير المتصلة : على ما يبدو، عندما يكتسب جسمٌ ما حرارة، فإن درجة حرارته تتوزَّع بطريقةٍ غير منتظمة، بمعنى أن المواضع المختلفة تكون لها درجات حرارة مختلفة عند أزمنة مختلفة. وهذا هو التوزيع الحراري الذي اهتم به فورييه في واقع الأمر.
(٣١) أي على صورة مساحة أو مجموع مساحات.
(٣٢) تُعرَف هذه المعادلة التفاضلية الجزئية عادةً بمعادلة الانتشار، ولعلك تُلاحظ أنها تُشبه المعادلة الموجية. وهذا التشابه هو ما يُمكن أن تُفسِّره متسلسلات فورييه، من الناحية الرياضية.
(٣٣) بما أننا تعهدنا في مسرد المصطلحات الأول أن نُحاول تفاديَ معاملات فورييه، فإنه يُمكن تصنيفُ الأسطر الخمسة التالية على أنها معلومات إضافية.
(٣٤) الدالة غير المتصلة هي أفضل فكرة هنا؛ لأنها تعني أنك لا تستطيع كتابة الدالة على صورة معادلة مفردة من النوع ، انظر فِقرة واحدة أدناه من النص الرئيسي.
(٣٥) تعني الصيغة التحليلية بالأساس هذه الصيغة « ». وبعبارة أخرى، فإنها تعني أن فورييه قد فسَّر الدالة بطريقة دلالية، أي كمجموعة من التناظرات المحددة بين القيم، وليس تلميحًا كاسم القاعدة التي تُولِّد التناظرات. وكما سنرى في الجزء التالي، فهذه طريقة عصرية جدًّا للتفكير في الدوال.
(٣٦) ليس ثمة ما يمكن فعله بشأن الجملة السابقة سوى الاعتذار.
(٣٧) م. إ.: انظر الجزء ١(د).
(٣٨) م. إ.: تذكَّر — على سبيل المثال — تقرير أويلر غير الصحيح عن في الجزء ٣(أ)، أو فيما يخص هذا الموضوع كل ما ذُكِرَ عن متسلسلة جراندي.
(٣٩) جديرٌ بالملاحظة أن عبارة أبيل الأخيرة «التوصُّل من» هي مجرد طريقة ملتوية لقول «استنتاج».
(٤٠) م. إ.: لا يمكنك أيضًا إثباتُ هذا التكافؤ عن طريق العمليات الحسابية، بما أن كلًّا من « » و« » يُمثلان بالطبع أعدادًا عشرية لا نهائية. وبلغة التحليل ومصطلحاته، فإنك لا تستطيع إثبات أن حاصل ضرب مجاميع المتسلسلة غير المنتهية لهذين العددين العَشريَّين يتقارب إلى مجموع .
(٤١) م. إ.: أجرى البحثَ المذكورَ كلٌّ من جيه ليوفيل وسي آرميت (عالمين فرنسيين آخرين). للاطلاع على الأبحاث الكاملة حول الأعداد غير النسبية الجبرية في مقابل المُتسامية أو غير الجبرية، انظر أيضًا الحاشية السفلية رقم ١٥ في الجزء ٣(أ). وسوف يُذكَر أيضًا المزيد حول برهان ليوفيل المُهم لاحقًا في الجزء ٧(ﺟ).
(٤٢) ثمة اقتباسٌ نموذجي آخر موازٍ لهذه الأسطر، وهو ما قاله أيه تي بيل «لو أن كانتور نشأ وتربَّى على أن يكون إنسانًا مُستقلًّا، ما كان ليكتسب صفة الإذعان الضعيف إلى الرجال ذَوي السُّمعة الوطيدة التي جعلت حياته بائسة وتعيسة.»
(٤٣) م. إ.: كثيرًا ما يُستشهَد بمراسلاتٍ أخرى تتضمَّن لمحاتٍ غريبة وتأكيداتٍ واضحة:

من جورج الأب إلى جورج الابن

… وأختمُ بهذه الكلمات: والدُك، أو بالأحرى والداك وجميعُ أفراد الأسرة الآخرون في ألمانيا وروسيا على السواء وفي الدنمارك يتطلعون إليك على أنك الابن الأكبر، ويتوسَّمون فيك ألا تكون أقلَّ من تيودور شيفر [أستاذ جورج كانتور الابن]، وبمشيئة الله، ربما تُصبح فيما بعدُ نَجمًا ساطعًا في سماء العِلم.

من جورج الابن إلى جورج الأب

… إنني سعيدٌ الآن عندما أرى أنه لن يُزعجك مرةً أخرى إذا اتبعتُ ما تُمليه عليَّ مشاعري في هذا القرار. أتمنَّى أن تفخر بي يومًا ما، والدي العزيز؛ لأن روحي وكياني كله مُعلَّقان بهذا الأمر، وأيًّا كان ما يريده المرءُ ويقوى على فعله، وأيًّا كان الشيء الذي يَحدوه إليه صوتًا خفيًّا مجهولًا، فسوف يمضي قدمًا بخُطًى ثابتة نحو تحقيق النجاح!

(٤٤) م. إ.: يكفي القول إن تعريفات بولزانو ونتائجه بشأن الاتصال في الجزء ٣(ﺟ) يمكن — مع بعض التعديلات البسيطة فحسب — أن يُوسَّع نطاقها بما يشمل مفهوم تقارب المتسلسلات.
(٤٥) م. إ.: انظر مسرد المصطلحات الثاني، وتحديدًا الجزء التكميلي السريع الوارد في محتوى المعادلات التفاضُلية (ب).
(٤٦) م. إ.: كان ذلك عام ١٨٢٦. وكان المثال المُضاد الذي قدَّمه أبيل تفنيدًا بالدليل هو المتسلسلة ، التي كانت في واقع الأمر مفكوك متسلسلة فورييه ﻟ في الفترة ، وهي فعلًا مُتقاربة، لكن مجموعها غير مُتصل ﻟ حيث عدد صحيح.
(٤٧) م. إ.: ما زال اختبار التقارُب المُنتظم لأبيل مُستخدمًا حتى الآن، وربما تكون قد درسته في المدرسة. وإذا لم تكن درسته، فها هو؛ حتى تتعرَّف على طبيعة هذا الاختبار وماهيته حقًّا: افترض أن متتابعةُ دوالَّ على فترةٍ ما . (١) إذا كان من الممكن كتابة المتتابعة على الصورة و(٢) إذا كانت المتسلسلة متقاربة تقاربًا منتظمًا، و(٣) إذا كانت متتابعة رتيبة النقصان بحيث لجميع قِيَم و(٤) إذا كانت منتهية في الفترة ، فإنه (٥) لكل في ستكون المُتسلسلة الكاملة متقاربة تقارُبًا مُنتظمًا. (إذا كان الشرط (٢) بأن تكون متقاربة تقاربًا مُنتظمًا يبدو غريبًا/متداولًا، فاعلم أن من الحِيَل الشائعة في الرياضيات البحتة أن تأخذ خاصية ما لشيءٍ بسيط أو سهل الإثبات (كون هي الجزء الأبسط بمراحل في فك في الشرط (١)) وتستخدمه لإثبات أنَّ هذه الخاصية نفسها تنطبق على كيانٍ أكثر تعقيدًا. وفي الواقع، هذه الحيلة هي جوهر الاستنتاج الرياضي، وهو أسلوب معروفٌ تمامًا في البرهان سوف نتطرَّق إليه في الجزء ٧.)
(٤٨) م. إ.: يُرجى الرجوع إلى الحاشية السفلية رقم ١٥ في الجزء ٥(أ) أو استرجاع مضمونها.
(٤٩) م. إ.: مرة أخرى، تُعرَف هذه النقاط أيضًا بالنقاط الاستثنائية.
(٥٠) م. إ.: = عام ١٨٣٧، في بحثٍ مشهور له بعنوان Über die Darstellung ganz willkürlicher Functionen durch Sinus-und Cosinusreihen، الذي يُترجَم في العربية إلى «حول تمثيل دوالَّ اختيارية تمامًا بواسطة متسلسلات الجيب وجيب التمام». (ومن المُثير للإعجاب أن علماء الرياضيات في ذلك العصر كانوا يُجيدون على ما يبدو الكتابة باللغتَين الفرنسية والألمانية، حسب الدورية العلمية التي يُرسِلون إليها أبحاثهم للنشر.)
(٥١) بمعنى أن الدالة في التحليل الآن ليست بشيءٍ ولا بإجراء، ولكنها بالأحرى مجموعة من التناظُرات بين مجال ومدًى.
(٥٢) ينبغي أن نذكر أن أبحاث فورييه وكوشي ودركليه كانت تدور عادةً حول الدوال في الفيزياء الرياضية، التي هي بسيطة وجيدة نسبيًّا.
(٥٣) م. إ.: هذا هو أول تكهُّن حقيقي كيف أن التحليل البحت سيُولِّد لنا رياضيات الأعداد فوق المنتهية.
(٥٤) إنَّ المرء ليتردَّد في الخوض في هذا، لكن في الواقع تُمثِّل نسخة ريمان من الهندسة غير الإقليدية — التي تُعرَف أحيانًا ﺑ «الهندسة التفاضلية العامة» التي يرجع تاريخها إلى عام ١٨٥٤ (وهو عامٌ مهم جدًّا في حياة ريمان) — تفسيرًا مغايرًا تمامًا للأسباب التي جعلت النظريات الدقيقة في الأعداد الحقيقية واللانهائية ضروريةً في بدايات القرن التاسع عشر. وهو أمرٌ ذو صلة غير مباشرة نسبيًّا بموضوعها، ومجردًا للغاية، وغالبًا لن نتطرَّق إليه مُجددًا باستثناء في هذا الموضع.
باختصار، تتضمَّن هندسة ريمان (أ) مستوى «جاوس» المُركَّب (أي، شبكة إحداثيات ديكارتية أحد محورَيها يُمثل الأعداد الحقيقية والآخر يُمثل الأعداد المركبة) و(ب) ما يُسمَّى ﺑ «كُرة ريمان» التي يمكن تصوُّرها أساسًا على أنها مستوى إقليدي ثنائي البُعد مقوَّس على شكل كرة وموضوعٌ في أعلى المستوى المركب. لا تُعَدُّ هذه الحاشية السفلية معلومة إضافية بالمعنى الفعلي للكلمة، ولكن لك مطلق الحرية في عدم استكمالها. وما يربط هندسة ريمان بهندسة «ديزارج» الإسقاطية المذكورة سابقًا هو أن كل نقطةٍ على كرة ريمان لها «ظل» على المستوى المُركَّب، ويتضح أن العلاقات المثلثية المتولِّدة عن هذه الظلال كثيرةٌ للغاية، فيما يخصُّ اللانهائية. على سبيل المثال، أي خط على المستوى المُركَّب هو ظلٌّ لشيء يُسمَّى بالدائرة العُظمى على كرة ريمان، وهي دائرةٌ يمرُّ مُحيطها بالقطب الشمالي لكرة ريمان، ويُعرَّف هذا القطب حرفيًّا بأنه «نقطة عند ما لا نهاية». وفي الحقيقة، يمكن تعريف كرة ريمان ككلٍّ على أنها «المستوى المُركَّب الذي يتضمَّن نقطةً ما عند ما لا نهاية»، وهو الكِيان المعروف أيضًا ﺑ «المستوى المركب المُوسَّع». الصفر هو القطب الجنوبي لكرة ريمان، والصفر وما لا نهاية طبقًا لتعريف الهندسة التفاضُلية مرتبطان بعلاقة عكسية (لأن إيجاد معكوس أي عددٍ في المستوى المركب يُكافئ قلب كرة ريمان رأسًا على عقب، وهذا موضوع يطول شرحه). ومن ثمَّ، في هندسة ريمان لا يُعَدُّ « » و« » غير جائزيْن فحسب، ولكنهما أيضًا نظريتان.
سوف نتوقف في نقاشنا إلى هذا الحد، ونأمُل أن يكون قد أتاح لكم استيعاب الموضوع بشكلٍ عام. وجُلُّ ما عليك معرفته هو أنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون رمز المستوى المركب الموسَّع هو « »، بينما كان رمز جورج كانتور الأكثر شهرةً لمجموعة كل الأعداد الحقيقية (المعروفة أيضًا ﺑ «المتسلسلة المتصلة» التي هي في الأساس الرتبة الرياضية الثانية للانهائية) هو « ». يُوجَد الكثير من العلاقات اللافتة للنظر بين هندسة ريمان ونظرية المجموعات لكانتور.
(٥٥) م. إ.: في ذلك الوقت، كان جميع الرياضيين البارزين المُهتمين بنشأة رياضيات الأعداد فوق المنتهية لا يزالون على قيد الحياة، وأغلبهم كان له دور فاعِل في الرياضيات. ففي عام ١٨٥٤، كان عُمر ريمان ٢٨ عامًا، وديديكند ٢٣ عامًا، وفايرشتراس ٣٩ عامًا، وإل كرونكر ٣١ عامًا. وكان عُمر إي إتش هاينه، الذي لم نأتِ على ذكره بعد، ٣٣ عامًا. وكان كانتور في التاسعة من عُمره، ويعزف على آلة الكمان تحت إشراف والده جورج دبليو الصارم.
(٥٦) م. إ.: يبدأ العنوان الطويل لهذا المقال ﺑ Über die Darstellbarkeit … (= «حول قابلية التمثيل …»). وفي الواقع، كان المقال بمثابة رسالة دكتوراه ثانية أكثر من كونه دراسة مُتخصِّصة في موضوع واحد (وهذه قصة طويلة)، وظلت مخطوطاته متداولة بين علماء الرياضيات حتى رتَّب ديديكند في النهاية لنشره عقب وفاة ريمان.
(٥٧) م. إ.: لغرَض الحصول على خلفية جذَّابة أو تفاصيل شيقة، أو إذا كنتَ تُريد فقط معرفة بعض رموز التحليل: استنتج ريمان الدالة باستخدام متسلسلة مُثلثية قياسية، وحساب التكامل لكل حدٍّ من حدودها مرَّتَين، ليحصل على ؛ ومن ثمَّ استطاع إثبات أن هذه المتسلسلة المُثلثية المتقاربة ما دام تسلك بطرقٍ خاصة مُعينة (مرةً أخرى، ليس لدينا الأدوات المفاهيمية الكافية للحديث عن هذه الطرُق، لكنها ليست مُلتبِسة أو غريبة، بل كل ما هنالك أنها تقنية حقًّا فحسب).
(٥٨) طبقًا للتعريف الوارد للمصطلح في مسرد المصطلحات الأول.
(٥٩) م. إ.: مزيد من التكهُّنات: السؤالان الأول والأخير من هذه الأسئلة هما ما حاول جي إف إل بي كانتور في باكورة أبحاثه الإجابة عنه، وكان هذا البحث هو ما قاده إلى اللانهائية في حدِّ ذاتها.
(٦٠) م. إ.: الأجزاء السابقة معروضة في الجزء ٢(أ).
(٦١) م. إ.: لاحظ، على الرغم من ذلك، أن الجامعات الفنية الألمانية كانت مؤسساتٍ صارمة للغاية طبقًا للمعايير الحالية، وحساب التفاضُل والتكامُل والتحليل الأساسي كانا جزأَين إجباريَّين في المنهج الدراسي، (ومع ذلك، كانت رواتب المدرسين مُتدنية للغاية).
(٦٢) كان الطالب الجامعي الذي سجَّل ملاحظات خفية وكان السبب الرئيسي لمعرفة ما سُمِّي فيما بعدُ بنظرية الدالة لفايرشتراس هو جي ميتاج-ليفلر (١٨٤٦–١٩٢٧)، الذي شرع في وقتٍ لاحق في تأسيس مجلته العلمية «أكتا ماتيماتيكا» Acta Mathematica ونشر فيها أعمال جي كانتور عن اللانهائية في الوقت الذي كانت أغلب الدوريات العلمية الأخرى المُتخصصة في الرياضيات تعتبرها ضربًا من الجنون. ومن المنظور التاريخي، يُعتبر ميتاج-ليفلر ثانيَ أهم صديق مراسلة لكانتور بعد آر ديديكند.
(٦٣) م. إ.: في الغالب، التكامُلات الناقصية هي تعميماتٌ لمعكوسات الدوال المثلثية؛ فهي تظهر في كل أنواع مسائل الفيزياء، بدءًا من الكهرومغناطيسية وحتى الجاذبية. وإذا صادفتها في أحد دروس الرياضيات، فإنها تكون في العادة مرتبطة مع أيه إم لوجندر (عالِم رياضيات فرنسي آخر من بدايات القرن التاسع عشر) الذي هو بالنسبة إلى التكاملات الناقصية مثل ما كان عليه فورييه بالنسبة إلى المتسلسلات المُثلثية، وطوَّر «تكاملات لوجندر الناقصية القياسية من النوع الأول والثاني والثالث»، (م. إ.: إذا علمت مُصادفةً أنَّ جي ريمان أيضًا اقتنع كثيرًا بالتكاملات الناقصية وبعض التكاملات المُرتبطة في حساب التغيرات، فاعلم أننا لن نخوض في أيٍّ من ذلك).
(٦٤) م. إ.: من المؤكَّد تمامًا أن مسرد المصطلحات الأول أشار إلى أن متسلسلات فورييه يُمكن التفكير فيها بوصفها مجاميعَ متسلسلات قُوًى.
(٦٥) لأسبابٍ سوف نُوضحها لاحقًا، لا يُعدُّ هذا التعريف شديد التخصُّص بمعلومة إضافية.
(٦٦) قرار يخصُّ نهج الكتاب: ما سوف نتناوله الآن سيكون أقلَّ تخصُّصًا ودقةً من تعريف د. جوريس نفسه. وهدفنا هو إعطاء توضيح سيكون مفهومًا لأقصى درجةٍ من حيث اللغةُ والمفاهيم المقدَّمة في الكتيب حتى الآن.
(٦٧) من المنظور الرياضي البحت، تُرسي عبارة «لأي …، يوجد …» في تعريف فايرشتراس في الواقع علاقة استلزام واقتضاء في حساب التفاضُل والتكامل المُسند من الرتبة الأولى، وهو نوعٌ من المنطق أكثرُ تعقيدًا يستخدم دلالاتٍ مثل « » و« ». ومع ذلك، فإن هذا الكتيب لن يتطرَّق إلى حساب التفاضل والتكامل المسند باستثناء إشارةٍ أو إشارتَين في الجزء ٧. ولذا، نحن هنا نرمز للعلاقة بين العددَين و على أنها علاقة اقتران منطقي. وفيما يخصُّ البراهين التوضيحية التي نهدف إليها، سيَفي هذا بالغرض فحَسْب؛ فالقِيَم الحقيقية ذات الصلة تُؤدي إلى النتيجة نفسِها في النهاية.
(٦٨) م. إ.: معلومة مُثبَتة: هذه هي أهمية أسلوب فايرشتراس هنا التي جعلت العديد من البراهين اللاحِقة في التحليل ونظرية الأعداد تستخدِم عبارة «لأي ، يوجد …»، التي أُطلق عليها أيضًا مصطلح البرهان باستخدام الرمزَين و .
(٦٩) ما زال اختباره للتقارُب المُنتظم، المعروف باختبار لفايرشتراس، يُدرَّس حتى الآن في مُقرَّرات التحليل.
(٧٠) على سبيل المثال، متسلسلة فورييه.
(٧١) معلومة مُثبَتة من الناحية التاريخية: مساهمة فايرشتراس في هذه النظرية هي في الحقيقة جزءٌ من محاولته غير الناجحة لتعريف الأعداد غير النسبية. انظر الجزء ٦(أ) أدناه.
(٧٢) ما يفعله هذا في جوهر الأمر هو إعادة صياغة مفهوم التقارُب إلى نهاية بدلالة مجموعات النقاط وفترات خط الأعداد الحقيقية. مثال يعود إلى إس لافين: « هو نقطة نهاية المجموعة ويُلاحِظ المرء بديهيًّا أن عناصر المجموعة تتَّجِه نحو .» ومن المؤكَّد أنَّ هذا ليس تعريفًا دقيقًا تمامًا لنقطة النهاية، لكنه بالتأكيد جوهرُ المعنى. لاحظ هنا أيضًا أن نقطة النهاية لمُتتابعة غير مُنتهية هي نقطة تحتوي كلُّ فترة حولَها على عددٍ لا نهائي من حدود المُتتابعة، بمعنى أنها تسلك المسلكَ نفسَه تقريبًا الذي سيكون وثيقَ الصلة بموضوعنا في الجزء ٧(أ).
(٧٣) م. إ.: إحدى النتائج المباشرة لنظرية بولزانو هي ما يُعرَف عادةً ﺑ «نظرية القيم المتوسطة»، وهي جزءٌ أساسي في نظرية الدالة وتنص في جوهرها على أنه إذا كانت دالة متصلة في بحيث و ، فإن تأخذ كلَّ القِيَم المُمكنة بين و . إذا عرَّفنا الدالة المُتصلة على أنها والفترة على أنها و على أنها ، فيُمكنك ملاحظة مثالٍ أوَّلي على نظرية القِيَم المتوسطة في برهان الجزء ٣(ﺟ) عن التناظُر الأُحادي بين و . وهذا بدوره يُوضح السبب في أن نظرية بولزانو تتطلَّب وجود نظرية في الأعداد الحقيقية، بما أن «كل القِيَم المُمكنة بين و » لن تكون مقدارًا يُمكن التحققُ منه عن طريق العَدِّ.
(٧٤) م. إ.: وكذلك في موضوع «النهايات في مقابل الحدود» في مسرد المصطلحات الأول.
(٧٥) م. إ.: في الواقع، هذا هو المثال النموذجي لهذه الدالة حتى الآن.
(٧٦) مرةً أخرى، ما سوف نسرده فيما يلي هو معلومات غير رياضية ومُخصَّصة للأعمال المتعلقة بالرياضيات والمفاهيم المنطقية التي أرسيناها حتى الآن. (م. إ.: سوف يتمثَّل أحد الردود الدقيقة تمامًا في استخدام تعريف فايرشتراس لنهاية متتابعة غير منتهية، الذي هو صيغة مختلفة بعض الشيء من البرهان باستخدام و الذي فضَّلنا ألا نُخصِّص له فقرة إضافية أخرى لتوضيحه. وفيما يخصُّ أهدافنا هنا، سيفي تعريف نهاية الدالة بالغرَض فحسب.)
(٧٧) بمعنى أن «تقترب إلى» تمامًا مثل متتابعة الأعداد الحقيقية . (م. إ.: هل ذكرنا في الجزء ٢ سابقًا كيف أن التقسيم الثنائي المُنقَّح يُشبه للغاية خاصية الاستنفاد لدى يودوكسوس؟)
(٧٨) لعلك تعرف بالفعل أنَّ الصفة هنا جاءت من كلمة «ترتيب»، ويُقصَد بالعدد الترتيبي العدد الأول، فالثاني، فالثالث، وهكذا، في مقابل الأعداد الكاردينالية أو الأصلية وهكذا. بعبارة أخرى، الترتيبية تُعنى بموضع وجود العدد في مُتتابعة مُعطاة وليس بماهية العدد نفسه. وسوف يتضح أن هذا التمييز بين العدد الكاردينالي والعدد الترتيبي مُهم جدًّا في نظرية المجموعات لكانتور، وهو ما نستشفُّه — على سبيل المثال — من مقولة بي راسل: «في هذه النظرية [عن اللانهائية]، من الضروري التعامُل مع كلٍّ من الأعداد الكاردينالية والأعداد الترتيبية على حدة، حيث إن خصائصهما عندما يكونان أعدادًا فوق منتهية تختلف عن خصائصهما عندما يكونان أعدادًا منتهية.»
(٧٩) م. إ.: يُشبه هذا بالطبع إثبات أنَّ هو نهاية حيث . نحن نستخدم الدالة الدالة لتوضيح موضوع التقسيم الثنائي إلى أقصى درجة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤