الجزء السابع

الجزء ٧(أ)

يحتوي هذا الجزء على عباراتٍ مُقتبسَة:

انبثقت نظرية اللامتناهي الحديثة نتيجةَ تطوُّر متقاربٍ من الرياضيات التي سبقتها.

إس لافين

لكنَّ غير المُلمِّين بالموضوع قد يتساءلون كيف يُمكن التعامُل مع عددٍ غير قابل للعَدِّ.

بي راسل

يُرجى من الجميع التأهُّب وربط أحزمة الأمان لأننا على وشك صعود ارتفاعٍ شاهق شديد الانحدار.

أيه آر جوريس
لأسباب صارت معروفة الآن، سيكون كل ما سوف نتناوله فيما يلي سريعَ الإيقاع حقًّا. وسيكون أيضًا صعبًا إلى حدٍّ ما في البداية، ولكن على غِرار كثيرٍ من موضوعات الرياضيات البحتة فإنه سيُصبح أسهلَ كلما تعمَّقنا فيه أكثر. كما ذكرنا سلفًا، فإن جي إف إل بي كانتور أدَّى بحث تخرجه في جامعة برلين تحت إشراف فايرشتراس وكرونكر؛ إذ كانت باكورة مقالاته المنشورة عبارة عن بحثٍ معروف إلى حدٍّ ما حول بعض المسائل المتعلقة بنظرية الأعداد.١ وبعد نَيله الدكتوراه حصل كانتور على وظيفة منخفضة الدرجة كمحاضر خاصٍّ (وهي فيما يبدو نوعٌ من وظيفة «المعيد» الحُر)٢ في جامعة هاله، وهناك التقى بإي إتش هاينه (١٨٢١–١٨٨١)، وهو مُختصٌّ في التحليل التطبيقي الذي له بحث مُهم في موضوع الحرارة، وتحديدًا في معادلة طاقة الوَضْع.٣ على أية حال، اعتبارًا من عام ١٨٧٠ تقريبًا، أصبح هاينه جزءًا من كوكبة علماء الرياضيات الكبرى الذين يعملون على متسلسلات فورييه والقضايا التي أثارها ريمان «حول قابلية تمثيل …»، وفيما يبدو أن هاينه هو مَنْ جعل كانتور يهتم بما عُرِف بعد ذلك بمسألة الوحدانية: إذا كانت أي مُعطاة يُمكن تمثيلها بواسطة مُتسلسلة مُثلثية، فهل هذا هو التمثيل الوحيد، بمعنى هل يُمكن لمُتسلسلة مُثلثية واحدة فقط أن تفعل ذلك؟ لم يستطع هاينه نفسه إثبات الوحدانية إلا شريطة أن تكون المتسلسلة المُثلثية ذات الصِّلة مُتقاربة تقاربًا منتظمًا.٤ ومن الواضح أنَّ هذا لم يكن جيدًا بما يكفي، حيث تُوجَد الكثير من المتسلسلات المُثلثية، بل ومن متسلسلات فورييه، التي ليست متسلسلاتٍ مُتقاربة تقاربًا منتظمًا.
في عام ١٨٧٢، عرَّف مقال كانتور «حول توسيع نطاق فرضية من نظرية المتسلسلات المُثلثية»٥ نظريةً أكثر تعميمًا بكثيرٍ عن الوحدانية وأثبتها، ولا تشترط هذه النظرية وجود تقارُب مُنتظم، كما أنها تسمح باستثناءاتٍ فيما يخصُّ التقارُب عند عددٍ لا نهائي من النقاط، بشرط أن تكون هذه النقاط الاستثنائية٦ مُوزَّعة بأسلوب خاصٍّ مُعين. وكما سوف نرى، فإن هذا التوزيع الدقيق معقَّد إلى حدٍّ ما كما هو الحال في النظرية عام ١٨٧٢ نفسها، التي كان كانتور قد صاغها في واقع الأمر في عددٍ من الأبحاث السابقة ونشر ملاحقَ لها، حيث تطوَّرت معاييره للفردية تدريجيًّا من ضرورة أن تتقارب المتسلسلة المُثلثية المُعطاة لجميع قيم إلى السماح بعددٍ محدود من النقاط الاستثنائية، إلى الصيغة النهائية العامة تمامًا من مُبرهنة الوحدانية. ومن المُثير للاهتمام أنَّ البروفيسور إل كرونكر هو مَنْ ساعد كانتور في تنقيح برهانه وتبسيطه في عدة نقاط أولية. وفي الوقت نفسه، كان نهج كرونكر مُلمًّا بعُمق بأبحاث فايرشتراس حول الاتصال والتقارُب، على سبيل المثال، ملاحظة أنه لكي تكون متسلسلة مُثلثية عامة ما على الصورة قابلة للتكامُل حدًّا حدًّا (وهو الأسلوب الذي حاول به هاينه وكلُّ علماء الرياضيات الآخرين دراسةَ مسألة الوحدانية)، فلا بدَّ أن تكون المُتسلسلة مُتقاربة تقاربًا مُنتظمًا. لاحظ المؤرخون أنَّ علاقات كانتور وفايرشتراس أخذت في الفتور وأنَّ خطابات إل كرونكر أصبحت أكثر تعقيدًا عندما بدأت تنقيحات كانتور لمُبرهنة الوحدانية تسمح بعددٍ لا نهائي من النقاط التي يُمكن أن يُسمَح عندها باستثناء إما تمثيل دالة معطاة أو السماح بتقارب المتسلسلة.٧ في كل نسخة من نسخ البرهان المُتتالية، كان كرونكر بالأساس يُراقب كانتور وهو ينتقل من منطقه الجَبري الإنشائي إلى منطقٍ خاص بنظرية الدوال ليُصبح أقربَ إلى فايرشتراس. واكتمل هذا الارتداد عند ظهور النسخة النهائية من بحث عام ١٨٧٢ وكان الجزء الأول برمته من هذا البحث مُخصَّصًا لنظرية الأعداد غير النسبية/الحقيقية الموضحة بالتفصيل في الجزء ٦(ﻫ).
إنَّ فهم الأسباب التي تُؤكِّد ضرورة وجود نظرية مُتسقة عن الأعداد غير النسبية هي وسيلةٌ جيدة لمعرفة كيف أنَّ أبحاث كانتور عن مُبرهنة الوحدانية قادته إلى دراسة المجموعات غير المُنتهية في حدِّ ذاتها. يتطلَّب النقاش، الذي أصبح مُعقَّدًا نوعًا ما، أن تتذكَّر قانون نظرية بولزانو-فايرشتراس بأنَّ كل مجموعة غير مُنتهية من النقاط تحتوي على نقطة نهاية واحدة على الأقل، ومن ثمَّ نتساءل بالتأكيد عن مفهوم نقطة النهاية.٨ وبالإضافة إلى أنَّ عليك أن تضع في اعتبارك أن المفاهيم الأساسية لبرهان الوحدانية تدور جميعها حول خط الأعداد الحقيقية (أي عند استخدام مصطلحاتٍ مثل «مجموعة نقاط» أو «نقطة استثنائية» أو «نقطة نهاية»، فإنها جميعًا تُشير في الحقيقة إلى نقاط هندسية مناظرة لأعداد.٩ ويُرجى أن نُلاحظ أيضًا أن «المجموعات غير المنتهية من النقاط» قيد البحث في كلٍّ من نظرية بولزانو-فايرشتراس وبرهان كانتور هي في الحقيقة مُتتابعات، وهي أيضًا أسهل كيانات يُمكن من خلالها فَهمُ نقاط النهاية — على سبيل المثال، المجموعة غير المنتهية من نقاط خط الأعداد ١٠ لها نفس نقطة النهاية التي هي نفس نهاية المتتابعة غير المُنتهية .
سنتناول فيما يلي الكيفية التي توصَّل بها كانتور إلى نتيجته العامة على نحوٍ متزايد. في البداية (عام ١٨٧٠)، كان كانتور يحتاج إلى متسلسلة مُثلثية غير مُتقاربة تقاربًا منتظمًا،١١ ولكنها متقاربة عند كل موضع، بمعنى أنها متقاربة لجميع قيم . في الخطوة التالية (عام ١٨٧١)،١٢ استطاع أن يُثبت أنه إذا كانت متسلسلتان مُثلثيتان مختلفتان فيما يبدو تتقاربان لنفس الدالة (الاختيارية) عند كل موضع باستثناء عددٍ محدود من نقاط ، فهما في الحقيقة نفس المتسلسلة. سوف نتخطَّى هذا البرهان؛ لأن الموضوع وثيق الصلة بنقاشنا الحاليِّ هو ما سوف نتناوله في النقطة التالية، وهو النتيجة التي توصَّل إليها كانتور عام ١٨٧٢ حيث استطاع أن يسمح بعددٍ لا نهائي من النقاط الاستثنائية وأن يُثبت مع ذلك أن المُتسلسلتَين المُثلثيَّتين المُمثلتين مُتطابقتان في النهاية.١٣ واستطاع كانتور أن يفعل ذلك من خلال تقديم مفهوم المجموعة المُشتقة، التي تعريفها بالأساس كالتالي: إذا كانت مجموعة نقاط (بمعنى أي مجموعة من نقاط الأعداد الحقيقية، مع أن من الواضح أن ما كان يَعنيه كانتور هو مجموعة غير مُنتهية من جميع النقاط الاستثنائية بين المُتسلسلتَين المُثلثيتَين)، فإن المجموعة المُشتقة للمجموعة هي مجموعة كل نقاط النهاية الخاصة بالمجموعة . أو ينبغي لنا بالأحرى أن نقول إن هي المجموعة المُشتقة الأولى من ؛ لأنه ما دامت مجموعات النقاط ذات الصلة غير منتهية، فإن العملية بأكملها تكون مبدئيًّا تكرارية إلى ما لا نهاية — هي المجموعة المُشتقة من ، هي المجموعة المشتقة من ، وهكذا، حتى يكون لديك بعد من التكرارات وهي المجموعة المشتقة رقم من . في شرح مبرهنة الوحدانية في الفِقرتين السابقتَين، يرتكز المعيار «شريطة أن تكون هذه النقاط الاستثنائية مُوزَّعة بأسلوب خاص معين.» على هذه المجموعة المشتقة رقم ، وعندئذٍ يكون السؤال الجوهري هو ما إذا كانت غير منتهية أم لا.
تنطوي بعض المفاهيم الرياضية الحقيقية لمبرهنة الوحدانية على معلومات تقنية تمامًا عن كيفية عمل نقاط النهاية، ولكن سنستعرِض فيما يلي ما تَعنيه في الأساس فكرةُ توزيع النقاط الاستثنائية في مبرهنة الوحدانية. ربما لم يأنِ تنفُّس الصُّعداء بعد.١٤ افترض أنَّ لديك مجموعةً غير منتهية من النقاط بحيث تكون، لأي عددٍ محدود ، المجموعة المُشتقة رقم للمجموعة ، أي ، غير منتهية بينما مجموعتها المُشتقة رقم ، أي ، محدودة ومنتهية. وعليه، إذا تقاربت مُتسلسلتان مُثلثيَّتان إلى نفس باستثناء عند بعض أو كل النقاط في ، فإنهما يكونان مُتسلسلتَين متكافئتين؛ ومن ثمَّ تثبُت الوحدانية. ربما لم يكن هذا واضحًا ومفهومًا للغاية. والجزء الذي من الضروري توضيحه هو شرط أن تكون محدودة ومنتهية. ولكي نشرح ذلك، يجب أن نتعرَّف على فرق آخر: أيُّ مجموعة تكون مجموعتها المشتقة محدودة ومُتناهية لعددٍ محدود هي ما أسماه كانتور مجموعةً من النوع الأول، في حين إذا كانت غير منتهية لأي قيمة منتهية ﻟ ، فإن هي مجموعة من النوع الثاني. (هذا هو سبب وصف آلية المجموعات المشتقة أعلاه بأنها غير منتهية «مبدئيًّا» — والمجموعات من النوع الثاني فقط هي التي لا ينتج عنها أبدًا مجموعات مُشتقة منتهية، ومِن ثمَّ تسمح بعددٍ لا نهائي من التكرارات التي نحصل فيها على مجموعة مُشتقة لمجموعة مشتقة أخرى وهكذا دواليك.)
حسنًا إذًا. نستعرض فيما يلي السبب الذي جعل كانتور، في برهانه لنظرية الوحدانية، يحتاج إلى أن تكون المجموعة غير المنتهية الأصلية من النقاط الاستثنائية مجموعةً من النوع الأول، ومن ثمَّ أن تكون منتهيةً. والسبب هو أنك تستطيع بالتأكيد، من خلال نظرية القيم المُتطرفة لفايرشتراس، إثباتَ أنَّه إذا كانت أي مجموعة مُشتقة منتهية، فإنَّه عند نقطةٍ ما أبعد من ذلك سوف تأخذ المجموعة المشتقة أصغرَ قيمة مُطلقة لها ، التي ستكون في هذه الحالة إما وإما بلا نقاطِ نهاية على الإطلاق. وهو ما يعني، بعبارةٍ أخرى، أنه في أي وقتٍ تصل فيه داخل المتوالية الكاملة إلى مجموعة مُشتقة منتهية، عليك أن تعلم أنَّ العملية التَّكرارية بأثرها سوف تتوقف في مكانٍ ما؛ حيث إنك ستحصل في النهاية على مجموعة بدون عناصر. ونعلم بالطبع أنَّ عناصر هاتَين المجموعتَين المُختلفتَين و هي نقاطُ نهاية، كما نعلم من نظرية بولزانو-فايرشتراس أنَّ أي مجموعة غير منتهية تكون لها على الأقل نقطةُ نهاية واحدة. وإذا كانت بلا عناصر، فإنَّ المجموعة التي هي المجموعة المُشتقة لها تكون بلا نقطة نهاية، ومن ثمَّ فلا بدَّ طبقًا لنظرية بولزانو-فايرشتراس أن تكون هي نفسُها مُنتهية، ومن ثمَّ لا بدَّ طبقًا لنظرية القيم المتطرفة لفايرشتراس عند نقطةٍ ما أن تأخذ قيمتها الصغرى وهي من العناصر، وهي النقطة نفسها التي تصبح عندها المجموعة التي هذه هي مجموعتها المُشتقة منتهية، وهكذا رجوعًا عبر و و و… و ، وهو ما يعني أن الأمر برُمته يتلخَّص في أنه عند نقطةٍ ما قابلة للإثبات يمكن توضيح أن المُتسلسلتَين المُثلثيَّتَين المُمثِّلتَين يتحوَّلان إلى متسلسلة واحدة، وهو ما يُثبت الوحدانية ويُؤكِّدها.
ومع ذلك، سوف تتذكر من الجزأَين ٥(ﻫ) و٦(أ) أنَّه لكي تكون نظرية القيم المتطرفة قابلة للتطبيق ١٠٠٪ في كل الحالات، فإنها تتطلب نظريةً عن الأعداد الحقيقية، وأن نسخة فايرشتراس من هذه النظرية كانت (كما أوضح كانتور نفسه) خرقاء. وهذا هو أحد الأسباب التي استلزمت أن يكون لبرهان كانتور لعام ١٨٧٢ نظريتُه الخاصة عن الأعداد الحقيقية. أما عن السبب الآخر والمُتعلق أيضًا بنفس الموضوع، فهو أنَّ كانتور لكي يستخدم نظرية بولزانو-فايرشتراس الأكثر تعميمًا في بناء نظريته عن المجموعات المُشتقة وأنواعها، كان عليه التوفيقُ بين الخصائص الهندسية للنقاط على تسلسُل أحد الخطوط — وهو ما يعني هنا مفاهيم مثل «نقطة النهاية» و«الفترة» وغيرها — واتصال الأعداد الحقيقية (أو ما يُعرَف أيضًا بالاكتناز المترابط)، حيث تكون بالطبع الكيانات المُتضمَّنة في التحليل أعدادًا حقًّا وليست نقاطًا.١٥
إذا لاحظنا أنَّ المجموعات المُشتقة لدى كانتور تُشبه الفكرة العامة للمجموعة الجزئية، وأنَّ القيمة الصغرى هي بالأساس تعريف المجموعة الخالية نفسُه، فمن الممكن أن نستشفَّ بذور ما يُعرَف الآن بنظرية المجموعات١٦ في برهان كانتور للفردية. كما أنَّ المجموعات المُشتقة واتصال مجموعة الأعداد الحقيقية/الخط الحقيقي، ومبرهنة الوحدانية هي اللَّبِنات الأولى لرياضيات الأعداد فوق المنتهية لكانتور، وإنْ كانت بأساليب مُعقدة نوعًا ما. لقد رأينا توًّا أن في مبرهنة الوحدانية تستلزم أن تكون منتهية؛ أي إن كانتور لم يُطبِّق عملية إيجاد مجموعة مُشتقة لمجموعة مشتقة أخرى في برهانه إلا لعددٍ محدود فقط من المرَّات. وبما أنَّ هناك بالفعل العديد من المجموعات غير المنتهية التي تحوم حول البرهان، مع أنَّه (كما في: الأصلية غير منتهية، وكلُّ المجموعات من و وهكذا وصولًا إلى يمكن أن تكون غير منتهية، وبالطبع المتسلسلات المُثلثية ذات الصلة هي متسلسلات غير منتهية، ناهيك عن أنَّ نقاط النهاية تحتوي على عددٍ لا نهائي من النقاط داخل الفترات، وأن تلك الفترات هي نفسها يمكن أن تكون متناهية في الصغر)، فلا غروَ في أن يبدأ كانتور بالنظر عن كثبٍ في خصائص مجموعاته المشتقة بموجب عددٍ من التكرارات اللامتناهية.
وعلى نحوٍ أكثر تحديدًا، بدأ كانتور يتساءل عمَّا إذا كانت لا نهائية مجموعة مُشتقة من النوع الثاني غير مُتناهية التكرار قد تختلف عن — أو تفوق بطريقةٍ ما — لا نهائية المجموعة من النوع الأول غير المتناهية التَّكرار. وعلى نحوٍ أكثرَ تحديدًا أيضًا، لاحظ (كانتور) مدى التشابُه الكبير للغاية بين هذه الأسئلة والسؤال حول اللانهائيات النسبية لكلٍّ من الأعداد النسبية على خطِّ الأعداد في مقابل الأعداد الحقيقية على خطِّ الأعداد الحقيقي. يتعلق هذا السؤال الأخير بالموضوع الذي نُوقِش لأول مرةٍ في الجزء ٢(ﺟ) — على الرغم من أن الأعداد النسبية لا نهائية وغير مُتناهية الكثافة، فإنها ليست متصلة (أي إن خط الأعداد تتخلله فراغات)، في حين أنَّ كلًّا من ديديكند وكانتور قد أثبتا الآن اتصال مجموعة كل الأعداد الحقيقية كما هو مخطَّط على خط الأعداد الحقيقية، ومن هنا، من الطبيعي فيما يبدو أن يتساءل كانتور١٧ — الذي في سبيل مبرهنة الوحدانية قد وضع أساليب لفحص كلٍّ من الأعداد الحقيقية مقابلَ الأعداد النسبية وخصائص المجموعات غير المنتهية — عمَّا إذا كانت المجموعة غير المنتهية من جميع الأعداد الحقيقية أكبر بطريقةٍ ما من المجموعة غير المنتهية من جميع الأعداد النسبية. وذلك باستثناء ما يُفترَض أن تَعنيَه كلمة «أكبر» هنا، وكذلك كلمة «تفوق» في السؤال الوارد أعلاه عن مقابل — أي كيف يُمكن وصف المقادير النسبية من اللانهائيات المختلفة وتفسيرها رياضيًّا؟ وهي النقطة التي، أثارها جيه جليسون بكلماته الخالدة …

جزء تكميلي حول نهج الكتاب

يُوجَد الآن موضوعان إجرائيَّان يتعيَّن تناولهما. ثمة مجلدات علمية بأكملها مكرَّسة لإنجازات كانتور.١٨ ويُمكنك أن تحصل على دورة دراسية مُدتها فصلان دراسيان عن نظرية المجموعات تحت عناوينَ خاصة بأقسام المنطق أو الرياضيات أو الفلسفة أو علوم الحاسب١٩ ومع ذلك تكون قد درستَ القشور الخارجية فقط. من الناحية التاريخية، تمتد نظريات كانتور وبراهينه حول الأعداد فوق المنتهية على مدى ما يَزيد عن ٢٠ عامًا٢٠ بالإضافة إلى عشرات الأبحاث المختلفة المصحوبة غالبًا بتنقيحاتٍ وتعديلاتٍ مُتتالية للمحتوى السابق، حتى إنه تُوجَد أحيانًا أكثرُ من نسخةٍ للبرهان الواحد. وعليه، فمن الواضح أنَّ من المُستحيل هنا أن نشرح رياضيات الأعداد فوق المنتهية بشكلٍ كامل، أو أن نتحدَّث باستفاضةٍ عن تطوُّرها في أبحاث كانتور المنشورة، ونوفيها حقَّها في هذا الصدد.٢١ من جهة أخرى، تُوجَد بعض الكتب الحديثة المُبسَّطة التي تُعطي معلوماتٍ سطحية ومختزلة عن براهينِ كانتور (وعادةً ما تكون هذه المعلومات، كما ذكرنا، في مرتبةٍ أدنى ممَّا قاله بروميثيان عن مشاكل كانتور النفسية أو انتماءاته الغامضة المزعومة) لدرجة أن الرياضيات شُوِّهت وحُجِبَ جمالها؛ ولا شك أننا لا نُريد أن نسلك هذا المسلك أيضًا.
وعليه، فقد اتخذنا قرارًا لتحقيق التوازن بأن يكون النهج من الآن فصاعدًا هو التضحية بالتسلسل الزمني وبقدْر معين من الاستفاضة في مراحل التطوير لصالح الشمولية المفاهيمية والترابط المفاهيمي؛ أي لعرض مفاهيم كانتور ونظرياته وبراهينه بأسلوب يُلقي الضوء على العلاقات القائمة فيما بينها وعلاقاتها بالرياضيات في حدِّ ذاتها. وهذا لن ينطويَ فقط على التنقُّل من موضوعٍ لآخرَ على نحوٍ عشوائي قليلًا، ولكننا في الغالب لن نُخبرك أننا نفعل ذلك، أو أنه يُوجَد أحيانًا عدة نُسَخ مختلفة من برهان مُعطًى وأننا لا نتناول سوى أفضلِها فقط، أو التواريخ الفعلية والعناوين الإنجليزية في مقابل الألمانية لكل المقالات ذات الصلة،٢٢ وهكذا. ويستلزم هذا أيضًا مسردَ مصطلحات خاصًّا عن نظرية المجموعات، وإنْ كان يلزم إعداده هذه المرة على نحوٍ تدريجي وفي موضعه المناسب؛ لأن بعض المعلومات التي يتضمَّنها مجردة للغاية، حتى إنه لا يُمكن عرضها عليك مقدمًا دفعةً واحدة وبدون سياق.
نهاية «جزء تكميلي حول نهج الكتاب»

الجزء ٧(ب)

كما ينبغي أن يكون واضحًا، انبثقت بعض الأفكار المهمة للغاية حول اللانهائية من برهان «مبرهنة الوحدانية» العامة. تتعلق إحدى هذه الأفكار بالأحجام النسبية لمجموعة كل الأعداد النسبية في مقابل مجموعة كل الأعداد الحقيقية، بينما تدور أخرى حول ما إذا كان اتصال خط الأعداد الحقيقية له علاقة بطريقةٍ ما بحجم المجموعة الأخيرة أو تركيبها. بل وثمة فكرةٌ ثالثة، وهي مفهوم العدد فوق المنتهي، الذي استنتجه كانتور من الاعتبارات نفسِها التي قادته إلى التمييز بين المجموعات غير المنتهية من النوع الأول والنوع الثاني في برهان عام ١٨٧٢.

ولكي نعرف كيف تصوَّر كانتور الأعداد فوق المنتهية واستحدثها، علينا أولًا التأكدُ من استيعاب المحتوى الوارد في مسرد المصطلحات حول بعض مصطلحات نظرية الأعداد التي من المُحتمل أنك رأيتها لأول مرة في مرحلة التعليم الأساسي.٢٣ بعبارة أخرى: مجموعة هي مجموعة جزئية من المجموعة إذا كان وإذا كان فقط لا يُوجَد عنصر من غير موجود في . واتحاد المجموعتَين و هو مجموعة كل عناصر وكل عناصر ، بينما تقاطع و هو المجموعة التي تتضمَّن فقط عناصر الموجودة التي هي أيضًا عناصر في . ويُرمَز عادةً إلى الاتحاد والتقاطُع بالرمزَين و على الترتيب. وأخيرًا المجموعة الخالية، ورمزها المُعتاد هو (فاي)، وهي مجموعة لا تشتمل على أي عناصر — واعلم أنه من خلال ما يبدو للوهلة الأولى على أنه ضربٌ من المراوغة في تعريف «المجموعة الجزئية»، فإنَّ أي مجموعة مهما تكن سوف تتضمَّن كمجموعةٍ جزئية منها. نهاية الجزء الأول من مسرد المصطلحات الثالث. إضافة إلى ذلك، ينبغي أن تتذكَّر هنا ما تناولناه بشأن النوع الأول في مقابل النوع الثاني لمجموعات النقاط في الجزء السابق. كما تُوجَد في الواقع بعض المعلومات التقنية التي تتضمَّن معايير خاصة بالمجموعات «الكثيفة» في مقابل المجموعات «كلية الكثافة» التي سوف نتجاوزها هنا، ولكن في جوهر الأمر سوف نتناول الطريقة التي تصوَّر بها كانتور الأعداد فوقَ المنتهية واستحدثها، وهي كالتالي:٢٤
افترض أنَّ هي مجموعة نقاط غير منتهية من النوع الثاني. أثبت كانتور أن المجموعة المشتقة الأولى من ، وهي ، يمكن «تحليلها»٢٥ أو تقسيمها إلى اتحاد مجموعتَين جزئيتين مُختلفتَين: و ، حيث هي مجموعة تضم كل النقاط التي تنتمي إلى المجموعات المُشتقة من الجيل الأول للمجموعة ، و هي مجموعة تضم كل النقاط المُتضمَّنة في كل مجموعة مشتقة واحدة من ، بمعنى أنَّ هي مجموعة تضم فقط النقاط المشتركة بين كل المجموعات المشتقة من . ولتقرأ هذه الجملة الأخيرة مرةً أخرى.٢٦   هي الجزء المهم، وهي فعلًا الطريقة التي عرَّف بها كانتور «تقاطع» المجموعات لأول مرة، من خلال المتتابعة غير المنتهية من المجموعات المشتقة (المتتابعة غير منتهية؛ لأن هي مجموعة من النوع الثاني). وعلى عكس رمز التقاطُع لدَينا ، كان رمز كانتور للتقاطع غريبًا ومائلًا للغاية ، (مرةً أخرى، لن نستفيض في شرح كل شيءٍ في هذا الصدد). وعليه، فإنَّ تعريف رياضيًّا هو: ، وهو ما يعني مع تعريف «المجموعة من النوع الثاني»، أنَّ كلًّا من العلاقتَين التاليتَين صواب:

جزء تكميلي صغير مُضمَّن

في الواقع، تُمثل الخطوتان (١) و(٢) معًا نوعًا من البراهين، وهو برهانٌ آخر شهيرٌ بجانب البرهان بنقض الفرض. يُسمَّى هذا البرهان «الاستنتاج الرياضي». لإثبات جملةٍ ما لكل ( ) من الحالات باستخدام الاستنتاج الرياضي، عليك (أ) إثبات أن صواب للحالة الأولى ، ثم (ب) افتراض أن صواب لأول من الحالات (رغم أنك لا تعلم العدد الذي يُمثله ، فإنك تعلم من الخطوة (أ) أنه موجود، وهو إذا لم يكن خلاف ذلك)، ومن ثمَّ (ﺟ) إثبات أنَّ صواب لأول ( ) من الحالات. وسواءٌ بدا الأمر غريبًا أم لا، فإن النقاط من (أ) إلى (ﺟ) تؤكِّد أن سوف تكون صوابًا مهما تكن قيمة ، أي إن هي نظرية حقيقية.
نهاية «جزء تكميلي صغير مُضمَّن»

•••

أتاحت الخطوتان (١) و(٢) لكانتور تعريف ، بوصفها مُشتقة من ، كالتالي: — أي إنَّ هي المجموعة المشتقة رقم من . وبما أن (مرة أخرى) هي مجموعة من النوع الثاني، فلا يُوجَد أي احتمال أن تكون ، وهو ما يعني أن نفسها سوف تُؤدي إلى المجموعة المشتقة ، التي ستُؤدي بدورها إلى المجموعة المُشتقة وهكذا، إلا أنَّ كلمة «وهكذا» هنا تعني أننا يمكن أن نستمرَّ في استنتاج عددٍ لا نهائي من المجموعات المُشتقة من الصورة المجردة٢٨   . وبما أنَّ و في هذه الصيغة مُتغيران، استطاع كانتور تكوين المتتابعة غير المنتهية التالية من المجموعات غير المنتهية: . ويقول كانتور عن هذه المتتابعة: «نرى هنا إنتاجًا للمفاهيم على أسسٍ جَدَلية، وهو ما يؤدي إلى أبعدَ من ذلك بكثير، ومن ثمَّ فإنه يظل في حدِّ ذاته خاليًا بالضرورة وبالتبعية من أي اختياراتٍ عشوائية» … وهو ما يعني به أن هذه «المفاهيم» هي كيانات حقيقية في الرياضيات — الأعداد فوق المنتهية — بُرهِنت بدقة باستخدام نظرية بولزانو-فايرشتراس وتعريفات جي كانتور نفسه فيما يخصُّ «العدد الحقيقي» و«المجموعة المُشتقة» و«التقاطع» والاستنتاج الرياضي.
إذا اعترضتَ (مثلما فعل البعض منَّا مع د. جوريس) بأن الأعداد فوق المنتهية لكانتور ليست في الواقع أعدادًا على الإطلاق، لكنها بالأحرى مجموعات، فاعلم أنَّ المقصود بشيء مثل أنه رمزٌ لعدد عناصر في مجموعةٍ معطاة، تمامًا كما أنَّ هو رمز لعدد العناصر في المجموعة . وبما أن الأعداد فوق المنتهية مختلفة وتُكوِّن متتالية مرتَّبة غير منتهية مثل الأعداد الصحيحة تمامًا،٢٩ وهو أمرٌ يمكن إثباته فعليًّا، فإنها أعدادٌ حقًّا، ويمكن تمثيلها باستخدام نظام كانتور المعروف المُشتمِل على الحرف «أليف» أو .٣٠ ونظرًا لأن الأعداد فوق المنتهية أعدادٌ فعلية، فإنها تقبل نفس أنواع العلاقات والعمليات الحسابية شأنها شأن الأعداد العادية، وإنْ كانت قواعد هذه العمليات — كما في حالة الصفر تمامًا — تكون مختلفة جدًّا في حالة ، ويتعيَّن إثباتها والبرهنة عليها على نحوٍ مُستقل.
(معلومة إضافية: لن نسترسل كثيرًا في ذلك، لكن إذا كان لديك فضول للاستزادة، فإليك بعض النظريات القياسية لجمع الأعداد فوق المنتهية وضربها ورفعها لأسٍّ، وجميعها نظرياتٌ استنتجها كانتور أو اقترحها. (يُرجى ملاحظة أن حاصل جمع/ضرب عدد لا نهائي من الحدود هنا لا علاقة له تمامًا بمجاميع/نهايات المتسلسلات غير المنتهية في التحليل، وهي المتسلسلات المعروفة الآن — بعد كانتور — بالمجموعات «شبه المنتهية»). افترض أن عدد صحيح مُنتهٍ، وأن لدَينا عددَيْن مختلفَيْن من الأعداد فوق المنتهية، هما و ، حيث ،٣١ ومِن ثمَّ كل العلاقات التالية صحيحة:
  • (1)
  • (2)
  • (3)
  • (4)
  • (5)
  • (6)
  • (7)
  • (8)
لاحظ أنَّ عمليتَي الطرح والقسمة لا يُمكن إجراؤهما إلا في حالاتٍ مُعينة فقط، ليست بين الأعداد فوق المنتهية في حدِّ ذاتها، كما هو الحال — على سبيل المثال — لعدد محدود ، حيث تكون ، و . (مرةً أخرى، لا يختلف هذا على الإطلاق عن العمليات الحسابية في حالة الصفر.) لاحظ أيضًا أنَّ أُسس الأعداد فوق المنتهية مثل ، و ، وهكذا هي حالة خاصة وسوف نشرحها بإسهابٍ لاحقًا. نهاية المعلومة الإضافية.)
في حال إذا كنتَ تتساءل عن علاقة أيٍّ من هذا بالموضوعات الكبرى الأخرى المُتعلقة باللانهائية — أي العلاقة المقارَنة بين لا نهائية الأعداد النسبية في مقابل لا نهائية الأعداد الحقيقية، ودور الأعداد الصماء في اتصال خط الأعداد الحقيقية — اعلم أنَّ إحدى حجج كانتور المُفضَّلة عن حقيقة٣٢ الأعداد فوق المنتهية هي تشابهها رياضيًّا/ميتافيزيقيًّا مع الأعداد غير النسبية، التي سبق أن عرَّفها ديديكند بنجاح بمصطلحات المجموعات غير المنتهية. وهكذا صاغ كانتور الأمر:
إنَّ الأعداد فوق المنتهية في حدِّ ذاتها هي بمفهومٍ معينٍ الأعدادُ غيرُ النسبية الجديدة، وأرى في الواقع أنَّ أفضل طريقة لتعريف الأعداد غير النسبية المُنتهية مُماثل تمامًا؛٣٣ بل ربما يجوز لي القول من حيث المبدأُ إنها نفس طريقتي في تناوُل الأعداد فوق المنتهية. ويمكن للمرء أن يُؤكِّد قطعًا أنَّ: الأعداد فوق المنتهية يعتمد وجودها أو عدم وجودها على الأعداد غير النسبية المنتهية؛ فكلاهما مُتماثلٌ في جوهره؛ إذ إن كلَيهما بمثابة أشكال أو صور مُعينة ومُحدَّدة بدقة من اللانهائية الفعلية.
من المُثير للاهتمام أنَّ هذه العبارات الواضحة التي لا التباسَ فيها ظهرت في بحث «إسهاماتٌ في دراسة الأعداد فوق المنتهية» حيث نرى — بالعودة إلى الجزء ٣(أ) — كانتور يستشهد باعتراض القديس توما الإكويني على الأعداد غير المنتهية بوصفها مجموعاتٍ غير منتهية ويُصدِّق عليه. ومع ذلك، كانت حجة كانتور الأولى بشأن الأعداد فوق المنتهية — وهي حجة تكرَّرت بأشكالٍ عدَّة في الفترة ما بين عام ١٨٧٤ وأواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر — أنَّ «وجودها يترسخ مباشرةً من خلال تجريدها من وجود المجموعات غير المنتهية.»٣٤ ومن ثمَّ، كان المشروع الأساسي لأبحاث كانتور ما بين عامَي ١٨٧٤ و١٨٨٤ هو وضعُ نظرية مترابطة ومُتسقة عن المجموعات غير المنتهية — ويُرجى ملاحظة أنَّ كلمة «مجموعات» هنا بصيغة الجمع؛ لأنه لكي لا تكون مثلُ هذه النظرية بسيطةً لا بدَّ من وجود أكثرَ من نوعٍ واحد (أي: أكثر من نوع حسابي، وهو ما يعني بالأساس «حجم»٣٥ بالإضافة إلى مجموعة من القواعد لتقييم هذه الأنواع والمقارنة بينها.

الجزء ٧(ﺟ)

من الواضح أنَّ هذا ينقلنا بسلاسة إلى السؤال عمَّا إذا كان اتصال خط الأعداد الحقيقية يعني أن المجموعة غير المنتهية لكل الأعداد الحقيقية تكون بطريقةٍ أو بأخرى أكبر من المجموعة غير المنتهية لكل الأعداد النسبية. لاختصار الموضوع، واصلَ كانتور العملَ في أبحاثه بشأن هذه المسألة على نحوٍ متزامن تقريبًا مع ما صاغه من نتائجَ بشأن المجموعات المُشتقة والأعداد فوق المنتهية.٣٦
حسنًا. توصَّل كانتور أثناء محاولة إيجاد طريقةٍ ما لمقارنة حجمَي مجموعتَين كلٌّ منهما متناهية الكبر إلى المفهوم الدقيق المُستخدَم حاليًّا في الصف الرابع لتعريف تَساوي مجموعتَين، وهو التناظُر الأحادي. (في الحقيقة، الفعل «توصَّل إلى» ليس صحيحًا تمام الصحة؛ إذ رأينا كلًّا من جاليليو وبولزانو يستخدمان التناظُر الأحادي لإثبات مفارقاتهما الخاصة. (وإن كانت بعد نظرية كانتور لم تعُد مفارقات).) التناظُر الأحادي — حسبما تعرف — هو الطريقة المُستخدَمة لإثبات تَساوي مجموعتَين من عدمه دون الحاجة إلى إحصائهما. تَستخدِم الكتب الدراسية كلَّ السيناريوهات على اختلاف أنواعها لتوضيح فكرة التناظر الأحادي وآلية استخدامه في المقارنة، ومثالُ ذلك أصابعُ اليد اليُمنى في مقابل أصابع اليد اليسرى، وعددُ الحضور في مقابل عدد المقاعد المتاحة في إحدى دُور المسرح، وعددُ الأكواب في مقابل عدد الأطباق في أحد المطاعم. وتضمَّنت عبارة د. جوريس المَجازية المُفضَّلة لديه (التي من الواضح أنها اخْتِيرَت بما يناسب الحضور وقتها) عددَ الأولاد في مقابل عدد البنات في حفلٍ راقص، حيث يُكوِّن كلٌّ منهم ثنائيًّا مع الآخر ويرقصان معًا، وملاحظة ما إذا كان أيٌّ منهم يقف حزينًا وحيدًا وظهره إلى الحائط. أظنُّ أنَّ الفكرة قد اتضحت الآن. فيما يلي تعريفان اصطلاحيان: يُوجَد تناظُر أحادي بين المجموعتَين و إذا وفقط إذا وُجِدَت طريقةٌ (وهو ما لا يتعيَّن رياضيًّا الإحاطة به) لتكوين أزواج من عناصر وعناصر بحيث يقترن كلُّ عنصر من عناصر مع عنصر واحد فقط من عناصر والعكس صحيح. وتُعرَّف المجموعتان و بأنَّ كلتَيهما لها نفس العدد الكاردينالي (وهو ما يُعرف أيضًا بالأصلية أو «الكاردينالية») إذا وإذا فقط كان هناك بالفعل تناظُر فِعلي بينهما.٣٧
والآن، فيما يخصُّ التعريف التالي، يُرجى استرجاع الطريقة التي استحدث بها جاليليو المفارقة المُسمَّاة باسمه في الجزء ١(د). وسيكون من المفيد أيضًا تذكُّرُ التعريف الاصطلاحي للمجموعة الجزئية في الجزء السابق. تكون مجموعة مجموعةً جزئية فعلية من المجموعة إذا وإذا فقط كانت مجموعة جزئية من وكان هناك عنصرٌ واحد على الأقل من ليس عنصرًا في .٣٨ ومِن ثمَّ، طبقًا للتعريف، كلُّ مجموعة هي مجموعة جزئية من نفسها، ولكن لا تُوجَد أي مجموعة تكون مجموعة جزئية فعلية من نفسها. أهذا منطقي؟ كان ينبغي أن يكون كذلك، على الأقل في حالة المجموعات التي تتضمَّن عددًا محدودًا من العناصر.

لكن ما افترضه جي كانتور على أنه الخاصية الأساسية المُميِّزة للمجموعة غير المنتهية أنَّ هذه المجموعة يمكن أن تُوضَع في تناظُر أحادي مع مجموعةٍ واحدة على الأقل من مجموعاتها الجزئية الفعلية. وهو ما يعني بعبارةٍ أخرى أنَّ أي مجموعة غير مُنتهية يُمكن أن يكون لها نفس العدد الكاردينالي مثل مجموعتها الجزئية الفعلية، كما في حالة مجموعة جاليليو غير المنتهية التي تضمُّ كل الأعداد الصحيحة الموجبة، والمجموعة الجزئية الفعلية لهذه المجموعة التي تضمُّ كل المُربعات الكاملة، التي هي نفسُها مجموعة غير منتهية.

تجعل هذه الخاصية فكرة مقارنة «أحجام» المجموعات غير المنتهية برُمتها غريبةً للغاية، حيث إن المجموعة غير المنتهية يمكن بحُكم التعريف أن يكون لها نفس حجم (كاردينالية) أي مجموعة تكون هي أكبر منها طبقًا للتعريف. ما فعله كانتور هنا٣٩ أنه أخذ عنصرًا آخر من مفارقة جاليليو وحوَّله إلى أداة فعَّالة ومهمة للغاية لمقارنة المجموعات غير المنتهية. وهذه — إذا أردتَ تعقُّب الأمر والبحث فيه — هي أولى أفكاره العبقرية المدهشة التي لا تُصدَّق، على الرغم من أنها ربما لا تبدو بالفكرة العظيمة في البداية. إنها فكرة التناظُر الأحادي مع مجموعةٍ تتضمَّن كل الأعداد الصحيحة الموجبة؛ أي . والسبب في أهمية هذا أنَّ مجموعة كل الأعداد الصحيحة الموجبة يمكن — من حيث المبدأ — عَدُّها،٤٠ كما في إمكانية المُضي قدمًا على المنوال التالي: «ها هو العنصر الأول، ، والعنصر التالي هو ، و…» وهكذا، على الرغم من أن العملية لا تنتهي أبدًا من الناحية العملية. على أية حال، من هنا جاء مفهوم كانتور عن «قابلية العَدِّ»: تكون مجموعة غير منتهية قابلةً للعَدِّ إذا وإذا فقط كان هناك تناظُر أحادي بين ومجموعة كل الأعداد الصحيحة الموجبة.٤١
أثبتت أيضًا مجموعة كل الأعداد الصحيحة الموجبة نوعًا من العدد الكاردينالي الأساسي للمجموعات غير المُنتهية؛ حيث يرمز كانتور إلى كاردينالية هذه المجموعة برمزه الشهير .٤٢ والفكرة هي أنَّ الأعداد الكاردينالية للمجموعات غير المنتهية الأخرى يمكن حسابها عن طريق هذا العدد الكاردينالي الأساسي؛ أي يُمكنك مقارنتها ﺑ عن طريق معرفة ما إذا كان يمكن وضعها في تناظُر أحادي مع مجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة. وفيما يلي مثالٌ على ذلك (ليس لكانتور نفسه، لكنه مثال جيد ويفي بالغرض):
انظر ما إذا كانت المجموعة التي تضمُّ كل الأعداد الصحيحة الموجبة والمجموعة التي تضم كل الأعداد الصحيحة (بما فيها الصفر والأعداد الصحيحة السالبة) لهما نفس الكاردينالية. المشكلة هي أنَّ هناك اختلافًا جوهريًّا بين هاتَين المجموعتين: المجموعة بها عنصر أول (أي، أصغر)، وهو ، بينما المجموعة (التي هي أساسًا المجموعة ) لا يُوجَد بها ذلك. ومن الصعب أساسًا معرفة الطريقة التي يُمكننا بها اختبار مجموعتَين لإثبات التناظُر الأحادي من عدَمه إذا كانت إحداهما ليس بها عنصر أول. ولحُسن الحظ أنَّ ما نتحدَّث عنه هنا هو الكاردينالية، وهو ما ليس له أي علاقة بالترتيب المُحدَّد لعناصر المجموعات؛٤٣ ومن ثمَّ يُمكننا التلاعُب بترتيب المجموعة بطريقةٍ ما بأنْ نقول إنه على الرغم من أن ليس بها عنصر أصغر، فإن بها بالفعل عنصرًا أول، ولنقُل هنا إنه . ويسمح لنا هذا التلاعُب البسيط بإعداد تناظُر أحادي كامل، وتمثيله بطريقة تخطيطية.
وهذا يثبت أنَّ و لهما نفس الكاردينالية. لاحظ أنه على الرغم من أنك لا تستطيع الانتهاء حرفيًّا من عملية مطابقة المجموعات غير المنتهية، طالما أنك تستطيع إرساء إجراءٍ للتناظُر الأحادي يصلح للحالة الأولى والحالة رقم والحالة رقم ، فقد أثبتَ بالاستنتاج الرياضي أن التناظُر سوف يتحقق مع كل عناصر المجموعتَين. في المثال أعلاه، أثبتنا أنَّ مجموعة كل الأعداد الصحيحة تكون قابلة للعَدِّ على الرغم من أننا ربما لا نستطيع عَدَّ كل عنصر.٤٤ ترجع هذه الطريقة في البرهان إلى جي كانتور بالأساس، وجديرٌ بالملاحظة أنه استطاع مرةً أخرى استخدام خاصيةٍ ضمنية لشيءٍ ما — وهو هنا قدرة الاستنتاج الرياضي على تجريد عددٍ محدود من النتائج بحيث يشمل عددًا لا نهائيًّا من الحالات الممكنة — وجعلها قابلةً للتطبيق بوضوح وبدقة على المجموعات غير المنتهية.
وهكذا يتضح كيف استطاع كانتور إجراء مقارنة بناءً على الحجم بين المجموعة غير المنتهية التي تضمُّ كل الأعداد النسبية والمجموعة غير المنتهية التي تضمُّ كل الأعداد الحقيقية:٤٥ استطاع أن يعرف ما إذا كانت إحدى المجموعتَين أو كلتاهما قابلةً للعَدِّ. وسنتناول فيما يلي سلسلة من البراهين المشهورة للغاية، التي صِيغَ مُعظمها ووُضِعَ في مراسلاتٍ مع آر ديديكند، ونُشِرَت في سبعينيات القرن التاسع عشر، ثم نُقِّحَت ووُسِّع نطاقها في أوائل التسعينيات. أولًا، الأعداد النسبية.٤٦ عندما تتأمَّل الكثافة اللانهائية التي استخدمها زينون فقط في النسب الهندسية بين و ، فإنَّ الأمر يبدو كما لو كان أنَّ مجموعة كل الأعداد النسبية يستحيل أن تكون قابلة للعَدِّ. والسبب في ذلك لا يقتصر على أنَّها ليس بها «أصغر عنصر» ولكنها ليس بها حتى «أكبر عدد تالٍ» بعد أي عددٍ نسبي مُعطًى (كما رأينا برهانَيْن مختلفَيْن على ذلك). ومع هذا، لاحظ كانتور أنه بتجاهل «علاقات المقادير» بين العناصر المتتالية، يمكننا بالفعل ترتيب مجموعة كل الأعداد النسبية في صف، على غرار الصف الذي يتضمَّن كل الأعداد الصحيحة الموجبة، وفي هذا الصف سيكون هناك عنصر أول وعنصر ثانٍ وهكذا. وفي الواقع، فإنَّ المصطلح التقني لوَضْع مجموعة في صفٍّ كهذا هو «عَدُّ المجموعة» — بالإضافة إلى أنَّ الصف نفسه يُسمَّى «صف عَدِّ» المجموعة — وهو ما يعني هنا إنشاء صفٍّ مرتَّب على نحوٍ صحيح سيكون بمثابة برهانٍ على أن مجموعة كل الأعداد النسبية قابلة للعَدِّ حقًّا (أي إنها تقبل التناظر الأحادي مع مجموعة كل الأعداد الصحيحة، ومن ثمَّ فإنها تكون مكافئة لها من حيث الكاردينالية). وهكذا انتشر تفسير كانتور الذي أحيانًا ما يُشار إليه خطأً ﺑ «البرهان القُطْري»:٤٧
كما رأينا في الجزء ٦(ﺟ)، كل الأعداد النسبية يمكن وضعها على صورة نسبة بين عددَيْن صحيحَيْن . ومن ثمَّ، نُنشئ مصفوفةً ثنائية الأبعاد من كل ، حيث نجد في الصف الأُفقي العلوي كلَّ الأعداد النسبية على الصورة (أي: الأعداد الصحيحة) وفي العمود الرأسي الأول كل الأعداد النسبية على الصورة ، وكل عدد نسبي سوف يقع في الصفِّ رقم والعمود رقم ، على هذا النحو:
من المؤكَّد أن المصفوفة الثنائية الأبعاد ليس هي نفسها الصف/التسلسُل المُرتَّب الفردي للعَدِّ الحقيقي، إلا أنَّ كانتور قد أوضح كيفية ترتيب الأعداد النسبية في المصفوفة بالتسلسُل عن طريق خطٍّ واحد مُتعرج ومتصل، هكذا: ابدأ عند انتقل شرقًا بمقدار موضعٍ واحد إلى ، ثم قُطريًّا باتجاه الجنوب الغربي إلى ، ثم جنوبًا إلى ، ثم قطريًّا باتجاه الشمال الشرقي إلى الصف الأول مرةً أُخرى و ، ثم شرقًا إلى ، ثم الجنوب الغربي وصولًا إلى ، وجنوبًا إلى ، والشمال الشرقي إلى وهكذا، كما في:

سوف تُكوِّن النقاط في الصف العلوي المُتتابعة:

، التي يجوز لنا أن نحذف منها كلَّ النِّسب التي يُوجَد فيها قاسِم مشترك بين و ، ومن ثمَّ يظهر كل عددٍ نِسبي مختلف مرةً واحدة فقط في أبسط صورِه. ونحصل بعد ذلك من عملية الحذف/الاختصار هذه على المُتتابعة الخطيَّة ، وهو التسلسُل الذي يُشكِّل الصفَّ المُرتَّب المطلوب للعَدِّ،٤٨ بمعنى أن مجموعة كل الأعداد النسبية قابلة للعَدِّ فعلًا؛ ومن ثمَّ تكون لها نفس كاردينالية مجموعة الأعداد الصحيحة، أي نفس القديم الشهير.
ظهر البرهان القُطري الفعلي في ردِّ كانتور على مسألة ما إذا كانت مجموعة كل الأعداد الحقيقية أكبرَ من مجموعة كل الأعداد النسبية. ينبغي أن يكون واضحًا الآن أن برهان كانتور هنا يتعلق بقابلية عَدِّ الأعداد الحقيقية، على سبيل المثال، إذا كانت الأعداد الحقيقية قابلة للعَدِّ فإن كرديناليتها تُساوي كاردينالية الأعداد النسبية، وإذا لم تكن كذلك فإن الأعداد الحقيقية تكون أكبر من الأعداد النسبية. البرهان بالكامل هو برهان بنقض الفرض، وتعتبر الآن طريقته في التحويل إلى الصورة القُطرية (التقطير) واحدًا من أهم أساليب البرهان في نظرية المجموعات بأكملها. وتجدُر هنا الإشارة إلى أمرَين مَبدئيَّين. (١) أول برهان لكانتور في الفترة ما بين عامَي ١٨٧٣ و١٨٧٤ — كما أشار ديديكند — حول عدم قابلية الأعداد الحقيقية للعَدِّ يتضمَّن نهايات المُتتابعات فيما يخصُّ «الفترات المتداخلة» على خطِّ الأعداد الحقيقية، وهو مُعقَّد جدًّا. والبراهين التي نستعرضها هنا هي نُسَخ منقَّحة من براهين كانتور التي تعود إلى عام ١٨٩٠ تقريبًا، وهي أبسط وأكثر معنًى من البرهان السابق. (٢) لاحظ مرةً أُخرى فيما سيلي كيف أن كانتور استخدم الصورة العشرية للأعداد الحقيقية، واستفاد بالحقيقة الواردة في الجزء ٢(ﺟ) بأن لتمثيل كل الأعداد الحقيقية وليس فقط الأعداد النسبية على صورة أعداد عشرية غير منتهية، كما في … و وهكذا. أكدت هذه الخطوة (التي كانت في الحقيقة اقتراح ديديكند) أن هناك تمثيلًا صحيحًا واحدًا فقط لكل عددٍ عشري، وسوف نعرف حالًا السبب الذي اضطَرَّ كانتور إلى أنْ يُرتِّب الأعداد الحقيقية بهذه الطريقة.
إذن، إليكم البرهان. ونظرًا لأنه برهان بالتناقُض، نفترض أولًا أن مجموعة كل الأعداد الحقيقية قابلة للعَدِّ فعلًا؛ أي يمكن وضعها في صفٍّ مُرتَّب أو متتابعة.٤٩ وسوف تتمثل هذه المتتابعة في جدولٍ لا نهائي من أعداد عشرية لا نهائية غير منتهية، ويُمكننا عرض بداية هذا الجدول على الأقل، كما يلي:
أول عدد حقيقي
ثاني عدد حقيقي
ثالث عدد حقيقي
رابع عدد حقيقي
خامس عدد حقيقي
سادس عدد حقيقي
وهكذا …
في هذا الجدول، يشير إلى أي وكل الأعداد الصحيحة التي قبل العلامة العشرية، والأحرف و إلى آخر ذلك تُمثل المتتابعات غير المنتهية من الأرقام بعد العلامة العشرية، ويتمثل فَرض البرهان في أن النسخة اللانهائية من هذا الجدول ستكون شاملةً لكل الأعداد الحقيقية. وهذا يعني أن التناقُض المطلوبَ إثباتُه لنقض هذا الفرض سوف يستلزم منا إثبات أن هذا الجدول لا يشمل بالفعل مجموعة كل الأعداد الحقيقية، ولإثبات ذلك علينا إيجاد عددٍ حقيقي لا يُوجَد — ولا يمكن أن يكون موجودًا — في الجدول.
ما فعله برهان كانتور القطري هو استحداث هذا العدد الذي دعونا نُطلق عليه . البرهان عبقري وجميل؛ فهو إقرارٌ تامٌّ بالوجود المُشترك للفن في الرياضيات البحتة. أولًا، ألقِ نظرةً مجددًا على الجدول أعلاه. يُمكننا أن نفترض أن القيمة الصحيحة هي أي تريده؛ فهذا لا يُهم. أما الآن، فانظر إلى أول صفٍّ في الجدول. سوف نتأكد من أن أول رقمٍ بعد العلامة العشرية في ، وهو ، مختلفٌ عن في الجدول. وهذا يمكن أن نفعله بسهولة على الرغم من أننا لا نعرف هوية العدد بعينه: لنحدِّد أن ما عدا إذا حدث ما لم يكن يساوي صفرًا، حيث في هذه الحالة . والآن انظر إلى الصف الثاني في الجدول؛ لأننا سوف نُكرِّر الشيء نفسَه مع الرقم الثاني في ، وهو : أو إذا كان . هذه هي فكرة الجدول. وسوف نستخدم الخطوات نفسها مع الرقم الثالث في وهو ، و في الجدول، وكذلك لكلٍّ من و و و وهكذا، إلى ما لانهاية. ورغم أننا لا نستطيع فعليًّا إنشاء بالكامل (تمامًا كما أننا لا نستطيع إكمال الجدول اللانهائي بالكامل)، ما زال في إمكاننا أن نرى أن هذا العدد الحقيقي سيكون مُختلفًا بشكل واضح عن كل عددٍ حقيقي في الجدول. سوف يختلف عن أول عدد حقيقي بالجدول في أول رقم به بعد العلامة العشرية، وعن ثاني عددٍ حقيقي في ثاني رقم به، وعن ثالث عددٍ حقيقي في ثالث رقم به … وسوف يختلف، على ضوء الطريقة القُطرية هنا،٥٠ عن العدد الحقيقي رقم بالجدول في رقمه العشري رقم . وعليه، فإن ليست — ولا يمكن أن تكون — مُدرَجةً في الجدول اللانهائي أعلاه؛ ومن ثمَّ فإن الجدول اللانهائي لا يشمل كل الأعداد الحقيقية، وهو ما يعني (طبقًا لقواعد البرهان بالتناقض) أنَّ الفَرْض المبدئي جرى نقضه وأنَّ مجموعة كل الأعداد الحقيقية غير قابلة للعَدِّ؛ أي إنها لا تقبل التناظُر الأحادي مع مجموعة الأعداد الصحيحة. وبما أن مجموعة كل الأعداد النسبية قابلة للتناظر الأحادي مع الأعداد الصحيحة، فإن كاردينالية مجموعة كل الأعداد الحقيقية أكبر من كاردينالية مجموعة كل الأعداد النسبية، وهو المطلوب إثباته.

جزء تكميلي سريع مُتدرج من العام إلى الخاص

دعونا نرجع إلى الوراء قليلًا ونتأمَّل لوهلةٍ مدى التجريد الفائق الذي ينطوي عليه الأمر برُمته. ونتأمل كذلك السببَ في أنَّ نظرية المجموعات، التي تُعدُّ كما يُزعَم أهم جزءٍ في الرياضيات الحديثة، النظرية الأكثر استغلاقًا والأصعب فهمًا أيضًا. في الواقع، تُعدُّ نظرية المجموعات بسيطة تمامًا ما دمتَ تتعامل مع مجموعات منتهية؛ لأن كل العلاقات بين تلك المجموعات يمكن تحديدها عمليًّا؛ فما عليك سوى إحصاء عناصرها. في نظرية المجموعات الفعلية، نتعامل مع تجمُّعاتٍ مجردة من كياناتٍ مجردة كثيرة للغاية حتى إننا لا نستطيع إحصاءها أو إكمالها أو حتى فهمها … ومع ذلك نُبرهن، استنتاجيًّا ومن ثم نهائيًّا وبشكلٍ حاسم، حقائق حول إنشاء هذه التجمُّعات وعلاقاتها. وفي خضمِّ كل البرهان والتفسير، من السهل ألا نستشعر الغرابة الشديدة التي تنطوي عليها المجموعات غير المنتهية، ولم تتضاءل هذه الغرابة ولو قليلًا بما أوضحه كانتور وديديكند من أن هذه اللانهائيات تضرب بجذورها في جوهر الرياضيات، وأنها ضرورية للتعامُل مع شيءٍ أساسي من قبيل الخط المستقيم. وبخصوص هذه الغرابة، تَحضُرنا هنا مقولة لطيفة للفيلسوفَيْن بول بن الصراف وإتش بوتنام:

هناك المجموعات، وهي جميلة، وخالدة، ومتعددة الكيانات، ومترابطة على نحوٍ معقَّد. كما أنَّها لا تتفاعل معنا بأية حال، وهذا هو جوهر المشكلة. ومن ثمَّ، كيف من المُفترض أن نتوصل إليها بالمعرفة والإدراك؟ وبالكاد ما تكون الإجابة ﺑ «بواسطة الحَدْس» مُرضيَة. نحن نريد وصفًا للآلية التي يُمكننا بها معرفة هذه الكيانات الصغيرة.

ونقلًا عن الحَدْسي المُتشدِّد إتش بوانكاريه:

إنَّ واقعًا مُستقلًّا تمامًا عن العقل الذي يُدركه أو يراه أو يشعر به هو ضربٌ من الاستحالة. وإنَّ عالَمًا خارجيًّا كهذا، حتى إن كان موجودًا، سوف يظل أبدًا صَعب المنال بالنسبة لنا.

وإليكم ردٌّ مُبهج إلى حدٍّ ما من الأفلاطوني كيه جودل:

على الرغم من بُعدها عن التجرِبة الحسيَّة، فإنَّ لدَينا أيضًا شيئًا أشبهَ بإدراكٍ ما لعناصر نظرية المجموعات، حسبما تُرى من حقيقة أنَّ المُسلَّمات تفرض نفسها علينا على أنها صحيحة. ولا أرى أيَّ سبب يستوجِب أن تكون ثقتنا في هذا النوع من الإدراك أو التصور، أي في الحدس الرياضي، أقل من ثقتنا في الإدراك الحسِّي، الأمر الذي يدفعنا إلى وضع نظرياتٍ مادية وإلى توقُّع أن ملاحظات الإدراك الحسِّي المستقبلية سوف تتفق معها …

نهاية «جزء تكميلي سريع متدرج من العام إلى الخاص»، وعودة إلى موضوع الجزء ٧(ﺟ) بعد عبارة (وهو المطلوب إثباته.) أعلاه

•••

سوف نستعرض مزيدًا من المعلومات حول هذَين البرهانين الأولَيْن. (١) بما أنَّ العدد الكاردينالي للمجموعات القابلة للعد هو ، فإنه يبدو كما لو أن من المنطقي الإشارة إلى كاردينالية مجموعة كل الأعداد الحقيقية بالرمز ، إلا أنَّ كانتور — لأسباب معقدة — أشار إلى العدد الكاردينالي لهذه المجموعة بالحرف ، وهو ما أطلق عليه أيضًا «قوة الاتصال»، حيث تبيَّن أنَّ عدم قابلية الأعداد الحقيقية للعَدِّ هو ما يُفسِّر اتصال خط الأعداد الحقيقية. وهذا معناه أن عدد النقاط اللانهائي المُتضمَّن في الاتصال المُستمر يكون أكبر من عدد النقاط اللانهائي المُكوَّن بأي نوعٍ من الاتصال المتقطع، حتى لو كان تسلسُلًا متناهيَ الكثافة. (٢) نجح كانتور من خلال برهانه القُطري أنَّ في تحديد خصائص الاتصال الحسابي تمامًا من حيث الترتيبُ والمجموعات والقابلية للعَدِّ، وغير ذلك. أي إنه حدَّد خصائصها على نحوٍ تجريدي تمامًا دون الإشارة إلى الزمن أو الحركة أو الشوارع أو الأنف أو الفطائر أو أي مَلمح آخر من العالَم المادي، وهذا هو ما جعل راسل يُنسَب إليه «الحل الحاسم» للمسائل العويصة وراء التقسيم الثنائي.٥١ (٣) فسَّر أيضًا البرهان القطري — وفقًا لشرح د. جوريس في الجزء ٢(ﻫ) السابق — لماذا سوف يكون هناك دائمًا أعداد حقيقية أكثر من المناديل الحمراء. وساعدنا في فهم السبب في أنَّ الأعداد النسبية تحتل في النهاية حيِّز صفر على خط الأعداد؛٥٢ إذ بات واضحًا أنَّ الأعداد غير النسبية هو ما يجعل مجموعة كل الأعداد الحقيقية غيرَ قابلة للعَدِّ. (٤) ساعد امتداد لبرهان كانتور في تأكيد برهان جيه ليوفيل لعام ١٨٥١ بأنَّ ثمة عددًا لا نهائيًّا من الأعداد غير النسبية المُتسامية في أي فترةٍ على خط الأعداد الحقيقية. (هذا أمرٌ مثير للاهتمام حقًّا. وسوف تتذكَّر من الجزء ٣(أ) الحاشية السُّفلية رقم ١٥ أنَّ من بين نوعَي الأعداد غير النسبية، تكون الأعداد المتسامية من قبيل و التي هي ليست جذورًا لكثيرات حدود معاملاتها أعداد صحيحة. ويمكن تعديل برهان كانتور بأن لا نهائية الأعداد الحقيقية تفوق لا نهائية الأعداد النسبية لتوضيح أن الأعداد غير النسبية المُتسامية هي فعليًّا غير القابلة للعَدِّ، وأن مجموعة كل الأعداد غير النسبية الجبرية لها نفس كاردينالية الأعداد النسبية،٥٣ وهو ما يثبت أنَّ الأعداد الحقيقية غير النسبية المُتسامية هي في نهاية المطاف ما يُفسِّر اتصال خط الأعداد الحقيقية.) (٥) نظرًا لأن البرهان القطري هو برهانٌ بالتناقُض (أي بنقض الفَرْض) وأن مقاديره غير قابلة للإنشاء على أية حال، فمن غير المُستغرب أن البروفيسور إل كرونكر وآخرين من الإنشائيين الأوائل لم يَرُق لهم البرهان على الإطلاق (سوف نتناول المزيد حول هذا الموضوع في جزأَين أدناه). وبناءً على كل ما ورد من أخبار، كانت أبحاث كانتور فيما يخصُّ الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل حملة كرونكر العامة ضدَّ كانتور.

الجزء ٧(د)

ربما يُمكنك أن تُدرك من الناحية الرياضية خطوة كانتور الكبرى التالية. بعد ما أثبت باستخدام أن هناك قوةً للانهائية أكبر من ، بدأ في البحث عن مجموعاتٍ غير مُنتهية عددها الكاردينالي قد يكون أكبر من . وبرهانه الرئيسي التالي (الذي ستُلاحظ أنه ما زال يتعلق بمجموعات النقاط) هو محاولة لإثبات أن المستوى الثنائي الأبعاد يحتوي على عدد لا نهائي من النقاط أكبر من العدد الخاصة بخط الأعداد الحقيقية الأحادي البُعد، وذلك على نحوٍ مُماثل لكون العدد أكبر من لخط الأعداد. وهذا البرهان هو ما كتبَ كانتور نتيجته النهائية إلى ديديكند بمقولته الشهيرة «أنا أراه، لكنني لا أُصدِّقه.» عام ١٨٧٧.٥٤ ويُعرَف هذا البرهان ببرهان البُعد لكانتور. وتتمثَّل فكرته العامة في توضيح أن الأعداد الحقيقية لا يمكن وضعها في تناظُر أحادي مع مجموعة النقاط في فراغ بُعده ، ويُمثله هنا المستوى، ومن ثمَّ فإن كاردينالية مجموعة نقاط المستوى تكون أكبر من كاردينالية مجموعة كل الأعداد الحقيقية. والحالات الخاصة لهذا البرهان هي مربع الوحدة القديم حقًّا لفيثاغورس والفترة على خط الأعداد الحقيقية. (سوف تتذكَّر من الجزء ٣ أن مفارقة بولزانو عن اللانهائي اقترحت بالفعل عام ١٨٥٠ أن الفترة تتضمَّن عددًا من النقاط مُساويًا لعدد النقاط التي يتضمَّنها خط الأعداد الحقيقية بالكامل، وهي علاقة التكافؤ أو التساوي التي أثبتها كانتور صوريًّا في بحثه عن برهان البُعد. وبما أننا قد رأينا من قبل عرضًا بيانيًّا للتكافؤ في الجزء ٣(ﺟ)، سوف نتخطَّى هذا البرهان باستثناء الإشارة إلى ما من المُرجح أنك تتوقَّعه: أوضح كانتور أن أيًّا كان نوع التحويل القطري الذي تستخدمه لإنشاء عددٍ حقيقي جديد أكبر من ، فمن الممكن أن تُكرِّره لإنشاء عدد حقيقي جديد في الفترة ).

بالنسبة إلى برهان البُعد الرئيسي في هذا البحث، ربما يتعيَّن عليك نوعًا ما أن تتصوَّر مربع الوحدة الذي يُشبه في إعداده شبكة كارتيزية، بإحداثياتٍ عددية مناظرة لكل نقطةٍ على حِدَة من كل النقاط الموجودة في مستواه. وكانت استراتيجية كانتور هي استخدام التحويل القُطري لإثبات أنَّ هناك أعدادًا مناظرة لهذه الإحداثيات الثنائية الأبعاد يتعذَّر وجودها في مجموعة كل الأعداد الحقيقية. وحسبما يتضح من خطاباته إلى ديديكند، كان كانتور متأكدًا منذ البداية أن مثل هذه الأعداد يُمكن إنشاؤها، بما أنَّ كل عالِم هندسة من ريمان ومَنْ جاءوا بعدَه قد عملوا في ظلِّ الافتراض بأنَّ بُعد أي فراغ (كما في البُعد الواحد والبُعدَين والثلاثة أبعاد) يمكن تحديده بطريقةٍ فريدة عن طريق عدد الإحداثيات اللازمة لتحديد نقطةٍ ما في هذا الفراغ.

ولكن، تبيَّن أن هذا الافتراض غير صحيح، حيث اكتشف كانتور في محاولته إنشاء مُتتابعة عشرية من إحداثياتٍ ثنائية الأبعاد تسمح بمقارنة النقاط المستوية بالكسور العشرية للأعداد الحقيقية. وكما هو واضح، فإن الشائك في الموضوع هو أن النقاط المُستوية تُحَدَّد بأزواجٍ من الأعداد الحقيقية وأن النقاط الخطية تُحدَّد بأعدادٍ حقيقية مُنفردة، ومن ثمَّ (رجوعًا إلى فيثاغورس ويودوكسوس) كان على كانتور أن يبتكِر طريقةً لجعل مجموعتَي النقاط مُتقايستَيْن (أي قابلتَيْن للقياس). واستغرق كانتور ثلاث سنواتٍ للتوصُّل إلى كيفية ذلك. مرةً أخرى، افترض أن كل الأعداد ذات الصلة مُمثَّلة بواسطة أعداد عشرية لا نهائية غير منتهية. خُذْ أيَّ نقطة على مربع الوحدة؛ إذ يمكن كتابة هذَين الإحداثيَّين على الصورة:
وهما يُكوِّنان معًا التمثيل العشري الوحيد٥٥ للنقطة :
ومن الواضح أن هذه النقطة سوف تُناظرها نقطة وحيدة في الفترة على خط الأعداد الحقيقية، أي التي تُساوي العدد الحقيقي:
ومن ثمَّ، بالاستقراء المباشر من مربع الوحدة والفترة ، كل نقطة في المستوى الثنائي الأبعاد يمكن وضعُها في تناظُرٍ أحادي مع نقطة على خط الأعداد الحقيقية بهذه الطريقة تمامًا، والعكس صحيح. والأكثر من ذلك أن طريقة كانتور البسيطة (نسبيًّا) لدمج الإحداثيات في عددٍ حقيقي واحدٍ تعني إمكانية استخدام هذا الأسلوب العام نفسه؛ لإثبات أنَّ المُكعب الثلاثيَّ الأبعاد أو المكعب الفائق الرباعي الأبعاد، أو في الواقع مجموعة النقاط الإجمالية لأي شكلٍ بعدد من الأبعاد، لها نفس كاردينالية مجموعة الأعداد الحقيقية على خطِّ الأعداد الحقيقية، أي . وهذه نتيجة رائعة، ولهذا السبب لم يجد الإحباط سبيلًا إلى نفس كانتور عندما لم يتمكَّن من إثبات فرضيته الأصلية: لقد اكتشف عُمقًا وثراءً مُذهلَيْن في هذا الاتصال، وكشفَ برهانه (حسبما كتبَ مُراسلًا ديديكند) عن «مدى القوة الرائعة الموجودة في الأعداد الحقيقية، حيث يمكن للمرء تحديدُ عناصر أي فراغ مُتصل في من الأبعاد تحديدًا وحيدًا مُتفردًا، باستخدام إحداثيٍّ واحد.»
إنَّ اكتشاف كانتور أنَّ الخطوط والمستويات والمكعبات والبوليتوبات٥٧ جميعها مُتكافئة بوصفها مجموعاتٍ من النقاط قطع شوطًا طويلًا نحوَ تفسير السبب الذي جعل نظرية المجموعات تطورًا جذريًّا للرياضيات، وهو تطوُّر جذري على مستوى النظرية والتطبيق معًا. يرجع بعض ذلك إلى مسألة قابلية القياس عند الإغريق والعلاقة المُتضاربة لحساب التفاضل والتكامل الكلاسيكي بالهندسة. استمرَّ القلق بشأن استخدام مقادير مثل و في نفس المعادلة (حيث تستلزم المُربعات مساحاتٍ وتستلزم المكعبات حجومًا) لقرون، وعمل التركيز على الدقة في بدايات القرن التاسع عشر على جعل أوجه الغموض الهندسية أقلَّ قَبولًا. واختصارًا للموضوع، ساعدت نظرية المجموعات لكانتور في توحيد الرياضيات وبلورتها، بمعنى أنَّ كل الكيانات الرياضية يُمكن فهمها الآن على أنها شيءٌ واحد من نفس النوع، ألا وهو المجموعة. وفضلًا عن ذلك، في موضوعات الهندسة غير الإقليدية الجديدة،٥٨ كان لاكتشاف كانتور أنَّ كل مجموعات النقاط الهندسية متكافئة على نحوٍ لا نهائي (أي إن جميعها له نفس العدد الكاردينالي ) أهمية كبرى، لا سيَّما في فكرة البُعد، حسبما أشار أيضًا كانتور إلى ديديكند:
تبدو هذه الرؤية [= رؤية كانتور] عكس ما هو سائدٌ عمومًا، لا سيَّما بين مؤيِّدي علم الهندسة الجديد، حيث إنهم يتحدَّثون عن اللانهائي ببساطة، عن المجالات اللانهائية في بُعدين، وفي ثلاثة أبعاد … وفي من الأبعاد. بل سوف يجد المرءُ أحيانًا أن فكرة أنَّ عددًا لا نهائيًّا من النقاط في سطح [ثنائي الأبعاد] ربما جاءت — إنْ جاز التعبير — من التربيع، وفي حالة المُجسَّم ربما جاءت من تكعيب عددٍ لا نهائي من النقاط في خطٍّ ما.
ومع ذلك، غنيٌّ عن القول إن «التطور الجذري» و«الأهمية الكبرى» لم يُدرَكا إلا في وقتٍ لاحِق. وحسبما أُشيرَ كثيرًا من قبل، ليس الوضع أنَّ الرياضيات السائدة رحَّبت على الفور ببراهين ما بعد مُبرهنة الوحدانية لكانتور. وبالنظر إلى برهان البُعد على وجه الخصوص، فقد احتشدَ علماء الرياضيات من كل الأطياف والمدارس للاعتراض عليه. وبالإضافة إلى الاعتراضات العامة في الجزء ٧(ﺟ)، مَقتَ الإنشائيون تحديدًا فكرة إنشاء أعدادٍ نسبية أُحادية البُعد من تجمعاتٍ ثنائية البُعد من أعداد نسبية أخرى، وكذلك «التطبيق غير المُتصل» الذي اكتشفه برهان البُعد بين نقاط الخط المستقيم ونقاط المستوى،٥٩ وفي الواقع كان هذا هو بحث كانتور عن برهان البُعد٦٠ الذي تواطأ إل كرونكر في البداية لرفض نشره في دورية علمية كان عضوًا في مجلس تحريرها، وهو ما دفع كانتور إلى إرسال العديد من الخطابات التي يُعبِّر فيها عن استيائه. لكن الأمر لم يقتصر على الإنشائيِّين أو الأصوليين فحسْب. انظر، على سبيل المثال، الأسطر التالية المُقتبسَة عن بي دو بوا-ريموند الذي لم يكن من أتباع كرونكر ولكنه كان مُحلِّلًا من أنصار الاتجاه السائد في التحليل على غرار أرسطو وجاوس في تناوُل اللانهائيات الاحتمالية فقط — في مقال نقدي عن برهان البُعد:
إنَّه مُتعارض تمامًا مع حُسن البديهة. والحقيقة ببساطة أنَّ هذا نتيجة نوع من التفكير يسمح للخيال المثالي [= الأفلاطوني] للاضطلاع بدور الكميات الحقيقية، حتى إن لم تكن حقًّا نهايات تمثيل الكميات.٦١

الجزء ٧(ﻫ)

على أية حال، هكذا نكون قد أنشأنا على الأقل — وربما على الأكثر — نوعَين مُختلفَين من المجموعات غير المنتهية: و ،٦٢ ومن المناسب الآن أن نسأل ما هي بالضبط علاقة هذه الأعداد الكاردينالية بأعداد فوق المُنتهية التي ابتكرها كانتور من و والمجموعات المُشتقة من مجموعاتٍ مشتقة أخرى، وهي موضوعاتٌ تحدَّثنا عنها في الجزء ٧(ب). ويبقى السؤال المُهم والمُحدد هل يمكن إثبات أن المتتابعة غير المُنتهية من المجموعات غير المنتهية مناظرة لتسلسل هرمي لا نهائي من أعداد كاردينالية أكبر وأكبر، أو هل و هما العددان الكارديناليان اللانهائيان الوحيدان ولا تُوجَد أيُّ لا نهائياتٍ فعلية فيما وراء «قوة الاتصال» اللانهائية البُعد.
يتمثَّل اكتشاف كانتور الكبير التالي في إمكانية إنشاء مُتتابعة غير مُنتهية من مجموعاتٍ غير مُنتهية ذات أعدادٍ كاردينالية أكبر وأكبر بشكلٍ صحيح، وذلك باستخدام الخصائص الأساسية للمجموعات فحسب.٦٣ تتضمَّن هذه الخصائص مفاهيم المجموعة الجزئية ومجموعة القوى، وتُعرَّف مجموعة القوى — لمجموعة ما — بأنَّها ببساطة مجموعة كل المجموعات الجزئية للمجموعة . بمعنى أنَّ كل عنصر في هو مجموعة جزئية من . ولكن، اتضح أنَّ الأمر أصعب ممَّا يبدو عليه. وكلُّ مجموعة، سواءٌ منتهية أو لا، لها مجموعة قُوًى،٦٤ بيدَ أنَّ ما استطاع كانتور إثباته هو أنه حتى إذا كانت المجموعة غير مُنتهية، فإنَّ مجموعة القوى لها سوف يكون لها دائمًا عدد كاردينالي أكبر من — وعلى نحوٍ أكثر تحديدًا، استطاع كانتور إثبات أنَّ العدد الكاردينالي لمجموعة القوى سوف يُساوي دائمًا .٦٥ وأصبح في نهاية المطاف ضروريًّا للتنقُّل عبر عالَم فوق المنتهية، الذي اتَّضح أنَّه يمكن فيه القيام بنوعٍ من القفزات، الشبيهة بالقفزات الكمومية، من فئة ما من الأعداد إلى الفئة التي تليها، دون وجود شيءٍ بينهما: وهكذا (إذا جاز التعبير).
تتَّسِم براهين مجموعة القوى لكانتور بأنَّها مُعقَّدة للغاية، ومن ثمَّ علينا التدرُّجُ نوعًا ما في استعراضها. ولا شكَّ أنه قد مضى وقتٌ طويل على التحاق الجميع بالصف الرابع، ولذا دعُونا نوضِّح — إن لم نكن قد فعلنا ذلك من قبل — أنَّ الطريقة الرسمية لتحديد مجموعة ما هو أن نضع عناصرها داخل حاصرتَيْن على هذا النحو ، وأنَّ الصورة التي نُعبِّر بها عن أنَّ «العنصر عنصرٌ في المجموعة باستخدام الرموز هي . ودعونا نُذكركم أيضًا أنَّ «المجموعة الجزئية» بحُكم تعريفها أكثر شمولًا من «المجموعة الجزئية الفعلية»، وأنه سوف يندرِج ضِمن المجموعات الجزئية لأي مجموعة (١) نفسها و(٢) المجموعة الخالية التي يُرْمَز لها بالرمز أو في بعض الأحيان .٦٦ وبناءً عليه، بما أنَّ أي مجموعة لها بعضُ المجموعات الجزئية على الأقل، هذا يستتبع بدَوره أنَّ لكل مجموعةٍ مجموعةَ قوًى. ولكي نعرف بطريقةٍ غير رسمية أنَّ عدد عناصر مجموعة القُوى الخاصة بالمجموعة يساوي ، نفترض أنَّ هي المجموعة ذات العناصر الثلاثة . والمجموعات الجزئية للمجموعة هنا هي: ، التي يُوجَد منها بالضبط أو . وتُوجَد طريقة أدق لإثبات أنَّ وهي باستخدام الاستنتاج الرياضي، والذي لم يكن تقنيًّا، الأسلوب الذي استخدمه كانتور لكنه مُضمَّن على الأقل في برهان كانتور، بالإضافة إلى أنه سهل نسبيًّا. يُرجى مراجعة محتوى الجزء ٧(ب) حول خطوات البرهان الثلاث باستخدام الاستنتاج الرياضي أو استرجاعه، والتي سوف نستعرِضها هنا على النحو التالي:
  • (أ)
    أَثبِت أنَّ كاردينالية تساوي لمجموعة ذات عنصرٍ واحد فقط. وتكون للمجموعة هذه المجموعتان الجزئيتان التاليتان: و نفسها، وهو ما يعني أنَّ بها عنصران، أي من العناصر، أي من العناصر، وهكذا نكون نجحنا في إثبات ما نريد.٦٧ (ب) نفترض أنَّ من الصائب أنه إذا كانت تحتوي على من العناصر فإن العدد الكاردينالي للمجموعة يساوي . (ﺟ) أثبِت أنه إذا كانت تحتوي على ( ) من العناصر، فإن . ونعلم من الخطوة (ب) أن أول من عناصر يُعطينا من المجموعات الجزئية للمجموعة . والآن، نأخذ كلَّ مجموعةٍ من هذه المجموعات الجزئية التي عددها ونُكوِّن منها مجموعةً جزئية جديدة تمامًا والتي تحتوي أيضًا كلٌّ منها على آخِر من العناصر للمجموعة (أي إنَّ العنصر الإضافي الجديد يُحدِّده ). ويُمكننا تكوين بالضبط من هذه المجموعات الجزئية الجديدة ، بمعدل مجموعةٍ جزئية جديدة واحدة لكلٍّ من المجموعات الجزئية الأصلية. وعليه، يُصبح لدَينا الآن من المجموعات الجزئية الأصلية التي لا تحتوي على العنصر الجديد، و من المجموعات الجزئية الجديدة التي تحتوي فعلًا على هذا العنصر الجديد. وبذلك، نحصل على ( ) من المجموعات الجزئية، وهو ما يُكافئ مجموعةً جزئية، وهو ما يُساوي من المجموعات الجزئية. وهكذا نكون أثبتنا أيضًا النقطة (ﺟ). وعليه، فإنَّ بكل تأكيد.
فيما يخصُّ أهداف النقاش الحالي، صاغ كانتور برهانَيْن رئيسيَّيْن فيما يتعلق بمجموعة النقاط. ولم يكن يُلقي بالًا بعدُ في أيٍّ منهما بشأن : ما كان يهتم بإثباته في الأساس هو أنه حتى لمجموعةٍ غير منتهية ، فإن .٦٨ وتُعدُّ النسخة الأولى، التي يرجع تاريخها إلى حوالي عام ١٨٩١، مهمة بصفةٍ رئيسية لأنها توضح مدى أهمية أسلوب التحويل القُطري كأداة فعَّالة للبرهان بنقض الفَرْض. ويمكن أن نعتبره برهانًا على أنَّ مجموعة كل المجموعات الجزئية لمجموعة الأعداد الصحيحة غير قابلة للعَدِّ،٦٩ وهو ما سوف يعني بديهيًّا — بما أنَّ كانتور قد أوضح أن مجموعة الأعداد الصحيحة قابلة للعَدِّ — أن العدد الكاردينالي لمجموعة القوى الخاصة بها سيكون أعلى من .
إليكم البرهان. دعونا نُسَمِّ مجموعة كل الأعداد الصحيحة ، ونُسمِّ مجموعة القوى لها . نعلم من الجزء ٧(ﺟ) أنَّه لكي تكون قابلةً للعَدِّ، فلا بدَّ من إمكانية إنشاء تناظُرٍ أحادي بين و . البرهان الحالي هو برهانٌ بنقض الفَرْض، ومن ثمَّ نفترض أن التناظُر الأحادي بين و مُمكنٌ حقًّا. وهذا (كما نعلم أيضًا من البراهين القُطرية الواردة في الجزء ٧(ﺟ)) يعني إمكانية تخطيط التناظُر الأحادي على صورة مصفوفة تُشبه المثال الجزئي التالي، حيث تُوجَد عناصر على الجانب الأيسر والمجموعات الجزئية للمجموعة (التي هي أيضًا عناصر ، ويمكن أن تكون بأي نوعٍ من الترتيب العشوائي الذي نُريده) على الجانب الأيمن:
وفي الواقع، يمكننا تعديل نطاق المصفوفة المعلوم من المُعطيات عن طريق استخدام إحدى خصائص التناظر الأحادي لها التي ربما تكون قد لاحظتها بالفعل إذا استغرقتَ بعض الوقت في التفكير لماذا تكون دائمًا العلاقة بين المجموعات ومجموعات القوى الخاصة بها هي وليس أو أي آخر. الإجابة الحاسمة هي أن العدد في يعكس نوعًا خاصًّا من أسلوب الحسم. لكل مجموعة جزئية من مجموعة ما ، يكون لديك خياران بالضبط فيما يخصُّ كلَّ عنصر من : إما أن يكون عنصرًا في ، وإما ألا يكون عنصرًا فيها. وربما يتطلَّب الأمر قراءة الجملة الأخيرة أكثرَ من مرة. وعلى الرغم من صعوبة صياغتها بوضوح باللغة الطبيعية، فإن الفكرة في حدِّ ذاتها ليست مُعقدة. مجموعة، و عنصر مُعين في ، و مجموعة جزئية من . والسؤال هو: هل في الواقع عنصر في ؟ حسنًا، إنَّه إما أن يكون كذلك أو لا. وعليك أن تستنفد كل الاحتمالات بخصوص كون عنصرًا في بتضمين في تارةً، واستبعادِ من تارةً أخرى، وهو ما ينتج عنه زوجٌ من المجموعات الجزئية و فيما يخصُّ كلَّ .
(معلومة شِبه إضافية: فيما يلي أحدُ تلك المواضع التي يستحيل فيها ببساطة معرفةُ ما إذا كان ما قيل توًّا منطقيًّا أم لا بالنسبة إلى قارئٍ عادي غير مُتخصِّص. إذا كانت الفكرة المجردة حول ما إذا كان عنصرًا في أو لا واضحةً بما يكفي؛ بحيث تستوعب السبب الذي يجعلها تُفسِّر وحدَها لماذا ستكون دائمًا لمجموعة ذات ثلاثة عناصر من المجموعات الجزئية، ويُمكنك تخطي بقية هذه الفقرة. أما إذا لم تكن هذه الفكرة واضحة بالقدْر الكافي، فسوف نتناول مثالًا ماديًّا. لنفترض أنَّ هي نفسها المجموعة التي تحدَّثنا عنها قبل بضع صفحات، حيث سردنا المجموعات الجزئية للمجموعة ، وكانت كالتالي: . ألقِ نظرةً على هذه المجموعات الجزئية ولاحظ عدد المرَّات التي كان أيُّ عنصرٍ مُعين من — لنقل مثلًا العنصر — مُضمَّنًا في المجموعات الجزئية الثمانية بالكامل. سوف تُلاحظ أنه ضُمِّنَ في أربعٍ من المجموعات الجزئية واستُبعِد من أربع. وإذا نظرت إلى العنصر في ، فسوف تلاحظ أنَّ الشيءَ نفسَه ينطبق عليه: موجود في أربع مجموعات جزئية وغير موجود في أربع مجموعاتٍ جزئية، وهكذا الحال مع . أيمكنك إدراك السبب؟ تُوجَد إجمالًا ثماني مجموعاتٍ جزئية، نصفها يتضمَّن أي عنصرٍ مُعين من والنصف الآخر لا يتضمَّن ذلك. ويمكنك فعليًّا إنشاء مجموعة بها كل المجموعات الجزئية الخاصة بالمجموعة بهذه الطريقة. خذ أي عنصرٍ من . إذا كانت أول مجموعة جزئية لديك لا تتضمَّن هذا العنصر، فسوف تتضمَّنه المجموعة الجزئية التالية ، أو العكس. أي إنَّه لأي عنصرٍ مُعين ولأي مجموعة جزئية مُعينة، ثمة خياران، وسوف تتضمَّن مجموعة كل المجموعات الجزئية كلَيهما، بواقع خيارَيْن لكل عنصر. ومن ثمَّ، فإن عدد المجموعات الجزئية للمجموعة سوف يكون أو . وإذا كانت الفكرة الأساسية لا تزال غير واضحة بعد هذا المثال، فيُرجى أن تقبلها كما هي؛ لأنَّ هذا هو أفضلُ شرح لها.)
ومن ثمَّ، هذا يعني أنَّ في مقدورنا أخذ المصفوفة رقم (١)، وتوسيعها إلى حدٍّ ما أُفقيًّا بالتساؤل أمام كل عددٍ صحيح في المجموعة عمَّا إذا كان هذا العدد هو حقًّا جزءٌ من المجموعة الجزئية المناظرة في العمود ، وكتابة «نعم» إذا كان العدد الصحيح موجودًا في هذه المجموعة الجزئية بعينها و«لا» إذا لم يكن موجودًا. وذلك كما يلي:
وعندما ننتهي من إنشاء هذه المصفوفة رقم (٢)، نستطيع بسهولةٍ إثباتَ أنَّ التناظُر المُفترَض بين و غير شامل، ومن ثمَّ فإنه ليس تناظُرًا أحاديًّا صحيحًا. أوضحنا ذلك باستخدام أسلوب التحويل القُطري لإنشاء مجموعة جزئية من لن تظهر أبدًا في تناظُر بالجدول. إنها المجموعة الجزئية المُعرَّفة بأنها تبدأ عند أقصى الركن الشمالي الغربي لجدول «نعم»/«لا» بالمصفوفة رقم (٢) وتنتقل قُطريًّا باتجاه الجنوب الشرقي، حيث تتغيَّر «نعم» إلى «لا»، والعكس صحيح، على طول هذا المسار — على النحو التالي:
كلُّ ما نعرفه عن هذه المجموعة الجزئية الجديدة هو أنها تتضمَّن و و و ، وأنها تختلف بفارق عنصرٍ واحدٍ على الأقل عن كل مجموعة جزئية (وهو ما يُعرَف أيضًا بكل عنصرٍ من ) في التناظر الأحادي الأصلي. وبطبيعة الحال، فإنَّ المصفوفة رقم (٣) ما هي إلا جزءٌ فحسب، ولكن بالاستمرار في عملية التبديل البسيطة بين «نعم» و«لا» على طول المسار القُطري، نستطيع أن نضمَن أنَّ المجموعة الجزئية الجديدة الناتجة بموجَب هذا سوف تختلف عن كل المجموعات الجزئية للتناظُر الأحادي، بغضِّ النظر عن مدى عمليات الاقتران التي أجريناها. وبناءً عليه، من المُستحيل أن يُوجَد تناظُر أحادي حقيقي بين و . وهذا يعني أن غير قابلة للعَدِّ،٧٠ أي إن عددها الكاردينالي أكبر من . وهو المطلوب إثباته.
على الرغم من وجود أسباب وجيهة حول شرح البرهان بهذه التفاصيل البيانية المعروضة هنا، فإنَّه يُرجى العِلم أن هذا لم يكن الأسلوب الذي شرحَ به جي كانتور البرهان. الحقيقة أنه لم يضع أبدًا البرهان القُطري المتعلق بإثبات أنَّ ، ومن ثمَّ إثبات أنَّ ؛ فقد أشار إليه تلميحًا فقط بأنه «امتداد طبيعي» لبُرهانه القُطري المتعلق بإثبات عدم قابلية الأعداد الحقيقية للعَدِّ.٧١ والحُجة التي قدَّمها على أنَّ لم تكن سوى مجموعة أفكار مُتناثرة غير مدعومة بالأدلة التي تُثبت صحتها، إلا أنها في نهاية المطاف قد لعبت دورًا رئيسًا في موضوعنا الرئيسي؛ ومن ثمَّ توجَّبَ شرحُها بالتفصيل. هذا البرهان مجرد تمامًا وغير مُحدَّد، وصُمِّم خصيصى لإثبات أنه من أي مجموعة غير منتهية ، يمكن إنشاء مجموعة غير منتهية عددُها الكاردينالي يفوق العدد الكاردينالي للمجموعة . وربما يجدُر بك أن تُهيئ نفسك لقراءة الفِقرة التالية أكثر من مرة:
إنَّ مجموعة غير منتهية؛ ومن ثمَّ فإن هي مجموعة كل المجموعات الجزئية للمجموعة .٧٢ ونظرًا لأن كلَّ المجموعات هي بحُكم تعريفها مجموعاتٌ جزئية من نفسها، فإنَّ هي مجموعة جزئية من ، بمعنى أن عنصرٌ في ، ومن ثمَّ يمكن بالتأكيد إنشاء تناظُرٍ أُحادي بين كل عناصر وعنصرٍ واحد على الأقل من . ومع ذلك، لا يمكن إنشاء تناظُر أحادي بين كل عناصر وكل عناصر . وسوف نُثبت ذلك بأسلوب البرهان بنقض الفَرْض، ومن ثمَّ نتصوَّر الوضع المعتاد ونفترض أنَّ التناظُر الأحادي أُنشئ بالفعل وأنَّه يشمل كلتا المجموعتَين غيرِ المُنتهيتَيْن. الآن، نفترض أن عنصر في و عنصر في (إذن، هي أي مجموعة جزئية من ). كما رأينا في حالة المصفوفة رقم (٢) أعلاه، يمكن أن يكون التناظُر الأحادي بين و عشوائيًّا تمامًا بمعنى أنه في أي تناظُر فردي ، قد يكون عنصرًا في التي يقترن بها أو لا. على سبيل المثال، يقترن العدد الصحيح بالمجموعة {كل الأعداد الصحيحة الفردية} وهو نفسه عدد صحيح فردي، في حين أن يقترن بالمجموعة {كل المُربعات الكاملة} ولكنه ليس مربعًا كاملًا. سوف ينطبق الشيء نفسُه على التناظُر الأحادي الحاليِّ وأوجُه الاقتران اللانهائية له : سوف يكون أحيانًا عنصرًا في المجموعة الجزئية التي يقترن بها، ولكنه في أحيانٍ أخرى لن يكون كذلك. هذا كله واضح ومباشر إلى حدٍّ ما. أما الآن، فدعونا نتأمَّل كلَّ عناصر الموجودة في التناظُر الأحادي التي ليست عناصرَ في المجموعة التي ترتبط بها. لنفترض أن هي مجموعة كل عناصر هذه. هي بالطبع مجموعة جزئية من ، وهو ما يعني أن عنصر في ، ومع ذلك يمكن إثبات أن لا يمكن أن تكون مُضمَّنة في التناظُر الأحادي بين و الذي يُفترَض أنه شامل. وذلك لأنه في حال وجود ضِمن هذا التناظُر الأحادي، فإنها تقترن بعنصرٍ ما ، ولا يُوجَد — كما رأينا — سوى خيارَيْن فقط: إما أن يكون نفسه عنصرًا في وإما لا. ولا يمكن أن يكون عنصرًا في ، حيث إنَّ هذا يتعارَض مع تعريف المجموعة الخالية . ولكن إذا كان ليس عنصرًا في ، فإنه يكون بحُكم التعريف عنصرًا في ، وهو أمرٌ يتأرجح ما بين الاستحالة والضرورة: لا يمكن أن يكون عنصرًا فيها، ولكنه لا بدَّ أن يكون كذلك. وهكذا نكون قد وصلنا إلى حالة من التناقُض المُتمثلة في غياب حلٍّ وسط في كِلا الاتجاهَين. ومن ثمَّ، لا يمكن أن يُوجَد تناظُر أحادي بين و . وعليه، فإنَّ العدد الكاردينالي للمجموعة أكبر من العدد الكاردينالي للمجموعة . وهو المطلوب إثباته.

الجزء ٧(و) شبه التكميلي

يُرجى ملاحظة أوجه التشابه بين هذا البرهان الأخير ومفارقة «أنا أكذب» لدى الإغريق،٧٣ حيث إذا كانت الجملة صحيحة فإن هذا الزَّعْم يكون كذبًا، وإذا كانت خطأً فإن الزَّعْم صحيح، وهذا يقودنا مرةً أخرى إلى الاحتمال الأول، وهكذا ندخل في حلقة مُفرغة من الإحالة الذاتية التي يكون دالُّها هو مدلولَها بأكثرَ من معنًى، وذاتها الواصفة هي موضوعها الموصوف. وهذا هو السبب الحقيقي للصعوبة التي واجهتنا في فهم برهان لكانتور وجعلنا نجتهد في قراءته، وقد أتاح هذا مستوًى جديدًا تمامًا من الصعوبة في الرياضيات الحديثة.
ومع أنَّه خارج سياق موضوعنا تمامًا، حريٌّ بنا أن نعلم أنه في ثلاثينيات القرن العشرين استخدم البروفيسور كيه جودل٧٤ شيئًا شبيهًا جدًّا بطريقة كانتور لإثبات نظريتَي عدم الاكتمال الهادمتَين خاصتَيه، (بمصطلحاتٍ بسيطة، أثبتَ جودل أن بعض الفرضيات الرياضية المُتسقة تكون صحيحة، ولكن لا يمكن إثباتها عن طريق استنتاج «الفرضية : الفرضية لا يمكن إثباتها» على أنها نظرية). والأهم في نقاشنا هنا هو فكرة أنَّ المجموعات يمكن أن تتضمَّن مجموعات أخرى كعناصر، وهو ما يُعدُّ جوهريًّا في مفهوم مجموعات القُوى، ويبدو بالطبع بسيطًا بما فيه الكفاية … إلا أنَّه بعد برهان كانتور اتضح أن الأمر بمثابة انتحارٍ حقيقي في متاهة الإحالة الذاتية. مثال: تأمَّل النظرية التي أثبتها كانتور توًّا، أنَّ مجموعة كل المجموعات الجزئية من المجموعة سوف تحتوي دائمًا على عدد عناصر أكبر مما تحتوي عليه نفسُها. ولكن افترض الآن أن تُعرَّف بأنها «مجموعة كل المجموعات». طبقًا للتعريف، سوف تضم هذه المجموعة كلَّ مجموعاتها الجزئية، بما أنَّ هذه المجموعات الجزئية عبارة عن مجموعات، ومن ثمَّ لا يُمكن هنا بأية حال أن تكون . وبناءً عليه، فإنَّ مبدأ «مجموعة كل المجموعات» نفسه الذي كان كانتور بحاجةٍ إليه لبناء تسلسُلٍ هَرَمي من المجموعات غير المنتهية قد أسفرَ على نحوٍ مباشر تقريبًا عن مفارقة.
تُوضِّح الأدلة التاريخية أنَّ كانتور عَلِمَ بمفارقة «مجموعة كل المجموعات» حوالي عام ١٨٩٥،٧٥ ولكنه لم يذكرها ولو مرةً واحدة في أبحاثه المنشورة. ومع ذلك، فإنها تُعرَف الآن ﺑ «مفارقة كانتور». كما أنها تُعتبر الأساس لأشهر مفارقةٍ على الإطلاق في نظرية المجموعات، التي عادةً ما يُطلق عليها «تناقُض راسل»؛ لأن بي راسل الذائعَ الصِّيت استخدمها لنَسف كتاب «أُسس الحساب» لمؤلِّفه جي فريجه عام ١٩٠١.٧٦ يمكننا استعراض تناقُض راسل بإيجاز شديد وبسهولة؛ لأنه ما من أحدٍ تقريبًا إلا وسمع عنه في وقتٍ أو آخر. ومع أنه ينبثق مباشرةً من برهان «مجموعة القوى» المجرد لكانتور، فإنَّ هذا التعارُض لعبَ أيضًا دورًا خطيرًا في هَدْم المعيار الرئيسي في تعريف كانتور لمصطلح «المجموعة»، وهو (حسبما تذكُر من الجزء ٧(أ)، الحاشية السُّفلية رقم ١٦) أنَّ ثمة طريقةً دائمًا بحيث يمكنك لأي عنصر مُعطًى أن تُحدِّد دائمًا ما إذا كان هذا العنصر عنصرًا في مجموعة منتهية أم لا.٧٧ وإليكم تناقض راسل. كما رأينا، بعضُ المجموعات تكون عناصر من نفسها وبعضها لا. وفي الواقع، أغلبها لا يكون كذلك، كما هو الحال، على سبيل المثال، في مجموعة كل الكراسي التي هي في حدِّ ذاتها ليست كراسيَّ، ومجموعة كل الكيانات التي يمكنها عمل عقدةٍ في ساق الكَرز باستخدام طرف الرَّبط خاصتها، ومع ذلك لا تستطيع هي نفسها عمل هذه العقدة، وهكذا. ولكن بعض المجموعات تتضمَّن حقًّا نفسها كعناصر، كالحال — على سبيل المثال — في مجموعة كل المجموعات، ومجموعة كل التجريدات، ومجموعة كل الكيانات التي لا تستطيع عمل عقدةٍ حول ساق الكَرز. أطلق راسل على المجموعة التي ليست عنصرًا من نفسها اسم «المجموعة العادية»، وعلى المجموعة التي تحوي نفسها داخلها اسم «مجموعة غير عادية». ومن ثمَّ، تأمل الآن المجموعة التي تتضمن كل المجموعات العادية، هل مجموعة عادية؟٧٨ حسنًا، إذا كانت مجموعة عادية فإنها — طبقًا للتعريف — ليست عنصرًا من نفسها، ولكن هي مجموعة كل المجموعات التي ليست عناصر من نفسها، ولذا فإنَّ تكون عنصرًا من نفسها إذا كانت ليست عنصرًا من نفسها، وعلى الرغم من أنه إذا كانت في الحقيقة عنصرًا من نفسها فإنها لا يمكن أن تكون عنصرًا في مجموعة كل المجموعات التي هي ليست عناصرَ من نفسها، ومن ثمَّ ليست فعليًّا عنصرًا من نفسها، وفي هذه الحالة تكون … وهكذا إلى ما لا نهاية.
تُعرَف المفارقات من هذا النوع، مثل جملة في برهان كانتور القائم على نقض الفَرْض، اصطلاحيًّا بأنها «دائرية مُفْرَغة». وتحمل كلمة «مفرغة» هنا نفسَ المعنى تقريبًا الذي تحمله في الارتداد اللانهائي المنافي للمنطق في الجزء ٢(أ)، وهو أنه أصبح من المستحيل منطقيًّا أن نفعل شيئًا كان علينا منطقيًّا أن نفعله. في المفارقات الدائرية المُفرغة مثل مفارقة راسل ومفارقة كانتور، ما لم نستطع فعله هو تحديد ما إذا كان شيء ما عنصرًا في مجموعةٍ مُعينة أم لا، وهو ما يتعارَض مع التعريف الاصطلاحي لكلمة «مجموعة» و(الأسوأ من ذلك) مع قانون الوسط المُستبعَد. ومن ثمَّ، هذه ليست مشاكلَ هَيِّنة.
ببلوغ هذه المرحلة، لا شكَّ أنك أدركتَ الديناميكية الكلية لقصة اللانهائية، التي بموجبها تؤدي بعض المفارقات إلى تطوُّراتٍ مفاهيمية يمكنها معالجةُ تلك المفارقات الأصلية، ولكنها تُثير في المقابل مفارقاتٍ جديدة، تُؤدي بدَورها إلى تطوُّراتٍ مفاهيمية أكثر، وهكذا. وإذا كنتَ من القرَّاء الذين يهتمُّون بقراءة تذييلات «المعلومات الإضافية»، فلا شكَّ أنك رأيت تذييلًا عن الحل الرياضي لتناقُض راسل، وهو إحلال مبدأ التجريد المحدود محلَّ مبدأ التجريد غير المحدود، على يدِ تسيرميلو وآخرين. ويُوجَد حلٌّ من نوع آخر، وهو منع التعريفات غير الإسنادية «الذاتية الإحالة» الذي دعا إليه جيه إتش بوانكاريه (١٨٥٤–١٩١٢)، وهو شخصيةٌ بارزة في مجال الطوبولوجيا، وقادت المصادفة — بعد وفاة كرونكر عام ١٨٩١ — إلى أن يصبح المُعارِضَ الأول لرياضيات الأعداد فوق المنتهية.٧٩ يتَّسِم تعريف بوانكاريه لمعنى «غير الإسنادي» بأنه غامض بعض الشيء، لكن يعني في جوهره تعريفَ شيءٍ ما بدلالة مجموعة كاملة من الأشياء التي هو جزءٌ منها. وعلى نحوٍ أكثرَ تحديدًا، يعتمد التعريف غير الإسنادي على خصائص وأوصاف ذاتية الإحالة، وتُعدُّ «مجموعة كل المجموعات التي هي ليست عناصرَ من نفسها» مثالًا رائعًا على هذا التعريف (كما هو الحال مع «مجموعة كل المجموعات» وتعريف كانتور للمجموعة في برهان أعلاه). يبدو الأمر برُمته معقدًا للغاية، لكن خطة بوانكاريه العامة كانت وصف التعريفات غير الإسنادية بدلالة النتائج المُتناقضة التي يمكن أن تُفضِيَ إليها،٨٠ وهو ما يُشكِّل عندئذٍ الحجة المنطقية لإنكارها وعدم إيجازها. وذلك على نحوٍ مُماثل تقريبًا لعدم جواز القسمة على صفر. وللأسف فإنَّ التعريفات الاصطلاحية لكل أنواع المصطلحات والمفاهيم الواردة في التحليل، من «متتابعة» و«متسلسلة» حتى «نقطة نهاية» و«حد أدنى»، هي أيضًا تعريفات غير إسنادية ذاتية المرجعية — ناهيك عن أن مفهوم «ذاتية المرجعية» يمكن في حدِّ ذاته أن يُولِّد سلسلةً معقدة من الحلقات المفرغة،٨١ ومن ثمَّ لم يلقَ حلُّ بوانكاريه رَواجًا أبدًا.
كان أسلوب راسل المقترَح لتفادي المفارقة المُسمَّاة باسمه، وكذلك مفارقة كانتور، هو نظرية الأنماط، التي هي باختصار جزءٌ من برنامج راسل التأسيسي لمحاولة توضيح أنَّ الرياضيات بأكملها يمكن اختزالها في المنطق الرمزي. نظرية الأنماط هي نوعٌ من قواعد التجريد التي ترفض أنماطًا مُعينة من الافتراضات التي تُعامَل فيها أنماطٌ مختلفة من الكيانات على أنها متكافئة. وهو ما يعني، في جوهره، أنها متكافئة ميتافيزيقيًّا.٨٢ والفكرة هي أن مجموعات العناصر الفردية ليست من نفس نمَط كيان العناصر الفردية نفسها، ومجموعات المجموعات ليست من نفس نمط مجموعات العناصر الفردية، وهكذا. ويعتمد نمط كيانٍ بعينه اعتمادًا مباشرًا على مدى تجريد هذا الكيان، ومن ثمَّ ينتهي بنا المطاف إلى تسلسلٍ هَرمي خاص بنظرية المجموعات يُشبه مستوياتِ التجريد غيرَ الرسمية التي تحدَّثنا عنها في الجزء ١(ب): النمط الأول = العناصر الفردية، النمط الثاني = المجموعات، النمط الثالث = مجموعات المجموعات، النمط الرابع = مجموعات مجموعات المجموعات، وهكذا.٨٣ وما يُتيح للنظرية احتواء الحلقات المفرغة هو أن نفس نمط التسلسل الهرمي يمكن تطبيقه على الافتراضات — على سبيل المثال، النمط = كيان من نمط معين، والنمط = افتراض ما حول هذا الكيان، والنمط = افتراض ما حول هذا الافتراض المتعلق بالكيان، وهكذا. (لاحظ أنَّ «الافتراض» بالنسبة إلى راسل يمكن أن يعني إما جملةً ما باللغة الطبيعية، وإما إقرارًا رياضيًّا مثل ).٨٤ والقاعدة الرئيسية هي أنَّه لا يمكن تطبيقُ افتراضٍ أو مجموعة من النمط على فرضية/مجموعة من النمط أخرى، ولكن فقط على فرضية/مجموعة من نوعٍ ما ، حيث و عددان صحيحان و .
وفيما يتعلق بموضوعنا هنا، فإنَّه يمكن النظر إلى نظرية الأنماط على أنها مثالٌ رائع لمحاولة المرء تسويغ النهج الذي يسلكه للخروج من مفارقةٍ ما. فالنظرية في واقع الأمر تُقدِّم «حلًّا» للموضوعات الشائكة لدى راسل وكانتور — أي إنَّها تُعطي تفسيرًا للخطوة غير الجائزة للمفارقتَين — ومع ذلك، فهي أيضًا غامضة ومُعقَّدة على نحوٍ لا يُمكن تصوُّره، وفي النهاية أضرَّت بالرياضيات بالقدْر نفسِه الذي أضرَّت به الإحالة الذاتية لبوانكاريه. وفيما يلي مثالٌ سريع على ذلك: بما أنَّ الأعداد النسبية تُعرَّف بأنَّها نسبٌ بين أعداد صحيحة، والأعداد الصمَّاء بأنَّها مجموعاتٌ/متتابعاتٌ من الأعداد النسبية، فإن هذه الفئات الثلاث من الأعداد هي أنواعٌ مختلفة، وطبقًا لقواعد النظرية لا يُمكننا التأكيد على وجود أشياءَ مشتركة بين هذه الأنواع الثلاثة دون الخوض في سلسلةٍ متلاحقة من البراهين والمستويات والقيود المختلفة التي لا تنتهي. ولمعلوماتك، حاول راسل معالجة بعض هذه الصعوبات من خلال ما أسماه مُسلَّماتِ قابلية الاختزال، لكنها كانت أكثر تعقيدًا وافتعالًا … وبصفةٍ أساسية ذهبت نظرية النمط برمتها أدراجَ الرياح، ولا يبقى منها الآن سوى أهميتها التاريخية.٨٥

إذا كان من الضروري أن نقول مُجددًا إننا بالكاد نُزيل الغبار عن السطح هنا، فاعتبر أننا قُلنا ذلك. وفي الواقع، فإنَّ إجراءات الرد على المُفارقات ونقضها على غرار ما فعله راسل وبوانكاريه جزءٌ من أزمة أكبر وأعمق بكثير، وهي أزمة سابقة على جي كانتور، ولكن نظرياته عن اللانهائية جعلتها أزمة حرجة تستوجب ضرورة البَتِّ فيها. والفكرة بصفةٍ عامة أنَّ: المفارقات الموجودة في نظرية المجموعات، مقرونة بالمشاكل التأسيسية التي بدأت مع أبيل وكوشي وبلَغَت ذروتها مع فريجه وبيانو، أدَّت مباشرةً إلى خلافاتٍ كبرى ما بين الشكليِّين والحَدْسيِّين في مُستهل القرن العشرين. ومرةً أخرى، لا يسَعُنا إلا أن نستعرِض الخطوط العريضة لهذه الخلافات فحسْب. فيما يتعلق بالمجموعات غير المُنتهية، على سبيل المثال، سرعان ما أصبحت الحَدْسية مُعارضةً لكانتور والشَّكلية مؤيِّدة له بثباتٍ وإخلاص، على الرغم من أنَّ كلًّا من الحَدْسية والشَّكلية كان معارضًا لأفلاطون، بينما كانتور كان أفلاطونيًّا مُتشدِّدًا. وسواءٌ أكان الأمر مزعجًا أم لا، فإنَّ هذا يرجع بنا مرةً أخرى إلى الميتافيزيقا: الجدل الحديث حول أساليب الرياضيات تحوَّل في نهاية المطاف إلى نزاعٍ حول الوضع الأنطولوجي للكيانات الرياضية.

عرَضنا من قبلُ مقدمةً إلى الحَدْسية في المناقشات التي تضمَّنها الجزء ٦ عن الإنشائية، والشَّكلية موضوعٌ مختلف تمامًا. وربما يكون أفضل أسلوب لتناوُل ذلك هو أن نُعيد صياغة الفكرة العامة المذكورة أعلاه، بعبارةٍ أخرى: مفارقات نظرية المجموعات جزءٌ من مشكلة أكبر تتعلق باتساق الرياضيات، طرحها دي هيلبرت على صورة المسألة الرئيسية الثانية٨٦ في مؤتمر باريس نفسِه الذي رأيناه يتحدَّث فيه بحماسة عن كانتور في الجزء ١(أ). وبرنامج هيلبرت الخاص لإعادة هيكلة الرياضيات على النحو الذي لا تؤدي به النظريات إلى مفارقاتٍ، هو الشَّكلية، التي تهدف إلى إضفاء الطابعِ التجريدي على الرياضيات كليًّا وجزئيًّا. الفكرة الأساسية للشَكلية هي فصل الرياضيات تمامًا عن العالَم وتحويلها إلى لعبة حرفيًّا. وتقتضي اللعبة التلاعُب ببعض الرموز وفقًا لقواعدَ معينة تُتيح لك بِناءَ تسلسلاتٍ من الرموز من تسلسلات رموز أخرى. وهذا يتم على نحوٍ شكلي تمامًا وصوري، ومن هنا جاءت التسمية. ولكن لا علاقة للاسم بما تَعنيه رموزُ لعبة الرياضيات، أو بما إذا كانت تُشير إلى شيءٍ على الإطلاق؛ وعندما نقول إن كيانًا رياضيًّا ما «موجود» فإن هذا يعني ببساطة أنه لا يؤدي إلى تناقُض.٨٧ وما يُهِمُّ حقًّا هي القواعد، ويقوم برنامج الشَّكلية بأكمله على نظرية البرهان التي تتعامَل مع البرهان على أنه كائن رياضي شكلي: الهدف هو وضع مجموعة من المُسلَّمات وقواعد الاستدلال٨٨ التي يمكن منها استنتاج الرياضيَّات بأكملها، بحيث يكون الموضوع كلُّه استنتاجيًّا تمامًا ودقيقًا وواضحًا، مثل لعبةٍ قائمة بذاتها، وهذا كلُّ ما في الأمر.
إذا كان لديك أي قدْر من الخلفية المعرفية بالمنطق أو بفلسفة الرياضيات، فسوف تُدرك أن هذا وصفٌ مُختصر جذريًّا للشَكلية. (لسببٍ واحد، يقتضي أيضًا برنامج هيلبرت تقسيم الرياضيات إلى مستويات من التفكير المنطقي على نحوٍ مُماثل نوعًا ما لأنواع راسل، وذلك مرةً أخرى دون السماح بوجود فرضيَّات بين المستويات). ومن المُرجَّح أنك ستعرف أيضًا أن الحركة اصطدمت بمشاكل خطيرة قبل فترةٍ طويلة من براهين جودل المذكورة سلفًا بأنَّ النظام الشكلي لا يمكن أن يكون كاملًا ومُتسقًا٨٩ معًا، كالحال — مثلًا — مع الشكليين الذين لم يستطيعوا حتى أن يجعلوا عِلم الحساب الأساسي كاملًا ومُتسقًا في حال اشتماله على الضرب بوصفه عمليةً رياضية جائزة، الأمر الذي من الواضح أنه كان يُمثل مشكلةً كبيرة. ومن ثمَّ، لسْنا مُضطرين إلى الحديث عن الإفقار الفلسفي أو الغرابة المُطلقة الذي عليه لعبة رياضياتٍ مفتقرة إلى المرجع الإسنادي؛ لأنَّ الشَّكلية عجزت حتى عن النجاح وَفقًا لشروطها الخاصة.
انبثقَت ردود الفعل الأكثرُ توافقًا تجاه المفارقات الدائرية المُفرغة من داخل نظرية المجموعات نفسِها (التي بحلول عام ١٩٠٠ تقريبًا أصبحت مجالًا خصبًا في كلٍّ من الرياضيات والمنطق، ولك أن تُخمِّن بفضلِ مَنْ)، وقادها مؤيِّد كانتور الأول والمنظِّم البروفيسور إي تسيرميلو.٩٠ وكانت إحدى النتائج المُترتبة على هذه الردود هي تقسيمَ نظرية المجموعات المجردة إلى نوعَين فرعيين: «نظرية المجموعات المُبسَّطة» و«نظرية المجموعات البديهية». نظرية المجموعات المُبسَّطة هي ببساطة نظرية المجموعات العادية لكانتور بكل مميزاتها وعيوبها، بما في ذلك تعرُّضها للمفارقات.٩١ أما نظرية المجموعات البديهية، فهي محاولة لاستنتاج نُسخةٍ أدقَّ وأكثر رسوخًا من الناحية التأسيسية من نظرية المجموعات، تتوفَّر فيها كل الفاعلية المفاهيمية لنظرية المجموعات المُبسَّطة، ولكنها وُضِعَت بأسلوبٍ يتفادى المفارقات الجسيمة. ويُعدُّ برنامج نظرية المجموعات البديهية شكليًّا إلى حدٍّ ما في جوهره، وإقليديًّا: هدفها هو أن تجعل من نظرية المجموعات نظامًا شكليًّا مُستقلًّا خاصًّا بها٩٢ باستخدام مجموعتها الخاصة من المُسلَّمات التي تُحقق أقصى درجات الاتساق والاكتمال. وكما سبق أن ذكرنا في موضع سابق، يُسمَّى عادةً أشهر نظام مُسلَّماتٍ «تسيرميلو-أيه فرانكل-تي سكوليم»، كما يُوجَد نظام مُسلَّمات «فون نويمان-بيرنايز» الأكثر تقييدًا، بالإضافة إلى نُظم أُخرى، تشتمل على العديد من المزايا المساعدة غير الأساسية التي تقوم على مبدأ النظرية الشمولية التي تتحدَّث عن نظريةٍ أخرى، وتُحللها لتستنبط النتائج الرئيسية منها، صُمِّمت على أيدي شخصياتٍ بارزة من أمثال أيه تارسكي، ودبليو في أوه كواين، وإف بي رامزي وآخرين.
في واقع الأمر، كان لنظرية المجموعات البديهية والمنطق الخاص بها تطبيقاتٌ مُثمرة في كل شيءٍ؛ بدءًا من نظرية الدوال الحقيقية والتحليل والطوبولوجيا في الرياضيات، ومرورًا بدراسات النحو التوليدي وقواعد التركيب في اللُّغويات، ووصولًا إلى نظرية القرار والخوارزميات والدوائر المنطقية واحتمالات التوقف/دراسات ثابت تشايتين ( ) والذكاء الاصطناعي والمعالجة التوافقية في علوم الكمبيوتر. وعلى الرغم من ضيق المساحة المتزايد، فالأمر يستحق أن نقوم بجولة سريعة في النظام المُسلَّماتي الأساسي الذي تُعدُّ كل النظم الرئيسية صورًا مختلفة منه، مع تقديم شروحٍ وإيضاحاتٍ مُوجَزة ووثيقة الصلة بالموضوع إذا لزم الأمر. وفيما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة، يُمكنك بالطبع أن تتخطى الموضوع بأكمله — إن أردت — باعتباره معلومةً إضافية يُمكنك مطالعتها إنْ كنتَ مهتمًّا بذلك فحسب. والنظام كالتالي:
المفهوم الأولي: علاقة الانتماء ، حيث تعني أن عنصر في المجموعة .
  • مسلَّمة ١: تتساوى المجموعتان إذا كانتا تشتملان على العناصر نفسها (لاحظ أن الجملة هنا ليست «إذا وفقط إذا …»؛ لأن المجموعات غير المنتهية ومجموعاتها الجزئية الفعلية يمكن أيضًا أن تتساوى).
  • مسلَّمة ٢: إذا كان و إما عُنصرَيْن أو مجموعتَيْن، فإنَّ مجموعة.
  • مسلَّمة ٣: تُوجَد صورتان مختلفان من هذه المُسلَّمة؛ الصورة الأولى هي: لأي مجموعة و«مسند محدَّد»٩٣   ، تُوجَد المجموعة التي تحتوي فقط على العناصر ٩٤ التي لها الخاصية التي يُشير إليها المسند . أما الصورة الثانية فهي: تُوجَد مجموعة بالسمات التالية: (أ) ، و(ب) لأي ، إذا كان فإن . (هاتان الصورتان هما نسختان مُختلفتان تقنيًّا من مبدأ التجريد المحدود المذكور أعلاه، وتؤديان معًا وظيفتَين مُهمَّتَين. أولًا، أنهما يُثبتان وجود المجموعة الخالية. وثانيًا، أنهما يُعرِّفان ويؤكِّدان صحة طريقة «الاستقراء فوق المنتهي» في نظرية المجموعات، ويُثبتان بهذه الطريقة وجود مجموعة غير منتهية على نحوٍ غير قابل للعَدِّ عناصرها هي و و و وهكذا.٩٥ ومن ثمَّ، إذا وضعْنا في هذه المجموعة بدلًا من ، وافترضنا لأي أنَّ تساوي ، فإنَّ تُصبح المجموعة المُرتَّبة لكل الأعداد الصحيحة الموجبة (وهو ما يُشبه كثيرًا الطريقة التي انتهجها بيانو في فرضياته٩٦ لتوليد الأعداد الصحيحة).)
  • مسلَّمة ٤: اتحاد مجموعة من المجموعات هو مجموعة في حدِّ ذاته. يُعَدُّ هذا بمثابة تعريفٍ تقني لمفهوم «الاتحاد»، الذي يمكن أن يُشتَق منه «التقاطع» وحاصل الضرب الديكارتي٩٧ وغيرهما عن طريق المعالجة المنطقية (بدلًا من طريقة أن تُعرِّف الرابط المنطقي and (الذي يدل على التقاطع) باستخدام not وor).
  • مُسلَّمة ٥: مُسلَّمة مجموعة القوى الشهيرة: لأي مجموعة ، تُوجَد مجموعة القوى للمجموعة . (تُؤسِّس هذه المُسلَّمة للتسلسُل الهَرمي اللامحدود للمجموعات غير المُنتهية. وتذكَّر من الجزء ٧(ب) أن نظرية المجموعات بأكملها تكون «بسيطة» في حالة المجموعات المنتهية، حيث تعني كلمة «بسيطة» أنَّ في مقدورك التحقُّقَ من صحة أي افتراضٍ يتعلق بنظرية المجموعات بمجرد النظر إلى عناصر المجموعات ذات الصلة. والفكرة كلُّها في هذه المُسلَّمات أن تتمكَّن من برهنة النظريات ما بعد التجريبية، المجردة ١٠٠٪، تمامًا مثل اللانهائية نفسها.)
  • مُسلَّمة ٦: مُسلَّمة الاختيار الشهيرة والأكثر جدلًا. تنصُّ مُسلَّمة الاختيار بمصطلحات نظرية المجموعات على أنَّه: «إذا كانت مجموعة من المجموعات الثنائية المُنفصلة غير الخالية، فإن حاصل الضرب الديكارتي لعناصر ٩٨ هو مجموعة غير خالية؛ حيث يُعيَّن لكل عنصرٍ في حاصل الضرب الديكارتي هذا مجموعةٌ مختارة من ». وبطريقةٍ مُبسَّطة، يمكنك أن تُنشئ من أي مجموعة جزئية ذات خصائص مُعينة حتى إذا كنتَ لا تستطيع تحديد إجراءٍ لاختيار العناصر الفردية للمجموعة الجزئية . (وضع تسيرميلو نظرية الاختيار في بدايات القرن العشرين، وهي طريقة شديدة التخصُّص بما لا يُتيح لنا شرحها بالتفصيل هنا،٩٩ ولكن إحدى النتائج المُهمة لمُسلَّمة الاختيار هي «مبدأ الترتيب الجيد»، بمعنى أنَّ أي مجموعة جزئية من أي مجموعة يمكن اختيارها وترتيبها بحيث تكون بها عنصر أول. ورأينا أهمية هذا المبدأ في الأمثلة التوضيحية على التناظُر الأحادي، والتي كان أولها — على سبيل المثال — أنَّ {كل الأعداد الصحيحة} و{كل الأعداد الصحيحة الموجبة} لهما نفس الكاردينالية. وكان لمبدأ الترتيب الجيد محوريًّا أيضًا في براهين كانتور بأنَّ و ، حيث من الواضح أن المصفوفات المختلفة لهذه البراهين كانت تقتضي حتمًا أن يكون بها عنصر أول. ومع ذلك، كانت مُسلَّمة الاختيار مُثيرةً للجدل أيضًا على نحوٍ بالغ (لسبب واحد، تستطيع أن تستوعب لماذا رفض الحَدْسيون والإنشائيون فكرة أنَّ في مقدور المرء تحديدَ مجموعةٍ جزئية دون أي إجراءٍ لاختيار عناصرها)، وظلَّت إحدى المسائل الكبرى الشائكة في نظرية المجموعات حتى (١) أثبت كيه جودل عام ١٩٤٠ الاتساق المنطقي لمبدأ الاختيار مع المُسلَّمات الأخرى لنظرية المجموعات، ثم (٢) أثبت البروفيسور بي كوهين١٠٠ عام ١٩٦٣ الاستقلال المنطقي لمبدأ الاختيار عن المُسلَّمات الأخرى لنظرية المجموعات، وهما البرهانان اللذان أسهَما معًا إلى حدٍّ كبير في حسم الجدل حول المُسلَّمة).١٠١
  • مسلَّمة ٧: تُعرَف هذه المُسلَّمة عادةً بمُسلَّمة الانتظام، ولها أيضًا صورٌ عدة. وأبسطها هي أنَّه سواءٌ أكان عنصرًا أو مجموعة، فإنَّ . وتُوجَد صيغة أوضح لها، وهي: «كل مجموعة غير خالية تحتوي على عنصر بحيث لا يُوجَد بين و عنصر مشترك.»١٠٢ (تُلخِّص مُسلَّمة الانتظام إلى حدٍّ ما اعتراضات بوانكاريه وراسل على الإحالة الذاتية، أو على أية حال هذه هي المُسلَّمة التي غيَّرت اتجاه تناقُض راسل وقلَبَته رأسًا على عقب. ومنعت أيضًا صيغًا مثل «مجموعة كل المجموعات» و«مجموعة كل الأعداد الترتيبية»، ومن ثمَّ تفادت مفارقة كانتور وكذلك مفارقة بورالي-فورتي التي سوف نشرحها قريبًا. لاحظ أنها نقضت أيضًا برهان كانتور المُستند إلى المجموعة الخالية ( ) الذي أثبت فيه أنَّ في الجزء ٧(ﻫ). ولهذا السبب، تُوجَد مُسلَّمة مجموعة القوى المنفصلة الكاملة أعلاه، التي يُمكن أن يُستنتَج منها أنَّ دون أي برهان يتعارَض مع مُسلَّمة الانتظام. لكن، يُرجى العِلم أنه حتى مع مُسلَّمة الانتظام، يمكن أن تظلَّ دراسة مُسلَّماتٍ مثل مُسلَّمات «تسيرميلو-أيه فرانكل-تي سكوليم» عرضةً لبعض المفارقات المُتعلقة بنظرية النموذج،١٠٣ ومن ثمَّ اعتبارًا من عام ٢٠٠٠ ميلادية أصبح هناك تسلسلٌ هَرمي كامل من المُسلَّمات المتعلقة بنظرية المجموعات، التي لكلٍّ منها حصانته الخاصة ضدَّ المفارقات، وهو ما يُعرَف في التجارة بقوة الاتساق. وإذا كنت مُهتمًّا، فإنَّ النظُم الرئيسية الحاليَّة مُرتَّبة تصاعديًّا حسب قوة الاتساق كالتالي: فرضيات بيانو، والبرهان التحليلي، ونظام مُسلَّمات «تسيرميلو-فرانكل-سكوليم»، وماهلو، ونظام مُسلَّمات «فون نويمان-بيرنايز»، وكواين، وضعيف التراص، وماهلو فائق، وفائق الوصف، ورامزي، وفائق التراص، و الضخم.)
نهاية «جزء تكميلي» في الجزء ٧(و)

الجزء ٧(ز)

لا شك أنك قد لاحظت أنه مضى بعض الوقت منذ آخر مرة أشرنا فيها إلى كانتور، ولعلك تساءلت أين هو في كل هذا الصخب التأسيسي في الجزء ٧(و). كانت إجراءات بوانكاريه وراسل الوقائية ومُسلَّمات تسيرميلو وغيرها في بدايات القرن العشرين تقريبًا، وهي الفترة التي وضع فيها كانتور أفضل أبحاثه وراء ظهره، وانصرف في الأغلب عن الرياضيات نظرًا للهواجس التي استحوذت عليه خلال سنواته الأخيرة.١٠٤ كما أنه أصبح الآن يتردَّد على المستشفيات طوال الوقت. والمفارقة المُحزِنة أنه عندما بدأت أبحاث كانتور تلقى قَبولًا واسع النطاق وازدهرت نظرية المجموعات خاصته في كل مجالات الرياضيات والمنطق، كان مرضه يزداد سوءًا، وانعقدت كل أنواع المؤتمرات الخاصة والحفلات الخاصة وحفلات التكريم وتقديم الجوائز التي لم يستطع حضورها بسبب مرضه الشديد.
أحد الأمور الأكثر صِلةً بهذا الموضوع هو أنَّ كانتور عندما اصطدم بمفارقاته لأول مرة في ثمانينيات القرن التاسع عشر (تقريبًا)، لم يُعِرْها — أو بالأحرى لم يستطع أن يُعيرَها — اهتمامًا كبيرًا؛ نظرًا لأنه كانت لديه مشاكل أكثر إلحاحًا. كما هو الحال على مستوى الرياضيات نفسِها. وكان أهمها ما يُعْرَف الآن ﺑ «فرضية الاتصال».١٠٥ تبلوَرَت فرضية الاتصال بطرقٍ شتَّى — «هل قوة الاتصال مكافِئة لقوة فئة الأعداد الثانية؟» و«هل الأعداد الحقيقية تُكوِّن مجموعة قُوى الأعداد النسبية؟» و«هل هو نفسه ؟» و«هل ؟»، ولكن فيما يلي جوهر الموضوع. أثبتَ كانتور بالفعل وجود تسلسُل هَرمي لا نهائي من المجموعات غير المنتهية ومجموعات القوى الخاصة بها، وأثبتَ أنَّ و نظريتان للمجموعات غير المنتهية. لكنه لم يُبرهن بعدُ على مدى ارتباط هذه النتائج المختلفة ببعضها. ويدور السؤال الرئيسي حول ما إذا كان يُشكِّل قانونًا حصريًّا لطريقة ترتيب التسلسُل الهَرمي للأعداد فوق المنتهية — أي ما إذا كانت المجموعة الأكبر التالية لأي مجموعة غير منتهية هي دائمًا ، دون لا نهائياتٍ وسيطة بينها — ومن ثمَّ ما إذا كانت عملية «الرفع لأسٍّ» هذه هي أسلوب الانتقال من مجموعة غير منتهية إلى المجموعة التي تليها، تمامًا مثلما يُتيح الجمع الانتقال من عددٍ صحيح إلى الذي يليه. والإجابة ﺑ «نعم» على هذا السؤال تُلخِّص مضمون فرضية الاتصال. الصورة العامة لفرضية الاتصال الآن هي ،١٠٦ إلا أنَّ نسخة كانتور الأصلية أكثر تحديدًا. نعلم أن كانتور أثبتَ وجود وكاردينالية مجموعتَيْن غير منتهيتَيْن منفصلتَيْن، وهما: مجموعة كل الأعداد الصحيحة/النسبية/الجبرية ( ) ومجموعة كل الأعداد الحقيقية/المُتسامية/الفترات المتصلة والفراغات ( )، وأثبتَ أنَّ . فرضية الاتصال الخاصة به هي أن هي فعليًّا ، وهي المجموعة غير المنتهية التي تأتي مباشرةً بعد ، دون وجود شيءٍ بينهما.١٠٧

استمرَّت محاولات كانتور لبرهنة فرضية الاتصال خلال العقدَين التاسع والعاشر من القرن التاسع عشر، وتُوجَد بعض الخطابات المليئة بالحسرة التي أرسلها إلى ديديكند، والتي يُعلِن فيها بحماسٍ برهانًا ما، ثُم يكتشف فيه خطأً بعد بضعة أيام ويُضطرُّ إلى مراجعته. والواقع أنه لم يُثبت فرضية الاتصال أو يَنفِها أبدًا، وبعض المؤرخين الرائجين يرَون أنَّ فرضية الاتصال هي التي دفعت في الواقع بكانتور إلى المرض النفسي بلا عودة.

من وجهة نظر الرياضيات، تُعدُّ حقيقة فرضية الاتصال أكثرَ تعقيدًا مما أذاعه الكُتَّاب الرائجون؛ لأنَّ كانتور تطرَّق فعلًا إلى المشاكل المختلفة لفرضية الاتصال خلال بحثه عن الأعداد الترتيبية، التي علاقاتها تُشبه كثيرًا العلاقة التي تناولناها في الجزء ٧(ب)، والتي لا يسَعُنا الآن — رغم نوايانا الحَسنة — سوى أن نتحدَّث بإيجاز عنها.١٠٨ أولًا، توفيرًا للوقت، يُرجى استرجاع أو مراجعة المعلومة التمهيدية الواردة في الجزء ٥ ﻫ(١)، الحاشية السُّفلية رقم ٧٨، حول الأعداد الترتيبية في مقابل الأعداد الصحيحة الكاردينالية. ما يعنينا الآن هو الأعداد الترتيبية في نظرية المجموعات، التي هي مختلفةٌ بعضَ الشيء، وتتضمَّن مفهوم أنماط ترتيب المجموعات. وفيما يلي شرحٌ بسيط لها: نعلم أنَّه إذا كان للمجموعتَيْن و نفس العدد الكاردينالي، فمن المُمكن أن يُوجَد بينهما تناظُر أحادي. وإذا كان هذا التناظُر الأحادي يمكن إيجاده بطريقةٍ يظل معها ترتيبُ العناصر في كلٍّ من و كما هو دون أن يتغيَّر، فإنَّ و يكون لهما نفس نمط الترتيب. (عرضْنا في الجزء ٧(ﻫ) مثالًا مباشرًا على مجموعتَين لهما نفس العدد الكاردينالي ولكنهما مختلفتان في نمَط الترتيب، وهما {كل الأعداد الصحيحة الموجبة} و{كل الأعداد الصحيحة}). تذكَّر أننا اضطُرِرنا إلى التلاعُب بترتيب المجموعة الأخيرة حتى يكون لها عنصر أول يتطابق مع في مجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة.
يُمكنك إدراكُ السبب الذي يجعل موضوع الأعداد الترتيبية أكثر تعقيدًا من الأعداد الكاردينالية: ما يعنينا الآن ليس فقط عناصر المجموعة، ولكن أيضًا طريقة ترتيبها. أو بالأحرى طرُق ترتيبها؛ لأن الطرُق المُمكنة لتبديل ترتيب المجموعات تشغل حيزًا كبيرًا ومُهمًّا في صلب نظرية الأعداد الترتيبية. وسوف نتحدَّث الآن عن مضمون هذه النظرية، ولكن ينبغي لك أن تعلم أنَّ هناك قدرًا كبيرًا من المصطلحات التقنية والاختلافات المُميِّزة — «مرتَّبة» و«مُحكَمة الترتيب» و«مرتَّبة جزئيًّا» و«كلية الكثافة» مقابل «مُنعدمة الكثافة» و«عدد العلاقة» و«نظرية العَدِّ» وهكذا — التي سوف نتجاهلها في الغالب.١٠٩ بعض الحقائق الأساسية: بالنسبة إلى المجموعات المنتهية، كاردينالية = نمط ترتيب؛ أي إنَّ أي مجموعتَين مُتناهيتَين لهما نفس العدد الكاردينالي سوف يكون لهما تلقائيًّا نفس نمط الترتيب. وذلك لأنه يُوجَد نمطُ ترتيبٍ واحد لكل المجموعات التي تشتمل على عنصر واحد، ونمط ترتيب واحد لكل المجموعات التي تشتمل على عنصرَين، وهكذا.١١٠ وفي الواقع، فإنَّ العدد الكلي لأنماط الترتيب المُمكنة للمجموعات المُتناهية هو نفسه العدد الكاردينالي لمجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة، أي . ولكن، في المجموعات غير المنتهية تُصبح أنماط الترتيب أكثرَ تعقيدًا. وينبغي ألا نستغرِب ذلك. افترض أن المجموعة غير المنتهية القابلة للعَدِّ التي تضمُّ كلَّ الأعداد الصحيحة الموجبة: لها أكثر من نمط ترتيب واحد. هذا لا يعني مجرد تبديل مواضع أعداد مُعينة في المُتتابعة غير المنتهية، حيث إن المجموعة ستظلُّ قابلة للتناظُر الأحادي مع مجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة الأصلية، حتى لو كان التناظُر شيئًا على هذا النحو:
لكن إذا افترضنا أنَّك أخذتَ أحد عناصر مجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة ووضعته في آخر المجموعة، كما في ، فسوف يكون لديك نمط ترتيب مختلفٌ تمامًا. ومن ثمَّ، لم تعُد المجموعة قابلةً للتناظُر الأحادي مع مجموعة منتظمة الترتيب ليس لها عددٌ أخير؛ ومِن ثمَّ لا تُتيح لك مجالًا للتوصُّل إلى شيءٍ لمطابقته مع . لاحظ أيضًا أنَّ في نمط الترتيب الجديد أصبح له عدد ترتيبي مختلف؛ فهو لم يَعُد العنصرَ الثانيَ في المجموعة، ولكنه الآن العنصر الأخير، ولم يَعُد يُوجَد عنصر مُحدد قبله مباشرةً. ومن ثمَّ، يكون التعريف الشامل للعدد الترتيبي أنَّه عدد يُحدِّد الموضع الذي يظهر فيه عنصرُ مجموعة معينٌ بنمطِ ترتيب معين.١١١
في نظرية المجموعات لكانتور تُوجَد قاعدتان أساسيَّتان لتوليد الأعداد الترتيبية: (١) لأي عدد ترتيبي ، يمكنك دائمًا استنتاجُ العدد الترتيبي التالي، وهو . (٢) لأي مجموعة من الأعداد الترتيبية مرتَّبة في متتابعة تصاعدية (على سبيل المثال، مجموعة الأعداد الصحيحة الموجبة)، يمكنك دائمًا استنتاج عددٍ ترتيبي أخير يكون أكبرَ من كل الأعداد الترتيبية الأخرى. ويكون هذا العدد الترتيبي الأخير وظيفيًّا بمثابة نهاية مُتتابعة ويمكن كتابته على الصورة .١١٢ لا تبدو هذه القواعد سيئةً للغاية، إلا أن الأمور تأخُذ في التعقيد عندما نتناول ليس فقط مجموعات الأعداد الترتيبية ولكن أيضًا الأعداد الترتيبية كمجموعات، وهو ما يمكن فعله لأن ثمة مبدأً أساسيًّا في نظرية المجموعات بأنَّ كل الكيانات الرياضية يمكن تمثيلها كمجموعات (على سبيل المثال، العدد الكاردينالي فوق المُنتهي هو مجموعة الأعداد الكاردينالية ، بالإضافة إلى ما ذكرناه في الجزء ٢(أ) سابقًا عن أنَّ هي حرفيًّا مجموعة كل الخماسيات). ولكن، السؤال عندئذٍ هو: ما معنى أنَّ المجموعة هي عددٌ ترتيبيٌّ ما ؟ والإجابة هي قاعدة كانتور الكبرى الثالثة: لأي عددٍ ترتيبي ، = مجموعة كل الأعداد الترتيبية الأقل من ؛ أي إنَّ تُحدَّد فقط باستخدام مجموعة الأعداد الترتيبية التي نهايتها هي .١١٣ أو بالمصطلحات الرياضية،١١٤ . ويمكنك بهذه الطريقة تكوينُ متتابعة الأعداد الصحيحة العادية بأكملها (إما على صورة أعداد كاردينالية أو ترتيبية): ، ، ، وهكذا. ويُرمَز إلى العدد الترتيبي للمجموعة غير المُنتهية القابلة للعَدِّ بأكملها بحرف أوميجا الصغير . وهذا العدد الترتيبي فوق المنتهي هو نهاية متتابعة عناصر المجموعة، أي إنه أصغر عددٍ يكون أكبرَ من كل الأعداد الصحيحة المنتهية. ويُوجَد أسلوب آخر أكثر شيوعًا لوصف وهو أنَّه العدد الترتيبي للمجموعة التي هو العدد الكاردينالي لها.١١٥

جزء تكميلي يتضمَّن معلوماتٍ إضافية

مهما كانت الصعوبة التي بدت عليها الفقرة الأخيرة، فإنَّ كل شيءٍ تقريبًا فيما وراء ذلك في نظرية الأعداد الترتيبية غامضٌ ومُتخصِّص على نحوٍ بالغ، حتى إنه لا يسَعُنا سوى أن نُقدِّم بعض الملاحظات العامة عنه. الملاحظة الأولى هي أن حساب الأعداد الترتيبية فوق المنتهية يكون مختلفًا — وإن كان لا يقلُّ غرابةً — عن حساب الأعداد الكاردينالية فوق المنتهية، على سبيل المثال، ، لكن ؛ لأنه طبقًا للتعريف هو العدد الترتيبي التالي مباشرةً بعد . وتُوجَد ملاحظة أخرى، وهي أنَّه — على غرار العدد الكاردينالي — أي تسلسلٍ هَرمي لا نهائي من الأعداد الترتيبية فوق المنتهية من المجموعات غير المنتهية للأعداد الترتيبية يكون قابلًا للتكوين (قد يكون عليك قراءة الجملة الأخيرة مرةً أخرى)، ولكنه يكون في هذه الحالة عمليةً مختلفة تمامًا عن . يرتبط التسلسُل الهَرمي للأعداد الترتيبية فوق المنتهية بكياناتٍ مجردة تُسمَّى «أعداد إبسيلون» وكذلك بعملية حسابية تُسمَّى «التَّكرار». لن نتحدَّث عن الأولى إلا لنقول إنها بصفةٍ أساسية فئة من الأعداد بحيث إن .١١٦ ولكن التكرار أبسط، وربما صادفتَهُ في موضوعاتٍ مثل نظرية الحقول أو التوافقيات في المرحلة الجامعية. والتكرار بصفةٍ أساسية عبارة عن رفع عددٍ لأُسٍّ على نحوٍ مُغالًى فيه وغريب. فالتَّكرار الرابع للعدد مثلًا يُكتَب على الصورة: ويعني ، وهو ما يُساوي ، الذي يُساوي ، ويمكنك حسابها بهذه الطريقة. وفنيًّا، الصِّلة بين التَّكرار والأعداد الترتيبية فوق المنتهية وأعداد إبسيلون هي حقيقة أنَّ ، وهو ليس بالأمر المُهم إلى هذا الحد. لكن إذا استطعتَ أن تتصوَّر — على نحو تجريدي — متوالية مثل ، فيمكنك الحصول على فكرة — ما يمكن أن نُسميَه «فكرة» على أية حال — عن التسلسل الهَرمي والارتفاعات التي لا يُمكن تصوُّرها للأعداد الترتيبية لمجموعاتٍ غير مُنتهية من المجموعات غير المنتهية من الأعداد الترتيبية للمجموعات غير المنتهية التي يتضمَّنها.
نهاية «جزء تكميلي يتضمَّن معلومات إضافية»

•••

ومن ثمَّ، فإن المَدْخل الذي صاغَ منه كانتور فرضية الاتصال هو الأعداد الترتيبية وأنماط الترتيب. وكما رأينا، يُوجَد أكثر من نمط ترتيب واحد للمجموعات غير المنتهية، كالحال مع في مقابل اللتَين عرضناهما أعلاه. وفي الواقع، يُوجَد عدد لا نهائي من أنماط الترتيب المختلفة لأي مجموعة غير منتهية، وما أثبته١١٧ كانتور هو أنَّ مجموعة أنماط الترتيب المُمكنة لمجموعةٍ غير منتهية قابلة للعَدِّ تكون هي نفسُها غيرَ قابلة للعَدِّ. وهذا يعني أنَّ هناك طريقةً أخرى لإنشاء تسلسُلٍ هَرمي لا نهائي من المجموعات غير المنتهية — إذا كانت مجموعةً غير منتهية قابلة للعَدِّ، فإن هي المجموعة غير المنتهية غير القابلة للعَدِّ من أنماط الترتيب الممكنة ﻟ ، و سوف تكون مجموعة أنماط الترتيب الممكنة ﻟ ، وهكذا. (في الواقع، قد يكون وصف العمليات المختلفة لاستنتاج عددٍ لا نهائي من التسلسُلات الهَرمية بأنها «منفصلة» مضلِّلًا نوعًا ما؛ لأنها في الحقيقة مُرتبطة بكل الطرُق. ورغم أنَّ شرح رياضيات هذه العلاقات خارج نطاق نقاشنا الحالي، يُمكنك أن تحصل على فكرةٍ على الأقل عن هذه العلاقات من التعريف الاصطلاحي الذي قدَّمه كانتور للمجموعة (آخذًا في الاعتبار أن «فئة الأعداد» هنا تُشير في الحقيقة إلى مجموعات الأعداد الترتيبية)، والتعريف كالتالي: «فئة الأعداد الثانية هي بأكملها لكل أنماط الترتيب للمجموعات المُنتظمة الترتيب التي لها العدد الكاردينالي »).
ومع ذلك، ليس من الضروري التعمُّق في هذا الموضوع. وباستبعاد الأعداد الترتيبية فوق المنتهية مثل ، يُمكننا أن نرى تماثُلًا واضحًا وليس عَرَضيًّا بالتأكيد بين (١) بوصفها مجموعة كل الأعداد الحقيقية (في مقابل الأعداد النسبية ﻟ )، و(٢) بوصفها مجموعةَ قُوًى ؛ أي بوصفها )، و(٣) بوصفها مجموعة كل أنماط ترتيب . المشكلة الحقيقية هي أنَّ كانتور لم يستطع إثبات وجود صِلة جوهرية مُعينة بين هذه التطابقات الثلاثة. وحسبما تذكر من بضع صفحاتٍ سابقة، فإنَّ فرضية الاتصال الأصلية لكانتور تنصُّ أنَّ (١) هي نفسها (٢)، وأنَّ ، وأنَّه لا يُوجَد أي مقدار وسيط من اللانهاية بين و . ومن ثمَّ، نحن مُهيَّئون الآن لكي نفهم ولو بصفةٍ تقريبية على الأقل صِلةَ العلاقة (٣) بالموضوع هنا. في الأجزاء السابقة من بحث كانتور «إسهاماتٌ لوضع نظرية للأعداد فوق المنتهية»، استطاع كانتور — من خلال عملية تفكير تقني مُتعمِّقة ومُطوَّلة — أن يستنتِج أمرَيْن مُهمَّيْن: (أ) أنَّه لا يمكن أن تكون ، و(ب) أنَّه في حالة وجود أي مجموعة غير مُنتهية أكبر من ولكنها أصغر من ، لا بدَّ أن تكون هذه المجموعة هي المجموعة غير القابلة للعَدِّ، التي تُعرَف أيضًا بفئة الأعداد الثانية. وجديرٌ بالذكر أن النقطة (ب) هي التي أثارت شكوكَه تجاه فرضية الاتصال؛ إذ حاول إثبات أنَّ العلاقتَيْن (٢) و(٣) أعلاه هما في الحقيقة شيءٌ واحد، ولو أن كانتور استطاع أن يُثبت أنَّ ، لكان من الممكن — طبقًا للاستنتاج (ب) — إثبات عدم وجود أي مجموعةٍ وسيطة بين و ، وهو ما يستتبِع أنَّ . ولكنه لم يستطع أن يُثبت تحديدًا أنَّ ، رغم سنواتٍ من المحاولات الكثيرة على نحوٍ لا يُمكن تصوُّره. ولا يُمكن البَتُّ في مسألة ما إذا كان هذا هو السبب وراء مرضه النفسي أم لا، ولكن الحقيقة هي أنَّ عجزه عن إثبات فرضية الاتصال تسبَّب له في ألمٍ استمرَّ معه لبقية حياته؛ فقد اعتبر كانتور فرضية الاتصال هي فشله الأكبر. كما أننا لم نُدرك أنَّ الأمر مُحزِنٌ إلا متأخرًا؛ لأن علماء الرياضيات المُحترفين باتوا يعلَمون تمامًا الآن لماذا لم يستطع كانتور أن يُبرهن صحَّة فرضية الاتصال أو خطأها. والأسبابُ عميقة ومُهمة وتضرب بجذورها في صميم الاتِّساق الشكلي لنظرية المجموعات البديهية، على نحوٍ مُماثل تقريبًا لبراهين عدم الاكتمال لكيه جودل التي تقتلع الرياضيات بأكملها من جذورها كنظامٍ شكلي. مرةً أخرى، لم يسَعْنا هنا إلا أن نعرض هذه الموضوعات بإيجازٍ أو على نحوٍ مُجمَل (وعلى الرغم من أنَّ جودل له دَخْلٌ مباشر هذه المرة، فربما تجد مُعالجةً مُستفيضة لهذا الموضوع في كُتيب آخر في السلسلة نفسِها يتحدَّث عن جودل تحديدًا).
إنَّ فرضية الاتصال ومُسلَّمة الاختيار المذكورة سلفًا هما أكبر مُشكلتَيْن مُحدقتَيْن بنظرية المجموعات في بدايتها. وفيما يخصُّ فرضية الاتصال على وجه التحديد، من المُهم التمييزُ بين سؤالَين مختلفين. أحدهما ميتافيزيقيٌّ يدور حول ما إذا كانت فرضية الاتصال صوابًا أو خطأً. والآخر هو ما إذا كان يُمكن برهنة فرضية الاتصال أو نَفيُها اعتمادًا على مُسلَّمات نظرية المجموعات القياسية.١١٨ والسؤال الثاني هو ما أجابَ عنه على نحوٍ حاسم، وعلى مدى عدة عقود، كيه جودل وبي كوهين، بعبارة أخرى:
  • عام ١٨٣٨: أثبتَ جودل شكليًّا أن الصورة العامة لفرضية الاتصال مُتوافقة مع نظام مُسلَّمات «تسيرميلو-فرانكل-سكوليم» — بمعنى أن فرضية الاتصال إذا عُومِلت على أنها مُسلَّمة قائمة بذاتها وأُضيفَت إلى مُسلَّمات نظرية المجموعات، فلن يكون هناك احتمالٌ لوجود أي تعارُض منطقي.
  • عام ١٩٦٣: في إحدى الرشقات النارية المجهولة المصدر التي تستهوي الباحثين الرائجين وصُنَّاع السينما، أثبت بروفيسور شابٌّ من ستانفورد يُدعى بول جيه كوهين أنَّ نفي فرضية الاتصال العامة يمكن أن يُضاف أيضًا إلى نظام مُسلَّمات «تسيرميلو-فرانكل-سكوليم» دون تعارُض.١١٩
أكَّدت هاتان النتيجتان معًا ما يُعرف الآن باستقلالية فرضية الاتصال، بمعنى أن فرضية الاتصال تحتل مكانةً مُماثلة تقريبًا لمكانة مُسلَّمة التوازي١٢٠ بالنسبة إلى بقية مُسلَّمات الهندسة الإقليدية: لا يمكن إثباتها ولا نفيها باستخدام المُسلَّمات القياسية لنظرية المجموعات.١٢١ وبالإضافة إلى ذلك، ربما تذكُر من الجزء السابق أنَّ جودل وكوهين استطاعا استنتاج نفس النتائج إلى حدٍّ كبير فيما يخصُّ مُسلَّمة الاختيار التي لعبت دورًا محوريًّا للغاية في البراهين القُطرية المختلفة لكانتور، فقد أثبت جودل أن المُسلَّمة غير قابلة للدحض في نظام مُسلَّمات «تسيرميلو-فرانكل-سكوليم» ونظام مُسلَّمات «فون نيومان-بيرنايز»، في حين أثبت كوهين أنها غير قابلة للإثبات في نظامَي المُسلَّمات سالِفَي الذِّكر.١٢٢ وكما ذكرنا من قبل، يُوجَد نظام مُسلَّمات بديل تكون فيه فرضية الاتصال ومُسلَّمة الاختيار قابلتَين للإثبات/للنفي (على سبيل المثال، صِيغَت نظرية المجموعات لكواين بأسلوبٍ جعل مُسلَّمة الاختيار مُتناقضة ظاهريًّا)، على الرغم من أن كثيرًا من هذه النظم الشديدة الاتساق تَستخدِم كلمة «مجموعة» على نحوٍ مغاير تمامًا للتعريفات الأصلية لكانتور وغيره.
تظلُّ فرضية الاتصال فاعلةً بطرُقٍ أخرى. إنَّها، على سبيل المثال، السبب الأساسي وراء العديد من المُسلَّمات النظرية والإضافات المختلفة التي تضمَّنَتها نماذجُ نظرية المجموعات التي تَزعُم أن فرضية الاتصال وما يُكافئها من موضوعاتٍ مختلفة قابلةٌ للإثبات أو النفي.١٢٣ وتُعَد هذه النظم التأمُّلية النظرية من بين أكثر البِنَى الفائقةِ التجريد في الرياضيات الحديثة، وتحتوي مصطلحات مثل «كانتوري» (نسبةً إلى كانتور) في مقابل «تجمعات من الرتبة الأولى»، و«مجموعات قابلة للإنشاء» في مقابل «مجموعات غير قابلة للإنشاء»، و«أعداد كاردينالية قابلة للمقايسة»، و«أعداد ترتيبية مُتعذِّر بلوغها»، و«ارتداد فوق منتهٍ»، و«اكتمال فائق»، ومصطلحات كثيرة أخرى، من الظريف أن نذكرها حتى لو لم تكن لدى المرء فكرةٌ واضحة عمَّا يُفترَض أنها تعنيه.١٢٤ وختامًا، أهم شيءٍ ينبغي أن نضعه في الاعتبار هو كيف أنَّ عدم القدرة على إثبات فرضية الاتصال يُحيلنا إلى التساؤل المُهمِّ الآخر عمَّا إذا كانت الفرضية صحيحة من الأساس. ومن غير المُستغرَب وجودُ عدد لا حصر له من وجهات النظر الممكنة المختلفة حول هذا الموضوع. كانت إحدى الرُّؤى في تناوُل هذا الموضوع، وهي لدى الشكليِّين، أنَّ مُختلِف المُسلَّمات لها نقاط قوة ونقاط ضعف متنوعة، وأنَّ فرضية الاتصال سوف تكون قابلةً للإثبات/النفي في بعضها وغير قابلة للحَسم في البعض الآخر، وأنَّ أي نظام تُقِرُّه سوف يعتمد على غايتك المُحددة من ورائه. وتُوجَد إجابة أخرى أكثرُ تحديدًا لهيلبرت؛ وهي أنَّ «صحيحة» في هذا السياق لا يمكن في الحقيقة أن تعنيَ أي شيءٍ سوى «قابلة للإثبات في نظام مُسلَّمات «تسيرميلو-فرانكل-سكوليم».» ومن ثمَّ أنَّ الاستقلال المنطقي لفرضية الاتصال عن نظام مُسلَّمات «تسيرميلو-فرانكل-سكوليم» يعني حرفيًّا أنها ليست صحيحةً وليست خطأً.١٢٥ ويميل الحَدْسي الأصيل إلى التعامُل مع هذه الجلبة برُمتها حول المفارقة التي تنطوي عليها الفرضية وعدَم قابليتها للإثبات في نظرية المجموعات بوصفها النتيجة الطبيعية لإجازة استخدام مفاهيمَ غامضة وغير استنتاجية مثل المجموعات والمجموعات الجزئية والأعداد الترتيبية وبالطبع اللانهائية الفعلية في الرياضيات.١٢٦
ولكن، كان علماء الرياضيات الأفلاطونيون (الذين أحيانًا ما يُعرَفون أيضًا بالواقعيين أو أتباع كانتور أو أتباع مذهب الأعداد فوق المنتهية) هم الأكثر استياءً من عدم حَسْمية فرضية الاتصال، وهو أمرٌ مُثير للاهتمام، حيث كان أشهر اثنين من أتباع الأفلاطونية الحديثة هما جي كانتور وكيه جودل، اللذَين يتحمَّلان معًا ثُلثَي المسئولية على الأقل عن هذه البلبلة بأكملها. ويُلخِّص الموقفَ هنا جيدًا الأفلاطونيُّ جودل، حيث كتبَ عن براهينه وبراهين كوهين بخصوص استقلال فرضية الاتصال:

لا يقنع بهذا الحل سِوى شخص (مثل الحَدْسيين) يرفض أن يكون لمفاهيم نظرية المجموعات الكلاسيكية ومُسلَّماتها أيُّ دلالة، وليس شخصًا يؤمن بأنَّها تصف واقعًا معالِمه مُحدَّدة جيدًا. ذلك لأن حدسية كانتور — في الحقيقة — يجب أن تكون إما صحيحةً أو خطأً، واستحالة حسمها على ضوء مُسلَّماتٍ كالمعروفة حاليًّا لا يعني إلا شيئًا واحدًا، وهو أنَّ هذه المُسلَّمات لا تشتمل على وصفٍ كامل للواقع.

وهذا يعني أنَّ ما تُثبته براهين فرضية الاتصال في حقيقة الأمر، بالنسبة إلى عالِم رياضيات أفلاطوني، هو أن نظرية المجموعات ينبغي أن تجد مجموعةً من المُسلَّمات الجوهرية أفضل من نظام مُسلَّمات «تسيرميلو-فرانكل-سكوليم»، وإلا فسوف يكون عليها على أقلِّ تقدير أن تُضيف بعض الفرضيات الأخرى التي تتَّسم — مثل مُسلَّمة الاختيار — بأنَّها «واضحة في ذاتها» ومتوافقة مع المُسلَّمات الكلاسيكية. وإذا كنتَ مُهتمًّا بمعرفة وجهة نظر جودل الشخصية تجاه فرضية الاتصال، فقد رأى أنها غير صحيحة، وأنَّ هناك حقًّا عددًا لا نهائيًّا من لا نهائيات زينون المُتضمَّنة بين و ، وأنَّه آجلًا أو عاجلًا سوف يُتوصَّل إلى مبدأ يُثبت ذلك. ولكن لم يتوصَّل أحد إلى هذا المبدأ حتى الآن. تُوفِّي كلٌّ من جودل وكانتور منعزلًا،١٢٧،١٢٨ مُودِّعَيْن عالمًا بلا حدود مُتناهية. عالمٌ يدور الآن في نوع جديد من الفضاء الصوري تمامًا. وما زالت الرياضيات تُواصل النهوضَ من كَبوتِها.

هوامش

(١) م. إ.: على نحوٍ أكثر تحديدًا في المعادلات غير المحددة والصِّيغ الثلاثية، اللذَين كلاهما موضوعات جبرية تتعلَّق بنظرية الأعداد يهتم بها كرونكر. (هل ذكرنا أن كرونكر كان المُشرفَ على رسالة الدكتوراه لكانتور؟ وأن النهج المعمول به لعلماء الرياضيات الشباب أنهم كانوا يعملون على المسائل المطروحة من قِبل المشرف، وكان كانتور أيضًا يضطلع ببرهان هاينه كما رأينا أدناه؟)
(٢) م. إ.: كان النظام الأكاديمي الألماني في بدايات القرن التاسع عشر لا يُضاهى إلى حدٍّ كبير.
(٣) م. إ.: نوع خاص من المعادلات التفاضلية الجزئية التي ربما تتذكَّرها من مُقرر الرياضيات للسنة الجامعية الثانية، على الأرجح في سياق نظرية جرين.
(٤) التي ربما تذكُر من جزء «التقارُب المنتظم والمعلومات الفرعية المرتبطة به» في مسرد المصطلحات الثاني أن الدالة التي تمثلها المتسلسلة (= تُجمَع إليها) يجب أن تكون مُتصلة. (م. إ.: ملاحظة: يشترط برهان هاينه الحقيقيُّ أن تكون كلٌّ من المتسلسلة والدالة متقاربةً تقاربًا مُنتظمًا ومتصلة «عند كل موضع تقريبًا»، وهو ما يتضمَّن فروقًا دقيقة للغاية يمكن أن نتجاهلها دون تشويش.)
(٥) م. إ.: أي، نفس البحث الذي أعدَّ فيه نظريته عن الأعداد الحقيقية في الجزء ٦(ﻫ) (الأمر الذي ربما سيجعل عنوان البحث منطقيًّا أكثر الآن).
(٦) م. إ.: انظر مسرد المصطلحات الثاني، جزء «التقارُب المُنتظم والمعلومات الفرعية المرتبطة به» وتحديدًا البند (د) عن النقاط الاستثنائية، التي ربما تذكر أنها تُسمَّى أيضًا «نقاط عدم الاتصال». (ملاحظة: في بعض دروس الرياضيات تُستخدَم أيضًا كلمة «نقطة مُتفرِّدة» للدلالة على النقطة الاستثنائية، وهو أمر مُحيِّر ومُثير للالتباس نظرًا لأن المصطلح يُشير أيضًا إلى الثقوب السوداء، وهو ما يعني بمفهومٍ ما نقاط عدم الاتصال.)
(٧) من المهم على مدى هذا الجزء أن نتذكَّر أنهما نفس الشيء.
(٨) م. إ.: انظر الجزء ٥(ﻫ)، بعد الجزء التكميلي، والحاشية السفلية رقم ٧٢.
(٩) قارن كانتور، في بداية مقاله «حول توسيع … المُثلثية»: «تُوجَد لكل عددٍ نقطة مُحددة تُناظره على الخط، إحداثياتها تُساوي هذا العدد.»
(١٠) هل أشرْنا في أي موضع إلى أن هذه الأقواس الغريبة « » هي ما تضعه حول الأشياء لتوضيح أنها تُكوِّن مجموعة رياضية؟
(١١) أي إنها غير قابلة للتكامُل حدًّا حدًّا بحيث يكون الناتج متقاربًا.
(١٢) م. إ.: وهذا بالتأكيد هو المَوضع الذي كان فيه كرونكر مُفيدًا على وجه الخصوص.
(١٣) ومن الواضح أنه إذا كان أي تمثيل بمتسلسلة يُؤدي في النهاية إلى إمكانية إثبات التطابق للمُتسلسلة الأصلية المُمثِّلة للدالة ، فإن هذه المتسلسلة الأصلية هي التمثيل الوحيد للدالة. وهذه هي بالأساس آلية عمل مُبرهنة الوحدانية، فليست الفكرة في وجود متسلسلة واحدة فقط يُمكنها تمثيل دالة مُعطاة، ولكنها بالأحرى أن كل المتسلسلات التي تُمثلها بالفعل هي متسلسلات متكافئة على نحوٍ يُمكن إثباته.
(١٤) م. إ.: إذا بدت الفقرتان التاليتان صعبتَين للغاية، فيُرجى ألا تفقد حماسك. الحقيقة هي أن طريق كانتور إلى نظرية اللانهائية كان أصعب بكثير، رياضيًّا، من النظرية نفسها. وكلُّ ما يلزمك حقًّا هو أن يكون لديك مفهومٌ تقريبي حول الكيفية التي قادت بها مُبرهنة الوحدانية كانتور إلى رياضيات الأعداد فوق المنتهية. وسرعان ما سينتهي الجزء الصعب.
(١٥) انظر، على سبيل المثال، جيه دبليو دوبين في برهانه لعام ١٨٧٢: «ومع ذلك، أكَّد على أن الأعداد في هذه النطاقات [المجموعات المُشتقة] المختلفة تظل مُستقلة تمامًا عن هذا التخصيص الهندسي، ويكون التماثل (التطارز) في واقع الأمر بمثابة أداة مساعدة للتفكير في الأعداد نفسِها.» ستُلاحظ أن هذا الرأي مطابق إلى حدٍّ ما لرأي ديديكند في مقاله «الاتصال والأعداد غير النسبية».
(١٦) ترتيب مبدئي للأفكار: ينبغي لنا التنويهُ إلى أحد الفروق بين النوعَين المُختلفَين من نظرية المجموعات، اللذَين ربما تكون على عِلم بهما. يحتوي ما يُسمَّى بنظرية مجموعات النقاط على مجموعاتٍ عناصرها عبارة عن أعداد، أو نقاط مكانية أو نقاط على خط الأعداد، أو مجموعات/نظم مختلفة منها. وتُعدُّ الآن نظرية مجموعات النقاط أمرًا بالغ الأهمية في سياقاتٍ مثل نظرية الدوال والطوبولوجيا التحليلية. وهناك، على الجانب الآخر، نظرية المجموعات المجردة التي سُمِّيَت هكذا نظرًا لأن طبيعة أو عناصر مجموعاتها ليست مُحدَّدة. بمعنى أنها لا تختصُّ تقريبًا بشيءٍ بعينه على الإطلاق؛ فهي عامة تمامًا وغير محدَّدة، ومن ثمَّ وُصِفت بأنها «مجردة». ولذا، من الآن فصاعدًا، سوف يُشير مصطلح «نظرية المجموعات» إلى نظرية المجموعات المجردة ما لم يُذْكَر خلاف ذلك. ولكن المعقَّد في الموضوع أنَّ جي كانتور، الذي كانت شُهرته الحقيقية أنه واضِع نظرية المجموعات المجردة، كان قد بدأ (وابتكر بالأساس) النوعَ الخاص بمجموعات النقاط. ولم يُقدِّم فعليًّا تعريف «المجموعة» الذي يُميِّز الآن نظرية المجموعات المجردة إلا في أوائل التسعينيات من القرن التاسع عشر — «تجمعٌ يشمل كلَّ العناصر المُحدَّدة والمتمايزة من حَدْسنا أو تفكيرنا، [التي] تُسمَّى بعناصر المجموعة» — بيد أنَّ كل نتائجه المُهمة في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن التاسع عشر حول مجموعات النقاط تنطبق أيضًا على نظرية المجموعات المجردة. وبالإضافة إلى ذلك، يُرجى في النهاية ملاحظة أنَّه فيما يخصُّ تعريف كانتور أعلاه في مقابل المحتوى الوارد في الجزء ٦(و)، تعني كلمة «محدَّدة» أنَّه لمجموعة ما وأي عنصر ، يمكن من حيث المبدأُ على الأقل تحديد ما إذا كانت عنصرًا من (وإذا كنتَ خبيرًا بالمنطق، فربما تذكُر أنَّ هذه السِّمة من سمات النظم الشكلية تُسمَّى «الحَسْمية» أو «القدرة على اتخاذ القرار»). وذلك في حين تعني كلمة «متمايزة» الواردة في تعريفه أنَّ لأي عنصرَين و من ، فإنَّ ، وهو ما يُفيد صوريًّا في تمييز المجموعة عن المتتابعة؛ إذ يمكن لهذا المصطلح نفسه أن يظهر مرارًا وتكرارًا في سياق المُتتابعات. نهاية الترتيب المبدئي للأفكار.
(١٧) م. إ.: غنيٌّ عن القول إن هذا كله مكثفٌ للغاية. فلا يبدو على الأرجح أنَّ هذه الأمور قد تبادرَت إلى ذهنه في لحظة تجلٍّ فريدة بينما هو جالسٌ إلى مكتبه.
(١٨) م. إ.: من بين الكتب العلمية الإنجليزية المُصنَّفة من الطراز الأول كتاب أيه أبيان «نظرية المجموعات وعلم حساب الأعداد فوق المنتهية» The Theory of Sets and Transfinite Arithmetic، وكتاب إم هاليت «نظرية المجموعات لكانتور وتقييد الحجم» Cantorian Set Theory and Limitation of Size، وكتاب جيه دبليو دوبين «جورج كانتور: رياضياته وفلسفته عن اللامحدود» His Mathematics and Philosophy of the Infinite، التي جميعها مُدرجٌ في ثَبْت المراجع. ومع ذلك، يتوجَّب التنويه إلى أن كلمة «علمية» هنا تعني مُكثَّفة ومُتخصِّصة للغاية. يتطلَّب كتاب دوبين على وجه الخصوص خلفية قوية في الرياضيات البحتة، وممَّا يصعُب تصوُّره أنْ يُهدِر أيُّ قارئ يتمتع بهذه الخلفية وقته في قراءة هذا الكتيب … الأمر الذي يجعل هذه الحاشية السفلية بأكملها ضربًا من نقض الذات بطريقةٍ مثيرة للاهتمام.
(١٩) يتعلق عادةً هذا المجال الأخير بالمنطق الماصدقي أو الواقعي لجي بول على الفروض ﻟ ج. بول (١٨١٥–١٨٦٤)، الذي من المُخزي أننا لن نتحدَّث عنه.
(٢٠) م. إ.: من الأدق تقريبًا قول إن الجزء الأكبر من أبحاثه الأصلية أُنجزَ في الفترة ما بين عامَي ١٨٧٤ و١٨٨٤، وفي الغالب أن الأبحاث على مدى العقود المتتالية كانت امتداداتٍ وتنقيحاتٍ للبراهين السابقة، وردودًا أيضًا على اعتراضات علماء الرياضيات الآخرين.
(٢١) يُرجى أيضًا ملاحظة أن كانتور لم يكن يتبع في أبحاثه أسلوب المُسلَّمات أو البديهيات؛ فقد أسَّس معظم أبحاثه على ما أسماه «صورًا» أو مفاهيم تقريبية. وبالإضافة إلى ذلك، على الرغم من الاستخدام المُفرط للرموز، فإن أغلب حُجَجه الفعلية كانت باللغة الطبيعية، وليست أيضًا باللغة الشديدة الوضوح تمامًا لراسل. ونظرًا لأن أبحاث كانتور الأصلية أكثر غموضًا وتعقيدًا إلى حدٍّ ما من رياضيات الأعداد فوق المنتهية التي سوف نُناقشها، فإن الكثير من أبحاثه الأخيرة استُخدِمت فيه أساليبُ لتبسيط الحقائق وتصنيفاتٌ ورموز قدَّمها الباحثون في نظرية المجموعات بعد كانتور أمثال إي تسيرميلو وأيه أيه فرانكل وتي سكوليم (وإنْ كانت الأسماء لا تعنينا كثيرًا في هذا الجزء).
(٢٢) م. إ.: وإنْ كان من الواضح أنَّ كلَّ شيءٍ يمكن العثور عليه في النهاية في أبحاث كانتور المنشورة المُدرَجة في ثَبْت المراجع.
(٢٣) م. إ.: لا سيَّما إذا كنت في المرحلة العمرية المناسبة لدراسة الرياضيات الحديثة.
(٢٤) م. إ.: تتعلق أيضًا الاعتذاراتُ والتأكيدات الواردة في الحاشية السُّفلية رقم ١٤ بالفقرة التالية في النص.
(٢٥) م. إ. = مصطلح كانتور، وهو على ما يبدو لا يحمل بالألمانية نفس الدلالات التي يحملها لنا فيما يخصُّ التحلل بعد الوفاة.
(٢٦) م. إ.: برهان كانتور أنَّ مُعقَّدٌ للغاية ولكنه صحيح تمامًا، ولذا يُرجى أن تثق في صحته.
(٢٧) م. إ.: لاحظ أنَّ النقطة (١) تتضمَّن علامات حذف خارج القوس الأيمن أيضًا، وهو ما يعني استمرار المتتابعة إلى ما بعدَ متوالية الأعداد المنتهية العلوية. في حين وُضِعَت علامات الحذف في النقطة (٢) بين القوسَين تمامًا؛ لأن نفسه عدد لا نهائي.
(٢٨) يندرج بالطبع الترميز الفعلي التالي ضِمن المعلومة الإضافية، ولكنه مناسب إن لم يُوجَد بديل غيره.
(٢٩) م. إ.: في الحقيقة، يُوجَد تشبيه أفضل من الأعداد الصحيحة للأعداد فوق المنتهية، بعبارةٍ أخرى، يوجد نوعٌ آخر من الأعداد التي يمكن حقًّا تسميتها أو عدُّها، ولكن لا يمكن تكوينها بصورةٍ مجردة — لنقل مثلًا عن طريق رسم قطر مربع الوحدة، أو أخذ الجذر التربيعي للعدد ، أو وصف حد فاصل معين بين و على غِرار ما فعله ديديكند. وفيما يخصُّ كل هذه النقاط، يُرجى الاطلاع على النقاش الوارد بعد ذلك بفقرتَين أو الانتظار إلى حين الوصول إليه.
(٣٠) م. إ.: نظرًا لأن الحرف «أليف» حرفٌ عبري، يُولي المؤرخون أحيانًا أهمية كبيرة لأصول كانتور العِرقية أو ميوله القبلانية. وتُوجَد تفسيرات أكثرُ معقوليةً لاختيار كانتور للحرف ، وهي أنه (١) أراد رمزًا جديدًا تمامًا لنوع جديد تمامًا من الأعداد أو أنَّ (٢) كلَّ الحروف الإغريقية الجيدة استُخدِمت بالفعل في سياقاتٍ أخرى.
(٣١) م. إ.: انظر البراهين الواردة في الجزء ٧(ﺟ) القادم.
(٣٢) م. إ.: من وجهة نظر الرياضيات.
(٣٣) يتحدَّث كانتور هنا عن أسلوب التقسيم لديديكند، الذي فضَّله كانتور بعد بدء أبحاثه عن اللانهائية على أسلوبه الخاص؛ لأسبابٍ واضحة نوعًا ما.
(٣٤) لن نستفيض كثيرًا في هذا الموضوع هنا لاعتباراتٍ خاصة بالمساحة، ولكن دعونا نؤكِّد مرة أخرى هنا أن جي كانتور — مثل آر ديديكند — عالم رياضياتٍ أفلاطوني؛ أي إنه يرى أنَّ كلًّا من المجموعات غير المنتهية والأعداد فوق المنتهية موجودة في الواقع، كما في عالم ما وراء الطبيعة، وأنها «تنعكس» في اللانهائيات الفعلية في العالَم الحقيقي، مع أن نظريته عن الأعداد فوق المنتهية تتضمَّن مونادات لايبنتس وتحرص على تجنبها على أفضل نحو. في الواقع، قدَّم كانتور كل الحجج والآراء اللاهوتية بشأن اللانهائية، والتي جاء بعضها مقنعًا ومؤثرًا والبعض الآخر غريبٌ فحسب. ومع ذلك، كان كانتور — بوصفه عالِم رياضيات وخطيبًا — ذكيًّا بما يكفي ليزعم أنَّ المرء لا يتعيَّن عليه قَبولُ أي فرضيات ميتافيزيقية معينة لإقرار المجموعات غير المنتهية أو أعدادها المجردة ضمن نطاق المفاهيم الرياضية الصحيحة. انظر، على سبل المثال، هذه الفقرة من بحث كانتور السابق ذكره «إسهاماتٌ …»:

كلُّ ما يتعيَّن على الرياضيات تحديدًا عند تقديم أعداد جديدة هو أنْ تعطي تعريفاتٍ لها، تُضفي عليها وضوحًا، وتُبرز ما بينها وبين الأعداد الأقدم من علاقة؛ بحيث يمكن تمييزها بوضوح في حالاتٍ معينة. وبمجرد أن يحقِّق عدد كل هذه الشروط، يمكن — بل يجب — اعتباره موجودًا وحقيقيًّا في الرياضيات. وأُدرك هنا السبب في أن المرء عليه أن ينظر إلى الأعداد النسبية وغير النسبية والمُركَّبة على أنها موجودة فحسب، مثلها تمامًا مثل الأعداد الصحيحة الموجبة المنتهية.

تُعدَّ الجملة الأخيرة والأوضح على الإطلاق بمثابة رسالة تقدير صغيرة إلى إل كرونكر. أما الجمل المُتبقية، فهي غريبة بما يكفي حتى إن جيه روبين قد علَّق عليها قائلًا: «بالنسبة إلى علماء الرياضيات، ثمة اختبار واحد ضروري، وهو التأكُّد من توافق العناصر في أي نظرية رياضية، وعندئذٍ فقط تكون النظرية مقبولة رياضيًّا. ولا يتوجَّب أكثر من ذلك.»
(٣٥) م. إ.: أفضلُ تعليق هنا يدعم ذلك هو ما جاء على لسان أيه أيه فرانكيل، أحد أنصار كانتور: «إنَّ مفهوم المقدار فوق المنتهي يصير عديم الأهمية ولا يُعتدُّ به ما دام معروفًا أنَّ مثل هذا المقدار موجود.»)
(٣٦) م. إ.: في الحقيقة الأرجح هو «بالاشتراك مع» وليس «بالتزامن مع»؛ حيث إن المشروعَين مُرتبطان بطرقٍ شتَّى وعلى المستويات كافة.
(٣٧) م. إ.: إذا كنتَ قد صادفتَ إشاراتٍ إلى «الأعداد الكاردينالية فوق المنتهية» لكانتور، فهذا هو ما تعنيه: إنها الأعداد الكاردينالية (أي، الأصلية) للمجموعات غير المنتهية.
(٣٨) م. إ.: تعتمد مفارقة جاليليو بشكل مباشر — وإن كان ضمنيًّا — على هذا التعريف. انظر، مثلًا، العبارة التالية من الجزء ١(د): «من الواضح أيضًا أنه في حين أن كل مربع كامل (أي ) عددٌ صحيح، فليس كلُّ عددٍ صحيح مُربعًا كاملًا.»
(٣٩) «هنا» = في الغالب مقالان مُهمان في الفترة ما بين عامَي ١٨٧٤ و١٨٧٨، رغم أنه أمضى أيضًا كثيرًا من الوقت في بلورة الفكرة في أبحاثه اللاحِقة الأكثر استطرادًا. إذا كنتَ تريد معرفة عنوان بحثه لعام ١٨٧٤، فإنه بالألمانية: Über eine Eigenschaft des Inbegrijfes aller reellen algebraischen Zahlen. ويُترجَم إلى «حول إحدى خصائص مجموعة كل الأعداد الجبرية الحقيقية»، التي يُمكنك الاطلاع بخصوصها على الحاشية السفلية رقم ٥٣ أدناه.
(٤٠) م. إ.: في الحقيقة، هذا هو ما يعنيه عَدُّ أي تجمُّع مكوَّن من عدد من الأشياء: إنه يعني وضع الأشياء في تناظُر أحادي مع مجموعة الأعداد الصحيحة . وتكافؤ المعنى بين عَدِّ العناصر ووضعها في تناظُر أحادي مع {كل الأعداد الصحيحة} هو ما جعل نظرية المجموعات الركيزة الأساسية لتدريس علم الحساب في الرياضيات الجديدة للنشء.
(٤١) م. إ.: لاحظ أنَّ عبارة «قابلة للعَدِّ» في نظرية المجموعات لكانتور مرتبطة بعبارة «قابلة للإحصاء» ولكنها ليست مُرادفة لها. تعريف: تكون المجموعة قابلة للإحصاء إذا وفقط إذا كانت (أ) منتهية أو (ب) قابلة للعَدِّ.
(٤٢) يُسمَّى هذا عادةً aleph-null أو aleph-nought (وهو ما يُترجَم إلى أليف الصفري).
(٤٣) م. إ.: لم يغدُ الترتيب يُشكِّل فرقًا إلا مع الأعداد الترتيبية فوق المنتهية التي ابتكرَها كانتور، وهو ما سوف نتناوله في الجزء ٧(ز).
(٤٤) م. إ.: لاحظ أنه بدأ يتشكَّل لدَينا الآن الردُّ على تساؤل راسل الذي أثاره في القول المُقتبَس عنه في بداية الجزء ٧.
(٤٥) قرار يخصُّ نهج الكتاب: من الآن فصاعدًا، عندما نتحدَّث عن «كل الأعداد» سوف نتعامل فقط مع القيم الموجبة. وهذا يشمل الأعداد الصحيحة، بما أننا أثبتْنا على أية حال أن كاردينالية مجموعة كل الأعداد الصحيحة = كاردينالية مجموعة كل الأعداد الصحيحة الموجبة. كما ينبغي أن يكون واضحًا أن براهين كانتور لكل الأعداد النسبية الموجبة وكل الأعداد الحقيقية الموجبة وغيرها سوف تظل صحيحة في حال مضاعفة المجموعات غير المنتهية ذات الصلة بحيث تتضمَّن القيم السالبة. وإذا كان لديك شك في ذلك، فلاحِظْ أن مضاعفة شيءٍ ما يعادل ضرب هذا الشيء في و عدد منتهٍ، وأنه — طبقًا لنظريتَي الأعداد فوق المنتهية (٣) و(٦) في الجزء ٧(ب) — أي في منتهٍ سوف يظل = .
(٤٦) م. إ.: مرةً أخرى، يُرجى العِلم أننا سوف نتناول هذه البراهين بالترتيب الذي يوفِّر لنا العَرض الأوضح والأكثر منطقية. ولاحظ أيضًا أنَّ هناك بعض الاختلافات بين الأعداد الكاردينالية في مقابل الأعداد الترتيبية، ولكننا سوف نتجنَّب الخوض فيها الآن.
(٤٧) إنَّ ما أسماه كانتور في واقع الأمر «التحويل القطري» أو «التقطير» أو «الاستقطار» هو أسلوبه للبرهنة على عدم قابلية الأعداد الحقيقية للعَدِّ، وهو الأمر المُغاير تمامًا لذلك كما سنرى.
(٤٨) م. إ.: إذا كان هذا التعريف التخطيطي فيما يبدو لك غير كافٍ، وتريد تناظرًا أحاديًّا فعليًّا بين مجموعة الأعداد النسبية ومجموعة الأعداد الصحيحة، فما عليك سوى النظر إلى الصف المُرتَّب السابق ذكره ومُقارنة أول عنصرٍ فيه ﺑ ، وثاني عنصر فيه ﺑ ، … وهكذا دواليك.
(٤٩) م. إ.: لعلك تتوقَّع بعض التعقيدات المألوفة هنا بخصوص ما يُحتمَل أن يكون أول عددٍ حقيقي للمُتتابعة، وربما يسعك أن تعرف لماذا لا يجدي نفعًا أي الصور السابقة من التلاعُب في ترتيب الصفِّ مع الأعداد الحقيقية. وفي هذه الحالة، لكي تكون مطمئنًّا لا بدَّ أن تعلم أن مُسلَّمة الاختيار الشهيرة للبروفيسور إي تسيرميلو في نظرية المجموعات (التي تتضمَّن الكثير من الموضوعات الشائكة — انظر الجزء ٧(و).) تضمن أن نتمكن دائمًا من إنشاء مجموعةٍ مرتَّبة من الأعداد الحقيقية بحيث تتضمَّن عنصرًا أول فعليًّا. ومن الجيد أن تستوعِب هذه المعلومات حتى الآن.
(٥٠) إذن، سبب تسميته ﺑ «القطري» هو أنه يُعنَى بأول رقم في أول صف، ثم ثاني رقم في ثاني صف، أي إنشاء بزاوية مقدارها ٤٥ درجة.
(٥١) م. إ.: انظر بداية الجزء ٥(ﻫ).
(٥٢) م. إ.: يمكن بالتأكيد الاستغناء الآن في برهان هذه المعلومة الغريبة، التي ظهرت في الجزء ٢(ﻫ)، عن المطلب الذي يشترط أن تكون كل المناديل وأنصاف المناديل وأنصاف أنصاف المناديل مُتناهية الصغر، وهنا نستحضِر فقط برهان فايرشتراس في الجزء ٥ﻫ (١) بأن .
(٥٣) م. إ.: تاريخيًّا، كانت أول نتيجة استطاع كانتور إثباتها فعليًّا فيما يخصُّ عدم القابلية للعَدِّ هي أن مجموعة كل الأعداد المُتسامية غير قابلة للعد، وأن المجموعة الكلية التي تضمُّ كل الأعداد النسبية + كل الأعداد غير النسبية الجبرية لها نفس كاردينالية الأعداد النسبية. انظر هنا الحاشية السُّفلية رقم ٣٩ أعلاه وعنوان بحث كانتور لعام ١٨٧٤، الذي ينبغي أن يكون الآن أكثر منطقيةً ووضوحًا.
(٥٤) م. إ.: Je le vois, mais je’n le crois pas (الذي هو مَلمح مُقتضَب، وإن كان عفويًّا، من مناهضة التجريبية). ومن غير الواضح السبب الذي جعله يكتب هذا باللغة الفرنسية إلى زميلٍ ألماني؛ فقد كانت هذه فيما يبدو طريقةً لتأكيد الانفعال. وكان زميل كانتور الألماني الواسعُ الاطلاع كثيرًا ما يتحوَّل أيضًا إلى الفرنسية أو الإغريقية من دون سببٍ واضح، ربما كان هذا هو الإجراء المُتبَع.
(٥٥) هذه الوحدانية مُهمة. فلا يمكن أن تسمح بأسلوبَين عشريَّين مُختلفين لتمثيل النقطة نفسِها؛ لأن الفكرة كلها هي معرفة ما إذا كانت كل نقطةٍ معينة في مربع الوحدة تُناظرها نقطة مُعينة في الفترة على خطِّ الأعداد الحقيقية. وينبغي أن يكون قد اتضح تمامًا الآن لماذا تعيَّن على كانتور اشتراطُ أن عددًا مثل يجب أن يتحدَّد فقط بواسطة. وهكذا. وإذا كنتَ تذكر حين أوردنا هذا الشرط في الجزء ٧(ﺟ)، فلك أن تعلم الآن أن برهان البُعد هو ما اقترح ديديكند على كانتور بشأنه أنَّ الأمر برمته — مُشيرًا بذلك إلى «التطبيق الوحيد» (وهو المصطلح الأصلي الذي استخدمه ديديكند وكانتور للتناظُر الأحادي في مراسلاتهم) — كان ليئول إلى الفشل لو أنه سمح بكلٍّ من و .
(٥٦) جزء تكميلي عبارة عن معلومة إضافية بالأساس حتى إننا لم نذكُره في سياق النص الرئيسي: تقنيًّا، يُعدُّ الموضوع أكثر تعقيدًا من ذلك. وإن لم يكن كثيرًا. يُعتبر برهان البُعد الأصلي لكانتور عويصًا وغامضًا بلا داعٍ. إنه يتضمَّن تحديد التمثيل العشري للنقطة على صورة المتسلسلة المتقاربة ، ثم «فصل حدود [هذه المتسلسلة]» بحيث يُكوِّن لكل عنصر متتابعة من «عدد من المتغيرات المستقلة » في الفترة ، وسُمِّيت هذه المُتغيرات المُستقلة . وأجرى عملية «الفصل» والتطبيق اللاحِق (وكذلك العكس، بحيث يصلح التناظُر في الاتجاهَين) من خلال أربع معادلات، تُشبه الأولى منها هذه الصورة: ، الأمر الذي قد لا يجعل التناظُر الأحادي هنا واضحًا تمامًا. تكمُن مشكلة البرهان الحقيقي (كما شرحها د. جوريس العبقري عام ١٩٧٩) في أن وصف إحداثيي المستوى من خلال الذي عرضناه أعلاه بسيطٌ للغاية حتى إنه جعل الأمر يبدو كما لو أن و رقمان منفردان. الفكرة في أسلوب كانتور أنه قسَّم و إلى أجزاء صغيرة من الأرقام بعد العلامة العشرية؛ فالقاعدة هي أنَّ كل جزءٍ ينتهي عند أول رقم غير صفري تصِل إليه (وهو ما يُعَدُّ سببًا آخر أكثر تقنيةً لعدم تمكن كانتور من الوصول إلى أعدادٍ صحيحة وأعداد نسبية تنتهي ﺑ ). وبناءً عليه، افترض — على سبيل المثال — أن وأن ، ومن ثمَّ يُقسَّمان في هذه الحالة إلى:


وبعد ذلك، تتَّحِد هذه الأجزاء معًا واحدًا تلوَ الآخر لتكوين التمثيل العشري الوحيد للنقطة ، وهو: . والمسافات الزائدة هنا مجرد وسائل إيضاح مساعدة؛ لأن التمثيل العشري الفعلي للنقطة هو . وبالطبع، هذا أيضًا عدد حقيقي، وهو النقطة في الفترة التي تُساوي . والعبقري في أسلوب تجزئة الأرقام هو أنه في حال وجود مختلف عن ولو حتى برقمٍ واحد يقع بعد العلامة العشرية بعدد من الخانات (وهو ما سوف يُوجَد بالطبع، بل يُوجَد في الحقيقة عدد لا نهائي من )، فإن النقطة ذات الصلة ستكون أيضًا مختلفة في الجزء المُشتمل على هذا الرقم في الخانة ، ومن ثمَّ يكون التناظُر ذو الصلة ثنائيَّ الوحدانية، بمعنى أنه يُوجَد لكل نقطة وحيدة والعكس صحيح؛ أي إنه تناظُر أحادي حقيقي.
(٥٧) م. إ.: (أُضيفت تحت إصرار المُحرِّر) = المصطلح المُفضَّل لمُتعدِّد السطوح الرباعي الأبعاد فما فوق.
(٥٨) م. إ.: كما ذكرنا في الجزأَين ٥(ب) و٥(د). (وفي الجزء الأخير، تطرَّقنا إلى استخدام الهندسة الريمانية للانهائية والنقاط المُرتبطة باللانهائية تطرقًا سطحيًّا على أقل تقدير.)
(٥٩) هذا يقودنا إلى موضعٍ مُتخصص بعض الشيء في نظرية الدوال، إلا أن «التطبيق غير المتصل» يعني في جوهره أنك إذا تحرَّكت على نحوٍ متصل غير متقطع على طول النقاط في الفترة ، فإن النقاط المناظرة على مربع الوحدة لن تُكوِّن منحنًى متصلًا، ولكنها سوف تتوزَّع بلا نمطٍ معين في جميع الأنحاء. (م. إ.: بالنظر إلى الفقرة الثانية في الجزء ٧(د) أعلاه، يتضح أن فرضية ريمان وآخرين كانت خطأً على نحوٍ مُثير للاهتمام: لا يعتمد بُعد مجموعة نقاط مُعطاة على عدد الإحداثيات الموجودة لكل نقطة فحسب، ولا حتى على كاردينالية مجموعة النقاط بأكملها، ولكن أيضًا على النسق المُحدَّد لتوزيع النقاط. والنقطة الأخيرة هي أحد موضوعات طوبولوجيا نظرية النقاط، وكلُّ ما يسَعُنا قوله بشأنها في هذا الكتيب إنها فرعٌ آخر من الرياضيات ما كان ليُوجَد لولا أبحاثُ كانتور حول اللانهائية).
(٦٠) م. إ.: التاريخ = ١٨٧٨ العنوان (باللغة الألمانية): Ein Beitrag zur Mannigfaltigkeitslehre أو «مساهمة في نظرية المُجمعات/التجمعات/المجموعات».
(٦١) ربما من الواضح أنَّ «الخيال» الخاص بالأخوية الدينية الفيثاغورية هنا هو التمثيل العشري المُركَّب ﻟ ، لكنه يتحدَّث أيضًا في سياق المقال النقدي ككلٍّ عن المجموعات غير المُنتهية لخط الأعداد ونقاط مربع الوحدة التي تُعيِّنها الأعداد العشرية. (لاحظ أن نفس الاتهام يمكن أن يُوجَّه ضدَّ و في نظرية الحدود لديديكند، ولسببٍ ما لم يكن ديديكند هدفًا للانتقاد الشديد مِثلما كان كانتور).
(٦٢) كثيرًا ما كان يُشير كانتور إلى هذين النوعين ﺑ «فئة الأعداد الأولى» و«فئة الأعداد الثانية» على التوالي.
(٦٣) م. إ.: غالبًا ما تتناول الكتب الدراسية هذا على أنه نظرية مُجردة، مثل «إذا كان لدَينا أي مجموعة غير مُنتهية ، فإنه يمكن إنشاء مجموعةٍ غير مُنتهية أُخرى ذات عددٍ كاردينالي أكبر.»
(٦٤) م. إ.: يُعرَف هذا المبدأ في نظرية المجموعات بمُسلَّمة مجموعة القوى. وأحد أسباب كونها مُسلَّمة أنها لا تدخُل ضِمن تعريفات «المجموعة الجزئية» و«المجموعة الخالية»، كما سوف يتَّضِح في النص الرئيسي أدناه. ومع ذلك، تُوجَد مشكلات في مُسلَّمة مجموعة القوى (انظر الجزء ٧(و) التكميلي أدناه).
(٦٥) م. إ.: تقنيًّا، كان ينبغي كتابة هذا على الصورة ، حيث تُشير إلى العدد الكاردينالي للمجموعة . وبما أننا ذكرنا ذلك، سوف نكتبها بشكلٍ غير رسمي من الآن فصاعدًا.
(٦٦) م. إ.: مرةً أخرى، سوف يكون من الأفضل تقنيًّا القول بأن هو رمز المجموعة ، الذي هو عبارة عن المجموعة الخالية … لكن عليك أن تستوعِب الفكرة.
(٦٧) م. إ.: يمكنك إثبات أن للمجموعة الخالية أيضًا. إذا كانت ، فإنها تحتوي على صفر من العناصر. ومع ذلك، فإنَّ لها مجموعة جزئية بالفعل، وهي ، بما أنَّ المجموعة الخالية مجموعةٌ جزئية من كل مجموعة. ومن ثمَّ، فإن ، أي .
(٦٨) سيكون ذلك مفهومًا إذا تذكَّرت أن السياق العام لهذه البراهين هو محاولة كانتور اشتقاق مجموعاتٍ غير منتهية (فيما يُعرَف أيضًا بفئات الأعداد) عددها الكاردينالي يفوق .
(٦٩) م. إ.: في الواقع، برهان عام ١٨٩١ يتمثَّل فعليًّا في إثبات أنَّ مجموعة القُوى هذه غير قابلة للإحصاء. ولكن تذكَّر أنه لكي تكون مجموعةً ما قابلة للإحصاء، لا بدَّ أن تكون إما مُنتهية أو قابلة للعَدِّ، ومن السهل أن نُثبت أن المجموعة ذات الصِّلة هنا ليست مُنتهية. وبما أن مجموعة كل الأعداد الصحيحة: هي نفسها غير مُنتهية، فإن كلَّ ما علينا هو أن نأخذ كل عنصرٍ على حدة، ونضع حاصرتَيْن حوله، ونفهم أن و و … إلخ مجموعةٌ جزئية للمجموعة التي تضم كل الأعداد الصحيحة. ومن ثمَّ، من غير الوارد بأية حال أن تكون مجموعة كل هذه المجموعات الجزئية منتهية. وعليه، فإن الفَيْصَل في الموضوع هو ما إذا كانت مجموعة القوى قابلةً للعَدِّ أم لا.
(٧٠) م. إ.: من خطابٍ لمُحرِّر السلسلة يتضمَّن استفساراتٍ حول مخطوطة الكتيب: «الفقرة التي بعد شكل «المصفوفة رقم ٣»: إذن، بعبارةٍ أخرى، بغض النظر عن عدد المجموعات الجزئية التي نحصل عليها للمجموعة ، يمكننا دائمًا إنشاء مجموعاتٍ جزئية جديدة. إذا كان الأمر كذلك، فهل تريد أن تقول شيئًا كهذا صراحةً؟» نقلًا عن ردِّ مؤلِّف عصبي: «لا، لا نُريد أن نقول شيئًا كهذا؛ لأنه خطأ. ما توضحه المصفوفة رقم (٣) هو أنه بغضِّ النظر عن العدد اللانهائي من المجموعات الجزئية التي نسردها للمجموعة ، يمكن إثبات أنه سوف يُوجَد دائمًا بعض المجموعات الجزئية التي ليست ضمن القائمة التي سردناها. وبتذكُّر ما تعنيه عبارة «غير قابلة للعَدِّ»، فهذا يعني: لا يمكن إدراجُها في قائمة/صفٍّ/مصفوفة، على نحوٍ شامل (ومرةً أخرى، هذا هو سبب أنه سوف يكون هناك دائمًا أعداد غير نسبية أكثر من مناديل الموت في العرض التوضيحي السابق للدكتور جوريس في الجزء ٢(ﻫ)؛ فالمناديل — مثلها مثل الأعداد الصحيحة والأعداد النسبية — لا يمكن أن تتكوَّن إلا من عددٍ غير مُنتهٍ قابل للعَدِّ). كما أنَّ جملة «يُمكننا دائمًا إنشاء مجموعاتٍ جزئية جديدة» غير صحيحة تمامًا: نحن لا نُنشئ مجموعاتٍ جزئيةً جديدة، بل نُبرهن على أنه يُوجَد فعلًا، وسوف يُوجَد دائمًا، بعض المجموعات الجزئية التي لا يمكن لأي قائمة أو تناظُر أحادي مُتكامل استيعابها. وعلينا أن نُقِرَّ بأن كلمة «يُوجَد» تحتاج إلى عبارةٍ استدراكية مثل «إنْ جاز التعبير» أو «أيًّا كان ما يعنيه ذلك» أو شيء من هذا القبيل، لكن القارئ يجب أن يتبنَّى وجهة نظر كرونكر الراديكالية؛ لكي يُصدِّق أن ما نفعله في هذا البرهان هو حقًّا إنشاء هذه المجموعات الجزئية الجديدة.
(٧١) م. إ.: هذا يطرح موضوعًا مُهمًّا. لعلك لاحظت مدى التشابُه الوثيق بين البرهان القُطري لعدم قابلية للعَدِّ والبرهان القطري لعدم قابلية {كل الأعداد الحقيقية} للعَدِّ في الجزء ٧(ﺟ). والآن، على ضوء أن كاردينالية كلٍّ من و{كل الأعداد الحقيقية} أكبر من ، ربما تتساءل عمَّا إذا كان العدد الكاردينالي ﻟ هو كالحال مع العدد الكاردينالي ﻟ {كل الأعداد الحقيقية}. وفي هذه الحالة، تكون قد توصَّلت بمفردك إلى نسخةٍ من إحدى أصعب المسائل فَهمًا في نظرية المجموعات لكانتور، وهي المسألة التي عرضناها بإسهابٍ في الجزء ٧(ز). والفكرة هي أنك مُحقٌّ تمامًا في تساؤلك عن علاقة ، ولكن كل ما عليك أن تنتظِر قليلًا.
(٧٢) م. إ.: بمعنى أن هي أيضًا ، ولكن من الأسهل إذا نسيتَ موضوع مجموعة القوى برمَّته في هذا البرهان.
(٧٣) م. إ.: في بعض الأحيان، تُعرَف أيضًا بمفارقة «يوبلديس» لتمييزها عن مفارقة «كل أهالي كريت كاذبون» لإبيمندس، وهي موضوعٌ يطول شرحه.
(٧٤) م. إ.: (١٩٠٦–١٩٧٨)، عبقريُّ الرياضيات الحديثة المُطلق بلا منافس (انظر الجزء ١(أ) ومواضع أخرى).
(٧٥) م. إ.: نعلم، على سبيل المثال، أنه أخبر دي هيلبرت بذلك، وذُكرت المفارقة في خطابٍ واحد على الأقل من خطابات كانتور إلى ديديكند. ويُرجى العِلم أيضًا أن ثمة مفارقةً أخرى أيضًا اصطدم بها بعد ذلك، ولكنه لم ينشرها كذلك، وهي ما يُعرَف حاليًّا بمفارقة بورالي-فورتي وتتعلق بالأعداد الترتيبية فوق المنتهية، التي ظهرت بعد ذلك كما ذكرنا.
(٧٦) م. إ.: يُعتبر موضوع فريجه وراسل من الموضوعات الطويلة ولكن مُحبَّبة كثيرًا بين مُؤرخي الرياضيات، ويمكن أن تجده بسهولة في أي مصدرٍ آخر. (لاحظ أن تناقُض راسل يُسمَّى عمومًا «مفارقة راسل»، ولكن كل ما هنالك أننا سئمنا استخدام كلمة «مفارقة» مرارًا وتكرارًا.)
(٧٧) م. إ.: مرة أخرى، هذا كله أكثر تعقيدًا مما يبدو عليه. ما أوضحَه حقًّا تناقُض راسل هو مُسلَّمة غير صحيحة في النسخة الأولى من نظرية المجموعات وهي (دون مزاح) «مبدأ التجريد غير المحدود»، وهو ما ينصُّ في الواقع على أنَّ كل خاصية/شرط ممكن تصوُّره يحدِّد مجموعة، أي إنه بالنظر إلى أي خاصيةٍ يمكن تصوُّرها، تُوجَد مجموعة من كل الكيانات التي تحقق هذه الخاصية. ثمة ثلاث ملاحظات سريعة عن مبدأ التجريد غير المحدود: (١) لاحظ تشابُهَه الملحوظ مع حُجة «الواحد والمُتعدِّد» لأفلاطون في الجزء ٢(أ). (٢) ينبغي أن يتضح قريبًا في سياق النص الرئيسي السبب الذي يجعل مبدأ التجريد غير المحدود مغلوطًا ويُخلي الطريق أمام تناقُض راسل. (٣) يُرجى الانتظار لبضع صفحات حيث نتطرَّق إلى حقيقة أن نظام مُسلَّمات تسيرميلو وفرانكل وسكوليم لنظرية المجموعات عدَّل «مبدأ التجريد غير المحدود» إلى «مبدأ التجريد المحدود»، الذي ينصُّ على أنَّ لأي خاصية ومجموعة يُمكننا تكوين مجموعة تتضمَّن كل عناصر التي تُحقِّق الخاصية .
(٧٨) م. إ.: يُمكنك تخطي بقية هذه الفقرة بدءًا من «هل مجموعة عادية؟» إذا كنتَ على دراية بفكرة هذه المفارقة وآلية عملها. (م. إ. أخرى: كان لراسل أيضًا أسلوبٌ شهير في صياغة تناقُضه باللغة البسيطة العادية، بعبارة أخرى: تخيَّل حلَّاقًا يحلق فقط لجميع الأشخاص الذين لا يحلقون لأنفسهم، هل هذا الحلاق يحلق لنفسه أم لا؟)
(٧٩) م. إ.: في هذه المعارضة، غالبًا ما يقترن اسم بوانكاريه بالعالِمَيْن المُختصَّيْن في مجموعة النقاط النهائية إي بوريل وإل ليبيج، ويُعرف أحيانًا هذا الثلاثي في ميتافيزيقا الرياضيات بالمدرسة المناهضة للأفلاطونية.
(٨٠) على نحوٍ مُشابهٍ كثيرًا لوصف الإغريق للانهائية بأنها «أبيرون».
(٨١) م. إ.: فيما يلي إحدى الحلقات المفرغة التي ربما توقَّعْتَها فعلًا: إذا كانت صفة ما غير إسنادية في حال انطباقها على نفسها — كالحال على سبيل المثال في اتصاف شيء ما بإمكانية التعبير عنه باللغة الطبيعية، أو بأنه صحيح إملائيًّا، أو مجرَّد — فإننا نستطيع إذن أن ندعو خاصيةً ما بأنها «إسنادية» إذا كانت لا تنطبق على نفسها. ومن ثمَّ، فالسؤال هو هل صفة الشيء بأنه «إسنادي» إسناديةٌ أم غير إسنادية؟
(٨٢) م. إ.: حسنًا، نحن الآن بصدد الرجوع مُجددًا إلى الأسئلة المطروحة بشأن الوجود المجرد والدلالة المجردة في الجزء ١.
(٨٣) م. إ.: إذا كان يتراءى لك أنَّ شبح «الرجل الثالث» لأرسطو يحوم حول نظرية الأنواع، فلستَ بمُخطئٍ. فالعديد من المشاكل التأسيسية في نظرية المجموعات في نهاية المطاف تعود أدراجَها إلى الميتافيزيقا الإغريقية.
(٨٤) م. إ.: لاحظ أيضًا أن حُجج راسل بخصوص الصلة بين الطوبولوجيا الميتافيزيقية للكيانات/التجريدات والطوبولوجيا الدلالية للكيانات/الجمل/الجمل التعريفية، طويلة ومعقدة، لكنها موجودة فعلًا؛ فليس الأمر وكأنه يفترض هذا كلَّه من العَدَم.
(٨٥) م. إ.: تتَّسِم الإضافات والتعديلات اللاحقة التي شهدتها نظرية الأنماط لراسل على أيدي علماء المنطق، من أمثال إف بي رامزي وأيه تارسكي، بأنها غايةٌ في التعقيد والغموض، حتى إنَّ معظم علماء الرياضيات سوف يتظاهرون بأنهم لم يسمعوا ما قلتَ إذا حاولتَ مناقشتها معهم.
(٨٦) م. إ.: أي المسألة الثانية من أصل ١٠ مسائل رئيسية مستعصية الحل سردَها هيلبرت خلال المؤتمر الدولي لعلماء الرياضيات عام ١٩٠٠، بوصفها ضروريةً لازدهار الرياضيات في القرن القادم. وهذا موضوع آخر يطول شرحه، ولكن يمكنك أن تجده في أي دراسةٍ بحثية حول تاريخ الرياضيات. (م. إ. أخرى: إذا كنتَ قد علمت أو سمعت بوجود ٢٣ مسألة من مسائل هيلبرت، فالحقيقة أن هيلبرت لم يسرد سوى ١٠ مسائل فقط في خطابه بمؤتمر باريس، و٢٣ مسألة في النسخة المكتوبة التي ظهرَت عام ١٩٠٢).
(٨٧) م. إ.: قارِن هذه الأنطولوجيا الشَّكلية بوجهة نظر الحَدْسية التي مفادها أنَّ «الكائنات الرياضية هي كياناتٌ عقلية لا تُوجَد بمعزلٍ عن قُدرتنا على تقديم برهانٍ على وجودها في عددٍ مُحدد من الخطوات.» ويمكنك ملاحظةُ أنَّ وِجهتَي النظر غيرُ مُتباينتَين على الإطلاق، لا سيَّما في رفضهما لفكرة أن الرياضيات لا علاقة لها بالواقع الموجود خارج العقل، على الرغم من أنَّ معيار «عدد محدود من الخطوات» لدى الحَدْسيين يعني تحديدًا رفض كياناتٍ مثل الأعداد غير النسبية والمجموعات غير المنتهية التي كان لبوانكاريه وبراور، شأن كرونكر قبلهما، مشاكل ميتاقيزيقية (وليس فقط إجرائية) معها. (م. إ.: قال د. جوريس على سبيل التمييز بين المدرستَين إنَّ الحَدْسية مُعقدة بينما الشَّكلية أكثر جنونًا فحسب).
(٨٨) م. إ.: انظر الجزء ١(ﺟ).
(٨٩) كان ينبغي تضمين هاتين الكلمتَين في مسرد مصطلحات ثالث الآن. وهما مصطلحان من المنطق يتعلقان بنظرية النمط. يكون النظام «كاملًا» إذا وفقط إذا أمكن الاستشهاد بكل فرضيةٍ صحيحة فيه بوصفها نظرية، ويكون «مُتسقًا» إذا كان لا يتضمَّن أو لا يستتبع أي مُفارقات. وبالمناسبة، يُوجَد معيار ثالث سبق أن أشرْنا إليه بإيجاز، ويُسمَّى «الحَسمية»، ويتعلق بما إذا كانت هناك طريقة/خوارزمية لتحديد صحة فرضية من عدمها، وذلك لأي فرضية مُحكَمة الصياغة للنظام. ومن الواضح أن المعايير الثلاثة مرتبطة ببعضها، لكنها أيضًا مختلفة في نواحٍ مُهمة، ومن المفترَض في أي نظامٍ شكلي صحيح من الناحية الاستنتاجية أن يفيَ بهذه المعايير الثلاثة كاملةً … الأمر الذي أوضحَ جودل أنه ما من نظامٍ على درجة كبيرة من الفاعلية يُمكنه تحقيقُ ذلك؛ ولهذا سُمِّي بأمير الظلام، ولهذا تعرقل تقدُّم الرياضيات البحتة على مدى اﻟ ٧٠ عامًا الأخيرة.
(٩٠) م. إ.: تاريخا الميلاد والوفاة: ١٨٧١–١٩٥٣. البحث الأساسي: «البحث في أسس نظرية المجموعات» (١٩٠٨)، المساعد الرئيسي: أيه فرانكل، وهو أيضًا أول مَنْ كتب السيرة الذاتية لكانتور.
(٩١) م. إ.: الكثير من علماء الرياضيات الحاليين لا يعبَئون بهذه المفارقات خلال عملهم اليومي، بقدْر ما لا نعبأ بتعثُّرنا في أرضية الغرفة عند نهوضنا من الفراش.
(٩٢) ربما من الأفضل أن نقول بدلًا من «مستقل» إنه «سابق من الناحية المفاهيمية» أو «مُتقدِّم» على الرياضيات في حدِّ ذاتها. والفكرة في نظرية المجموعات البديهية هي أنَّه ما دامت نظرية المجموعات هي فرع الرياضيات الأكثر تجريدًا والأبسط تكوينًا على الإطلاق، فإنها تُعدُّ بمثابة الأساس لمُعظم المفاهيم الأساسية في الرياضيات، مثل «العدد» و«الدالة» و«الرتبة» وهكذا. وعلى الرغم من أن الموضوع برمته أصبح معقدًا للغاية — لا سيَّما المسائل التي تتناول علاقة نظرية المجموعات بالمنطق الرمزي، التي من بينها الأساس الحقيقي للرياضيات — فالحقيقة أن جي فريجه وجي بيانو، وهما أهم شخصيتَين في أساسيات علم الحساب، قد عرَّفا الأعداد والعمليات الرياضية الأساسية بمصطلحات نظرية المجموعات.
(٩٣) م. إ.: إما أن يكون دالة وحيدة القيمة أو عبارة منطقية باللغة الطبيعية تكون ذات دلالة لكل عناصر (حيث تعني عبارة «ذات دلالة» بالأساس أنَّ العبارة المنطقية شيءٌ يمكن التحققُ من صحته أو خطئه على نحوٍ حاسم لأي عنصر من عناصر المجموعة، مثل «أزرق» أو «يزن أكثرَ من ٢٨,٧ جرامًا» تمييزًا له عن «رائع» أو «له طعمُ الدجاج».)
(٩٤) استخدام رمز الانتماء في جملة اسمية كهذه هو الأسلوب الأمثل لقول «عنصر في ».
(٩٥) ومن ثمَّ، إحدى النتائج البديهية لمبدأ التجريد المحدود هو: وجود المجموعات غير المُنتهية.
(٩٦) م. إ.: فيما يلي مَوضعٌ آخر حيث يكون من غير الواضح تمامًا ما سوف يعرفه القرَّاء أو يتذكرونه، مما نحن بصددِ استعراضه سريعًا هنا. إذا كنتَ غير مُلِمٍّ بفرضيات بيانو وتريد الإلمام بها، فخصِّص ٤٥ ثانية لقراءة ما يلي: فرضيات بيانو هي المُسلَّمات الخمس الأساسية لنظرية الأعداد، وهي الطريقة التي تُشتق بها المتتابعة غير المُنتهية لكل الأعداد الصحيحة المُوجبة من مفهومَيْن أساسَيَّيْن فقط، هما (أ) «عدد صحيح» و(ب) «تالٍ ﻟ». وباللغة الطبيعية، الفرضيات هي: (١) عدد صحيح، (٢) إذا كان عددًا صحيحًا، فإنَّ التاليَ ﻟ عدد صحيح، (٣) العدد ليس تاليًا لأي عددٍ صحيح، (٤) إذا كان التاليان للعددين و مُتساويَين، فإنَّ ، (٥) إذا كانت مجموعة ما تتضمَّن ، وإذا كان التالي ﻟ — لأي عدد صحيح في — موجودًا في ، فإنَّ كلَّ عددٍ صحيح موجود في . وفيما يتعلق بالفرضية رقم (٥)، تُوجَد صيغة بديلة تُبرز السبب الذي جعل هذه الفرضية الأساسَ البديهي وراء البرهان بالاستقراء الرياضي، وهي تقريبًا كالتالي: (٥) إذا كانت خاصية مُعينة، وإذا كان يُحقق الخاصية ، وإذا كان التالي لعددٍ صحيح يُحقق الخاصية عندما يُحقِّق العدد الصحيح الخاصية ، فإنَّ كل الأعداد الصحيحة تُحقق .
(م. إ.: حقيقة غير مُثبتَة نقلًا عن د. جوريس: مع أنَّ بيانو يستحق الإشادة الكاملة على طرح كل الموضوعات المُهمة في نظرية الأعداد ونظرية المجموعات (ولا سيَّما الرموز القياسية و و )، فإنَّ فرضياته مثالٌ واضح على انزواء الشهرة وتقلُّبها بين علماء الرياضيات، حيث ظهرت مُسلَّماتٌ مكافئة لمُسلَّماته الخمس في مقال ديديكند «طبيعة الأعداد ومعناها» قبل عامين على الأقل من ظهور بحث بيانو «مبادئ الحساب بمنظور جديد»).
(٩٧) م. إ.: كلُّ ما يُهمنا في موضوع حاصل الضرب الديكارتي أن نقول (١) إنه نوعٌ مُعين من الاتحاد بين مجموعتَين تحتويان على «أزواج مرتَّبة» والتي هي سلسلة مُرتبطة ببعضها، و(٢) إن حاصل الضرب الديكارتي يُعدُّ تجسيدًا لمبدأ «ثبات التجانس» المُهم، بمعنى أنه إذا كانت لدَينا مجموعتان و تشتركان في بعض الخصائص المُحدَّدة، فإنَّ حاصل الضرب الديكارتي لهما ( ) سوف يكون له أيضًا نفس تلك الخصائص (على سبيل المثال، إذا كانت و مجموعتَي نقاط تُمثلان فراغَيْن طوبولوجيَّين، فإنَّ حاصل الضرب الديكارتي لهما سوف يكون أيضًا فراغًا طوبولوجيًّا).
(٩٨) م.إ.: يعني حاصل «الضرب الديكارتي» هنا تحديدًا «مجموعة كل المجموعات الجزئية المكوَّنة من اتحاد كل عناصر بحيث تحتوي كل منها (= كل مجموعة جزئية) على عنصرٍ واحد بالضبط من كل مجموعة في ». وهذا كله كي ننقل لك لمحةً عن توليفة الموضوعات الذكية البارعة التي تتناولها نظرية المجموعات البديهية الفعلية.
(٩٩) م. إ.: أيُّ كتابٍ جيد في المنطق الرياضي أو نظرية المجموعات سوف يُفرد فصلًا كاملًا لمُسلَّمة الاختيار وعلاقتها بغيرها من المفاهيم الشديدة التخصُّص مثل مُسلَّمة الضرب لراسل، وتمهيدية زورن، ومبدأ التقسيم الثلاثي، ومبدأ هاوسدورف للتعظيم، و(دون مزاح) تمهيدية العنصر الأعظم لتيشمولر توكي.
(١٠٠) م. إ.: وهو أمريكيٌّ، سنأتي على ذكره مجددًا فيما يتعلق بفرضية الاتصال أدناه.
(١٠١) م. إ.: رحلة إثبات مُسلَّمة الاختيار طويلةٌ للغاية، ولكن يمكن رصد نتائجها الجوهرية في الفقرة التالية المُقتبَسة عن إي مندلسون في كتابه «مقدمة إلى المنطق الرياضي» لعام ١٩٧٩:

لم تَعُد مُسلَّمة الاختيار تُثير الكثير من الجدل في السنوات الأخيرة. وبالنسبة إلى غالبية علماء الرياضيات، فإنها تبدو منطقية للغاية ولها تطبيقاتٌ كثيرة في كل فروع الرياضيات تقريبًا حتى إنَّ عدم قَبولها لَيبدو زيغًا مُتعمَّدًا ومراوغةً مُفتَعَلة من جانب عالِم الرياضيات المُتمرِّس.

(١٠٢) م. إ.: إذا كنتَ ترغب في الاطلاع على الصيغة الرمزية الصرفة لمُسلَّمة الانتظام، فهي كالتالي: ، التي ربما يكون الرمزان غير المألوفين الوحيدان فيها هما دلالتَيْ (مُسوَّرتَي) حساب التفاضُل والتكامل المسند (التي تعني «لكل ») و (التي تعني «يوجد واحد على الأقل بحيث …» (حيث تعني كلمة «يوجد» هنا الوجود في الرياضيات/نظرية المجموعات (وهو ما يفترض بالطبع أنَّ هذا النوع من الوجود مختلفٌ عن نوع (أنواع) الوجود الآخر)).
(١٠٣) تتعلق هذه المفارقات بصفةٍ أساسية بكَم التفسيرات الصحيحة الكثيرة المختلفة التي يمكن أن تكون لنظام مُسلَّماتٍ ما (كلمة «نموذج» هي المصطلح الأشمل لأي تفسيرٍ مُحدد لما تُشير إليه الرموز والصيغ المُجرَّدة في واقع الأمر). واتضح أنَّ مُعظم نظم المُسلَّمات الكاملة منطقيًّا لها عدد لا نهائي — وأحيانًا عدد لا نهائي غير قابل للعَدِّ — من النماذج الصحيحة التي أحدثت جدالاتٍ لا حصر لها؛ فقد وُضِعَت نظم مثل نظام مُسلَّمات «تسيرميلو-فرانكل-سكوليم» أو فرضيات بيانو بناءً على نماذج محددة نوعًا ما في الذهن، وليس من الصعب أن نُدرك أنَّه مع وجود عددٍ لا نهائي فعلي من النماذج الممكنة، فإنَّ بعضها سوف يتعارَض مع هذه النماذج المنشودة.
(١٠٤) م. إ.: كان أهم شيئين بالنسبة إليه هما الأبوة الحقيقية (البيولوجية) للسيد المسيح وقضية بيكون ضدَّ شكسبير (التشكيك في أصالة شكسبير). وبأسلوب العلاج النفسي النظري، فإنَّ هاتين المسألتَين لا تتعلقان فقط بدقة عرض الحقائق ولكن رفض منح التقدير لمَنْ يستحقُّه. وبالنظر إلى كَم الأذى المهني الذي تعرَّض له كانتور، فإنَّ اختياره للهواجس والوساوس يبدو مفهومًا ومُحزِنًا.
(١٠٥) م. إ.: يُشار إلى هذا في بعض الكتب باسم «مسألة الاتصال».
(١٠٦) صاغَ علماءُ الرياضيات الذين يسمُّونها مسألة الاتصال الصيغة العامة على النحو التالي: «هل تُوجَد مجموعة ما لها كاردينالية أكبر من ، ولكنها أصغر من ؟»
(١٠٧) م. إ.: سببُ تسمية «فرضية الاتصال» Continuum Hypothesis بهذا الاسم هو تركيز كانتور على بوجه خاص.
(١٠٨) م. إ.: يُرجى العِلم أنَّ ما يلي — حتى بمعاييرنا — هو لمحة مُبسَّطة جدًّا عن نظرية كانتور للأعداد الترتيبية، وهي أكثر تعقيدًا وتشعُّبًا من الأعداد الكاردينالية. والسبب الوحيد الذي جعلنا نتطرَّق إليها بإيجاز هنا هو أنه سيكون من المؤسِف جدًّا أن نتظاهر بأنَّ فرضية الاتصال لا علاقة لها إلا بتسلسل الأعداد الكاردينالية فوق المنتهية.
(١٠٩) م. إ.: صيغت نظرية جي كانتور المُعقدة رياضيًّا للأعداد الترتيبية وأنماط ترتيب المجموعات في بحثَين على الأكثر: «مبادئ نظرية أنماط الترتيب» (١٨٨٥) والبحث الذي يُحاكي في طوله كُتيبًا؛ «إسهامات لتأسيس نظرية الأعداد فوق المنتهية» (١٨٩٥).
(١١٠) السبب الذي قد يكون غامضًا في البداية هو نفسه السبب الذي جعلنا نُقدِّم شرحًا مبدئيًّا مُبسَّطًا لعبارة: «بطريقةٍ يظلُّ معها ترتيبُ العناصر في كلٍّ من و كما هو دون أن يتغيَّر.» وهو أنَّ نمط الترتيب لا يعني مجرد الترتيب. و ، على سبيل المثال، هما نفس نمط الترتيب.
(١١١) م. إ.: قدَّم د. جوريس تشبيهًا آخر مُخصَّصًا، وهو أن الأعداد الكاردينالية تُشبه الشخصيات في مسرحية مدرسية، والأعداد الترتيبية هي العلامات التي تُحدِّد مواضع حركة المُمثلين في المشهد، كما في النص المسرحي المكتوب في مقابل اتجاهات المُمثلين على خشبة المسرح.
(١١٢) م. إ.: يُمكننا أن نرى هنا أوجُهَ تشابهٍ واضحةً مع نظرية كانتور للأعداد غير النسبية بوصفها نهاياتٍ لمُتتابعاتٍ من الأعداد (في الجزء ٦(ﻫ)). وكانت هذه النظرية السابقة، بطريقةٍ أو أخرى، أساس أبحاثه عن الأعداد الترتيبية.
(١١٣) م. إ.: تنبثق مفارقة «بورالي – فورتي» غير الموضَّحة حتى الآن من هذا التعريف مباشرة. فكِّر في مجموعة كل الأعداد الترتيبية في مكان. والآن، فكِّر في العدد الترتيبي لهذه المجموعة، الذي طبقًا للتعريف سيكون أكبر من أي عددٍ ترتيبي في المجموعة، باستثناء أنَّ المجموعة مُعرَّفة بأنها تتضمَّن كل الأعداد الترتيبية. ولذا، فثمة تناقضٌ في كلتا الحالتَين. إنَّه تناقضٌ بسيط، وهو الدافع الوقائي الحقيقي وراء مُسلَّمة الانتظام.
(١١٤) إلا أن تكون قد اطلعتَ على الحاشية السُّفلية رقم ١٠٢ في الجزء ٧(و) عن معنى ، وهو ما يعني أنَّ هذا التذييل كان ينبغي ألا يُصنَّف على أنه معلومة إضافية مطروحة للاستزادة ليس إلا.
(١١٥) معلومة إضافية بكل تأكيد: لا أدري إنْ كان من الذكاء أن أذكر هذا، ولكن في بعض الأحيان على الأقل كان كانتور يستخدِم لتحديد أول عددٍ ترتيبي فوق مُنتهٍ، و لتحديد أول عدد كاردينالي فوق مُنتهٍ. والحقيقة المُطلقة هي أن مجموعة كل الأعداد الترتيبية المنتهية (التي أسماها كانتور في الحقيقة «فئة الأعداد الأولى») هي التي اعتاد كانتور أن يستخدمها لاستنتاج أول عددٍ كاردينالي فوق مُنتهٍ، وهو ما فعله كانتور بالأساس؛ لأن الأعداد الكاردينالية في نظريته كان يمكن تعريفها أيضًا على أنها حدود ترتيبية، ولكننا لن نتطرَّق إلى مناقشة هذا المفهوم؛ لأنه يتطلَّب الخوضَ في تفاصيلَ في نظرية المجموعات حول العلاقات بين الأعداد الكاردينالية والأعداد الترتيبية لا يتناسب معها هذا الكُتيب. ومن ثمَّ، نستخدِم الرمزيْن القياسيَّين لذلك الآن، وهما: للأعداد الكاردينالية فوق المنتهية و للأعداد الترتيبية فوق المنتهية، والسبب هو أن الرموز هي الطريقة الأنجح والأكثر أُلفةً لبعض القُرَّاء على الأقل. (لاحظ أن المعلومات المُركَّزة حول رياضيات كانتور بكل تعقيداتها متاحةٌ في العديد من الكُتب المُتخصِّصة الجيدة، التي من بينها كتابُ دوبين المشار إليه سابقًا «جورج كانتور»، وكتاب أبيان المشار إليه سابقًا «نظرية المجموعات»، وكتاب إي في هونتينجتون «الاتصال وأنماط الترتيب التسلسُلي الأخرى، مع مُقدمة إلى الأعداد فوق المنتهية لكانتور». انظر ثَبْت المراجع).
(١١٦) م. إ.: وأن علاقتها الوحيدة برموز إبسيلون لفايرشتراس التي تحدَّثنا عنها في الجزء ٥(ﻫ) أنها تُنشَأ بنفس التعريف الذي على شاكلة «يُوجَد … بحيث إنَّ». على سبيل المثال، يُحدَّد أولُ عدد ترتيبي بحيث على أنه «إبسيلون صفر» أو .
(١١٧) م. إ.: في الجزء ١٥ من بحثه المذكور سابقًا «إسهاماتٌ لوضع نظرية للأعداد فوق المنتهية».
(١١٨) م. إ.: يتحوَّل هذان السؤالان إلى سؤالٍ واحد في إحدى حالتَيْن: (١) أن تكون نظرية المجموعات خريطة/مرآةً دقيقة للواقع الفعلي للانهائية والمجموعات غير المُنتهية، أو (٢) أن تكون نظرية المجموعات الرسمية هي نفسُها ذلك الواقع الفعلي؛ بمعنى أنَّ أي «وجود» لمجموعةٍ غير مُنتهية مُعطاة يُقاس كليًّا وحصريًّا بتوافُقها المنطقي مع مُسلَّمات النظرية. يُرجى ملاحظة أنَّ هذه ليست سوى الأسئلة التي ابتُليَت بها الرياضيات منذ الإغريق حول الحالة الميتافيزيقية للكيانات المجردة.
(١١٩) م. إ.: لولا التخصُّصُ الشديد الذي تتَّسِم به نظرية المجموعات ونظرية البرهان، لكان من الممكن إنتاجُ فيلمٍ سينمائي بميزانية ضخمة عن برهان كوهين والروايات المتداولة عنه، التي أحبَّها مؤرخو الرياضيات وتستطيع أن تجدَها في عددٍ وافر من المصادر. ومن الأمور الوثيقة الصلة بموضوعنا أوجه الشبه الغريبة مع جي كانتور. وأحد أوجه التشابُه هذه هي أنَّ خلفية كوهين المعرفية كانت في مجال التحليل الدالي والتوافُقي، وهما مجالان يتضمَّنان كلًّا من المعادلات التفاضلية ومتسلسلات فورييه، بمعنى أنه مَدخله في تناوُل نظرية المجموعات كان أيضًا التحليل البحت. ولكن أوجه التشابُه ازدادت غرابةً. فقد كانت رسالة الدكتوراه التي أعدَّها كوهين (جامعة شيكاغو، عام ١٩٥٨) بعنوان «موضوعات في مُبرهنة الوحدانية للمتسلسلات المُثلثية». وبالإضافة إلى ذلك، على غرار ما فعله كانتور حين ابتكر براهينَ جديدة تمامًا في نظرية المجموعات مثل البراهين القُطرية وبراهين المجموعة الخالية ( )، ابتكر كوهين أيضًا أسلوب برهان جديدًا تمامًا عُرِف باسم «القسر»، وهو مُتخصِّص للغاية لكنه يُشبه بطريقةٍ ما أسلوبَ البرهان بالاستقراء الرياضي حيث يُشترَط أن تأخذ الحالتان و إحدى القيمتَين المُمكنتَين فقط. والأمر الذي ربما لا يكون مفهومًا هنا أنه — على غرار أفلام هوليوود — تحوَّل كوهين إلى نظرية المجموعات، واستحدث أساليبه الخاصة في البرهان ونقَّحها، وأثبتَ استقلال فرضية الاتصال، وكان هذا كلُّه في غضون عامٍ واحد.
(١٢٠) م. إ.: انظر الجزأَين ١(د) و٥(ب).
(١٢١) يعدُّ هذا النوع من الاستقلال (الذي يمكن تسميتُه أيضًا «اللاحَسمية») موضوعًا مُهمًّا حقًّا. وأحد أسباب ذلك أنه يوضح أن نتائج جودِل حول عدم الاكتمال (فضلًا عن برهان أيه تشريش لعام ١٩٣٦ أنَّ المنطق الإسنادي من الرتبة الأولى هو أيضًا غير قابل للحسم) لا تصِف فقط احتمالاتٍ نظرية، وأنَّ هناك بالفعل نظريات صحيحة ومُهمَّة في الرياضيات، ولكن لا يمكن إثباتها/نفيها. وهو ما يعني بدوره أنه حتى الرياضيات العامة، المجردة للغاية، والشَّكلية تمامًا، لن تكون قادرة على تمثيل (أو، طبقًا لمُعتقداتك الميتافيزيقية، احتواءِ) كل الحقائق الرياضية في العالَم الواقعي. وتحطيم هذا الاعتقاد القائل بأن التجريد المُطلق = الحقيقة المطلقة هو ما لم تتعافَ منه الرياضيات بعد. ومن غير الواضح بعدُ ما يَعنيه حتى «التعافي» هنا.
(١٢٢) م. إ.: بالإضافة إلى ذلك، في برهان آخر عام ١٩٦٣، استطاع كوهين إثبات أنه حتى إذا أُضيفت مُسلَّمة الاختيار إلى مُسلَّمات «تسيرميلو-فرانكل-سكوليم» الأخرى، فسوف تظلُّ فرضية الاتصال في صورتها العامة غيرَ قابلة للإثبات، وهو ما يُؤكِّد أن مُسلَّمة الاختيار وفرضية الاتصال مُستقلتان أيضًا إحداهما عن الأخرى، وكان لهذا مُجددًا بالِغُ الأثر في عالَم الرياضيات.
(١٢٣) تعني كلمة «تزعُم» هنا أنها تنتهج أسلوبًا تأمُّليًّا بطريقة ماذا-لو. (م. إ.: مقولة غير مُثبتة بخصوص عبارة «وما يُكافئها من موضوعاتٍ مختلفة»: يسرد دبليو شيربينسكي في مقال له بعُنوان «فرضية الاتصال» عام ١٩٣٤ ما يزيد عن ٨٠ فرضية رياضية؛ إما مكافئة لفرضية الاتصال في صورتها العامة، أو تُختَزل إليها.)
(١٢٤) م. إ.: يبدو أن جزءًا كبيرًا من نظرية المجموعات المُعاصرة يتضمَّن نقاشاتٍ حول مفهوم هذه المصطلحات النظرية مع تفسيراتٍ لها.
(١٢٥) م. إ.: مرةً أخرى، يُمكنك أن تستشفَّ في وجهة النظر الشكلية هذه عناصرَ من الحَدسية، التي أبرزها الرغبةُ في استبعاد مبدأ الوسط المستبعَد أو الثالث المرفوع.
(١٢٦) م. إ.: تبدو مقولة إل إي جيه براور عن موضوع الاتساق في مقابل اللاحَسمية في نظرية المجموعات شديدةَ الشبه بمقولة أرسطو «لا يمكن الخلوص من هذه الطريقة إلى شيءٍ ذي قيمة رياضية؛ إذ إنَّ النظرية المختلقة التي لا يستوقفها تناقضٌ هي نظرية زائفة، تمامًا كما أنَّ السياسات الجنائية التي لا تخضع لرقابة مُحكمة تأديبية هي سياسات إجرامية جانحة.»
(١٢٧) م. إ.: لم يكن هيلبرت أيضًا يستطيع الخروج بسهولة. أما براور وراسل، على الجانب الآخر، فقد عاشا سنواتٍ طويلةً وكانا كثيرَي التردُّدِ على النوادي.
(١٢٨) م. إ.: اعتبارًا من اللحظة التي كُتِبَ فيها ذلك، شغل بي جيه كوهين منصب أستاذ العلوم الكَمية في كرسي أستاذية مارجوري مون فير بجامعة ستانفورد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤