برولوج

(يُفتح الستار الأول على حجرة معمل الدكتور آدم. الحجرة جديدة حديثة وأجهزتها تُمثِّل آخر صيحات التكنولوجيا، أجهزة مختلفة معظمها موضوع فوق «بنش» لامع السطح في طرفِه حوض ماء وصنبور مركَّب فيه جهاز شفط. على رفٍّ جانبي ميكروسكوب معقَّد التركيب وأقفاص من السلك بها بعض حيوانات التجارب، مثل الخنزير الغاني، والفئران والأرانب وقرد إن أمكن. على الجدار المُواجه لوحة كبيرة هي صورة للتركيب الداخلي لجزيء حامض «د. ن. أ» وهو أهم مكوِّن لنواة الخلية الحية. هناك مكتب جانبي صغير أنيق ودواليب من الزجاج.)

(آدم شاب في الثلاثين، وسيم جاد، ومن عينَيه يشعُّ ذكاء حاد، يقف أمام طرف لجهاز معقَّد، أمام الطرف الآخر تقف «نارة» مساعِدة المعمل، فتاة من النوع «البويش» في العشرينات، شعرها قصير، وجهها لذيذ، نحيفة القوام، لا تضع أي معدات تجميل، الاثنان يرتديان فوق ملابسهما معطفين أبيضين.)

آدم : كل تلاتين ثانية خُدي قراية.
نارة : أرصد النهاية العظمى والصغرى مع بعض، ولَّا الصغرى بس؟
آدم : أنا امبارح قلت إيه؟
نارة : قلت العظمى.
آدم : خلاص تبقي ترصدي العظمى.
نارة : بس النهاردة الصبح قلت لي الصغرى.
آدم : آه. افتكرت. ارصدي الصغرى، صح.
نارة : أنا بقى ح ارصد الاتنين لأني متأكدة إنك على بعد الضهر ح تكون غيَّرت رأيك.
آدم (راميًا إياها بنظرة جانبية) : ما سمعتيش على الألسنة اللي زي الضوافر لازم كل شوية تتقص.
نارة : وسمعت برضه على الناس اللي ما بيستلطفوش الحق لله في لله.
آدم : كدة؟ طب انتي عارفة الحق، الحق بقى انتي إيه؟
نارة : أنا مساعدة فنية درجة سابعة على سن ورمح.
آدم : جايز، بس انتِ اسمك الحقيقي «لاب بوي» يعني صبي المعمل، ومن هنا ورايح مش ح اقول لك إلا يا صبي.
نارة : كل الأنوثة دي وصبي!
آدم : عندك حق، كل الأنوثة دي لازم لأكبر من صبي، لراجل.
نارة : يا دكتور آدم، ما تحاولش تغيظني، ولا تعقدني … أنا عندي ثقة تامة في نفسي، أنا لما كنت في الكلية كان عشرة بيكتبوا فيَّ شعر، وشعر حديث كمان. إنت بس الوحيد اللي مُصِر، والشمس قدامك مش قادر تفتَّح من نورها، انها مش طالعة، ذنب الشمس إيه؟
آدم : ذنبها إيه صحيح، دا الشمس أنثى.
نارة : طب ما أنا كمان مؤنث.
آدم : فشر، دا انتِ قمر.
نارة : ميرسيه.
آدم : بالمناسبة القمر مذكَّر.
نارة : والله لولا إنك رئيسي لكنت وريتك أنا أنثى ازاي.
آدم : الحمد لله إني رئيسك.

(نارة تفتح فمَها إلى آخره وكأنها تهمُّ بالصراخ، آدم يشير لها بيده أن «خلاص»، فيبقى فمها مفتوحًا دون أن تُصدر صوتًا.)

آدم : ولو فيها رزالة … ممكن تقفليه؟
نارة : اسمع يا دكتور آدم.
آدم (مقاطعًا) : اسمعي انتِ، بعد خمستاشر ثانية بالظبط ح نبتدي، والقراية كل ٣٠ ثانية، الأول العظمى وبعدين الصغرى، عُلم؟!
نارة : عُلم ومخاصماك.
آدم : آدي نتيجة إدخال المرأة في مجالات علمية خطيرة زي دي، ببساطة تيجي لك قبل التجربة، وإيه؟ أنا مخاصماك، والمصيبة إنها جايز تعملها وما تقلشي ع النتايج.
نارة : دلوقتي مين اللي …
آدم (مقاطعًا بلهجة جادة جدًّا) : ١٥، ١٤، ١٣، ١٢، ١١، ١٠، ٩، ٨، ٧، ٦، ٥، ٤، ٣، ٢، ١ ابتدي …

(يضغط على زر، يَصدر عن الجهاز صوت وتصبح له تكة منتظمة.)

نارة : ١٣، ٥.
آدم : مش بطال.
نارة : ٨٨، ١.
آدم : غريبة جدًّا.
نارة : ١٣، ١٠.
آدم : استمري.
نارة : ٢٦، ١٤.
٣، واحد من عشرة.

(يستحيل صوتها إلى غمغمة كمن يُسمِّع جدول الضرب.)

٥، ١٫٥
٩٦، ١٣

٣٨، ٧

٧، ٧

(فجأة يدوِّي صوت غريب، صوت أنثوي عميق جدًّا، لا تكاد تعثر له على قرار، آمرٌ بكل قدرته على الإيحاء، يُحبب إليك ما يطلبه ويجعله سهل التحقيق في نظرك حتى لو كان يطلب أن تَقتل نفسك.)

الصوت : هوووه.
آدم : ا س …
نارة (سادرة في غمغمتها.) : ٧، ٧.
٧، ٧

٧، ٧
الصوت : هوووه (أقرب وأعمق وأشد نفاذًا).

(رغمًا عنه يتوقف آدم عن التطلُّع إلى الجهاز ويرفع رأسه قائلًا بلا وعي.)

آدم : هوووه.

(في الخلفية نارة مستمرة في الرصد وغمغمة الأرقام ٧، ٧.)

الصوت : هوووه … عندك ميعاد في العتبة.
آدم : إيه؟ … أنا … مين؟
الصوت : هوووه … عندك ميعاد في العتبة.

(يظل آدم مذهولًا بعض الوقت، ولكنه لا يَلبث أن ينفضَ رأسه وكأنما يُفيق من حلم يقظة.)

نارة : ٧، ٧.
٧، ٧
آدم (باندهاش) : العظمى سبعة والصغرى سبعة، مش معقول.
نارة : بقى لها كدة سبع قراءات.
آدم : دي ظاهرة غريبة، دا كأن عنصر الزمن توقَّف.
نارة : ١٣، ٢.
آدم : بدأ يتحرَّك.
نارة : ١٥، ٣.
آدم : أحسن.
نارة : ١٢، ٤.

(آدم يُغمغم مستحسنًا.)

نارة : ١٠، ٥.
٧، ٦

٧، ٧
الصوت : هوووه.
آدم (بوجل) : هوووه.
الصوت : عندك ميعاد في العتبة.
نارة (مستمرة) : ٧، ٧.
٧، ٧

٧، ٧

(آدم، كالمنوَّم، يترك «البنش» ويتجه إلى باب الخروج.)

نارة : رايح فين يا دكتور؟ الحق النتيجة عندك.

(لا يرد آدم ويخرج.)

نارة : ٧، ٧.
٧، ٧

٧، ٧

٧، ٧

(تُسمع «تكَّة» ويتوقف الصوت الذي كان يصدر عن الجهاز.)

نارة : باظت التجربة، إيه اللي جراله؟ حتى لو كان عايز يروح التواليت ما كانشي قادر يستنى دقيقة كمان؟ آدي نتيجة إدخال الرجالة مجالات العلم.

(فجأة يدخل آدم وقد تغير تمامًا وعاد إلى طبيعته حيًّا مليئًا بالحياة.)

آدم : آسف يا نارة، أظن لازم نعيدها.
نارة : أنا مستعدة أخسر شهر من عمري وأعرف إيه اللي سيِّبك التجربة.
آدم : حاجة كدة تموِّت م الضحك.
نارة : تسمح تقولها لي.
آدم : حاجة ما تتقالشي، هايفة يعني، أنا نفسي باستغرب ازاي تسيِّبني التجربة وأخرج، ياللا، ياللا، ح نبتدي تاني، استعدي بعد عشر ثواني ح نبتدي، هه: عشرة، ٩، ٨، ٧ …
الصوت : هوووه … بنقول عندك ميعاد في العتبة.

(إلى كائن آخر يتحول آدم، يستدير كالمنوِّم.)

نارة : دكتور آدم، جرى إيه؟ مالك؟ فيه إيه؟ وقفت العدد ليه؟

(ينظر لها وكأنه لم يعد يراها.)

إخص عليك. منظرك يخض. إنت عايز تخضني؟ أنا ابتديت أخاف!

(يستدير بلهفة ثم ينطلق كالسهم خارجًا من الباب.)

(ستار مؤقت)

(على موسيقى الافتتاح تبدأ عناوين المسرحية تظهر معروضة بالفانوس السحري.)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤