الفصل الثالث

النمو المعرفي خارج المنزل

تُوجِّه المعلمةُ في مركز رعاية الأطفال تحيةً ودودةً إلى الأم وتدعوها كي تجلس في المنتصف. تجلس الأم في هدوء وترقب آملةً أن يكون هذا التقرير الأول الخاص بطفلتها إيجابيًّا. تبدأ المعلمة اللقاء بتقرير عام رائع حول التطور الذي تحرزه الطفلة ذات الثلاثة أعوام، فتذكر أن الطفلة تبدو سعيدة ونشطة ومتعاونة مع الآخرين. تشعر الأم بارتياح بالغ! إنها الملاحظات المثالية التي يتمنى أن يسمعها أي أب أو أم. ولكنْ هل هناك شيء آخر؟ نعم؛ إذ إن تركيز الطفلة أقل قليلًا من التركيز اللازم لإنهاء نشاط واحد وهي جالسة إلى الطاولة. تؤكِّد المعلمة للأم أن العديد من الأطفال ذوي الأعوام الثلاثة يحتاجون إلى تشجيع وتدريب على التركيز، وتوضِّح لها الجهود التي يبذلها العاملون مع الطفلة لزيادة نسبة التركيز لديها، وأنهم يلاحظون قدرًا من التحسُّن بالفعل. وتتجاوب الطفلة مع تشجيعهم الرقيق. تسأل الأم عن الطريقة التي يمكن بها أن تساعد طفلتها. تقدِّم المعلمة للأم بعض النصائح، تتضمَّن عدة طرق من شأنها تحفيز تطور عملية التركيز لدى الطفلة من ١٠ إلى ١٥ دقيقة في المنزل. وتختتم كلامها مع الأم بملحوظة إيجابية؛ إذ تخبرها المعلمة مبتسمة: «إنها فتاة رائعة تحب الوجود بالخارج والغناء كذلك. إنها لن تملَّ من اللعب بالخارج طوال اليوم، وعندما تدخل إلى الصف تقوم بالغناء والدندنة أثناء كل نشاط.» فتخرج الأم وقلبها يكاد يطير فرحًا.

استند تأليف هذا السيناريو إلى ثلاث نقاط إيجابية ينبغي مراعاتها؛ أولًا: يعقد العاملون في مركز رعاية الأطفال اجتماعاتٍ منتظمةً مع الوالدَيْن في صورة لقاءات قصيرة تتمحور حول الأطفال. ثانيًا: يناقش المعلمون نقاط القوة وفرص النمو الخاصة بالطفل. ثالثًا: يتحدَّث الوالد بصراحة مع المعلم ويتجاوب معه بصورة تعاونية. وتعني هذه الجوانب الثلاثة لهذا السيناريو أن رفاهية الطفلة ونموَّها هما محور التركيز الأساسي للبالغين. وعندما يعمل جميع البالغين المسئولين عن تطور الأطفال داخل المنزل وخارجه بشكل تعاوني، فهذا من شأنه تيسير نمو الأطفال.

يتعلَّق معيارِي الثاني للصحة النفسية الجيدة بالتركيز على البيئات المتعددة التي يُحفَّز في إطارها النمو المعرفي للأطفال خارج المنزل. يحدث النمو المعرفي للأطفال في الواقع في كل بيئة يتعرَّضون لها؛ ففي الولايات المتحدة، يمرُّ الأطفال بمجموعة متنوعة من المحفِّزات المعرفية والمرتبطة بالرعاية. تتضمَّن المراحل الأولى من الطفولة المبكرة رعايةً من قِبَل أفراد الأسرة والآخرين بداخل المنزل، علاوةً على الرعاية التي يحظى الأطفال بها خارج المنزل من قِبل أفراد خصوصيين أو ممَّن يقدِّمون الرعاية على مستوًى رسمي أكثر داخل مؤسسة أو مركز رعاية مقابل أجر. هذا إضافةً إلى التحفيز المعرفي، الذي تبعث عليه ظواهرُ مثل وسائل الإعلام، ويدخل إلى حياة الطفل بصفة يومية أيضًا.

مع نمو الأطفال، تقع على كواهلهم الأعباء التعليمية؛ مما يعني قضاءهم لعدة ساعات خارج المنزل في بيئة مدرسية، فمعظم الأطفال في الولايات المتحدة يُدرَجون في نظام مدرسي تُشرِّعه أو تُلزم به كل ولاية عند بلوغهم عامهم الخامس أو السادس. وتُعد المكتبات العامة أو المراكز التابعة للأحياء السكنية أو المراكز الترفيهية في المناطق الحضرية وفي الضواحي من الأماكن التي توفِّر فرصًا تعليمية للأطفال الصغار في فترةِ ما بعد الدوام المدرسي أو في فصل الصيف. وتوفِّر أيضًا بعض المناطق الريفية هذا النوع من التجارب بعد الدوام المدرسي أو في المراكز الصيفية. تقدِّم هذه المراكز مناهج مثل القراءة والرسم والسباحة وما إلى ذلك للأطفال الصغار، ويقدِّم العديدُ منها مناهجَ مفصلةً جدًّا في شهور الصيف. كما توفر بعض المنظمات الدينية خدمات رعاية الأطفال وبرامج لفترةِ ما بعد الدوام المدرسي وفي الإجازة الصيفية أيضًا، التي تجمع بين تطوير المهارات والمتعة. تقدم الأحياءُ والتجمعاتُ السكنيةُ بيئاتٍ أخرى للتعلم كما في ساحات اللعب وفي إطار البرامج الرياضية ومنظمات مثل «فتيان الكشافة»، و«فتيات الكشافة»، و«جمعية الشبان المسيحيين».

تتَّسم بعض أشكال التحفيز المعرفي التي تتولد خارج المنزل بأنها واسعة الانتشار إلى حدٍّ كبير؛ إذ تدخل منازل غالبية الأمريكيين، ووسائلُ الإعلام كالتلفاز والأفلام والراديو والإنترنت مثال لذلك. وتمتلك كل هذه المؤثرات القدرة على تحفيز النمو المعرفي الإيجابي للأطفال. سأركز في هذا الفصل على العوامل المحفِّزة للتطور المعرفي لدى الأطفال في مؤسسات رعاية الأطفال وفي البيئة المدرسية الرسمية، فضلًا عن التأثيرات الإعلامية. تُصنع الوسائل الإعلامية خارج المنزل ولكنها تدخل إلى عوالم الأطفال يوميًّا، سواء أكان ذلك في المنزل أم في سياق مؤسسات رعاية الأطفال والبيئات المدرسية الأخرى. وسنتحدث عن دور الآباء بصفتهم الأشخاص البالغين الذين من المرجَّح تولِّيهم رعاية الطفل واتخاذ كافة القرارات المتعلقة بالتجارب التعليمية نيابةً عن الأطفال، إلى جانب دورهم مع المعلمين في فرز القَدْر الهائل من التأثيرات التي يتعرض لها الأطفال. يحتاج الأطفال لأشخاصٍ بالغين مسئولين لرصد فرص التعلُّم العديدة المحتملة التي يمكن أن تؤثر في نموهم وغربلتها؛ إذ قد يثبت أن بعض الفرص لا تساهم في تعزيز نمو الأطفال الصغار. سنحدد بعض التوجيهات المتعلقة بكيفية اتخاذنا قراراتٍ مسئولة عن التحفيز المعرفي للأطفال خارج المنزل، وكيف نعمل جيدًا على انتقاء التأثيرات بشكل عام. يتحمل الأشخاص البالغون في حياة الأطفال مسئولية انتقاء التأثيرات الواردة من البيئة؛ أملًا في أن تساعد هذه الاحتياطاتُ المبكرةُ الأطفالَ على مدار نموِّهم.

تذكَّرْ أننا تناولنا في الفصل الثاني كيفية تحفيز الأشخاص البالغين للتطور المعرفي المبكر لدى الأطفال من خلال الرعاية والاعتناء برفاهيتهم بصفة عامة. وقد تَركَّزتْ تلك المناقشات على تطور الطفل في بيئة المنزل على مدار السنوات الأربعة الأولى. سنتحدث في هذا الفصل عن التأثيرات التي تُلقي بظلالها على النمو المعرفي للأطفال خارج البيئة الأُسَرية، والخيارات التي يتخذها الأشخاص البالغون المسئولون فيما يتعلق بتطورِ الأطفال الناتجِ عن هذه التأثيرات.

(١) الخيارات في مجال رعاية الأطفال

تملك الأُسَر في الولايات المتحدة عددًا من الخيارات فيما يتعلَّق برعاية الأطفال الصغار للغاية قبل التحاقهم بالمدرسة. أثناء نمو الأطفال، تظهر بعض الخيارات مثل التعليم في الطفولة المبكرة من خلال برامجِ ما قبل المدرسة أو رياض الأطفال الحكومية أو الخاصة، وبعد ذلك يبدأ الأطفال في الدخول إلى بيئات مدرسية خاصة أو حكومية لمدة اثني عشر عامًا تقريبًا. لكن على الرغم من اتساع نطاق الفرص المتاحة للرعاية المبكرة للأطفال، وذلك بناءً على ظروف الأسرة، لا تُتاح جميع الخيارات أمام كل أسرة. ويُعد إلقاءُ الضوء على نطاق الخيارات المتاحة في مجال رعاية الأطفال نقطةً جيدةً لبدء المناقشة. تتضمن بدائل رعاية الأطفال:
  • (١)

    التواجد في المنزل مع الآباء أو الأمهات.

  • (٢)

    التواجد في المنزل مع أقارب آخرين أو مع مقدِّمي رعاية يعملون بأجر.

  • (٣)

    التواجد في دار خاصة أو وكالة رسمية أو في مركز لرعاية الأطفال؛ سواء أكان ذلك لبعض الوقت، كما في المراكز المخصصة لرعاية الأطفال الصغار لبضع ساعات يوميًّا، أم طوال الوقت.

  • (٤)

    التواجد في المراكز التابعة للأحياء السكنية، أو الاشتراك في البرامج اليومية التي تنظمها المؤسسات الدينية، أو في الفرق الرياضية الشبابية، أو في منشآت الأندية الاجتماعية.

  • (٥)

    أي توليفة من تلك الخيارات تناسب الأسرة!

لنفحصْ هذه الخيارات؛ بدايةً، على الرغم من تزايد مشاركة الآباء حاليًّا في رعاية الأطفال، مقارنةً بالوضع منذ ثلاثين عامًا في الولايات المتحدة، لا تزال الأمهات يقدِّمْنَ القَدْر الأكبر من الرعاية لأطفالهن، كما أن الأمهات عادةً مَن يتخذْنَ القرارات المتعلقة بالرعاية الخارجية والخيارات التعليمية لأطفالهن. ولكن عندما يشارك جميع الأشخاص البالغين المسئولين عن الأطفال في المنزل في تلك الخيارات المتعلقة برعاية الأطفال وتعليمهم، يتجلَّى التزامٌ واضحٌ نحو تزويد الأطفال الصغار بأفضل الموارد. عندما يجري النظر في قراراتٍ من قبيل ما إذا كان ينبغي أن يستمر كلا الوالدَيْن في وظيفته ذات الدوام الكامل، يجب أن يركز البالغون على هذا السؤال: «كيف يمكن توفير أفضل نموذج لتربية الطفل؟» تذكَّرْ أن الوالدين لهما تأثير هائل في حياة الأطفال؛ حيث ينعكس تأثيرهما الإيجابي على الصحة النفسية للأطفال وعلى مآلهم كأفراد بالغين فعَّالين. ينبغي أن تقوم عملية اتخاذ القرارات على أشخاص بالغين يبذلون الجهد من أجل المساهمة على أفضل نحو في تنمية الأطفال والارتقاء بصحتهم النفسية.

والآن، وبناءً على موقفك تجاه عمل الأم والطفولة المبكرة ورعاية الأطفال، فإن هذه السطور الأخيرة يمكن تأويلها لدعم أية موقف، أيًّا كان. فأي خيار من الخيارات المتعلقة برعاية الأطفال قد يناسب أسرةً بينما لا يناسب أخرى. تُقرِّر كلُّ أسرة الخيارَ الأصلحَ لها واضعةً في الاعتبار هدف تقديم «أفضل نموذج ممكن لتربية الطفل». بالنسبة لبعض الأُسَر التي تضم أبًا وأمًّا، تمثل وظيفتا الأب والأم ضرورة مالية لا يمكن الاستغناء عنها. وفي أُسَر أخرى، يمثل عمل الأم ضرورة لأسباب تتعلق بالاستقلالية المالية أو بالتطور الشخصي للبالغين أو لأهداف متعلقة بالتعلم على مدار الحياة. وبالنسبة لأُسَر أخرى، يمثِّل تولِّي الأم رعاية الأبناء على مدار السنوات الدراسية أفضل نموذج ممكن لتربية الأبناء في ذلك المنزل. وعلى الرغم من عدم سهولة اختزال هذا القرار في صورة قائمة مرجعية، يجب على الأشخاص البالغين في الأسرة تَدبُّر العوامل التي يرون أنها ذات أهمية قصوى للنمو الصحي للأسرة بأكملها، وفي الوقت نفسه توفِّر أفضل نموذج ممكن لتربية الأطفال. في حالة اتخاذ قرار بالبحث عن رعاية خارجية للأطفال، ينبغي مراعاة البدائل المتاحة والعثور على أكثر بيئة إيجابية للأطفال لضمان تطورهم النفسي والبدني المستمر.

ينبغي كذلك مراعاة المتطلبات المالية والأسباب العملية الأخرى أثناء التفكير في القرارات المتعلقة برفاهية الأطفال وتوفير النموذج الأمثل للتنشئة من قِبل البالغين. علاوةً على ذلك، فإن مثل هذه القرارات يُفضَّل أن تناقَش بين الأفراد البالغين عند التفكير في شريك الحياة، وحتى قَبل مناقشة القرارات المتعلقة بالتنشئة. تخرج غالبية النساء في الولايات المتحدة ممن لديهن أطفال صغار إلى العمل، شأنهن شأن غالبية الرجال. ثمة توجيهات، على الأشخاص البالغين — الذين يَرَوْن ضرورة توفير نوع من الرعاية لأطفالهم قبل وصول الأطفال إلى سن الالتحاق بالمدرسة (من خمس إلى ست سنوات) — اتباعُها، وهذه التوجيهات تدعمها ثلاثة عقود على الأقل من البحث في علم النفس؛ بهدف تحديد الرعاية الجيدة للأطفال، وكيفية استغلالها على النحو الأمثل كمنظومة دعم إيجابية للأسرة.

التوجيهات الخاصة برعاية الأطفال

  • (١)

    تَفَحَّصْ قدرات الطفلة، راقبْ مستوى نشاطها وتجاوُبها مع التحفيز. هل يبدو أداؤها الوظيفي مع الأطفال الرُّضع والأطفال الصغار الآخرين كافيًا بدرجة تتيح إمكانية وضْعها في محيط أوسع لرعاية الأطفال؟ استنادًا إلى عمر الطفلة، ما مدى انفتاحها على الآخرين؟ وهل سيكون وضعها في منزل صغير خاص أفضل بالنسبة لها؟

  • (٢)

    ادرُسْ كافة الخيارات الخاصة برعاية الأطفال، وانْتَهِ من هذا الأمر قبل الاحتياج إلى البحث عن بدائل لرعاية الطفلة. ناقِشِ الخيارات مع أفراد بالغين آخرين ممن تعاملوا مع أنماط متعددة لرعاية الأطفال. ابحثْ عن ترشيحات من الأشخاص الذين خاضوا التجربة نفسها. زُرْ مراكز رعاية الأطفال وتَفقَّدِ البيئتين الداخلية والخارجية. اعقِدْ مقابلات مع العاملين المرتقبين في الرعاية الصحية، وابحثْ عن خطابات التزكية أو الأشخاص المستعدِّين لتلقِّي الاتصالات. ابحثْ عن مقدِّمي الرعاية المعتمدين ممن يمكنهم إظهار التراخيص الخاصة بهم إذا طُلب منهم ذلك. راجِعِ المعلومات الخاصة بالتراخيص على مستوى الولاية؛ إما عبر الهاتف أو الإنترنت.

  • (٣)

    حدِّدْ جودة الرعاية، بما في ذلك عدد الأطفال في المكان؛ فسواء أكانت منشأة الرعاية المعتمَدة في منزل خاص أم في مركز كبير، تنص القوانين المعمول بها في كل ولاية على تحديد نسبة عدد الأطفال إلى عدد مقدِّمي الرعاية، والتي تتراوح عادةً بين ثمانية واثني عشر طفلًا في عمرِ ما قبل المدرسة لكلِّ شخص من مقدِّمي الرعاية. وتقلُّ النسبة في رعاية الأطفال الرُّضع عادة؛ بحيث يتولى كلُّ مقدِّمٍ للرعاية مجموعةً تتراوح بين طفلين وأربعة من الأطفال الرُّضع. وجِّهْ أسئلة إلى العاملين عن النِّسب المعمول بها في المركز، وشاهد بنفسك من أجل التحقق من صحة ذلك العدد؛ فإذا كان المنزل أو المركز يعمل بأقصى نسبة مسموح بها، فتَحقَّقْ مما إذا كان الأطفال يلقَوْن الاهتمام والرعاية، وما إذا كان يبدو عليهم النشاط والسعادة، وما إذا كان مقدِّمو الرعاية أنفسهم تبدو عليهم السعادة والهدوء أيضًا. إضافة إلى ذلك، قَيِّمِ الأمور على النحو نفسه في تلك المراكز ذات النِّسب الأقل، وَزُرْ تلك الأماكنَ في أوقات متفرقة من اليوم. على سبيل المثال، تَعرَّفْ على كيفية تعامُل مقدِّمي الرعاية مع مواعيد توصيل الأطفال واصطحابهم في السيارات، ولاحِظِ الحالات المزاجية للأطفال في نهاية اليوم وكيفية مراعاة مقدِّمي الرعاية للأطفال المُنهَكين. اطلُبْ معلوماتٍ عن الدورات التدريبية والخبرات الخاصة بالعاملين. وعلى الرغم من أن الدرجات العلمية أو الشهادات الأكاديمية في مجال رعاية الأطفال لا تضمن أن يتمتع مقدِّم الرعاية بالحكمة والاهتمام الكافي بالأطفال، فإن التدريب والخبرات يسهمان في نجاح موظف رعاية الأطفال.

  • (٤)

    فحص إمكانيات الوالدين. ينبغي وضع الأمور المالية في الاعتبار علاوةً على مراعاة مجموعة من العوامل الأخرى، مثل تقليل عدد الساعات التي يقضيها الأطفال في مراكز الرعاية يوميًّا. وفي بعض الدراسات، يُعد مقدارُ الوقت الذي تقضيه الطفلة في مركز الرعاية أحدَ العوامل المقترنة بالنتائج السلبية التي تُحقِّقُها الطفلة. ورغم ذلك، عادةً ما تقلل الرعايةُ الرفيعةُ المستوى أو تحدُّ من تأثير العوامل السلبية الأخرى المتوقعة، بما في ذلك مقدار الوقت الذي يقضيه الأطفال في مركز الرعاية. تستطيع الأُسَر اتخاذ قرارات لتقليل حجم الرعاية الخارجية المُقدَّمة للأطفال. على سبيل المثال، من الممكن وضع الجداول اليومية لأولياء الأمور؛ بحيث يوضع الأطفال في مراكز الرعاية لسبع ساعات يوميًّا بدلًا من تسع ساعات يوميًّا، وذلك في حالة تعاوُنِ الجميع في إدارة النقل من المركز وإليه، وتميُّزِ ساعات العمل الخاصة بأولياء الأمور ببعض المرونة. وفي حالة تنشئة الأطفال في أُسَرٍ بها كلا الأبوين، فإن مشاركة الآباء في الأمر تَضْمن تطوُّرَ الطفلِ صحيًّا بشكل أفضل بوجه عام، وترابُطًا أُسَريًّا متزايدًا، وتقليلَ الضغوط على الأم فضلًا عن ارتفاع مستوى السعادة لدى الآباء.

  • (٥)

    راقِبْ تطوُّر الأطفال في أيٍّ من أنماط الرعاية. واظِبْ على حضورِ الاجتماعات المحددة المواعيد، والتي تُعقَد بين الوالدَين والمعلمين، ومناقشةِ الأهداف التطورية المتناسبة مع عمر الطفلة. ناقِشِ الوسائل المتعددة للتحفيز المعرفي والاجتماعي والبدني والسياقات التي يوفرها مقدِّمو الرعاية للأطفال. على سبيل المثال، هل يَشْغَل الرسم جزءًا واحدًا من اليوم، أم يمتد لليوم كله؟ وهل يقضي الأطفال جزءًا من اليوم في الخارج؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، فتَعَرَّفْ على الطريقة التي تلبَّى بها متطلبات الأنشطة البدنية للأطفال. ما هي الأطعمة التي تقدَّم للأطفال؟ وكيف تُعد؟ كما تخضع مثل هذه الأمور عادةً لسيطرة الجهات المسئولة عن مَنْح التراخيص على مستوى الولاية، والتي يمكن أن تكون مصادر رائعة للمعلومات لأولياء الأمور؛ أيْ إن الأطفال السعداء الذين يتمتعون بالنشاط وينعمون برعاية راقية المستوى يتطورون بصورة جيدة على صعيدِ تطوُّر المهارة المعرفية والاجتماعية.

باختصار، ينبغي للأشخاص البالغين التأكد من جودةِ الرعاية المقدَّمة للأطفال، والوقتِ الذي يقضونه في مراكز الرعاية، علاوة على الشكل الأمثل للرعاية الذي يتناسب مع ظروف الأطفال وأُسَرهم. كما تُعد عواملُ، مثل التزام الأب نحو الأبناء ووجود أقارب داعمين، جزءًا مهمًّا من الخروج من هذا الموقف المحير الخاص بقرارات رعاية الأطفال ومحصلات التطور اللاحقة. ويمكن أن تساعِد هذه التوجيهاتُ جميعَ الأُسَر في اتخاذ قرارات جيدة متعلقة برعاية الأطفال، بشرط امتلاكها للوسائل المالية التي تَكفُل لها دراسةَ كافَّة البدائل واختيار أفضل مركز لرعاية الأطفال في المنطقة. وللمزيد من التفاصيل والاطلاع على المعلومات المفيدة حَوْل القرارات الخاصة برعاية الأطفال، يرجى الاطلاع على الملاحظات والمواقع الإلكترونية الواردة في نهاية هذا الفصل.

(٢) الجدل الدائر حول عمل الأم

عادةً ما يُثار موضوع عمل الأم بطرق عامة على نحو يبدو كصراع للبحث عن الطرف الذي ينبغي أن يُلقى عليه بلائمة العواقب الوخيمة المختلفة التي يكون الأطفال عرضةً لها. ولاحِظْ عدم التطرق إلى حالة عمل الأب أثناء احتدام هذه المناقشات. في الواقع، ليس هناك أسلوب «مثالي» يمكن أن تتبعه الأُسَر في تربية أبنائها، ولكن الأمر يتعلق بالسعي لاتباع «أفضل نموذج ممكن للتنشئة»؛ فالنتائج الجيدة على صعيد الصحة النفسية تتطلب وجود أفراد بالغين مهتمين للغاية بتنشئة أبنائهم.

هل توجد اختلافات بارزة بين الأطفال الذين يَنشئون في رعاية الأم فقط في المنزل، وبين الأطفال الذين تتولى أطرافٌ أخرى رعايتَهم أو لا يحظون برعاية الأم؟ يبدو هذا موضوعًا معقدًا؛ نظرًا لمدى تنوُّع العوامل المهمة الأخرى بتنوع تطبيق نموذج رعاية الأطفال. على سبيل المثال، تتميز الأُسَر التي يوجد بها أشخاص بالغون متعلمون ممن يتعاملون مع مراكز لرعاية الأطفال بمهاراتٍ تربويةٍ أفضل من الأُسَر التي تختار الاعتماد على الأم فقط في رعاية الأطفال، ومن المرجح أنه كلما زاد مستوى تعليم الأشخاص البالغين في الأسرة، ازداد علمهم بالتنشئة الجيدة، سواء من خلال خبراتهم التعليمية أو من خلال المتخصصين في مجال رعاية الأطفال ممن يعلمونهم مهارات التربية. وربما تختار الأُسَر ذات الدخولِ الماديَّةِ الأقلِّ في أغلب الأحوال رعاية أطفالها في المنزل؛ نظرًا لعدم قدرتها ماليًّا على تلبية التزامات الرعاية الخارجية. إن التعليم والدخل من العوامل غير المفهومة جيدًا؛ حيث إنهما يتفاوتان فيما بينهما. تتمثل الإجابة الموجزة في أن الأطفال في مؤسسات الرعاية الرسمية يحظون بمحفزات معرفية واجتماعية أكثر، ويكون لديهم استعداد أكبر للدراسة مقارنة بالأطفال الذين ينشئون في ظل رعاية الأم فقط (انظر نتورك ٢٠٠٦).

رغم ذلك، كَشَفَ عدد قليل من الدراسات إلى نتيجةٍ تفيد بتزايد السلوك الاجتماعي السلبي لدى الأطفال الذين يُنَشَّئون في مؤسسات رعاية الأطفال، مقارنةً بالأطفال الذين يُنَشَّئون في المنزل فقط (نتورك ٢٠٠٦). لا يبدو هذا الأمر مفاجئًا تمامًا من الناحية المنطقية. تَجْمع مؤسساتُ رعاية الأطفال عادةً بين مجموعة متنوعة من الأطفال، على الأقل من ناحية تنوُّع البيئات الأسرية والقواعد السلوكية. تُعد الدُّمى والأشياء التحفيزية الأخرى مِلكية مشتركة؛ ومن ثَمَّ فإن وقت اللعب يَعني عادة تعلُّم مهارات التفاوض. إن عدد الأطفال الذين يلعبون معًا في محيط الرعاية الرسمية يتيح مزيدًا من فرص الخلاف مقارنةً بالأطفال الذين يتمتعون برعاية أمهاتهم. إن تقديم الرعاية بواسطة مؤسسات الرعاية الرسمية أو بواسطة الأم فقط له قيمته للأسرة. ولكنَّ الجدل الدائر حول عمل الأم يُعدُّ لغوًا فارغًا؛ لأن معظم الأسر في الولايات المتحدة تحتاج إلى مؤسسات رعاية الأطفال. وما يجب أن نتجادل بشأنه هو كيفية توفير الدعم الأمثل للأُسَر بصفة عامة، وتعزيز أفضل نموذج للتربية، والتصرف وفقًا للأبحاث المتوفرة لدينا.

(٣) متطلبات رعاية الأطفال والتعليم المبكر في الولايات المتحدة

شَكَّلَت دايان إف هالبيرن — الرئيسة السابقة للجمعية الأمريكية لعلم النفس — فريقَ عملٍ في عام ٢٠٠٤م تَابِعًا للجمعية؛ بهدف دراسة الدليل البحثي المتعلق بالصلة بين العمل والأسرة وتأثيرها على الأُسَر الأمريكية (انظر هالبيرن ٢٠٠٥). وقد اكتشف فريق العمل أن الخصائص السكانية المتغيرة، إضافةً إلى التغيُّر الثقافي والاجتماعي على مدار فترةٍ امتدت لثلاثة أجيال، أدَّت إلى وجود اختلاف شديد بين الحياة اليومية للأُسَر التي تعيش في مطلع القرن الحادي والعشرين والأُسَر التي عاشت في الفترات السابقة؛ حيث تَزايَد عدد السيدات العاملات، وتَزايَد عدد الأطفال الملتحقين بمؤسسات رعاية الأطفال، مقارنةً بالوضع في خمسينيات القرن العشرين. كان الوضع السائد أن غالبية الأُسَر الأمريكية في مطلع القرن الحادي والعشرين تتضمن أمَّهات عاملات ممن يذهب أطفالهن إلى مراكز الرعاية. وقد اكتشف فريق العمل حقيقتين مهمتين ترتبطان بشكل وثيق بهذه المناقشة حول الصلة بين عمل الأبوين ورعاية الطفل والعواقب المعرفية عند الأطفال. بعبارة بسيطة، اتفق أفرادُ فريقِ العمل التابع للجمعية الأمريكية لعلم النفس بشدة على أن الفقر هو أكثر العوامل التي تَضر بالتطور المعرفي للأطفال. كما ذكروا أن عمل الوالدين لا يمثل أي خطورة على ما يحققه الأطفال فيما بعد، ولكنهم اكتشفوا أن العجز عن إيجاد بدائل لرعاية الأطفال يُمثِّل مشكلة كبيرة للأسر. علاوةً على ذلك، لا تتوفر غالبية البدائل الخاصة برعاية الأطفال أمام الأُسَر التي تُضطر إلى اختيار إلحاق أبنائها بمراكز رعاية الأطفال بناءً على التكلفة المنخفضة فقط.

إن «فقراءَ الطبقة العاملة» أو الأُسَر التي يعمل بها شخص أو شخصان بالغان في وظيفتين أو أكثر من الوظائف ذات «الأجور المتدنية»؛ لا تتوفر لديهم العديد من الخيارات الخاصة برعاية الأطفال، علاوةً على أن هذه الأُسَر ليست مؤهلة للحصول على الدعم الحكومي الخاص برعاية الأطفال. وعادةً ما يجب على الأُسَر ذات الدخل المتدني الاعتمادُ على مراكز الرعاية المنخفضة المستوى، التي يعمل بها معلمون منهكون واقعون تحت ضغوط، ولا تُوفِّر محفزاتٍ كافيةً للأطفال وغير ذلك من الأمور الأخرى. يحقق الأطفالُ الذين يحظَوْن برعاية منخفضة المستوى نتائجَ سيئةً. وتُعد الولايات المتحدة الدولة الوحيدة من بين دول الغرب الصناعية التي لا يُطبَّق بها نظام دعم رعاية الأطفال على الجميع، علاوة على عدم وجود تشريعات بمنح إجازات رعاية مدفوعة الأجر للأم أو للأب بعد ولادة الطفل. ويشير العديد من علماء النفس إلى أن رعاية الأطفال في الولايات المتحدة تمثل الأزمة الكبرى التي تواجه الأُسَر والمجتمع الأمريكي بوجه عام.

تُشكِّل الأُسَر التي تُعيلها الأمُ فقط نسبةً كبيرةً من الأُسَر ذات الدخل المنخفض التي لديها خيارات قليلة لرعاية الأطفال. ماذا عن التطور المعرفي لدى هؤلاء الأطفال الذين ينشئون في أُسَر تعيلها الأم فقط؟ على الرغم من أن نتائجهم تتفاوت مثل بقية الأطفال في الأنماط الأُسَرية الأخرى، فإن تطورهم أيضًا يتعرض عادة للعديد من المخاطر. لِنُلْقِ نظرةً على هؤلاء الأطفال لإدراك الصلة بين الآباء والأمهات العاملين والأُسَر وبين السياسة العامة.

ينشأ قُرابة ٣٣٪ من إجمالي الأطفال في الولايات المتحدة في أُسَر يُعيلها الأب أو الأم فقط، وتُشكِّل الأمهات نسبة ٩٥٪ من هذه الأُسَر (هالبيرن ٢٠٠٥). لا تَحْصل الأغلبية من بين هؤلاء الأطفال على الاهتمام أو الإنفاق من جانب الأب؛ حيث يعيش معظمهم في فقر مدقع. تُعيق البيئاتُ الفقيرةُ التطورَ المعرفيَّ لدى الأطفال وتُعرِّضهم بقوةٍ لمخاطر التسرُّب من التعليم والسلوكيات الإجرامية لاحقًا. وعندما تحاول الأمهاتُ المُعيلاتُ اللاتي تَلقَّينَ سابقًا إعانات فيدرالية ومحلية الاستغناءَ عن الدعم الحكومي، فإن قدراتهنَّ وسجلاتهنَّ المهنية غالبًا ما تؤدي إلى حصولهنَّ على أقل الوظائف أجورًا، وعادةً ما تكون بدون تأمين صحي أو دعم لرعاية الأطفال؛ ومن ثَمَّ تنضم هذه الأمهات إلى عِداد فقراء الطبقة العاملة، إن جاز التعبير. أَضِفْ إلى هذه العوامل افتقادَ الخيارات الخاصة برعاية الأطفال، وخاصةً عندما يُصاب الأطفال بأمراض، ونلاحظ المعدلات المرتفعة للسيدات اللائي يعاودن الحصول على الدعم الحكومي. على الرغم من ذلك، يمثل مشروعُ «البداية المبكرة» أحدَ برامج رعاية الأطفال التي حققت نجاحًا هائلًا على صعيد التحفيز المعرفي والاجتماعي للأطفال الفقراء.

يوفر مشروعُ «البداية المبكرة» بيئةً ثريةً تُقدم رعاية مجانية لأطفال الأُسَر الفقيرة، والتي تعيلها أم عزباء في الغالب. تتولى الحكومة الفيدرالية تمويل هذه البرامج في الأحياء ذات الدخول المتدنية. وعلى الرغم من أن بعض المراكز التابعة لمشروع «البداية المبكرة» لا تتميز بالجودة العالية، فإن المراكز المتميزة بالفعل توفر الرعاية المطلوبة ومهارات الاستعداد التعليمي لأطفال الأُسَر ذات الدخول المنخفضة. وعندما يتمكن الأطفال الصغار من الالتحاق برياض الأطفال وهم يمتلكون مهارات معرفية (مثل القدرة على التعرف على الحروف والأعداد) ومهارات اجتماعية (مثل أخذ الأدوار بالتتابع والبقاء على المقعد لفترات زمنية قصيرة)؛ يحقق الأطفال نتائج معرفية إيجابية. ويُرجَّح أن يستكمل هؤلاء الأطفالُ المرحلةَ الثانويةَ، ويميلوا إلى تأجيل الزواج والإنجاب وتجنُّب السلوك الإجرامي والتميُّز بفاعلية أكبر، مقارنةً بالأطفال الذين يفتقدون هذه المهارات لدى بدئهم في التعليم المدرسي الرسمي (هالبيرن ٢٠٠٥). يُطلَق عادةً على مثل هذه البيئات الثرية المُحفِّزة للأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين عامين وخمسة أعوام «التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة». وعندما يصل الأطفال إلى أربع سنوات تقريبًا، يُطلَق عادةً على هذه البيئات «مرحلة ما قبل المدرسة»، أو «مرحلة ما قبل رياض الأطفال».

لا تختلف مراكز التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة عن بعض مراكز رعاية الأطفال، وفي أغلب الأحوال لا تُعَد إلا استكمالًا على نحو نظامي أكثر للمهارات المكتسَبة في البيئة المماثلة لمركز رعاية الأطفال الذين يبلغون عامًا واحدًا أو عامين. وبالنسبة للتطور الصحي للمهارة المعرفية للأطفال، تُقدِّم مراكزُ التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة ومراكزُ مرحلةِ ما قبلَ المدرسة إسهاماتٍ هائلةً للأُسَر. أما الأُسَر التي يمكنها تحمُّل مصروفات مراكز التعليم المتميزة في مرحلة الطفولة المبكرة، فمن المؤكد أنها ستُحقق فوائد هائلة. رغم ذلك، يتحتم على الأطفال الفقراء — وفيهم مَن يُدرجون في عداد فقراء الطبقة العاملة — في أغلب الأحوال الاعتمادُ على أقارب لهم آخرين من ناحية الرعاية، أو على مراكزِ رعاية الأطفال ذاتِ المستوى المتدني. وقد ذَكَرَ عالِم الاقتصاد الشهير جيه جيه هيكمان أن مسئولية المجتمع تتجسد في تعزيز رفاهية رأس ماله البشري، ويُعد حقُّ جميع المواطنين في الالتحاق بالمراكز الجيدة لمرحلةِ ما قبل المدرسة الطريقةَ المُثلى لتعزيز رفاهية رأس المال البشري هذا. كما يَرى عالم الاقتصاد هذا، الحائز على جائزة نوبل، أنَّ دعْم تطور الأطفال سيضمن في النهاية استغلال قدرات رأس المال البشري لصالح المجتمع (انظر كارنيرو وهيكمان ٢٠٠٣). انظر إلى هذه البيانات الصادرة عن وزارة التعليم الأمريكية في عام ٢٠٠٣م:

إن الْتحاق أطفال الأُسَر ذات الدخول المتدنية بمراكزِ رعاية الأطفال ومراكزِ التعليم ما قبل المدرسي الرفيعةِ المستوى؛ يؤدي إلى الحد مِن وضعهم في البرامج التعليمية الخاصة وإعادة الدورات الدراسية نتيجة للرسوب بنسبة ٥٠٪ مقارنة بالمجموعة الضابطة، وذلك بوصولهم إلى عامهم الخامس عشر؛ وعند بلوغهم العام الحادي والعشرين، يلتحق ما يزيد عن ضِعف النسبة بالكليات التي تستمر فيها الدراسة لأربع سنوات؛ مما يقلل من أعداد الآباء المراهقين بنسبة ٤٤٪ (دينارسكي وآخرون ٢٠٠٣: ٣).

يرتبط التطور المعرفي للأطفال ارتباطًا وثيقًا بمستقبلهم ومستقبل أولادهم بعد ذلك. وتُعد البيئات الخارجية لرعاية الطفل والتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة من العوامل المساهمة بقوة في الصحة العامة للأطفال. ويجب على الأشخاص البالغين المسئولين عن الصحة النفسية الجيدة للأطفال دراسةُ جميع العوامل عند اتخاذ قرارات متعلقة برعاية الأطفال، إضافةً إلى العوامل الأخرى التي تدعم الأسرة بهدف تقديم أفضل نموذج لتربية الأبناء. وسواءٌ أحظي الأطفال بإعداد جيد لمرحلة التعليم الرسمي أم لا، يجب على الجميع الالتحاقُ بهذا النوع من التعليم كما تفرض السلطات التشريعية للولايات في الولايات المتحدة.

لِننتقلِ الآن إلى تأثير البيئة المدرسية الرسمية على الأطفال والأُسَر.

(٤) إنها ابتدائية يا عزيزي واطسون

فَسَّر شيرلوك هولمز قدراتِه الفذةَ في الاستدلال لصديقه الدكتور واطسون باستخدام العبارة المُعَنوَن بها هذا الجزء، وقد قصد هولمز بهذا أن استدلالاته كانت مبسطة ويَسهل فهْمُها وإدراكها من الوهلة الأولى، وهذا هو التعريف الذي نجده في المعاجم لكلمة «ابتدائي». وعلى الرغم من أننا جميعًا كنا سنأمل أن تَعني سنواتُ الدراسة الابتدائية تراكمَ المهارات التي يدركها جميع الأطفال من الوهلة الأولى، فإننا نَعلم أن هذا الأمر لا ينطبق على كافة الأطفال. على الرغم من ذلك، يتحمل الأشخاص البالغون في حياة الأطفال مسئولية البحث عما يتوافق على النحو الأمثل مع استعداد الأطفال للمدرسة والخبرة المدرسية والنتائج بشكل عام.

إن التحفيز المعرفي والاجتماعي الجيد في المنزل وفي مراكز رعاية الأطفال يرسِّخ العديد من العناصر الأساسية للتطور اللاحق لدى الأطفال. سيحقِّق الأطفالُ ممن لديهم خبرات قوية عن المهارات التعليمية الخاصة بمرحلة الطفولة المبكرة نجاحًا في المدرسة؛ فالأطفال المُهيَّئون للتعامل مع موضوعات القراءة والمسائل الحسابية بتركيزٍ وبسلوكٍ لائقٍ اجتماعيًّا، سيكونون من ألمع الطلاب في الصف الدراسي. ولِسوء الحظ، إن التزام مجتمعنا بتطوير هذه المهارات المرتبطة بالاستعداد المدرسي مُتَرَدٍّ مقارنةً بالمستوى المطلوب، وهو ما يؤكده افتقار فرص التعليم ما قبل المدرسي في الولايات المتحدة؛ ويعني هذا الافتقارُ إلى سياسة عامة متسقة أن أداء بعض الأطفال سيَتَّسم بالسوء مع بدء الدراسة الرسمية. غالبًا ما يكون معلمو المرحلة الابتدائية المُكلَّفون بتعليم الأطفال الصغار أولَ أفراد بالغين في حياة الطفل يقومون بوضع أساس التطور المعرفي لهؤلاء الأطفال؛ فالأطفال الذين ليس لديهم خبرة في مرحلةِ ما قبل الدراسة يبدءون المدرسة وَهُم يعانون شيئًا من القصور.

تعرضت المدارس الحكومية بالأحياء لانتقادات واسعة من العديد من الأطراف على مدار العشرين عامًا الأخيرة. ينقسم السياسيون حول كيفية دعم المدارس الحكومية في الولايات المتحدة؛ إذ ينادي البعض بالمزيد من الدعم المالي، وينادي آخرون بتطبيق أنظمة القسائم التعليمية التي تتيح للأطفال المقيمين في مناطق ذات مدارس فقيرة الالتحاقَ بمدرسة من اختيار أُسَرهم، بما في ذلك المدارس الخاصة. وفي ظل استمرار هذا الجدل، يحظى الأطفال في الولايات المتحدة بأقلَّ مما يستحقونه؛ فتطورهم لا يدعمه الأفراد البالغون المسئولون عن مستقبلهم. يمتلك علماء النفس والتربويون البياناتِ التي توضِّح سُبل دعم الأطفال والمدارس، ولا يمكن تحقيق أي تقدُّم في هذا الشأن إلا عندما يتقرر الجمع بين هذه السُّبل وبين جهود حكومات الولايات والحكومة الفيدرالية. علاوةً على ذلك، يوجد في الولايات المتحدة مدارس تحقِّق النجاح رغم القيود التي يضعها المجتمع على كاهلها.

(٥) الثقافة المدرسية الفعالة

إن الاعتقاد السائد في الولايات المتحدة هو أن كل الأطفال يستحقون التعليم كأحد الحقوق الأساسية؛ فنحن نُصْدر تشريعات خاصة بالتعليم، ولكننا نقدِّم غالبًا دعمًا زائفًا فحسب فيما يخص حق الوصول المتكافئ إلى البيئات التعليمية الجيدة. ونحن نوفر التعليم في جميع الولايات الخمسين، ولكن بمستوياتِ جودةٍ ونجاحٍ متفاوتة. أجرى جيمس كومر، الطبيب النفسي والأستاذ بجامعة ييل، دراسةً على المدارس في المناطق الحضرية، ثم صاغ ثقافة مدرسية تتجسد في تخطيطٍ تعاونيٍّ يتضمن كافة الأطراف المعنية. يدعم هذه الأفكار سنوات من البحث عن سبل الارتقاء بالمدارس بصفة عامة. لِتُلقِ نظرة على بعض أفكار كومر الجوهرية:
  • (١)

    التركيز على تطوير الطفل. يجب أن يكون البالغون المسئولون عن تعليم الأطفال على دراية بالمهارات البدنية والنفسية الضرورية لتطور الأطفال.

  • (٢)

    التركيز على تطوير فريق العاملين بالمدرسة؛ حيث إن الإداريين والمعلِّمين والمستشارين المُدرَّبين جيدًا والمتعاونين يستطيعون تهيئة البيئات المُثلى للأطفال.

  • (٣)

    التركيز على تطوير المجتمع. تحقيق التواصل بين فريق العاملين في المدارس والآباء والأمهات والأطراف الأخرى في المجتمع (مثل أمناء المكتبات والعاملين في مجال رعاية الأطفال وغيرهم)؛ بحيث تتمكن جميع الفئات من العمل جنبًا إلى جنب بهدف تطوير مدارس ناجحة.

  • (٤)

    الالتزام من قِبل جميع الأشخاص البالغين المعنيين من شأنه تعزيز السلوكيات الجديرة بالثقة والمدفوعة بهدف محدَّد لدى الأطفال. (راجع الملاحظات الختامية الواردة في هذا الفصل عن الأسئلة التي يجب التفكير بها عند تقييم الخيارات المدرسية.)

إن ما يقترحه كومر (٢٠٠٤) يعكس مفهوم مسئولية البالغين نحو الأطفال الذي نوقِشَ بالفعل. كما أنه يُعد أحدَ أشدِّ المؤيدين لضرورة تعزيز علاقة بين جميع الأفراد البالغين المسئولين عن الطفل. فعندما يفي المتخصصون في التعليم باحتياجات الأطفال التطورية، وذلك بالتعاون مع الآباء والأمهات والأفراد البالغين الآخرين في المجتمع، يتعزز نمو الأطفال. يلاحِظ الأطفالُ هذا الالتزامَ والتعاونَ البنَّاءَ بين الأفراد البالغين ويستجيبون من خلال سلوكياتهم الإيجابية، وهذا هو نموذج المدرسة الحكومية الذي يتمناه جميع الأفراد البالغين في الولايات المتحدة لأطفالهم، وهو أمر يسيرٌ يمكن تحقيقه. في الواقع، جرى تطبيق أفكار كومر في أكثر من ٦٠٠ مدرسة في الولايات المتحدة، وتحققت نتائج إيجابية.

عندما يضع الأشخاص البالغون المسئولون معايير مرتفعة لأنفسهم ولأطفالهم مع تطبيق إجراءات مساءلة لكلٍّ من البالغين والأطفال، سيعود ذلك بالنفع على أطفالنا. وهذا لا يعني أن الحلول «البسيطة» لإصلاح المدارس مثل الاختبارات القياسية هي الحل، بل على النقيض تمامًا. يمكن تحقيق المساءلة الشخصية والعامة من خلال قياس مؤشرات النمو لدى كل طفل، مع التركيز على الحفاظ على استمرار الأطفال في المدرسة من خلال تعريفهم بميزة الدراسة على مدار الحياة وفوائدها. تعزِّز الجهودُ التعاونيةُ الجيدةُ التي يبذلها كافة الأشخاص البالغين المسئولين عن الأطفال العلاقاتِ الإيجابيةَ بين المعلمين والأطفال في الصف الدراسي. ينجح المعلمون الذين يشعرون أنهم تَلَقَّوا مستوًى تعليميًّا جيدًا ونالوا دعمًا جيدًا في إطار جهودهم لتهيئة بيئة دراسية قائمة على العلاقات التعاونية في مهمتهم. وبمقدور جميع الأطفال الملتحقين بفصول هؤلاء المعلمين تحقيق النجاح، ومع مرور كل عام دراسي يصبحون مفكرين أفضل يتمتعون بالوعي والثقافة.

من المؤكد أن هناك سؤالًا قد يثار حول القدرة الفكرية لجميع الطلاب على تحقيق النجاح الدراسي، حتى ولو كان ذلك في «مدرسة فعالة». وسيقول منتقدو منهج المساواة هذا إن موضوع القدرة على التعلم لا ينطبق على الأطفال كافة. على الرغم من أننا نعلم أن بعض الأطفال قد يبدءون التعليم المدرسي بقدرات عقلية ربما تُصنَّف داخل نطاق التخلف، فإن هذا الأمر لا ينطبق على غالبية الشباب في الولايات المتحدة. وعادةً ما نجد لدينا مجموعات من الأطفال ممن يجري تصنيفهم بأنهم يتعذر تعليمهم نظرًا لافتقادهم للسلوكيات والميول التي تنُمُّ عن الاستعداد للدراسة. وسواء أكان هذا الميل متأصلًا في النفس أو لا إراديًّا، فإن له تأثيرًا بالغًا على الآلاف من الأطفال. وقد أُجريَتْ أبحاث على معايير التفوق الخاصة بجميع الأطفال إلى جانب المفهوم الذي يُطلق عليه «تهديد الصورة النمطية» من قِبل اثنين من أبرز العلماء المتخصصين في علم النفس الاجتماعي في الولايات المتحدة؛ كلود ستيل وجوشوا أرنسون (١٩٩٥)، وكلاهما من الخبراء في مجال التوقُّع والأداء.

(٦) الالتحاق بالمدرسة والتهديد المرتبط بالتنميط

في تسعينيات القرن العشرين، بدأ كلود ستيل وزملاؤه دراسة مجموعات من الطلاب لم يكن أداؤهم جيدًا في الفصل، ولكنهم رغم ذلك يتمتعون بقدرة فكرية فائقة. ركَّز ستيل عمله في البداية على الطالبات اللاتي كُنَّ يحاوِلْنَ أن يطْرُقْنَ مجالاتٍ هَيْمَنَ عليها الطلابُ الذكورُ في السابق مثل الهندسة، والطلاب الزنوج الذين كانوا يلتحقون بجامعاتٍ ذات تنافسية عالية. وقد اكتشف أنه عندما شعر الطلاب بتهديد وضعهم في الصور النمطية بأنهم أشخاص لا يمتلكون المهارات اللازمة للدخول في بيئات جديدة، رسب الطلاب أو انسحبوا لإنقاذ ما تبقَّى من تقديرهم الذاتي. كانت تهديدات الصورة النمطية هذه واسعة الانتشار.

ثمة مثال يرتبط كثيرًا بهذه المناقشة ويتعلق بالممارسة التي اتبعتها إحدى الجامعات الكبرى من إدراج الطلبة الزنوج المستجدين بالجامعة في دورة تقوية في إطار تأهيلهم للدراسة في الكلية. ويتعارض هذا النمط من التوقعات مع توصية جيمس كومر الخاصة بتطبيق معايير عالية على جميع الطلبة ومساندتهم في جهودهم. وقد حقق هؤلاء الطلبة المستجدون بالجامعة معدلات مرتفعة في الاختبارات القياسية في المدرسة الثانوية، وكان أداؤهم مثار إعجاب قبل التحاقهم بالجامعة. وقد شرع ستيل في تقديم نصيحة متعقلة مستمدة من أبحاثه.

إذا كان هدف التعليم يتمثل في تعزيز التعلم للجميع، فمن غير المُجدي التمييزُ بين الطلاب؛ إذ إن مثل هذا الإقصاء يساعد في ترسيخ الصورة النمطية لهؤلاء الطلبة. فإذا كان بعض الطلبة المستجدين بالكليات لديهم صعوبات انتقالية تحتاج إلى التعامل معها، فعلى الجامعة تقديم «دورات تدريبية لرفع القدرات» أو «مساعدات انتقالية» لجميع الطلبة المستجدين. وبهذه الطريقة، يُتاح لجميع الطلبة خيار الاستفادة من هذا المنهج، ولا تُصنَّف مجموعة واحدة من الطلبة بأنها بحاجة إلى تقوية المهارات. طبق جوشوا أرنسون (٢٠٠٢) هذه النتائج على مدارس ابتدائية وثانوية علاوةً على مخاطبة تهديد الصورة النمطية في هذه الأُطر أيضًا.

يرى جوشوا أرنسون أنَّ نَقْل التوقعات العالية بالنجاح للجميع يُعد أحد الأركان الجوهرية التي لا غنى عنها في عملية التعلم في الفصل المدرسي. ويتفق أرنسون مع جيمس كومر وكلود ستيل في أن هذا المعيار يُطوَّر ويُنقَل من خلال العلاقات الاجتماعية الطيبة بين المعلمين والطلبة. إن التطور المعرفي مسعًى اجتماعيٌّ، كما أن الإدراك نفسه يتميز بالمرونة الشديدة. وباستطاعة الأشخاص البالغين المتعاونين إيجاد أساليب هادفة تتيح لكافة الطلبة إمكانية التطور من الناحية المعرفية وتحقيق النجاح المدرسي. على الرغم من ذلك، عندما تَظهر أمور مثل الارتياب والصورة النمطية والممارسات الإقصائية في الصف الدراسي، لا يستطيع الأطفال التعلُّم. كذلك تنتقل توقعات الأشخاص البالغين، إيجابيةً كانت أو سلبيةً، إلى الأطفال الذين يستجيبون إما على نحو متبادل أو ينسحبون بصورة كاملة.

(٧) الحد من التحامل

يُعزَّز التطور المعرفي والتفوق الدراسي لدى جميع الطلبة عندما يركز الأشخاص البالغون المهتمُّون بالمدارس الناجحة على العديد من العوامل النفسية؛ إذ تسهم عوامل مثل الذكاء والتقدير الذاتي والاندماج وتقليل التحامل في النتائج المعرفية للأطفال في المحيط المدرسي؛ الأمر الذي يعزز الصحة النفسية الجيدة. وقد حدد خبراءُ مثل جيمس كومر طُرُقَ تخطيط مدرسة فعَّالة وتطبيقها، ولكن يُلاحَظ أن الكثرةَ من مدارسنا في الولايات المتحدة تسعى جاهدة لتوفير نظامٍ تعليميٍّ خالٍ من التحامل وملائمٍ للاندماج. على سبيل المثال، تفشل نسبة كبيرة من أبناء الأقليات العرقية في إنهاء مرحلة التعليم الثانوي مقارنة بالأطفال ذوي الأصول القوقازية (سانتروك ٢٠٠٧). وعلى الرغم من مساهمة عدة عوامل مثل الفقر في الوصول إلى هذه النتيجة، يمكن أن تكون مدارسنا ملاذًا متينًا يترعرع فيه جميع الأطفال. سيستمر الأطفال المنتمون إلى أقليات عرقية في المدرسة في حالة تعزيز العلاقات بينهم وبين جميع الأشخاص البالغين الذين يتعاملون معهم ممن يأملون أن يحقق الأطفالُ النجاح.

يتزايد تنوُّع الخلفيات والخبرات بين صفوف المعلمين في الولايات المتحدة، ولكن تظل الغالبية منهم من أصول قوقازية. كما يبدي غالبية المعلِّمين التزامًا بمساعدة جميع الأطفال في تطوير مهارات معرفية واجتماعية جيدة، ويأملون في فعل ذلك دون تحامل. يحتاج المعلمون ذوو الخلفيات المتنوعة إلى تدريب في التعددية الثقافية سعيًا لتطوُّرهم مهنيًّا؛ الأمر الذي سيُترجَم إلى نجاح مدرسي للأطفال. توفر الجهاتُ التي تقدم هذا النوع من المناهج دوراتٍ تدريبيةً على التعددية الثقافية، ولكن لا تقوم مناطق تعليمية عديدة بتدريب العاملين بها من المستوى الأعلى إلى الأدنى، والعكس بالعكس؛ بحيث يستفيدون من التدريب على نحو فعال. يجب أن يتحلَّى الموظفون الإداريون بحسِّ التعددية الثقافية الذي ينتظرون أن يُظهره المعلمون لديهم، وينبغي أن تنطوي الرؤية الشاملة الخاصة للمعلمين على توقُّعٍ بأن جميع الطلبة لديهم ميول للتعلم عندما يَصِلون إلى بيئة المدرسة. ويجب أن تلتزم المجتمعات ككلٍّ بالعمل معًا بهدف رفع مستوى المدارس؛ إذ يتطلب الأمر متابعة خلال فترةِ ما بعد الدوام المدرسي، علاوة على تحفيز الطلبة من خلال المكتبات والجهات الأخرى التي تركِّز على الطفل؛ وذلك لضمان عدم تعرُّض الطلبة الذين لم يحظوا بالتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة للتأثيرات السلبية المحيطة. وينبغي أن يكون هدفُ المجتمعات بأكملها البحثَ عن سبل التواصل مع كل طالب. ومثلما ذكر أرنسون، يستند النمو المعرفي إلى العلاقات الاجتماعية ويتميز بالمرونة الشديدة. وتستطيع المدارس بالتعاون مع الأشخاص البالغين الآخرين في المجتمع تحفيز النمو المعرفي الإيجابي لدى جميع الأطفال؛ حيث يجري تعزيز عملية الاندماج والآراء المنادية بالمساواة بين كافة البشر، وهذا بمنزلة جوهر الإصلاح المدرسي.

(٨) الاستعداد للخطوة التالية

يتعلم الأطفالُ في سنواتهم الأولى في المدارس مهاراتٍ معقدةً على مدار فترة زمنية قصيرة إلى حدٍّ ما، وعلى الرغم من أن سنواتهم الابتدائية تتراوح عادةً بين ست سنوات وسبعٍ فقط من حياتهم، يتطور نموهم المعرفي من مرحلة التعرف المبدئي على الحروف والأرقام إلى قدرتهم على التعامل معها لِفَهم العالم من حولهم. وعندما يصل الأطفال إلى الصف الثالث الابتدائي، فإنهم يجيدون مهارات التفكير المركَّب، مثل القراءة وحل المسائل الحسابية. وعندما يبلغ الأطفال الحادية عشرة أو الثانية عشرة، فإنهم يكونون على استعداد للتعامل مع العمليات الأكثر تعقيدًا للكلمات والأعداد التي تتضمن «الأفكار المجردة» و«ما وراء المعرفة». يعني مصطلحُ «الأفكار المجردة» التفكيرَ في الكلمات والأعداد بصورة افتراضية، حتى في المستقبل، ويشير مصطلحُ «ما وراء المعرفة» إلى التفكير في عملية التفكير ذاتها. سيساعدنا المثالان التاليان في إدراك معنى هذين المصطلحين.

عندما تفكر طفلة في حل مسألة حسابية، فإنها تفكر في الطرق المحتملة اللازمة لحل المعادلة، ومع تطور الطفلة، يمكنها التفكير في بعض الطرق في عقلها دون الحاجة إلى تدوينها كتابةً على الورق، ومن المرجَّح أنها ستفكر في العديد من البدائل لحل المسألة واختيار أحدها. يُعد هذا أحد أمثلة التفكير المجرد. وقد تبدأ الطفلة نفسها في حل المسألة الحسابية ولكنها تفشل، وبعد بضع دقائق، قد تقول لنفسها: «لقد قمتُ بحل هذه المسائل سابقًا دون صعوبة كبيرة، ولكنني أستغرق وقتًا طويلًا بالفعل في حل هذه المسألة تحديدًا، تُرى هل ثمة سبب لتَشَتُّتِ تركيزي، أم أنني استغرقت في التفكير في هذه المسألة أكثر من اللازم؟» تحاول هذه الطفلة تدبُّر أسلوبها في حل المشكلات؛ أي إنها تفكر في أسلوب التفكير، ومن المرجح أن تساعدها مهاراتُ «ما وراء المعرفة» في اتخاذ قرارٍ ما ينبغي لها فعله كخطوة تالية. تبدو أسس هذه المهارات جديدة بالنسبة للطفلة التي على وشك إنهاء المرحلة الابتدائية، ومع دخولها المحيط الأوسع نطاقًا للمدرسة الإعدادية، ستستمر مثل هذه المهارات في التطوُّر.

(٩) المرحلة الإعدادية

عندما يكون الأطفال مستعدين للالتحاق بالمدرسة الإعدادية، التي يُطلق عليها «المرحلة المتوسطة»، فإن قدرتهم الناشئة على استخدام الأفكار المجردة تساعدهم في التركيز على أكثر من مسألة وحل في وقت واحد، ومن شأن هذه القدرة المتزايدة أيضًا المساهمةُ في تعزيز علاقاتهم الاجتماعية. على سبيل المثال، تزداد قدرة الأطفال في هذه المرحلة على التفكير في وجهة نظر الآخر. وبحلول سن الثانية عشرة، تكون هذه التغييرات النوعية في ذاكرة الأطفال قد بدأت ويصاحبها اكتسابُهم مهاراتٍ جديدةً تساعدهم في تنظيم المعلومات واستذكارها. ويعني تزايد مهارات الذاكرة والقدرة على رؤية الموضوع من زاويتين مختلفتين أن التفكير النقدي لدى الأطفال يتطور. وعلى الرغم من أن هذه المهارات ليست متطورة بالدرجة التي ستكون عليها عندما يتخرج الأطفال في المدرسة الثانوية، فإن بوادر هذه المهارات الجديدة تتجلى بوضوح.

وبحلول العام الثاني عشر تقريبًا، من المتوقع أن يتمتع الأطفال بقَدْر أعلى من الاستقلالية عن المعلمين والوالدين فيما يتعلق بنموهم المعرفي، مقارنةً بمستوى الاستقلالية المتوقع منهم أثناء سنوات الدراسة الابتدائية. يتبع المعلِّمون في المدارس الإعدادية أسلوبًا ينطوي على قَدْر أكبر من الاستقلالية في الدراسة، وذلك في صورة واجبات مدرسية أو مشروعات يترقبون تنفيذها في محيط المنزل نظير الحصول على درجات في المدرسة. وكالعادة، يحقق الأطفال الذين ينشئون في بيئاتٍ منزليةٍ داعمةٍ النجاحَ في المدرسة. إن التواصل بين الأشخاص البالغين العاملين في المدارس وبين الآباء يُعد أحد أهم جوانب مسئولية الأشخاص البالغين تجاه الأطفال على مدار هذه السنوات. ويحظى العاملون في المدارس الذين يسعون إلى التعاون مع الآباء والأمهات بطلاب أكثر تفوقًا. وعلى الرغم من أن هذه السمات قد تكون واضحة في إطار المدرسة الابتدائية، فإنها تظل مهمة أيضًا مع تطور الأطفال أثناء سنوات المراهقة.

يجب أن يبحث مقدِّمو الرعاية البالغون الذين يجدون معلمين وإداريين ودودين في المدرسة الابتدائية عن الروح التعاونية والاهتمام أنفسهما لدى العاملين في المدارس الإعدادية والثانوية. يشهد انتقالُ الأطفال إلى سنوات المدرسة الإعدادية مرورَهم ببعض الأمور المعقدة التي ينبغي التعامل معها، علاوة على استمرار حاجتهم إلى مؤازرة البالغين لتحقيق النجاح. ويُعد النمو البدني للأطفال أحد العوامل التي تسهم في هذا التعقيد إضافة إلى التغيرات المقترنة بمرحلة البلوغ التي تؤثر في التطور المعرفي.

(١٠) التغيرات البيولوجية والبيئية

في الولايات المتحدة، نطلب من الأطفال الانتقال إلى بيئات مدرسية جديدة في الوقت الذي تتغير فيه أجسادهم نحو اكتساب القدرة على التكاثر. في الفترة بين المرحلتين الابتدائية والإعدادية، من المنتظر أن يمر الأطفال بعدة تغيرات كبيرة وسريعة. ومثلما أشرنا سابقًا، من المتوقع أن يُظهر الأطفال مهارات أكثر فيما يتعلق بتزايد مستوى الاستقلالية على صعيد التعلُّم. عادةً ما تكون بيئة المدرسة الإعدادية أكبر، وبها أعداد أكثر من الطلبة، مقارنة بالمدرسة الابتدائية؛ ولذلك ثمة أشياء كثيرة متوقعة من الأطفال على صعيد العلاقات الاجتماعية؛ فالأطفال غالبًا يجب أن يتعلموا كيفية العمل مع ما يتراوح بين سبعة مُعلِّمين وثمانية على مدار اليوم بدلًا من مُعلمَيْن أو ثلاثة عادة في المرحلة الابتدائية. وتعني هذه التغيرات التي تحدث داخل الحجرة الدراسية أيضًا أن أنماط علاقة الأقران يُرجح أن تتغير من ساعة لأخرى على مدار اليوم. تحتاج أنماط التفكير الجديدة والمعارف الكثيرة الجديدة التي يكتسبها الطفل إلى التعامل معها ودمجها في المخزون المعرفي للطفل لتحقيق النجاح في المدرسة الإعدادية. وفوق هذا وذاك، هناك زيادة في نشاط الغدة النخامية والنشاط الهرموني، ومع ذلك ماذا أعددنا لهذه المرحلة؟ إنها لمرحلةٌ انتقاليةٌ شديدةُ التعقيد للعديد من الأطفال، ولحُسن الحظ، يتكيف غالبية الأطفال مع جميع هذه التغيرات بمساعدة الأشخاص البالغين المتعاونين.

تعني التغيُّرات الجسدية أسئلة جديدة لدى الأطفال الذين تبلغ أعمارهم نحو اثني عشر عامًا؛ فقد يشعر الأطفال أنهم يَبدون كالحمقى أو قُبَحاء على مدار فترة النمو البدني، ويفكر الأطفال في كيفية تأثير التغيرات التي تطرأ على مظهرهم في علاقاتهم، وما إذا كان الآخرون يرونهم ذوي جاذبية ويفضلون صحبتهم. نادرًا ما يفكر الأطفال الصغار في مثل هذه الأسئلة؛ نظرًا لمحدودية تفكيرهم في وجهات نظر الآخرين، ولكن الطفل في مقتبل مرحلة البلوغ المبكر لديه عالَم أكثر تعقيدًا للتفكير به، وقد تطرأ تغيرات في أجساد الأطفال وتغيرات في توقعاتهم وتغيرات في البيئات بشكل مفاجئ على ما يبدو.

لحسن الحظ، ينجح غالبية الأطفال في تجاوز هذه التغيرات التي قد تسفر عن نتائج سيئة، ويتحول تأثُّرهم المفرط بالنقد إلى قدرةٍ على تحقيق النجاح من خلال قدرتهم الخاصة على الاحتمال ومهاراتهم علاوةً على مؤازرة المعلمين والوالدين. كما يُعد الأقران أحد العناصر المهمة للغاية في هذه المعادلة (سنركز على هذه النقطة في الفصل الخامس). وفي الواقع، إن قدر التركيز الإعلامي على الأطفال شديدي التأثر بالنقد، الذين لا يحققون النجاح ونتائجُهم سيئة، يعطي انطباعًا مضلِّلًا؛ إذ ينجح غالبية الأطفال في تجاوز سنوات المراهقة بمساعدة الأشخاص البالغين الداعمين، فكيف أصبحنا نَصبُّ تركيزنا على النتائج السيئة التي يحققها قرابة ١٥٪ تقريبًا من شبابنا؟ إن هذا التركيز جاء نتيجةً لعوامل عدة. تذكَّرْ أن علم النفس كمنهج سعى بداية للحد من تأثيرات الأمراض الاجتماعية، بما في ذلك النتائج السيئة التي يحققها الأطفال، وهذا أمر جدير بالثناء، ولكننا أغفلنا دراسة الأطفال الذين يتمتعون بقدرة على التكيف على مدار عقود، فالإعلام عادة ما يتناول النتائج السيئة التي يحققها الأطفال كأخبار جديرة بالتغطية أو تجذب الانتباه؛ فدور وسائل الإعلام في نهاية المطاف يتمثل في إبلاغنا بجميع الأخبار على اختلافها. وربما يكون علماء النفس قد فشلوا في تعريف العامة أن غالبية الأطفال ينجحون في المدرسة وأنهم لا ينتهكون القانون. وأيًّا كانت العوامل التي أسهمت في مفهوم عامة الناس عن المراهقين، فإننا أخفقنا في نقل الصورة الكاملة لتجارب المراهقين.

عندما يعمم الأفرادُ البالغون النتائجَ السيئةَ التي يحققها بضعة مراهقين ممن يحظون بتركيز إعلامي كبير على جميع المراهقين، فإننا بذلك لا نغفل فقط حق الغالبية العظمى من المراهقين ممن ينجحون في تجاوز هذه المرحلة بالفعل، بل إننا نحط من قدْر المراهقين ممن يحتاجون أكثر إلى أشخاص بالغين مؤازرين ومتعاونين. عادةً ما نَصِف المراهقين الذين يواجهون تحديات جمَّة بأنهم غير أسوياء بالفطرة. ثمة أمر مهم أتمنى أن يَعِيَه الجميع جيدًا: لا يولد أيٌّ من أبنائنا «مجرمًا بالفطرة»، ولا تولد أيٌّ من بناتنا أنانيةً ومتكبرةً بالفطرة. إن أطفالنا يتبعون نماذج الأشخاص الذين نختلط بهم على المستوى الاجتماعي، ويجب أن يتأكد الأشخاص البالغون المسئولون عن المراهقين أن السنوات التي نُمضيها في تيسير النمو المعرفي والاجتماعي لدى الأطفال لن تذهب هباءً؛ فالدروس المبكرة التي يتعلمها الأطفال لا ينسونها، حتى إذا تعين علينا الحرص على إبراز بعض الدروس المهمة من آن لآخر أثناء تعاملنا معهم، وهو ما يؤكده جميع الآباء والمعلمين الذين يتعاملون مع المراهقين؛ فالأطفال يحتاجون تحفيزًا إيجابيًّا ومؤازرة من قِبَل مقدِّمي الرعاية البالغين. وهناك عامل آخر أثبت جدواه في تحقيق نتائج معرفية جيدة في كلٍّ من المدرسة والمنزل؛ ألا وهو الأنشطة اللامنهجية.

(١١) الأنشطة اللامنهجية

رغم إدراك مسئولي المدارس لهذا الأمر منذ عقود، لدينا حاليًّا بيانات توضح أن الأنشطة المرتبطة بالوقت غير الدراسي في المدرسة تُعد دلالات على النجاح الدراسي للأطفال (جيلمان، مايرز، بيريز ٢٠٠٤)؛ فالأطفال الذين يشتركون في أنشطة مثل الفنون الجميلة أو الألعاب الرياضية يتميزون بأداء معرفي أفضل، مقارنةً بزملائهم ممن لا يمارسون تلك الأنشطة. علاوة على ذلك، تسهم أنشطة «المنتديات»، مثل منتديات محبي الرياضيات أو اللغات الأجنبية أو الشطرنج، في تحقيق الفوائد نفسها؛ فما السبب في ذلك؟ لِمَ يحقق الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول في المدرسة معدلات نجاح أعلى بشكل عام؟ استنادًا إلى نتائج الأبحاث النفسية، ثمة مؤشرات توضح لنا كيفية إسهام الأنشطة اللامنهجية في تحقيق النتائج الإيجابية، وهي ليست مفاجِئة على الإطلاق.

يحقق الأطفال المداومون على ممارسة الأنشطة اللامنهجية نتائج إيجابية نظرًا لعدة أسباب، فما الذي يعزز هذا الاهتمام؟

  • (١)

    يريد الآباء أن يتطور أطفالهم على النحو الأمثل قدر الإمكان.

  • (٢)

    يحتاج الآباء العاملون إلى توفير رعاية لأطفالهم قبل الدوام المدرسي أو بعده.

  • (٣)

    يتمنى أعضاء هيئة التدريس في المدارس أن يتطور الطلبة بشكل متكامل قدر الإمكان.

  • (٤)

    يسهم نجاح العاملين في المدرسة في مستقبلهم المهني ونجاح المدرسة. إن وجود فرقة موسيقية أو فرق ناجحة وسعيدة يساعد في الارتقاء بالمستقبل المهني للمعلمين، علاوةً على زيادة اعتزاز المعلمين والطلبة بالمدرسة.

  • (٥)

    يستمتع الأطفال بالوجود مع أقرانهم.

  • (٦)

    يستفيد الأطفال من تطوير العلاقات مع المعلمين خارج الفصل الدراسي.

  • (٧)

    يتطور مستوى بعض الأطفال مع ممارسة الأنشطة البدنية أو الفنون الجميلة أو الأجواء التنافسية بصفة عامة.

  • (٨)

    يتعاون الأشخاص البالغون بعضهم مع بعض لإنجاح البرنامج الخاص بالأنشطة اللامنهجية.

  • (٩)

    ينظر الأطفال إلى تعاون البالغين كنموذج للسلوك التعاوني مع أقرانهم ومع البالغين.

  • (١٠)

    تتعزز المجتمعات ككلٍّ من خلال المدارس الناجحة.

تعزِّز الأفكارُ المذكورةُ اهتمامَ الأطفال بالأنشطة اللامنهجية، والأسس التي بُنيت عليها هذه الأفكار منطقية؛ فعلى الرغم من أن بعض الأطفال لن يطوروا مهارة لا منهجية إلى درجة الوصول إلى الاحترافية في الموسيقى أو الرياضة، فإن المتعة المجردة التي تتحقق من تكوين العلاقات وفَهْم الذَّات في بيئات داعمة تقع «خارج» إطار خبرات الفصل المدرسي، شيءٌ ثمينٌ. نرى أشخاصًا بالغين جديرين بالثقة يعملون معًا للارتقاء بالنمو العام للأطفال، بما في ذلك صحتهم النفسية الجيدة. تقترن هذه الأنشطة بتعزيز قدرات الأطفال وبتحقيق نتائج إيجابية.

رغم ذلك، لا يحظى بعض الأطفال بفرص لممارسة الأنشطة اللامنهجية، كذلك لا يكتسب جميع الأطفال ممن حَظُوا بتلك الفرص تجارب إيجابية، وهنا يجب على الأشخاص البالغين المسئولين عن الأطفال مراقبة هذه الاحتمالات أيضًا.

لا يحظى جميع الأطفال بأُسَر يمكنها دعم اهتماماتهم بالأنشطة اللامنهجية ماليًّا؛ فقد تكون الآلات الموسيقية باهظة الثمن، وقد تمثل الانتقالات من المدرسة وإليها غاية المشقة، وما إلى ذلك. ويجب أن يضع البالغون المسئولون عن الأطفال في اعتبارهم سبل دعم مشاركة جميع الأطفال في الحياة المدرسية خارج الفصل الدراسي وداخله؛ ولذلك، من ناحية الآلات الموسيقية باهظة الثمن، يجب دراسة سبل توفير المدارس للآلات الموسيقية المستعملة لهؤلاء الأطفال الذين لا يملكون الإمكانيات المادية لشراء الآلات الجديدة. في حين أن بعض المناطق التعليمية لا تضع مثل هذا النوع من الدعم ضمن ميزانياتها، هناك مناطق تعليمية أخرى تضعه بندًا في الميزانية. وعادة لا توفر المناطق التعليمية دعمًا للانتقالات للأطفال الذين يمارسون الأنشطة اللامنهجية؛ إذ لا تكفي الميزانيات المحدودة المخصصة لها لتغطية هذه الأنشطة «الخارجية». تمثل هذه التحديات فرصة أخرى لجميع البالغين للعمل معًا لمعالجة المشكلات المرتبطة بمشاركة الأطفال في الأنشطة اللامنهجية؛ إذ يمكن أن يتكاتف الآباء والمعلمون والشركاء الآخرون في المجتمع للتباحث في أفكار تهدف إلى تذليل العقبات التي تعترض سبيل الأنشطة اللامنهجية، بما في ذلك اشتراك الجيران بعضهم مع بعض في نقل الأطفال بسياراتهم وغير ذلك؛ بهدف مساعدة الأطفال في اختبار مجموعة من المحفزات المعرفية والاجتماعية والبدنية.

بعض الأطفال الأوفر حظًّا ممن تتسنى لهم المشاركة في الأنشطة اللامنهجية لا يحصلون على خبرات إيجابية؛ فالبعض منهم قد يجد نفسه مجبرًا على التفوق في أنشطة لا يتحمس لها بسبب نجاح الأسرة سابقًا في مجال بعينه (كأن يكون الأب عازفَ بيانو ماهرًا أو تكون الأم قد حصلت على بطولات في كرة السلة، وما إلى ذلك). كما يُتوقع أن يشترك أطفال آخرون في أنشطة كثيرة جدًّا في وقت واحد؛ الأمر الذي قد يصيبهم بالإنهاك. وعلى الرغم من عدم إجراء أبحاث كافية في موضوع «المغالاة في الانخراط» في الأنشطة اللامنهجية، فإن حُسن التمييز ومراقبة مستويات التحصيل المدرسي والنشاط والاهتمام يجب أن يساعد الأشخاص البالغين في تحديد قدر الأنشطة الذي يسهم في تعزيز النمو العام للأطفال. يمكن أيضًا أن يشارك الأطفال في أنشطة لا منهجية تضم مجموعات الأقران ممن هم معرَّضون لمخاطر إدمان الكحوليات أو تعاطي المخدرات (إيندرسن وأولويس ٢٠٠٥)، فإذا كانت إحدى المجموعات التي تمارِس أنشطة لا منهجية تشتهر في المدرسة بممارسة سلوك خطر، ينبغي للأشخاص البالغين الذين يراقبون الأطفال أن يدركوا هذا، وأن يتخذوا الخطوات الكفيلة بالحد من المشكلة. وقد تُسْفر مجموعات الأقران عن تأثيرات إيجابية أو سلبية، سنتطرق إلى هذا الأمر على نحو أكثر تفصيلًا في الفصل الخامس.

ويجب أن يراعي البالغون الداعمون للأنشطة اللامنهجية أن الأطفال كافة يحظون بفرصة للمشاركة، وأن جهودهم محل اهتمام وتقدير، وتطورهم العام محل تشجيع. تَحدُث عملية بناء العلاقات عندما يتعاون الأطفال كفريق لتحقيق هدف مشترك. ثمة بِضع ملاحظاتٍ على الأشخاص البالغين وَضْعُها في الاعتبار عند تقييم البرامج اللامنهجية المتاحة؛ على سبيل المثال: سواء اشترك الطفل في مجموعات الفنون الجميلة أو مجموعات فرق الكرة، كيف يجري التعامل مع مشاركة كل طفل على حدة؟ هل يضع البالغون المسئولون عن البرامج في الأذهان نتائج جيدة مرجوة على صعيد الصحة النفسية عند تعليم الأطفال أو تدريبهم؟ كيف يجري التعامل مع حالات الإخفاق؟ المعروف أن تحقيق نتائج سيئة في مسابقة موسيقية أو خسارة فريق الكرة في الملعب يَحْمل دروسًا وعِبرًا يتعلمها الأطفال. إن أسلوب تعامل الأشخاص البالغين المسئولين مع هذه المهام الشاقة لا تقتصر فوائده على أنه يرسي نماذج سلوكية الأطفال، ولكنه يمكن أن يسهم أيضًا في تدعيم الصحة النفسية العامة للأطفال. يتعزز نمو الأطفال عندما يتنبَّه جميع الأشخاص البالغين المسئولين عن الأطفال إلى ظهور جانب آخر من جوانب النمو الإيجابي جنبًا إلى جنب مع تطوُّر مهارات النشاط اللامنهجي الذي يمارسه الطفل. في غالب الأمر يمكن نقل المهارات المرتبطة بالأنشطة اللامنهجية في المدرسة الإعدادية إلى بيئة المدرسة الثانوية؛ إذ يمكن أن تلعب هذه المهارات دورًا كسبيلٍ انتقاليٍّ للأطفال المقبلين على بيئة أخرى أكبر في الكثير من المناطق التعليمية. وفي أغلب الأحيان تستمر علاقات الأقران التي تكوَّنت في سياق الأنشطة اللامنهجية، بل وتساعد في تيسير الانتقال إلى المدرسة الثانوية أيضًا.

(١٢) المدرسة الثانوية

يختلف التطور المعرفي للأبناء في المدرسة الثانوية تمامًا عن تطورهم في السنوات الدراسية الأولى في المدارس الابتدائية. تتميز الكثرة من المدارس الثانوية في الولايات المتحدة بضخامتها وتشبه حرم الكليات الصغيرة، ويُطلَق على هذه المدارس حرفيًّا «المدارس الثانوية المقامة على طراز حرم الجامعات»؛ للإشارة إلى مساحتها الواسعة والأعداد الكبيرة للطلبة الملتحقين بها. بعض المدن أو الضواحي لا تضم مثل تلك المدارس الثانوية الضخمة، وهو الأمر الذي يشكل معيارًا آخر للتقييم يجب أن يراعيه البالغون المسئولون عن الأطفال أثناء تفكيرهم في مكان الإقامة وطرق توفير أفضل تجارب مدرسية للأبناء. على سبيل المثال، في حالة إدراك المناطق التعليمية الكبيرة في الضواحي أن أعداد الطلبة بها ضخمة، كيف يمكنها مساعدة الطلبة في تحقيق الكفاءة المعرفية وبناء العلاقات في مثل هذه البيئة؟

تكتسب استراتيجياتٌ مثل «فِرق المعلمين» أو «مجموعات التعلُّم الصغيرة» شعبيةً في الولايات المتحدة حاليًّا؛ فالمعلمون في مختلف المجالات المعرفية عندما يتواصلون معًا يتسنى لهم التعرف أكثر على مجموعات الطلبة في صفوفهم؛ على سبيل المثال، يمكن أن يتواصل معلم الرياضيات الخاص بطالبٍ ما مع معلم العلوم للطالب نفسه لمقارنة الملاحظات الرامية للتوصل إلى الأسلوب الأمثل لتحفيزه أو التعامل معه؛ فعندما يُتاح للمعلمين العملُ كفريق متماسك، يتسنى حينها للمدارس الثانوية الكبيرة أن تسهم بصورة إيجابية في تطور الأبناء المعرفي والاجتماعي.

تشير عبارة «مجموعات التعلُّم الصغيرة» إلى قدرة الطلبة على اختيار مجال محل اهتمام، وتجريب هذا المجال على مدار عام كامل أو أكثر في المدرسة الثانوية. وعادةً ما تحدِّد هيئةُ التدريس في المدارس المجموعاتِ أو الاختياراتِ المُقدَّمةَ للطلبة. يُرجح أن يختار الطلبةُ المهتمون بمجال الطب مثلًا كمهنة محتملة مجموعةَ تعلُّمٍ ذاتَ صلة بذلك المجال. وعلى ما يبدو فإن الطلبة الذين يختارون مسارًا محددًا في مجموعات التعلُّم سيتشاركون الاهتمامات نفسها، ويدعمون بعضهم بعضًا، ويختارون معلمين لديهم اهتمامٌ شديدٌ في تلك المجالات بعينها أيضًا. يتولى المعلمون المشاركون في مجموعات التعلُّم هذه تصميم مناهج تتمحور حول اهتمامات طلابهم واهتماماتهم الشخصيَّة؛ على سبيل المثال، تشترط معظم المدارس الثانوية أن يَدْرس الطلبةُ مقرراتٍ علميةً متعددةً تُحسب لهم كساعات معتمدة عند التخرج. ومن المرجح أن يُنْصح الطلبة الذين يختارون مجال الطب كمجموعة تعلُّمٍ بالالتحاق بإحدى دورات المواد العلمية، مثل التشريح والفسيولوجيا، بدلًا من دراسةٍ مقدَّمةٍ لهندسة الحاسبات مثلًا. وقد ثبتت فاعلية استراتيجيات مثل فِرق المعلمين أو مجموعات التعلُّم الصغيرة لدى هيئة التدريس في المدارس في تعزيز التطور المعرفي لأعداد كبيرة من الطلبة.

وبينما يُحدِّد الأشخاص البالغون سُبل دعم الأبناء في البيئات المتنوعة للمدارس الثانوية، فإن الالتزام ببناء العلاقات ووضع توقُّعات عالية لجميع الأبناء من شأنه مساعدتهم في تجاوز سنوات المراهقة المتأخرة؛ فالأبناء الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة يمكنهم الانتقال من بيئة المنزل إلى السياقات الأوسع للعمل أو الجامعة بأساس متين. وسيستمر التطور المعرفي خارج المنزل مع انتقال الأبناء نحو مرحلة البلوغ.

يشير عنوان هذا الفصل إلى تعلُّم الأبناء في بيئات خارج نطاق المنزل. مع ذلك، وكما وعدتكم، أودُّ فحص تأثيرٍ واحد على الأبناء يتولد خارج المنزل، ولكنه يدخل إلى منازلنا ومدارسنا ومنشآتنا الخاصة برعاية الأطفال وأماكن العمل بصورة دائمة؛ ألا وهو الإعلام.

(١٣) الإعلام وتأثيره في الأبناء ومساعي البالغين لانتقاء التأثيرات

يشير مصطلح الإعلام إلى كافة أشكال التواصل العامة التي تهدف إلى نقل الأنباء أو تقديم التسلية؛ ومن ثَمَّ قد يكون الإعلام في صورة مطبوعة أو مرئية أو مسموعة. قد تسفر وسائل الإعلام عن تأثيرات إيجابية أو سلبية أو غير مهمة أو مضلِّلة إلى حدٍّ بعيد، ويمكن أن يعمل البالغون المسئولون عن الأطفال على غربلة هذه التأثيرات بحيث تتعزز الصحة النفسية للأطفال. أحد نماذج وسائل الإعلام الواسعة الانتشار للغاية في الولايات المتحدة هو البرامج التليفزيونية.

في أواخر ستينيات القرن العشرين، خضعت البرامج التليفزيونية المُقدَّمة للأطفال في الولايات المتحدة للمراجعة عندما قرر مجموعة من الأشخاص البالغين الناشطين مراقبةَ ما كان يُعرض للأطفال، والمناداةَ بإتاحة المزيد من فرص التعلُّم من خلال البرامج التليفزيونية، وبهذا ظهرت برامج مثل «عالم سمسم» و«تليفزيون الأطفال». لا يستطيع العديد من الأطفال الأمريكيين في القرن الحادي والعشرين أن ينكروا أنهم يعرفون شخصيات مثل «كيرميت» و«ميس بيجي» و«بيج بيرد» و«إلمو» و«إيرني»؛ فقد أحدثت الشخصياتُ التي جسَّدها الممثلون في البرامجِ والعرائسُ المتحركةُ ثورةً في عالم برامج الأطفال؛ إذ صوَّرت قصصًا عن القراءة أو الأعداد أو عن صفات الصديق في إطار الرعاية والتنشئة، جنبًا إلى جنب مع قدر كبير من الفكاهة المستمَدة من الكلمات والفنون المرئية والموسيقى والرقص. وفي الوقت الذي قد نعتبر فيه أن «عالم سمسم» يُعد البرنامج الرائد الذي سبق برنامجَي «مغامرات دورا» و«بلوز كلوز» العصريَّيْن، فإن غالبية البرامج التليفزيونية اليوم لا تهدف إلى التعليم، أو ليست مناسبة للأطفال؛ فالبرامج ذات المحتوى الثري، التي تعلِّم الأطفال بالفعل، قليلةٌ للغاية، ويقتصر عرضها في محطات التليفزيون العامة، بدلًا من عرضها في محطات التليفزيون ودور العرض السينمائية الهادفة للربح وما شابهها. وقد زادت البرامج التعليمية والترفيهية المخصصة للأطفال على مدار العقدين السابقين بحيث تتخصص الآن بضع شبكات تليفزيونية في بث برامج الأطفال فقط، هذا أمر سارٌّ للأطفال ومقدِّمي الرعاية البالغين، ولكن لا يزال يتعين على البالغين تحديد تأثيرات غالبية البرامج الإعلامية التي يتعرض لها الناس بكثرة (سميث ودونرشتاين ١٩٩٨).

إن الأشخاص البالغين الذين يحددون تأثيرات وسائل الإعلام على الأطفال يُسدُون للمجتمع بأكمله خدمة جليلة. إن المسئولين الإعلاميين أنفسهم يقولون إن ما ينتجونه من برامج لا يناسب الأطفال على الدوام، وإن مسئولية مراقبة البرامج الإعلامية تقع على عاتق الأفراد البالغين في حياة الأطفال. لا يوفِّر التليفزيون أو الفيديو أو الكمبيوتر الرعايةَ المناسبةَ للأطفال؛ بل لا يستطيع توفيرَها سوى الأفراد البالغين الذين يراقبون التأثيرات الإعلامية ويحددونها للأطفال الذين في كنفهم. ويمكن استغلال جميع الوسائل الإعلامية لتعزيز نمو الأطفال والارتقاء بصحتهم النفسية الجيدة، وهناك العديد من الوسائل الكفيلة بمساعدة الأشخاص البالغين المنوطة بهم مراقبة التأثيرات الإعلامية والتصرف إزاءها.

وسائل البالغين لتحديد التأثيرات الإعلامية

  • (١)

    استعِنْ بالإعلام المناسب لأعمار الأطفال لعرض الأنشطة التعليمية والترفيهية بصورة معتدلة.

  • (٢)

    انتبِهْ دائمًا إلى وسائل الإعلام المتاحة في حضور الأطفال، بغضِّ النظر عن المحيط، واحرصْ على مراعاة المحتوى وتساءلْ عن مدى إيجابية التأثير، وأَجْرِ هذه المناقشات في حضور الأطفال.

  • (٣)

    غيِّر البرنامج الإعلامي محل الاعتراض أو غيْر المناسب لعمر الطفلة التي تشاهده، أو انقُلِ الطفلة بعيدًا عن ذلك المحيط.

  • (٤)

    عليك تفسير هذا السلوك للطفلة؛ فإذا عُرض البرنامج بالفعل وكانت الصور أو الأصوات مزعجة للطفلة، فناقشْ ذلك. على سبيل المثال، إذا عُرضت مَشاهد عنف على شاشة التليفزيون أمام طفلة في سنِّ ما قبل المدرسة، فقمْ بإصدار عبارات تعكس ردَّ فعل الطفلة إزاء هذه اللقطات والمعنى الذي يمكن استنتاجه من اللقطات، قلْ مثلًا: «إن هذه اللقطات مزعجة للغاية وتُسبب لي الضيق، هل تريدين التحدث عنها؟ يجب أن يتعلم الناس كيفية التعاون بعضهم مع بعض ليسعدَ الجميع. لِنشاهدْ شيئًا يُظهر سبلًا للتعايش معًا.» وبناءً على عمر الطفلة، قد لا يكون مثل هذا الحوار ممكنًا، ولكن يمكن أن يقوم الأشخاص البالغون ببناء ردود أفعالهم بما يتناسب مع البرنامج الذي يُبَثُّ ومستوى المهارات المعرفية للطفلة.

  • (٥)

    يجب أن تكون نموذجًا للمتلقي المطَّلع؛ فالبالغون الذين ينتقون التحفيز الإعلامي المناسب يقدمون للأبناء نموذجًا يُقتدى به في سلوكياتهم، وينطوي ذلك على تحفيزٍ لهم بأن ينتقوا لأنفسهم التأثيرات الإيجابية فيما بعد. وبحلول العام الثالث أو الرابع، إذا نطقت الطفلة عبارةً مِن قبيل «إن هذه المناظر تخيفني، من فضلك أطفئ الجهاز»، فإن البالغين يكونون بهذا قد نجحوا في أداء المهمة.

قد تكون هذه النصائحُ القليلة ذاتَ أهمية بالغة في إطار محاولة البالغين انتقاء تأثيرات الوسائل الإعلامية، وقد تَحْدث المواقف نفسها مع أجهزة الكمبيوتر والأفلام السينمائية، وحتى الصحفِ أو الكتبِ التي يَختار الأطفال قراءتها؛ فالبالغون الذين يقدِّمون للأطفال معلومات عن تأثير وسائل الإعلام يمكن أن يساعدوهم في الحرص على القِيَم التي يؤمن بها هؤلاء البالغون، وفي حالة عرض محتوًى إعلاميٍّ لا يتناسب مع الأطفال عند الجيران أو الأقارب أو في أماكن عامة، يجب أن تتحلى بالجرأة لكي تعلن بصراحة أن «هذا المحتوى لا يتناسب مع هذه الطفلة.» وعلى الرغم من عدم قدرة أيٍّ منا على السيطرة على البالغين الآخرين، فإن التحدث عن القِيَم التي نؤمن بها يتيح للأطفال الخاضعين لرعايتنا أن يدركوا التزامنا واتساقنا معها؛ وهذا يعني أن هناك جيرانًا بالفعل يسمحون لأطفالهم ممن لم يتجاوزوا ثلاث سنوات بمشاهدة الأفلام المُصنَّفة بأن بها مشاهد عنف أو مشاهد جنسية، أو مشاهدة قناة إم تي في. ورغم ذلك، فالأشخاص البالغون المدافعون عن الأطفال وعن البرامج الإعلامية الجديرة بالثقة ينقلون قِيَمهم هذه إلى الأطفال الذين في كنفهم، وعادة ما ترتبط مثل هذه القِيَم بالأطفال على مدار نموهم.

ولكنْ ما المحتوى الإعلامي الذي يسعى الأشخاص البالغون إلى حَجْبه؟ يمثل العنف ورهاب المثلية الجنسية والعنصرية والتمييز الجنسي والمحتوى الجنسي الصريح في وسائل الإعلام مثاراتِ تخوُّفٍ لدى الأشخاص البالغين المسئولين. قد يساعدنا تقديرنا الحكيم لمستوى النمو لدى الأطفال في انتقاء المحتوى الإعلامي بشكل جيد، ولكن إذا ألقينا نظرة على مَشاهد العنف والجنس في وسائل الإعلام، فسنكتشف المخاوف المرتبطة بشأن الإعلام عامة.

دارت مناقشات حول العنف المنتشر في الإعلام وآثاره على الأطفال على مدار الثلاثين عامًا السابقة تقريبًا، وقد حاولتْ لجانٌ رئاسية وباحثون في مجال علم النفس وفي مجالات أخرى دراسةَ هذا الموضوع، ولدينا قدر كبير من الأبحاث التي أُجريت على مدار عدة عقود، والتي تثبت أن العنف الذي يُعرض من خلال وسائل الإعلام يشكِّل أحد العوامل السلبية في حياة الأطفال. ويرى اثنان من علماء النفس المتخصصين في مجال العنف في وسائل الإعلام، وهما ستايسي إل سميث وإدوارد دونرشتاين (١٩٩٨)، أن العنف في وسائل الإعلام يقترن بالسلوكيات السلبية لدى الأطفال، ولكن لم تُعيَّن بعدُ حدودُ هذه العلاقة حقًّا. يواصل علماءُ النفس دراسةَ ارتباط العنف في وسائل الإعلام بالعدوانية لدى الأطفال، وقد اكتُشف العديد من العوامل المرتبطة بردود الأفعال العدوانية عند الأطفال؛ فعلى سبيل المثال، وُجد أن معدل ردود الأفعال العدوانية يرتفع في حالة عدم تصوير معاناة ضحية العنف، وأيضًا في حالة تصوير مرتكبي الجريمة بأنهم أشخاص يتمتعون بالجاذبية ولا يتحملون عواقب أفعالهم؛ بمعنى أن نموذج «الأبطال» الذين يتَّسمون بالجاذبية والعنف ولا يعانون عواقب سلبية والضحايا الذين ليست لهم أهمية؛ هو «الأمثل» لتعزيز العدوانية لدى الأطفال. كما ترى مؤسساتٌ مثل الجمعية الأمريكية للطب النفسي والجمعية الطبية الأمريكية بأن العنف السائد في برامج التليفزيون والأفلام وألعاب الفيديو يُعد أحد العوامل المساعدة على العنف في الولايات المتحدة. وفي الواقع، تَعتبر مراكزُ مكافحة الأمراض أن العنف السائد في وسائل الإعلام يمثِّل أحد العوامل المساهمة في الانتشار الوبائي للعنف بين النشء على مستوى الولايات المتحدة. هذا وقد زاد مقدار العنف وحدَّته في وسائل الإعلام مقارنة بعشرين عامًا مضت؛ ومن ثَمَّ يحتاج الأطفال إلى أشخاص بالغين يتصرفون على نحو مسئول. ومن المفترض أن تساعد البياناتُ الواردةُ أعلاه البالغين الذين يسعون إلى رقابة هذه التأثيرات وتحديدها.

يُمثِّل المحتوى الجنسي المنتشر في وسائل الإعلام إحدى النقاط المثيرة للقلق عند مقدِّمي الرعاية البالغين. وبالنسبة لموضوع المحتوى الجنسي، يندر وجود بيانات طولية تُثبت وجود علاقة بين هذا المحتوى وسلوكيات الأطفال بمرور الوقت، وقد نُشرت دراسة حديثة أجراها ستيفن مارتينو وزملاؤه في معهد راند في مجلة بيدياتريكس المتخصصة في طب الأطفال (مارتينو وآخرون ٢٠٠٦)، وقد خَلَصَ الباحثون إلى أن الاستماع إلى كلمات الأغاني التي تشير إلى تجارب جنسية مهينة، مثل إيذاء الإناث والاعتداء الجنسي على الذكور، قد ارتبط بصورة ملحوظة بالعلاقة الجنسية الأولى للمراهقين والممارسات الجنسية الأخرى، وكلما ارتفع مستوى سلبية الرسائل الجنسية التي استمع إليها المراهقون، انخرطوا في علاقات جنسية مبكرة. يتمكن الأطفال بسهولة من الوصول إلى المحتوى الجنسي في وسائل الإعلام بمجرد تشغيل الراديو أو الكمبيوتر أو التليفزيون في أي وقت على مدار اليوم.

على مدار أغلب سنوات الثمانينيات، كانت شبكات التليفزيون ملتزمة بقواعد الرقابة الذاتية، وكانت البرامج التي تتضمن مشاهد جنسية تُعرض بعد التاسعة أو العاشرة مساءً؛ بحيث يُتاح للبالغين منع الأطفال من مشاهدة هذا المحتوى، ولكنَّ هذا الأمر لم يستمر طويلًا؛ ففي ظل انتشار التليفزيون الكَبْلي وإمكانية الوصول إلى المحتوى الجنسي بواسطة الإنترنت والسلوكيات الجنسية غير المسئولة، يُعد الأطفال في الوقت الراهن مستهلكين لهذا النوع من الإعلام، ويظهر العديد من النماذج في إطار هذا المحتوى.

يُصوِّر التليفزيون سلوكيات المراهقين والبالغين غالبًا على أنها شديدة التركيز على النشاط الجنسي دون ارتباط أو التزام، وقد خرجت روايات أو أفلام كاملة تتمحور حول الشريك الجنسي لكل شخصية من الشخصيات، وقلَّما وجدنا نماذج تتضمن حوارات بين الشركاء الجنسيين يتحدثون فيها عن الممارسة المسئولة للجنس، أو عن تحديد النسل، أو نماذج لأشخاص عَانَوا العواقب الوخيمة الناجمة عن السلوك الجنسي غير المسئول. وفي مقالها المختصر المنشور في مجلة سكس ريسيرتش، والذي يدور حول تأثير وسائل الإعلام في التوجه الجنسي للمراهق، أوردتْ جين دي براون النتائج التي توصلت إليها من خلال عدة دراسات، والتي تُوضِّح أن المراهقين يستخدمون وسائل الإعلام للحصول على المعلومات الجنسية، ويعتبرون ما يُعرض في هذه الوسائل نماذج يُحتذى بها في سلوكياتهم الجنسية الشخصية (براون ٢٠٠٢). فعلى سبيل المثال، ثبت أن ترحيب المراهقين بالسلوك الجنسي خارج إطار الزواج يرتفع مع زيادة تعرضهم للمحتوى الجنسي المعروض في وسائل الإعلام. كما يرتبط التعرض الزائد للمناظر الجنسية الإباحية بمعتقدات المراهقين عن النشاط الجنسي الشاذِّ (مثل ممارسة الجنس الجماعي والتوحش الجنسي وعدم الارتباط بشريك واحد). تسهم أيضًا الأفلام الجنسية الصريحة في تكوين رؤًى قاسية لدى الشباب حول الاغتصاب، كما لو أن هذا الاعتداء الوحشي ليس شديد الفظاعة نتيجةً لتصويره في هذه الأفلام على أنه «ممارسة جنسية تتم بغير تراضٍ بين الطرفين»؛ حيث لا يحدث اعتداء دموي على الضحية التي لا تعاني من أي عواقب سيئة. ويجب أن يحرص الأشخاص البالغون على التأكيد للأطفال أن تلك الممارسات الجنسية التي تتم بغير تراضٍ على ما يبدو هي جريمة اغتصاب. وقد كشفت الدراسات التبادلية عن وجود علاقة بين التعرُّض للمحتوى الجنسي بالتليفزيون وممارسة الجنس للمرة الأولى لدى المراهقين؛ بمعنى أنه كلما شاهد الأبناءُ المزيد من المحتوى الجنسي، مارسوا الجنس في وقت مبكر (براون ٢٠٠٢).

إن الممارسات الجنسية الخالية من أي مخاطر لا تمتُّ للواقع بصلة؛ فعلى الرغم من أن النشاط الجنسي يمثل أحد المحاور الطبيعية للنمو — بل وأحد الأركان المهمة في حياة البشر — فإن رسائل البالغين الموثوقة عن الالتزام والمخاطر تُعد غاية في الأهمية، ونادرًا ما توجِّه وسائلُ الإعلام مثلَ هذه الرسائل. ونظرًا لتصوير الإعلام للممارسات الجنسية دائمًا بأنها خالية من أي مخاطر، يتعين على الأشخاص البالغين المسئولين إقامةُ حوار مع الأطفال حول السلوك الجنسي بصفته عمليةً طبيعيةً جميلةً، فضلًا عن كونها أحد مظاهر الالتزام في علاقات الأشخاص مع غيرهم على مدار تطوُّرنا.

ثمة ملاحظة تحذيرية أخيرة تتعلق بانتشار شبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع بين الأطفال من كافة الفئات العمرية في الوقت الحالي؛ ففي الوقت الذي قد لا يلاحِظ فيه البالغون محتوى العنف أو المحتوى الجنسي بداخل هذه الشبكات الاجتماعية، قد ثبت وجود كلا المحتويين. يَنشر الأطفال صور العنف والصور الجنسية والمحتوى اللفظي أيضًا في المساحات الخاصة بهم في هذه المواقع الاجتماعية، ويفعل البالغون الذين يتظاهرون بأنهم أطفال على الشبكات الاجتماعية الأمر نفسه. ويجب أن يدرك الآباءُ والمعلمون المسئولون عن رقابة هذه المحتوياتِ الإعلاميةِ والحدِّ منها أن جهاز الكمبيوتر ما هو إلا أحد مصادر التأثيرات السلبية المحتملة. وبشكل عام، يجب على الأشخاص البالغين غير الملمِّين بكيفية استخدام أجهزة الكمبيوتر، على النقيض من أطفالهم، أن يحصلوا على بعض النصح من الأشخاص المتمرسين؛ حتى يتعلموا كيفية مراقبة استخدام أطفالهم للكمبيوتر. يمكن مراقبة تفاعلات الطفلة على شبكات التواصل الاجتماعية على نحوٍ معلَن، بل وينبغي أن يُحاط الأطفال علمًا بأن البالغين هم من يقومون في الواقع بهذه الإجراءات، وهناك قاعدتان من القواعد العامة التي ينبغي على الأطفال الالتزام بها: (١) الحد من وضع المعلومات الشخصية؛ فالعناوين وأرقام الهاتف وحتى أسماء المدارس أو المواقع قد تؤدي إلى تعريض الأبناء لمخاطر المواجهات المباشرة غير المرغوب بها. (٢) استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح للطفلة تحديد الأشخاص الذين يمكنهم الدخول إلى الموقع وترك رسائل؛ ويُشار إلى هذه باسم «ملاحظات الخصوصية». ويجب على البالغين أن يتفقدوا «الأصدقاء» في الحساب الخاص بالطفلة ومعرفة هؤلاء الأصدقاء، علاوة على مناقشة الأمور الخاصة بصديق للطفلة على الشبكة، تمامًا مثلما يحدث مع علاقات الصداقة الواقعية. ويوصى بالصراحة والوضوح والاهتمام فيما يتعلق بالمراقبة، كما يحدث في كافة التفاعلات مع الأطفال.

إن طول هذا الفصل لا يَترك لنا المجال لطرح ملخصٍ لمفاهيم رهاب المثلية الجنسية والتمييز العنصري والجنسي، التي يجري تداولها في وسائل الإعلام، رغم ورود قدر كبير من هذا المحتوى على مدار الفصل أيضًا، ونحن نعلم أن معتقدات الأطفال حول هذه الموضوعات ترتبط بالإعلام، ويذكر المراهقون أنهم يستخدمون وسائل الإعلام كواحدة من أهم ثلاثة أو أربعة مصادر للمعلومات من أي نوع، كما تمثل عملياتُ الانتقاء التي يقوم بها الأشخاص البالغون لوسائل الإعلام أحدَ الموارد التي يستفيد منها الأطفال أيضًا. إن إجراء حوار مع الأطفال حول موضوعات يهتمون بها عندما يكونون مستعدِّين، إلى جانب انتقاء التأثيرات الإعلامية من قِبل البالغين، هو «خط الدفاع الأمثل» ضد تأثيرات البرامج غير الملائمة. كذلك يستطيع البالغون أن يشرحوا للأطفال كيف يمكن لوسائل الإعلام أن تكون قوة إيجابية تسهم في تعزيز الصحة النفسية الجيدة. هناك مواد إيجابية بالفعل على الساحة الإعلامية.

بدأت المواد الإعلامية التعليمية من خلال برنامج «عالم سمسم» منذ ما يقرب من أربعة عقود على شاشات التليفزيون الحكومي، ولكننا لا نعرف إلا القليل عن هذا التأثير الإيجابي. وتشير الأبحاث إلى أن البرامج التعليمية الإيجابية المخصصة للأطفال لها تأثيراتٌ تَفُوق تأثير برامج العنف (هيرولد ١٩٨٦)، وتدل هذه الإحصاءات ببساطة على أن الباحثين اكتشفوا أن بمقدورهم تعزيز المزيد من السلوك الاجتماعي الإيجابي لدى الأطفال من خلال البرامج الإيجابية من خلال دراسة السلوك العدواني بين الأطفال بعد مشاهدتهم لبرامج العنف. لكن لسوء الحظ، مثلما ذكرتُ في بداية هذا الجزء الخاص بوسائل الإعلام، فإن غالبية البرامج المعروضة في وسائل الإعلام لا تُنتَج بهدف الارتقاء بالتطور المعرفي والاجتماعي لدى الأطفال؛ ومن ثَمَّ يتعين على البالغين المسئولين المناداةُ بالارتقاء بالبرامج الخاصة بالأطفال — بل بجميع البرامج في هذا الصدد — وانتقاء المحتوى في الوقت نفسه. إنها مسئولية ضخمة بالفعل، لكنها ضرورية للغاية.

استعرضنا في هذا الفصل العديد من مصادر التأثير والتعليم فيما يتعلق بالأطفال على مدار نموهم خارج المنزل. تبدأ الصحة النفسية الجيدة من المنزل، ولكن المؤثرات الخارجية تُلقي بظلالها بدرجة كبيرة أيضًا على حياة الأطفال. ويمكن للأشخاص البالغين المتعاونين أن يصنعوا الفارق في النمو المعرفي للأطفال؛ فالتحفيز المعرفي والاجتماعي الذي يوفره مقدِّمو الرعاية والمعلمون للأطفال يساعدهم في التطور الإيجابي المستمر في جميع مسارات الصحة النفسية. ويتحمل مقدِّمو الرعاية البالغون قدرًا كبيرًا من المسئولية في حياة الأطفال لمساعدتهم في تشكيل بيئات يتحقق فيها النمو الأمثل في مراكز رعاية الأطفال والبيئات التعليمية الأخرى. ويشكل البالغون الذين يعملون على انتقاء التأثيرات الإعلامية جزءًا من إطار العمل البيئي هذا، الذي يساعد في تعزيز نمو الأطفال.

(١٤) الملاحظات المتعلقة برعاية الأطفال

  • (١)

    تتفاوت تكلفة رعاية الأطفال بصورة هائلة حسب أنماط الرعاية وجَوْدتها، وأيضًا حسب المنطقة بالبلاد، وقد تتراوح تكاليف الرعاية المنزلية من قِبل أفرادٍ غير الأم بين أجور بسيطة يتقاضاها أقارب، وحتى الأفراد المُرخَّص لهم بإدارة مراكز للرعاية من داخل منازلهم؛ وبهذا فإن تكاليف الرعاية المتخصصة للأطفال الرُّضع من قِبَل أفرادٍ تتراوح عادةً بين ٢٠٠ و٣٠٠ دولار أسبوعيًّا. وتتفاوت أيضًا تكاليف مراكز رعاية الأطفال الدارجين إلى حدٍّ كبير؛ فقد تصل التكلفة في المراكز المتميزة إلى ٤٠٠ دولار أسبوعيًّا، وقد تصل التكلفة الأسبوعية في المراكز التي تهدف إلى تطوير الإبداع والابتكار لدى الأطفال إلى ٦٥٠ دولارًا. وقد تتميز المراكز الأخرى التابعة لإرسالية خاصة بمؤسسة دينية أو التابعة لنشاط مجتمعي بمستوًى هائلٍ من الجودة وتكلفةٍ زهيدةٍ في الوقت نفسه، وقد تحظى المناطق الحضرية، التي بها معدلات فقر مرتفعة، بمراكز لرعاية الأطفال حكومية أو مُدعَّمة، وبعض هذه المراكز يقدِّم خدمةً عاليةَ المستوى للأُسَر ذات الدخول المنخفضة (مثل مشروع «البداية المبكرة»).

  • (٢)

    تَقْبل بعضُ مراكزِ الرعايةِ الأطفالَ الرُّضَّع من عمر ستة أسابيع فقط، وقد يقبل بعض الأفراد المستقلين أطفالًا أصغر. عليك أن تقيِّم بحذر كيف يشكل هذا القرار جزءًا من مفهوم «أفضل نموذج ممكن لتربية الأبناء».

  • (٣)

    على الرغم من أننا لا نَوَدُّ أن نثير مخاوف الآباء الجدد، فإن الوضع القائم الآن في الولايات المتحدة هو أن العديد من المراكز المتميزة لرعاية الأطفال، والأفراد المتميزين العاملين بشكل مستقل في هذا المجال، لديهم قوائم انتظار؛ لذا يتعين عليك، بَعْد فحص البدائل الخاصة برعاية الأطفال، أنْ تُدرِج اسم طفلتك في إحدى قوائم الانتظار عندما يكون الحمل في المرحلة الثانية أو الأخيرة. وبهذه الطريقة، إذا كانت فترة الانتظار تتراوح بين ستة أشهر وسنة، فقد تتوفر لها فرصة يمكن استغلالها عند احتياج الأسرة لها؛ لذلك فالأسلوب الأمثل المتَّبَع في هذه الحالة يتمثل في استكشافِ فترة الانتظار لبيئةِ رعايةٍ جيدةٍ، والتصرفِ وفقًا لذلك في أقرب وقت ممكن. ويرجى العلم أن بعض مقدِّمي رعاية الأطفال يطلبون رسومًا أو إيداعًا مسبقًا في مقابل إدراج الطفل في قوائم الانتظار الخاصة بهم.

  • (٤)

    يمثل الإنترنت أحد الموارد المفيدة فيما يتعلق بالبدائل الخاصة برعاية الأطفال، ولكن تذكَّرْ أن هناك أشخاصًا بالغين يفتقدون مهارة رعاية الأطفال قد يَصِفون أنفسهم على الإنترنت بأنهم خبراء في مجال رعاية الأطفال؛ ولذلك تَحقَّقْ من الشهادات المعتمدة للمعلِن عبر الإنترنت أو صاحب الموقع الإلكتروني. ويمكن أن يكون الآباء الآخرون مَوْردًا للمعلومات لغيرهم من الآباء المنتظِرين قدوم المولود. وفي حين أن آراء الآباء والأمهات ثمينة، فإنها عادةً ما تكون انعكاسًا لخبراتهم الشخصية؛ ولذلك حاوِلِ الحصول أيضًا على معلومات أخرى مفيدة. على سبيل المثال، يتضمن الموقعُ الإلكترونيُّ الخاصُّ بكل ولاية العديدَ من الصفحات عن إجراءات ترخيص مراكز رعاية الأطفال والأمور الخاصة برعاية الأطفال بوجه عام.

  • (٥)

    يمكن العثور على معلومات عامة حول تربية الأبناء على العديد من المواقع الإلكترونية، وهذا قد يكون على مستوى منطقة معينة مثل شبكة «بيريكلي بيرَنتس نتورك» في كاليفورنيا، أو على مستوًى وطني كتلك التي تقدمها مؤسسة «بيو تشاريتابل تراست» الخيرية والمعهد الوطني لأبحاث التعليم المبكر.

(١٥) الملاحظات الخاصة باختيار المدرسة

عندما يفكِّر الأشخاص البالغون في الخيارات المحتملة للمدارس، سواءٌ أكانت حكومية أم خاصة، كبيرة أم صغيرة، فقد تفيد الأسئلة التالية في تقييم هذه الخيارات.

  • (١)

    كيف يتواصل إداريُّو المدرسة والمعلِّمون مع الآباء؟ وهل يمكن الوصول بسهولة إلى أرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني؟ وهل يجري إرسال الرسائل الإخبارية الخاصة بالمدرسة إلى المنزل أو عبر البريد؟

  • (٢)

    هل يُنظر إلى الوالدَين باعتبارهما طرفين متعاونين لهما دورٌ في لجان التخطيط على سبيل المثال؟

  • (٣)

    هل تُتاح فرص للآباء الموظفين لمقابلة أعضاء هيئة التدريس؟

  • (٤)

    إلى أي مدًى يتجلى تأثير الالتزامات المجتمعية نحو المدارس وأشكال التعاون مع المدارس (مثل الوعاء الضريبي ومصادر التمويل الأخرى)؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤