البراهمة

أليس محتملًا أن يكون البراهمة أول مشرِّعي الأرض، وأول الفلاسفة، وأول اللاهوتيين؟

ألا تُشكِّل آثار التاريخ القديم القليلة المتبقية لنا افتراضًا عظيمًا لصالحهم، بما أن الفلاسفة اليونانيِّين الأوائل ذهبوا إليهم ليتعلموا الرياضيات، وأن أقدم التحف التي جمعها أباطرة الصين كانت جميعها هندية؟

سنتحدث في موضع آخر عن «الشاستا»، وهو أول كتابٍ في لاهوت البراهمة، كُتب منذ ما يقرب من ألف وخمسمائة عام قبل كتابهم «الفيدا»، وهو سابق على جميع الكتب الأخرى.

لم تَذكُر حولياتهم شيئًا عن أي حرب شنُّوها في أي وقت. إن كلمات من قبيل: «أسلحة»، «يقتل»، «يُشوه»، لن تجدها في الآثار الباقية، سواء في «الشاستا» التي لدينا، أو في «الإزورفيدام»، أو في «الكورموفيدام». أستطيع على الأقل أن أؤكد أني لم أرها في هاتين المجموعتين الأخيرتَين؛ لكن الأغرب أن «الشاستا» التي تتحدَّث عن مؤامرة في السماء لا تشير إطلاقًا إلى أيِّ حرب في شبه الجزيرة العظيمة المحصورة بين نهرَي السند والجانج.

أما العبريون الذين عُرفوا مؤخرًا جدًّا، فلم يذكروا البراهمة مطلقًا؛ فلم تكن لديهم معرفة بالهند حتى بعد غزوات الإسكندر، وإقامتهم في مصر التي ذكروها بشرٍّ كثير. لن تجد اسم الهند إلا في سِفر إستير، وسِفر أيوب الذي لم يكن عبريًّا. يمكن للمرء أن يلحظ تباينًا فريدًا بين الكتب المقدسة عند العبريين وتلك التي عند الهنود. الأخيرة تعلن فقط عن السلام واللطف؛ فهي تحرِّم قتل الحيوانات. أما كتب العبريين فتتحدَّث فقط عن القتل وعن مذابح الناس والوحوش؛ فكل شيء يُذبَح باسم الرب. شتان بين الاثنين.

لا شك أننا ورثنا من البراهمة إيماننا بفكرة سقوط المخلوقات السماوية الثائرة ضد سيد الطبيعة؛ ومن المحتمل أن اليونانيين استمدوا من هناك أيضًا أسطورة العمالقة، ومن هناك أيضًا اقتبس اليهود في النهاية، في القرن الأول من عصرنا فكرة ثورة لوسيفر.

كيف أمكن هؤلاء الهنود أن يفترضوا ثورة في السماء من دون أن يروا مثيلًا لها على الأرض؟ يمكن بصعوبة تصوُّر قفزة كتلك من الطبيعة الإنسانية إلى الطبيعة الإلهية. عادةً ما يذهب المرء من المعلوم إلى غير المعلوم.

لا يتخيل المرء حرب عمالقة حتى يشهد بعض الناس أكثر قوة من الآخرين يتجبَّرون على رفاقهم. لابد وأن البراهمة الأوائل مروا بنزاعات عنيفة أو على الأقل قد رأَوْها في السماء.

إنها ظاهرة مُدهشة جدًّا أن يخترع مجتمع من البشر الذين لم يشنُّوا حربًا قط أنواعًا من الحروب في فضاءات متخيَّلة، أو في كون بعيد عن كوننا، أو فيما يُطلَق عليه السماء أو الجنة. لكن يجب أن نلحظ بعناية أنه في ثورة الكائنات السماوية ضد سيدها، لم تهبَّ أيُّ عواصف، ولم يَسِل أي دم سماوي، ولم تُقذف جبال من قمتها، ولم تُقطع الملائكة إلى نصفين كما في قصيدة ملتون السامية الخيالية.

وفقًا للشاستا، هي فقط عصيان رسمي لأوامر «الأعلى»، مؤامرة يعاقب الله عليها الملائكة المتمرِّدين بإرسالهم إلى مكانٍ ظليل شاسع يُسمَّى «الأوندرا» خلال فترة مونونثور كامل. والمونونثور هو أربعمائة وستة وعشرون مليون عام من أعوامنا، لكن الله رأف بالمُذنبين وعفا عنهم بعد خمسة آلاف عام، وكانت الأوندرا مَطهرًا وحسب.

وجعل «المُرْد» منهم رجالًا، وأحلَّهم عالمنا، بشرط ألا يأكلوا الحيوانات، وألا يَتزاوجوا مع الذكور من أنواعهم الجديدة، وإلا أُعيدوا إلى الأوندرا.

هذه هي بنود الإيمان البراهمي الأساسية التي استمرت بلا انقطاع منذ أزمان سحيقة حتى يومنا. يبدو غريبًا لنا أن تُعدَّ فيها خطيئةُ أكل دجاجة مُهلكةً بقدر ممارسة اللواط.

هذا مجرد جزء صغير من نشأة الكون القديم عند البراهمة. تُثبت شعائرهم ومعابدهم أن كل شيء كان مجازيًّا بينهم؛ ولا يزالون يُمثلون الفضيلة برمز امرأة لديها عشر أذرع تُقاتل عشر خطايا مميتة تُمثِّلها الوحوش. لم يعجز مُبشرونا عن اعتبار صورة فضيلة هذه شيطانية، وأن يؤكدوا لنا أن الشيطان يُعبَد في الهند. لم نكن أبدًا وسط هؤلاء الناس إلا لنُغنِي أنفسنا ونفتري عليهم.

نسينا بالفعل شيئًا ضروريًّا للغاية في هذه المقالة الصغيرة بشأن البراهمة، وهو أن كتبهم المقدسة مليئة بالمُتناقضات. لكن الناس لا يعرفون عنها شيئًا، ولدى العلماء الحلول جاهزة، والمعاني الاستعارية، والمجازات، والرموز وتصريحات بريما وبراهما وفيستنو الواضحة التي يجب أن تسد أفواه كل من يُجادل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤