التناقضات

إن رغب مجتمع أدبي في إنجاز معجم المُتناقضات، فسأسهم بعشرين مجلدًا من القطع الكبير. لا يُمكن للعالم أن يوجَد إلا بالمتناقضات، فما الحاجة إلى إبطالها؟ لجمع حالات الجنس البشري. لكن من الطريقة التي خُلِق بها البشر، سيكون تناقُضًا جديدًا لو أنهم وافقوا. اجمع كل أرانب الكون، ولن تجد بينها رأيين مختلفين.

أعرف فقط نوعين من الكائنات التي لا تتغير على الأرض؛ علماء الرياضيات والحيوانات. تقودهم قاعدتان لا تتغيران؛ البرهان والغريزة. حتى علماء الرياضيات كان بينهم بعض الخلافات، أما الحيوانات فلم تتغيَّر قط.

ليست التباينات، الضوء والظل اللذان تُمثَّل فيهما الشخصيات العامة في التاريخ، تناقُضات؛ فهي ترسم صورة صادقة عن طبيعة الجنس البشري.

يُعبر الناس كل يوم عن إدانتهم وعن إعجابهم بالإسكندر، قاتل كليتيوس، المنتقم القادم من اليونان، غازي الفرس، مؤسس الإسكندرية.

بقيصر الفاسق الذي يسرق الخزانة العامة في روما فيجعل بلاده تعتمد على غيرها؛ لكنه هو الذي تُساوي رحمتُه جسارتَه، ويُساوي ذكاؤه شجاعته.

بمحمد، المحتال، قاطع الطريق، ولكن المشرِّع الديني الوحيد الذي كان يتمتع بالشجاعة، وأسس إمبراطورية عظيمة.

بكرومويل المتحمِّس، الوغد حتى في تعصُّبه، المشارك في الحكم بإعدام ملكه؛ ولكن السياسي المحنَّك بقدر ما هو المحارب الشجاع.

يجتمع ألف تبايُن معًا مرارًا، وهذه التباينات موجودة في الطبيعة؛ وهي ليست مدهشة أكثر من يوم جميل تتبعه عاصفة.

البشر مجانين على السواء في كل مكان؛ صنعوا القوانين رويدًا رويدًا، كما تُسَد الثغرات في جدار. هنا استولى الأبناء الأكبر على كل ما يستطيعون الاستيلاء عليه من الأبناء الأصغر، وهناك يَتشارك الأبناء الأصغر بالتساوي. أمرت الكنيسة بالمبارزة أحيانًا، وأحيانًا اعتبرتها خطيئة مميتة. حرَم كلٌّ من مناصري أرسطو وأعدائه بعضهم بعضًا كنسيًّا، وكذلك أصحاب الشَّعر القصير والطويل. في هذا العالم لدينا قانون يتسم بالكمال فقط كي نحكم من خلاله نوعًا من الجنون يُطلَق عليه المقامرة. قوانين المقامرة هي الوحيدة التي لا تسمح بالاستثناء أو التخفيف أو التنوع أو الطغيان. إنْ لعب خادم لعبة اللانسكوينت مع الملوك فسيُدفع له بلا صعوبة إن فاز؛ وبخلاف ذلك، فالقانون سيف يمزِّق به الأقوياءُ الضعفاء.

بصرف النظر عن كل ذلك، يبقى هذا العالم وكأن كل شيء في أفضل ترتيب؛ الشذوذ عن القواعد من طبيعتنا؛ عالمنا السياسي مثل كوكبنا، شيء مُشوَّه يحفظ نفسه دائمًا. سيكون من الجنون أن نتمنى لو كانت الجبال والبحار والأنهار مرسومة في أشكال منتظمة جميلة؛ ويظل أكثر جنونًا أن نطلب الحكمة الكاملة في البشر؛ سيكون ذلك من باب تمني منْح الكلاب أجنحة والنسور قرونًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤