الصورة المجازية

كل شيء في العصور القديمة رمز أو صورة مجازية. بدأ الأمر في كلدو بوضع كبش وطفلَين وثَور في السماء علامة على ما تنتجه الأرض في الربيع. النار رمز الألوهية في فارس؛ والكلب السماوي يُحذِّر المصريين من فيضان النيل؛ والأفعى التي تُخفي ذيلها في رأسها تصبح صورة للأبدية. الطبيعة بأكملها ممثَّلة ومتنكرة.

وفي الهند، مرة ثانية، يمكنك أن تجد كثيرًا من تلك التماثيل القديمة، الغريبة والمروِّعة التي تحدثنا عنها بالفعل، تمثِّل الفضيلة المزوَّدة بعشرة أذرع عظيمة تقاتل بها الرذيلة، وهي التي اعتقد مبشرونا البؤساء أنها صورة للشيطان.

ضع كل رموز العصور القديمة هذه أمام عينَي رجل سليم الحس، لم يسمع عنها من قبل؛ لن يفهم شيئًا؛ هي لغة يجب تعلُّمها.

اضطُر الشعراء اللاهوتيون القدامى إلى أن يهبوا الله عينَين ويدَين وقدمَين؛ إلى أن يُعلنوا عنه في شكل إنسان. يُسجِّل القديس كليمندس السكندري بعضًا من أشعار كزينوفانيس الكولوفوني («المنوعات» الجزء الخامس) التي يُمكن من خلالها أن يرى المرء أن تصوُّر البشر لله على صورتهم ليس وليد اليوم. أما أورفيوس التيراقي، أول لاهويتيِّي الإغريق، فعبَّر عن نفسه بالمثل، قبل هوميروس بمدة طويلة، على نحو مُماثل لكليمندس السكندري.

ولأن كل شيء كان رمزًا أو صورة مجازية، استغل الفلاسفة، وخصوصًا من سبَق أن سافروا إلى الهند، هذه الطريقة؛ كانت مبادئهم صورًا مجازية وألغازًا.

«لا تُثِر النار بسيف.» أي لا تَستفز الرجال الغاضبين.

«لا تُخْفِ النور تحت المكيال.» أي لا تُخْفِ الحقيقة عن البشر.

«امتنِع من البُقول.» أي تَفادَ الاجتماعات العامة المُتكرِّرة التي يُدلي فيها المرء بصوته بحبوب بيضاء أو سوداء.

«لا تحتفظ بطيور سنونو في منزلك.» أي حتى لا يَمتلئ بالمُثرثرين.

«في العواصف، اعبد الصَّدى.» أي الجأ إلى الريف في أزمنة المِحَن العامة.

«لا تكتب على الثلج.» أي لا تُعلِّم العقول الكسولة البليدة.

«لا تأكل قلبك ولا مخك.» أي لا تَستسلم للحزن، ولا للمُجازفات بالغة الصعوبة … إلخ.

هذه هي حِكَم فيثاغورس، وليس من الصعب فهم معناها.

أما أجمل الصور المَجازية فهي التي ترمز للرب الذي عبر عنه طيماوس اللوكريتي بتلك الفكرة: «دائرة مركزها في كل مكان ومحيطها ليس في أي مكان.» تبنَّى أفلاطون تلك الصورة المجازية، ووضعها باسكال بين المادة التي عمد إلى استخدامها، وسُمِّيت «أفكار» باسكال.

قال القدماء كل شيء في الميتافيزيقا والفلسفة الأخلاقية، نتفق معهم أو نُكرِّر أقوالهم، وما كل الكتب الحديثة من هذا النوع إلا تكرارات.

علاوة على ذلك، كانت هذ الصور المجازية التي تبدو لنا بالغة الغرابة مقدَّسة لدى الهنود والمصريين والسيريانيين. كان عُضوا التكاثر، رمزا الحياة، يُحمَلان في موكب، باحترام جم. نسخَر من ذلك، ونجرؤ على أن نُعامل هؤلاء الشعوب وكأنهم همج حمقى؛ لأنهم كانوا يشكرون الله ببراءة على أنه منَحهم الوجود. ماذا تُراهم يُمكن أن يقولوا لو أنهم رأونا ندخل معابدنا وعلى أجنابنا أدوات الدمار؟

في طِيبة، كانت خطايا البشر تُمثَّل بعنزة، وعلى ساحل فينيقيا كانت الطبيعة تُصوَّر في هيئة امرأة عارية بذيل سمكة.

لا يجب أن يندهش المرء لذلك، حين يعلم أن ذلك الاستخدام للصور المَجازية وصل إلى العبرانيين حينما شكَّلوا شعبًا بالقرب من الصحراء السورية.

أحد أجمل الصور المجازية الموجودة في الكتب اليهودية هو هذا النص من سفر الجامعة: «فِي يَوْمٍ يَتَزَعْزَعُ فِيهِ حَفَظَةُ الْبَيْتِ، وَتَتَلَوَّى رِجَالُ الْقُوَّةِ، وَتَبْطُلُ الطَّوَاحِنُ لأَنَّهَا قَلَّتْ، وَتُظْلِمُ النَّوَاظِرُ مِنَ الشَّبَابِيكِ، وَتُغْلَقُ الأَبْوَابُ فِي السُّوقِ، حِينَ يَنْخَفِضُ صَوْتُ الْمِطْحَنَةِ، وَيَقُومُ لِصَوْتِ الْعُصْفُورِ، وَتُحَطُّ كُلُّ بَنَاتِ الْغِنَاءِ …»

يُشير ذلك إلى أن المسنين قد فقدوا أسنانهم، وأعتم بصرهم، وابيضَّ شعرهم كزهرة شجرة اللوز، وتورَّمت أقدامهم مثل الجنادب، ولم يعودوا قادرين على إنجاب الأطفال، وأنهم يجب أن يُعِدوا أنفسهم للرحلة العظيمة.

يُعدُّ «نشيد الإنشاد» — كما يعلم المرء — صورة مجازية مُستمرة لزواج يسوع المسيح من الكنيسة. إنه صورة مجازية من بدايته إلى نهايته. يُوضِّح «أنطون أوجستين كالميت» بمهارة أن النخلة التي يذهب إليها المحبوب هي الصليب الذي حُكم به على سيدنا يسوع المسيح، ولكن يجب الاعتراف بأن الفلسفة الأخلاقية النقية والصحية ما زالت مفضَّلة على تلك القصص الرمزية.

يرى المرء في كتب هذا الشعب حشدًا من الصور المجازية النموذجية التي تثير فينا الاشمئزاز اليوم، وتُظهر ميلنا إلى الشك والسخرية؛ لكنها كانت تبدو عادية وبسيطة للشعوب الآسيوية.

نجد في سفر حزقيال صورًا تبدو لنا مُتطرفة ومثيرة للغثيان، لكنها كانت في ذلك الوقت طبيعية. هناك ثلاثون مثالًا في نشيد الإنشاد، نموذج الاتحاد الأعف. لاحظوا بعناية أن هذه التعبيرات، وهذه الصور جادَّة دومًا، ولن تجدوا في أي كتاب من العصور القديمة البعيدة أقل قدر من السخرية عن موضوع التكاثُر العظيم. عندما تُدان الشهوة، يحدث ذلك وفق شروط معينة؛ لكنها لا تثير العاطفة أبدًا، ولا تسمح بأقل قدر من الهزل. لم يكن لدى هذه العصور القديمة من يُناظر مارشال، وكتولوس، وبترونيوس.

ينتج من كل الأنبياء اليهود وكل الكتب اليهودية، كما من كل الكتب التي تُعلِّمنا أعراف الكلدانيين والفرس والفينيقيِّين والسيريانيين والهنود والمصريين، أقول: ينتج منها أن عاداتهم لم تكن كعاداتنا، وأن ذلك العالم القديم لم يكن يشبه عالمنا في شيء. اذهب من جبل طارق حتى مكناس، لم تعد الأخلاق كما كانت؛ ولم يعد المرء يجد الأفكار ذاتها؛ غيَّرت ضفَّتا البحر كل شيء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤