الخرافة

مَثَل المؤمن بالخرافات للمُحتال مَثَل العبد للطاغية. الأكثر من ذلك أن المؤمن بالخرافات يحكمه التعصُّب، ويصبح متعصبًا. أصابت الخرافة التي وُلدت في الوثنية واعتنقتها اليهودية، الكنيسةَ المسيحية منذ العصور الأولى. آمن كل آباء الكنيسة بلا استثناء بقوة السحر. أدانت الكنيسة السحر دائمًا، لكنَّها آمنت به دومًا. ولم تحرم الكنيسة السحرة بوصفهم مجانين أخطئوا، ولكن بوصفهم أناسًا كانوا على اتصال حقيقي مع الشيطان.

اليوم يعتقد نصف أوروبا أن النصف الآخر طالما آمَن بالخرافات، وما زال يؤمن بها. يعتبر البروتستانت التذكارات المقدَّسة، وصكوك الغفران، وإماتة الجسد، والصلوات للموتى، والماء المقدَّس، وتقريبًا كل شعائر الكنيسة الرومانية خبلًا خرافيًّا. تكمن الخرافة، وفق رأيهم، في افتراض أن الممارسات عديمة الجدوى ممارسات ضرورية. ويوجد بين الكاثوليك الرومان بعض من هم أكثر استنارة من أسلافهم، وهم الذين تخلَّوْا عن كثير من تلك العادات التي كانت تُعَد مقدَّسة فيما مضى. وهم يدافعون عن أنفسهم ضد الآخرين الذين حافظوا عليها بالقول: «إنهم لا مبالون، ولا يُمكن أن يكون اللامبالي وحسب شريرًا.»

من الصعب أن نُحدِّد حدودًا للخرافة. يمكن لفرنسي مسافر إلى إيطاليا أن يجد أن كل شيء خرافي وبالكاد يكون مخطئًا. يزعم رئيس أساقفة كانتربري أن كبير أساقفة باريس يؤمن بالخرافات، ويُلقي المشيخيُّون باللوم نفسه على نيافة رئيس أساقفة كانتربري، ويُعاملون بدورهم بوصفهم مؤمنين بالخرافات من قبل الكويكرز الذين يُعتبرون هم أكثر الناس إيمانًا بالخرافة في نظر المسيحيِّين الآخرين.

لذلك، لا يتفق أحد في المجتمعات المسيحية على ماهية الخرافة. الطائفة التي تبدو أقلَّ تعرضًا لهجوم ذلك المرض الذي يُصيب الذكاء هي تلك الطائفة التي يكون لديها أقل الشعائر، لكن إن كانت ما زالت مرتبطة بقوة بإيمان مُنافٍ للعقل عن طريق شعائر قليلة، فهذا الإيمان المنافي للعقل يُعادل وحده كل الممارسات الخرافية التي رُصدت من زمن سيمون الساحر حتى الأب جوفريدي.

واضح، إذًا، أن أساسيات الدين عند إحدى الطوائف هي ما تعتبرها طائفة أخرى خرافة.

يتهم المسلمون المجتمعات المسيحية كافة بذلك، وهم أنفسهم مُتهَمون. من ذا الذي سيفصل في تلك المسألة الخطيرة؟ هل سيكون العقل؟ لكن كل طائفة تدَّعي أن العقل في صفها. ولذلك فالقوة سوف تفصل بينما ينتظرون الوقت الذي سيستطيع فيه العقل أن يخترق عددًا كبيرًا من العقول لكي ينزع سلاح القوة.

إلى أي حدٍّ تسمح سياسة الدولة بتدمير الخرافة؟ هذا سؤال شائك للغاية. إنه يشبه التساؤل إلى أي درجة يجب على الطبيب أن يبدأ بفتحٍ جراحي لشخص لديه استسقاء ربما يموت أثناء تلك العملية. إنها مسألة تعتمد على رؤية الطبيب.

هل يمكن أن يوجد بشر أحرار من كل التحيُّزات الخرافية؟ هذا يعني التساؤل عما إن كان من الممكن أن توجد أمة من الفلاسفة. يُقال إنه ما من خرافة عند قضاة الصين. من المرجح ألا يتبقى أيٌّ منها لدى القضاة في قليل من بلدات أوروبا.

من ثم، سيحد القضاة من خطورة خرافات الناس. نموذج القضاة هذا لن يجعل الغوغاء مستنيرين، ولكن الأشخاص البارزين في الطبقات الوسطى سوف يكبحون جماح الغوغاء. ربما لا يوجد شغبٌ واحد، سخط ديني واحد لم يَسبق أن لُطِّخت فيه الطبقات الوسطى؛ لأن هذه الطبقات الوسطى كانت حينئذ هي الغوغاء، لكن العقل والوقت سوف يُغيِّرانها، وستلطف سلوكياتهم، التي هُذِّبت، أولئك السكان الأدنى والأكثر همجية، ولدينا أمثلة قوية لهذا في أكثر من دولة. باختصار، كلما قلَّت الخرافة قلَّ التعصب، وكلما قل التعصب قلت التعاسة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤