ظل الرجل

للمرأة دورها المؤكد في تاريخنا العربي والإسلامي، وهو دور إيجابي في مجموعه، وقد عبَّرت الإبداعات العربية عن هذا الدور في أعمالٍ شعرية وسردية، نستطيع التعرف عليها من خلال كتب التراث، ومن خلال الإبداعات المعاصرة والحديثة.

النساء شقائق الرجال في الحياة الإسلامية والعربية، وقد أعاد الإسلام إلى المرأة إنسانيتها، بعد أن كانت عند الرجل في الجاهلية أدنى مرتبة من الحيوان، فهو يعنى بناقته وعنزته وكلبه، دون أن يكون للمرأة موضعٌ في اهتماماته. صار من حق المرأة أن تختار زوجها، وأن توافق على من يتقدَّم لخطبتها، وأن تحتفظ باسمها، وشخصيتها المدنية، وأهليتها في التعاقد، وحقِّها في الملكية، فلا يضيع من استقلالها المالي شيء. صارت عضوًا كاملًا في المجتمع، لها كل الحقوق، وعليها كل الواجبات في أبعاد الحياة المختلفة. وهو ما لم يكن قد عرفه تاريخ العرب، ولا البشرية جميعًا! ومن حقوق المرأة على زوجها العشرة بالمعروف والعدل، والحقوق الجسدية.

كانت المرأة موجودة في عصور الإسلام الأولى قاضية وفقيهة وعالِمة وشاعرة وأديبة … إلخ؛ فالمناصب التي تتولاها المرأة الآن — بعد أن غابت عنها لفترات طويلة — إنما هي وصْل ما لحق بما سبق، هي استمرار — على نحوٍ ما — لما تحقق في القديم.

وإذا كان مجتمعنا العربي والإسلامي قد واجه اتهامات ظالمة على أيدي بعض المستشرقين، منها أن المرأة لا تؤدي دورًا فاعلًا في حياة مجتمعها وأسرتها، فمن المهم أن نسلط الضوء — بحثيًّا ونقديًّا — على الإبداعات العربية بعامة، باعتبارها نموذجًا لتأكيد إسهامات المرأة المسلمة العربية في توالي العصور، إلى عصرنا الحالي. ذلك ما نجده في صورة المرأة العربية — تاريخيًّا — منذ أسطورة إيزيس، وقصة الأخوين الفرعونية التي تُعَد أولى القصص في تاريخ الأدب العالمي، ثم السِّيَر والحكايات العربية التي تقوم فيها المرأة بدورٍ بارزٍ، مثل السيرة الهلالية وسيرة عنترة وذات الهمة، ثم حكايات ألف ليلة وليلة، ثم الحكايات والنوادر والقصص العربية التي تتبدَّى فيها الوجوه المختلفة لشخصية المرأة، ثم تبين شخصية المرأة عن أبعاد جديدة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية، والتوقف عند بعض الأعمال المهمة التي تتبدَّى فيها شخصية المرأة بصورة واضحة، مثل الأعمال التي كتبتها المرأة، وغيرها من الأعمال الروائية والقصصية والمسرحية التي يركز فيها الكاتب على المرأة في أحوالها المختلفة.

•••

يقول الراوي في رائحة الأنثى: «لا وجود لتاريخٍ دون امرأة، لا وجود لحربٍ لا تحركها امرأة، لا وجود لانتصارٍ دون امرأة.»١

وبداية، فنحن نلحظ — في الملاحم والأساطير الشرقية — أن عبء التخلص من الظروف القاسية، ومجاوزتها، يقع على عاتق المرأة: إيزيس تسعى إلى لمِّ أشلاء زوجها، حتى يعود إلى الحياة مكتملًا، لتنجب منه حوريس الذي صار رئيسًا لمحكمة الموتى. أعادت إيزيس الحياة إلى زوجها بما فعلته، بداية من البكاء الذي فاض بمياه النيل، فحقق الخصب للأرض، بعد أن عانت الجفاف، وانتهاء بإعادة الحياة إلى الجسد المقطع الأشلاء. أحب المصريون أسطورة إيزيس وأوزوريس وست، لأنهم أحبُّوا إيزيس، وجدوا فيها مثلًا للمرأة الزوجة والأم. تشكَّلت في العديد من الأشكال، ومارست السحر والتعويذ، واخترقت النيران والمياه والصخور، في بحثها عن أشلاء زوجها. واللافت أن شعيرة إيزيس قد انتقلت إلى أرجاء العالم، بل إن الكثير من طقوسها قد دخلت في تعاليم الكنيسة.

وقد باعت ناعسة كل شيء، حتى شعرها، وإن لم تفرط في شرفها، ولا في زوجها، وطال انتظارها قبل أن يبرأ أيوب من مرضه. عاف الناس الاقتراب من أيوب، وألقوا به في مزبلة خارج البلدة، لم يبقَ أحد يحنو عليه سوى زوجته، رعت له حقَّه، وأعانته على قضاء حاجته، وقامت بمصلحته، ولما نفد ما تملكه، باعت شعرها لتنفق عليه. زاد من ألمها انصراف الناس عنها، حتى لا تنقل إليهم ما أصاب «أيوب» من مرضٍ. لم تجد حتى من يستخدمها لقاء أجر تحيا به، وتنفق منه على زوجها. أما ملحمة الرامايانا الهندية فقد حملت فيها المرأة، الزوجة، عبء الحياة، وبذلت الجهد، دفاعًا عن كيان الأسرة، وعن المجتمع والعالم بالتالي.

•••

كان وضع المرأة في مصر، وفي الجانب الشمالي الغربي من بلاد العرب، متشابهًا إلى حدٍّ كبير. وكان في إجماله «أرفع وأعظم من مركزها في أي بلدٍ من بلدان العالم القديم.» اللافت أن المجتمع المصري القديم يدين — منذ نسج خيوط حضارته الأولى — بالأسرة، ويعدها — مثلما هو الحال الآن — نواة المجتمع بعامة. يقول بتاح حتب في نصائحه الشهيرة: «إذا كنت رجلًا حكيمًا، فكوِّن لنفسك أسرة.» والحكيم آني يقول تلميذه خونس حتب: «لا تُغضِب والدتك لئلَّا ترفع يديها إلى الله، فيستجيب لدعائها عليك.» وتقول بردية بولاق (الكلمات موجَّهة إلى طفل): «ضاعف الخبز الذي تعطيه لأمك، واحملها كما حملتك، لقد كنت عبئًا ثقيلًا عليها، لكنها لم تتركك. لقد ولدت لها بعد تسعة أشهر، لكنها ظلَّت تعنى بك، وكان ثديها في فمك مدى ثلاث سنوات كاملة [واضح من طول فترة الرضاع بالقياس إلى طفل أيامنا الحالية، قبل أن يجاوز عامه الأول، أن المرأة — قديمًا — كانت أشد رفقًا بوليدها من المرأة في أيامنا الحالية!] ومع أن قاذوراتك شيء تتقزز منه النفس، فإن قلبها لم يتقزز، ولم تقل: ماذا فعل؟ وظلَّت تذهب من أجلك كل يوم تحمل إليك الجعة من منزلها. وعندما تصبح شابًّا، وتتخذ لك زوجة، وتستقر في منزلها، فضَع نصب عينيك كيف ولدتك أمك، وكل ما فعلته من أشياء لأجل تربيتك، لا تجعلها توجه اللوم إليك، ولا تجعلها ترفع يديها إلى الله لئلَّا يستمع إلى شكواها.» ويقول آني: «لا تمثِّل دور الرئيس مع زوجتك في بيتها، واجعل عينيك تلاحظان في صمتٍ، فيمكنك أن تتعرف إلى أعمالها الحسنة، واجعل يديك معها تعاونًا لها، وتعلَّم كيف تمنع أسباب النزاع في دارك، فلا مبرر لخلق النزاع. إن كلَّ رجل يستقر في منزلٍ يجب أن يجعل قلبه ثابتًا غير متقلِّب، فلا تسعى وراء امرأة أخرى، ولا تجعلها تسرق قلبك.»

لم يكن الطلاق — في مصر الفرعونية — شيئًا عاديًّا، كان يتم في حالتين: إذا زنت الزوجة، فيطردها الزوج من بيته دون أن يعوضها بشيء، أو إذا أدرك — لسببٍ ما — استحالة العشرة بينهما، فيسرحها بإحسان، ويهبها — لتحيا في ذاكرته — بعض أمواله وأملاكه. وأشهد، لقد دمعت عيناي وأنا أقرأ هذه الرسالة التي كتبها ضابط مصري، فوجئ — بعد عودته من غيبة — بوفاة زوجته، فكتب على قبرها: «ماذا فعلت بك من سوء حتى أجد نفسي في هذه الحالة السيئة التي أنا فيها الآن؟ لقد كنت زوجتي عندما كنت في سن الشباب، وكنت عندك ولم أتخل عنك، ولم أدخل على قلبك أي همٍّ، وعندما كنت أرأس ضباط جيش فرعون وجنود العربات، جعلتهم يحضرون ليخرُّوا سجَّدًا بين يديك، وقد جعلوا أنواعًا وأشكالًا من الأشياء لكي يضعوها أمامك، ولم أخفِ عنك شيئًا طول حياتك، ولم أفعل بك سوءًا، ولم أخنك. وعندما مرضت بهذا المرض الذي اعتراك استحضرت كبير الأطباء. وعندما وجب عليَّ أن أرحل إلى الجنوب في رفقة فرعون، كنت بأفكاري عندك، وقضيت الشهور الثمانية دون أن آكل أو أشرب كما يفعل الناس. وعندما عدت إلى منف، استأذنت فرعون وحضرت إليك — كانت قد ماتت — وبكيتك كثيرًا مع أهلي أمام منزلي.»

نصائح الحكيم المصري القديم بتاح حتب لابنه تقول: «إذا كنت ناجحًا، وأثَّثت بيتك، وكنت تحب زوجة قلبك، فاملأ بطنها، واكس ظهرها، وأدخل السرور على قلبها طول الوقت الذي تكون فيه لك، أحبب زوجتك في البيت كما يليق بها، وعطِّر بشرتها بالعطر، فالعطر علاج لأعضائها، وأسعدها ما حييت، فالمرأة حقل نافع لولي أمرها، ولا تتهمها عن سوء ظن، وامتدحها تضعف شرها، فإن نفرت، راقبها، استمِل قلبها بعطاياك، تستقر في دارك، وسوف يكيدها أن تعاشر ضرة أخرى، إنها حرث نافع لمن يملكه، وإن عرضتها كان في ذلك خرابك.»٢ تأمَّل المعنى!

حتى الحالات التي كان الزوج يتنازل فيها عن جميع أملاكه ومكاسبه المستقبلية — والتعبير لفلاندرز بيتري — فإن الركيزة التي كان يقوم عليها ذلك التنازل هي نظرة المصريين — نظرة يقينية! — بأن الزواج إنما هو علاقة أبدية تذيب في استمرارها الحساسيات.

وفي ضوء هذه النظرة إلى قيمة الأسرة، تأتي النظرة إلى قيمة الأولاد. يقول آني: «إن أحسن شيء في الوجود هو بيت الإنسان الخاص به. أن يتخذ المرء لنفسه زوجة وهو صغير حتى تعطيه ابنًا يقوم على تربيته وهو شاب بعدُ، ويعيش حتى تراه وقد اشتد وأصبح رجلًا. السعيد مَن كثرت عياله وناسه، فالكل يوقرونه من أجل أبنائه» … إن الأولاد يمثِّلون عزوة — على حد التعبير المصري — والعزوة هنا تعني أن يحفظ الأولاد — والذكور بالذات — اتصال اسم الأسرة، فالعائلة، واستمراريته، ثم الوقوف إلى جانب الأب حتى وفاته. لذلك فإن الأب يُذكَر باسم أكبر أبنائه بدلًا من اسمه الشخصي!

ثمة آراء تذهب إلى أن المكانة التي كانت تحظى بها المرأة في المجتمع المصري القديم، لم تكن لأن المجتمع كان يغلب سلطة الزوجة على سلطة الزوج … ففي ذلك العصر الذي بدت فيه الزوجة أرسخ مكانة من الزوج، كانت رسوم الفنانين تحرص على أن تكون المرأة دومًا أقصر من زوجها. والمعنى — بالطبع — واضح، ومع ما داخل المعتقدات والعادات والتقاليد — وربما المثل والقيم أيضًا — فإن الرجل ظلَّت له مكانته التي لا تخطئها العين، إنه «رب» الأسرة أو العائلة، وظلُّه — أو ضلُّه — أفضل من ظل حائط!

هذه الآراء — في تقديري — تحتاج إلى مراجعة في ضوء المكانة الحقيقية التي كانت تحتلها المرأة في مصر الفرعونية. كان من حق المرأة أن تتزوج، وتنفصل عن زوجها، متى شاءت، وأن تتصرف فيما ترث وتملك متى أرادت. ولعلِّي أذكِّرك بقول ماكس مولر: «ليس ثمة شعب — في أي عصر — رفع منزلة المرأة، مثلما فعل ذلك سكان وادي النيل.»

•••

إن ما كانت تتطلَّع إليه المرأة، ما تسعى إليه، أن تتخلص من قهر المجتمع الأبوي الذكوري وسطوته. ففي ٢٦٠٠ ق.م. — على سبيل المثال — كتب الوزير بتاح حتب «المرأة مثل مجرى الماء العميق، لا يعرف المرء قدر ثورته.» وتشير نوال السعداوي إلى ثورة «منف» الشعبية التي قام بها المصريون ضد سلطة الفرعون (عام ٢٤٢٠ق.م.) ودعت إلى تكافؤ الفرص بين الأغنياء والفقراء، وبين النساء والرجال. لكن المؤرخين — في رأي السعداوي — تجاهلوا دور المرأة، وما دعت إليه في هذه الثورة الشعبية التي أُحرِق فيها قصر الفرعون.٣ وتجددت الثورة، يقودها الرجال والنساء — ١٢٦٠ق.م. — ثم أعيدت للمرأة في الأسرة العاشرة حقوقها المسلوبة. قُضي على نظام التسري، وتساوت المرأة في الحقوق العامة والخاصة مع الرجل، لكن نتائج الثورة ما لبثت أن أجهِضَت، ونزع الإقطاع الفرعوني من النساء وفقراء الفلاحين حقوقهم، واقتصر على الرجل حق الطلاق والنسب والكهنوت. ثم تجددت الثورة في ٦٦٣ق.م. واستردَّ النساء والفقراء بعض حقوقهم المسلوبة.٤ وللأسف، فقد أغفلت معظم الكتابات التاريخية هذه الثورات التي خاضتها المرأة، دفاعًا عن حقوقها العامة والخاصة.
نحن نجد في البرديات ونقوش المعابد وتماثيل الملكات، تأكيدًا للدور الذي أدَّته المرأة في صياغة ملامح مصر القديمة، سواء على مستوى القيادة الحاكمة، أم العمل في المهن المختلفة، أم المشاركة كزوجة. وتاريخيًّا، فقد تقلَّدت سيدات الأسر المالكة البطلمية مناصبَ رفيعة في المجتمع، والسلطة أحيانًا، من أزواجهن، بالإضافة إلى استمتاعهن بالاستقلال في حياتهن الخاصة. حتى في عهود الجاهلية التي كان فيها وأد البنات تصرفًا معلنًا، وغير مستهجن، وإذا كان شرح ابن عقيل قد ذهب إلى أن أصل الاسم أن يكون مؤنثًا، والتأنيث فرع من التذكير، فإن اللغة تنحاز — في المواصفات والمسميات الدينية — إلى الأنثى، فبعض آلهة العرب كنَّ إناثًا، مثل مناة واللات والعزى. وقد امتدت التسميات المؤنثة في الإسلام، مثل فاتحة الكتاب، ومكة أم القرى، وأسماء الجموع تشمل الفئة والجماعة والعصبة والشلة والطائفة والشيعة والقبيلة والأسرة والذرية.٥ ومن سنن العرب، تذكير المؤنث، وتأنيث المذكر، كقول القرآن: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ، وقوله: قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا. كما جمعت اللغة بين الأنوثة والذكورة في صِيغ كثيرة.٦ وفي بيت شعر للمتنبي:
وما التأنيث لاسم الشمس عيب
ولا التذكير فخر للهلال

والطريف — والغريب — أن المرأة في العهد الفاطمي (هل تذكر أوامر الحاكم بأمر الله التي ألزمت المرأة بيتها؟) كانت تملك حرية التصرف في أموالها، فلا دخل للزوج بما تُقدِم عليه من تصرفات، وكان من حق الزوجة طلاق أية امرأة يتزوجها الزوج بعدها، وهو ما اعتبره البعض — في زماننا الحالي — خطأ ينبغي مناقشته!

المرأة هي العقل الجميل، وليس الحب الجميل، العقل الجميل هو الاستمرار والفهم والتفهم والتعاطف والمشاركة، أما الحب الجميل، فإن له — في الأغلب — موهبة وحيدة، مجالها الفراش.

•••

اللافت أن صورة المرأة تتماهى مع صورة الأفعى في الكثير من الإبداع العربي. يقول أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة على لسان ديوجانس: «إن المرأة تُلقَّن الشر من المرأة، كما أن الأفعى تأخذ السم من الأصلة.»٧ ويقول التوحيدي — على لسان محمد بن واسع — «ينبغي للرجل أن يكون مع المرأة، كما يكون أهل المجنون مع المجنون، يحتملون منه كل أذًى ومكروه.»٨ وثمة من يذهب إلى أنه منذ همست الحية في أذن حواء حتى أغوت آدم، صارت حواء أسيرة الشيطان، وقيل حليفة الشيطان، فليس للشيطان عهد، حتى يكون له حليف.٩ والثابت — دينيًّا — أن إبليس هو الذي أغوى آدم لكي يأكل من التفاحة المحرمة.
يقول الفقيه في رواية رائحة الأنثى لأمين الزاوي «يجب أن تكون الآلهة إناثًا، لأن ترتيب الجنة بكل تلك الغواية والإغراء والفتنة لا يكون إلا من إبداع أنثى، الأنثى الأصل، هي عمق الانهيار، وأصل الطوفان، والقيامة، والإنشاد.»١٠ مع ذلك، فقد ذهب البعض إلى أن النساء أقل ساكني الجنة، لما يغلب عليهن من الهوى، والميل إلى عاجل زينة الدنيا لنقصان عقولهن.١١ كانت النظرة إلى المرأة العربية — فيما يشبه اليقين — (وهي نظرة ممتدة حتى الآن للأسف) أن المنزل هو عالمها، وأنها تولد، وتعيش، وتعمل، وتموت فيه، لا تتركه إلا للضرورة «أما الحياة العامة فليست من شأنها.»١٢ ويقول الإمام الغزالي «على المرأة أن تظل في بيتها، لازمة منزلها، لا يكثر صعودها وإطلاعها، تحفظ بعلها في غيبته، ولا تخونه في مالها ونفسها، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه، وإن خرجت، فمحتجبة بهيئة رثة.» وقد ظلَّت صورة المرأة العربية، والمجتمع العربي بالتالي — تذكيها نظرة استعمارية — تركز على الجنس والأنوثة والخصوبة، وانعكست تلك الصورة في كتابات الرحَّالة الفرنسيين الذين زاروا المنطقة العربية.١٣

•••

ثمة ملاحظات تنعى على المرأة قلة حيلتها في قضايا تتصل بالشرع، مثل قوامة الرجل، تعدد الزوجات، نشوز الزوجة، انتقاص شهادة المرأة أمام القضاء، حصولها في الميراث على نصف ما يحصل عليه الرجل. والحق أن الأصل في الإسلام هو المساواة بين الجنسين: الذكر والأنثى، المرأة والرجل. لم يميز الإسلام بين أتباعه رجالًا ونساءً، ولا فضَّل أحدهما على الآخر إلا بالعمل الصالح. أكد — دومًا — على تساوي الجنسين «في الأصل الذي تفرع عنه الإنسان، في المرتبة والقيمة الإنسانية، في القوة البدنية والإدراك العقلي، وكرَّم بني آدم على العموم، ولم يخص بذلك الرجال دون النساء.»١٤ وقد انتقد القرآن ما كان يبديه الرجال في الجاهلية، حين يعرف الرجل أنه قد استولد زوجته أنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (النحل: ٥٨-٥٩). وتقول الآية فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (آل عمران ١٩٥). وتقول الآية مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النحل ٩٧). وتقول الآية وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة ٢٢٨)، ومعنى الآية أن للنساء من الحقوق مثلما عليهن من الواجبات، مقابلًا للأمر نفسه بالنسبة للرجال. يضيف المفكر السوداني الباقر العفيف: «أما آية وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ، فتمثِّل أولى درجات نسخ آية المساواة، وهي تعني أن للرجال على النساء درجة على مستوى الروح والأخلاق، وليس على مستوى الحقوق، وذلك تمهيدًا لنسخها كلية بآية القوامة.»١٥ وفي سورة غافر مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (غافر: ٤٠). وفي سورة النساء وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا. الإسلام يخاطب النساء والرجال باعتبارهم قد خلقوا من نفس واحدة يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ (سورة النساء:١). أما القوامة التي وردت في الآية الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء، فتعني الرياسة التي يتصرف فيها المرءوس بإرادته واختياره، وليس أن يكون المرءوس مقهورًا مسلوب الإرادة، لا يؤدي عملًا إلا ما يوجهه إليه رئيسه، القاعدة الأساسية هي المساواة بين الزوجين في كل شيء،١٦ ويوضح الإمام محمد عبده المعنى بأن المراد بالقيام هنا، هو الرياسة، التي يتصرف فيها المرءوس بإرادته واختياره، وليس معناها أن يكون المرءوس مقهورًا مسلوب الإرادة، لا يعمل عملًا إلا ما يوجهه إليه رئيسه، فإن كون الشخص قيِّمًا على آخر، هو عبارة عن إرشاده، والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده إليه، إن الرجل من المرأة، والمرأة من الرجل، بمنزلة الأعضاء من بدن الشخص الواحد، فالرجل بمنزلة الرأس، والمرأة بمنزلة البدن. والآية في سورة «آل عمران» تقول: بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، بمعنى أن الذكر من الأنثى، والأنثى من الذكر، خُلِق كلاهما من نفس واحدة، وأن كلًّا من الرجل والمرأة مكمِّل للآخر، ويتشاركان في الحياة معًا. أما قول الرسول: «إنما النساء شقائق الرجال» فله معناه الذي لا يحتاج إلى شرحٍ أو تفسير. وقد نُسِب إلى الرسول قوله: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا.» هذا لفظ البخاري كما يقول ابن كثير.١٧ والمعنى يتباين بين الحديث الذي أورده ابن كثير، نسبة إلى الرسول، وبين اختصاره في كلماتٍ مبتسرة. الاختصار لم يخل بالمعنى فحسب، لكنه أفسده تمامًا. أما القول وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى، فليس من كلام الله، لكنه من كلام أم السيدة مريم العذراء، فقد تصوَّرتْ أن الذكر أفضل من الأنثى، وحزنت لرزقها بأنثى، ثم تبيَّن لها أن الأنثى قد تكون أفضل من الذكر، مثلما أن الذكر قد يكون أفضل من الأنثى. المحك — في كل الأحوال — هو المعرفة والوعي والاستعداد النفسي. ولا يخلو من صحة قول رشيد رضا إن الآية فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى، جاءت في موضع التحسر والاعتذار، لأنها كانت قد نذرت ما في بطنها لخدمة بيت الله، والانقطاع لعبادته فيه، وهو ما تصورت أن الأنثى لا تصلح له. وجاء قول الله وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ تأكيدًا لمكانة الأنثى التي وضعتها، وأنها خير من كثير من الذكور. لذلك فقد تقبَّل الله ولادة مريم قبولًا حسنًا. ويقول أبو حيان في المحيط «رُبَّ أنثى فضلت ذكرًا.» تقول خديجة صبار: «القصص الدينية التي تبدو — في ظاهرها — تسجيلًا للعيوب وأوجه النقص، والعجز في تفكيرها — المرأة — وسلوكها، أبرز شاهد يكشف في العمق عن دورها الخلاق في تقدم المعرفة الإنسانية وإبداع الحضارة، قصة خروج آدم من الجنة ترمز إلى عقلية المرأة، وتفكيرها المتشكك، وبحثها عن الحقيقة، ورغبتها في المعرفة. وهبوط آدم إلى الأرض أولى الخطوات لخلق المجتمع الإنساني، صانع الحضارة التي تدين بوجودها في الجوهر إلى المرأة، الباحثة عن الحقيقة، والشك حافز وأساس الابتكار والإبداع، وحواء أول من مارس هذا الحق، فكانت النتيجة إبداع الحضارة في الكون، فلم لا تكون الإنسانية مدينة لها في هذا المجال؟ يقول أبو حامد الغزالي: من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في متاهات العمى والضلال.»١٨ ومن الشبهات التي تروَّج ضد الإسلام أنه ظلم المرأة؛ حيث جعل نصيبها في الميراث نصف نصيب الرجل. والحقيقة أن القول بأن الذكر له حظ الأنثيين ليس مطلقًا، اختلاف الأنصبة في توزيع الميراث ليس الأصل فيه اختلاف النوع من ذكرٍ وأنثى، وإنما اختلاف الأنصبة يأتي لثلاثة معايير: درجة القرابة بين الوارث والموروث ذكرًا أو أنثى، وموقع الجيل الوارث، بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات. وثمة العبء المالي الذي يؤدي إلى التفاوت في أنصبة الميراث يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ، فهو إذن يتناول حالة أب وأولاده وبناته؛ حيث الابن مسئول عن الإنفاق على زوجته وبيته، فضلًا عن مسئوليته في الإنفاق على الأبوين في حالة تقدُّم عمرهما، ولا يكلف الشرع الابنة بشيء من ذلك.١٩ وثمة حالات تُميَّز فيها المرأة على الرجل في الأنصبة. وبالنسبة لتعدد الزوجات، فإنه ليس مطلقًا كذلك، الآية تقول فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (النساء:٣)، ويتبع الآية شرط العدل بين الزوجات، ويقول وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ (النساء: ١٢٩)، ويقول فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً (النساء: ٣).
يتحدث صنع الله إبراهيم (أمريكانللي) عن مخطوطة «المردفات من قريش» لأبي الحسن علي بن محمد المدائني (تُوفي في ٩٣٨ بعد قرنين وربع قرن من الهجرة). والمردفات هن النساء اللائي لم يكتفين بزوجٍ واحدٍ، بل أردفن زوجًا بعد زوج، نساء مثقفات، ينتمين إلى الأرستقراطية القُريشية، طلبن من الرسول حقوقهن متسائلات: ما السبب في أن القرآن لم يذكر شيئًا بشأنهن؟ ثم جاءت سورة النساء بقوانين الإرث الجديدة التي جرَّدت الرجال من ميزات كثيرة. لم تعُد المرأة تورَّث كما تورَّث النياق وأشجار النخيل، وهو الوضع الذي كان سائدًا في الجزيرة العربية، بل صار لها الحق في أن ترث.٢٠
وأما الحديث المنسوب إلى الرسول «النساء ناقصات عقل ودين» فالبيهقي يقول: «لم أجده في شيء من كتب الحديث»، وذهب آخرون إلى أن الحديث لا يثبت بوجه من الوجوه. وثمة تفسير لا ينفي صحة الحديث، وإن لاحظ أن النساء — في ذلك الزمان — كن — بشكلٍ عام — قعيدات البيوت، لا ينزلن إلى الأسواق، ولا يمارسن الأمور المالية، مثل الرجال، مما أثر على وعيهن بطبيعة الحياة المعيشة. وروى شجاع في رواية علي أحمد باكثير سيرة شجاع عن خروج الصحابيات في عهد الرسول — — مع المقاتلين، إلى الميدان، وينبِّهه رأي: وما كن يقاتلن، بل يخدمن المقاتلين، ويأسون الجرحى، ويحملن الرواء للعطاش.

– بل كان منهن من اشتركن في القتال، وخاصة في فتوح الشام على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

– ما أحسبهن إلا اضطررن إلى ذلك.

– قد تضطر نساؤنا أيضًا!٢١
وكان من بين رواة الحديث عن الرسول — — أكثر من سبعمائة امرأة، تميزت رواياتهن بالصدق والأمانة، والبعد عن الوضع والتلفيق. وقد اتهم الإمام الحافظ الذهبي أكثر من أربعة آلاف رجلٍ من هواة الحديث بعدم الدقة والغفلة والتدليس، وأضاف قوله: «وما علمت من النساء من اتُّهمت ولا من تركوها.» وقد ولَّى عمر بن الخطاب الشفاء بنت عبد الله المخزومية قضاء الحسبة على سوق المدينة،٢٢ وأفتى الإمام ابن حزم بجواز أن تتولى المرأة الحكم، وأجاز الإمام ابن جرير الطبري تولي المرأة القضاء في كل شيء، يجوز للرجل أن يقضي فيه دون استثناء. بل إن الثابت — تاريخيًّا — أن المرأة كانت موجودة في عصور الإسلام الأولى قاضية وفقيهة وعالِمة وشاعرة وأديبة … إلخ. المناصب التي تتولاها المرأة الآن — بعد أن غابت عنها لفتراتٍ طويلة — إنما هي وصل ما لحق بما سبق، هي استمرار — على نحوٍ ما — لما تحقق في القديم. وإذا كانت العوامل السلبية قد فرضت على البشرية ما أعاد خطواتها إلى الوراء، فإن الخطوات نفسها ما لبثت أن واصلت السير في طريق الإيجاب والفعل المتقدم.
المرأة والرجل — في تفسير الإمام محمد عبده للآيات التي تناقش العلاقة بينهما — «متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل، أي إن كلًّا منهما بشرٌ تامٌّ؛ له عقل يتفكر في مصالحه، ولا سيما بعد عقد الزوجية، والدخول في الحياة المشتركة، التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كلٍّ من الزوجين للآخر، والقيام بحقوقه.»٢٣
أعاد الإسلام إلى المرأة إنسانيتها، بعد أن كانت عند الرجل في الجاهلية أدنى مرتبة من الحيوان، فهو يعنى بناقته وعنزته وكلبه، دون أن يكون للمرأة موضعٌ في اهتماماته. صار من حق المرأة أن تختار زوجها، وأن توافق على من يتقدَّم لخطبتها، وأن تحتفظ باسمها، وشخصيتها المدنية، وأهليَّتها في التعاقد، وحقها في الملكية فلا يضيع من استقلالها المالي شيء. صارت عضوًا كاملًا في المجتمع، لها كل الحقوق، وعليها كل الواجبات في أبعاد الحياة المختلفة. وهو ما لم يكن قد عرفه تاريخ العرب، ولا البشرية جميعًا! ومن حقوق المرأة على زوجها العشرة بالمعروف، والعدل، والحقوق الجسدية.٢٤ وكانت المرأة في عهد النبوة تخرج من بيتها، تنزل إلى الأسواق، وتخالط الرجال في الحياة العامة. وكان من العادي أن ينظر الرجل إلى المرأة، يتأمل محاسنها، بحثًا عن الزوجة الصالحة. ولم تكن تخصص مواضع للنساء، في أماكن العبادة، وفي الأسواق، وفي المناسبات المختلفة. وفي أحكام الشرع، أنه يحق للمرأة أن تصلي في الجامع، وتشارك في الأنشطة المختلفة، بداية من حضور دروس الفقه والدين، حتى اختيار الخليفة. وعن الإمام الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقول: إن النساء والرجال كانوا يتوضئُون في زمان رسول الله جميعًا، وقد سنَّ الرسول لحفل الزفاف أن يلهو فيه النساء والرجال، ويستمتعون بالغناء وضرب الدفوف.

والأمثلة لا حصر لها.

•••

كان فجر الإسلام، وضحاه، وظهره، أشبه بالدفعة القوية التي أعطت للمرأة وضعَها وحقوقَها، ثم فقدَ الغربال شدَّته، وران التخاذل على الكثير من المواقف، وعادت إلى الظهور تصورات ومعتقدات وتقاليد كانت غائبة، وتراجعت المرأة بضعفٍ في شخصيتها يصعب تبيُّن بواعثه، وبتحويرات من الرجل سعت إلى إقصائها عن موضعها. ومن المرجح — في تقدير هدى لطفي — أن عزل النساء قد بدأ يتخذ منحًى أكثر صرامة في العصر العباسي المتأخر، نتيجة لتعزيز سلطة الدولة.٢٥ أضاف إلى حجم المشكلة، أو أسهم في تجسيدها، أن المرأة دخلت في عهود المماليك والعثمانيين نفقًا لم تبصر في ظلمته ما يدلُّها على أيٍّ من حقوقها التي استُلبت تحت مسميات الحريم، والحرملك، واليشمك، والبرقع، والخصيان، والأغوات، والقائمة طويلة، تصنع — مجموع مفرداتها — أسوارًا عالية حول واقع المرأة.
قامت النساء بدورٍ مهمٍّ في صُنع وتشكيل التاريخ العربي. مع ذلك، فقد تم استبعادهن من التاريخ الرسمي المدوَّن، أو تم تهميش أدوارهن، مما أدَّى إلى تشويه التاريخ، وتشويه الذاكرة الجمعية بالتالي.٢٦ ولعلِّي أوافق فاطمة المرنيسي على ضرورة العناية بتقديم دراسة جادة للتعاليم الإسلامية، بدلًا من ترك تأويل تلك التعاليم في أيدي غلاة السلفيين، ومن يجدون كلَّ خير في اتِّباع من سلف، وكلَّ شر في اتِّباع من خلف!

هوامش

(١) أمين الزاوي، رائحة الأنثى، دار كنعان للدراسات والنشر، ١١١.
(٢) عالم الفكر، المجلد السابع، العدد الأول.
(٣) الأهرام، ٢٢ / ٥ / ١٩٩٩م.
(٤) المرجع السابق.
(٥) محمد عبد المطلب، جريدة القاهرة، ٢٨ / ١٢ / ٢٠٠٤م.
(٦) المرجع السابق.
(٧) أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، ٧٩.
(٨) المصدر السابق، ١٠٨.
(٩) إبراهيم أسعد محمد، القوى الخفية، نظرات في تاريخ السحر.
(١٠) رائحة الأنثى، ٢٨.
(١١) القرطبي، التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، دار العلوم العربية.
(١٢) مريم سليم وأخريات، المرأة العربية بين ثِقَل الواقع وتطلعات التحرر، مركز دراسات الوحدة العربية، ٣٥.
(١٣) النساء والأسرة وقوانين الطلاق في المجتمع الإسلامي، ١٧.
(١٤) زمن النساء والذاكرة البديلة، ١٦٣.
(١٥) جريدة «القاهرة»، ١٦ / ٩ / ٢٠٠٣م.
(١٦) فاطمة الزهراء أزوريل، المسألة النسائية في الخطاب العربي الحديث، المجلس الأعلى للثقافة، ٥٣.
(١٧) قصص الأنبياء، دار إحياء الكتب العربية، ٢١.
(١٨) خديجة صبار، المرأة بين الميثولوجيا والحداثة، أفريقيا الشرق ببيروت، ٨.
(١٩) فهمي هويدي، كلمة حول المرأة، الأهرام ٣ / ١١ / ١٩٩٨م.
(٢٠) صنع الله إبراهيم، أمريكانللي، دار المستقبل العربي، ٢٠٧.
(٢١) علي أحمد باكثير، سيرة شجاع، مكتبة مصر،٢٤١-٢٤٢.
(٢٢) يوسف القرضاوي، فتاوى معاصرة، دار آفاق الغد، ٦٣.
(٢٣) محمد أحمد خلف الله، حقوق المرأة وقانون الأحوال الشخصية، اليقظة العربية، العدد الرابع، السنة الأولى، يونيو ١٩٨٣م.
(٢٤) سيد عويس، الازدواجية في التراث الديني المصري، ٦٣.
(٢٥) زمن النساء والذاكرة الجميلة، ٧٣.
(٢٦) هدى الصدة وأخريات، زمن النساء والذاكرة الجماعية، ملتقى المرأة والذاكرة، ١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤