مسرحية جمهورية فرحات

المنظر

(الأحداث تدور في الفناء الداخلي لقِسم من أقسام البوليس؛ حيث على اليمين «آرش» يؤدي إلى الباب الخارجي، وفي الوجه مكتب الضابط النوبتجي. وعلى اليسار حجرة المعاون. بابها مغلق. وعليها لافتة. هناك سور خشبي يفصل مكتب الضابط النوبتجي عن بقية الفناء. على يمين المكتب السلاحليك. وفيه بنادق مجنزَرة، وخلفه لوحة عليها خوذات وسلاسل وجنازير وبلط. على اليسار خزانة قديمة فوقها مروحة لا تُستعمل. الجدران مطلية لمنتصفها باللون الأسود، والوقت حوالي التاسعة مساء، والنور شاحب، وضعيف، والوجوه تبدو غلبانة، وفيها قُبح وبشاعة. حين يُفتح الستار يكون أمام الضابط النوبتجي مجموعة متَّهمين يحجبونه عن الجمهور، ولا يظهر وجهه إلا حين يقفون صفًّا، الجو كله مزدحم بالرهبة والخوف والسلطة.)

(تبدأ الرواية قبل فتح الستار.)

صوت : داورية، كتفان سلاح (قرقعة بنادق غير منتظمة).
داورية، جنبان سلاح (قرقعة بنادق غير منتظمة).
الضابط : الأوضة التانية فيها البنات اللي متراقبين؟
الأومباشي : أيوه يا افندم، تلات بنات ووليه عجوزة.
الضابط : والحَجز؟
محمد : ما اقعدش في الحجز.
الضابط : إنت فاكرها لوكاندة؟ إحنا اللي نقعَّدك زي ما احنا عاوزين. الحجز، حُطُّه في الحجز.
الأومباشي : يا افندم الحجز مافيهش ولا خُرم إبرة فاضي، مليان كله، أصل فيه تحرِّي كتير النهاردة.
الضابط (مفكِّرًا) : طيب اسمع، نخليه هنا في الأوضة دي للصبح. أهي ليلة، كلها كام ساعة ويروح على النيابة. (يلتفت إلى العسكري) اسمع، إنت حاتستلمه، ومسئول عنه لغاية الصبح. إوعى تسيبه، والَّا نُحطِّ لك الحديد في إيديه؟
محمد : لا يمكن تحط حديد في إيديا. علشان إيه؟ هو أنا نشَّال؟ لا يمكن.
الضابط : أسكت انتَ، (ثم للعسكري) هيه؟
العسكري : يا افندم هي دي أول مرة؟ والله لمَّا يكون هو الجن الأحمر.
الضابط : خلِّي بالك.
العسكري : ما تخافشي يا افندم، خلِّيها على الله.
أصوات (من الخارج) : ما لمَّعتش الزراير ليه؟ كده يا رزق؟ وإنت دي جزمة يا بني آدم؟ نبطشية زيادة، إيه البدلة دي يا واد؟ طالع الداورية ببدلة مقطوعة؟ حبس. خده يا رزق، يلَّله دوَّرهم يا شاويش.
صوت آخر : داورية، كتفان سلاح (قرقعة سلاح) داورية، جنبان سلاح، داورية، صفا (قرقعة سلاح) داورية، انتباه (قرقعة سلاح) داورية، كتِفان سلاح (قرقعة سلاح) داورية، لليمين دُر (قرقعة سلاح) داورية، للشمال دُر (قرقعة سلاح) داورية، أربعات تشكيلات، داورية كما كُنت، داورية، لليمين دُر، داورية، معتدان مارش.

(وقع أقدام الداورية يُسمَع من بعيد.)

صوت (من الخارج) : آي، والله مظلوم يا افندي، والله مظلوم يا عالم، والله ماني عارف هي فين، حاموت، إلحقني يابا، حايموتوني، آي.

(يُفتح الستار.)

فرحات : ما تنطق يا بجم، اسمك إيه؟
واحد : حلاوة.

(ترتفع غمغمة الواقفين.)

فرحات : بس، اخرس إنت وهوه، اخرس يا حيوان، حلاوة إيه لوح؟ اخرس انت، انطق انت، اسمك إيه؟
الواحد : حلاوة علي حلاوة.
فرحات : بس، ولا كلمة، بس، راجع عليَّ يا عبد التواب، اللي يسمع اسمه يُرد، كلمة واحدة مش عاوز، واللي يسمع اسمه يُرد، اقف صف إنت وهوه، صف يعني صف، وجع لما يصفِّي عينك مِنك له.

(قرقعة سلاح.)

(المجموعة الواقفة تأخذ في عمل صف غير متناسق، وهنا يظهر وجه فرحات والكاب في منتصف جبهته ومِعطفه مُزرَّر لآخره. ملامحه قاسية مشدودة لا رحمة فيها.)

فرحات : لكاعة موش عايز، هي كلمة وحبلة مين شدت رجلك أنت وهو؟ (الواقفون يزومون.)
صوت : ما بلاش شتيمة بقا.
فرحات : اخرس عمى في عينك وعين اللي جابوك.
صوت : ما بقالنا خرسانين من إمبارح، حد اكلم؟
فرحات : باقول لك اسكت أحسن اقوم اقطع لسانك ده، إخرس.
صوت : خِرسنا.
فرحات : ما تتكلمش، ما تنطقش.
صوت : موش ناطقين.

(أصوات زمزأة في الصف.)

صوت : إيه ده؟
صوت : ما احنا ساكتين أهو.
صوت : كلونا بقا.
صوت : دي ما كانتش ليلة.
فرحات (مُحرَجًا) : يا واد انت وهو، إنكتم منك له. لحسن وحياة تربة أبويا أخلي ليلتكو أسود من قعر الحلَّة.
صوت (منفرجًا) : هي حاتسود أكتر من كده؟ بقالنا عشرة ايام. كل يوم اخرس، اخرس، مستنيين الفيش، النيابة أفرجت عنَّا بقالنا سنة، وكل يوم لسه ما جاش، إيه هو ده؟ موش بني آدمين؟ والَّا اللي خلقنا نسينا؟

(أصوات.)

واحد : أنا بقالي ١٥ يوم على دي الحال.
واحد : ما تموتونا وتريَّحونا.
فرحات (بعصبية) : اخرس، يا واد انت وهو.

(الأصوات جميعها في أوقات متفاوتة.)

واحد : ما آدي احنا خرسانين.
فرحات : اخرس، اخرس، هو إيه؟ وكالة.
واحد : والله لباعت تلغراف لرئيس الوزراء.
واحد : إنتي فين يا نيابة؟
فرحات : بقى يعني يا ولاد منقرع إنت وهو، الواحد منكو عامل هنا فرخ؟ ولما يقف قدام المعاون والا المأمور يبقى زي الفرخة؟ هو الذوق ما ينفعش فيكو؟ ما تخرس يا واد إنت وهو. اللي يسمع اسمه يرد، راجع عليَّ يا عبد التواب: محمد علي نعجة.
صوت : م. م. م. موجود.
فرحات : وعمال تمامي ليه؟ طالع للمرحوم والدك؟ علي أحمد نويتو. رد يا واد يا نويتو أصلي …
صوت : حاضر.
فرحات : سعد الدين علم الدين فتح الدين. بقا ده اسم ده؟ دي أسامي ناس يا إخوانا. ليه؟ هي الأسامي بفلوس؟ ما ترد يا واد؟
صوت : أفندم.
فرحات : عبد الحليم شبارة. إبراهيم إبراهيم أبو سنة. سعد رجب سعيد الله محمد رجب. سليم جحا. أصلح علي منصور الشهير بالبرنس. الخفيف علي الخفيف. موجودين؟
أصوات : أيوه يا افندم.
فرحات : يلَّله خدهم يا عبد التواب خليهم يغوروا. دي بلد إيه دي اللي فيها الأشكال دي يا خويا؟ يلَّله انجر منك له. (تغادر الجماعة المكان وهي تغمغم وتدندن.)
(للواقفة أمامه) نعم، أفندم، إنطقي بسرعة.

(امرأة تخينة عجوزة شكلها مشلضم وملامحها مثل الأرتيستات. تبكي.)

فرحات : قوليلي بقا يعني. عايزاني اعمل انا وإنتي ميتم؟ ما تنطقي يا ستي، إسمك إيه؟ وعايزة إيه؟ واعمل لك إيه؟
المرأة : ش. ش. شوقي (تبكي).
فرحات : شوقي إليك عظيم، شوقي إيه؟ ماله؟
المرأة (تكف عن البكاء فجأة، ثم تندفع كالبرابند) : شوقي الطوخي، الولد المايص اللي عمال يعاكسني بقاله تلات تشهر. ساكن قصادي، والشباك في الشباك أقوم من النوم ألاقيه قدامي، أروح دورة المية ألاقيه ورايا، جنِّني، هوسني، طلَّع عيني (تبكي ثم تندفع كالبرابند) بالذوق مافيش فايدة، وسطت الجيران والبوابين والخدَّامين مافيش فايدة، اشتكيته لأبوه لجده لعمه لخاله لبنت اخته مافيش فايدة، عملت له مذكرة هنا في القِسم من شهر مافيش فايدة، مجنِّني، هاوسني، مطلَّع عيني (تبكي).
فرحات : وعايزاني أعمل لك إيه؟
المرأة : عايزاك يا خويا اسم النبي حارسك تبعت تجيبه هنا، وتشخط فيه شخطتين علشان يبطَّل.
فرحات (بغضب) : هو أنا بعبع؟ هو أنا أبو رجل مسلوخة؟ يخوِّفوا بي الحبِّيبة كمان؟ هو أنا فاضي لك يا ولية؟ آدي اللي ناقص، آدي آخرتها.
المرأة : أمال ادلعدي يا اخويا، مش إنت اسم النبي حارسك البوليس؟
فرحات : أيوه أنا البوليس، إنما هي دي شغلة بوليس دي؟ هو يصح البوليس يدخل في الحاجات دي؟
المرأة : الله! ولما ادلعدي يا خويا يعملها بعقله، ويدخل عليَّ الشقة مرة أعمل إيه؟
فرحات : أهو في الحاجات دي نتدخل احنا بقا.
المرأة (تنزل باكية) : لا، لا والنبي يا خويا، سُقت عليكم النبي، سُقت عليك الحسن والحسين، أنا في عرضك، أنا في طولك، تبعت تجيبه وتُشخط فيه كام شخطة، هو إكمني ما ليش حد، هو إكمني المرحوم مات من خمس سنين وسابني لخلق الله تناهدني، الفاتحة لروحه، سبعي وحاميني واللي شفت الويل من بعده.
فرحات : باس، بس، طيب، فهمنا، عرفنا أنا في عرضك، أنا في طولك في تُخنك، خد يا عبد الرءوف خد، خدها يا خويا وهات العاشق الولهان ده، وحياة تربة أبويا لطلع عينيه زي ما طلع عيني.
عبد الرءوف (عسكري) : هو أنا فاضي؟

(المرأة تمسكه من ذراعه.)

المرأة (بحنان) : والنبي.
العسكري : والله ورايا شغل كتير.
المرأة : سُقت عليك اللي ما ينساق إلا على ربه.
العسكري : هو بيته بعيد؟
المرأة : خطوتين والنبي يا خويا.
العسكري : والنبي ما انا فاضي.
المرأة : أنا في عرضك يا اخويا.
العسكري : طيب علشان خاطرك بس يا حضرة الصول.

(يخرج العسكري مع المرأة.)

(تُسمع أصوات آهات وزعيق من الخارج ويدخل اثنان أحدهما كمساري ترام والآخر عامل، وكلاهما مربوطة رأسه بكثير من اللفافات وعليها دم، ويسندهما جمع من الناس ومعهما السوَّاق.)

الكمساري : آي … آي، وديني لاخرب بيتك، والله العظيم لموديك في ستين داهية.
العامل : والله يا مجرم لأوريك شغلك، آه يا دماغي، الحقوني، وديني وما أعبد لأبيَّعك اللي حيلتك، لدابحك وشارب من دمك.
كمساري : إنت؟ إنت يا واد؟ إنت!

(يهمَّان بالتماسُك.)

سائق : بس يا فهمي، بس يا اسطى، موش كده يا خوانا، إحنا وصلنا البوليس أهه اللي معاه كلمة يوفَّرها.

(في هذه الأثناء يكون الموكب قد اقترب من السور الخشبي.)

فرحات : بس اخرس انت وهو، كلام، موش عايز كلام، موش عايز كلام يا عالم بقر، باس، أسكت انت وهوه.
السائق : يا افندم دول متعوَّرين خالص، اطلب لهم سيادتك الإسعاف، ده الكمساري تعبان قوي.
فرحات : إسعاف موش إسعاف، كله يتعمل، كله بالدور، واحدة واحدة (الضجة مستمرة) يعني ما انتوش ساكتين؟ طيِّب، طب موش حاشتغل، والله ما انا مشتغل، ياخدهم الإسعاف في الأول، وبعدين نحقق وياهم في المستشفى والَّا في أي داهية (يمسك بالتليفون) آلو، آلو، يا سويتش، يا فتحي، يا جدع رد، رد يا أخينا، بُقك مليان إيه؟ بطاطا؟ إبقا خليلي حتة، إديني الإسعاف يا فتحي، أيوه. اتنين مسيَّحين دم بعض، لازم بينهم تار والا حاجة، الإسعاف. عايزين عربية هنا، أيوه، حالًا، واحد بيموت أهو خلاص فِطس، إلحقونا (يضع السماعة بعصبية) استنوا بقى بره لما تيجي العربية (تخرج المجموعة) أف، أف، أقسم بالله الأشغال الشاقة أرحم، بذمتي وديني أتحبس سنة، ولا أقعد هنا ساعة. (يلتفت بعينه.)
محمد : إيه؟ الشغل كتير والَّا إيه؟
فرحات : وهو يا أستاذ، هو ده شغل؟ ده سِرك، ده مورستان. الناس اتجنِّنت يعملوا إيه؟ ما يخِس عليهم حاجة، كله على دماغنا، اللي معوَّر نفسه، واللي ضاع منه شاكوش، واللي كان نايم قال وراحت طاقيته، ونروح بعيد ليه؟ موش دي واقفة من الصبح، مالك يا بنت؟ أبقى موش الصول فرحات إن ما قالت انهم ضربوها وأخدوا صيغتها.
البنت (بمسكنة) : أم سكينة والبنت عيُّوشة وبنت اختها نبوية واليه …
فرحات : مالهم؟ مالهم؟
البنت (تبكي) : إتلموا عليَّ وضربوني في بطني، آه يا جنبي، وأم سكينة عضتني هنا في كتفي وزغدتني في بطني، والبت عيوشة قلَّعتني الحلق.
الصول (مقهقهًا) : شايف يا أستاذ؟ شايف؟ موش قلت لك؟ كله وحياتك كدب، كله نصب واحتيال، موش بذمتك دي حيلتها البلى الأزرق؟ حلق إيه يا بت اللي خدوه؟ حلَّق حوش؟
البنت : حلق دهب يا بيه وغويشتين قِشرة.
الصول (لمحمد) : تفتكر والنبي مين المجني عليه في الحكاية دي؟
محمد : مين؟
الصول : أنا، أنا يا افندم، ما هو الكذب العلني اللي أنت شايفه ده، يبقى في القانون سرقة بالإكراه، والمحضر بتاع السرقة بالإكراه لازم ينكتب من صورتين، والمصيبة الكبرى أنا اللي حاكتب الصورتين.
(يلسع المرأة بنظرة، ثم يفتح دفتر المحاضر.)

هه، إلهي وانت جاهي ربنا ياخدكم وياخدني وياكم خليني أستريح.
فرحات : إنه في يوم … الساعة …
(ينحني ويكتب مقدمة المحضر.)

(للبنت) اسمك إيه يا بت؟ إنطقي.

(تفتح المرأة فمها، ولكنه يلتفت إلى محمد.)

أنا والنبي المجني عليه، وموش في الواقعة دي بس، ده في ألف واقعة يمكن في ديشليون وأنا موش عارف.
محمد : ياه! ليه؟
فرحات : يمكن ما تصدقش، اتفضل آدي دفتر الأحوال (يقلب الصفحات) اصطبحنا بهتك عِرض في الطريق العام، كده ع الصبح، يعني كانوا قايمين نفسهم مفتوحة لهتك العِرض على ريق النوم، و٥٩٢ اللي بعدها نشل حافظة نقود، قال فيها قال ١٤٧ جنيه و٨٣ صاغ وورقتين بوستة.
محمد : ياه! تلقى ما كانش فيها إلا ييجي عشرة جنيه كده.
فرحات : عشرة جنيه؟ أقسم لك ما كان فيها إلا ورقتين البوستة، ويمكن لجل الحلفان خمسة تعريفة كمان. واستنى شوف اللي بعدها سرقة نحاس؛ قايلين في البلاغ إن النحاس وزنة ١٥٠ رطل، ومتهمين حتة بنت خدَّامة قد كده، قد ابني موسى تمام، متطلعش كلها على بعضها عشرة أرطال، وغيره وغيره من الصبح وأنا إيدي وقفت من الكتابة، يا شيخ فضلك (ثم يلتفت إلى المرأة) ما تنطقي يا بت اسمك إيه؟ (ثم قبل أن تجيب) ولَّا الجِتَّة اللي لقيوها في الخرابة مالهاش صاحب.
محمد : مالهاش صاحب ازاي، هو فيه جِتة مالهاش صاحب؟!
فرحات : كلوا مخي، الله يخرب بيوتهم، قصدي صاحبها مجهول، لقيوا السر الإلهي طالع منه كده لوحده.
محمد : إيه، مات يعني؟
فرحات : إي والله من غير ما حد يكلمه، قول لي اشمعنى بقى الخرابة دي يموت فيها؟ يعني كانت ضاقت في وشه ما كانش يتمشَّى كده لحد شُبرا مثلًا؟
محمد : اشمعنى شبرا يعني؟
فرحات : علشان يبقى تبع شبرا، الله يرحمه مات، واتعذب انا ليه؟ نهايته كُتِب عليكم الهم والغم كما كُتِب على الذين من قبلكم.
(ثم للمرأة) يا ولية، فلقتيني، إسمك إيه؟
البنت : خديجة.
فرحات : خديجة إيه؟
البنت : خديجة محمد.
فرحات : يا وليه اتحركي، محمد إيه؟
(يُرقد القلم على حافة الصفحة، ويسند كوعه إلى الدفتر والمصباح الذي أمامه يهتز فيهتز ظل رأسه على الحائط كالقرد الكبير) أنا المجني عليه والنبي، هي حكاية محضر؟ هو أنا عجِّزت من شِوية؟
محمد : إياك خدمت كتير؟ في الخدمة دي من زمان؟
فرحات : من زمان، من زمان بس؟ ده أنا بقالي قول من زمانين من ثلاثة أربعة، أنا يا أستاذ دخلت البوليس بعد ما انتهت خِدمتي في الجيش على طول، يعني بقالي تلاتين سنة يا مبارك وحياتك يوميًّا بهذا الشكل. وآخرة من آخرة بقيت إيه؟ حِتة صول، صول بعد تلاتين سنة يا عالم.

(يدخل عسكري طويل ومعه دوسيه.)

محمد : ما هو بكرة تترقى وتبقى ملازم تاني، وتعلَّق النجمة، وتبقى عال.
فرحات : النجمة؟ يا أستاذ دي الفجر أقرب لي، أنا يا أستاذ مالي بقيت هنا، الحكومة وحياتك جالي الإنذار اللي بيبعتوه واللي حايخصموه على المعاش، خلاص، يا لله الختام، تلاتين سنة، قلبي نشف من العريش لمرسى مطروح ومن المنزلة، وأهو كله زي ما أنت تشوف كده (ينقض على يد كانت عند نشَّافة) قلت لك ميت مرة شوفلك نشَّافة تانية، هو مافيش في القسم كله إلا دي؟ أعوذ بالله، إحنا في سوق النَّوَر؟
العسكري : يعني خلاص يا سي فرحات؟
فرحات : إيه اللي «يا سي فرحات»؟ كنا أصحاب بنلعب سوا في الحارة.
العسكري : طيب معليش يا صول فرحات.
فرحات : مافيش حاجة يا سي صول فرحات؟ حضرة الصول؟ فاهم والا مانتاش فاهم؟
العسكري : فاهم يا حضرة الضابط. (يهرش في قفاه ويقول) على فكرة عملت إيه يا حضرة الصول في المتوفي المجهول الاسم؟
فرحات : حاعمل إيه، حامشي في الشارع وأقول ياللي ضايع له ميت؟
أومباشي : أنا رحت المستشفى وشفته.
فرحات : تشرَّفنا.
أومباشي : شوف يا سيدي، عينيه عسلية، وشعره أبيض، وعلى مناخيره علامة.
فرحات : وبتقول الكلام ده ليه؟ هو أنا بعتك تخطبه؟ روح شوف شغلك أحسن، عسلية إيه يابو طويلة يا هايف. (ثم يلتفت لمحمد) والواحد يبقى حارق دمه، والصِّيَّع دُول ولا هاممهم وعمالين يهزَّروا، شايف؟ قال عايزين يقلعوا الواد رشاد التخين بنطلونه. (ينظر إلى الحجرة الخارجية من خلال الباب، يتفرج لحظة ثم يستمر قائلًا) موش كده يا واد؟ إمسك رجليه يا شاويش صادق! لا براوة والله. دا أنت جامد يا واد يا رشاد، براوة عليك، آه يا نسوان، ما قدرينش على أبو كرش كليته شغت!
محمد : هو حضرتك موش من مصر والا إيه؟
فرحات : أنا من طهنا الجبل قِبلي (بلهجة صعيدية. ثم يلتفت لمحمد) صعيدي والَّا بحراوي؟
محمد : من المنصورة.
فرحات : من أنهي حتة في المنصورة؟ حاكم أعرفها بيت بيت.
محمد : من بلد جنب المنصورة، اسمها كفر ريحان، تعرفها؟
فرحات : إلا دي، موش عمدتها بالأمارة الحاج زيدان؟
محمد : سعفان.
فرحات : أيوه، عمرك أطول من عمري، الحاج سعفان، ده راجل أسد، قالوا اللي يعيش ياما يشوف، قالوا اللي يشتغل صول يشوف أكثر، ما تنطقي يا بت ضربوكي فين؟
البنت : هنا (وتشير إلى بطنها).
فرحات : يا بنت فين؟ في أنهي حتة؟
البنت : في جنبي.
فرحات : يا ألطاف الله! في أنهي مصيبة؟ في أنهي داهية في بيتكو والا فين؟
البنت : جوه السيما.
فرحات : وإيه اللي دخلك السيما يا بت؟
البنت : محمود.
فرحات : محمود مين؟
البنت : محمود.

(ينظر لها فرحات نظرة ذات معنى.)

فرحات : محمود مين يا بت؟
البنت : ابن خالتي.
فرحات (يضع القلم ويقول) : آه يا بلد كابوريا، يا ولاد كاني وماني (يُخرج من جيبه علبة صفيح قديمة يُخرج منها سيجارة ويشعلها من علبة كبريت موجودة في داخل الصفيحة، ثم يقول لنفسه) سيما، هه، قال سيما قال؟ وتدخلوا السيما تنيلوا إيه؟ هو انتو بتوع سيما؟ (يضع ساقًا فوق ساق ويثني ظهره، ثم يقول للمرأة) وتُدخلي السيما يا بت مع واد زي ده ليه؟

(في هذه الأثناء يكون محمد قد أوشك أن ينتهي من حديثه مع العسكري ويتطلَّع ناحية فرحات. تلتقي عينه بعينَي فرحات وهما يبحثان عنه وكأنما ليشهده على إجابتها ويقترب من محمد.)

محمد : إيه، هو المحضر لسه؟
فرحات : آه، لسه، هو حايخلص؟ حاضر، أنا عارف إني عطلتك، دقيقة واحدة وافضى لك.
محمد : بس انتَ ما عطلتنيش ولا حاجة، أنا أصلي …
فرحات (مقاطعًا) : والنبي انا عارف إني عطَّلتك. حاكم أنا باجي على الناس الذوق اللي زي حالاتك كده.
محمد : يا سيدي والله ما عطلتني، أصلي …
فرحات : والله عطلتك، لكن معلهش، آدي انت بتتسلَّى. موش بذمتك أحسن من السيما؟ (يتنهد ثم يسأل المرأة) هيه، ومين اللي سلط عليكي؟ تروحوا السيما تنيلوا إيه؟ ما تتكلمي يا بت مين اللي سلَّط عليكي؟
البنت : طليقي.
فرحات : وسلط عليكي ليه؟
البنت : أصلي وخده عليه حكم نفقة.

(فرحات يكتب قليلًا، ثم يلتفت لمحمد بنظرة فيها استنكار.)

فرحات : روايات! رواية إيه وسيمة إيه اللي بيعملوها دي؟ والنبي أنا عندي يبلوها ويشربوا ميِّتها أحسن.
محمد : ليه؟ ما بتعجبكش؟ أهي حاجة مصرية، صناعة وطنية والسلام.
فرحات : تعجبني؟ تعجبني إزاي؟ الفيلم لازم يملا مخ الواحد. إنما إيه المسخرة والرقص اللي لا تجيب ولا تودي دي (يمسك بالقلم ويضع سنه على الدفتر، وبدلًا من أن يكتب يقول بفتور) أنا مثلًا لما قرفت من الروايات عملت مرة فيلم.
محمد : عملت إيه؟
فرحات : فيلم.
محمد (بسخرية) : مثِّلت فيه والَّا إيه؟
فرحات : لا، ألِّفته مخصوص علشان السيمات.
محمد : لازم بقا كتبت جناية من الجنايات اللي شفتها، بس دي ما تنفعش أفلام.
فرحات (بفتور ولا يزال سن القلم على الدفتر) : ولا جناية ولا حاجة. كان واحد هندي جه يزور مصر، راجل غني قوي من الجماعة اللي عندهم فلوس قد الفقر اللي عندنا. كان جاي يتفسَّح في مصر، ولما وصل قعد في لوكاندة فخمة قوي زي ما تقول مينا هاوس والا شبت.
محمد : الله، دي قصة!
فرحات : ولا قصة ولا يحزنون، الراجل الغني ده مرة طالع …
محمد : دي فعلًا قصة، إنت بتألف قصص؟ دي موش جناية.

(يدخل العامل مقاطعًا.)

العامل : يا حضرة الظابط بقالنا ساعة لما الواحد نشف، هو موش حييجي الإسعاف والَّا إيه؟
فرحات (بغيظ) : ما طلبناها يا أخينا، أعمل إيه؟ أروح يعني أسحب الإسعاف من قفاه وأجيبه؟ أما مصايب صحيح.
العامل : ودي أصول برضه يا أفندي؟ الكمساري اللي أنا متخانق معاه مسورق برَّه، يمكن يموت.
فرحات : يموت، يموت، هو أنت موش متغاظ منه؟ خليه يموت.
العامل : يموت إزاي يا أفندي؟ وهو إذا مات أروح أنا في حديد.
فرحات : طيب حاعمل لك إيه بس يا بني آدم؟ هه، اتفضل، آلو، آلو، يا فتحي، يا جدع اصحى، البطاطا كبست على نافوخك؟ ما تروق بقا وتديني الإسعاف، يا إخوانا، أنا طنيب النبي يا هوه، إبعتوا لنا العربية، أيوه هنا في القسم (يضع السماعة، ثم للعامل) هه، اتبسط بقا؟ شفت بعينك؟ اتفضَّل وريني عرض اكتافك.
العامل (يخرج وهو يغمغم) : إيه هو ده؟ دي أصول دي يا اخوانا؟
فرحات (لمحمد بنفس اللهجة الغاضبة) : الراجل جه خارج في يوم من اللوكاندة قام وقع منه فص ألماظ يسوى النهاردة بالميِّت سبعين تمانين ألف جنيه. وقع منه وهو موش واخد باله، مين اللي شافه؟ جدع غلبان زي حالاتنا، كان خالي شغل. يعني زي ما بيقولوا موظف في كومبانية الشمس، يعبي الشمس طول النهار في قزايز ويسرح بيها في الليل هيء، هيء، أمال ما هو فتك في الكلام، شافه وقع منه قام طالع جري عليه وخده.
واحد غيره كان خفى رِمته، إنما الجدع ده كان ابن حلال. فراح قال له لا مؤاخذة زي ما نقول يا مولانا والا يا صاحب المقام الرفيع، قال له: نعم يا ابني؟ قال له ما وقعش من سعادتك حاجة؟ الراجل فتِّش في جيوبه وهدومه، وقال له: أيوه، أنا راح مني فص الزمرد، فراح دكهه مطلع الفص من جيبه، وقال له: زي ده؟ فالراجل الهندي بص لصاحبنا كده، ولقاه فقير قوي وبالبلا، فراح مطلع حفان جنيهات حُمر دهب، وقال له: اسمك إيه يا شاطر؟ قال له: فلان ابن فلان، قال له طيب خد يا أبو فلان، فالراجل قال: لله تلاتة ما يتبعني ولا مليم، يهديك، يرضيك، مافيش فايدة، ليه يا سيدي، قال له مولانا: لو حد عرض عليك يشتري ذمتك تبيعها بكام؟ قال له: ولا بمال قارون، قال: طيب اشمعنى عايزني أبيع ذمتي أنا بحفان دهب؟ والله لا يمكن، ما اطوِّلش عليك، الراجل استمخ قوي من صاحبنا المصري، وقعد يضرب كف على كف.

(تدخل في أثناء كلامه الأخير الأرملة العجوز القبيحة ومعها شاب صغير سنه حوالي ١٩ سنة جميل جدًّا وخجول جدًّا، وهي ممسكة بتلابيبه ووراءها العسكري.)

المرأة : أهه، أهه قليل الأدب اللي مطلَّع عيني وهاوسني ادلعدي يا اخويا، والنبي واللي نبى النبي إن ما كنتم تحوشوه عني لاعمل فيه واسوي، لا انا عارفة آكل، ولا اشرب، ولا انام، والنبي اسم النبي حارسك الْحق يا خويا، الحق يا خويا حوشوا عني.
فرحات (بغيظ) : جرى إيه يا ولية؟ هي القيامة قامت؟ إيه مالك؟ حصل لك إيه؟
الأرملة : هو يا خويا الراجل قليل الأدب اللي ما اترباش اللي مطلع حبابي عيني أهه.
فرحات : هو ده؟
الأرملة : هو بعنيه الخُضر دول، آه يا ناري، لو تسيبوني عليه لأقرقشه باسناني.
فرحات : تعال يا جدع، مالك ومال الست دي؟
الشاب : أنا، أنا، أنا (يخجل ويخفض رأسه إلى الأرض) أنا ما عملتش حاجة والله يا أفندي.
الأرملة (تلعب له رموشها وهي تقول) : ما عملتش حاجة؟ مستعبط؟ بقا مخلتنيش بقالي تلات تشهر لا باتهنى على نومة ولا لقمة؟ هو اللي عملته قليل؟ دانت خليتني جلدة على عضمة، عامل لي موش فاهم يا ادلعدي.
الشاب : والنبي يا تانت ما انا فاهم.
الأرملة : تِف من بقك، واحفظ أدبك، تانت إيه يا خويا؟ وأنا اسم النبي حارسك ما اجيش من خلفة خلفتك، بقا يصح يا شاويش يضحك عليَّ قدامك ويمسخرني كده؟
فرحات : يا ولية أنا موش شاويش، إنت يا جدع مالك ومال الست دي؟
الشاب : أنا ما اعرفهاش والنبي يا عمي.
فرحات : عمي في عينك! قلنا مليون مرة أنا الضابط النوبطشي. يا غجر! موش مالي عينيكو؟ كل واحد يحترم نفسه لحسن والله أخلي ليلتكو أسود من قعر الحلة.
الشاب : طيب قول لها يا حضرة الضابط والنبي تسيبني، الياقة حاتتقطع وما اعرفش اخش البيت.
فرحات : باس، سمع، هوس، آلو أيوه يا افندم؟ أنا الضابط النوبطشي يا افندم، مين حضرتك؟ أيوه (ويقوم) أيوه (يواصل القيام) أيوه، أيوه، يا افندم، فرحات يا افندم، أيوه جات يا افندم، حاضر، الكلب يا افندم؟ أيوه، نشرة دورية بأوصافه، حاتجيلنا من المحافظة؟ نطلَّع فرقة يا افندم حاضر، فرقة تلات مخبرين وصف ضابط، حاضر أمر سعادة البيه، أمرك يا افندم (ثم يشد قامته) العفو يا سعادة البيه، العفو يا افندم (يضع السماعة ويتنهد).
المرأة (أثناء حديث فرحات في التليفون تكون قد ظلت تتهامس فترة مع الشاب وينتهي كلامها) : تجيني بكرة الساعة خمسة نصطلح، ما تجيش الحبس.
الشاب : بس يا أبلة.
الأرملة : لا بس ولا ما بسش، وإيه أبلة دي رخرة كمان؟ أنا اسمي حكمت يا ضنايا، ولما بيدلعوني بيقولولي يا حكومة، وساكنة في البيت اللي قدامكو على طول، وعيني ما بتسيبكش طول النهار، آه يا ناري، خلاص، حاستناك، وإن ما جيتش أهه (تشير إلى فرحات).
فرحات (بغضب شديد) : أما مصايب صحيح! كلب قال؟ الواحد يعمل إيه والا إيه؟
الشاب : حاضر يا تاﻧ … يا زوزو.
الأرملة (تقرصه) : يا حتة من ريش زوزو.
فرحات : اسمع يا جدع، اوعى عنت أشوفك تتعرض للحرمة دي أبدًا.
الشاب : حاضر يا عم.
فرحات : وإن جات تشتكي منك تاني حاخرب بيتك.
الشاب : حاضر يا عمي.
فرحات : امشي انت وهيه عمَى في عينك.

(يهرول الشاب خارجًا وتلحقه المرأة.)

الأرملة (وهي تغادر المسرح) : آه يا ناري لو تسيبوني عليه، أقرقشه بسناني!
فرحات (لمحمد) : أما مصايب صحيح، كلب قال؟
محمد : هه، وبعدين؟ وبعد ما استمخ؟
فرحات (بنفس اللهجة السابقة) : يهديك يرضيك تاخد كتير تاخد قليل، مافيش فايده، الراجل راسه وألف سيف ما يتبعه ولا مليم، كبر قوي في عين الهندي، وخلاص، المدة اللي قعدها في مصر ما سابوش، كل يوم يتقابلوا عند اللوكاندة يفرجه على مصر، دي أم هاشم، ده أبو الهول، ده الأهرام، ده خان الخليلي، دي ستنا سكينة، ده سيدنا الحسين، الفاتحة له، ما خلاش، راحت الأيام وجه الغني الهندي يروح بلده فراح حطط إيده في قول خمسميت ستميت جنيه وجه يديهم للجدع المصري، دكها لا يمكن، يشيله كتلة، يحطه كتلة إنه ياخد حتى حق الدخان مافيش فايدة. كبر قوي في عين الهندي، وروَّح بلده وهو محتار يجازي المصري ده إزاي؟ قعد يفكر يفكر فلقى إن أحسن طريقة إنه يشتري باسمه ورقة لوتارية، أمال ما هي حكاية الفص دي كانت مأثَّرة فيه قوي، أمال، تصوَّر فص زمرد.

(يدخل المعاون.)

المعاون : فص إيه يا جدع أنت؟

(يلتفت فرحات مذعورًا، فيجد المعاون فيقف في اضطراب.)

فرحات : فص أفيون يا فندم، الولية بتتهم الراجل ده إنه كان عايز يدس لها فص أفيون.
المعاون : وخلَّصت والَّا لسه؟
فرحات : لسه يا افندم، زي ما سعادتك شايف.
المعاون : وعملت إيه في الحكاية اللي قلت لك عليها. الكلب عملت فيه إيه؟
فرحات : سعادة البيه كلمني يا افندم، وقلت له حانطلَّع فرقة.
المعاون : يا جدع باسألك عن اللي عملته، مافيش أخبار يعني؟ ما طلَّعت الفرقة من الصبح، مافيش أخبار؟
فرحات : مافيش يا افندم.
المعاون : طيب! أي حاجة تيجي تبلغها لي على طول، أنا قاعد في المكتب.

(يدخل إلى حجرته، ويُغلق الباب.)

فرحات : على طول يا افندم، (ثم يلتفت لمحمد) يشتري إيه؟
محمد : ورقة لوتارية.
فرحات : أهو انت واخد بالك.
محمد : اشمعنى يعني ورقة لوتارية؟
فرحات : علشان لما تكسب ويبعت له فلوسها يبقى موش اسمه ادا له حاجة من عنده.
محمد : وافرض ما كسبش.
فرحات : هو وحظه بقى، بس دي لازم تكسب، الله، لازم تكسب، ده حتى علشان يضمن إنها تكسب اشترى ١٠٠ ورقة باسمه. تعرف البريمو كانت تكسب كام؟
محمد : كام؟
فرحات : مليون من غير الضريبة (محمد يندهش غير مصدق) ما هي كانت غالية.
محمد : وبعدين؟
فرحات : جه يوم السحب، وواحدة منهم كسبت البريمو، مليون.
محمد : من غير الضريبة!
فرحات : تمام، فكَّرش الراجل إنه يطمع فيهم ولا حد شاف ولا حد دري؟ أبدًا، يعمل إيه؟

(يدخل الكمساري.)

كمساري : يا افندم حرام عليكو، إحنا بنموت يا افندم … أنا نزل مني صفيحة دم وأنا قاعد بره، هو ما فيش عدل؟ هو مافيش إنسانية؟
فرحات (يلتفت إليه بغضب) : وأنا مالي يا أخينا؟ هو أنا كنت أبو الإسعاف والَّا أمه؟ أنا طلبته وخلاص جه، جه، ما جاش عنه ما جه، حاعمل لك إيه؟
كمساري : ما تشوفوا له طريقة يا افندم، هو مافيش إنسانية؟
فرحات : اتكلم على قدَّك يا جدع إنت، إنسانية دي تقولها وانت قاعد بتلعب طاولة على القهوة، هنا مكان محترم، هنا قسم بوليس، عمال تهطرش في الكلام كده ليه؟ قلنا مليون مرة الحقونا يا إسعاف ما لحقناش الإسعاف. حاعمل إيه يعني؟ أبلَّغ فيه البوليس، خلاص، استنى لما ييجي.
كمساري : وربنا المعبود ده ما يخلَّص حد أبدًا، دي فوضى دي، دي موته وخراب ديار (يخرج).

(يُفتح باب حجرة المعاون وكأنه يهم بالخروج. يلتفت فرحات إلى المرأة والتحقيق فورًا.)

فرحات : وأنت مالك واقفة يا بت زي اللي مترسم عليكي؟ ما تنطقي.
البنت : البنت عيوشة هي اللي مقلعاني الحلق يا أفندي، والبت …
فرحات : باس، باس، إحنا كنا وصلنا لحد فين؟
(ينظر في دفتر الأحوال) يا بت انطقي، إيه الحكاية؟ مين اللي ضربك؟
البنت : أمه وأخته وبنت خالته.
فرحات : هوس، كفاية لحد هنا، واتلمُّوا عليكي في السيما؟
البنت : أيوه وفضلوا يضربوا فيَّا لما كانوا حايسقطوني.
فرحات : إيه؟
البنت : أصل انا حامل يا بيه في ست أشهر.
فرحات : يخرب بيتك، حامل من مين يا بت؟
البنت : منه يا بيه، من طليقي.
فرحات (تعجبه القصة فيستدير إليها) : في الحرام يا بت؟
البنت : لا يا سيدي، قبل ما يطلقني.
فرحات : وطلقك ليه؟ ورجعتيله ليه؟ وحكايتك المهببة إيه؟
البنت : أصله لما طلقني رفعت عليه قضية، حكم لي القاضي ربنا يخليه باتنين جنيه شهري، واتجمد لي ست تشهر، فيا الدفع يا الحبس، هو عرف كده لف عليَّ عايزني أتنازل.
فرحات : لف عليكي إزاي؟
البنت : لف عليَّ، أصلي غلبانة يا سيدي وما ليش حد.
فرحات : واتنازلتي؟
البنت : أيوه اتنازلت، أصلي خايبة بعيد عنك وما ليش بخت، الله يجازي اللي كان السبب.
فرحات : وبعدين؟
البنت : قعد معايا ييجي تلات تيام لما خد الورقة، وبعدين سابني.
فرحات : تستاهلي قطع رقبتك، وبعدين؟
البنت : رفعت دعوى تاني.
فرحات : بقا والنبي موش أنا المجني عليه يا جدعان؟
محمد : معلهش، الدنيا كلها تعب، هيه؟ عمل إيه الراجل لما كسب الورقة؟
فرحات (ينظر إلى حجرة المعاون، فيجد أن الباب قد أُغلق، وليس هناك علامات لخروجه) : عمل إيه؟ راح شاري لك غليون بضاعة كبير قوي ووسقة حرير هندي من اللي على أصله، وإشي عاج، وإشي ريش نعام، وإشي جوخ وكشمير مابوليا محترمة قوي، وراح باعت المركب بالطقم بتاعها باللي عليها على إسكندرية، وراح باعت عقد البيع والبوليصة خالصة كل حاجة لصاحبنا على مصر، يعني ما عليه الا يستلم.
وهُب! وصلت المركب إسكندرية، حاجة باسم الله ما شاء الله ترد الروح، وبتاعت مين يا جماعة؟ بتاعت فلان.

بالاختصار الراجل خد المركب، وباع البضاعة اللي عليها، واشترى بيها مركب تانية، وخلى مركب رايحة بلاد بره شاحنة، ومركب جاية شاحنة، وإذا كان حتة الرد اللي قد كده هه الواحد يخلص عليه في السكة الحديد بكذا، شوف بقى مركب زي دي تكسب قد إيه في السفرية؟!

وراحت الأيام وجت الأيام الراجل كسب قوي، وربنا اداله، والحظ ضرب معاه عليوي، فراح شاري لك مراكب الخواجات كلها، وما أصبحش فيه قولة مركب إنجليزي طلياني، كله رفع العلم الأخضر

(في هذه الأثناء تتراخى معالم فرحات لتصبح حالمة) وأصبح للراجل مراكب لا تحصى ولا تعد، أصغر ما فيهم تيجي قد القسم ده عشرة خمستاشر مرة.

يسكتش على كده؟ أبدًا، الفلوس ما لحستش عقله، فراح شاري بالإيراد بتاع المراكب مصنع نسيج كبير قوي، وشغَّل فيه ييجي مليون عامل، بعد شهر واحد كده إشي محالج وإشي سكر وإشي جاز وإشي ورق وإشي مكن وإشي صلب، المهم إنه جه عليه يوم ملك فيه مصانع مصر كلها.

وبعدين؟ والَّا استنى لما نشرب شاي، يا عبده.

(يصفق) يا جدع يا عبده.
عبده (من بعيد) : أيوا، حاضر.
فرحات : جرى إيه يا وله؟ إنت في وكالة؟ القسم له حرمة يا وله، هات شاي.
عبده : حاضر.
محمد : وبعدين؟
فرحات : لا والله، ودي تيجي.
فرحات : بس لو ما كنتش تحلف.
محمد : هيه؟
فرحات (يُشعل السيجارة، ويأخذ نفسًا) : وما عجبوش الحال الملخبط ده فراح لامم المصانع، وبناها على حتة تطلع ألف فدان، لا ألف إيه؟ هي الألف تنفع؟ ييجي عشرة آلاف فدان، خمستلاف منهم مصانع، والخمس تلاف التانية سكِّن فيها العمال. موش سكن كل شن كان، لا، سكن بيت بجنينة ببلكونة، وحاوي مما جميعه، حتى في عشش الفراخ والأرانب كمان، وموش بس كده، كان ما ياخدش من عرق العامل حاجة، اشتغل بخمسة ياخد خمسة، بعشرة بعشرة، ما هو لا مؤاخذة في الكلمة العامل لما ياخد اللي يقضيه يشتغل ويتفرعن في الشغل، واحنا أصلنا شعب متفرعن أبًّا عن جد، فبدل ما يطلع متر يطلع مترين، وبدل جزمة …
عبده (مقاطعًا) : يا حضرة الضابط.
فرحات (بشخط وزعل) : مالك يا وله؟
عبده : الشاي (ثم يسكت ويبتسم) شاي إكسرا.
فرحات : والله ما حواليك إكسرا ولا يحزنون.
عبده : يبقوا تلاتة شاي وواحد قهوة.
فرحات (بجزع) : تلاتة، وجع لما يتلتك، اتنين بس يا وله، واحد الصبح والتاني لما جيت.
عبده : اتنين الصبح يا حضرة الصول.
فرحات : واحد يا وله.
عبده : والنبي يا عم فرحات اتنين.
فرحات : وحياة المرحومة أمك واحد.
عبده : أشيل التاني على حسابي ولا تزعل، أمري إلى الله، حاكسَّر كلامك؟
فرحات : بأقول لك واحد، روح بقا، جتك البلا (ينتظر إلى أن يختفي، ثم يقول) بدل جزمة …
محمد : جوز جزم.
فرحات : آه أمال، إديني حقي وخد حقك، إنت راخر العامل أصبح حاجة تانية، هدوم نضيفة أربعة وعشرين قيراط، عفريتة مكوية يروح بيها الشغل، وييجي بعد الضهر يلبس بدلة الإيافة والطربوش النسر والجزمة الأجلسيه، وقهاوي إيه! وجناين إيه! وكرافتات إيه! وأبهة إيه! والناس طول النهار ما يبطلوش ضحك، وبالليل يروحوا السيمات. والسيمات دي مهمة قوي، في كل شارع سيما، وبالأمر لازم كل كبير وصغير يخش، والأفلام أفلام تمام، بوليس مافيش بوليس، العسكري بدل ما يتلطع ٨ ساعات في الداورية لمَّا وسطه ينحل، لا، له كشك قزاز في قزاز في وسط الشارع، ومكتب صغير، واللي عايزه يجيله لغاية عنده.

(في هذه الأثناء يسمع صوت باب المعاون يُفتح، يقطع فرحات حديثه ويتوجه للمرأة.)

فرحات : انطقي يا بت، إحنا كنا وصلنا لحد فين؟ وجوزك سلط عليكي ليه؟
البنت : علشان حكم النفقة.
فرحات : آه، وهو طلقك ليه؟
البنت : علشان وقع عليَّ اليمين.
فرحات : يمين إيه؟ وطلقك إمتى؟
البنت : ليلة أول رمضان اللي فات، كسرت قلة أمه، وأنا قايمة أتسحر فحلف طلاق بالتلاتة ليكسر قصادها دراعي.
فرحات : وكسر دراعك؟
البنت : لا طلقني.

(في هذه الأثناء يكون المعاون قد خرج.)

المعاون : أنا رايح أتعشى يا فرحات، خلي بالك، أي أخبار عن الكلب كلمني.
فرحات : حاضر يا افندم (ثم بعد أن يخرج المعاون) أنا قلبي كان حاسس كده والنبي، بقا قُلة أمه هي السبب؟ بقى علشان قلة أمه انكسرت في رمضان اللي فات يتحرق دمي أنا النهار ده على طول، قلة تمنها صاغ يا عالم، أروح أنا ضحيتها، اسمعي يا بت، هل لديك أقوال أخرى؟
البنت : أُخرة إيه يا سيدي؟
فرحات : عايز تقولي حاجة تانية يعني؟
البنت : أيوه يا بيه، عيوشه هي اللي مقلعاني الحلق، وأمها هي اللي …
فرحات : أف، يا بت أقوال أخرى غير اللي قلتيها.
البنت : هو أنا لسه قلت حاجة؟

(فرحات ومحمد يضحكان، فرحات يكتب شيئًا في ورقة بسرعة، ويناولها إياها قائلًا):

فرحات : ده جواب تروحي بكرة الصبح تكشفي بيه عند حكيم المحافظة، مع السلامة، مع السلامة ياختي، والنبي أنا اللي لسه ما قلت حاجة (يحدق قليلًا وراءها، ثم يلتفت لمحمد) وحالًا مكن من ألمانيا جه، والمهندسين والصعايدة اشتغلوا وراحوا زارعين لك الصحراء كلها، شوف بقا الرملة دي لما تزرع، الإكس يمشي فيها سبع تيام ما يحصلش آخرها، وأهم من ده وده إن مافيش قولة حاجة اسمها توابيت، محاريت سواقي، كلام فارغ من ده، كله مكن، الري بمكن، والدراس بمكن، والسباخ بمكن، وحتى كان فيه مكن يجمع القطن، ويحش البرسيم. والفلاح اللي عليه العمل مافيش قولة جلابية طاقية.
البقال (يدخل مرتديًا قبقابًا خشبيًّا له صوت مزعج وجلبابًا كله زيت ورأسه عارية) : يا افندم، يا افندم.
فرحات (بغيظ) : مالك؟
البقال : ما ليش يا افندم، ولا حاجة، واد ابن حرام حدف طوبة كسرت لوح القزاز بتاع فترينة الدكان، لوح القزاز اللي ما اعرفش أجيبه النهار ده، بنُّور بلجيكي من الأصلي اللي قبل الحرب، تلاتة متر في تلاتة، روح الله يخرب بيتك يا بعيد، زي ما خربت بيتي.
فرحات : دكان إيه؟
البقال : بقالة المودة والإخاء اللي في الشارع العمومي.
فرحات : عارفها، موش اللي على الناصية قدام الجراج؟
البقال : أيوه، إلهي يعمر بيتك، ربنا ما يوريك.
فرحات : والبترينة نهين اللي انكسرت؟ اللي على الشارع والا التانية اللي على الحارة؟
البقال : الكبيرة يا افندم اللي على الحارة؟
فرحات : تبقى موش تبعنا، تبع بولاق.
البقال : إزاي يا بيه؟ والبيت تبعكو.
فرحات : الناحية اللي على الحارة تبع بولاق.
البقال : يا أفندي، اعمل معروف.
فرحات : قلت لك موش تبعنا، تبع بولاق.
البقال : يا أفند …
فرحات : روح، جاك ريح خماسي (يقبقب الرجل خارجًا) بترينة قال؟ كله بمكن (ثم يسكت هنيهة ويقول بلهجته الرقيقة) والفلاح اللي عليه العمل، مافيش قوله جلابية وطاقية، بشت زي ما اعرف إيه أبدًا، كله بِدل بنطلونات كاكي لحد الركبة، وبرانيط بيضة وجزم بنعل دوبل، يشتغلوا لغاية الضهر، وبعدين يرجعوا طابور، والنسوان كذلك، بس دول في غيط، ودول في غيط، والبيوت كلها حجر، ولمض الجاز تبطل خالص، كله كهربا، والسحب على صاحب الأرض، وكل صف بيوت له ميس ياكلوا فيه، ويرجعوا لبيوتهم يقيِّلوا، بعدين العصر طابور على المدرسة يقروا ويكتبوا، ويعرفوا اللي ليهم واللي عليهم، استنى بقا أحسن بعيد عنك الواغش جه.
(تدخل مجموعة من المخبرين يرتدون جلاليب بادية ولبد، ويمسك كل منهم في كل يد من يديه قبضة أطفال وعجائز.)

بسي، اخرس أنت وهو، وقفهم طابور يابوطة قدَّامي، بطَّل كلام عمى في عينك!

(في هذه الأثناء يكون فرحات قد قام واقفًا، وتخطى الحاجز الخشبي، ووقف يستند بظهره إليه.)

(المتسولون يقفون طابور، الأولاد في طابور آخر.)

فرحات : النسوان كده، والرجالة كده، يلَّله يا ولية.
(غمغمات من النساء والرجال والأولاد باستمرار.)

بس اخرس أنت وهو.
محمد : وبعدين؟
فرحات (يضع كفيه تحت إبطيه) : ولا قبلين، الراجل من كتر الفلوس عنده زهد فيها، كانت أرخص من التراب، وحاكم الفلوس لما تبقى بالشكل ده الواحد لازم يقرف منها.

(يدخل الكمساري والعامل، الكمساري يتكئ على العامل والعامل يجرجر نفسه.)

كمساري : آه، حاموت.
العامل : يا خوانَّا هو مافيش رحمة ولا شفقة؟ يا عالم عايزين الإسعاف، الروح وصلت الحلكوم.
فرحات : بس يا جدع أنت وهو، إيه؟ فيه إيه؟
العامل : الإسعاف فين يا حضرة؟
فرحات : فين يعني إيه؟ مخبيه في جيبي، حاطه في الدرج وقافل عليه، ما طلبناه، الله! هو موش أنتو اللي كنتو متخانقين مع بعض؟
الكمساري والعامل : آه.
فرحات : أمال كنتو متخانقين ليه؟
العامل : هو اللي أصله طول لسانه عليَّ شوية.
كمساري : أنا؟ أنا اللي طولت لساني؟ موش أنت اللي بتقول لي بلاش قلة أدب؟
العامل : أمال أقول لك هات النكلة تقولي مافيش فكة؟ أكتب لك على ظهر التذكرة؟ آه، يانا، هو الواحد بياخد في اليوم كام نكلة؟
فرحات : باس، باس، هي الحكاية نكلة؟ اتفضَّل يا أستاذ (ملتفتًا لمحمد) اتفضل، اتفضل يا سيدي (يندفع إلى التليفون) آلو، اصح اصح يا مطين بنيلة، إنت واكل بطاطا والَّا سكران، اصح اديني الإسعاف، آلو، يا إسعاف الحقونا، أنا في عرضكم، إحنا هنا في نكلة.
كمساري : وهو ده يصح، تقول لي قلة أدب؟ آي.
العامل : أمال الأصول يعني تاكلوا فلوس الناس؟ يا دماغي.
كمساري (بصوت ضعيف جدًّا) : اخرس. آي (العامل يخرج، والكمساري لا يزال يتعكز عليه).
كمساري : إوعى تلبَّخ، آه لحسن والله أخرشمك.
العامل : تخرشم مين يا واد؟ والله إن ما كانت آكل عشرة زيك، آه، أمَّا استريح.
كمساري : أخرشمك وأخرشم اللي يشدد لك كمان، والله ما يقضِّيني تورة منك.
فرحات (لمحمد) : كنا بنقول في إيه؟ الله يخرب بيت البعدا زي ما خربوا مخ الواحد. آه، ما هو حاكم الواحد لما ياكل عسل نحل كل يوم يزهق منه، وصاحبنا كترت عنده الفلوس قوي. تصوَّر بقا لما يكون عندك فلوس ما لهاش عدد. مهما تصرف ما تخسش، حاجة تجنن.
في يوم من الأيام أعلن في الراديو، آه، ما هو أنا نسيت أقول لك إنه عمل محطة إذاعة. وعمل ليها في كل بيت من البيوت وصلة. أعلن في المكرافون إنه متنازل عن جميع ما يملكه. (يقول الكلمات الأخيرة، وهو يحدق في العسكري المرافق لمحمد) إنت واقف عندك من الصبح يا جدع انت بتعمل إيه؟ انت ما وراكش شغل … م …
عسكري : أصل، أصل أنا لا مؤاخذة …
فرحات : لا مؤاخذة إيه؟ (يدخل رجال الإسعاف.)
رجال الإسعاف : هم فين المتعورين؟
فرحات : الله، بره.
رجل الإسعاف : مافيش حد بره.
فرحات : يبقوا لازم زهقوا وروحوا. الحمد لله ما كناش قيِّدنا المحضر، كنا في الحالة دي لازم نجيبهم من تحت الأرض، اتفضلوا انتو بقا، ما حدش يمشي لكم في سوء (يخرج رجال الإسعاف، ويلتفت فرحات للعسكري) واقف ليه يا جدع من الصبح، بتتصنت؟
عسكري : لا أصلي لا مؤاخذة، حرس على الأفندي.
فرحات : حرس، على الأفندي دهه؟ على الأستاذ؟ (يلتفت بدهشة إلى محمد، ثم يصمت فترة، ويقول) هو أنت منهم؟
محمد : من مين؟ المهم الراجل أعلن إيه في الإذاعة؟
فرحات (بصوت تائه، وهو يعود ويجلس على الكرسي وراء مكتبه) : آه، والله ما أنا فاكر، يا شيخ فُضك. أهو كلام يا تسمعه يا ترخيه. إنت بتصدَّق؟ (ثم يشد جلد وجهه، ويجذب الكاب حتى يبلغ منتصف جبهته، ثم ينظر بشراسة إلى العجوز الواقف أمامه في أول صف المتسولين ويرعد فيه) ما تنطق يا بجم، اسمك إيه؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤