في المصيدة!

هتف القبطان مستنكرًا: ماذا تقول؟

أجاب «جاك»: لقد شاهدتُه بنفسي يتجول فوق سطح السفينة، ويبدو أنه كان يتجسَّس على حمولتها، لقد كانت شكوكي في محلِّها.

طار النوم من عينَي الربان وهو يقول: ماذا يريد هذان التعيسان؟

جاك: ليس من شكٍّ أنهما يريدان نسْفَ السفينة بحمولتها … ولعلهما تابعان لأحد أجهزة المخابرات العربية التي خطَّطَت لهما بمهارة لينضمَّا إلى بحَّارتنا …

عضَّ الربان على شفتَيه في ندمٍ قاتل وهو يقول: لو كان هذا صحيحًا فستكون كارثة!

جاك: إن الأمر لا يزال في أيدينا … فإنهما لن يُغامرَا بنسْفِ هذه السفينة وهما فوق سطحها … بل إنهما سيحاولان الهربَ أولًا والنجاة بواسطة زوارق الإنقاذ؛ ولذلك فقد أمرتُ البحارة بحراسة هذه الزوارق، وقمت بربطها بسلاسل من حديد إلى السفينة بحيث يستحيل استخدامها قبل نسف هذه السلاسل … وبذلك نضمن أنهما إذا كانَا جاسوسَين لن يُغامرَا بنسف السفينة وهما على سطحها!

هدأَت ثورةُ الربان قليلًا ثم قال: لقد أحسنتَ صنعًا … متى سيأتيك الردُّ من «نيويورك» بشأن هذين الرجلين؟

جاك: غدًا ظهرًا يا سيدي؛ فقد أرسلت استعجالًا للمعلومات عنهما هناك!

وتأهب «جاك» لمغادرة حجرة القبطان وهو يقول: سأتركك الآن يا سيدي لتُكملَ نومك.

جزَّ الربان على أسنانه وهو يقول: وهل يمكنني أن أنام وهذان الشيطانان يمرحان فوق سطح سفينتي ويهددان بنسفها … أُقسم لأن أنسفهما إذا ما كانت حقيقتهما كما ذكرتَ.

وفي الصباح غادر «عثمان» و«أحمد» قمرتَهما وهما يضحكان متظاهرَين بأن لا شيءَ يشغلهما … وفوق مائدة الإفطار حاول بحارة السفينة أن يبدوَ سلوكُهم عاديًّا … ولكن «عثمان» و«أحمد» لم يُخطئا نظرات البحارة المتشككة إليهما … ولاحظَا أيضًا تجهُّمَ الربان واختلاسه النظرات إليهما بين الحين والآخر، وشهيَّته المفقودة للطعام.

أنهى الشيطانان طعامهما … ثم صعدَا إلى سطح السفينة … ولاحظ «أحمد» الخطوات المتلصصة خلفهما فالتفت إلى الوراء فشاهد أحد البحارة وهو يُسرع بالتواري في أحد الأركان، فهمس ﻟ «عثمان»: إن هناك مَن يراقبنا … وهذا يعني أن الربان قد بدأ يشك فينا.

عثمان: ولكنهم حتى الآن لم يتأكدوا من حقيقتنا وإلا لحاولوا القبض علينا … إن هذا يجعلنا نبادر بسرعة التحرك قبل تأكُّدِهم من حقيقتنا … و…

لم يُكمل «عثمان» عبارتَه عندما وقعَت عيناه على زوارق الإنقاذ فوق حاجز السفينة وقد رُبطت بسلاسل من حديد ضخمة إلى الحاجز، وقد راح يتسكع حولها بعضُ البحارة. كان من الواضح أنهم يقومون بحراسة هذه الزوارق بطريقة غير مباشرة.

تبادل «أحمد» و«عثمان» النظراتِ في صمت … وسارَا مبتعدَين عن المكان عائدَين إلى قمرتهما، وما إن أغلق «عثمان» بابَها حتى هتف متسائلًا: وما العمل الآن؟

أحمد: علينا أن نكون هادئَين تمامًا … إنهم لم يتأكدوا من حقيقتنا بعد، وإلَّا لما تركونا أحرارًا.

عثمان: إنني أرى أن نقاتل هؤلاء البحارة الأغبياء للاستيلاء على أحد زوارق الإنقاذ لنُغادر به هذه السفينة، بعد أن نكون قد قمنا بتشغيل بعض قنابلها الزمنية لتنفجر فيها بعد مغادرتنا المكان.

أحمد: هذه خطة غير مضمونة النجاح وستَكشف حقيقتَنا … إن لديَّ خطةً أفضل وهي أن نقوم بتعطيل محركات السفينة فتتوقف، فيُهرع بحارتُها والربان لمحاولة إصلاح المحركات، ويمكننا خلال هذا الوقت الاستيلاء على أحد زوارق الإنقاذ وتفجير السفينة.

هتف «عثمان»: فكرة جيدة، هيَّا بنا.

اتجه «عثمان» و«أحمد» إلى غرفة المحركات متظاهرَين بأنهما ذاهبان إلى عملهما. ولم يكن بالحجرة غيرُ اثنين من البحارة لم ينتبهَا إلى دخول الشيطانَين … وعندما انتبهَا لم يكن باستطاعتهما عملُ شيء؛ فقد سقطَت قبضتَا الشيطانَين عليهما مثل المطارق فألقَت بهما إلى الوراء بلا حَراك … وهكذا اندفع «أحمد» و«عثمان» إلى محركات السفينة يقومان بتعطيلها.

وفي نفس اللحظة كان ربَّان الباخرة و«جاك» مساعدُه جالسَين أمام جهاز اللاسلكي الصامت في توتُّر محموم …

فجأةً دبَّت الحياة في الجهاز، وبدأ الاثنان يتلقيان الرسالة القادمة عبر المحيط. وما إن انتهى بثُّ الرسالة حتى قفز الربان من مكانه صارخًا في غضب شديد: يا للشيطان … إن هذين الشابَّين كاذبان؛ فلم يحدث أن اتُّهمَا بجلب المخدرات أو سُجنَا، سوف آمرُ بقتلهما في الحال.

جاك: من الأفضل القبض عليهما أحياء لنعرف مَن هما ومَن أرسلهما إلينا؟

صاح الربان: لا، سوف أقتلهما فورًا.

واندفع خارجًا من حجرته، وصاح في بحارته المتجمعين في الخارج: ليتسلَّح كلٌّ منكم بكل ما تَصِل إليه يداه من أسلحة واتبعوني.

على الفور التقط البحارة كلَّ ما وصلَت إليه أيديهم واندفعوا خلف الربان إلى حجرة الآلات وهم يصرخون طالبين الانتقام.

التفت «عثمان» إلى «أحمد» مبتهجًا وهو يقول: لقد أوقفتُ المحركات وعطَّلتُها … سوف تُبطئ السفينةُ سرعتَها تدريجيًّا إلى أن تتوقَّف تمامًا.

أحمد: هذا حسن … دعنا نغادر هذا المكان بسرعة لإكمال بقية خطتنا.

وما كاد «أحمد» يطلُّ من باب الحجرة حتى دوَّى صوتُ رصاصة مرقَت بجوار أذنه، فأسرع «أحمد» بغلق باب الحجرة لاهثًا وهو يقول: يبدو أنهم اكتشفوا حقيقتنا وجاءوا لقتلنا.

عثمان: ماذا؟! ولكننا لم نتمكن من تلغيم السفينة لنسفها.

أحمد: يبدو أننا وقعنا بداخل مصيدة رهيبة ونحن حتى بلا سلاح.

وتعالَت من خارج الحجرة أصواتٌ شديدة غاضبة تُحاول تحطيم الباب الخشبي الضخم المغلق لحجرة المحركات، وقد انهالَت عليه الفئوس والبُلَط لتحطيمه.

أخيرًا تهاوَى الباب الضخم … وتدافع البحارة إلى داخل حجرة المحركات شاهرين أسلحتهم البدائية وهم يصرخون بالانتقام وقد تقدَّمهم الربان شاهرًا مسدسه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤