سباق مع الزمن!

أطلق الربان عدة رصاصات … ولكن لم يكن هناك أيُّ أثر ﻟ «أحمد» و«عثمان» بداخل حجرة الماكينات وتلفَّت الربان حوله في دهشة وهو يزأر: أين ذهبَا؟ … ليس هناك مخرجٌ آخر لهذه الحجرة …

صاح «جاك»: لقد قامَا بتخريب المحركات … إنني أشعر أن السفينة تُبطئ من سرعتها … فعلينا بإصلاح المحركات حالًا.

الربان: ليس قبل القبض على هذين الشيطانَين … إنني أدفع نصف عمري لأعرف كيف اختفيَا من داخل هذه الحجرة المغلقة؟!

جاك: انظر أيها الربان.

وأشار أحدُ البحارة إلى إحدى الماكينات العريضة. وخلفها ظهرَت فجوة واضحة في جدار الحجرة الذي انتُزع من مكانه ثم أُعيد مرة أخرى في مهارة شديدة.

صاح الربان: إذن فقد هربَا من هنا. دعونا نطاردهما … إنني آمركم بقتلهما في الحال … لا أريدهما أحياء.

واندفع الربان وبحَّارته خارجين من الحجرة … وساد الهدوء المكان.

فجأة تحرَّك شيء ما في سقف الحجرة خلف الماكينات الكبيرة … وأطلَّ وجه «عثمان»، ثم وجه «أحمد»، وقفز الاثنان من مكانهما الخفي إلى قلب الحجرة …

قال «عثمان» باسمًا: كانت خطة رائعة يا «أحمد» بخروجنا عبر الجدار المنزوع …

أحمد: ولكننا على أي حال يجب أن نغادر هذا المكان؛ لأنهم سيعودون مرة أخرى هنا لمحاولة إصلاح الماكينات.

عثمان: سوف تكون مهمة فاشلة تمامًا؛ فقد أفسدتُ الماكينات إلى الحد الذي لن يمكن إصلاحها مرة أخرى.

لمعَت عيناه وهو يضيف: سأنسف هذه السفينة فورًا.

أحمد: انتظر يا «عثمان» … إن لديَّ فكرة أفضل … سنقوم بتلغيم السفينة لتنفجر بعد نصف ساعة من الآن … فإذا نجحنا خلالها من الهروب والابتعاد عن السفينة كان حسنًا … وإذا وقعنا في أيدي الربان وبحارته … نكون قد أدينا واجبنا … حتى ولو كان الثمن هو حياتنا، ففي النهاية لن تَصِل هذه الأسلحة إلى هدفها النهائي.

عثمان: معك حقٌّ … هيَّا بنا …

أطل «عثمان» برأسه في حذر … لم يكن هناك أيُّ أثر للبحارة خارج حجرة المحركات … واندفع الاثنان هابطَين لأسفل نحو مخزن السفينة المليء بصناديق القنابل …

وفجأة تسمَّر الاثنان في مكانهما عندما صاح أحد البحارة: ها هما.

وقبل أن يندفع هاربًا من المكان ليُخبرَ باقي زملائه، طار «عثمان» في الهواء، وبضربة واحدة أطاح به إلى الوراء فاصطدم البحار في عنف وتهاوَى على الأرض فاقدَ الوعي، وأسرع «عثمان» و«أحمد» يهبطان لأسفل نحو مخزن السفينة الضخم. وفي مقدمة المدخل ظهر ستة من البحارة مسلحين بالبنادق التي سلَّحهم بها الربان للتخلص من «عثمان» و«أحمد». همس «عثمان» ﻟ «أحمد» في قلق: إن البحارة مسلحون بالبنادق …

أحمد: ولكنهم لن يستطيعوا استخدامها على أي حالة خشيةً من أن تُصيبَ الرصاصاتُ الطائشة أحدَ صناديق الذخيرة فتنفجر السفينة بأكملها.

ولكن «أحمد» كان على خطأ في ظنِّه؛ فقد انطلقَت دفعةٌ من الرصاص نحوهما على نحوٍ مفاجئ، فأسرع الاثنان يُلقيان بأنفسهما فوق الأرض ليتحاشيَا الرصاص المنهمر كالمطر … وزحف الاثنان ليحتميَا خلف جدار قريب ووقفَا في تحفُّز …

اقترب أحد البحارة محاذرًا شاهرًا مدفعَه الرشاش، وكان نصيبُه ضربةً من سيف «أحمد» جعلَته يسقط على الأرض مثل جوال تبن، والتقط «أحمد» مدفعَه الرشاش وهو يقول: الآن صار لدينا سلاح.

عثمان: إن لديَّ فكرة، وسوف نقوم بتقسيم أنفسنا إلى قسمين، ستبقى أنت هنا تُشاغب مع البحارة بطلقات الرصاص الخفيفة، ولا بد أن بقية البحارة سينضمون إلى زملائهم هنا، فيخلو السطح من الجميع. وسوف يسهِّل ذلك لي التسلل إلى هناك ومحاولة تحرير أحد زوارق الإنقاذ لكي نتمكن بواسطته من الهرب من هذه السفينة الملعونة.

عثمان: فكرة جيدة.

أحمد: عليك بالصمود لأكبر وقت ممكن.

عثمان: لا تخشَ شيئًا فقد اعتدتُ مثل هذه المواقف.

وأطلق دفعةَ رصاص أجبرَت البحارة على الانسحاب للوراء … واندفع «أحمد» إلى الناحية الأخرى وهو يعدو … وصادفه بعضُ البحارة الهابطين لأسفل لمساعدة زملائهم، فاحتمى خلف جدار لكيلا يروه … وابتعد البحارة مهرولين …

والتقط «عثمان» بلطة من مكان قريب، ثم اندفع نحو سطح السفينة في حذر … ولكن لم يكن هناك أحد، فاتجه إلى زورق بخاري سريع، وانهال بالبلطة فوق الجنزير الحديدي الذي يثبته في جدار السفينة … وفجأة جاء صوتٌ ساخر من الخلف يقول: لقد توقعتُ هذه الخدعة أيها الشيطان الماكر.

استدار «عثمان» ببطء. كان الربان ومساعده «جاك» واقفَين شاهرَين مدافعهما الرشاشة في وجه «عثمان» على مسافة قليلة.

قال الربان بسخرية أشد: هل ظننتَ أنك ستخدعنا … كنَّا متأكدين أن أحدكما على الأقل سيحاول تحريرَ أحدِ زوارق الإنقاذ للهرب بها … ولكنكما لن تغادرَا هذه السفينة إلا إلى مكان واحد … وهو الجحيم.

عثمان: سنرى مَن يستحق هذا الجحيم؟!

وطارت بلطة «عثمان» بسرعة لتصطدم بوجه الربان فألقَته من فوق حاجز السفينة إلى قلب المحيط. وانطلقَت رصاصاتٌ محمومة من يد «جاك» نحو «عثمان»، ولكن الشيطان الشجاع كان يتوقع ذلك، وفي نفس اللحظة كان يُلقي بنفسه على الأرضية ويتدحرج بسرعة، وقبل أن ينتبه «جاك» لما يقصده «عثمان» كان الشيطان الوسيم يعتدل أمامه ويقبض على «جاك»، وبحركة جودو بارعة وجد «جاك» نفسه يطير في الهواء، ثم يلحق بالربان في قلب المحيط … والتقط «عثمان» مدفع الربان الذي سقط منه واندفع نحو أحد الزوارق السريعة وأطلق دفعة رشاش نحو السلسلة الحديدية التي تمسكه بالسفينة، فتحطَّمت السلسلة، وتهاوى الزورق في قلب الماء واستقر مكانه.

همس «عثمان» لنفسه: الآن قد تحقق الجزء الأول من خطتنا بنجاح … لا بد أن «أحمد» بحاجة إلى مساعدتي، واندفع هابطًا لأسفل … وكانت طلقات الرصاص على أشُدِّها وقد انكمش «أحمد» في مكانه يحتمي من طلقات الرصاص، فاندفع «عثمان» نحوه، وهو يسأله: ماذا حدث؟

أحمد: لقد نفد الرصاص من مدفعي الرشاش.

عثمان: ونحن لن نغامر بإطلاق مزيد من الرصاص على هؤلاء البحارة الأغبياء؛ فقد تنفجر السفينة بسبب ذلك … لقد حررتُ أحد الزوارق البخارية السريعة وهو ينتظرنا للابتعاد عن هنا.

أحمد: لم يبقَ إذن غير تلغيم السفينة اللعينة لتتحول إلى جحيم مشتعل بالفعل.

أحمد: سأدور من الناحية الأخرى لكي أدخل مدخل الأسلحة لتلغيمه، وعليك بحماية ظهري. وأعطاه مدفعه الرشاش، واندفع «أحمد» جاريًا من الناحية الخلفية للسفينة، وحاول أحد البحارة مطاردتَه، ولكن رصاصات «عثمان» أقنعَته بالبقاء في مكانه …

وأخيرًا وصل «أحمد» إلى أبواب المخزن الخلفية … وكان يقف على حراستها اثنان من البحارة انقضَّ عليهما «أحمد» قبل أن يفطنَا حتى إلى وجوده … واصطدمَ رأسَا البحَّارَين ببعضهما في صوتٍ مدوٍّ، فترنَّحَا ثم سقطَا على الأرض بلا حَراك.

اندفع «أحمد» إلى قلب مخزن الذخيرة … كان المخزن ممتلئًا بعدد لا نهاية له من الصناديق التي بدَت بريئةَ المظهر في ظاهرها، ولكن «أحمد» كان يعرف أن عود كبريت واحد يمكن أن يحوِّلَها إلى جحيم مشتعل.

اتجه «أحمد» إلى أحد الصناديق وأزاحه في حرص … وأخرج من جيبه مطواة حادة راح يعالج بها خشب الصندوق الثقيل … وانفتح الصندوق بعد جهد … ولكنه كان يحتوي على قنابل يدوية ولا توجد به قنابل زمنية.

همس «أحمد» لنفسه: إنني بحاجة إلى الحظ الحسن … فالوقت يمر بسرعة.

واتجه إلى صندوق آخر وراح يفتحه … وبداخل الصندوق شاهد عددًا من القنابل الزمنية. وعلى الفور امتدَّت أصابع «أحمد» إلى ثلاث قنابل منها، وأخذ يعبث فيها ليضبطها للانفجار بعد خمس دقائق فقط … ووزَّع القنابل الثلاث في أركان المخزن …

وعندما أتم «أحمد» مهمتَه اندفع يغادر المكان بأقصى سرعته، وقد تأكَّد له أنه قد صار في سباق مع الزمن مدتُه أقل من خمس دقائق فقط.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤