حادث ونقطة بداية أخرى!

انحرف «بو عمير» بالسيارة إلى طريق جانبي، ثم توقَّف … وساد الصمت بعد ما حدث … وكان «بو عمير» في حاجة إلى دقائق، يستردُّ فيها أعصابه، بعد المطاردة التي انتهت هذه النهاية الدامية.

قطع «أحمد» حبل الصمت متسائلًا: الشيء اللافت للنظر هو … لماذا حضر «عوني» إلى «تاكوما»؟ لماذا اختار هذه المدينة الصغيرة؟ هل هي مجرد مصادفة، أم إن «تاكوما» تعني شيئًا بالنسبة لعصابة سادة العالم؟

ثم مدَّ يده في جيبه وأخرج الخطاب الذي تسلَّمه من موظف الاستقبال في فندق «جراند أوتيل» وقال: هذه الرسالة موجَّهة من «عوني» إلى شخص يُدعى «مجدي سمعان».

وفتح «أحمد» الرسالة وعلى ضوء السيارة الداخلي قرأ:

الأخ مجدي …

لم أستطع الانتظار أكثر من هذا، كان يجب أن تَحضُر في الصباح. لم نعقد الاجتماع؛ لأن «ك» لم يتمكن من إحضار مفاتيح السخانات في موعدها. اتَّفقت مع «س» على أن يَنتظرك في حديقة المدينة، عند مُنتصَف الليل، أرجو أن تسلمه ما معك وسيلحق بي …

ونظر جميع الشياطين في ساعاتهم … منتصف الليل في حديقة المدينة … هذه هي نقطة بداية أخرى.

قالت «إلهام»: إنها رسالة مهمة جدًّا … ففي إمكاننا متابعة هذا الاجتماع الليلي!

نظر «فهد» في ساعته ثم قال: أمامنا ساعتان!

أحمد: إنني أخشى أن يكون هذا تدبيرًا لإبعادنا عن مطاردة «عوني»، حتى يتمكَّن من تنفيذ خطته في غيابنا!

إلهام: إنَّ ساعتَين لن تؤثر في سير الخطة … ونحن نعلم أن التفجير لن يتمَّ الآن … فهم لم يحصلوا بعد على مفاتيح السخانات!

زبيدة: من الخطأ الوقوف هكذا؛ فقد يَلفت هذا إلينا الأنظار، خاصة بعد ما حدث للسيارة … هيا نتجول!

وأدار «بو عمير» السيارة، ثم عاد من نفس الطريق … كان هناك تجمع من المارة وسيارات الإسعاف … وعندما اقتربوا من مكان الحادث، شاهد «أحمد» أحد الأشخاص يتجوَّل قريبًا من الحادث … وتأكَّد أنه شاهد هذا الوجه من قبل!

قال «أحمد» على الفور: هذا الشخص الطويل، الذي يَرتدي الملابس الفاتحة اللون، إنه من رجال عصابة سادة العالم … لقد رأيته في جزيرة «سيورد» … إن لهذه العصابة تواجد قوي في «تاكوما» … إنها بالتأكيد أحد مراكزهم الرئيسية!

بو عمير: وماذا يُضيف هذا إلينا؟

أحمد: سأنزل لمتابعته … عليكم بالذهاب إلى حديقة المدينة … ومن المؤكَّد أنها حديقة وحيدة في بلدة صغيرة … وسوف أكون هناك في الموعد … فإذا لم أَصِل فتصرَّفوا مع «مجدي»، ومن يقابله … وليكن موعدنا عند «جراند أوتيل» في الصباح!

ونزل «أحمد» من السيارة، بعد أن تأكَّد من وجود مسدسه الضخم في مكانه … وأسرع في اتجاه مكان الحادث خلف الرجل الطويل.

كان الرجل يستمع إلى أحاديث الناس … وكان أحد الضباط يستجوب شاهدًا …

وقال الرجل: كانت السيارتان تَسيران بسرعة رهيبة!

الضابط: ومَن الذي كان يُطارد الآخر؟

الشاهد: هذه السيارة كانت خلف السيارة الأولى … وكنتُ أطلُّ من نافذتي عندما سمعتُ هدير العجلات على أرض الشارع، ولفت نظري ما يحدث … وقد كان سائق السيارة الأولى ماهرًا …

واستطاع أن يُجبر السيارة الثانية على الوقوع في الخطأ!

استعان «أحمد» بالظلام ليقترب من الرجل، حتى أصبح خلفه وكان الرجل يستمع باهتمام إلى الحوار الدائر بين الضابط والشاهد …

قال الضابط: هل استطعت معرفة رقم السيارة الأخرى؟

الرجل: لا … ولكني أعتقد أنها سيارة مؤجَّرة … وأن زجاجها الخلفي قد أصيب بطلق ناري مباشر …

أدرك «أحمد» أن هذه المعلومات سوف تُطلق البوليس خلفهم، مما قد يؤدي إلى تعطيل المهمة … إذا لم يؤد إلى مشاكل أكبر … وأخذ يفكر فيما يفعله، وفيما يفعله الشياطين في هذه اللحظة … ولم يكن أمامه إلا الاستمرار في متابعة الرجل الطويل ذي الملابس الفاتحة.

سار الرجل بسرعة في اتجاه كازينو صغير في نهاية الشارع، وسار «أحمد» خلفه، محاولًا قدر الإمكان عدم إشعاره بأنه يتابعه … وكان «أحمد» ما زال في تنكُّره فلم يكن في إمكان الرجل التعرُّف عليه.

وصل الرجل إلى الكازينو ودخل، فدخل «أحمد» خلفه، واتجه الرجل فورًا إلى جهاز التليفون الموضوع في نهاية الصالة، ووقف «أحمد» قريبًا بحيث استطاع أن يلتقط الرقم الذي طلبه الرجل … وانطبع في ذهنه على الفور، ثم اقترب أكثر، واستمع إلى الرجل وهو يشرح تفاصيل الحادث للطرف الآخر على التليفون، وقد كان يناديه طول الوقت بكلمة «يا زعيمي» مما يؤكد أنه زعيم عصابة سادة العالم، أو واحد من أهمهم.

انتهى الرجل من المكالمة، وابتعد «أحمد» عنه وإن ظلَّ يراقبه، حتى جلس إلى إحدى الموائد، وطلب عشاءً، بعد أن نظر إلى ساعته … وفعل «أحمد» مثلما فعل الرجل تمامًا … نظر إلى ساعته فوجد أنه لا تزال هناك ساعة ونصف الساعة قبل منتصف الليل، وهكذا، طلب هو الآخر عشاءً فاخرًا … ثم أخذ يفكر في الاستفادة من رقم التليفون الذي شاهد الرجل يطلبه.

قام إلى جهاز التليفون وأدار رقم الدليل، وعندما رد عليه قال: من فضلك، أريد أن أعرف المكان المركَّب به رقم تليفون ٤٤٦٦١١١.

ردَّت فتاة الدليل قائلة: دقيقة من فضلك!

وأخذ «أحمد» ينتظر الرد، وهو يختلس النظر إلى الرجل الذي كان قد بدأ في تناول عشائه …

بعد دقيقة بالضبط ردت الفتاة: إنه في «ساوث ستريت ١٦».

شكرها «أحمد» … ووضع السماعة، وقرر أن يلغي عشاءه، ثم خرج إلى الشارع وطلب سيارة، وأعطى السائق العنوان …

انطلقت السيارة حتى غادرت المدينة تقريبًا، ثم انحرفت إلى شارع طويل، خافت الإضاءة، وسارت حتى آخره تقريبًا ثم توقفت أمام مبنى ضخم، بدا في الظلام كأنه هرم، وقد أحاطت به حديقة واسعة، وسور حديدي مرتفع …

دفع «أحمد» للسائق أجرته، ثم قفز من السيارة، ووقف على الرصيف المقابل للمبنى، ولاحظ على الفور أن عددًا من الغرف مضاءة، ثم بعد لحظات، شاهد شخصًا يقترب من الباب داخل الحديقة، ولاحظ وجود سلاح يلمع في الضوء الخافت، فعرف أن المكان تحيطه حراسة مشدَّدة.

ابتعد عن المبنى، ودار دورة واسعة حتى وصل إلى مكان تُظلِّله الأشجار بجوار السور، واستجمع قوته، ثم قفز إلى شجرة، وأخذ يتسلَّق بسرعة، حتى وصل إلى أعلى من السور، ثم قفز إلى الحديقة، وانتظر لحظات، يستجمع نفسه وينصت … كان الهدوء يسود المكان، فسار بسرعة مُنحنيًا قدر الإمكان، حتى اقترب من المبنى الضخم، واختار نافذة يخرج من زجاجها المُسدَل الستائر شعاعٌ من الضوء، ثم نظر من خلال النافذة، وشاهد مجموعة من الحراس المسلحين قد جلسوا يلعبون الورق ويتحدثون … وأدرك على الفور أن هذا المكان الهادئ هو في الحقيقة مقر عصابة سادة العالم.

سار حتى وصل إلى نافذة مظلمة، وأخرج من جيب سرواله الخلفي جرابًا صغيرًا به عدد من الأدوات الدقيقة … اختار منها واحدة، عالج بها النافذة لحظات حتى انفتحت، ووضع الجراب مرة أخرى، وتأكد من أن مسدَّسه معدٌّ للإطلاق، ثم رفع زجاج النافذة بهدوء، وتسلق النافذة ودخل إلى الغرفة.

كانت الغرفة تُسبح في ظلام دامس … فأخرج مصباحه الصغير، وأطلق شعاعًا من الضوء، واستطاع أن يكتشف أنه في غرفة، قد عُلِّق على جدرانها عدد كبير من الخرائط التي تُمثِّل بلاد العالم … وقد وضعت علامات حمراء وصفراء وزرقاء على عدد من العواصم والمدن … ولاحظ أن ثمة علامة كبيرة زرقاء على مكان في قلب أفريقيا.

اتجه إلى الباب وفتحه، وأطل على دهليز طويل مظلم، فمشى فيه حتى وصل إلى باب. سمع خلفه حوارًا غاضبًا، فوضع أذنه على فتحة المفتاح، وحاول أن ينصت … ولكن ذلك لم يستمر سوى لحظات قليلة، عندما نبهته حاسة الخطر إلى حركة خلفه، ودون أن ينظر ليرى ما سيحدث، وجه ضربة قوية خلفية بقدمه … وأصابت الضربة هدفها، فقد سمع آهة عميقة تصدر من العدو المجهول، ثم التفت ليراه يترنح، ثم يقع … ولكن لسوء الحظ وقع على الباب الخشبي، وأحدث وقوعه صوتًا قويًّا داويًا، في الصمت المخيم على المكان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤