ماذا يقصد رقم «صفر»؟

عندما كانت الشمس تأخذ طريقَها إلى الغروب، كان الشياطين يقفون في الشرفة العريضة للمقر السري يَرْقُبون لحظةَ الغروب الهادئة، كان قرصُ الشمس يبدو كبيرًا … نُحاسيَّ اللون، وهو يقترب من الأفق، ثم يبدأ في الاختفاء شيئًا فشيئًا، ومعه يتغير اللون، وهو يغير لون النهار، والشفق الأحمر ينتشر في السماء، فتبدو اللوحة رائعة … في نفس الوقت، كانت نسمةٌ صيفية تهبُّ … حتى إن «إلهام» قالت: إن الربيع يأخذ طريقَه إلى النهاية هو الآخر، فهذه النسمة ليست نسمةً ربيعية.

ابتسمَت «زبيدة»، وقالت: إذن، فنحن في انتظار مغامرة صيفية.

ضحك الشياطين، ثم قال «باسم» مخاطبًا «بو عمير»: إننا لم ننتهِ من مباراة الشطرنج التي بدأناها في الصباح.

ابتسم «بو عمير»، وقال: إنها مباراة محسومة بالنسبة لي … فأنا واثقٌ من الانتصار فيها.

ضحك «باسم»، وقال: كما يقولون: إن الماءَ يكذِّب الغطَّاس. هيَّا بنا إذا أردتَ …

كانت الشمس قد اختفَت تمامًا، وتغيَّر لونُ النهار في الخارج … بينما كانت أضواءُ المقر السري الداخلية قد انسابَت هادئة.

اتَّجه الشياطين إلى قاعة التليفزيون حيث بدأَت مباراة الشطرنج من جديد … كان «أحمد» يرقب ذلك كلَّه مبتسمًا … فهو يعرف أن الشياطين الآن ينتظرون مغامرة جديدة، غير أن رقم «صفر» لم يُعلن عن أيِّ مغامرة، وهم يعتبرون الشطرنج نوعًا من الصراع الذي تبدأ به مغامراتُهم …

اقتربَت «إلهام» من «أحمد» … فعرف أنه سوف يدخل في مناقشة ذلك. إن «إلهام» لا تدَعُ فرصةً دون أن تجادل أحدًا … وهي دائمًا تقول: إن الحوار يجدِّد المعلومات … وهذه حقيقة … بجوار أنه رياضة ذهنية جيدة … عندما جلسَت بجواره قالت: هل لديك الرغبة في حوار؟

ابتسم قائلًا: هذا يخضع لنوع الحوار.

قالت «إلهام»: لعلك قرأتَ كتاب «صائد الجواسيس»!

ردَّ: نعم، ولقد استمتعتُ به جدًّا!

قالت «إلهام»: لقد فكرتُ في كتاب عن مغامراتنا … فنحن نقوم بأعمال لا تقلُّ خطورةً ولا ذكاءً عن أعمالهم.

قال «أحمد» مبتسمًا: هذه حقيقة … وإذا فعلت ذلك … فأظن أنه سوف يكون عملًا عظيمًا.

مرَّت لحظة قبل أن تقول: هل تشترك معي؟

فكَّر «أحمد» لحظة؛ فقد عرَف أن «إلهام» جادة فيما تقول … فقال لها: لعلني أُضيف إلى اقتراحك اقتراحًا آخر!

قالت بسرعة: ما هو؟

قال: ما رأيك لو اشترك الشياطين كلُّهم في الكتاب؟

قالت «إلهام»: هذه مسألة تبدو صعبةً … فكيف يشترك اﻟ «١٣» في كتاب واحد؟!

ردَّ «أحمد»: إننا نعمل تبعًا لخطة نتَّفق عليها في كل مغامراتنا … ومع ذلك فإنَّ لكلٍّ منَّا أحاسيسَه ومشاعره، مثلًا لو أخذنا مغامرة «المعركة الوهمية»، التي قُمْنا بها مؤخَّرًا، سوف نطلب من كلِّ واحد … أن يكتب رؤيته للمغامرة، وبهذا تكون كلُّ جوانب المغامرة قد اكتملَت؛ لأن أكثرَ من وجهة نظر قد اشتركَت فيها.

كانت «إلهام» تفكِّر في اقتراح «أحمد» الذي أضاف بسرعة: أظن أنكِ قرأتِ روايةَ «ميرامار» لكاتبنا «نجيب محفوظ».

ردَّت «إلهام»: نعم قرأتُها … واستمتعتُ بها تمامًا.

قال «أحمد»: إنها تقوم على حادثة واحدة يرويها أكثرُ من واحد … فالحقيقة كما يقولون لها أكثرُ من وجهٍ، وعندما تشترك مجموعةٌ في رؤيةِ حادثةٍ واحدة؛ فمن المؤكَّد أنهم يصورونها تمامًا.

فكَّرَت «إلهام» لحظة، ثم قالت: أظن أنني قرأتُ روايةً أخرى لكاتب آخر تقوم على نفس النظرية.

ردَّ «أحمد» مبتسمًا: لعلكِ تقصدين رواية «الرجل الذي فقَد ظلَّه» للكاتب فتحي غانم.

قالت «إلهام»: نعم، لكنني أُضيفُ أنني قرأتُ روايةً إنجليزية لكاتب أيرلندي اسمه «لورنس داريل»، والرواية اسمها «الرباعية الإسكندرانية».

ابتسم «أحمد» وهو يقول: إنها واحدة من الروايات التي أحببتُها جدًّا … وأظن أنها سابقة على روايتَي «نجيب محفوظ» و«فتحي غانم».

قالت «إلهام»: أظن ذلك!

ثم أضافَت: إنَّ فكرتَك جيدة على كل حالٍ … لكن هناك صعوبة، وهي أن الشياطين اﻟ «١٣» لم يشتركوا معًا في مغامرة واحدة.

ابتسم «أحمد»، وقال: هذا صحيح؛ ولذلك يمكن أن نعدِّل الاقتراح؛ فكل مجموعة اشتركَت في مغامرة يمكن أن تسجِّلها … وهذا يُعطينا مجموعةً من الأعمال … على الأقل … تُصبح تسجيلًا لأعمالنا.

صمتَ لحظةً ثم قال: إن فكرتك رائعة … وينبغي أن نبدأ فورًا … في تنفيذها؛ ففي العادة … تقوم مجموعة بمغامرة ويبقى الباقون في المقر السري، وهم يستطيعون أن يسجِّلوا مغامراتِهم السابقة في تلك الفترة …

قالت «إلهام»: إذن علينا أن نطرح الفكرة على الشياطين … ثم نناقشها كعادتنا في العمل.

صمتَت لحظة ثم أضافَت: هل ندعوهم إلى اجتماع؟

لكن قبل أن يردَّ «أحمد» كانت لمبة حمراء قد انتشر ضوءُها في القاعة، جعلَت الشياطين يلتفتون جميعًا إليها، حتى إن «باسم» توقَّفَت يده، وكان يمدُّها ليحقِّق نقلةً «للطابية» … وهتفَت «إلهام»: لقد توقَّف الاقتراح؛ فنحن مدعوُّون لاجتماع.

قال «أحمد»: لا بأس، وسوف نحقِّق الاقتراحَ في أيِّ وقت آخر؛ فإذا خرجنا الآن في مغامرة فسوف ننفِّذ الفكرة عندما نعود، وإذا لم نخرج فسوف نطرحها في اجتماع سريع …

وقف الشياطين جميعًا، وقالت «زبيدة»: إنها مغامرة صيفية كما قلت.

فضحك الشياطين وهم يأخذون طريقَهم إلى قاعة الاجتماعات، عندما دخل الشياطين القاعة، كان ضوءٌ خافت يغمرها مما يعطي إحساسًا بالراحة؛ ولذلك أخذوا أماكنهم بسرعة … وتعلَّقت أعينُهم … بالخريطة الإلكترونية … فهم يعرفون عن طريقها بدايةَ المغامرة غير أن الخريطة لم تكن مفاجأة … كانت مجردَ لوحة بيضاء صامتة … مرَّت دقائق، ثم فجأة، ظهرَت حركةٌ فوق الخريطة … كانت تبدو وكأنها استوديو في حالة استعداد تصوير فيلم سينمائي … كان المنظر على الشاشة في غرفة الماكياج … وقد جلس أحدُ الممثلين أمام مرآة كبيرة، وحوله إضاءةٌ شديدة … كان الممثل يبدو متقدِّمًا في السن … وبجواره كان يقف الماكيير؛ وهو الرجل الذي يقوم بعملية الماكياج … يبدأ الرجل بوضع بعض الكريم فوق وجهِ الممثل … ثم دلَّكَ وجهَه في رقَّة … ثم أخذ يضعُ نوعًا من البودرة الوردية اللون … التي تقترب من لون بشرة الإنسان … وأمسك فرشاة، وبدأ يرسُم وجهَ الممثل، وعندما انتهى، كان الممثل قد تغيَّر شكله تمامًا … وتحوَّل إلى شابٍّ … ظهرَت ابتسامةٌ على وجهِ الممثِّل … ثم قال يخاطب الماكيير: رائع يا «جان» … لقد أعدْتَني شابًّا كما كنت.

وابتسم «جان» وهو يقول: إنك ما زلتَ شابًّا يا سيدي؛ فالحياة تبدأ بعد سنِّ الستين! ضحك الممثل وقال: هذه كلمات يضحك بها الشبابُ علينا … إن الشباب هو بداية الحياة فعلًا. مرَّت لحظة والممثل يراقب وجهَه في المرآة، ثم ابتسم قائلًا: إنني لا أكاد أعرف نفسي!

ثم نظر إلى «جان»، وقال: إنك ماكيير رائع!

ابتسم «جان» وردَّ: هذه مجاملة أعتزُّ بها يا سيدي!

قال الممثل: إنني لا أُجاملك … أنت فنَّان حقيقي، ولقد عملتُ طويلًا في السينما، لكنني لم أجد أعظم منك في عملية الماكياج.

ابتسم «جان» ولم يردَّ … كان «جان» رجلًا في حدود الخمسين من عمره … قويَّ البنيان يبدو وجهُه هادئًا، تُغطِّيه ابتسامةٌ دائمة … وعندما يعمل يستغرق في عمله تمامًا … وعندما تتحرك يداه بالفرشاة والألوان فوق وجهِ الممثل فإنه يبدو كرسَّام عظيم …

كان الشياطين مستغرقين في مشاهدة ما يدور على شاشة الخريطة … لكنهم في نفس الوقت لم يكونوا يفهمون المقصود منه … لكن فجأة، جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن «جان» هو بطلُ مغامرتنا الجديدة.

صمتَ لحظة ثم قال: ينبغي أن تراقبوه جيدًا … فإنكم سوف تتعاملون معه.

مرة أخرى توقَّف عن الكلام. مرَّت دقائق، كان الشياطين يفكرون خلالها في كلمات رقم «صفر» … فماذا يعني أن «جان» هو بطل مغامرتهم القادمة؟!

قال رقم «صفر»: سوف تشاهدون الآن عملًا آخر ﻟ «جان».

اختفى العمل الأول، ومرَّت دقائق قبل أن يبدأ عرضُ العمل الثاني، كان المنظر لممثلة شابة جميلة رشيقة، أسلمَت وجهَها ﻟ «جان» الذي بدأ عمله في إتقان ومهارة … وشيئًا فشيئًا كان وجهُ الممثلة الجميلة يتحول إلى شيء آخر … فجأة دخل أحد الرجال، ووقف يراقب الممثِّلة … ثم ابتسم قائلًا: لقد حققتَ ما فكرتُ فيه تمامًا يا عزيزي «جان»، ولكنْ هناك شيء ينبغي أن تعرفه … لقد ضربَت العصابةُ عزيزتَنا … «سيلفيا» ضربًا مبرحًا، ينبغي أن يظهر ذلك على وجْهِها …

قال «جان»: إنني لم أنتهِ من العمل بعدُ يا سيدي المخرج …

قال المخرج وهو ينصرف: إذن … إنني في انتظار العزيزة «سيلفيا».

ثم اختفى المخرج. ابتسمَت «سيلفيا» التي كانت تبتسم وهي تقول: لقد بدأتُ أشعر بالألم، وكأنني قد ضُربتُ فعلًا!

ضحك «جان» وهو يقول: إنها مجاملة رقيقة يا عزيزتي «سيلفيا».

واستمرَّ في العمل بمهارة … لكن ظل السؤال يتردَّد في خاطر الشياطين … ما هو المقصود من ذلك كله؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤