الفصل الحادي عشر

الرجل والمرأة فى الهيئة الاجتماعية

حول رواية غادة الكاميليا (خلاصة الرواية — بحث فى موضوعها — الممثلون)

الكاميليا زهرة نضيرة بيضاء أو حمراء أو شتى الأصباغ، منبتها الشرق، ومنه نقلت إلى الغرب.. والرواية التى نحن بصددها الآن من تأليف إسكندر دوماس الصغير، ولعله بها أشهر من الكبير، وقد أطلق عليها هذا الاسم لأن مرجريت التى تدور على حياتها الرواية تحبها ولا تكاد تبدو إلا بها. وهذه أول رواية كبيرة تمثلها فرقة يوسف وهبى على مسرحها.. وموضوعها غاية فى البساطة وحسن السبك: فتاة من بنات الهوى المترفات اسمها مرجريت (روزا اليوسف) يحبها أرمان (يوسف وهبى) من أبناء الشرفاء، وتجازيه هى حبّا بحب وإخلاصًا بإخلاص، وتغضى عن ضيق ذات يده بالقياس إلى خطاب ودها من مثل دى فارفيل (إستيفان روستى) والكونت دى جيرى (حسن فايق) وتذهب معه إلى ضاحية تقضى معه فيها شطرًا سعيدًا من حياتها التى ينغصها السُّلال. وكلما احتاجت إلى مال باعت مما تملك من حلى أو خيل أو غير ذلك مما يتعلق به هوى أمثالها من زينات الحياة ومتع الغرور.. وحبيبها جاهل ما تصنع، حتى إذا علم هم بالتصرف فيما ورث عن أمه وكر إلى باريس لإتمام ذلك تاركًا إياها مع عذراء من صديقاتها هى نيشت (فاطمة رشدى) وخطيبها جستاف (مختار عثمان).

وكان والد أرمان (عزيز عيد) يعلم هذه العلاقة الغرامية ويتسخطها، فذهب إلى مرجريت وصادقها فى فترة غياب أرمان وانتهرها لتوهمه أنها تحتلبه، فكاشفته بالحقيقة التى كتمتها عن أرمان وأرته عقود بيع أثاثاتها وخيولها وما إلى ذلك، فأنس إليها بعد الاستيحاش، واطمأن إلى إخلاص وسمو عاطفتها، واتخذ ذلك ذريعة قاسية لحملها على التضحية بنفسها وبحبها فى سبيل ابنته التى ارتهن مستقبل زواجها ببتِّ ما بين أرمان ومرجريت من صلة، فقبلت على مضض ووعدت أن تكتم السر. وكتبت هى إلى أرمان رسالة قطيعة وعادت إلى باريس حيث عاودت حياتها الأولى، وإن كان أرمان أبدًا بالذكر والألم المر الفاجع بين العين والقلب.

ويلاقيها أرمان على أمل الوقوف على سر القطيعة فتأبى إلا وفاء بعهدها لأبيه، ورعيا لوعد الكتمان الذى بذلته، وتزعم أنها تحب فارفيل الذى صارت خليلته، فيهينها على مشهد من صواحبها وأصحابها، فتصيبها نوبة عصبية ويفدحها ما تحمل من إرهاق التضحية، وفى كلمة منجاتها لو شاءت.

وتثقل عليها وطأة السل فتلزم الفراش، وفى هذا الدور يكتب والد أرمان إليه بالحقيقة، وإلى مرجريت برسالة يعللها بها، فتتعزى بأخيلة الماضى وما تتوقع من حضور أرمان إليها. ويأبى القدر أن يوافيها حبيبها إلا فى اَخر أيام دنياها، ويأبى الفن على المؤلف إلا أن يجعل هذا يوم زفاف نيشت، وإلا أن تدعى مرجريت إلى الكنيسة لشهوده، وإلا أن تعتذر من التخلف بأنها ستموت قبل تمامه، وإلا أن تأتى العروس فى حلة زفافها ومعها بعلها السعيد بها إلى البيت الذى يوشك أن يقوم فيه المأتم. وإن مرجريت لتعلم أنها لا محالة قاضية نحبها فى يومها هذا.. ولكن رؤية حبيبها تنعشها وتشعرها دبيب الحياة التى عادت مطلوبة بعودة حبيبها والتى يغالبها القضاء المحتوم فتفيق ولكن إفاقة الموت، وتستحد قوة ولكن كلسان الشمعة يثب وقد أشرفت على الفناء ثم تهوى جثة هامدة بين ذراعيه.

هذه هى خلاصة الرواية التى وضعها دوماس الصغير فى عام ١٨٥٢ بعد أن صاغها قصة قبل ذلك بأربع سنوات وهى، كما يرى القارئ، دفاع عن المرأة زلت بها القدم وأبى المجتمع أن يغتفر لها زلتها. وأحسب المؤلف أراد أن يقول إنه ما من إنسان يكون كل ما فيه شرّا، وإنك قد تجد فى النفوس المنبوذة، لخروجها عن عرف الجماعة ومألوف أنظمتها، عناصر من الخير قد تخطئها فيمن يلتزمون هذا العرف والمألوف. وكأنا به أراد أن يقابل بين أثرة والد أرمان وإصراره — برغم إجلاله لعاطفة مرجريت واعتقاده فيها الشرف وسمو النفس وعلو الروح — على أن تضحى بنفسها من أجل ابنته، وبين ما استطاعته مرجريت وحملت نفسها على مكروهه من الإيثار والتضحية — نقول كأنا به تعمد هذه المقابلة ليحمل القراء أو السامعين المتفرجين على مشايعتهم إياه على رأيه ومجاراته فى مذهبه ومسايرتهم له إلى غرضه.

ولكن ما غرضه؟ إن كان كل نفس فيها من الخير والشر عناصر، ولها من الفضيلة والرذيلة حظوظ، وإن قبح المجتهر قد يكون دونه عفاف سر وحسن مختبر، فمن ذا الذى يجرؤ على المجادلة بالخلاف فى ذلك؟ من الذى يحسب أن النفس الإنسانية يمكن أن تكون كلها شرّا محضًا أو خيرًا محضًا؟ بل من ذا الذى يخطر له أن الشر يوجد صرفًا والخير يتجسد محضًا؟ بل نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ونتساءل: من من الناس لا يعلم أن الزواج فى صورته الحالية طارئ على المجتمع وأنه لم يكن موجودا فى العصور الأولى التى مرت بالإنسان — عصور الاستيحاش التى اجتازت دورها الجماعات البشرية قبل أن تنشأ هذه الأنظمة المدنية القاسية المعقدة؟

نعم الخير والشر صنوان يلزمإن معًا، ولا ينبت كل منهما على حدة. ولا شك فى أنهما كعود الزهر فيه الوردة المعطار والشوكة الواخزة. والثابت أن الزواج نظام طارئ حديث وإن كان قديم العهد، ولكن أليس له مظهر يقوم مقامه فى حياة الإنسان الأولى؟ فى عصور الهمجية الفطرية حين كان كل امرئ مرسلًا على سجيته، منطلقًا وفق غريزته، دون ما كابح من عرف منظم أو قانون مشترع؟ ونسأل قبل ذلك: ما هو الزواج؟ أليس هو طريقة لتنظيم علاقة الرجل بالمرأة وما يترتب على ذلك من النتائج المتعلقة بالنسل؟ أليست غايته تنظيم علاقة الحب خدمة للنوع؟ وليس هذا فيما نعلم بالجديد فى تاريخ الإنسانية. فأما الحب، فهو قوام غريزة حفظ النوع، وما هو بالطارئ ولا بالذى بعثت عليه حالة الاجتماع المنظمة الحديثة، وهو ينشأ فى حيثما يلتقى إنسانان من جنسين. لأنه الوسيلة التى تتخذها الحياة لبقاء مظهرها الإنسانى، أو بعبارة أخرى هو الأداة التى تستخدم لحفظ النوع، والحب من مميزاته — لا بل من لوازمه — الأثرة التى تتطلب الانفراد بالمحبوب وتتقاضاه الوفاء، وليس الوفاء فى الحقيقة إلا مظهرًا لشهوة الملك والاحتياز، وهى شهوة عريقة فى الإنسان، وما أكثر ما يضن المرء بالتافه من الأحراز والأملاك لا إكبارًا له ولا تعلقا به لنفاسة فيه، بل كراهة منه لأن يحوزه سواء؟

وقد يعيينا أن نتصور ما أحسه الإنسان الأول — إن كان قد أحس شيئًا — حين ألفى نفسه فى عالم لا يعلم من — أمره شيئًا ولا يفهم من ظواهره لا كثيرًا ولا قليلًا. على أنه لا شك فى أن الأجيال الإنسانية الأولى اكتنهت معنى ما يحيط بها من ظواهر الطبيعة والحياة شيئًا فشيئًا، وأن أعينهم كانت تتعقب الدائرة الوضاءة بين طرفى السماء، وأنهم لاحظوا النار والنور اللذين يأتيان من حيت لا يعلمون وسمعوا جلجلة الرعد وأصداءه فى مخارم الجبال، وشهدوا اتفاق ذلك وما تحدثه العاصفة من التخريب، وإن إحساساتهم وحاجاتهم كثرت وتضاعفت وتنوعت وألحت عليهم ولجت بهم، فاندفعوا فى طريق العمل والتفكير، وساعفتهم الغريزة، واضطرهم لفح الشمس إلى الاستذراء بالشجر وتوشيج أغصانه، وخافوا فعل البرد فاكتسوا جلود الحيوان.. ولما لم تكفهم الغيران والكهوف الطبيعية، ولا وفت بحاجاتهم، صنعوا لأنفسهم ملاجئ فى أحضان الجبال، والتمسوا النور وبغوا النار وشحذوا الحجارة ليتخذوا منها أداة أو سلاحًا — وفقوا إلى ذلك وسواه على مر الأيام، وبالتدريج، لا طفرة واحدة. ولكنهم لم يتعلموا الحب بالتدريج، ولا عرفوا ما يثيره من الأثرة وطلب الانفراد دون سائر المخلوقات بسببه وباعثه على كر الحقب. بل لقنتهم الغريزة ذلك مذ وجدوا على ظهر الأرض كما أودعت غيرهم من المخلوقات ما يشبه ذلك وركبت طبائعها على الذود عن صغارها.

فاباؤنا الأولون كانوا يحتازون مثلما نحن نتزوج، ويأبون إلا الاستئثار كما نأباه، ويطلبون الوفاء الذى نطلبه، ويغارون غيرتنا ويدافعون عمن استأثروا بهن من النساء دفاعنا عن زوجاتنا، وليس من فرق على الحقيقة سوى هذا العقد الذى يكتب ويسجل وتنظم به علاقة الزوجية وما ينشأ عنها من النسل والميراث.

وعسى من يقول: ولكن الإنسان لا يأبى المشاركة فى الطعام فما باله يأباها فى الحب؟ فنقول: ليس الغرض من الطعام ما عسى أن يجده الآكل من اللذاذة المستفادة من نكهته ومذاقه، بل ما يؤدى إليه من الصحة ويكسب المرء من القوة التى يستعين بها على أداء مهمته فى الحياة. وليس له بعد ذلك غاية ولا ثم غرض آخر غير المساعدة على حفظ الذات. والقليل منه يكفى حتى إذا توافر الكثير. وقد تتغلب عاطفة التعاون على التنازع. ولعل المشاركة فى الطعام أشحذ أحيانًأ للشهوة، وأعون على إصابة القدر اللازم منه، وفى هذا ما يغرى بها، ويجعلها مرغوبة ومطلوبة. فالأنس المستفاد من اجتماع الأوداء، والغبطة التى يحدثها ذلك، وتنبيه المعدة وشحذها بهذه الطريقة، من العوامل المعقولة فى جعل المشاركة محبوبة أحيانًا، ولكن الإنسان مع ذلك أخلص لطبعه من أن يرضى هذه المشاركة فى كل حال. ولنفرض مثلًا أن الطعام قل أو حدث قحط لسبب من الأسباب وطغى الجوع بالناس: أتظن حينئذ أن المرء تطيب له هذه المشاركة؟ ألا يخطف المرء ويستأثر بما تصل إليه يده؟ ألا يقتل فى سبيل إشباع بطنه؟ نعم قد تكون النفوس أقوى من الجوع فيتغلب التعاطف على سورة السغب وجنونه.. ولكنا إنما نتكلم عن أوساط الناس لا القليلين النادرين من الشواذ الذين تسمو بهم نفوسهم وتحلق فوق جماهير الخلق.

ثم لماذا نرى الجود مما يمدح به الناس بصفة خاصة؟ قد لا يكون الجود مما يدور عليه الثناء فى العصور الحديثة. ولكن الأدب القديم حافل به، فلماذا خطر لهؤلاء الناس أن يميزوا ممدوحهم بالجود إذا كان ذلك عامّا طبيعيّا؟ لم كان حاتم الطائى مثلًا خالد الذكر لأنه كان ينحر نياقه أو خيله لضيوفه؟ ولسنا نعنى حاتمًا على وجه التخصيص، وإنما نتخذه رمزًا لأمثاله وأنداده من أجواد العالم المذكورين. ليس الأصل فى الإنسان الكرم ولا الايثار ولا شيئا مما يجرى هذا المجرى، وإنما الأصل فيه أن يعمل وفق غريزتيه الكبريين. غريزة حفظ الذات وغريزة حفظ النوع. فإذا كانت المشاركة أعون على ذلك فيها وإلا فلا شىء إلا الأثرة والأنانية فى أقسى مظاهرهما.

وإذا كانت المشاركة فى الطعام معقولة أحيانا لما تعين عليه من شحذ المعدة وتفيده من الأنس والغبطة فليس مما يتصوره العقل أن يكون من شأنها أن تعين على الغاية من الحب وهى حفظ النوع. ولا هى يمكن أن تفضى، فيما تفضى إليه، إلى الإيناس وشرح الصدر وغبطة القلب، وحسن العاطفة فى تبادلها وفيما يحسه المرء من صداها فى غير صدره وتجاوب قلب اخر بها. والحب — كما أسلفنا — يثير شهوة الملك فى نفسى المتحابين واستئثار كل منهما بالآخر. هذه طبيعة العاطفة التى نحن بصددها. وكذلك كانت مظاهرها قديمًا وكذلك هى الآن وغدًا وفى كل أوان. فماذا يريد دوماس؟ وأى شىء يبغى أن يقول فى روايته؟ ألّا ننقم من البغى شيئًا؟ وأن نجلها وننزلها منزلة المحصنات اللواتى يأبين أن يجعلن أنفسهن كالشمس لكل الناس؟ إن الفضائل لم توجد فى الدنيا عبثًا. وإذا كان الملل فى طبيعة النفس البشرية، وطلب التحول والتنقل كالنحلة بين زهرات الحياة معقولًا فإن ذلك لا يسوغ البغاء ولا ينفى ضرورة العفة.

أم نفعل ذلك رحمة منا بالضعيفات اللواتى يهوين إلى هذا الدرك ولا يستطعن أن يقاومن المغريات أو يجتنبن حبائل الرجال؟ حسن أن نكون رحماء وأن نغتفر الزلات، ولكن لمن؟ لمن يستحق ذلك، لا لمن تريد أن تعيش عيالًا على المجتمع وحميلة على الخلق وأن تجرر أذيال الغنى وتقضى أيامها فى ظل البذخ والترف بغير حق وعلى حساب الشريفات المحصنات — وإذا كان هؤلاء لا يطقن أن يغالبن المؤثرات وأن يفزن على المغريات فهن ضعيفات قد يدرك الفرد العطف عليهن ولكن الحياة لا ترحم ولا ترثى لأحد وليس فى الطبيعة محل للضعيف.

وقد يكون هوى أرمان فى هذه الرواية مما يعجب الشبان ويروق ضعاف النفوس والأغرار، ولكنه ليس فيه شىء مما يعجب الرجولة ويقع من قلب الفحل ذى القوة — هذا لا يفهم كيف يذيب الحبُّ النفسَ ويحيلها كالقميص البالى الذى لا يصلح لشىء أو الورقة المبلولة، وتقعدها عن أداء مهمتها فى الحياة والنهوض بفرائضها، ولا يترك لها من عمل سوى البكاء والعويل أى التخنث المرذول.

•••

هذه كلمة لم نر بدّا من قولها عن رواية دوماس التى شقَّت له طريق الشهرة. فلسنا ممن يوافقونه على فكرته التى بثها فيها، وأنشأها لأجلها، ولا ممن يحمدون هذا النوع من الحب الذى يذوى النفس، ويعصف بالرجولة، وينسى المرء فرائض الحياة. وقد كان تمثيلها بديعًا وأداء الذين قإموا بأدوارها جيدًا. وجاء حسن التمثيل مسعدًا لموضوع الرواية حتى اغرورقت ماَق كثيرة!! والسيدة روزا اليوسف حقيقة بأعطر الثناء على جودة تمثيلها على الرغم من أن دورها فادح طويل مرهق.. ولقد بلغت فى الفصل الثالث الغاية التى ليس وراءها مطمح، وذلك حين يتوسل إليها والد أرمان أن تضحى بنفسها وتبذل حبها فداء لابنته، وهى جالسة سابحة فى عباب طاغ من العواطف الجائشة المتعارضة، وبين يديها زهرة الكاميليا تنثر غلائلها ولا تعى ما تفعل. ولم نر أعظم ولا أبهر من قدرتها فى هذا الفصل عينه حين يعود حبيبها وتغالب دمعها المترقرق وتعالج أن تبتسم وتضحك وفى صدرها الفائر جحيم من الألم تصارعه. ولو أنها أضافت شيئًا من السعال فى الفصل الأخير إلى تمثيلها الذى لا يبارى وقطعت كلامها لما وجدنا مأخذًا ما.

وأجاد يوسف وهبى أداء دوره، وعرف كيف يجعل حركاته طبيعية ملائمة لمواقفه، وأعجبنا منه على وجه الخصوص اقتداره على تمثيل الزراية والاحتقار وجعل نظرته وهيئة جسمه فى وقفته أصدق ناطق بذلك، وحبكه دور الحائر الذى لا يفطن إلى ما انتوت حبيبته من مهاجرته.

والآنسة فاطمة رشدى ماذا نقول عنها؟ كيف تمثل غرارة الصبى وسذاجة النفس واطمئنان القلب إلى حب الحبيب وفرحه بقربه إلا كما فعلت؟ إن هذه الفتاة اَية ولا يخالجنا شك فى أن مستقبلها سيكون أبهر وأروع. ذلك أن لها، كالسيدة روزا، قدرة عظيمة على تقمص الدور وتشرب روحه بحيث تصدر عنها كل كلمة أو حركة وكأن الأمر واقع والمسألة حقيقة. ومن مزاياها الواضحة التى تدل على استعدادها للتمثيل أنها تنسى الجمهور كأنه غير موجود، وهذا هو الواجب، فإن على الممثل أن يتفرغ لدوره وألّا يفرض أن هناك أحدًا ينظر إليه، على عكس الخطيب الذى لا يسعه إلا أن يعنى بجمهور السامعين وإلا أن يلاحظ التيار بينهم ليتمكن من توجيهه وجهته التى يريدها هو.

ونحب أن ننبه الأستاذ عزيز عيد إلى وجوب التمكن من استظهار دوره، فإن عدم الحفظ يضطر الممثل إلى جعل باله إلى الملقن، فيصرفه ذلك عن تجويد دوره، وتحمله على ملء الفترات بين الجمل أو أبعاضها، بحركات قد لا يكون لها محل، أو تكون كثرتها وتواليها بلا مبرر سوى نسيانْ الكلام، من بواعث الضعف فى التمثيل. ولم نكن لننبه إلى ذلك لولا إعجابنا بقدرته، واعترافنا بمواهبه، ورغبتنا فى تنزيهها عن هذا العيب الصغير الذى لا تستعصى مداواته.

وقد أطلنا، فليقنع الباقون من زملائهم بالشكر منا لهم على ما أجادوا وأحسنوا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤