مدحت باشا (٤)

هذه الباخرة «عز الدين» تمخر البحر لتقذف به في ثغر من ثغور أوروبا، وقد ضاعت كل آماله؛ فكل ما حزر من تقديره الثورة ونتائجها، والدستور وثباته، والسلطان عبد الحميد وخضوعه لإرادة الأمة، قُضي عليه في لحظة، وزال من الوجود في لمحة، وعادت الدولة إلى ما كانت عليه قبل جهاده المتواصل، وكدحه المتتابع، وكل ما في يده الآن غضب السلطان عليه وعلى أتباعه، وبعده عن أهله وتجرُّده من ماله.

لو أن أي إنسان عادي آخر مكانه للعن الإصلاح والمصلحين، وترك الدولة تجني جزاء ظلم سلاطيتها، وانتظر حتى يتشفى بمنظر الفساد يهدُّ أركانها، ويفتخر بأنه نصح فلم ينتصحوا، وأنذر فلم يصغوا، فارتاحت نفسه بصدق ما تنبأ، وحدوث ما أنذر.

ولكن لم يكن مدحت في شيء من هذا، فما مرت هذه الخواطر بنفسه حتى طاردها، وأخذ يفكر من جديد في وسائل إصلاح ما كان، وعجب من نفسه فوصفها بقوله: «إن حب الإصلاح قد اختلط بدمي فكان كالمرض المزمن لا يُبرأ منه».

فكر سريعًا، ووصل إلى النتيجة سريعًا، فرأى أن روسيا تحارب بلاده وتجمع لها جيوشها الجرارة، ويذهب القيصر بنفسه إلى ميدان القتال لتحميس الجند، والدول كلها تتنبأ بنصرتها، فواجبه — إذن — أن يؤلِّب الدول على روسيا ما استطاع، ويبين لكل منها الأضرار التي تنالها من هزيمة الدولة العثمانية، وتعديل خريطتها. فهو في أسبانيا يتصل بساسة إنجلترا وفرنسا، ويحاول إقناعهم بآرائه، ثم يذهب إلى انجلترا لهذا الغرض، ويُبرق إلى المابين يقول: «قد سعيت مدة إقامتي في عاصمة بلاد الإنجليز بما يعود على دولتنا بالنفع ويرفع شأن حكومتنا، وحاولت إقناعهم بعقد صلح يحفظ الدولة وعظمتها، وأفتخر أني وفِّقت إلى ذلك بعض التوفيق»؛ ثم يذهب إلى فيينا لهذا الغرض ويبرق فيقول: «أنا اليوم في (فيينا) أبذل الجهد لترويج نفس المساعي … وآمل إخباري بما يوافق مصلحة الأمة لأستعين به على أمنيتي الوحيدة، وقد وقفت حياتي لتخليص الدولة من ورطتها، وأنا قادر على القيام بأعباء ما يطلب مني، ومصلحة الوطن تضطرني إلى ذلك».

وكانت تعترضه صعوبة أن بعض الدول تردُّ عليه بأنه ليس مفوضًا، ولا له صفة رسمية يتكلم بها، وأنه ليس إلا رجلًا منفيًا، فطلب من الدول تصحيح موقفه لإتمام مساعيه فلم يجد سميعًا!

وأغرب ما في الأمر بعد ذلك أن يزفَّ إليه «ناظر التشريفات» بشرى أن السلطان ذكره بمحضره، وسأل عنه كيف يعيش؟ فقال «ناظر التشريفات»: إنه في حالة بؤس ينتقل من بلد إلى بلد، ويعيش بالقرض، فظهرت رقة قلب السلطان بكى، وقال أرسلوا له ألف ليرة؛ ثم يختم الخطاب بأنه يطلب منه شكر السلطان، وتضرعه إليه بالعفو عنه.

ظن المسكين «ناظر التشريفات» أن كل النفوس ذليلة كذلته، مَلِقَةٌ كملقه؛ ولكن هذا الخطاب وقع من نفس مدحت الأبيَّة موقع السهم المسموم في الفؤاد الجريح، فهاج وثار، ورد عليه فقال: «لقد عبرتم للسلطان عن حالي بأنها حال بؤس ينتقل من بلد إلى بلد، تستدرون بذلك شفقته، وهذا وصف لا يوصف به إلا فاقد الشعور أفَّاق، لا رجل مثلي عمل ما عمل، وتولى الصدارة بجدارة.

وأنا كما وصفتم من أسباب عيشي وفقري، فقد اقترضت عشرة آلاف فرنك من خرستاكي في نابولي فنفدت، وأنا اليوم أسعى في قرض جديد أسد به رمقي ورمق أسرتي في الآستانة، ولكني فخور بذلك، فقد ولدت عاري الجسد، وسأموت عاري الجسد، وأنا ابن الحاج أشرف أفندي ونعم النسب، ومع هذا فلا أنتسب إلا إلى الله، وذخيرتي أني عاهدته ألا أقول إلا الحق، ولو أوصلني إلى مثل ما ألاقيه الآن من الشدائد.

وما الذي فعلت من إجرام حتى أطلب العفو؟! لقد سعيت في تولية السلطان مراد بعد عبد العزيز، فلما مرض سعيت أن يجلس مكانه السلطان عبد الحميد، وكان جلوسه مقرونًا بإعلان الدستور ووضع خطط الإصلاح.

ومنذ خروجي من الآستانة وأنا أفكر في الدولة وسبيل إنقاذها من المهالك، ولا أفكر في نفسي، فماذا في هذا مما يعتذر منه؟

لقد بلغت السادسة والخمسين، ولا أمل لي في الحياة! فلم يتجاوز أسلافي الستين، فأيامي معدودة، وجل رجائي أن أعيش منفردًا، وأدعو لولي النعم الأعظم».

هذه خلاصة كتاب أقل ما يوصف به أنه يعبر أصدق تعبير عن قوة مدحت وعظمته ورجولته وسمو نفسه.

لقد وصف «ناظر التشريفات» هذا الخطاب لما قرأه بأنه كالعروس عطلت من حليها، وعَرِيَتُ من ثيابها، ولكن أين يكون الجمال إذا لم يكن هذا جميلًا؟ وفي الحق أن هناك عيونًا لا ترى الجمال الحق في الإباء والشمم، وإنما ترى الجمال المتصنع في النفاق والملق.

كان يومًا يصطاف في الريف عند صديق له من دوقات الإنجليز، وإذا بسفير الدولة العثمانية في إنجلترا يقابله، ويبلغه أن السلطان سمح له أن يقيم مع أسرته في جزيرة «كريد». فذهب إليها وعاش فيها مع أسرته نحو شهرين. ثم عين واليًا لسوريا، ثم لأزمير، ثم كانت مأساته التي ختمت بها حياته كما سنبينه بعد.

•••

هذا هو العمود الفقري في حياة مدحت، وله بجانب هذا أعمال فرعية في الولايات التي تولاها، وهي أعمال خالدة لا تزال تذكر من أهل البلاد التي عمل فيها بالحمد والثناء.

لقد وَلِيَ العراق، وولي سلانيك، وولي الشام، وولي أزمير، وكان له في كل أولئك خطة واحدة، يعمد — أولًا — إلى الأشقياء الذين يعيشون بالأمن فيضربهم ضربة تنخلع منها قلوبهم وقلوب أمثالهم، فإذا الأمن شامل والهدوء عام. ثم ينشر العدل بين الناس فيطمئنون على أنفسهم وأموالهم؛ ويعمل بالشورى فيحيط نفسه بمجلس من خيرة الولاية يستشيرهم في أمورها، ويجرئهم على قول الحق في صراحة، ويعلمهم كيف يعالجون المشاكل؛ ثم يصلح الطرق ويربط الولاية بشبكة محكمة، لأن ذلك يعين على الإسراع في ضبط أمورها؛ ثم يضع الخطط لاستغلال منابع الثروة في البلاد على خير وجه، كل ولاية بما يناسبها، حتى يزيد نتاجها على نفقاتها، ويأخذ من المال الناتج لإنشاء المدارس ونشر التعليم، وهو بعمله هذا يضع نواة العلم في بلاد فشا فيها الجهل وكادت تعم الأمية.

تولى العراق سنة ١٢٨٥هـ/سنة ١٨٧٠م في عهد السلطان عبد العزيز فأخضع رؤساء العشائر بعد عنادها، ودوّخ العصاة وطاردهم في أوكارهم، ثم أصلح أداة الحكومة، فأقبل الزرع على زراعتهم، والعمال والصناع على عملهم وصناعتهم، وأنشأ أول مطبعة في بغداد، وشجَّع على إنشاء جريدة سماها «الزوراء»؛ وحث الشركات على العمل: فشركة تسيِّر البواخر بين بغداد والبصرة، وشركة تسير الترام بين بغداد والكاظمية؛ وقرَّب المسافة بين بغداد والبصرة بتحويل مجرى دجلة، وبث المهندسين الزراعيين يدرسون حالة البلاد الزراعية، وأنشأ منتزهًا عامًا في بغداد سماه «بستان الأمة» «مِلَّتْ باغجة سي».

ومن طريف آرائه أنه عرف أن «بالنجف» كنوزًا مدفونة، فيها كثير من الأحجار الكريمة، كانت تزين بها الأضرحة والمشاهد، قد أخفيت أيام هجوم الوهابيين وهدمهم للقبور، فأخرجها مدحت، وقوّمها الخبراء بما يزيد على ثلثمائة ألف ليرة؛ فاقترح مدحت بيعها وإنشاء خط حديدي بثمنها بين النجف وإيران (لأنه كان قد اشترك في التبرع بها كثير من الفرس)، فلم يوافقه العلماء على ذلك فبطل المشروع. كذلك من طرائفه أنه ألّف مجلسًا للشورى في بغداد يرجع إليه في أمور الولاية، ولم تكن الناس تألف الجهر بالرأي والشجاعة في القول، ولا تعدُّ لهم بجانب الوالي شخصية، فجمعهم يومًا وقال لهم: إني أرى الحاجة ماسة إلى استئذان الباب العالي في زيادة الضرائب لتنفيذ ما نرى من وجوه الإصلاح فماذا ترون؟ قالوا جميعًا موافقون، هذا هو الرأي، وهي الحكمة؛ فكتب بذلك محضرًا وختمه جميعهم؛ ثم جمعهم في اليوم الثاني وقال: لقد فكرت في أمر زيادة الضرائب فتراءى لي أنها ظلم فادح لا يستطيعه الناس، ولكن محضر أمس أرسل، فإذا رأيتم هذا الرأي صوابًا كتبنا آخر ألحقناه به، وبيَّنا الأسباب الموجبة لنقضه، فقالوا نِعْمَ الرأي ما رأيت؛ ووقّعوا على الثاني كما وقعوا على الأول. فأمسك بالمحضرين هذا بيد وهذا بيد، وقال: والله ما أرسلته ولكن أردت أن أختبركم، فما قيمة المجلس إذا رجعتم دائمًا إلى رأيي وحده؟! ثم ألقى عليهم درسًا قاسيًا في الحرية وفوائدها، والشخصية وتكوينها، والاستقلال في الرأي ومزاياه.

وكانت ولايته للشام أصعب، فقد تولاها في العهد الحميدي بعد حوادثه مع عبد العزيز واتهامه بالجمهورية، وعداء السلطان والمابين والوزراء له، كلهم يتربص به الدوائر. ثم مشاكل الشام أعقد من مشاكل العراق، فهذه مشاكلها بدو وعشائر، وعلاقته بإيران ونحو ذلك؛ أما مشاكل الشام فأخطر: أمور لبنان تتصل بفرنسا، وأمور الدروز تتصل بإنجلترا؛ ولكل دولة مصالح ومدارس وكنائس، وغير ذلك. فكان أول ما لفت نظره ما ذَكَر من «أن مسلميها قد فشا بينهم الجهل … ومدارس الإفرنج تتقدم كل يوم تقدمًا ملموسًا، وليس للحكومة سوى بعض مدارس ابتدائية يقرأ فيها الأحداث القرآن، فكتب أفكر في أمر تعليم أبناء المسلمين وإصلاح مدارسنا».

فشكل الجمعيات، وجمع الإعانات، وفتح المدارس، وأصلح المساجد وجعلها مدارس، ووضع عقوبة لوليّ أمر الطفل إذا بلغ ابنه السادسة ولم يرسله إلى المدرسة، واستعان بأموال الأوقاف في أمور التعليم، وتأسست في عهده «جمعية المقاصد الخيرية» وانتشرت شعبها في البلاد.

ولما حاول الإصلاح الاقتصادي والإداري اصطدم بالدول، فكانت فرنسا صاحبة امتياز لبنان، وكانت الحكومة العثمانية خصصت لها خمسة وعشرين ألف ليرة من إيراد جمارك الشام، فكتب إلى رئيس الوزارة بقطع هذا المبلغ فغضبت فرنسا؛ وهكذا وهكذا من مشاكل، والدسائس تحاك حوله، وتشاع الإشاعات بأنه يريد الاستقلال بسوريا، ويستدل على ذلك بأن هاتفًا هتف «فليحي مدحت باشا»، وأن كاتبًا كتب «الخديوي مدحت». ولذلك لم يتمكن من الإصلاح في الشام كما تمكن منه في العراق، مما لاقى من العناء في الداخل والخارج. فيالله للمصلحين.

وأخيرًا نقل إلى أزمير، فلم يطل بها مقامه حتى كانت المأساة.

فبعد خمس سنين من وفاة السلطان عبد العزيز تحركت مسألة وفاته من جديد، وأشيعت الإشاعات أنه لم ينتحر وإنما قتل بإياز مدحت وأصحابه. وبلغ مدحت وهو في أزمير أنه يراد القبض عليه والتحقيق معه، وكتب إليه صديق له «فاخرج إني لك من الناصحين». وعرض عليه بعض أصدقائه من الأروبيين ركوب باخرة معدة وسفره إلى الخارج فرفض وقال: «كيف أرتكب الفرار لجريمة لا نصيب لها من الصحة».

وبينا هو نائم في داره إذا بالجنود تحيط به، ويقبض عليه ويرسل إلى الآستانة لمحاكمته بتهمة الاشتراك في قتل عبد العزيز.

من عهد أن تولى السلطان عبد الحميد، وهو لا يأمن جانب مدحت، ومن لف لفَّه، ويخشى جد الخشية أن يعيدوا معه تمثيل دور عبد العزيز؛ وبلغت به الخشية حد الهوس، فكل قوى المملكة من مال ورجال وسمع وبصر مسخرة للمحافظة على شخصه، ومراقبة مدحت وأمثاله، لأن من قدر على البدء كان أقدر على الإعادة — وأخيرًا اهتدى هو وأعوانه — للقضاء على مدحت وأصحابه، إلى هذه التهمة، فدبِّرت محاكمتهم، ورتبت شهودهم، ورسمت خطة الإيقع بهم. وبعد محاكمة صورية حكم عليهم بالإعدام، فتوسط الإنجليز وبعض سفراء الدول فاستبدل بالإعدام النفي، ووضعوا في باخرة سارت بهم إلى جدة ومنها إلى الطائف١. وأهينوا من يوم خروجهم من الآستانة بالتضييق عليهم في مأكلهم وملبسهم ومنامهم؛ وسجنوا في قلعة الطائف ثلاث سنين، وأجرى عليهم العذاب ألوانًا؛ وكلما مر عليهم زمن وهم أحياء زادوهم تضييقًا حتى يموتوا؛ ومن اشتد من الضباط عليهم رقى، ومن أخذته الشفقه عليهم أبعد. ومدحت يرسل الكتب إلى أهله يطلب منهم مالًا يقتات به، ويبذل كثيرًا من الحيل في إيصالها إليهم، فإذا أرسلوه لم يصل إليه. وثمانية من سادة القوم منهم مدحت يعيشون على صحن من «شوربة» مصنوعة من الماء وورق الفجل في الصباح ومثله في المساء، يريدون بذلك أن يميتوهم جوعًا فلا يموتون. وأخيرًا ضاق ولاة الأمور بهم ذرعًا فقرروا أن يَسمُّوهم، ولكن مدحت وصحبه يكتشفون المؤامرة.

فلما أعيتهم الحيل أوغروا بخنقه فخنق. وكان آخر ما كَتب إلى أهله كتابًا جاء فيه: «سيكون هذا المكتوب آخر ما أكتب فيما أظن.

فقد أخذوا منا الأقلام والمداد والورق، وضيَّقوا علينا الخناق، وقصدوا تسميمنا واحدًا بعد واحد، ولكن ظهرت نيتهم.

ولا بد أن يصلوا يومًا ما إلى غرضهم. فإذا جاءكم خبر وفاتي قبل كتابي فلا تحزنوا. وأنا أرجو من الله المغفرة فقد مت فداء الوطن، وأستودكم الخالق الباقي»

•••

قضى مدحت حياته كلها في الإصلاح الاجتماعي، يختار من المدنية الحديثة أحسن ما وصلت إليه من تنظيم الحكم على أساس الشورى التي تتفق وتعاليم الإسلام، ويأخذ خير أساليبها في نشر العلم وتنظيم الحياة الاقتصادية للبلاد، ويراعي في ذلك كله مستوى الأمة ومقدرتها على الامتصاص، فيعجل ما أمكن، ويؤجل ما لم يمكن إلى أن يمكن، ويحوّر ما يأخذه حتى يتفق وعقلية شعبه، ويلتذ من العذاب يصيبه في هذه السبيل لأنه ربطه بعقيدته الدينية؛ فالدين في نظره ليس صلاة وصومًا فقط، ولكنه مع ذلك عمل الخير لشعبه، ولا خير أرقى من الأخذ بيد الأمة لتفهم حقوقها وواجباتها وتثور على من يقف عقبة في سبيل تقدمها — ومن أجل هذا كان هادئًا مطمئنًا مستبشرًا، وهو في منفاه يرتقب الموت من ساعة إلى ساعة، يقول لأهله في بعض كتبه: إني أقرأ القرآن وأستعيد حفظه، وأستعذب تكرار آية مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وأعدها أكبر عزاء لي، وأهزأ بما أسمع من هجاء وافتراء فقلت سلّمت كل أموري لربي. إن الحياة محدودة وهي كألعوبة، ومحنتنا يكافئنا عليها ربنا، ولنا أسوة في الأنبياء والأولياء الذين قتلوا أو سجنوا فصبروا على ما أصابهم.

فإذا فرغ من عباداته، دوَّن بعض مذكراته.

•••

وقد خدمَتْ أفكارَه شناعة وفاته أكثر مما خدمها جهاده في حياته، فقد ألمت النفوس الخيرة مما أصابه ألمًا ممضَّا، وتأججت النار في أفئدتهم وأفئدة من يتصل بهم، وكانت أحداث الظلم المتوالية تغذيها بالوقود، فلما التهبت النيران التهمت عبد الحميد كما التهمت من قبلُ عبد العزيز؛ بل لعلها أيضًا هي التي التهمت فكرة الخلافة من أساسها فيما بعد.

•••

والآن ننتقل بأجهزتنا إلى مصلح آخر من صنف آخر، هو السيد جمال الدين الأفغاني.

١  انظر مذكرات مدحت ومحاكمته ليوسف كمال حتاته بك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤