بعض حروب أخرى

موت أنيبال
هذا؛ وفي أثناء الحروب المتوالية في مقدونية وآسيا الصغرى هاجت القبائل الأيبرية النازلة بإسبانيا طلبًا للاستقلال، فأرسلت الجيوش الرومانية تباعًا لقمعهم وإلزامهم الرضوخ والسكينة فقاوموا مدة، وكانت الحرب بينهم وبين الرومانيين سجالًا إلى أن تغلب عليهم في آخر الأمر القائد سمبرونيوس جراكوس Semprenius Grachus وألزمهم الطاعة.

وكذلك مالت قبائل الغال النازلة في شمال إيطاليا إلى الثورة والعصيان؛ فقمعوا وبقي في إيطاليا من أراد البقاء، وهاجرت عدة من القبائل التي لم تَرْضَ أن تكون تحت ذل واستعباد الرومانيين، وآثرت هجرة الوطن إلى غيره من بلاد الله الواسعة طلبًا للاستقلال والتمتع بالحرية بعيدًا عن مرامي أنظار الرومانيين، ونزلت على شواطئ نهر الدانوب.

ولما استتب الأمن بإسبانيا وشمال إيطاليا، واستراح بال الحكومة الرومانية من جهتهم كما استراح من جهة بلاد اليونان وآسيا الصغرى؛ لم تجد الوقت الكافي لتنظيم داخليتها والنظر فيما يعود عليها بالتقدم في ميادين التمدن، والارتقاء في معارج الفلاح بسبب ما كان يدسه فيليب المقدوني من الدسائس في بلاد اليونان، ويبذره من بذور الشقاق بين مدائنها لتنفصل عن الاتحاد مع رومة وتحصل على تمام استقلالها، ومن كان يرسلهم من الرسل إلى متبربري الجهات الشمالية ليشنوا الغارة على بلاد الرومان فيشتغلون برد غاراتهم عن بلادهم ويخلو له الجو في بلاد اليونان، فيفتح جميع مدنه ويصير هو ملكًا مطلقًا بها، الأمر الذي كان يسعى جهده لنواله من مدة، واتحد مع سكان التراس (الرومللي) واحتل جزءًا منها ليس بقليل وأسس مدينة في مركز متوسط يلجأ إليه عند الضرورة وسماها فيلببوبوليس١ نسبة إليه، فأرسلت رومة القائد الشهير فلامينوس لتسكين الخواطر في اليونان، والقبض على أنيبال القرطاجي الذي كان نزيلًا عند بروزياس ملك بثينيا وينفث سم دسائسه في بلاد اليونان، ويحرض فيليب وغيره على معاداة رومة ومنازلتها انتقامًا منها على ما أتته مع قرطاجة.

ولما اخترق فلامينوس بلاد اليونان وأعاد السكينة إليها قصد عاصمة ملك بروزياس، وطلب منه تسليم أنيبال فلم يرَ بدًّا من الإذعان لطلباته خوفًا من سطوة حكومته، وخشية أن تمد رومة يدها الخاطفة إلى بلاده، خصوصًا وأنها لم تبخل عليه بإقطاعه بعض أملاك أنتيوكوس؛ فأمر بالقبض عليه وإحضاره، ولما علم أنيبال بذلك تجرع السم بنفسه حتى لا يقع في أيدي من لم يرحمه (سنة ١٨٣ق.م)، وبذلك انتهت حياة هذا البطل الذي زعزع أركان الحكومة الرومانية وكاد يدخل رومة لولا وطنية الأمة الرومانية، وثباتها أمام النوائب والنوازل، وبذلها الأموال والأرواح لإنقاذ وطنها من احتلال الأجنبي وإجلائه عنها.

ولما علم سناتو رومة بمساعي فيليب أطلق سراح ابنه دمتريوس الذي كان أخذ ضمن الرهائن وأرسله لبلاده ليكون نصيرًا للرومان على والده، فذهب إلى مقدونية وصار رئيسًا للحزب المصافي للرومانيين، وكان له أخ لأبيه يدعى (برسيه)، فخشي برسيه من أن يرث دمتريوس المُلك بعد أبيه دونه بسبب أن والدته ليست من العائلة الملوكية؛ فسعى به لدى والدهما وأقنعه بأن دمتريوس يؤامر لقتله، فحنق عليه والده وقتله سنة ١٨١، ثم ندم على تسرعه وحزن حزنًا شديدًا كان سببًا لوفاته في سنة ١٧٩ فخلفه ابنه برسيه المعادي للرومانيين، وتظاهر في أول أيامه بقبول الشروط التي قبلها والده، وأخذ في استمالة القبائل المجاورة له وملوك اليونان بآسيا الصغرى وفي تحريض المتبربرين على تعدي الحدود الرومانية، وأرسل وفدًا إلى قرطاجة يطلب منها المساعدة والمعاونة سرًّا وأخذ يستعد لمحاربة الرومانيين ومنازلتهم.

هوامش

(١) لم تزل هذه المدينة باقية للآن واسمها الحالي فيليبة وهي عاصمة إمارة البلغار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤