الفصل الثاني

المشهد الأول

(في الساحة الكبيرة، أمام بيت إيزيس وأوزوريس، وابنهم الطفل حوريس، في قرية «خبيت» على ساحل بحيرة المنزلة، أهل القرية … فلاحون … فلاحات … وأطفال يغنُّون ويرقصون … غناء المجموعة مع الموسيقى):

أوزوريس
يا قلب إيزيس
يا إله الخير
يا إله الحب
يا إله الطيبة
غني يا وادي النيل
أوزوريس … يا حبيبنا
يا قلب إيزيس …

(إيزيس جالسة وإلى جوارها الطفل «حوريس» تُعلِّمه الكتابة بالقلم.)

(أوزوريس يساعد بعض الفلاحات في تشغيل الشادوف، معات تساعد بعض الفلاحين في طحن الشعير.)

(الأطفال يتجمَّعون حول إيزيس وحوريس، توزع عليهم إيزيس أقلامًا وتعلِّمهم الكتابة مع ابنها حوريس، معات توزع على الأطفال فطائر من دقيق القمح.)

(الطفل حوريس يكتب الحروف وينطق الكلمات وهو يأكل الفطيرة.)

الطفل حوريس : أحب أمي … وأحب أبي … وأحب كل إنسانٍ طيب … (يقرأ من ورقته.)
طفلٌ آخر : الحب هو الفضيلة (يقرأ من ورقته).
طفلٌ آخر : والفضيلة هي العدل.
طفلٌ آخر : والعدل هو الجمال.
طفلٌ آخر : والجمال هو الطبيعة.
طفلٌ آخر : والطبيعة هي الفضيلة.

(يردِّد بعض الأطفال من حول إيزيس هذه الكلمات مع اللحن والموسيقى.)

(بعض الأطفال يُغنُّون ومعهم حوريس):

الحب هو الفضيلة.
والفضيلة هي العدل.
والعدل هو الجمال.
والجمال هو الطبيعة.
والطبيعة هي الفضيلة.

(جميع الأطفال يشتركون في الغناء مع الرقص والموسيقى.)

من بين إيديكي يا أمي عرفت الحقيقة.
أخذتُ العلم والحكمة، عرفت الفضيلة، خلقتيني من العدم وغرستِ أول بذرة زرعت في الأرض أول شجرة.
خبزت أول رغيف من القمح والحنطة.
كتبت أول حروف بالقلم على الورقة.
عرفت أول لحن للعدل والرحمة …
من بين إيديكي يا أمي عرفت الحقيقة …
الحق فوق القوة والعدل هو الفضيلة …
من بين أيديكي يا أمي عرفت الحقيقة.

(رجلٌ عجوز يرتدي ملابس الكهنة؛ الثوب الحريري الفاخر، تتدلى لحيته فوق ذقنه، يسير نحو الأطفال ومعه عصًا غليظة، يكفُّ الأطفال عن الغناء.)

الكاهن : ما هذه الضجة والصخب بالقرب من معبد الإلهة إيزيس؟

(يلمح الكاهن إيزيس بين الأطفال؛ يتراجع قليلًا في خشوع ويكاد يركع أمامها.)

إيزيس : لا تركع يا سيدي.
الكاهن : أيتها الإلهة المقدسة، إني عابدك المخلص …
إيزيس : إن عابد إيزيس المخلص لا يضرب الأطفال … ولا يكره الغناء والموسيقى …
الكاهن : إني أرعى معبدك المقدَّس وأتلقى الذبائح والقرابين …
إيزيس : إن كاهن إيزيس المخلص ليس الذي يتلقَّى القرابين … وليس الذي يرتدي الأثواب المقدَّسة وتتدلى لحيته فوق ذقنه، ولكنه الذي يبحث بلا كلل ولا ملل عن الحق والعدل، والمعنى العميق للأشياء.
الكاهن : كنت أخدم في معبد أبيك الإله «جيب»، وكان يتلقَّى القرابين … وكان الخير كثيرًا …
إيزيس : لكني أنا والإله أوزوريس لا نتلقَّى القرابين …
الناس في هذه القرية فلاحون فقراء، يبيعون البيض ولا يأكلونه، ولا يذوقون طعم اللحم إلا من العيد للعيد … فكيف نطلب منهم أن يقدموا ذبحًا يا سيدي …
الكاهن : ومن أين يأكل الآلهة والكهنة؟ ليس لنا مورد رزق إلا القرابين.
إيزيس : نعمل مع الناس … نزرع ونشتغل ونحصل على رزقنا بعرقنا …
الكاهن (بدهشة) : لم أرَ في حياتي آلهة يعرقون من أجل الرزق، ما الفرق إذن بين الآلهة والبشر إذا اشتغل الجميع؟ البشر هم الذين يشتغلون ويشقون، أمَّا الآلهة فيجلسون على العرش وتأتيهم الذبائح دون عمل ودون تعب …
إيزيس : هذه هي شريعة الإله «رع»، لكن شريعة إيزيس وأوزوريس مختلفة، لنا فلسفة أخرى تساوي بين الآلهة والبشر، وبين الأسياد والعبيد، لا فرق بين إنسان وإنسان إلا في العدل والرحمة.
الكاهن (بضيق) : ومن أين آكل إذا لم يقدم الناس القرابين في المعبد؟
إيزيس : تأكل من العمل مثلنا، ومثل كل هؤلاء الفلاحين والفلاحات.
الكاهن (بكبرياء) : لكني لا أنتمي إلى هؤلاء الناس. أنا كاهن؛ والكهنة ينتمون إلى طبقة الأسياد وليس العبيد …
أوزوريس : ليس في هذه القرية أسياد وعبيد … كلنا بشر، والناس سواسية، هذه هي إيزيس … ابنة الإلهة نوت والإله جيب … إنها تعمل معنا … وقد تزوجتني أنا الرجل الملاح الفقير وأبي وأمي كانوا من الفلاحين.
الكاهن : أنت الإله أوزوريس من سلالة الآلهة يا سيدي …
أوزوريس : لا … لستُ إلهًا، ولستُ من سلالة الآلهة أو الأسياد … أنا من سلالة العبيد.
الكاهن : أنت تتواضع يا إله الخير والرحمة … أنت تؤمن بالعدل والمساواة إلى حد أن تساوي نفسك بالعبيد! لا يا إله الخير والرحمة، العدالة لها حدود، وقد خلق الإله «رع» الأسياد والعبيد، وجاء ذكرهم في كتابه المقدس. إذا أصبح الأسياد والعبيد واحدًا، فكيف تكون الحياة. وكيف يكون الكون؟
إيزيس : يكون أفضل …
الكاهن : أستغفر الإله «رع».
إيزيس : إذا كنتَ تؤمن بشريعة الإله رع، فلماذا تبقى معنا؟
الكاهن : لقد وُلدت في هذا المعبد، وما زلتُ أذكر المرحوم أباكِ بالخير.
إيزيس : وأمي؟ ألا تذكرها بالخير؟
الكاهن : رحمة الإله «رع» على أمكِ نوت … لا أريد أن أتكلم عنها بسوء … ليرحمها الإله رع ويغفر لها خطاياها.
إيزيس : لماذا لا تذهب وتخدم في معابد الإله «رع»؟ هناك القرابين كثيرة والذبائح.
الكاهن : هنا المعبد حيث وُلدت، وذكريات طفولتي، أخلصتُ لأبيك، وكنت أودُّ أن أخدم في المعبد، وأموت فيه كما وُلدت فيه، لكني لم أعد أتلقَّى أي ذبائح ولا طعام من الناس … سأضطر للرحيل … نعم سأضطر إلى الرحيل.

(يتجه الكاهن إلى باب الخروج، لكن أوزوريس يستوقفه.)

أوزوريس : لا ترحل يا سيدي، وابقَ معنا … سنجد لك عملًا خفيفًا يناسب سنك تعيش منه.
الكاهن : أي عمل هو إهانة لي يا سيدي؛ نحن الكهنة لا نعمل ولسنا من العبيد. تعودت الجلوس في المعبد ويأتي إليَّ الطعام تحت قدمي … لم أكن أعمل شيئًا إلا عبادة الآلهة والصلاة لهم. وهذا عمل مقدَّس يحترمه الآلهة ويعرفون قدره … لكن يبدو أن الأمر لم يعد مقدَّسًا كذلك هنا في هذه القرية، لم تعد العبادة مطلوبة، ولم يعد أحد يقدِّس الآلهة؛ لم يعد لي مكان هنا، لا مكان لي إلا حيث تكون العبادة مطلوبة والآلهة مقدسة والكهنة لهم احترامهم وقدسيتهم.
إيزيس : سيعزُّ علينا فراقك بعد كل هذه السنين … إلى أين تذهب؟
الكاهن : أرض الإله «رع» واسعة …

(يخرج الكاهن بخطواتٍ بطيئة من المسرح، يعود الأطفال يغنون وهم يحوطون إيزيس وأوزوريس، ويعود الجميع إلى العمل كما كانوا وهم يغنُّون ويرقصون على إيقاع اللحن والكلمات مع حركة الزراعة والشادوف وطحن الشعير ودوران الساقية.)

أوزوريس …
يا قلب إيزيس،
يا إله الحب يا إله الطيبة،
أنت حي في قلب النيل،
في كل شجرة خضرا،
في كل قطرة ندا،
في كل نسمة،
في كل بسمة طفل،
في كل أغنية،
أنت حي يا أوزوريس،
في قلب النيل وقلب إيزيس …

المشهد الثاني

(الإله «رع» استدعى «سيت» لأمرٍ عاجلٍ خطير.سيت واقفًا، مرتديًا خنجره أمام عرش الإله «رع»، لم يظهر الإله «رع» بعدُ، سيت يتحدث إلى كبير كهنة رع.)

سيت : لا بُدَّ أنه أمر خطير حتى يستدعيني الإله الأعظم «رع» بهذا الشكل المفاجئ.
كبير الكهنة : نعم، إنه جد خطير … وقد طلب مني الإله الأعظم أن أخطرك بما حدث، وقد أصدر أمره بقتل العبد فورًا، وعليك التنفيذ.
سيت : أي عبد هذا؟
كبير الكهنة : إنه أحد عبيد الإله الأعظم «رع» المكلفين بالخدمة والنظافة داخل الجناح المخصص لحريم الإله.
سيت : وماذا فعل هذا العبد؟
كبير الكهنة : ضبطه الإله الأعظم في الفراش مع واحدة من حريم الإله … وهي ليست أي واحدة منهن، ولكنها المفضَّلة لديه عنهن جميعًا. وقد اختارها لتكون زوجته تنجب له وريث العرش؛ وقد أحاطها بحبِّه ورعايته، وحوَّطها بسياجٍ منيع كالحصن … لا ترى أحدًا ولا يراها أحد. الإله الأعظم كرَّمها وعزَّزها وجعلها لا تعمل شيئًا إلا أن تأكل وتنام، حتى يداها لا تغسلهما بعد الأكل، ويقوم العبيد والخدم بغسلهما، كانت المفضلة لديه، وأفضل اللحوم والذبائح تذهب إليها، ويلبي لها الإله الأعظم كل طلباتها …
سيت : وماذا حدث؟
كبير الكهنة : كان الإله الأعظم يتردَّد عليها من حين إلى حين، بعد أن يفرغ من مشاغل السماء والأرض والكواكب، وكان يمنحها كل الحب وكل الرعاية، ووعدها دون كل حريم الإله أن تكون له الزوجة الوفية تنجب له الابن الذي يرث قرص الشمس من بعده.
سيت : وماذا حدث؟
كبير الكهنة : كان من عادة الإله الأعظم أن يزورها بالليل، لكن الشوق إليها فاجأه بالأمس في عزِّ النهار، فتركنا في زحمة العمل وذهب إليها، لكنه عاد بعد لحظات غاضبًا أشد الغضب …
سيت : ماذا حدث؟
كبير الكهنة : وجدها في الفراش مع ذلك العبد الحبشي الأسود الذي كان خادمًا في البلاط.
سيت : يا للهول! يا لفسق النساء!
كبير الكهنة : أمر الإله الأعظم بقتل العبد فورًا وكتمان الأمر خشية على سمعة الحريم.
سيت : وهل أمر بقتلها أيضًا؟ لا بُدَّ أن يُذبَح الاثنان فورًا، وبهذا الخنجر!
كبير الكهنة : أمر الإله الأعظم بقتل العبد فقط …
سيت : وهي؟ الخائنة! ألا تستحق القتل؟! لقد فرطت في شرف الإله الأعظم، كيف نتركها؟
كبير الكهنة : لم يأمر الإله الأعظم «رع» بقتلها.
سيت : لماذا؟
كبير الكهنة : لا أعلم، ربما له حكمة في ذلك، فهي حامل، وسوف تلد بعد شهرٍ واحد ابن الإله وريث العرش.
سيت : ربما لا يكون ابن الإله الأعظم، ويكون ابن ذلك العبد الحبشي الأسود!
كبير الكهنة : أقسمتْ للإله الأعظم أن العبد لم يلمسها.
سيت : كيف لم يلمسها؟ وضُبطت معه في فراشٍ واحد؟
كبير الكهنة : أقسمتْ للإله الأعظم أنها كانت نائمة حين أحستْ بشيء إلى جوارها، وفتحت عينيها لترى ذلك العبد الأسود إلى جوارها، وكادت تصرخ لكنه كتم فمها بيده، وفي تلك اللحظة دخل الإله الأعظم «رع» …
سيت : أنا لا أثق في أي امرأة! وهل يصدقها الإله الأعظم «رع»؟
كبير الكهنة : لا أعلم، ولكنها أقسمت له أنها شريفة ولم يلمسها أحد إلا هو، ولا تحمل في أحشائها إلا ابنه هو.
سيت : إنها كاذبة.
كبير الكهنة : قد تكون كاذبة، وقد تكون صادقة، فالحقيقة لا يمكن أن يعرفها أحد إلا هي.
سيت : هي تعرف الحقيقة، لكن كيف نعرف نحن الحقيقة، كيف يعرف الإله «رع» أن المولود سيكون ابنه هو وليس ابن الحبشي العبد.
كبير الكهنة : بعد الولادة سنعرف الحقيقة، إذا كان المولود أسود البشرة بلون أبيه، فهي خائنة وتُقتل هي وابنها، وإذا كان المولود أبيض البشرة ورث عن أبيه الإله الأعظم الملامح المقدسة النورانية، فهي بريئة ونعلن عن مولد وريث العرش.
سيت : كم هو مفزع أن يرث عرش السماء إلهٌ أسود البشرة! (يدخل الإله «رع»، تحوطه هالة من ضوء الشمس على شكل دائري كالقرص، من خلفه يدخل بعض أفراد الحاشية ومعهم العبد الحبشي الأسود مُقيَّدًا بالسلاسل، الإله «رع» يصعد إلى عرشه ويجلس.)
الإله رع : هذا العبد الأسود، أمرت بقتله وتمزيقه أمامي … الآن.
سيت (شاهرًا خنجره) : أمرك أيها الإله الأعظم «رع».

(يندفع سيت نحو العبد ليضرب عنقه، لكن الإله رع يستوقفه.)

الإله رع : قبل أن تقتله، أريد منك أن تستأصل خصيتَيه، أريد أن أراه أمامي جسدًا بلا ذكورة وبلا رجولة كجسد المرأة سواء بسواء …
سيت : أمرك يا أيها الأعظم «رع».

(العبد يتوسل ويستعطف في فزع وذل.)

العبد : أقسم بك أيها الأعظم أنني بريء … لم أفعل شيئًا … أقسم أنني لم ألمسها … كنت أنظف الغرفة حين طلبت مني أن أناولها كوبًا من الماء …

(لا أحد يستمع إلى توسلات العبد.)

الإله رع : اقطع من جسده تلك القطعة من اللحم التي صوَّرت له أنه رجلٌ يمكن أن يتجرأ ويتطلَّع إلى واحدة من حريم الإله … انزعها عن جسده بالسكين ليدرك أنه عبدٌ مخصيٌّ ذليلٌ ولا مكان له بين الرجال، ولا خوف منه على حريم العبيد، فما بال حريم الإله!

(سيت يفعل ما أمره به الإله رع. يمسك أفراد الحاشية العبد ويفتحون ساقيه، وبالسيف يستأصل سيت الخصيتين والعضو الذكري، العبد يصرخ ويئنُّ في ألم وفزع.)

الإله رع : الآن، انظر إلى نفسك أيها العبد، هل أنت رجل؟ هل في إمكانك أن تلمس امرأة من العبيد، فما بال أن ترفع عينك إلى واحدة من حريم الإله المقدسات؟!
سيت : هل تأمر بقتله الآن يا أيها الإله العظيم؟
الإله رع : لا! لا تقتله، أريد أن يعيش في عذاب وذل وهوان، أريد له أن يظل عبدًا مخصيًّا يخدم حريم الإله دون أن أخشى منه شيئًا … (الإله يضحك بسخرية ويقهقه، صدى صوته يتردَّد في الكون.)
الإله رع : خذوه إلى حيث العبيد والخدم، خذوا هذا الكائن الغريب المشوَّه … أهو أنثى؟ أو خنثى؟! (يضحك الإله رع ويقهقه بصوتٍ عالٍ.)

(أفراد الحاشية يجرون العبد على الأرض تنزف منه الدماء، ويئنُّ بصوتٍ مكتومٍ خافت.)

الكاهن : لقي جزاءه أيها الإله الأعظم.
سيت : كنت أودُّ أن أقتله وأشرب من دمه.
الإله رع : الموت عند الرجل أخف من الإخصاء … إنه عقاب رادع، وحين يراه بقية العبيد في البلاط بهذا الشكل يخافون ولا يفكر الواحد منهم في تكرار فعلته.
سيت : وهل يجرؤ واحد منهم على تكرار ذلك أيها الإله العظيم؟
الإله رع : ما دام قد حدث مرة، فلماذا لا يحدث مرةً أخرى؟ هؤلاء العبيد خونة بالطبيعة ولا أمان لهم، إنهم من سلالة الحيوانات، تغلبهم غرائزهم، ولا يعرفون المُثل العليا أو الأخلاق أو الفضيلة … مثلهم مثل النساء …
سيت : نعم أيها الإله الأعظم رع … المرأة بطبيعتها خائنة ولا يمكن أن ترضى برجلٍ واحد، وإن كان هو الإله الأعظم رع.
الإله رع : لكن المشكلة أننا لا يمكن أن نحصل على أبناء يرثون العرش من بعدنا بدون المرأة، لو كان الرجل يحمل ويلد لاستغنينا تمامًا عن النساء.
الكاهن : في مقدورك أيها الإله الأعظم أن تجعل الرجل قادرًا على الحمل والولادة.
الإله رع : لكن الحياة بغير نساء تصبح مملَّة، ومن السهل أن نتحكَّم فيهن، ونُخضعهن لإرادتنا وشريعتنا، هذا أسهل عليَّ من أن أجعل الرجال يحملون ويلدون.
سيت : مشكلة المرأة أيها الإله العظيم أن شهوتها للخيانة عارمة ولا يمكن أن تقنع برجلٍ واحد.
الإله رع : لا بُدَّ من إقناعها بالقوة …
سيت : لا بُدَّ أن نفرض عليها الإخلاص بقوة السلاح.
الكاهن : وأن نحكم بالإعدام على المرأة الخائنة.
الإله رع : أخشى أن نحكم بالإعدام على جميع النساء بهذه الطريقة … أليست هناك طريقةٌ أخرى أفضل، لا نقضي بها على الجنس كله.
الكاهن : ليس كل النساء خائنات أيها الإله العظيم.
الإله رع : بالطبع، ولكن كيف تعرف الخائنة من غير الخائنة … كلهن يبكين براءة ويقسمن أنهن بريئات.
سيت : لهن قدرة على الكذب والخداع أيها الإله الأعظم.
الإله رع : لا بُدَّ من اكتشاف طريقة نعرف بها المذنبة من البريئة.
الكاهن : نضعها في مياه النيل أيها الإله الأعظم، فإن طَفَتْ على السطح وحملتها المياه المقدَّسة إلى أعلى فهي بريئة طاهرة، وإن تركتها المياه تغطس فهي مذنبة.
الإله رع : فكرة لا بأس بها، ولكني أخشى أن تغطس جميع النساء.
الكاهن : في هذه الحالة، فإن الوقاية خيرٌ من العلاج أيها الإله الأعظم.
الإله رع : ماذا تعني بالوقاية؟
الكاهن : أن نقي المرأة من شهوتها الزائدة عن الحد، فالمرأة كالعبد تحكمها غرائزها، الشهوة عند المرأة أكبر من عقلها، وعلينا أن نحدَّ من هذه الشهوة فتخضع المرأة لرجلٍ واحد.
الإله رع : وكيف نفعل ذلك؟
الكاهن : أن نستأصل من جسدها عضو الشهوة أيها الإله الأعظم عن طريق الختان.
الإله رع : أتريد أن نخصي النساء كما خصينا ذلك العبد.
الكاهن : نعم أيها الإله الأعظم، بخلاف أن عملية الإخصاء عند العبد تحرمه القدرة على الإنجاب، لكن عملية الختان عند المرأة تحرمها الشهوة فقط وتظل قادرة على الإنجاب.
سيت : خُلقت المرأة للإنجاب وليس لأي شيءٍ آخر.
الإله رع : فكرة لا بأس بها، ولكني أخشى أن تنقرض شهوة الرجال بانقراض شهوة النساء.
الكاهن : لا أيها الإله الأعظم، ستظل شهوة الرجال كما هي، بل قد تزيد.
سيت : الحل الأمثل أيها الإله الأعظم هو أن نحمي جسد المرأة داخل صندوق من الحديد له مفتاح نسميه حزام العفة، نغلقه حين نغيب ونفتحه حين نعود، هذا هو الضمان الوحيد، ولا يمكن لأي رجل أن يفتح الصندوق في غيابنا.
الكاهن : وإذا ضاع المفتاح وعثر عليه رجل من العبيد أو الخدم؟
سيت : يُقتل ويُخصى على الفور كما فعلنا مع ذلك العبد.
الكاهن : في هذه الحالة، الوقاية خيرٌ من العلاج أيها الإله الأعظم.
الإله رع : ماذا تعني بالوقاية؟
الكاهن : أن نقي المرأة من شهوة العبد، وتأمر بإخصاء جميع الخدم الذين يدخلون إلى جناح الحريم.
الإله رع : فكرةٌ جميلة، نضرب عصفورين بحجرٍ واحد، نحمي الحريم ونطمئن إلى نسب أبنائنا إلينا، ونقلل نسل الخدم، وينخفض عدد الأبناء من سلالة العبيد. (يضحك الإله رع في سرور، ويصيح قائلًا): أمرنا بإخصاء جميع الخدم والعبيد في بلاطنا المقدس، وأمرنا بختان جميع النساء والبنات من حريمنا المصون.

(يدخل أحد الحراس يعلن عن وجود كاهن يرغب في لقاء الإله رع، يأمر الإله رع بدخوله، يدخل الكاهن — الذي ترك معبد إيزيس — بخطواتٍ بطيئة، وحين يصل بالقرب من الإله رع يركع خاشعًا.)

الإله رع : ماذا تريد؟ ومن أين جئت؟
الكاهن العجوز : جئت من قريةٍ بعيدة على ساحل المنزلة اسمها خبيت …
الإله رع : ولماذا تركتَ قريتك؟ ما الذي حدث؟
الكاهن : أيها الإله الأعظم «رع»، لا أريد أن أخون العيش والملح واللحم الذي أكلته في معبد الإله «جيب». الأحوال تغيَّرت وكفر الناس بالآلهة، ولا أحد منهم يقدِّم ذبائح ولا قرابين.
الإله رع : أهناك من يخالف أوامري؟
الكاهن : أيها الإله الأعظم رع، لا أريد أن أخون الإله «جيب»، خدمتُ في معبده السنين، وكنتُ أودُّ أن أموت حيث وُلدت، ولكني لم يعد لي مكان في تلك القرية، ولا أحد يأتي إلى المعبد ليصلي أو يقدم الطعام لي؛ شغلتهم أمور الدنيا عن الصلاة والعبادة، وانشغلوا بالزراعة والعمل، وتلاشت الفوارق بين الأسياد والعبيد، ولم يعد للكهنة كرامة ولا مورد رزق، وقلت للإلهة إيزيس وزوجها الإله أوزوريس إني كاهن ولا يصح لي أن أعمل كالعبيد لكن …
الإله رع (يقاطعه) : ماذا قلت؟ الإلهة إيزيس والإله ماذا؟ أهناك آلهة آخرون فوق الأرض غيرك يا سيت؟! وأوزوريس؟ ألم يمت منذ سنين؟!
الكاهن العجوز : أعادت له الإلهة إيزيس الحياة، وهما يعيشان معًا، وأنجبا ابنهما حوريس، وقلت لهما إنني كاهن ولا يصح للكهنة أن …
الإله رع (يقاطعه) : وأنجبا ابنهما حوريس؟! أتعرف كل هذا يا سيت؟! …
سيت : لا يا أيها الإله الأعظم «رع»، هذه أنباء غريبة، ولا نعرف مدى صحتها.
الإله رع : تأكد من صحَّتها، إن كانت كاذبة فليُقتَل هذا الرجل لكذبه علينا، وإن كانت صحيحة فقد أصدرتُ أوامري بقتل ذلك الإله المزيَّف أوزوريس، وقتل ابنه حوريس، أمَّا إيزيس فهي امرأة زانية تستحق الموت حرقًا أو رجمًا بالحجارة.
سيت : أوامرك كلها مُطاعة أيها الإله الأعظم «رع».

(سيت يتجه إلى الكاهن العجوز.)

سيت : وأنت أيها الكاهن، تعالَ معي وأرشدني إلى هذه القرية على ساحل المنزلة التي اسمها خبيت … لا شك أنها قرية خبيثة تستحقُّ الحرق!

(يخرج سيت ومعه الكاهن العجوز. يبقى على المسرح الإله رع وكاهنه.)

الإله رع : لن تهدأ إيزيس حتى تؤلِّب علينا الفلاحين من سلالات العبيد.
الكاهن : والنساء أيضًا أيها الإله الأعظم … وإذا توحدت صفوف النساء مع صفوف العبيد لم يعد للأسياد والآلهة مكان في عرش السماء أو الأرض … ولم يعد للكهنة كرامة ولا طعام كهذا الكاهن العجوز.
الإله رع : علينا بقمع الثورة في مهدها.
الكاهن : لنبدأ أيها الإله الأعظم بإخصاء العبيد وختان النساء، إن الذي لا يعرف شهوة الجنس لا يعرف شهوة الحكم، ومن السهل إخضاعه.
الإله الأعظم : نعم نعم … لنبدأ …

(ظلام كامل على المسرح. ثُمَّ يظهر صف من العبيد، واقفين شبه عراه، أحد الكهنة يرتدي معطفًا أبيض كالأطباء وفي يده مشرط، يتولَّى عملية إخصاء العبيد.)

(ظلام كامل وصمت، لا يُسمَع إلا صرخات العبيد في ألم واستجداء.)

(ثُمَّ يظهر على المسرح صف من البنات شبه عاريات، الكاهن الطبيب نفسه في يده المشرط … يتولَّى عملية ختان البنات.)

(ظلامٌ كامل وصمت، لا يُسمَع إلا صرخات البنات في ألم واستجداء.)

المشهد الثالث

(في الساحة الكبيرة، أمام بيت إيزيس وأوزوريس في قرية «خبيت» على ساحل المنزلة، إيزيس وأوزوريس وحوريس ومعات يشاركون الفلاحين والفلاحات الزراعة والري وبناء جسور النيل. يشتركون جميعًا في الغناء وهم يجمعون القطن الأبيض من الشجر.)

(غناء المجموعة مع الرقص والإيقاع):

نورت يا وادي النيل،
يا حلاوة عليك يا جميل،
افرحوا يا بنات النيل،
دا إله الخير والطيبة،
أوزوريس يا قلب إيزيس،
ارقصوا يا بنات النيل.

(يُقطَع الغناءَ والرقصَ، صوتُ إحدى الفلاحات تنادي بصوت فيه فزع): إيزيس … إيزيس …

الفلاحة (ترتعد في خوف وهي تحكي لإيزيس ماذا رأت) : رأيتهم قادمين من بعيد كالشياطين، يحملون الخناجر والسيوف …
إيزيس : من هم؟
الفلاحة : لا أعرف … ولكني سمعت من يقول إنهم جنود الملك سيت.
إيزيس : «سيت»؟!
الفلاحة (في فزع) : فلتهرب بسرعة … تعالَ معي يا حوريس، لنختفِ بسرعة عن أعينهم … وأنت يا إيزيس ويا أوزوريس اهربا … اختفيا … لن يتركوا أحدًا هذه المرة …

(معات تجري بسرعة وفي يدها تمسك بيد حوريس، يختفي الناس بسرعة في فزع.)

(ظلام كامل على المسرح وصمت.)

(ثُمَّ يُسمَع صوت أقدام الجنود الحديدي وهم يروحون ويجيئون يبحثون.)

(يُضيء المسرح.)

(يظهر أوزوريس مُقيَّدًا بالسلاسل، ومن حوله الجنود ورئيس الجيش.)

(يدخل الملك «سيت» شاهرًا خنجره.)

سيت : ألم تعثروا على إيزيس؟
رئيس الجيش : لا يا مولاي … بحثنا في كل مكان ولا أثر لها.
سيت : ومن هذا الرجل؟
رئيس الجيش : يقولون إنه أوزوريس يا مولاي.

(يقترب منه «سيت» وينظر إلى وجهه ويديه.)

سيت : ليس هذا الوجه هو وجه أوزوريس … هذا وجه واحد من الفقراء الفلاحين … ويداه خشنتان مشقَّقتان كأيدي الأجراء والعبيد … ليس هذا الرجل هو أخي أوزوريس ابن إله الأرض جيب، ولا يمتُّ بصِلةٍ لسلالة الآلهة، إنه من سلالة العبيد …
سيت (مخاطبًا أوزوريس) : مَن أنت أيها الرجل؟
أوزوريس (رافعًا رأسه بكبرياء) : أنا أوزوريس زوج إيزيس.
سيت (غاضبًا) : يا لك من كذَّاب أفَّاق.
أوزوريس : أنا لا أكذب، ليس من عادتي الكذب.
سيت : إذا كنتَ أوزوريس زوج إيزيس، فلا بُدَّ أن تكون أخي. هل أنت أخي؟
أوزوريس : لا! لستُ أخاك! ولا أريد أن أكون.
سيت (مخاطبًا رئيس الجيش) : أسمعتَ ما يقول؟
رئيس الجيش : نعم يا مولاي … يقول إنه لا يريد أن يكون …
سيت (مقاطعًا) : أترى كيف يقف هذا العبد رافعًا رأسه أمامي أنا الملك «سيت».
رئيس الجيش : نعم يا مولاي، إن رأسه مرفوع بكبرياء.
سيت : اقطع رأسه فورًا.
رئيس الجيش : أمرك يا مولاي.

(يتجه رئيس الجيش نحو أوزوريس.)

سيت (يستوقفه) : قبل أن تقتله أريد منك أن تستأصل خصيته، اقطع من جسده تلك القطعة من اللحم التي صوَّرَت له أنه رجل يمكن أن يتجرَّأ ويتطلَّع إلى أختي إيزيس، فما بال أن يدَّعي أنه زوجها … انزعها عن جسده بالسكين ليدرك أنه عبدٌ مخصي من سلالة العبيد وليس أوزوريس ابن الإله جيب وشقيق الملك سيت …

(يقف رئيس الجيش مترددًا عاجزًا عن تنفيذ الأمر.)

سيت : لماذا لا تنفذ أمري فورًا؟!
رئيس الجيش : أسهل عليَّ أن أقطع رأسه يا مولاي … (متلعثمًا) مهما بلغتُ من القسوة فإنني لا أستطيع أن …
سيت : لا تستطيع؟! ماذا تقول؟ أتعني أنك عاجز عن تنفيذ أمري؟
رئيس الجيش : عفوك يا مولاي … لست عاجزًا … لكن … (متردِّدًا) قطع الرأس أسهل … فلنقطع رأسه ونستريح منه يا مولاي.
سيت : سنقطع رأسه ونستريح منه، لكن قبل أن نفعل ذلك، أريد أن أراه أمامي رجلًا بلا رجولة، ذكرًا بلا ذكورة …
رئيس الجيش : وماذا يبقى للرجل إذا فقد ذكورته؟! الموت أرحم من عملية الإخصاء …
سيت : لا أريد أن أرحمه، أريد له أن يتعذب قبل أن يموت، أريد له أن يشعر بالألم الحارق في جسده في الموضع ذاته حيث شعر باللذة؛ اللذة المحرَّمة على أمثاله من العبيد، وهي التطلُّع إلى الحريم من سلالة الآلهة والملوك.

(رئيس الجيش ما زال واقفًا مترددًا.)

رئيس الجيش : أخشى يا مولاي … ألا أستطيع؛ يداي ترتجفان … يا مولاي.
سيت : يبدو أنك مُتعَب … تعالَ أنت …

(يُشير سيت إلى أحد الجنود المسلَّحين، ويأمره بإخصاء أوزوريس؛ ينفِّذ الجندي أمر الملك سيت فورًا، يقطع خصيتي أوزوريس بالسيف، ويلقيهما على الأرض.)

(رئيس الجيش يُخفي عينَيه بيديه وهو واقف.)

(أوزوريس يتحمَّل الألم دون أن يئنَّ ودون أن يحني رأسه وهو واقف.)

سيت (غاضبًا) : ألا تزال تقف أمامي رافعًا رأسك؟! اقطع هذا الرأس فورًا!

(يضرب الجندي رأس أوزوريس بالسيف.)

سيت : مزِّق جسده إربًا … وبعثر أشلاءه في كل مكان … بعثرها في الأرض والمستنقعات، أمَّا هذه القطعة الصغيرة … (يُشير سيت بطرف خنجره إلى الأرض حيث أُلقيت خصيتا أوزوريس.): أمَّا هذه القطعة الصغيرة من اللحم التي سببت له كل هذه المشاكل، فألقوها في النيل ليأكلها السمك! (يضحك «سيت»، ويُلقي برأسه إلى الوراء، ويقهقه مقلِّدًا حركات الإله «رع».)

المشهد الرابع

(الدنيا ليل، المسرح ساكنٌ مظلم والريح تصفر.)

(إيزيس ترتدي الحداد وإلى جوارها ابنها حوريس ومعات، الضوء يسقط على الوجوه الثلاثة الصامتة الحزينة.)

معات : لا أمل ما دام إله الشر يعيش، كل ما نبنيه يهدمه، وللمرة الثانية يقتل أوزوريسَ الإنسانَ الطيبَ.
إيزيس : لم يقتله فقط، مزَّقه إلى أجزاء وبعثر أشلاءه في البحيرات والمستنقعات، وألقاه إلى سمك النيل! يا إلهة السماء …! لا أكاد أتصور هذه الوحشية!
حوريس (شاهرًا خنجره) : تعلَّمت المبارزة، وسأنتقم لأبي!
معات : معك الحق يا حوريس.
إيزيس : لم يعد الحق وحده يكفي، لا بُدَّ من القوة …
معات (في إرهاق) : لم يعُد لدينا قوة؛ هدَّد الناسَ وانفضوا من حولنا، حتى نوت ومسطاط عادوا إلى أوكارهم واختفوا؛ لم يعُد معنا أحد، لن يكفَّ «سيت» عن مطاردتنا حتى نترك الوطن أو نموت …
إيزيس : لن نترك الوطن ولن نموت، سنظلُّ نقاوم حتى آخر نفس، وسوف يعود الناس إلينا حين يرون أننا لا نزال نقاوم ولم نستسلم …
معات (في تعب) : لم يعد فيَّ نَفَس.

(تتهاوى معات جالسة فوق الأرض في إعياء.)

إيزيس : نستريح قليلًا ثُمَّ نواصل الطريق، لن نكفَّ عن السير، لن نترك سيت ينتصر؛ انتصار «سيت» هو إخفاق للحق والعدل والخير والشرف، هو إخفاق لي ولكِ ولكلِّ من يدافع عن الحق.
معات : انتصار «سيت» معناه أن القوة فوق الحق.
إيزيس : لا! الحق فوق القوة، لن نيئس يا معات؛ نحن صاحبات قضية، وأصحاب القضايا لا يعرفون اليأس.
حوريس (شاهرًا خنجره) : سأقتل سيت وأمزِّقه إربًا بهذا الخنجر!
معات : نعم يا حوريس، لا بُدَّ أن تثأر لدم أبيك … ولكني أخاف عليك؛ «سيت» معه الجيش والقوة والسلاح والأرض … معه كل شيء وليس معنا شيء.
إيزيس : معنا الحق!
معات : أنا أخاف …
إيزيس : ومعنا الناس … الناس قوة حين تتجمع.
حوريس : لن يهزم الخنجرَ إلا الخنجرُ!
إيزيس : قوة الناس يا حوريس أقوى من الخنجر، قد ينتصر الخنجر مرة أو مرتين أو ثلاثًا … لكن قوة الناس هي السلاح الوحيد الذي ينتصر على المدى البعيد …
حوريس : دم أبي يطالبني بالثأر، ولن أهدأ حتى أبارز «سيت» وأقتله …
إيزيس : يا حوريس! ابني … لقد علَّمتُكَ الحكمة … إذا كانت المعركة هي معركة بالخناجر، فسوف ينتصر «سيت»؛ إن مجاله الوحيد هو الخنجر، أمَّا نحن فمجالنا هو العقل والحكمة والمنطق والعدل والقانون.
معات : أي قانون؟ إنه يغيِّر القوانين كما يشاء!
إيزيس : سوف نفرض عليه قانون العدالة …
معات : وما هو قانون العدالة؟!
إيزيس : قانون العدالة هو قانون الناس … الأغلبية من الناس؛ سوف نعقد محاكمةً شعبية ندعو فيها الناس، أكبر عدد من الناس …
معات : الناس يخافون؛ ولن يأتي أحد …
إيزيس : لماذا لا نُجرِّب … لن نخسر شيئًا …
ولنبدأ الاتصال بنوت ومسطاط.
معات : اتصلي أنت بنوت … إنه متردد ولا يحب الدخول في المعارك، أمَّا مسطاط فهو مستعدٌّ للمشاركة في أي معركة من أجل العدل.
إيزيس : سأتصل بنوت وأقنعه، إنه يؤمن بالعدل ويمكن أن ينضمَّ إلينا إذا أحسَّ أن معنا كثيرًا من الناس. بعض الناس مثل مسطاط مستعدون دائمًا للدفاع عن الحق ويقفون في المقدمة … في الخطوط الأمامية، وبعض الناس مثل توت يفضِّلون الانتظار قليلًا حتى تتضح معالم المعركة.
معات : مسطاط قوي المبدأ والإيمان بالعدل لا يهمه أن يكسب أو يخسر، لكن توت تهمه النتائج.
إيزيس : ليس في الناس من هو شجاع مائة في المائة؛ الناس فيهم الأقوياء المناضلون، وفيهم الضعفاء المناضلون أيضًا، وفي كل إنسان نواحي قوة ونواحي ضعف.
معات : نعم.
إيزيس : أتعرفين من طلب مقابلتي بالأمس؟
معات : من؟
إيزيس : رئيس الجيش.
معات : جيش من؟
إيزيس : جيش «سيت».
معات : يا إلهة السماء! لا أكاد أصدِّق! ولماذا يطلب مقابلتك؟!
لا بُدَّ أنها مؤامرة … لا تنسي أن سيت متآمر من الدرجة الأولى.
إيزيس : لا ليست مؤامرة؛ عندي معلومات من بعض الناس تؤكد لي أنها ليست مؤامرة؛ لقد رفض رئيس الجيش أن ينفِّذ أمر «سيت» ويقتل أوزوريس …
معات (بدهشة) : رفض؟! لا أكاد أصدِّق، إنه رجل فظٌّ لا يجيد شيئًا مثل القتل …
إيزيس : لم يرفض قتله لكنه رفض التمثيل بجثته …

(صوت إيزيس يتمزَّق من الألم، تقاوم الدموع، تمسح عينيها وتكاد تنشج.)

إيزيس : رفض أن يقطع … رفض أن …
معات (في ألم) : أي إنسان من لحمٍ ودمٍ يرفض … بل إن الوحش نفسه لا يستطيع أن يقوم بمثل هذه العملية الوحشية …
إيزيس : أصبحت أمرًا مُقدَّسًا من عند الإله رع … إخصاء العبيد من الرجال … وختان البنات.
معات (تمسك رأسها) : يا إلهة السماء نوت! الرحمة!
إيزيس : إنها وحشية! عجزوا عن إخضاع الناس بالقانون والكتاب المقدس، فلجئوا إلى عملية الإخصاء والعنف البدني.
معات : ومن يقوم بهذه العملية الوحشية؟!
إيزيس : عجز رئيس الجيش أن يقوم بها، وجنوده أيضًا عجزوا … أصبح يقوم بها الكهنة … وأصبح لكلِّ كاهن مع الكتاب المقدس مشرط كموس الحلاق …
معات (تمسك رأسها مرةً أخرى) : يا إلهة السماء نوت، الرحمة من هذا العذاب!
إيزيس : جاءني بالأمس رسول من عند رئيس الجيش يطلب مقابلتي …
معات : لن نخسر من المقابلة، لكني أخاف عليك يا إيزيس؛ ربما تكون مؤامرة. لا تقابليه أنت، سأذهب أنا وأقابله …
حوريس : سآتي معكِ، ومعي خنجري!
معات : لا يا حوريس! سأذهب وحدي. إذا كان لديه شيء يقوله فلا بُدَّ أنه سرٌّ خطير، والأفضل أن أذهب وحدي …
إيزيس : سأبدأ الاتصال بالناس … لا نريد أن نضيع وقتًا … لا بُدَّ أن «سيت» يستعدُّ للهجوم علينا مرةً أخرى، وكل دقيقة أصبح لها ثمن …

(ظلام على المسرح.)

المشهد الخامس

(معات ورئيس الجيش في لقاءٍ سريٍّ لا يعرف به أحد، المسرح مظلم، والدنيا ليل، لا يُرى في الضوء الخافت إلا وجه معات، وإلى جوارها وجه رئيس الجيش.)

رئيس الجيش : نعم، «سيت» أصبح كالوحش المجنون، يُخيَّل إليَّ أنه فقد عقله.
معات : السلطة المطلقة، القوة غير المحدودة تجعل الحاكم مستبدًّا، ثُمَّ تُفقِده عقله.
رئيس الجيش : لا أقصد أنه فقد عقله … ما زال يفكر ويخطِّط لقتل حوريس ابن أوزوريس …
معات : لن يكفَّ «سيت» حتى يقضي تمامًا على إيزيس.
رئيس الجيش : إنه رجلٌ خطير، أخطر رجل عرفته. كنت ساعده الأيمن؛ وأعرف كيف يفكِّر، خدَمْته سنين طويلة، قدَّمت له خدماتٍ كثيرة.
معات : وما الذي جعلك تنقلب ضده؟
رئيس الجيش : لا أعرف بالضبط، لكني لم أستطع أن أواصل هذه الوحشية. نعم، لقد قتلت كثيرًا من الناس، كنت أشاركه كل هذه الوحشية، كنت سيفه وخنجره، لكني قررتُ التوقف. لا أعرف بالضبط لماذا توقفت! ربما هو المنظر الأخير، ربما لأنني كبرتُ في السن وتعبتُ وأريد أن أعمل شيئًا صالحًا قبل أن أموت.
معات : هل أساء معاملتك؟ هل طردك من خدمته؟
رئيس الجيش : لا، بالعكس؛ إنه يعاملني أحسن معاملة، يغدق عليَّ النعم، لكني في أعماقي أحسُّ التعاسة، منذ اشتغلت معه وأنا أحسُّ التعاسة.
لا أدري لماذا؟ ربما هو الخوف؛ الخوف من انتقام الناس الذين أسأتُ إليهم، والخوف منه هو أيضًا. كنت أخاف أن ينقلب ضدي؛ فهو رجل متقلِّب وليس له صديق، وهو دائم الشك، لا يثق في أحد، يتصور أن كل من حوله يتآمرون ضده، ويعملون في الخفاء مع إيزيس، وكنت أقسم له كل يوم على كتاب الإله رع المقدس إنني مخلص له، لكنه لم يكن يُصدِّق أن أحدًا يخلص له؛ ربما لأنه لم يكن يخلص لأحد، وتصور أن كل الناس مثله. ورأيته يتخلَّص من أعوانه الواحد وراء الآخر، كان يبدو لي أحيانًا أنه عدو نفسه.
معات : يا له من إنسانٍ تعيس.
رئيس الجيش : إنه التعاسة ذاتها، وقد نقل إليَّ تعاسته. لم أرَ في حياتي معه يومًا واحدًا سعيدًا، رغم أنني كنتُ أزداد ثراءً ونفوذًا، لكنني لم أعرف السعادة، أصبحت الحياة في عيني بلا طعم وبلا معنًى؛ وفكرت في الموت.
معات (بدهشة) : أنت؟
رئيس الجيش : قد لا تصدقينني، لقد حاولتُ الانتحار أكثر من مرة، لكني جبنتُ وتراجعتُ، وأخيرًا قررتُ الانضمام لصفوف إيزيس. قلتُ لنفسي: إذا لم يكن من الموت بد فلأمت وأنا أساند الخير بدلًا من أن أموت وأنا أساند الظلم، لا بُدَّ أنكِ تفهمين هذه الأحاسيس يا معات يا إلهة الحق والعدل.
معات : ألا تزال تذكر أنني كنتُ إلهة الحق والعدل.
رئيس الجيش : نعم، ولا أزال أذكر إلهة السماء نوت رغم كل شيء، وأقول لنفسي: قبل أن أموت وألتقي بها في الحياة الآخرة، فلأفعل شيئًا خيِّرًا، رغم كل الأخطاء والشرور فإن الإنسان ينطوي بطبيعته على الخير.
معات : نعم، هذه هي فلسفة إيزيس، لكن الإله «رع» يقول العكس في كتابه المقدس.
رئيس الجيش : يقول إن الإنسان شرير بالطبيعة، وإن الإله «رع» هو «الخير» ولا أحد سواه.
معات : استولى الإله «رع» على كل شيء وجرَّد الإنسان من كل شيء.
رئيس الجيش : ليس كل إنسان؛ إنه يقسِّم الناس إلى قسمين، الأسياد والعبيد …
معات : الملوك والحكام من الأسياد، والعبيد هم الفقراء والأجراء والفلاحون، والنساء.
رئيس الجيش : الفقراء ليس لديهم ما يُقدِّمون للإله الأعظم «رع»، لكن الملوك يقدِّمون الكثير … كل يوم يُقدِّم الملك «سيت» ثلاثة عجول على الأقل للإله الأعظم «رع»، هذه القرابين تكلِّف الدولة مبالغَ طائلةً، والميزانية لم تعُدْ تحتمل، لكن كهنة الإله الأعظم رع لا يكفُّون عن الطلبات وعددهم يتزايد وثرواتهم تتضاعف؛ أصبحوا قوةً خطيرة أقوى من قوة الجيش، ومعهم سلاحٌ خطيرًا أخطر من السيف والخنجر، وهو سلاح الدين. يتكلَّمون بلسان الإله ويفرضون العنف والإرهاب، وكل من يعارضهم فهو كافر ويستحقُّ الموت! حتى الإله «رع» نفسه لم يعد قادرًا على السيطرة عليهم، وأصبحوا يفسِّرون كتابه المقدس كما يشاءون من أجل تخويف الناس وجمع الأموال وضرب الخصوم. معركة كبيرة في السماء لا أحد يعرف نهايتها. وقد شاخ الإله «رع» وأصبح طريح الفراش وفي أيامه الأخيرة، ولا نعرف من يرث عرش السماء من بعده.
معات : أليس له وريث؟ ابن؟
رئيس الجيش : له ابن من إحدى محظياته ضمن حريم الإله، لكنه دائم الشك فيه؛ يظن أنه ليس ابنه، والكهنة يقولون إنه ليس ابن الإله …
معات : لماذا؟
رئيس الجيش : أنفه كبير، وأنف الإله «رع» ليس كبيرًا. وأنف الإله «رع» مرفوع إلى أعلى نحو قرص الشمس، لكن أنفه ليس مرفوعًا، يكاد يكون أفطس مثل أنوف العبيد.
معات : ربما عشقت محظية الإله أحد عبيده.
رئيس الجيش : هذا هو ما يؤمن به الملك «سيت»، إنَّه يتصور أن النساء خائنات بالطبيعة، ولا يولد له ابن حتى يشك فيه فيقتله ويقتل أمه؛ إنه لا يثق في أي امرأة.
معات : لأنه لا يثق في نفسه.
رئيس الجيش : لقد أصدر لي أمرًا بقتل حوريس، وأعلن في الأبواق والمزامير أنَّ حوريس ليس ابن أخيه أوزوريس وأنه ابن غير شرعي.
معات : حوريس هو ابن إيزيس وابن أوزوريس.
رئيس الجيش : نعم، وهو الوريث الشرعي للعرش، أنا أؤمن بهذا ومعي كثير من الناس؛ ولهذا طلبت مقابلة إيزيس.
معات : ولماذا طلبتَ مقابلة إيزيس؟
رئيس الجيش : لأُطلعها على خطتي للتخلِّص من سيت.
معات : أتنوي التخلُّص منه؟
رئيس الجيش : إذا عاش «سيت» سيقتل حوريس حتمًا، وقد يقتل إيزيس أيضًا، ويقتلنا جميعًا؛ إن عطشه للدماء لا يرتوي …
معات : وما هي خطتك؟
رئيس الجيش : أمرني بقتل حوريس، لكني شرحت له صعوبات اغتيال حوريس دون أن ينكشف الأمر … وأن كثيرًا من الناس يؤمنون بإيزيس وحوريس، وأن الأوضاع تغيَّرت في البلد ولم يعد من السهل أن نقتل حوريس هكذا ويمر الأمر بسلام كما حدث بعد مقتل أوزوريس في المرة الأولى والثانية.
معات : وهل اقتنع؟
رئيس الجيش : نعم، فهو يعرف كل شيء، وله عيون وجواسيس ينقلون إليه ماذا يحدث بين الناس …
معات : معنا كثير من الناس …
رئيس الجيش : وقد أقنعتُ «سيت» أن أفضل طريقة للتخلص من حوريس هو مبارزته مبارزةً شريفة أمام الناس …
معات : سيتغلَّب «سيت» على حوريس؛ ما زال حوريس شابًّا صغيرًا …
رئيس الجيش : بالطبع أعرف ذلك؛ وقد جهزتُ كل شيء لقتل «سيت» من الخلف. ليست المبارزة إلا وسيلة لاستدراجه وإقناعه بالوقوف أمام حوريس، ثُمَّ القضاء عليه دون أن يشعر أحد …
معات : إنها مخاطرة قد تودي بحياة حوريس.
رئيس الجيش : دبَّرت كل شيء بإحكام لنضمن سلامة حوريس، ثُمَّ توريثه العرش.
معات : ما زالت المبارزة مغامرةً غير مضمونة النتائج …
رئيس الجيش : لا شيء في الحياة مضمون النتائج …
معات : وإيزيس لا تؤمن بالمبارزة والانتصارات بواسطة الخنجر وحد السيف. إنها تريد أن تقدم «سيت» لمحاكمة شعبية أمام الناس.
رئيس الجيش : أي محاكمة؟! وبأي قانون؟ لقد غيَّر «سيت» الدستور والقانون، وجعل نفسه إله الأرض بعد إله السماء «رع». أمَّا القضاء فلم يعد عندنا قضاة يحكمون بالعدل … اشترى الملك «سيت» القضاة بالمال والمناصب بمثل ما اشترى الكُتَّاب والمفكرين ونافخي المزامير.
معات : لم يشترِ «سيت» كل الناس؛ ما زال كثيرون يؤمنون بالحق ومستعدُّون للدفاع عنه في محكمةٍ عادلة.
رئيس الجيش : لن يستطيع أحد أن يقف أمام «سيت» أو حتى يعارضه.
معات : بعض الناس تعارضه. ألم تقرأ ما كتبه توت ومسطاط؟!
رئيس الجيش : معارك وهمية فوق الورق ليس إلا … توهم بعض الكتاب أنهم أبطال؛ ولذلك لم يمسهم الملك «سيت» بأي سوء، بل بالعكس، كان يحميهم حين نرغب في البطش بهم، ويقول لنا دعوهم يكتبون وينقدون، فهم غير ضارين لنا، بل إنهم مفيدون، يؤدُّون دور المعارضة ويوهمون الناس أنني حاكم غير مستبدٍّ، أشجِّع النقد، وأومن بالحرية.
معات : يا له من داهية!
رئيس الجيش : إنه رجلٌ خطير، متآمر، ولا يمكن أن نحاربه بغير سلاحه؛ التآمر …
معات : لن تقبل إيزيس التآمر … أنا أعرفها، هي مصممة على المحاكمة الشعبية العلنية، وأن يُعطَى كل طرف فرصته الكاملة للاتهام والدفاع، وأن يترك الحكم النهائي للشعب.
رئيس الجيش : ما زالت المحاكمة مغامرةً خطرة غير مضمونة النتائج.
معات : لا شيء في الحياة مضمون النتائج.
رئيس الجيش : نعم.
معات : أنا مقتنعة برأي إيزيس، وكثيرٌ من الناس معها في الرأي …
لا تنسَ أنها كانت إلهة العقل والحكمة …
رئيس الجيش : لم أنسَ … ولم أنسَ أمها نوت إلهة السماء … ولا معات إلهة الحق والعدل …
معات : سأكون أنا إلهة الحق والعدل في المحاكمة الشعبية، وسيكون معي بعض القاضيات والقضاة من ذوي الضمائر الحية التي لم تمت …
رئيس الجيش : أمرك يا إلهة الحق والعدل. أنا عبدك المخلص؛ فبماذا تأمرين؟!
معات : عليك إقناع الملك «سيت» بالحضور إلى المحاكمة.
رئيس الجيش : سأحاول إقناعه، لا أعرف النتائج بعدُ، لكني سأحاول، أعدك أنني سأحاول.

المشهد السادس

(الساحة الشعبية تحولت إلى محاكمةٍ كبيرة، يشهدها عددٌ كبير من الناس … فلاحون وفلاحات وتجَّار وصناع وكُتَّاب، وغير ذلك من فئات المجتمع المختلفة وطبقاته. الفقراء والفلاحون والعبيد يفترشون الأرض.)

(على يمين الساحة يجلس الملك سيت مرتديًا خنجره ومن حوله أعوانه، ومنهم رئيس الجيش وبعض الكهنة، فوق رأس الملك سيت صورة مكبَّرة لقرص الشمس، داخلها الحروف من النور: الإله الأعظم «رع».)

(على يسار الساحة تجلس إيزيس ومن حولها أعوانها، ومنهم معات وتوت ومسطاط وحوريس أيضًا ومعه خنجره.)

(يبدأ الملك «سيت» الكلام بصوتٍ عالٍ.)

سيت : باسم الإله الأعظم «رع» نفتتح الجلسة …
إيزيس (معترضة) : ليس لك حق الكلام يا سيت … وليس لك حق رئاسة الجلسة … أنت أحد المتهمين، والمتهم لا يرأس المحكمة … لا يرأس المحكمة إلا شخصٌ محايد … أليس كذلك يا معات يا إلهة الحق والعدل.
معات : نعم، نريد رئيسًا للمحكمة من القاضيات أو القضاة المحايدين …
سيت (معترضًا) : أنا رئيس المحكمة بأمر من الإله الأعظم «رع».
إيزيس : لا يمكن أن تكون قاضيًا ومتهمًا في آنٍ واحد، ثُمَّ إن أوامر الإله «رع» لا تسري في هذه المحاكمة؛ إنها محاكمة شعبية، وليس كل الحاضرين والحاضرات يؤمنون بالإله «رع». آلهة السماء متعددة، والأديان متعدِّدة، ولا يمكن أن تفرض في هذه المحكمة العادلة إلهًا واحدًا أو دينًا واحدًا …
رئيس الجيش : هذا كلامٌ منطقي يا مولاي … الآلهة كثيرون … نحن نؤمن بالإله الأعظم «رع»، هذا صحيح، لكن غيرنا لا يؤمن به.
سيت (مندهشًا) : أنت تقول هذا الكلام؟!
رئيس الجيش : يا مولاي الملك، هذه محكمةٌ عادلة، والعدل هو ألَّا يسود إله على إله إلا بالحق …
سيت (غاضبًا) : الإله الأعظم «رع» هو الحق ولا حقَّ غيره.

(يتقدَّم أحد الكهنة إلى الأمام، وهو رجلٌ عجوز، بطيء الحركة … يتقدَّم إلى الأمام بخطواتٍ بطيئةٍ واثقة، الناس تسكت وتنظر إليه.)

الكاهن العجوز : أيها الناس، نحن الآن في هذه المحكمة الشعبية العادلة، والعدل هو أن الحق فوق القوة، وفوق السلطة … أي سلطة في السماء أو فوق الأرض. لن يحكمنا في هذه الساحة إلا المنطق والعدل والعقل والدليل والبرهان. والحكم في النهاية لكم أنتم أيها الناس، الشعب هو صاحب السلطة الحقيقية …

(الناس تصفِّق له في تشجيع وسرور.)

إيزيس : لماذا لا ننتخب هذا السيد الحكيم العادل رئيسًا للمحكمة …

(الناس تُصفِّق في تشجيع وتأييد.)

إيزيس : لا نريد تصفيقًا … من يؤيد انتخاب هذا السيد رئيسًا للمحكمة يرفع يده.

(أغلبية الناس ترفع يدها فيما عدا سيت وأعوانه.)

معات : الأغلبية توافق …

(يصعد الكاهن العجوز إلى حيث يرأس المحكمة، أمامه منضدة ومطرقة، يدقُّ بها ويعلن قائلًا):

رئيس المحكمة : باسم الشعب نفتتح الجلسة.
سيت (يصيح معترضًا) : إني أعترض …
رئيس المحكمة : لم أسمح لك بالكلام يا سيت! …

(الصمت يدبُّ في المحكمة، حتى سيت يسكت مندهشًا.)

رئيس المحكمة : والآن من يريد أن يبدأ الكلام …
سيت (صائحًا) : أنا أريد أن أبدأ.
رئيس المحكمة : هل يعترض أحد؟
إيزيس : لا، ليبدأ هو …
رئيس المحكمة : هل يعترض أحد؟

(أصوات تعلن): لا.

سيت : إني أتهم هذا الولد الذي اسمه «حوريس» بالنصب والاحتيال، فهو يدَّعي أنه ابن أخي «أوزوريس»، وهو ليس ابن أوزوريس الشرعي. لقد وُلد هذا الابن بعد موت أخي أوزوريس بخمس سنين، وُلد في قرية اسمها خبيت على ساحل بحيرة، وهو يدَّعي كاذبًا أنه ابن أخي أوزوريس لمجرد الاستيلاء على العرش.

(حوريس يتقدم شاهرًا خنجره.)

حوريس : أنا ابن أوزوريس، أوزوريس هو أبي، وأمي هي إيزيس، وقد قتل «سيت» أبي ومزقه إلى أجزاء، وسوف أنتقم لأبي … لن تنجو من الموت يا سيت … من قتل يُقتَل، هذا هو العدل!

(سيت يتقدم نحو حوريس شاهرًا خنجره.)

سيت (غاضبًا) : هذا الولد ابن الحرام والزنا، لا بُدَّ أن أُمزِّقه إربًا …

(يكاد سيت وحوريس يتبارزان بالسيوف، لكن الناس تَحُول بينهما، يدقُّ رئيس المحكمة بالمطرقة ويعود الهدوء.)

(بعض أعوان «سيت» يهتفون): اقتلوا الزانية … ارجموها بالحجارة حتى الموت.

(رئيس المحكمة يدقُّ بالمطرقة؛ يعود الهدوء.)

معات : إيزيس تطلب الكلمة يا رئيس المحكمة.
رئيس المحكمة : الكلمة الآن لإيزيس.

(بعض أعوان سيت يرددون): اقتلوها!

سيت (صائحًا) : شوهتِ شرف الأسرة …

(رئيس المحكمة يدقُّ بالمطرقة ويعود الهدوء.)

إيزيس : من الغريب أن يتحدث الملك سيت عن الشرف! أي شرف تتحدث عنه أيها الملك العظيم؟! وأين كان ذلك الشرف حين طعنتَ الإنسانة التي منحتك الحياة وهي أمك نوت؟! وأين كان ذلك الشرف حين قتلتَ أخاك أوزوريس لمجرد الاستيلاء على العرش؟! أين كان ذلك الشرف حين كان أعوانك يسرقون وينهبون ويخطفون إلى جانب الاغتصاب؟! أين كان ذلك الشرف حين أمرتَ بإخصاء الرجال من العبيد وختان البنات؟! أي شرف هذا الذي تتكلم عنه يا أخي العزيز «سيت»؟! وتتهم مَن في شرفها؟ إيزيس؟ ألا تعرف أن شرف إيزيس لا يستطيع أحد أن يشوِّهه إلا إيزيس نفسها؟ إن شرفي يا سيت نابع مني أنا، من أعمالي، من حبي للعدل، من دفاعي عن الحق، الشرف هو العدل، والعدل هو الفضيلة.

(الناس تهتف بحماس مردِّدة): الشرف هو العدل والعدل هو الفضيلة!

(رئيس المحكمة يدقُّ بالمطرقة ويعود الهدوء.)

رئيس المحكمة : الهتاف ممنوع داخل هذه المحكمة.
سيت : لا أحد يختلف حول المعاني العامة للشرف والفضيلة والعدل، لكن السؤال المحدَّد الذي أوجِّهه الآن لإيزيس هو: هل حوريس ابن شرعيٌّ أم ابن غير شرعي؟ هذا هو السؤال بالتحديد!
إيزيس : حوريس ابن شرعي لي. أنا أمه إيزيس، وأعترف أنه ابني.

(الناس تهتف بحماس): حوريس ابن إيزيس … حوريس ابن إيزيس!

(يدقُّ الرئيس المطرقة ويعود الهدوء.)

سيت : هل هو ابن شرعي لأبيه أوزوريس؟ …
الابن ينسب للأب وليس للأم، هذه هي شريعة الإله الأعظم «رع».
معات : هذه المحكمة كما قلنا سابقًا محكمةٌ حرةٌ مستقلَّة ومحايدة … لا تريد إقحام الإله رع أو أي أحد من الآلهة في هذه الجلسة، أليس كذلك يا رئيس المحكمة؟
رئيس المحكمة : بلى، ليس لك يا سيت أن تستعين بأيٍّ من الآلهة في هذه المحكمة …
سيت : أقسم إن …
معات : حين يعجز عن الرد يلجأ إلى القسم.
سيت : أقسم بالإله الأعظم «رع» إنه لا يوجد في السماء إلا إلهٌ واحد، هو الإله «رع».

(يضحك الناس من المفارقة.)

معات : كيف تقسم بالإله «رع» أنه لا يوجد إلا الإله رع؟!
لا بُدَّ أن تقسم بإلهٍ آخر ليكون قسمك مقنعًا للناس.
سيت : الإله «رع» هو الذي انتصر على جميع الآلهة، وهو الذي اكتشف الحياة الآخرة والأبدية، وهو الذي بدأ الوحدانية ووحَّد السلطة في السماء وفوق الأرض، هو الذي أمر بالتوحيد. التعددية تعني الانقسام والفُرقة … نعم، هذا هو الإله الأعظم «رع» الذي ألغى كل أنواع التعددية …
معات : إلَّا تعدد الزوجات، والمحظيات وحريم الإله …

(الناس تضحك.)

(رئيس المحكمة يدقُّ بالمطرقة ويعود الهدوء.)

إيزيس : أتسمح لي بالكلام يا رئيس المحكمة؟
رئيس المحكمة : تكلَّمي يا إيزيس.
إيزيس : المشكلة يا أيها الرئيس أننا أصبحنا نعيش في عالمَين منفصلَين، عالم الآلهة والأسياد، وعالم العبيد والأجراء والنساء! عالم الآلهة الكبار بغرائزهم وشهواتهم وطمعهم وكسلهم وبطالتهم، وعالم الفقراء والنساء بعقولهم وسواعدهم وعملهم المضني ليل نهار! والمشكلة أيها الرئيس أن عالم الآلهة والكبار يريد أن يفرض على عالم الفقراء والنساء قانون العبودية الظالم تحت اسم شريعة الإله «رع». لقد وُلد جميع الناس أحرارًا، وجميع الناس سواسية لا فرق بين إنسان وإنسان …

(الناس تصفق في سرور، بعض الناس تهتف): تحيا إيزيس نصيرة الفقراء والعبيد.

(رئيس المحكمة يدقُّ بالمطرقة ويعود الهدوء.)

إيزيس : ثُمَّ كيف يناقض الإله «رع» نفسه حين يقول إنه هو الذي منح الحياة للناس وخلق أجسامهم على أكمل وجه، ثُمَّ يأمر باستئصال أعضاء من هذا الجسم تحت اسم الختان أو الإخصاء؟! ولماذا لا يسري قانون الإله «رع» بالإخصاء والختان إلا على العبيد والنساء؟
حوريس (يهبُّ صائحًا) : نعم، يجب أن يصدر حكم من هذه المحكمة بإخصاء الملك سيت وإخصاء الإله «رع» مثلما فعلوا مع أبي أوزوريس.

(الناس تضحك، رئيس المحكمة يدقُّ بالمطرقة.)

معات : شر البلية ما يُضحك، وهل هناك شر أكثر من هذا القانون الأخلاقي المزدوج الذي يمنح الأسياد كل الحقوق حتى حق القتل والظلم، ويحرم العبيد والنساء من جميع الحقوق حتى حق الشكوى والتظلُّم؟!
سيت : لم نمنع حق الشكوى والتظلُّم؟!
معات : ولمن نشكو؟
سيت : للإله «رع».
رئيس الجيش : أو للملك «سيت» مندوب الإله فوق الأرض.

(الناس تضحك، رئيس المحكمة يدق بالمطرقة.)

(سيت ينهض غاضبًا ويضرب رئيس الجيش بخنجره في صدره، يسقط رئيس الجيش ينزف الدماء ويئنُّ.)

سيت (غاضبًا) : أيها الخائن، يا مَن أكلتَ من نعمي … وأغدقتُ عليك بغير حساب …
رئيس الجيش (يئنُّ) : الإله «رع» وحده هو الذي أعطاني من نعمه بغير حساب …

(رئيس المحكمة يهبُّ واقفًا في غضب.)

رئيس المحكمة : لقد خرق «سيت» قانون المحكمة والعدل وقتل رئيس الجيش دون حق …
سيت : إنه يستحق القتل.
رئيس المحكمة : لم نحكم عليه بعدُ … لماذا تقتله دون محاكمة؟
سيت : أنا حكمت عليه بالموت!
رئيس المحكمة : لا يحق لك أن تحكم على أحد بالموت …

(الناس تصيح غاضبة): يسقط «سيت» الحاكم الظالم.

حوريس : ليس هذا هو أول من يقتله، قتل الكثيرين وقتل أبي أوزوريس …
إيزيس : كفى يا حوريس … كفى … لا تقتله …

(يتقدم حوريس شاهرًا خنجره ويبدأ في مبارزة سيت.)

(تتحوَّل المحكمة إلى مبارزة بين سيت وحوريس، الناس تشجِّع حوريس، ينتصر «سيت» أول الأمر ويُصيب حوريس بجرح بين عينيه … لكن «حوريس» يواصل المبارزة … ويضرب «سيت» بالخنجر بين ساقيه، يسقط «سيت» على الأرض … يقطع «حوريس» بسيفه خصيتي سيت.)

(سيت ينزف ويئنُّ من الألم، يتوسَّل لإيزيس أن تغفر له وترحمه من سيف حوريس، يرفع حوريس سيفه ليضرب عنق «سيت»، لكن إيزيس تمنعه.)

حوريس : لقد قتل أبي، ولن أتركه حتى أقتله وأمزِّقه إربًا كما فعل بأبي.
إيزيس : أنت المنتصر يا حوريس … أنت صاحب العرش …

(الناس تهتف): يحيا حوريس.

حوريس : قتل أبي ومزَّقه، ولا بُدَّ أن أقتله وأُمزِّقه كما فعل بأبي.
إيزيس : أنت الأقوى الآن يا حوريس، الأقوى هو الذي يعفو؛ العفو عند المقدرة. أليس هذا أحد مبادئ إيزيس وأوزوريس؟!

(الناس تهتف بحماس): تحيا إيزيس إلهة الرحمة.

(ثُمَّ تلتفُّ الناس حول إيزيس وحوريس، وينشدون معًا مع اللحن والموسيقى والرقص):

إيزيس يا إلهة الرحمة.
يا إلهة العقل والحكمة.
أوزوريس يا إله الخير
يا إله الحب والطيبة.
حوريس يا حوريس
يا ابن إيزيس
وأوزوريس.
حوريس يا حبيبنا.
حوريس يا مليكنا.
غنِّ يا وادي النيل.
حوريس
ابن إيزيس …
(تمت)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤