الفصل الخامس

فضيحة في بونتيلا

(فِناءٌ في ضيعة بونتيلا به حمَّامٌ يمكن أن ترى العين ما بداخله. الوقت قبل الظهر. الطاهية لاينا والخادمة فينا تُعلِّقان على باب الضيعة لَوحةً كُتِبَ عليها: «مرحبًا بكم في حفلة الخطوبة.» يدخل بونتيلا وماتي من باب الفِناء ومعهما بعض عُمَّال الغابات ومن بينهم سوركالا الأحمر.)

لاينا : مرحبًا بكم في بونتيلا، الآنسة إيفا والسيد المُلحَق والسيد القاضي وصلوا ويتناولون طعام الإفطار.
بونتيلا : أول ما أحب أن أفعله هو تقديم الاعتذار لكَ ولعائلتكَ يا سوركالا، أرجوك أن تذهب الآن وتُحضِر أولادك الأربعة؛ فإنني أريد أن أُعبِّر لهم شخصيًّا عن أسفي للقلق وعدم الاطمئنان الذي عاشوا فيه بسببي.
سوركالا : لا داعي لهذا يا سيد بونتيلا.
بونتيلا : لا، لا بد (سوركالا ينصرف).
السادة سيَبقَون. أَحضِري لهم كونياك يا لاينا؛ فإني أُريد أن أُعيِّنهم للعمل في الغابة.
لاينا : ظننتُ أنك ستبيع الغابة.
بونتيلا : أنا؟ أنا لن أبيع شيئًا، مهر ابنتي بين فخذَيها. هل معي حق؟
ماتي : ربما استطعنا الآن يا سيد بونتيلا أن نُعطيهم مُقدَّم الأتعاب، لكي يستريح بالك من هذه الناحية.
بونتيلا : أنا سأدخل الحمام، فينا، أحضري للسادة كأس كونياك ولي فنجال قهوة.

(يدخل الحمام.)

العامل البائس : هل تظن أنه سيُعيِّنني فيما بعدُ؟
ماتي : لن يفعل إذا أَفَاق ورآك.
البائس : ولكنه إذا سكِر لا يُبرم عقودًا.
ماتي : لقد حذَّرتُكم من الحضور قبل أن تكون العقود في أيديكم.

(فينا تُحضِر الكونياك، ويتناول كل عاملٍ كأسًا.)

العامل : وما حاله في غير هذه الأوقات؟
ماتي : أَلُوفٌ جدًّا. الأمر سواء بالنسبة لكم؛ فأنتم في الغابة، أمَّا أنا ففي سيارته وتحت رحمته. وقبل أن أَتلفَّت يُصبِح إنسانًا. سأُضطَر إلى تقديم استقالتي.

(سوركالا يعود ومعه أولاده الأربعة. الابنة الكبيرة تحمل أصغر إخوتها.)

ماتي (بصوتٍ خفيض) : بحق السماء! اختفوا حالًا! بمجرد أن يخرج من الحمَّام ويشرب قهوته فسوف يُفيق تمامًا والويل لكم لو رآكم في فِناء الضيعة. أنصحكم ألَّا تُروه وجوهكم في اليومَين القادمَين (سوركالا يُطرِق برأسه علامة الموافقة ويتهيأ للانصراف سريعًا مع أبنائه.)
بونتيلا (الذي خلع ملابسه وراح يتصنَّت وإن لم يسمع ما قاله ماتي، يُطِل من الحمام ويرى سوركالا وأولاده) : سأعود إليكم حالًا. ماتي، تعال لِتَصبَّ الماء عليَّ … (للبائس): يمكنك أيضًا أن تأتي معه، لكي أتعرَّف عليك عن قرب.

(ماتي والعامل يتبعان بونتيلا إلى الحمام. ماتي يَصُب الماء على بونتيلا. سوركالا ينصرف بسرعة مع أولاده الأربعة.)

بونتيلا : دَلوٌ يكفي، أنا أكره الماء.
ماتي : تحمل دَلوَين آخرَين، ثم اشرب قهوتك وبعدها تستطيع أن تُحيِّي ضيوفك.
بونتيلا : أستطيع أن أُحيِّيَهم وأنا في هذه الحالة أيضًا، أنت تُريد أن تَغيظني فقط.
البائس : أعتقد أيضًا أن دَلوًا واحدًا يكفي. السيد بونتيلا لا يحتمل الماء. أرى هذا بوضوح.
بونتيلا : سَمِعتَ يا ماتي؟ هكذا يتكلم إنسانٌ قلبه عليَّ. أُريد أن تحكي له ما فَعلتُه مع الرجل السمين في السوق.

(فينا تدخل.)

بونتيلا : ها هو الملاك الذهبي ومعه القهوة! هل هي ثقيلة؟ أُريد معها كأس «ليكور».
ماتي : وما فائدة القهوة إذن؟ لن تشرب معها شيئًا.
بونتيلا : أعلم أنك الآن ساخط عليَّ؛ لأنني جعلت الناس ينتظرونني. معك حق، ولكن احكِ قصة الرجل السمين، فينا يمكنها أيضًا أن تسمعها. (يحكي بنفسه): رجلٌ سمينٌ، كريهٌ، رأسماليٌّ بحق، أراد أن يخطف مني عاملًا. أَوقفتُه عند حدِّه، ولكن عندما أردتُ أن أركب سيارتي، كانت مَركبتُه ذاتُ الحصان الواحد تقف على جانب الطريق. أَكْمِل الحكاية يا ماتي؛ لكي أشرب قهوتي.
ماتي : رأى السيد بونتيلا فتغيَّر دمه، وتَناوَل السَّوط وأخذ يَضرِب حِصانَه حتى قفَز إلى أعلى.
بونتيلا : وأنا لا أُطيق من يسيء معاملة الحيوانات.
ماتي : أمسك السيد بونتيلا الحِصان من لجامه وأخذ يُهدِّئه، وقال للسمين رأيه. واعتقدتُ بالفعل أنه سيناوله واحدةً بالسوط، ولكن الرجل السمين لم يجرؤ على ذلك؛ لأننا كنا أكثر منه. غمغم شيئًا عن الجهل وسوء التربية وربما ظن أننا لا نسمعه، ولكن السيد بونتيلا يكون حاد السمع حين لا يُطيق أحدًا، فرد عليه على الفور وسأله إن كان قد بلغ من التربية والعلم حدًّا يجعله يعرف أن الإفراط في السمنة يُسبِّب الإصابة بالشلَل.
بونتيلا : قل لهم كيف احمرَّ وجهه كالديك الرومي وكيف عجز عن الكلام أمام الناس.
ماتي : احمرَّ وَجهُه كالديك الرومي. ونصحه السيد بونتيلا ألَّا يثور حتى لا يؤذيه ذلك بسبب الدُّهن غير الصحي، وأنه لا يجب أن يَحمَر وَجهُه؛ فذلك دليلٌ على أن الدم يصعد إلى مخه وعليه أن يتحاشى ذلك بسبب الأمراض التي وَرِثها.
بونتيلا : نَسِيتُ أنني قلت لك أنت إننا لا ينبغي أن نُثير أعصابه، بل يجب أن نَقِيَه ذلك. لقد أثاره كلامي إثارةً شديدة، هل لاحظتَ ذلك؟
ماتي : وظلَلْنا نتكلم عنه كأنه ليس موجودًا معنا. وأخذ الناس يضحكون. وأخذ وجهه يزداد احمرارًا. هنا فقط احمرَّ وجهه كالديك الرومي، أمَّا قبل ذلك فقد كان أشبه بحجرٍ أحمر شاحب اللون. لقد كان يستحق هذا؛ إذ ما الذي جعله يهوي بالسوط على حِصانه؟ لقد شاهدتُ مرةً في إحدى عربات السكة الحديدية المكتظة بالناس كيف راح أحدهم يدوس على قبعته لأنه أضاع تَذكرتَه التي كان قد أخفاها فيها حتى لا تضيع منه.
بونتيلا : أَضعتَ الخيط. لقد قلتُ له أيضًا: إن أي مجهودٍ جسدي، مثل ضرب الحصان بالسوط، يمكن أن يُودِي بحياته. من أجل هذا لا يجب أن يُسيء معاملة الحيوانات. هو بوجهٍ خاصٍّ لا يجوز له ذلك.
فينا : هذا شيءٌ لا يجوز أن يفعله أي إنسان.
بونتيلا : تَستحقِّين على هذا كأس ليكور. هيَّا أحضري كأسًا.
ماتي : لقد شرِبتَ قَهوتَها. لا بد أنك تشعر الآن بِتحَسُّن يا سيد بونتيلا.
بونتيلا : بالعكس، أُحِس أن حالتي أسوأ.
ماتي : لقد زاد تقديري للسيد بونتيلا عندما رأيتُه يُعاقِب ذلك الرجل. كان من الممكن أن يقول لنفسه: هذا شيء لا يخُصُّني. إنني لا أريد أن يكون لي أعداءٌ في هذه الناحية.
بونتيلا : أنا لا أخاف من الأعداء.
ماتي : هذا صحيح، ومن الذي يستطيع مِثلَك أن يقولَ ذلك عن نفسه؟ يمكنك أن تُرسل مُهراتك إلى مكانٍ آخر.
بونتيلا : ولماذا أُرسِل مُهراتي إلى مكانٍ آخر؟
ماتي : لقد سَمِعتُ بعدُ أن هذا الرجل السمين هو الذي اشترى مَزرعةَ «سومالا». إن عندهم البغل الوحيد في مساحة ثمانمائة كيلومتر، الذي يمكنه أن يُلقح مُهراتِنا.
بونتيلا : إذن فقد كان المالك الجديد في سومالا؟ ولم تعرف هذا إلا فيما بعدُ؟ (بونتيلا يقف ويتجه إلى الخلف حيث يصب على رأسه دلوًا من الماء.)
ماتي : لم نعرف ذلك إلا فيما بعدُ. لقد كان السيد بونتيلا يعلم ذلك. صاح بالرجل السمين قائلًا: إن بَغلَه قد أكل من الضرب ما يجعله غير صالحٍ لمُهراتِه. أو ماذا قُلتَ؟
بونتيلا (باقتضاب) : قلتُ ما قلتُ وانتهينا.
ماتي : لا لم تقُل أيَّ شيء، بل كان كلامُك بارعًا.
فينا : ولكن إرسال المُهرات كل هذه المسافة سيكون سُخرةً فظيعة.
بونتيلا (متبرمًا) : فنجالًا آخر من القهوة (تعطيه الفنجان).
ماتي : إن الرفق بالحيوانات، كما سمعتُ، صفةٌ غالبة على أهل تافاستلاند؛ لذلك تَعجَّبتُ من الرجل السمين. وقد سمِعتُ فيما بعد أنه صهر السيدة كلنكمان. أعتقد أن السيد بونتيلا لو كان يعرف ذلك لكانت قَسوتُه عليه أَشَد.

(بونتيلا ينظر إليه.)

فينا : هل كانت القهوة قوية؟
بونتيلا : لا تسألي هذه الأسئلة الغبية. أنت تَرَين أنني شَرِبتُها. (لماتي): أنت يا جدع! لا تجلس هكذا بلا عمل. نَظِّف الأحذية، اغسِل العربة وإلَّا بدت كعربات السباخ. لا تَرُد عليَّ، وإذا ضَبطتُك وأنت تَنثُر الإشاعات وتنقل الكلام وراء ظهري فسوف أُسجِّل ذلك في شهادتك. لاحِظ ذلك جيدًا!

(ينصرف غاضبًا في ثياب الحمام.)

فينا : لماذا ترَكتَه يُمثِّل هذا الدَّورَ مع الرجل السمين صاحب ضَيعة سومالا؟
ماتي : وهل أنا ملاكُه الحارس؟ إذا كنتُ أراه يقوم بتصرُّفٍ كريمٍ ومستقيم، أعني بتصرُّفٍ غبي، ضد مصلحته، فهل أمنعه عنه؟ لم يكن ذلك في استطاعتي، إنه حين يَسكَر يشتعل بنارٍ حقيقية. لو تَدخَّلتُ لاحتقرني، ولستُ أُريد أن يحتقرني وهو سكران.
بونتيلا (ينادي من الخارج) : فينا!

(فينا تتبعه ومعها ثيابه.)

بونتيلا (لفينا) : أنصتي لما قَرَّرتُ، وإلَّا شَوَّه كلامي فيما بعدُ كما هي العادة. (مشيرًا إلى أحد العمال) هذا العامل كان من الممكن أن آخُذَه. إنه لا يبحث عن إعجابي، بل يريد العمل عندي، ولكنَّني تَدبَّرتُ الأمر، ولن آخذ أحدًا. الغابة سأبيعها على كل الأحوال. والفضل في هذا يرجع إلى الواقف هناك. لقد تعمد أن يتركني على جهلي بما كان ينبغي أن أعرفه، الوغد! وهذا يُذكِّرني بشيءٍ آخر (ينادي) هيه! أنت! (ماتي يخرج من الحمام) نعم أنت! أعطني سُترتَك! قُلتُ أعطني سترتك، سمعت؟ (ماتي يعطيها له) ضَبطتُك يا وغد! (يريه المحفظة) وجدتُها في جَيبِك. كنت أتوقع هذا. من النظرة الأولى عَرفتُ أنك وجه سجون، هل هذه محفظتي أم لا؟
ماتي : نعم يا سيد بونتيلا.
بونتيلا : الآن رحت في داهية. عشر سنوات سجن. مجرد إشارة لمركز البوليس.
ماتي : نعم يا سيد بونتيلا.
بونتيلا : ولكنني لن أصنع فيك هذا المعروف. لكي تنام وتَتمَطَّع على مِزاجِك في الزنزانة وتأكل من عَرقِ دافعِي الضرائب، هيه، لعل هذا هو ما يناسبك، خصوصًا في وقت الحصاد، لكي تهرب من الجرار، ولكنني سأُسجِّلها عليك في الشهادة، هل تفهمني؟
ماتي : نعم يا سيد بونتيلا.

(بونتيلا يتجه غاضبًا إلى بيت الضَّيعة. تقف إيفا على العتبة، وفي يدها قُبَّعتُها المصنوعة من القش. سمعَت ما قِيل.)

العامل البائس : هل أحضر أنا أيضًا يا سيد بونتيلا؟
بونتيلا : لستُ في حاجة إليك. لن تحتمل مشقة العمل.
البائس : ولكن السوق أغلَقَت أبوابها الآن.
بونتيلا : كان ينبغي أن تقول ذلك لنفسك من قبلُ، بدلًا من محاولة استغلال ساعةٍ صفا فيها مزاجي، إنني لا أنسى من يُسيء استغلالها.

(ينصرف غاضبًا ويدخل البيت.)

العامل : هكذا هم جميعًا. ينقلونك في عربتهم، ثم يتركونك تمشي تسعة كيلومترات على قدمَيك، وما من عمل. هذا ما يحدث لمن ينخدع في مظهرِهم الطيِّب.
العامل البائس : سأبلغ عنه.
ماتي : أين؟

(العمال يُغادرون الفِناء ساخطِين.)

إيفا : لماذا لا تُدافع عن نفسك؟ نحن جميعا نعرف أنه عندما يشرب يُسلم محفظته لغيره لكي يدفعوا الحساب.
ماتي : لن يفهمني إذا حاولتُ أن أُدافع عن نفسي، لقد لاحظتُ أن السادة لا يُحبون أن يُدافِع الخدم عن أنفسهم.
إيفا : لا تدَّعِ القداسة والتواضُع، فلستَ اليوم على استعداد للمزاح.
ماتي : صحيح، فسوف تُخْطَبين اليوم للمُلحَق.
إيفا : لا تكن فظًّا، المُلحَق شابٌّ لطيف جدًّا، ولكنه لا يصلُح للزواج.
ماتي : هذا شيء يحدث كثيرًا، فلا تستطيع امرأة أن تتزوَّج جميع الظرفاء ولا جميع المُلحَقِين، لا بد لها أن تختار واحدًا بالذات.
إيفا : أبي يترك لي كل الحرية. لقد سمعتَ هذا بنفسك. قال لي: إنني أستطيع أن أتزوج من أشاء، ولو كنتَ أنتَ بنفسك. غير أنه وعد المُلحق أن يُزوِّجني له، ولا يريد أن يُقال عنه بعد ذلك إنه أخلف وعدَه؛ لهذا السبب وحده تجدُني أراعي هذا الاعتبار وقد أتزَوَّجه بالفعل.
ماتي : إذن فأنتِ الآن في مَأزِق.
إيفا : لستُ في مأزِق، كما تُعبِّر بطريقتك البلدية. لَستُ أدري لماذا أتحدث معك في مثل هذه المسائل الحساسة؟!
ماتي : إن كلام الناس مع بعضها عادةٌ إنسانيةٌ جدًّا. وهذه هي مَيزة الإنسان الكبرى على الحيوانات. ولو أن الأبقار مثلًا استطاعت أن تتكلم مع بعضها لاختفَت السَّلَخَانات من عهدٍ بعيد!
إيفا : ليس لهذا أدنى علاقة بموضوعنا. لقد قُلتُ: إنني قد أكون سعيدةً مع المُلحَق، وإن عليه في هذه الحالة ألَّا يَنسحِب، ولكن كيف يمكن التلميحُ له بذلك؟
ماتي : لا يكفي لذلك عامود في سور حديقة، بل يحتاج الأمر إلى عامود سواري!
إيفا : ماذا تَقصِد؟
ماتي : أقصد أنه يجب أن أقوم أنا بهذه المهمة؛ فأنا فَظٌّ.
إيفا : كيف تتصوَّر أن تُساعدني في مسألةٍ حسَّاسة كهذه؟
ماتي : لنفرض أنني تشجعت بتأثير الكلام الودي الذي قاله أبوك في ساعة سُكر، من أنك تستطيعين أن تتزوجيني أنا. ولنفترض أنك شَعَرتِ بنفسك منجذبةً إليَّ تحت تأثير قُوتي الوحشية — فكِّري في طرزان — وأن المُلحَق فاجأنا وقال لنفسه: إنها غيرُ جديرةٍ بي؛ فهي تتسكَّع مع سائق.
إيفا : لا أستطيع أن أطلُب هذا منك.
ماتي : لن يكون ذلك سوى جزءٍ من عملي، مثل مسح العربة. ولن يُكلِّفني أكثرَ من ربع ساعة. يكفي أن نُبيِّن له أننا منسجمان.
إيفا : وكيف تُريد أن تُبيِّن له هذا؟
ماتي : أستطيع أن أُناديكِ «بإيفا» في حضوره.
إيفا : وماذا تقول مثلًا؟
ماتي : إيفا، بلوزتك ليست مُقفَلةً من الخلف.
إيفا (تَتحسَّس رقبتها) : ولكنها مقفلة، آخ! لقد لَعبتَ لُعبتكَ! ولكنه لا يهتم بذلك؛ فليس غيورًا إلى هذا الحد. إن ديونه الكثيرة تمنعه من ذلك.
ماتي : إذن فأستطيع أن أخرج من جَيبِي أحد جواربكِ مع منديلي، كما لو كان ذلك سهوًا مني، بحيث أَتعمَّد أن يراني.
إيفا : هذا أفضل. ولكنه سيقول إنك التقَطتَه في أثناء غيابي؛ لأنك تَهِيمُ بي في السر. (فترة صمت) يبدو أن خيالك ليس فقيرًا في مثل هذه الأمور.
ماتي : إنني أفعل ما في طاقتي، يا آنسة إيفا. وأتصوَّر كل المواقفِ المُمكِنة والأوضاعِ المُحرِجة التي يمكن أن تحدث بيننا، حتى يخطر على بالي الحل المناسب.
إيفا : دَعكَ من هذا.
ماتي : حَسَنٌ، سأدع هذا.
إيفا : ماذا على سبيل المثال؟
ماتي : إذا كانت ديونه كبيرة إلى هذا الحد، فلا بد أن نخرج معًا من الحمام، ولا يصح أن نفعل شيئًا أقل من هذا. وإلا التمس العذر دائمًا لتصرفاتنا بحيث تبدو بريئة. فإذا هجَمتُ عليكِ مثلًا وأَشبعتُكِ تقبيلًا فإنه يستطيع أن يقول: إنني لم أتهجم عليك إلا لأنني لا أستطيع أن أضبط أعصابي أمام جمالك وهكذا دواليك.
إيفا : لا أَدري أبدًا متى تمزح ولا إن كنت تسخر بي وراء ظهري. إن الإنسان لا يستطيع معك أن يَتأكَّد من أيِّ شيء.
ماتي : ولماذا تُريدين إذًا أن تتأكدي؟ إنك لا تُودِعِين أَموالَك في بنك. عدم اليقين — كما يقول أبوك — أكثر إنسانية. أنا أحب النساء وهن في حالة الشك.
إيفا : لا أستبعد هذا عليك.
ماتي : أرأيتِ أنتِ أيضًا، خيالُك واسع.
إيفا : لم أقل سوى أن المرء معك لا يعرف أبدًا ماذا تُريد على وجه التحديد.
ماتي : مثل طبيب الأسنان تمامًا؛ فأنتِ لا تعرفين أبدًا ماذا يُريد منك على وجه التحديد، عندما تَجلسِين في كُرسيِّه.
إيفا : أرأيتَ عندما تتكلم هكذا يتأكد لي أن حكاية الحَمَّام مستحيلة معك؛ لأنك قد تستغل الموقف استغلالًا سيئًا.
ماتي : عدنا إلى شيءٍ أكيد. إذا كُنتِ ستَستمرِّين على هذا التردُّد فسوف أَفقِد كل مُتعةٍ في أن أَفضحَك، يا آنسة إيفا.
إيفا : أُفضِّل بكثير أن تفعل ذلك بدون إحساسٍ بالمتعة. اسمع. قبلتُ حكاية الحمَّام. أنا واثقة فيك. لا بد أنهم سينتهون حالًا من تناول الإفطار، وبعدها سيَتمشَّون في الشرفة ويتكلمون في مسألة الخطوبة.
الأفضل أن ندخُل الحمَّامَ الآن على الفور.
ماتي : ادخُلي أنتِ أولًا؛ فسوف أُحضِر ورقًا للعب.
إيفا : وما الداعي لِورَق اللعب؟
ماتي : وكيف نُضيِّع الوقت في الحمَّام؟

(يدخل البيت. تسير في بطءٍ إلى الحمَّام. الطاهية تأتي ومعها سَلَّتها.)

لاينا (لإيفا) : صباح الخير يا آنسة إيفا. أنا ذاهبة لِأُحضِر خيَّارًا، هل تأتين معي؟
إيفا : لا، أنا أُحسُّ بِصُداع وأريد أن آخذ حمامًا.

(تدخل الحمام. لاينا تقف وهي تهزُّ رأسها يخرج بونتيلا والمُلحَق من البيت وهما يُدخِّنان السيجار.)

المُلحَق : ما رأيك يا بونتيلا؟ أنا أُفكِّر في السفر إلى الريفييرا مع إيفا. سأطلب من البارون «فوريان» سيارته «الرولز»، ستكون هذه دعايةً لفنلندا ودبلوماسيتها؛ فما أقلَّ السيِّدات المُشرِفات في هيئتنا الدبلوماسية.
بونتيلا (للطاهية) : أين ذَهبَت ابنتي؟ هل خَرجَت؟
لاينا : إنها في الحمام يا سيد بونتيلا، كان عندها صُداعٌ فدَخلَت الحمَّام.

(تنصرف.)

بونتيلا : هي دائمًا هوائية. لم أسمع أبدًا أن من عنده صُداعٌ يأخذ حمَّامًا.
المُلحَق : فكرةٌ أصيلة! ولكن هل تعلم يا بونتيلا أننا لا نستغل حماماتنا الفنلندية كما ينبغي؟ لقد كلمت رئيس الوزراء في ذلك عندما كنا نتحدث عن وسيلةٍ للحصول على قرض. إن الحضارة الفنلندية يجب أن تَنتشِر بطريقةٍ جديدة. ولماذا لا نُنشِئ حماماتٍ فنلنديةً في بيكاديللي؟
بونتيلا : أُريد أن أعرف منك إن كان الوزير سيحضُر حفلة الخطوبة في بونتيلا؟
المُلحَق : لقد وعدني بكل تأكيد. إنه مدينٌ لي من يوم أن عرَّفته بليتينن، مدير البنك التجاري؛ فهو مهتم بالنيكل.
بونتيلا : أريد أن أتكلم معه.
المُلحَق : إن عنده ضعفًا من ناحيتي. كل المُوظَّفِين في الوزارة يقولون هذا. قال لي مرة: أنت من النوع الذي يمكن إرساله إلى كل مكان؛ فأنت لا تكشف أسرارًا ولا تهتم بالسياسة. يقصد أنني أُمثِّل بلادي بجدارة!
بونتيلا : يظهر أن مخك تعبان يا إينو. إن لم تستطع أن تبني مستقبلك فلا بد أن الشياطين تُعاكسك، ولكن مسألة حضور الوزير إلى حفلة الخطوبة مسألةٌ حيوية، وأنا مُصمم عليها. إنني سأعرف منها ما هو مَركزُك عندهم.
المُلحَق : بونتيلا، أنا من هذه الناحية متأكدٌ جدًّا. لقد كان الحظ دائمًا معي. إن هذا يجري مجرى الأمثال في الوزارة. إذا ضاع مني شيءٌ وجدته. هذا شيء لا يخطئ أبدًا.

(ماتي يظهر وعلى كتفه مِنشَفة ويدخل الحمام.)

بونتيلا (لماتي) : لماذا تتسكع هنا، يا جدع؟ لو كنتُ مكانك لخَجِلتُ من هذه الصعلكة ولسألتُ نفسي بأي حقٍّ أحصل على أُجرتي؟ لن أُعطيك الشهادة. وعندئذٍ يُمكِنك أن تتعفَّن كالسمكة التي سَقطَت بجانب البرميل ولا يُريد أحدٌ أن يأكلها.
ماتي : أجل يا سيد بونتيلا!

(بونتيلا يَلتفِت مرةً أخرى إلى المُلحَق. ماتي يدخل الحمَّام في هدوء.)

(بونتيلا إلى هذه اللحظة لا يسيء الظن في شيء. ثم يخطر له فجأةً أن ابنتَه إيفا لا بُد وأن تكون في هذه اللحظة أيضًا في الحمَّام فينظر مذعورًا إلى ماتي.)

بونتيلا (للمُلحَق) : ما هي علاقتك بالضبط مع إيفا؟
المُلحَق : علاقتي طيبةٌ معها، هي باردةٌ بعض الشيء معي، ولكن هذه هي طبيعتها. أُحب أن أقارن موقفها معي بموقفنا من روسيا؛ فنحن نقول بلغة الدبلوماسِّيين: إن العلاقات سليمة. تعال! أُريد أن أجمع لإيفا باقةً من الزهور البيضاء.
بونتيلا (ينصرف معه وهو يُحدِّق ببصره إلى الحمَّام) : أعتقد أيضًا أن هذا أفضل.
ماتي (من الحمام) : لقد رأوني وأنا أدخُل. كل شيءٍ على ما يُرام.
إيفا : يُدهِشُني أن أبي لم يمنعك. لقد قالت له الطاهية إنني هنا.
ماتي : لم ينتبه إلا بعد فوات الأوان. لا بد أنه يشعر اليوم بصُداعٍ فظيع، من حسن الحظ على كل حال؛ فالنية على تشويه سُمعتكِ لا تكفي؛ إذ لا بُد أن يكون قد حدث بيننا شيءٌ بالفعل.
إيفا : لا أظن أنهم سيَشُكُّون في شيء. هكذا في عز الصباح؟ يبدو الأمر صعبًا.
ماتي : لا تقولي هذا؛ فذلك دليلٌ على الغرام المُلتهِب. ستة وستون، (يُوزِّع الورق) لقد عمِلتُ مرةً عند سيدٍ في فيبورج كان يأكل طول النهار. بعد الظهر، وقبل القهوة، كانوا يشوون له دجاجة. كان الأكل عنده غرامًا، وكان يعمل في الحكومة.
إيفا : كيف تستطيع المقارنة؟
ماتي : ولِمَ لا؟ إن مِن الناس مَن عندهم مثل هذه الشهية في الحب أيضًا. الدور عليك. هل تعتقدِين أن البهائم في الحظيرة تنتظر حتى يدخل الليل؟ نحن الآن في الصيف، والاستعداد موجودٌ لدى الجميع. ثم إن الناس موجودون في كل مكان؛ ولذلك يسرعون إلى الحمَّامات؛ فالجو حارٌّ، (يخلع سترته) يمكنك أيضًا أن تُخفِّف قليلًا من ملابسك. لن آكل منك شيئًا. أظن أننا نلعب على نصف ملِّيم.
إيفا : إني أَعجَب لكل هذا الكلام الدنيء الذي تَتفوَّه به أمامي. تَذكَّر أنني لست راعية بقر.
ماتي : وأنا ليس بيني وبين رعاة البقر شيء.
إيفا : أنت لا تحترم أحدًا.
ماتي : لقد سمعتُ هذا كثيرًا. إن السائقين مشهورون بأنهم مُتمرِّدون، وأنهم لا يحترمون أحدًا من الطبقات العالية، والسبب في هذا أننا نسمع أبناء الطبقات العالية وهم يتكلمون خلفنا في السيارة. أنا عندي ستة وستون، كم عندك؟
إيفا : لقد كنتُ في مدرسة الراهبات في بروكسل وكنت أسمعهم يتكلمون بأدب.
ماتي : أنا لا أتكلم عن الأدب ولا عن قلة الأدب. أنا أتكلم عن الأغبياء فقط. وزِّعي أنتِ، ولكن فنِّطِي الورق أولًا حتى لا يحدث غلط.

(بونتيلا والملحَق يعودان. المُلحَق يحمل في يده باقةً من الزهور.)

المُلحَق : إنها ذكيةٌ جدًّا. أقول لها: كنت ستكونين كاملة لو لم تكوني على هذا الغنى كله؛ فتقول بلا تردد: الغنى في رأيي ألذ. هاهاها! وهل تعلم يا بونتيلا أن الآنسة روتشيلد ردَّت عليَّ بنفس الإجابة عندما قدَّموني لها عند البارونة «فوريان»؟ إنها أيضًا ذكية.
ماتي : اضحكي كما لو كُنتُ أُزغزغُكِ، وإلَّا مروا من هنا بدون أن يُحِسُّوا بشيء، (إيفا تأتي ضحكةً خفيفةً في أثناء اللعب بالورق) صوتُكِ لا يدُلُّ على الانسجام.
المُلحَق (يقف) : أليست هذه هي إيفا؟
بونتيلا : لا، مستحيل. لا بد أنه شخصٌ آخر.
ماتي (بصوتٍ مرتفعٍ في أثناء اللعب) : أنتِ حساسة جدًّا.
المُلحَق : أنصِت!
ماتي (بصوتٍ منخفض) : قاومي قليلًا.
بونتيلا : إنه السائق في الحمام. أعتقد أن من الأفضل أن تضع باقتك في البيت!
إيفا (تصيح في تمثيل) : لا! لا!
ماتي : نعم!
المُلحَق : ما رأيك يا بونتيلا؟ الصوت يبدو الآن كما لو كان صوت إيفا.
بونتيلا : لا داعِيَ للإهانة من فضلك!
ماتي : الآن قولي يا حبيبي ودعيك من المُقاوَمة التي لا معنى لها!
إيفا : لا! لا! لا! (في صوتٍ منخفض) ماذا أقول أيضًا؟!
ماتي : قولي: لا، عيب! اندمجي في الموقف! فكِّري بحواسِّك!
إيفا : لا، عيب.
بونتيلا (بصوتٍ كالرعد) : إيفا!
ماتي : استمري! استمري في قمة الانفعال! (يبعد أوراق اللعب، بينما يُواصِلان تمثيل مشهد الحب) إذا دخل علينا، فيجب أن يرانا متعانقَين، لا مَفَر من هذا.
إيفا : لا يصح.
ماتي (وهو يقلب كنبةً بقدَمه) : ثم تخرجين من هنا كالكلب المبتل!
بونتيلا : إيفا!

(ماتي يتخلَّل شعر إيفا بيده في عنايةٍ لكي يبدو مُشعثًا، وتفُكُّ هي زرارًا من بلوزتها عند الرقبة، ثم تَخرُج من الحمام.)

إيفا : هل ناديتَ عليَّ يا بابا؟ لقد أردتُ فقط أن أغيِّر ملابسي لكي أذهب إلى حمَّام السباحة.
بونتيلا : ماذا تَقصدِين بالضبط من هذا التسكُّع في الحمامات؟
هل تَظُنِّين الحاضرين صُمًّا؟
المُلحَق : لا تَغضبْ هكذا يا بونتيلا، لماذا لا يكون من حق إيفا أن تستحم؟

(يخرج ماتي، ويقف خلف إيفا.)

إيفا (بغير أن تلاحظ ماتي. خائفة بعض الشيء) : ماذا سمعت يا بابا؟ لم يحدث شيء.
بونتيلا : هكذا، وتُسمِّين هذا لا شيء. انظري وراءك قليلا!
ماتي (مُدَّعيًا الارتباك) : يا سيد بونتيلا. أنا كُنتُ ألعب مع الآنسة المحترمة لعبة اﻟ ٦٦، ها هي الأوراق إذا كنت لا تُصدِّق. إنه مجرد سُوء تفاهُمٍ من جانبك.
بونتيلا : أغلق فمك! أنت مطرود! (لإيفا): ماذا يقول «إينو» عنك؟
المُلحَق : هل تعرف يا بونتيلا؟ إذا كانوا قد لعبوا اﻟ ٦٦ فلا بد أنه سوء تفاهم من ناحيتنا. لقد ثارت أعصاب الأميرة «بيبسكو» مرةً وهي تلعب «الروليت» حتى إنها كَسرَت عِقدها اللؤلؤي. لقد أَحضرتُ لك أزهارًا بيضاءَ يا إيفا. (يعطيها الأزهار) تعال يا بونتيلا نلعب دَورَ بلياردو! (يَسحَبه من كُمِّه بعيدًا.)
بونتيلا (يزأر) : ما زلتُ أتكلم معكِ يا إيفا! وأنتَ يا ولد! إذا تجرأتَ مرةً أخرى وتنفَّستَ بكلمةٍ واحدة مع ابنتي، فعليك أن تجمع جواربك القذرة وترحل! الأفضل لك أن ترفع قُبَّعتكَ المُلوَّثة بالزيت من على رأسك وتقف باحترامٍ أمامها وتحمرَّ خَجلًا من أذنيك المتسختَين. اخرس! عليك أن تتطلع إلى ابنة سيدك كما لو كانت كائنًا عُلويًّا هبط من السماء. دعني يا إينو! هل تظن أنني أسمح بشيءٍ كهذا؟ (لماتي): أَعِد ما قلتُ! ماذا يجب عليك؟!
ماتي : أن أتطلع إليها كما لو كانت كائنًا علويًّا هبط من السماء، يا سيد بونتيلا.
بونتيلا : وتفتح عينَيك في دهشة؛ لأن مثلها موجودٌ على الأرض يا ولد!
ماتي : وأفتح عَينيَّ في دهشةٍ يا سيد بونتيلا.
بونتيلا : وتَحمَر خجلًا كالسرطان من أفكارك القذرة التي كانت لديك عن النساء قبل التناوُل عندما ترى هذه البراءة المُتجسِّدة وتتمنى أن تَبلعَك الأرض، فهمتَ؟
ماتي : فهِمتُ.

(المُلْحق يسحب بونتيلا إلى داخل البيت.)

إيفا : لا شيء.
ماتي : إن ديونه أكبر مما كنا نتصوَّر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤