الفصل الثاني

النظريات التاريخية للخروج

(١) نظرية أن الإسرائيليين هم الهكسوس

تعدُّ أقدم نظرية طُرحت بشأن خروج بني إسرائيل من مصر، تلك التي تربط بينهم وبين الهكسوس، الذين ورد ذكرهم في الوثائق المصرية كمحتلين أجانب للبلاد، وتعتبرهم مع بني إسرائيل شيئًا واحدًا، وكان صاحبها هو المؤرخ اليهودي «فلافيوس يوسفيوس» (٣٧–١٠٠م)، الذي حصل على تكريم الإمبراطور الروماني «فيسبيان»، وقام بتأليف كتبٍ ثلاثة، هي على الترتيب: «العاديات اليهودية»، ويتناول فيه تاريخ بني إسرائيل، ثم «الحروب اليهودية»، ويعالج فيه ثورات القبائل الإسرائيلية بفلسطين ضد الحكم الروماني، أما الثالث — وهو الأهم لموضوعنا — فهو الكتاب الذي وضع فيه نظريته، حول خروج بني إسرائيل من مصر، وهو الكتاب المعروف بعنوان «ضد آبيون»، وقد ألَّفه ردًّا على «آبيون النحوي السكندري» المصري، الذي كان يبغض الجنس الإسرائيلي، ويكنُّ للإسرائيليين كراهيةً شديدة ومقتًا عظيمًا، ودوَّن عنهم رواية تقول: إنهم كانوا نوعًا من الأجناس القذرة الدنسة بين بني البشر، وإنهم عاشوا في مصر عبيدًا، دون أن يتعلَّموا من أهلها قواعد النظافة والتطهر، فأصابتهم علل القذارة، مثل البرص والقراع وما يشوب الجلد من قرح، فلما خشي المصريون تفشِّي الوباء بينهم «طردوهم من بلادهم» وقادهم في رحلة خروجهم من مصر إلى فلسطين عبر سيناء، ذلك الشخص المدعو «موسى».

وقد رد «يوسفيوس» اليهودي على «آبيون النحوي» المصري في كتابه: «الرد على آبيون»، ليؤكد أن هؤلاء الأنجاس الدنسين، لم يكونوا سوى الهكسوس، الذين دخلوا مصر بلد آبيون المصري غزاةً فاتحين، حكموها كملوك ولم يعيشوا فيها كعبيد، ولم يكونوا أنجاسًا ولا ملاعين، وقد دعم «يوسفيوس» رده هذا بكلام المؤرخ المصري «مانيتون السمنودي»، وكان «مانيتو» كاهنًا مصريًّا، عاش زمن الملك «بطلميوس الثاني» ملك مصر، الذي حكم حوالي عام ٢٨٣–٢٤٦ق.م. ودوَّن تاريخ بلاده باللغة اليونانية، بتكليفٍ من ذلك الملك، ليقدم للإغريق صورة عن تاريخ مصر.

وقد تمكن «مانيتو» بجهدٍ وحذق، وبمعرفته بلغة بلاده وباللغة الإغريقية، أن يتابع بمهارةٍ نقوش مصر القديمة ومدوناتها الحجرية والبردية، التي كانت قائمة حتى زمانه، وأن يجمع منها تاريخًا متكاملًا لوطنه، هذا إضافة إلى سبعة كتبٍ أخرى، جاءنا منها فقط بعض أسمائها، ومنها «تون فيزيكون أبيتومه» وخصصه للاهوت المصري والقصص الديني في التكوين والخلق، وكتاب «في صنع بخور المعابد»، وكتاب في التقويم المصري والتقسيم الزمني بعنوان «كتاب الشعرى اليمانية سيتوس»، إلا أن الكتاب الذي حاز الشهرة، ونقل عنه المؤرخ اليهودي «يوسفيوس»، ويعد عمله الرئيس، هو كتاب تاريخ مصر «إيجبته ياكا»، وهو مصنف في مجلداتٍ ثلاثة، يغطي المجلد الأول منها تاريخ الأسرات المصرية الحاكمة الأولى، من الملك «مينا» موحد القطرين حتى الأسرة الحادية عشرة، ويتناول المجلد الثاني المساحة الزمنية الممتدة ما بين الأسرة الحادية عشرة وبين الأسرة العشرين، ثم يتابع معالجة بقية الأسرات في المجلد الثالث، الذي ينتهي عند حكم آخر ملك مصري وطني، وهو الذي أسماه «نيكتا نيبوس».

وقد ألف «مانيتو» كتابه «إيجبته ياكا» باللغة اليونانية، لكن لسوء الحظ لم تصلنا منه أية نسخة، سوى تلك الشذرات التي نقلها عنه «يوسفيوس» في كتابه «الرد على آبيون»، إضافة إلى ما نقله آخرون مثل «يوليوس الأفريقي/أفريكانوس» (ت ٢٢٠م)، و«سنكلوس» (ت ٨٠٠م) في كتابه «تاريخ العالم من الخليقة حتى دقلديانوس».

ومن الجدير بالتنويه هنا، أن خبر نجاسة الجنس الإسرائيلي وإصابته بأوبئة عدم النظافة، لم يكن بدعًا من «آبيون» المصري، حيث نجد بعد ذلك حوالي عام ٩٠٠م، ترجمة عربية لكتابٍ قديم ألَّفه كاهنٌ كنسي هو «هروشيوش» أو «أورسيوس» باسم «تاريخ العالم»، بتكليفٍ من القديس المسيحي «أوغسطين» شخصيًّا، يقول فيه «هروشيوش» نقلًا عن مؤرخٍ قديم باسم «قرناليس»:
قال قرناليس: اتفقت دواوين أصحاب الأمر، على أنه أصابت القبط (المقصود هنا المصريين [المؤلف]) جوائح أفسدت أبدانهم، وشوَّهت أجسامهم، وأن ملكهم بخوريم Boccorim رأى أن يعالج ذلك «بنفي من ظهرت عليه الجائحة» فتجمعت من المنفيين جماعات، كان على رأسهم رجل يدعى موسى، حضَّهم على أن يتخلوا عن الاستنصار بالأوثان، ويتبرءوا من عبادتها، ويفوِّضوا أمرهم لرب السماء لينصرهم ويشفيهم من دائهم.١

والواضح في تأريخ «هروشيوش»، أنه لا يرى الإسرائيليين جنسًا يتميز بذاته، قدر ما يحتسبهم «صنفًا من المصريين» أصابهم وباءٌ مُعدٍ، فنفاهم أهلوهم خارج البلاد، تحسُّبًا من انتشار المرض بين بقية المصريين.

وفي رده على «آبيون»، يؤكد لنا «يوسفيوس» أنه سينقل عن «مانيتو» المصري بكل أمانة، حتى إنه سينقل ذات الكلمات بالحرف، وهو بصدد ذلك يروي الراوية التالية:

«توتيمايوس» في عهده، لسببٍ لا أعرفه، حلَّت بنا ضربة الإله، وفجأة، تقدم في ثقةٍ بالنصر، غزاة من إقليم الشرق، من جنسٍ غامض، إلى أرضنا، واستطاعوا بالقوة أن يتملَّكوها بسهولة، دون أن يضربوا ضربةً واحدة.

ولما تغلبوا على حكام الأرض، أحرقوا مدننا بغير رحمة، وقوَّضوا أرض معابد الآلهة، وعاملوا المواطنين بعدوانٍ قاسٍ، فذبحوا بعضهم، وساقوا زوجات آخرين وأطفالهم إلى العبودية، وأخيرًا عيَّنوا واحدًا منهم ملكًا يدعى «سالاتيس»، وكان مقره ممفيس، ففرض الضرائب على مصر العليا والسفلى، وكان يخلف وراءه حاميات في الأماكن الهامة.

وفي المقاطعة السيتورية، وجد مدينة ذات موقعٍ طيب «تقع على الضفة الشرقية من الفرع البوباستي للنيل» وكانت تسمى «أفاريس»، تبعًا للتراث الديني المصري، فأعاد بناء هذا المكان، وحصَّنه بأسوارٍ ضخمة، ومات سالاتيس بعد أن حكم تسعة عشر عامًا.

وخلفه ملكٌ آخر يدعى «بنون»، حكم أربعة وأربعين عامًا، تلاه بعدها «أباخنان» الذي حكم ستة وثلاثين عامًا وسبعة شهور، ثم «أبوفيس» الذي حكم واحدًا وستين عامًا، ومن بعده «ياناس» مدى خمسين سنة وشهرًا واحدًا، وأخيرًا جاء «أسيس» الذي حكم تسعة وأربعين عامًا وشهرين.

وهؤلاء الملوك الستة، هم أول من حكم منهم، وكانوا يعملون جاهدين أكثر فأكثر لاستئصال العنصر المصري، وكان جنسهم عادة يسمى الهكسوس، أي الملوك الرعاة؛ لأن هيك في اللغة المقدسة: ملك، وسوس في اللغة الدارجة: راعي.٢
هذا؛ وقد نقل «يوليوس الأفريقي» بدوره عن «مانيتو»، أسماءً لستة حكام من الهكسوس، قال: «إنهم حكام الأسرة الخامسة عشرة»، وأضاف أنهم «فينيقيون»، وإن أوردهم بنطقٍ مختلف قليلًا عما أورده «يوسفيوس»، وبالمقارنة يصبحون كالتالي:
  • الأول: عند يوسفيوس — «سيتلاتيس» Sutchlatis  
    وقد حكم تسعة عشر عامًا، ويبدو أن تلك الأسماء القديمة كانت غير واضحة تمامًا أو دقيقة لزمن هؤلاء المؤرخين؛ لذلك أسماه يوليوس الأفريقي «سيتيس» وأعطاه ذات المدة الزمنية للحكم، وكما هو واضح فالاسم هو «الستي»، نسبة إلى الإله سيت المصري رب الصحاري Sutch/set، ونظرًا لوجود أسماءٍ هكسوسية أخرى في الآثار المصرية، تكتشف على التتابع، فقد تمت مطابقة واحد من هؤلاء جاء ذكره في قائمة منف، وتمت قراءة اسمه «شارك» أو «شالك» أو «شليك»، بالملك «سيتلاتيس» أو «سيتيس»، ويحتمل أنه هو ذات الاسم الوارد بالآثار المصرية «مي إيب رع شيشتي».٣
  • الثاني: دونه يوسفيوس بالنطق بنون Benon  
    ويرجِّح المؤرخون أنه ذاته الذي ورد في بردية تورين بلفظ بنيم، ويحتمل أيضًا أنه هو من جاء اسمه على بعض الآثار مكتوبًا «سكا»، وبالنظر إلى الكلمة الهيروغليفية لاسمه، وتتضمن صورة لرجلٍ يدفع محراثًا؛ ولأن الكلمة «سكا» في الساميات وضمتها العربية، تعني سلاح المحراث، فربما كان يعني «الحارث»، كما سنرى في داخل هذا البحث أن «سكا» هي «إسحاق»، وهو اسمٌ ساميٌّ معلوم، وقد وردت سكا في الآثار هكذا ، وقد ذكره يوليوس الأفريقي أيضًا باسم بنون وبذات مدة الحكم.
  • الثالث: كتبه يوسفيوس: «أبا خنان» أو أبخناس Ibikhnas، وربما كانت تعني «أبا الغنم» من «خنم» المصري، فنحن نجد إلهًا مصريًّا قديمًا باسم «خروف»، ويُرسَم خروفًا ويُكتَب «خنوم» و«خنوف»، هو الذي كان يشكل البشر من صلصالٍ كالفخار في العقائد المصرية القديمة، ويرجِّح المصرولوجيون، أن يكون هو الوارد في الآثار المصرية باسم «نب خبش رع » والمعروف بلقب «أبوفيس الأول »، وأعطاه يوسفيوس مدة حكم تصل إلى ستة وثلاثين عامًا، وأطلق عليه يوليوس الأفريقي اسم «بخنان»، مع مدة حكم مُضاعفة، فقد حكم مدة واحد وستين عامًا.

    والمعلوم أن «أبوفيس» هو الاسم المصري للحية الثعبانية الأفعى الضخمة «الأفعوان»، وهو في الأساطير المصرية إله شرير، يقوم الإله رع بقتله وينطق اختصارًا أبيبي، وهو المقابل المصري لذات الأفعى في المأثورات السامية، التي وردت باسم لوياثان، وقد وجدت مدونة في آثار مدينة أوغاريث على الساحل السوري، وقد تكفل بقتلها الإله بعل الكنعاني/الفينيقي، كما وردت في التوراة، وتكفل بقتلها رب التوراة يهوه.

  • الرابع: عند يوسفيوس يحمل اللقب مباشرة «أبوفيس Ibuphis وهو أبوفيس الثاني/أبيبي» وقد أعطاه يوسفيوس مدة حكم واحد وستين عامًا، ومن المحتمل أن يكون هو عاقنن رع أي «الحمار الشجاع»،٤ وسنعرف فيما بعدُ أن الهكسوس قد عبدوا الرب الشيطاني سيت، وأنه ضمن تمثلاته التجلي في هيئة الحمار الأحمر اللون، ومن هنا أطلق عليه يوليوس الأفريقي اسم «ساتان/ستان»، وجعل مدة حكمه خمسين عامًا، ومن جانبنا نرى أن «ستان» هو «شيطان» في العربية، كما سنرى داخل هذا العمل.
  • الخامس: عند يوسفيوس هو: يان-س Jaynas/جون، ويحتمل أنه المذكور في الآثار باسم «خيان» Khayan، وقد حكم عند يوسفيوس خمسين عامًا، وقد تأكد أنه الذي حمل اللقب المصري «سازوسر إن رع»/ابن رع، بعد أن عثر السير آرثر إيفانز سنة ١٩٠١م بقصر كونسوس في كريت، على غطاءٍ مرمري يحمل الاسم «سازوسر إن رع» مع «خيان»، في خرطوشٍ واحد،٥ كذلك عثر على ذات الأسماء على صدر أبي هول صغير جيء به من بغداد.٦

    وفي المأثور التاريخي العربي حديث عن ملك حكم مصر باسم «الريان»، وهو ما يلتقي مع الاسم «إيان» أو «يان-س»، وكان الريان في المأثور العربي من ملوك العرب، الذين حكموا مصر باسم العمالقة، وهو أمرٌ سنتعرض له فيما بعدُ بالتفصيل.

    وهكذا فإن خيان أو يان بالتأكيد كان هو سازوسر إن رع إلا أن يوليوس الأفريقي أطلق عليه اسم أرخليس، وأعطاه مدة حكم تصل إلى تسعة وأربعين عامًا.
  • السادس: يكتبه يوسفيوس أسيس، وأعطاه مدة حكم واحدًا وستين عامًا، وربما كان هو المذكور في الآثار باسم «عاوسر رع»، وهو اسم مصري انتقل إلى الساميين في المسميات «عازر» و«عزرا» و«عزير»، ناهيك عن كون اسمه «أسيس» هو «عزيز»، وقد دونت الآثار المصرية اسمه عاوسررع هكذا ، لكنا نعلم من يوليوس الأفريقي أنه قد حمل اللقب أبوفيس، ويصبح بذلك أبوفيس الثالث، وقد أعطاه يوليوس ذات مدة الحكم، ويعتبر آخر حكام الهكسوس الستة، ويحتمل أنه الوارد بلقب خمودي أو حمودي في بردية تورين.٧

ويمكن تلخيص ذلك في الجدول التالي:

م اسم الملك عند يوسفيوس مدة حكمه اسم الملك عند يوليوس الأفريقي مدة حكمه الاسم كما ورد في الهيروغليفية المصرية تخريج الاسم [للمؤلف]
١ سالاتيس = «شالاد» ١٩ سايتيس = «سيت» ١٩ مي إيب رع شيشي، ربما هو شليك = أو شارك الستي
٢ بنون = «بيبون» ٤٤ بنون ٤٤ بنيم سكا سكا = إسحاق = الحارث
٣ أباخنان = «أبو فيس الأول» ٣٦ بخنان ٦١ نب خبش رع أبو فيس أبو الغنم
٤ أبو فيس الثاني ٦١ ستان ٥٠ ابيبي أبو فيس عاقنن رع الشيطان
٥ يان-س ٥٠ أرخليس ٤٩ خيان = سازوسر إن رع الريان
٦ أسيس = «أبو فيس الثالث» ٦١ أبو فيس ٦١ عاوسر رع = خمودي عزيز = حمودي
لكن المربك في الأمر هو وجود أسماء أخرى في الآثار للهكسوس، غير تلك التي تمت مطابقتها مع لائحة الملوك الستة لمانيتو، وتلك الأسماء يحمل بعضها لقب «حقا خاسوت»، أي الهكسوس بالنطق المصري، منهم واحد باسم سمقن وآخر باسم «عنات» هر، وأسماء أخرى تحمل لقب «الإله الطيب» وردت على جعارين، وهم حوالي ثمانية ينتهي اسم كل منهم باسم إله الشمس المصري رع، ومجموعة أخرى تحمل لقب «ابن الشمس»، مثل ابن الشمس «يعقوب» هر، وابن الشمس «عامو»، وابن الشمس قار، ولا حل سوى القول إن هؤلاء جميعًا شيوخ قبائل (والتوراة تشير لشيوخ القبائل باعتبارهم ملوكًا)، وأنهم كانوا من الشيوخ البارزين في الطاقم الهكسوسي المتميز، فحازوا مكانةً تركت بموجبها أثرها فيما وصلنا من آثار؛ وهو الأمر الذي انتهى إليه جاردنر في تفسير هذا اللغز، وأوضحه (محمد بيومي مهران) في قوله عن الأسماء الهكسوسية الواردة في بردية تورين بقوله: «إن الحصر الإحصائي للبردية، يضم ملوكًا كثيرين كانوا موجودين معًا في وقتٍ واحد، ومن المحتمل أنهم كانوا في أنحاءٍ متباعدة من البلاد، وينظر إليهم كمجرد رؤساء لقبائلَ آسيويةٍ مختلفة وعديدة، متجمعين تحت لواء ملك الهكسوس الكبير.»٨
المهم أن «يوسفيوس» يتابع روايته عن الهكسوس، نقلًا عن «مانيتو»، فيقول: إن الحال قد استمر كذلك حتى قام الفرعون المصري «تثموزيس» Tethmosis بالتمرد عليهم، وطردهم من بلاده في حربٍ هائلة،٩ حيث لم يكن حكام الهكسوس قد تمكنوا من القضاء على الحكم المصري الوطني، المتحصن طوال الوقت في طيبة جنوبي مصر؛ أولئك الذين خاضوا حربًا طويلة ضد الهكسوس، وبعد أن استمر الاحتلال خمسمائة عام وإحدى عشرة سنة، تمكن «تثموزيس» من طرد المحتلين، فانسحبوا إلى سوريا (يقصد بسوريا كل بلاد الشام شرقي المتوسط [المؤلف])، حيث أسسوا هناك المدينة المعروفة باسم أورشليم.١٠

ولما كان «مانيتو» قد زعم أن البعض اعتبر الهكسوس عربًا، وأن البعض الآخر رآهم فينيقيين، فقد رأى «يوسفيوس» من جانبه أن خروجهم من مصر إلى يهوذا تحديدًا وتأسيسهم أورشليم بالذات، وصفتهم كعرب «بدو ساميين»، وكفينيقيين، شواهد قاطعة على أنهم كانوا من بني إسرائيل، وأنهم دخلوا مصر ملوكًا ولم يدخلوها عبيدًا أبدًا.

ويستمر «يوسفيوس» ناقلًا عن «مانيتو»: أن الهكسوس تركوا منهم بقايا لم يستطيعوا الفرار، فوقعوا أسرى بيد المصريين، حيث سيموا العذاب الطويل، وفرضت عليهم السخرة انتقامًا منهم، «وبعد أن قضى أولئك الذين أرسلوا للعمل في المحاجر، زمنًا طويلًا في تلك الحياة البائسة، طلبوا من الملك أن يخصص لهم مدينة أفاريس Avaris — وكانت قد خوت على عروشها، بعد أن تركها الرعاة الهكسوس — لتكون لهم مسكنًا ووقاءً، فاستجاب للرغبة وحققها لهم، والواقع أن هذه المدينة كانت مدينة الإله Typho تيفون/ست، وفقًا للديانة القديمة، ولكن لما دخلوها وجدوا المكان صالحًا لإشعال الثورة، فأقاموا على أنفسهم من بين كهنة هليوبوليس (أون/عين شمس) حاكمًا عليهم، وأعطوه العهد أن يطيعوه في كل شيء، وكان أول ما فعله أن سن لهم هذه الشريعة، التي بموجبها حرم عليهم أن يعبدوا آلهة المصريين، وأن يمسكوا عن عبادة أي حيوان من تلك الحيوانات المقدسة، التي يعظمها المصريون أيما تعظيم، بل أمرهم أن يقتلوها ويدمروها جميعًا، كذلك نهاهم أن ينضموا إلى أحدٍ غير رابطتهم.
وبعد أن وضع أمثال هذه الشرائع — والكثير من غيرها — المعادية في أغلبها لعادات المصريين، أمرهم أن يستخدموا ما يملكون من سواعد كثيرة، لبناء سور حول المدينة، وأن يعدُّوا أنفسهم لقتال الملك أمينوفيس Amenophis (آمنحتب Amenhotep)، أما هو نفسه فقد أنشأ صداقات «مع الكهنة الآخرين، ومن كانوا قد أفسدوهم»، وأرسل السفراء إلى الرعاة/الهكسوس، الذين كان تثموزيس Tethmosis قد طردهم من البلاد إلى أورشليم، وعن طريق السفراء أبلغهم بأحواله وبأحوال أولئك الآخرين، الذين عوملوا بكل تلك الشناعة، وطلب إليهم أن تجتمع كلمتهم، على أن يخفوا لمساعدته في حربه ضد مصر، كذلك وعدهم بأنه سيبادر إلى إعادتهم إلى مدينتهم ودولتهم القديمة أفاريس، وبأنه «سيموِّن جموعهم بالغذاء الوفير»، وبأنه «سيحميهم» ويقاتل من أجلهم، كلما دعت الحاجة إلى ذلك، «وأن في ميسوره أن يخضع البلاد لسلطانهم».
وقد اغتبط هؤلاء الرعاة بهذه الرسالة أيَّما اغتباط، وخفوا جميعًا على وجه السرعة، وكان عددهم ٢٠٠٠٠٠ رجل، وبلغوا أفاريس في وقتٍ قصير، ولما بلغ أمينوفيس ملك مصر نبأ غزوهم، اضطرب اضطرابًا عظيمًا، وتذكر ما كان قد أخبره به آمنحتب بن بابيس (آمنحتب بن حابو [المؤلف])، وبدأ يجمع حشود المصريين ويتشاور مع قادتهم، وأرسل في طلب «الحيوانات المقدسة» ليأتوا بها إليه، ولا سيما الحيوانات التي كانت معبوداتٍ رئيسية في معابدهم، وأصدر أمرًا خاصًّا وواضحًا للكهنة، أن يخفوا أوثان آلهتهم بعنايةٍ تامة، كذلك «أرسل ولده سيتوس Sethos، وكان يسمى أيضًا رمسيس Ramses من أبيه هورامبيس Rhempes إلى صديقٍ من أصدقائه، وكان الغلام لا يزال في الخامسة من عمره».
وبعد هذا سار مع بقية المصريين، وكانوا ٣٠٠٠٠٠ رجل من أعند المقاتلين، لمواجهة العدو، الذي التقى بهم في المعركة، غير أنه لم يشترك في المعركة مع رجاله، «فقد كان يعتقد أن الحرب عمل ضد الآلهة»، ولذا عاد أدراجه ووصل إلى منف Memphis، حيث أخذ أبيس (العجل المعبود) وغيره من الحيوانات المقدسة، التي كان قد طلب إحضارها له، وسار لفوره إلى إثيوبيا Ethiopia، ومعه كل جيشه وحشود المصريين، فقد كان ملك إثيوبيا تحت ولايته، فاستقبله ورعى كل من كان معه من الحشود، بينما قدمت تلك البلاد كل الغذاء الكافي لرجاله، كذلك خصص مدنًا وقرًى لهذا المنفى، الذي كتب له أن يكون في بدايته، «خلال تلك السنوات الثلاث عشرة التي قضى بها القدر»، كذلك كرس معسكر الجيش الإثيوبي، ليتولى حراسة الملك أمينوفيس عند حدود مصر.
هذه كانت حال الأمور في إثيوبيا، أما «شعب أورشليم» فعندما نزلوا مع «المصريين الفاسدين»، عاملوا الرجال بوحشيةٍ بالغة، جعلت كل من رأى قهرهم للبلاد المذكورة، وما ارتكبوه من فظائعَ بشعة، يستنكر فظائعهم أشد الاستنكار، فهم لم يكتفوا بإحراق المدن والقرى، بل استمرءوا خطيئة تدنيس الأحرام وتحطيم الأوثان، وأشعلوا النيران في التماثيل المقدسة، واستخدموها في شي الحيوانات المقدسة، وأرغموا الكهنة والأنبياء على أن يكونوا الجلادين، الذين يذبحون تلك الحيوانات، كذلك قيل إن الكاهن الذي وضع سياستهم وشرائعهم، كان بالمولد من هليوبوليس، وكان اسمه «أوزرسيف Osarsiph» (المأخوذ من اسم إله هليوبوليس أوزيريس Osiris).
وبعد هذا عاد أمينوفيس من إثيوبيا بجيشٍ عظيم، وكذلك ابنه هورامبيس بجيشٍ آخر، واشتركا معًا في قتال الرعاة والناس الفاسدين، وهزموهم وفتكوا بعددٍ عظيم منهم، وطاردوهم حتى سوريا.»١١

وهنا وجد «يوسفيوس» الدليل الأقوى في مجموعة أحداث، تتشابه في بعضها مع قصة التوراة عن الخروج، أما الأقوى والحاسم في الأمر، فهو «أوزرسيف» الذي رأى فيه «يوسفيوس» شخص موسى نفسه، ومن ثم انتشرت تلك القصة عن «يوسفيوس» في العالمين الإغريقي والروماني، وظلت زمنًا طويلًا يمتد قرونًا، التفسير شبه التاريخي، شبه الموثق، لقصة الخروج، المؤسسة على المزج بين الهكسوس وبين بني إسرائيل ومن ثم «كان ذلك كافيًا لتفسير عدم ذكر المصريين في نصوصهم لبني إسرائيل، ودخولهم أو خروجهم من مصر؛ لأن مصر قد عرفتهم بالفعل، وعرفت أنهم دخلوها وأنهم خرجوا منها، ولكن باسم الهكسوس».

وهنا يضيف «يوسفيوس» إلى تلك الرواية خبرًا غريبًا يجب أخذه بحذر، وذلك في كتابه «العاديات اليهودية»، نوجزه في قوله: عندما كان موسى في مصر حدثت حرب بين مصر وإثيوبيا، واشترك موسى في المعركة كضابط بالجيش المصري، ووصل الإثيوبيون حتى تخوم منف، لكن موسى ببراعته حاربهم مع رجاله، ودحرهم حتى عادوا ديارهم، وحاصر مدينتهم، وهناك من على الأسوار، رأته بنت ملك إثيوبيا، فدخل حبه إلى قلبها، فأرسلت تخطبه لنفسها، وهنا ساومها موسى على الحب مقابل استسلام مدينتها.

ثم يؤكد يوسفيوس رغبة الآلهة المصرية في التحالف بين المصريين والإسرائيليين بقوله: «فلما وصل الغزاة الإثيوبيون إلى أبواب منف، لجأ المصريون لاستشارة الآلهة، طلبًا للنبوءة واستلهام الوحي، وإذا النصيحة تأتي من الإله أن اتخذوا من اليهودي حليفًا.»١٢ وهي الرواية التي قصد منها الالتقاء بما ورد في التوراة، حول زواج موسى من امرأةٍ كوشية/زنجية سوداء، وجاءت الإشارة إليها في حكاية التوراة السريعة المختصرة المبتسرة «وتكلمت مريم وهارون على موسى، بسبب المرأة الكوشية، التي اتخذها؛ لأنه كان قد اتخذ امرأة «كوشية»، فقالا: هل كلم الرب موسى وحده، ألم يكلمنا نحن أيضًا» (عدد، ١٢: ١-٢).

لقد حاول يوسفيوس أن يجد تعليلًا، لزواج موسى من سوداءٍ زنجية كوشية في سيناء، فقال بحربٍ بين مصر وإثيوبيا، حيث الكوش الزنوج، والتي تقع جنوبي مصر، انتهت بزواجه من بنت ملك كوش، وهو ما يتناقض تناقضًا صارخًا مع بقية روايته، التي تتحدث عن صداقة أمينوفيس/آمنحتب لملك إثيوبيا ولجوئه إلى بلاده، إبان حربه مع الغزوة الهكسوسية الثانية، التي تحالفت مع الثائر الكاهن أوزرسيف.

والواضح أن المحرر قد استخدم كلمة إثيوبيا مرتَين، للدلالة على العنصر الأسود وليس على المكان؛ لأننا سنرى في هذا البحث أن إثيوبيا التي لجأ إليها الفرعون جنوبي مصر أمر، وإثيوبيا التي كانت في حالة عداء مع الفرعون آنذاك أمر آخر وموضع آخر، موضع ضم عددًا من الأجناس من بينها الزنج (الكوشيون)، ناهيك عن كوننا نعلم أن موسى تزوج صفورة بنت يثرون، أو رعوئيل كاهن مديان بسيناء، «ولا شك لدينا أنها هي ذاتها التي وصفت بكونها زنجيةً كوشية، وهو ما سيتأكد مع السير في بحثنا هذا قدمًا».

وهكذا يمكن تفصيل المكونات الرئيسية لنظرية مانيتون، حسب رواية يوسفيوس في عناصرٍ هامة أبرزها:
  • أن فرعون مصر زمن غزو الهكسوس لمصر كان باسم «توثيما يوس»، وهو ما يغطي لنا صمت الوثائق المصرية عن الحديث، بشأن اسم الفرعون المصري زمن غزو الهكسوس، ولو مؤقتًا.

  • أن الهكسوس كانوا هم ذات عين الإسرائيليين، وأنهم ربما كانوا عربًا أو فينيقيين.

  • أنهم أقاموا عاصمةً عسكرية في مدينة باسم أفاريس/أواريس/حواريس/حويرة على مختلف الألسن القديمة/هوارة بالعربية/حاوعرة بالمصرية القديمة.

  • أنهم عبدوا هناك الإله المصري رب الصحاري وسيد الشر «سيت» بالنطق المصري، أو «سوتخ» أو «سوتتش» بالنطق الهكسوسي، وهو من أطلق عليه اليونان اسم «تيفون» رب الأوبئة والدمار.

  • أن فرعون باسم «تثموزيس» كما نقل يوسفيوس، أو «آموس» كما كتبه يوليوس الأفريقي، قد حاربهم وطردهم من مصر، فانسحبوا منها إلى فلسطين، وأقاموا في إقليم يهوذا الجنوبي، وأسسوا هناك مدينة أورشليم.

  • بقي من الهكسوس في مصر أسرى بعددٍ غفير، واستخدمهم المصريون في الأعمال الشاقة، وفي زمن آمنوفيس/آمنحتب (دون تحديد أي أمنحتب هو بين المناحتة)، التمسوا فيه بعض الرحمة، فطلبوا منه أن يمنحهم لسكناهم مدينة الهكسوس القديمة أفاريس، فمنحهم المدينة ليسكنوها، وهناك لحق بهم كاهنٌ مصري من كهنة عين شمس يدعى أوزرسيف، الذي ربما كان هو موسى ذاته، وقد استولى على قيادة أمرهم، ووضع لهم شرائعَ جديدة، تخالف كل شرائع المصريين.

  • أن هناك «غزوةً هكسوسية ثانية»، حدثت زمن نفس الملك المصري آمنحتب/آمنوفيس، جاءت من خارج الحدود الشرقية، متحالفة مع ثورة أسرى أفاريس وزعيمها أوزرسيف في الداخل، «وعادةً لا يأخذ المؤرخون المحدثون قصة الغزوة الهكسوسية الثانية، التي أشار إليها يوسفيوس نقلًا عن مانيتون مأخذ الجد أو حتى الاعتبار».

  • أن فرعون مصر آنذاك آمنوفيس/آمنحتب، كان له ولد، والغريب أن الرواية هنا شديدة الالتباس والغموض، فهذا الولد مرة اسمه «سيتوس»، ومرة أخرى «رمسيس»، ومرة ثالثة «هورامبيس».

  • «أن هذا الصبي الملكي قد استبعد من مصر وهو طفلٌ صغير»، حرصًا على حياته عند أصدقاء أوفياء للملك، وكان عمره حينذاك لم يتجاوز بعدُ «الخمس سنوات».

  • أنه كان في حواريس مع بقايا الهكسوس الأسرى «عنصرٌ مصريٌّ منفي بدوره» لأسبابٍ غير معلومة، ووجود هؤلاء في مدينة العبيد الأسرى مع زعيمهم أوزرسيف لم يزل لغزًا محيِّرًا غير محلول.

  • أن الرعاة قد هزموا للمرة الثانية، وتم طرد الحملة الهكسوسية الثانية إلى فلسطين أمام دفاعات الجيوش المصرية التي قادها آمنحتب/آمنوفيس، وولده ذو الأسماء الثلاثة، بعد أن يفع ونضج وأصبح قائدًا عسكريًّا مظفرًا، والمفترض أنه آنئذٍ كان يبلغ من العمر ثمانية عشر عامًا، حيث استُبعد وله من العمر خمس سنوات، وعاد بعد ثلاثة عشر عامًا حسب رواية يوسيفيوس ليحارب مع أبيه ضد الغزاة.

زمن الغزو الهكسوسي لمصر

من المعلوم أن الوثائق المكتشفة في تاريخ مصر القديمة، لم تمدنا حتى الآن بتحديدٍ دقيق لزمن غزو الهكسوس مصر، ولا من هم الهكسوس ولا جنسهم، ويقول لنا «محمد بيومي مهران»: «ولقد اختلف المؤرخون القدامى منهم والمحدثون، في تقدير مدة حكم الهكسوس في مصر، فهناك من وصل بها إلى أكثر من تسعة قرون، بينما نزل بها آخرون إلى قرنٍ واحد.»١٣

وكل ما نعلمه عن محاولات المصرولوجيين تزمين وقت غزو الهكسوس لمصر، أنها قد اتفقت على مجيء الهكسوس بعد سقوط الأسرة الثانية عشرة آخر أُسر الدولة الوسطى حوالي عام ١٧٨٨ق.م. وأن الاحتلال قد استغرق خمس أسر حاكمة هي: ١٣، ١٤، ١٥، ١٦، ١٧، حتى مجيء فراعنة التحرير من الأسرة السابعة عشر وأشهرهم «أحمس» آخر ملوك الأسرة ١٧، ومؤسس الأسرة الثامنة عشرة، حوالي عام ١٥٧٥–١٥٥٠ق.م. والتي تعد الأسرة الأولى في سلسلة أسر الدولة الحديثة (الإمبراطورية).

ولما كان سقوط الأسرة الثانية عشرة، قد حدث حوالي ١٧٨٨ق.م. فقد اعتبر ذلك هو التاريخ المرجَّح للغزو الهكسوسي لمصر، وبذلك يكون مجموع سنوات حكم الهكسوس لمصر، إضافة للأسر المصرية الحاكمة التي لم تقع تحت النير الهكسوسي، أو التي ظلت تحكم تحت سيطرتهم، لا تتجاوز ٢٣٨ سنة، وإن كان التقدير الدقيق في ترجيح المصرولوجي «جاردنر»، لا يتجاوز «٢١٥ سنة».١٤

وتشمل هذه المدة خمس أسرٍ كاملة، وهو التقدير الذي يخالف بشدة الزمن الذي رصده «مانيتو» لذات المدة، وقدره بحوالي ١٧٧٠ سنةً، منها ٥١١ سنةً للحكم الهكسوسي، و١٢٥٩ سنةً لأُسرٍ مصرية، تقع جميعًا بين نهاية الأسرة الثانية عشرة، وبداية الأسرة الثامنة عشرة.

والمشكل في الأمر هنا، أن المؤرخين — أنفسهم — الذين رصدوا زمنًا قدره ٢٣٨ سنة لمجموع الأسر الخمس، يعترفون بعسر قبول ذلك، حيث الزمن قصير جدًّا بالنسبة لعدد الأسر، التي تراكمت إبَّانها في الحكم، ولما لم يجدوا حلًّا لهذه المشكلة، نظرًا لاعتمادهم في ذلك التقدير على معطياتٍ آثارية، ومتشابكات ومتزامنات لا تسمح بغير ٢٣٨ سنة للأسر الخمس، فقد لجئوا لحل المعضل، بما ذهبتْ إليه — كمثالٍ موجز — موسوعة تاريخ العالم، مستندة إلى «مانيتو» مرةً أخرى، بالقول إن مصر انقسمت أقاليم في ذلك الزمان، «وتعاصرت الأسر المختلفة في الحكم على تلك الأقاليم»، فحكمت الأسرة المصرية الثالثة عشرة في طيبة متحصنة هناك، بعيدًا عن يد البطش الهكسوسي، وفي ذات الوقت تعاصرت معها أسرةٌ مصرية، حكمت في سخا بوسط الدلتا، كانت خاضعة تمامًا للهكسوس، هي الأسرة الرابعة عشرة، أما الأسرتان الخامسة عشرة والسادسة عشرة، فكانت أسرًا هكسوسيةً خالصة، حكمت خلال ذات الزمن والمدة المرصودة، ثم قامت الأسرة السابعة عشرة في طيبة، بعد سقوط أسرتها الملكية عند الغزو، وهي الثالثة عشرة، وهي الأسرة التي قاد ملوكها الأماجد، حملات التحرير ضد الهكسوس. وبطرد الهكسوس على يد أحمس أحد رجال تلك الأسرة العسكريين، تأسست معه وبداية به، الأسرة الثامنة عشرة، أولى أسرات الدولة المصرية الحديثة، دولة الإمبراطورية.

أما «جاردنر» فوضع حلًّا لمشكلة الحجم الزمني الضئيل، لمجموع الأسر التي أخبرنا التاريخ بها، فافترض بداية أن هناك امتدادًا للدولة الوسطى، خلال أسرتَين مصريتَين حكمتا لمدة ١٠٧ سنوات، هما الأسرة الثالثة عشرة الضعيفة، والأسرة الرابعة عشرة التي استغرقها حكم الفرعون القوي «نفر حوتب» ، الذي حاول ترميم ضعف الأسرة السابقة، وبنهاية «نفر حوتب» جاءت غزوة الهكسوس، التي شكلت الأسرة الخامسة عشرة، التي دام حكمها في رأي «جاردنر» ما لا يزيد عن ١٠٨ سنوات، وحكم خلالها الملوك الستة الذين أشار إليهم «مانيتو»، لكن «جاردنر» اعتبر «مانيتو» مضلِّلًا في قوله إنهم أول الملوك الهكسوس الأقوياء؛ حيث اعتبرهم «جاردنر» هم كل من حكم مصر من ملوك الهكسوس، وقد استند «جاردنر» في ذلك، إلى ما جاء في بردية تورين، التي ذكرت ستة ملوك هكسوس حكموا مصر لمدة ١٠٨ سنوات.
ثم قام «جاردنر» بإلغاء أسرتين هما السادسة عشرة والسابعة عشرة دفعةً واحدة، واعبر وجودهما خطأً من «مانيتو»،١٥ ومن ثم أعاد ترتيب الأوضاع كالآتي:
الأسرة ١٣، ١٤ أسر مصرية صميمة
الأسرة ١٥ أسرة هكسوسية
الأسرة ١٦، ١٧ غير موجودة أصلًا

وعليه لن يكون هناك سوى ثلاث أسر فقط وليس خمس، تقع في الفترة ما بين سقوط الدولة الوسطى وبين قيام الدولة الحديثة، وقد عمد «جاردنر» وهو بسبيل إثبات خطأ «مانيتو» إلى مقارنةٍ تاريخية، بتأريخ عالمٍ رصين هو «إدوارد ماير»، الذي انتهى بعد دراسته للتأريخ بحسب النجم سايروس/الشعرى اليمانية، حيث جرى تزمين المصريين لتأريخهم بحسابات ظهوره واختفائه، وقال «ماير» أن أبعد نقطة يمكن الوصول إليها في تزمين بداية أول أسرة مصرية حاكمة، لا تبعد عن عام ٣٢٠٠ق.م.

ومن المعلوم أن هناك ثلاثة جداولَ أخرى للملوك، تم اكتشافها وترجمتها، تحصر لنا ملوك مصر عبر الأسرات الحاكمة، وهي: جدول أبيدوس المنقوش على جدران المعبد الكبير بالعرابة المدفونة (أبيدوس)، وجدول سقارة الذي عثر عليه «وبدي جونيري» عام ١٨٦١م، في مقبرة رئيس عمال منف، وجدول الكرنك المنقوش بمعبد طيبة، وقد اشتركت الجداول الثلاثة في الاتفاق على عدم تسجيل عدد من الملوك، اعتبرهم المصريون غير شرعيين، وهو ما جرى على ملوك الهكسوس من الأسرة الخامسة عشرة حتى السابعة عشرة، «كما لوحظ استبعاد الجداول الثلاثة لملوك أسرة العمارنة بدورها، والتي تمثل «آمنحتب الرابع» المعروف باسم «إخناتون»، وخلفائه المباشرين من أعضاء أسرته».١٦

وقد علل المصرولوجيون ذلك بمروق إخناتون الديني، بحيث اعتبرت فترة حكمه لا تقل سوءًا وكراهية عن فترة حكم الهكسوس، لكن السؤال هنا الذي يقف بلا إجابة: إذا كان ذلك جائزًا بحق «إخناتون» نفسه، فكيف يجوز بحق أخلافه الذين عادوا إلى عبادة آمون، وانتقلوا من «أخت آتون» بالعمارنة إلى «طيبة» مرةً أخرى، وهم الفراعنة سمنخ كارع وتوت عنخ آمون وآي؟ إن المسألة بحاجةٍ إلى تفسير أكثر إقناعًا من ذلك، المهم أن سقوط أسرة العمارنة من تلك الجداول، أدى بالمؤرخين قبل اكتشاف تل العمارنة ومعرفة تلك الأسرة، إلى الوقوع في أخطاءٍ شديدة، «حيث كانت هناك فجوةٌ تاريخيةٌ هامة بل وخطيرة غير معلومة لديهم بالمرة».

وعملًا بقاعدة إهمال المصريين تدوين ملوك بعينهم، مع سني حكمهم، نجد جدولي الكرنك وأبيدوس — كمثال — لا يوردان إطلاقًا أي ذكر لحكام الأسرة ١٣، ١٤، ١٥، رغم أن جدول الكرنك ذكر ملوكًا من الأسرة الحادية عشرة لا يستحقون ذكرًا، وسجل أسلاف الملك «أحمس» في الأسرة ١٧، وهم غير مهمين بالمرة، كذلك سجل جدول أبيدوس ملوكًا لا قيمة لهم إطلاقًا من حكام الأسرة الثامنة عشرة، وإذا أخذنا بقاعدة الإهمال في التدوين؛ لأن الملوك في تلك الحال غير شرعيين أو أجانب، «فينبغي في تلك الحال اعتبار حكام الأسر ١٣، ١٤، ١٥ حكامًا غير شرعيين، ويجب أن نستنتج أنهم لا بد كانوا هكسوسًا».

وهكذا كانت الخدعة المبيتة في التاريخ المصري، والتي تأكدت لنا في محاولة الفهم: لماذا اعتبر «مانيتو» أن «هورامبيس» الذي يجب — بمطابقة الأسماء — أن يكون هو الفرعون «حور محب» آخر ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وأول ملوك الأسرة التاسعة عشرة؟ وجاء بعد انتهاء حكم أسرة العمارنة، يجب أن يكون «هورامبيس» هذا ابنًا مباشرًا للفرعون «آمنحتب»؟ والإجابة هي أن الفرعون السابق مباشرة لحور محب، بعد حذف ملوك العمارنة الأربعة الذين لم تدونهم جداول الملوك المصرية هو «آمنحتب الثالث»، ومن ثم احتسب «مانيتو» أن «هورامبيس» أو «حور محب» ابنًا ﻟ «آمنحتب الثالث»، بينما تقف بين آمنحتب الثالث وبين حور محب، أسرة حاكمة كاملة هي أسرة تل العمارنة.

المهم أن ذلك كله يشير إلى قدرٍ كبير من الصدق التاريخي في تاريخ «مانيتو»، لكنه لا يعني من جانبٍ آخر التسليم بكل تاريخه؛ لوقوعه في خلطٍ كبير أحيانًا، لبُعد الشقة الزمنية بينه وبين زمن الأحداث التي أرَّخ لها، لكن حتى ذلك الخلط كان يحمل خيوطًا من حقائق وأحداث، لكنها الْتبست عليه فتبدل فيها الأبطال كما تبدَّلت المواضع، وهو ما سنلمسه مع السير في خطوات بحثنا هذا.

وعليه فقد وضع «مانيتو» لحكم الهكسوس زمنًا يصل إلى ٥١١ سنة، وهو رقمٌ مبالغ فيه بعض الشيء، هذا بينما وضع مصرولوجي مثل «جاردنر» زمنًا يقع ما بين ٢١٥ سنة و١٠٨ سنوات، اعتمادًا على بردية تورين، وهو بالمقابل زمنٌ هزيل تمامًا بالنسبة لعدد الأسر ولضخامة الحدث، وما احتواه من أمورٍ جسام، «وعليه فلا مناص من محاولة تحديد مدةٍ زمنية، تتأرجح بين المدتَين المرصودتَين»، وهو الأمر الذي لا يفصل بشأنه، إلا تحديد زمن الفرعون الذي حدث الغزو إبان اعتلائه العرش، والذي ذكره «مانيتو» باسم «توثيمايوس»، أو بحذف التصريف الاسمي اليوناني «توتيماوي»، وهو ما لم يجد المصرولوجيون بشأنه أي أثر حتى الآن، ثم تحديد زمن فرعون التحرير الذي ذكره «يوسفيوس»، نقلًا عن مانيتو بالقراءة «تثموزيس»، بينما قرأه «يوليوس الأفريقي» بالرسم «آموس»، وقرأه يوسابيوس نقلًا أيضًا عن «مانيتو» باسم «آموزس»، واتفقت آراؤهم جميعًا، أنه حكم في طيبة خمسة وعشرين عامًا.

ومن الجدير بالذكر الإشارة لاتجاهٍ هام، يرى الهكسوس قد كونوا إمبراطورية كبرى، مستندين إلى العثور على اسم الملك الهكسوسي «خيان»، والمحتمل أنه ابا خنان/أبا الغنم «حنا» الهكسوسي الثالث، منقوشًا على عددٍ من الجعول، وعلى غطاءٍ مرمري عثر عليه «إيفانز» في كونسوس بكريت. و«خيان» هو الاسم الذي يلتقي مع «يان» أو «ياناس» في جدول «مانيتو»، ووجدت له آثار في سوريا وفلسطين وبغداد، وبين الآثار كان تمثال لأبي هول صغير، عثر عليه في بغداد عليه النقش: «خيان الإله الطيب سوسرن رع»،١٧ والمهم أن هذه الآثار الهكسوسية المتناثرة في مساحةٍ واسعة، ما بين الأناضول شمالًا ومصر جنوبًا، والعراق شرًا وكريت غربًا، أدت إلى استنتاج «أن الهكسوس قد أقاموا إمبراطورية كبرى، تشمل كل تلك المنطقة»، وهو الرأي الذي لا يلقى قبولًا واسعًا بين المهتمين، وهناك أعلامٌ مثل «جاردنر» يرفضون قبول تلك النظرية تمامًا.١٨
وتأتينا أول النصوص المصرية حول حرب التحرير، في نص «قصة الملك أبو فيس وسقننرع»، والتي تحكي لنا بداية المقاومة الوطنية، في عهد ملك من ملوك الأسرة السابعة عشرة، المتحصنة في طيبة جنوبي البلاد، ويدعى سقنن رع تاعا ، وكان معاصرًا لملكٍ هكسوسي يدعى «أبو فيس»، وكان الملك الهكسوسي يحكم من مقر عاصمته العسكرية «أفاريس» أو «أواريس» أو «حواريس» شمال البلاد.

وبمطابقته مع اللوحة السداسية لملوك الهكسوس يكون ترتيبه السادس بينهم، ويكون هو أبو فيس الثالث حيث سبقه إلى حمل لقب أبو فيس اثنان من الملوك الهكسوس.

وتلك القصة التي تروي ذلك الصراع من أجل طرد الغزاة، دونت بعد عصرها بزمان، في عهد الملك «مرنبتاح بن رمسيس الثاني» في الأسرة التاسعة عشرة، ويبدو عليها أنها كانت تمرينًا مدرسيًّا، وصلنا به أخطاء عديدة نتيجة جهل التلميذ، الذي نقلها عن أصلٍ لا نعرفه الآن، وبها تكرار لبعض الجمل وبعض الأحداث، وغموض في نواحٍ كثيرة، نشأ عن تهشُّم بعض أجزائها، وتقول الفقرة الأولى منها:
حدث أن أرض مصر كانت في جائحةٍ شنعاء، ولم يكن للبلاد حاكم يعد ملكًا في هذا الوقت، وقد حدث أن الفرعون سقنن رع كان حاكمًا على المدينة الجنوبية، لكن «الجائحة الشنعاء كانت في بلد العامو»، وكان الأمير أبو فيس في أواريس، وكانت كل البلاد خاضعة له، وكذلك كل حاصلاتها بأكملها، كذلك كل طيبات تميرًا (مصر)، وقد اتخذ الملك أبو فيس الإله ستخ ربا له، ولم يعبد أي إلهٍ آخر في البلاد سوى ستخ، وقد بنى معبدًا ليكون حصنًا خالدًا بجانب قصر أبو فيس، وقد كان يستيقظ كل يوم ليقرب الذبائح اليومية للإله ستخ، وكان موظفو جلالته (أي الفرعون سقنن رع) يحملون الأكاليل من الزهر، كما كان يفعل تمامًا في معبد رع حر أختي١٩ (علينا هنا ملاحظة أن قرابين سوتخ كانت ذبائح وأن قرابين الرب المصري كانت أكاليل من الزهور).
ويتوالى سرد القصة، فتروي أن حاكم الهكسوس، أراد التحرش بملك المملكة الجنوبية «طيبة/الأقصر»، فأرسل له زاعمًا أن أفراس النهر الموجودة في بحيرات طيبة، تصدر في الليل ضجيجًا يمنعه من النوم ويقلق راحته، وللأسف فإن ما تلا ذلك من أحداثٍ، ينقطع عنا بسبب التشوُّه الذي لحق بالوثيقة، وكل ما أمكن استنتاجه أن حربًا قد بدأت بين الطرفين، وأن الملك المصري الوطني سقننرع قد وقع صريعًا، وهو ما تم استنتاجه من فحص مومياء الملك، التي تقلَّصت تقلصًا شديدا، وهو ما يشير إلى آلامٍ فظيعة عانى منها سقننرع، هو في سكرات موته، وظهر بالمومياء جروح غائرة في الرأس والعنق، من المرجح أنها ضربات بلط، ولم يكن الملك قد تجاوز عامه الثلاثين بعدُ، حسب تقديرات الأطباء الذين فحصوا المومياء.٢٠
ويستنتج «محمد بيومي مهران» من ذلك نتيجة يلخصها في قوله: «إن سقنن رع قد قتل في ساحة الوغي، وإن المصريين تمكنوا من حمل الجثمان وتحنيطه، وذلك دليل على سيطرة الجيش المصري على أرض المعركة.»٢١ وفي عام ١٩٥٤م اكتشف الأركيولوجست المصري «محمد حماد» بالأقصر، لوحةً كبيرة تروى بإفاضة الجهود الحربية التي قادها «كامس» ، خليفة سقننرع ضد ملك الهكسوس أبو فيس أو «أبوبي»، الذي حمل هذه المرة لقبه المصري «عا أو سر رع خمودي»، وهو الكشف الذي دعم شبيهًا له، سبق أن كشفت عنه حفائر «اللورد كارنارفون» بحوالي خمسين عامًا، وكان لوحةً هيراطيقية تروي مراحل الصراع الأولى، وكانت بدورها نسخة نقلها كاتبها عن نصٍ تاريخيٍّ أصيل أقيم بالمعبد، وهو التعدد الذي يشير لأصالة الرواية التي تروى:

السنة الثالثة، حور الظاهر على عرشه، وصاحب الإلهتين، حور الذهبي، الذي يجعل الأرضَين مسرورتَين، ملك الوجه القبلي والوجه البحري، واز خبر رع ابن الشمس، كامس، معطى الحياة مثل رع أبد الأبدين، محبوب آمون رع سيد الكرنك، الملك القوي في ربوع طيبة، كامس معطى الحياة مخلدًا، كان ملكًا محسنًا، وقد جعله رع ملكًا حقيقيًّا، وسلمه القوة بالحق المبين، وقد تكلم جلالته إلى مجلس كبار الدولة، الذين كانوا في حاشيته قائلًا: إلى أي مدًى أدرك كنه قوتي هذه؟ عندما أرى «حاكمًا جالسًا في أواريس وآخر بلاد كوش»، وأنا أجلس مشتركًا مع رجل من العامو وزنجي، وكل رجل منهما مسئول عن جزئه من مصر هذه، «وذلك الذي يقاسمني الأرض لن أجعله يمر في ماء مصر حتى منف»، تأمل إنه يسيطر على الأشمونيين، ولا يرتاح رجل لصيرورته عبدًا «للستيو»، إني سأصارعه وأبقر بطنه، وإن رغبتي هي تحرير مصر والقضاء على الآسيويين … وعندئذٍ قال عظماء مجلسه: تأمل، لقد تقدم الآسيويون حتى وصلوا القوصية، وقد أخرجوا ألسنتهم لنا حتى آخرها، إننا في طمأنينة نملك نصيبنا من مصر وألفنتين، والقوم يحرثون لنا أحسن أرضهم، وماشيتنا ترعى في مستنقعات الدلتا البردي، والشعير يدرس لخنازيرنا، ومواشينا لم تغتصب، بسبب ذلك، «وهو … ويستولي على أرض العامو، ونحن نمتلك مصر»، ولكن كل من يأتي إلى أرضٍ ليناهضنا سنناهضه …

وكانوا قد أغضبوا قلب جلالته (بقولهم هذا): أما عن مجلسكم هذا، فإن هؤلاء العامو الذين … تأملوا إني «سأحارب العامو»، وإن النصر سيأتي، وإذا … بالبكاء، فإن الأرض قاطبةً سترحب بي، بوصفي الحاكم القوي داخل طيبة، كامس حامي مصر.

ولقد أقلعتُ منحدرًا في النيل بوصفي محاربًا، لأهزم العامو بأمر آمون صادق النصيحة، وقد كان جيشي شجاعًا يسير أمامي، كأنه عاصفةٌ من نار، وكان جنود المازوي في مقدمة معاقلنا، ليتجسسوا على مواقع «الستيو»، وليدمروا مواقعهم شرقًا وغربًا، ومعهم طعامهم وأدمهم، وقد كان جيشي المكتظ بالمؤن في كل مكان.

وقد أرسلت جيشًا من المازوي، في حين أني قد أمضيت يومي … لأحبس … تيتي بن بيوبي داخل نفروسي، وكنت لا أريد السماح له بالهرب، ثم جعلت «العامو الذين اعتدوا على مصر» يولون الأدبار، وقد كان مثله كمثل رجل … قوة العامو، وأمضيت الليل في سفينتي وقلبي فرح، وعندما أضاء النهار، انقضضتُ عليه كالصقر، وعندما جاء وقت تعطير الفم، كنت قد هزمته وخربت أسواره، ذبحت قومه وجعلت زوجته تنزل إلى شاطئ النهر، وكان رجال جيشي كالأسود، عندما ينقضُّون على الفريسة، ومعهم العبيد والقطعان والأدم والشهد، فقسموا غنائمهم وقلوبهم فرحة، وكان إقليم نفروسي على وشك السقوط، ولم يكن بالأمر العظيم أن تحبس زوجة … وكان برشاق غير موجود عندما وصلت، وهربت خيولهم من الداخل والحامية.٢٢
وهنا يتهشم النص الهيراطيقي، فنكمله بما جاء في لوحة الأقصر التي تقول على لسان «كامس»، وهو ينادي عدوه «أبوب/أبوفيس»، الذي لا شك كان في عاصمة الهكسوس «حواريس»:
إن قلبك معطلٌ أيها الآسيوي الوضيع، الذي اعتاد أن يقول: أنا سيد، وليس لي هناك ند من خمون وبي حتحور حتى أفاريس.٢٣
ويبدو أن كامس لم يتمكن من تحرير أفاريس/حواريس، فتتحدث خاتمة اللوح عن عودة كامس، منتصرًا إلى عاصمته، حيث جن الناس به فرحًا، ومع ذلك لم يكن هو القاهر النهائي للهكسوس، حيث ادخر هذا العمل المجيد لخليفته وشقيقه أحمس    الذي يلتقي باسمه مع آموس «عند يوليوس الأفريقي»، ومع «آموزس عند يوسابيوس»، ومع بعض التحريف عند «يوسفيوس: تثموزيس»، وهو الفرعون الذي مجَّدته الأجيال اللاحقة، باعتباره محرر مصر من الهكسوس، ومؤسس الأسرة الثامنة عشرة الماجدة.
وقد علمنا بأمر أحمس وانتصاراته من مقبرة في الكاب في أقصى جنوبي مصر، تخصُّ واحدًا من ضباط جيشه، يحمل ذات اسم الفرعون، هو الضابط «أحمس بن أبانا»، الذي حكى في نقوش مقبرته، كيف أبحر مع سيده الملك أحمس شمالًا، لمهاجمة الآسيويين (العامو/الستيو)، ليتابعوا حصار قلعة الهكسوس في حواريس، وكيف انسحب العامو عبر سيناء، حتى شاروهين جنوبي غربي فلسطين، وهناك استمر أحمس يحاصرهم لمدة ثلاث سنوات على التوالي، إلى أن استسلموا مرةً أخرى، وتم إجلاؤهم عن المنطقة نهائيًّا،٢٤ وإن كان خبر إجلائهم عن جنوبي فلسطين من وجهة نظرنا محل شكٍّ كبير، ويبدو أنهم ظلوا هناك، وفي مناطقَ متفرقة بشبه جزيرة سيناء، يتمتعون ببعض قوَّتهم، التي كانت تحتاج من الفراعين إلى تجريد الحملات بين حقبةٍ وأخرى لتأديبهم. ومما يدل أيضًا على وجودهم القوي، ما جاء في تاريخ تحتمس الثالث، بعد قرنٍ من تلك الأحداث، حيث وجد «زيته» في مقدمة تاريخ تحتمس الثالث، إشارة لوجود هكسوس في قلعة شاروهين نفسها، وقد ترجم زيته تلك الفقرة كالآتي:

السنة الثانية والعشرون، الشهر الرابع من فصل الشتاء، اليوم الخامس والعشرون، مر جلالته بقلعة ثارو في أول قلعةٍ مظفرة، ليطرد الذين هاجموا حدود مصر بشجاعةٍ ونصر وقوة وفوز.

وقد مرت مدةٌ طويلة من السنين كان فيها الآسيويون يحكمون البلاد اغتصابًا، والكل يخدمون أمام … وقد اتفق في أزمانٍ أخرى أن الحامية، التي كانت هناك كانت في مدينة شاروهين، «وهم الآن من يرذ إلى نهاية الأرض، في استعداد للثورة على جلالته».٢٥
الواضح خلال التاريخ أن سيناء ظلت مرتعًا، للبدو الخارجين على السلطان المصري المركزي طوال الوقت، وأنهم كانوا من القوة بحيث جعلوا من سيناء شبه مملكة لهم، أو مجموعة ممالك، وأن السيادة الحكومية المصرية عليها، كانت دومًا في مدٍّ وجزر، وكثيرًا ما دون التاريخ اعتداءهم على حدود الدلتا الشرقية، كما يشهد بذلك النص السالف، وكان الفراعين دومًا بحاجةٍ إلى تقوية حدود مصر الشرقية، لهذه الأسباب تحديدًا، حتى أقاموا أثرًا مشهورًا في تاريخ مصر القديمة، هو المتفق على تسميته ﺑ «سور الأمير الذي يصد الآسيويين»، على حدود الدلتا الشرقية مع سيناء.٢٦
وأحيانًا كان تمردهم يصل إلى درجة الهجوم، على المدن المصرية العامرة شرقي الدلتا، كما حدث في عهد الملك ستي الأول من حكمه ١٣٠٢ق.م. عندما هاجموا مدينة بي توم أو فيثوم؛ مما اضطره إلى تجريد حملة تأديب كبرى،٢٧ وعند حملته على الشام اصطدم مرةً أخرى عند رفح، بجماعات الشاسو٢٨ أو بدو سيناء، ولم يتمكن من دخول فلسطين، إلا بعد أن أحرز نصرًا شديدًا عليهم.

المهم أنه إذا كانت الوثائق، قد أفادت باسم فرعون التحرير «أحمس»، فإنها لم تفدنا حتى الآن باسم فرعون مصر وقت الغزو، باستثناء ما ورد عند مانيتو عن فرعون باسم «توثيمايوس» أو «توثيمايو»، بعد حذف التصريف الاسمي اليوناني، وقد لجأ المتأوِّلون المتعجِّلون إلى تصحيفه بالقراءة إلى «تحتمس»، لكن ذلك لم يحل الإشكال، فلدينا بين الفراعين أكثر من تحتمس، ومانيتو لم يحدد لنا من هو اﻟ «تحتمس» المقصود بين الفراعين؟ ثم إن ما يفصل في الأمر، أن الملوك التحامسة لم يحكم أحدهم قط قبل الأسرة الثامنة عشرة، أي أنهم حكموا بعد طرد الهكسوس من مصر، وليس قبل ذلك، وأولهم «تحتمس الأول»، الملك الثالث في ترتيب ملوك الأسرة الثامنة عشرة، بعد أحمس وآمنحتب الأول.

إلا أن الباحث «غطاس الخشبة» نبهني إلى أمرٍ هام بالفعل، حيث إنه تابع قراءة جداول بردية تورين للملوك، المرفقة بكتاب «جاردنر»: مصر الفراعنة، وطابق اسم «توتيماوي» مع الاسم المذكور في العمود السادس تحت رقم ٢٤،٢٩ إلا ان الأرجح بالفعل أن يكون هو الفرعون الذي ورد بذات البردية في العمود رقم ٧ تحت رقم ٥، باسم «سعنخ رع أن سوا دج/تو»، الذي حكم ثلاث سنوات وشهرين، وهو الاسم الذي ينقح إلى اسمٍ مشهور دون سببٍ واضح لتلك الشهرة، هو «سخم رع سوا دج/توي»، واشتهر باسم «سبك حتب الثالث»    ولا سبيل لتفسير تلك الشهرة إلا بحدثٍ كبير مثل حدث غزو الهكسوس.

ولما كان حرف «ت» ينطق — في تلك الحال — «دج»، مع تعطيش الجيم، كما في نطق اسم مدينة «أبيدوس» بذات الطريقة «آبدجو» بدلًا من «أبيدو» المعتادة، فإنه يمكننا أن ننطق اسم الفرعون نطقًا يوافق زمن مانيتو بتخفيف «دج» إلى «ت»؛ ليقرأ: «سخم رع/سوا/ت/تو وي»، وهو الاسم الذي يحوي كل المكونات الفونيطيقية للاسم، الذي أورد مانيتو «توتيماوي» ويقع ترتيبه في سلسلة الملوك — بعد سقوط الأسرة الثانية عشرة — الثامن والعشرين، وهو بذلك أحد ملوك الأسرة الثالثة عشرة، التي حدث الغزو إبانها بالفعل، وهو ما يعني وجود أسرة بهذا الرقم فعلًا في طيبة، ولا يصح أن نذهب مع من ينصحون بإلغائها، لصالح عمليات التزمين السالف الإشارة إليها.

والمطالع لقائمة سني الملوك الذين حكموا بعد الأسرة الثانية عشرة، سيلحظ فورًا أن هذا العدد من الملوك، قد حكم مددًا قصيرةً جدًّا، حيث إن الملك منهم لم يحكم أكثر من شهور، وبعضهم لم يحكم سوى أيام، وأطول مدة حكمها ملك من بينهم لا تتجاوز سنواتها أصابع اليد الواحدة، كما في حالة «توتيماوي/سبك حتب الثالث»، وحالةٌ أخرى وحيدةٌ نادرة، استمر فيها أحدهم ثلاثًا وعشرين سنة، وهو الأمر الذي يشير إلى قصر عمر قياسي للأسرة الثالثة عشرة، وصراعٍ هائل على السلطة، أدَّى إلى تفكك نظام الدولة وانهيار البلاد، إلى الحد الذي سمح بدخول الهكسوس إليها، لكن في ضوء تضارب التزمين لا يمكن بحال أن ندقِّق بشكلٍ قاطع الزمن الذي دخل فيه الهكسوس مصر، على الأقل في هذه المرحلة من البحث، وإن كان العلماء قد حددوه بعام ١٧٨٨ق.م. أو نحو ذلك، وهو العام الذي حددوه لسقوط الأسرة الثانية عشرة.

أما الدليل الأوفى على صدق «مانيتو»، فهو إشارته لاتخاذ الهكسوس عاصمةً في شمالي مصر باسم «أواريس/أفاريس/حواريس»، واتخاذهم إلهًا رئيسيًّا باسم «تيفون»، وهي أمور لا جدال بشأن صحتها، حيث حدثتنا الوثائق المصرية المكتشفة عن مدينة الهكسوس باسم «حواريس»، وقد وردت باسمها هذا عدة مرات في وثائق التحرير، وطبقًا لما نقله «يوسفيوس» عن «مانيتو»، فإن حواريس كانت تقع في مقاطعةٍ باسم «المقاطعة الستروية»، وتبعًا لما بين أيدينا الآن من تصنيفٍ لمقاطعات مصر القديمة، لم نعثر بينها على مقاطعةٍ بهذا الاسم.

وقد ظلت نظرية «مانيتو» — التي أخذ بها المؤرخون القدامى، مسيطرة وسائدة، إلى ما يزيد عن سبعة عشر قرنًا على التوالي، والتي تؤكد — بتفسير «يوسفيوس» — أن بني إسرائيل، هم ذات عين الهكسوس، وأن طردهم قد تم على يد فرعون باسم «أحمس»، وأن بعضهم بقي أسيرًا في مصر، ثم أشعلوا نار ثورة ضد فرعون باسم «آمنحتب»، ومن علوم المصريات، وحسب جدول الملوك، نعلم أن هناك أربعة ملوك حكموا بهذا الاسم خلال الأسرة الثامنة عشرة المصرية، أولى أسر الدولة الحديثة، دولة الإمبراطورية، وقد تم ترتيب ملوك تلك الأسرة، وفق قوائم الملوك القديمة (أبيدوس، الكرنك، بردية ليدن … إلخ)، مع الاستعانة بالكشوف الحديثة في علوم المصريات لآثار مصر، لملء الفراغات التي أسقطتها تلك الجداول، بحيث جاءت كالتالي:

اسم الفرعون بالهيروغليفية التاريخ الافتراضي لسني حكمه ق.م.
أحمس    ١٥٧٥–١٥٥٠
آمنحتب الأول ١٥٥٠–١٥٢٨
تحتمس الأول ١٥٢٨–١٥١٠
تحتمس الثاني ١٥١٠–١٤٩٠
حاتشبسوت ١٤٩٠–١٤٦٨ بينهما فترة حكم مشتركه 
تحتمس الثالث ١٤٩٠–١٤٣٦
آمنحتب الثاني ١٤٣٦–١٤١٣
تحتمس الرابع ١٤١٣–١٤٠٥
آمنحتب الثالث ١٤٠٥–١٣٦٧
آمنحتب الرابع/إخناتون أسرة العمارنة ساقطة من الجداول المصرية القديمة ١٣٦٧–١٣٥٠
سمنخ كارع ١٣٥٠–١٣٤٧
توت عنخ آمون ١٣٤٧–١٣٣٩
آي ١٣٣٩–١٣٣٥
حور محب ١٣٣٥–١٣٠٨

لكن علوم المصريات الحديثة، رغم أخذها — بعد تأكدها — بما ذكره «مانيتو» عن أحمس كفرعون للتحرير، فإنها لم تطمئن إزاء المعطيات الآثارية المكتشفة، إلى فكرة أن الأسرى الإسرائيليين قد خرجوا بعد ذلك زمن فرعون باسم «آمنحتب»، ومن هنا طرحت عدة نظريات تحاول تزمين خروج بني إسرائيل من مصر، وإذا أخذنا عينات منها على الترتيب الزمني، سنجد: منهم من ذهب إلى خروجهم زمن الفرعونة «حتشبسوت»، ومنهم من أرجأ ذلك لزمن شريكها في العرش وخليفتها الفاتح المظفر «تحتمس الثالث»، بينما ذهب آخرون إلى تأخير ذلك الزمن إلى أيام «آمنحتب الثالث» أو «الرابع/إخناتون»، باعتباره ما ذكره «مانيتو» عن صفات الفرعون المحب للسلم واسمه آمنوفيس، واحتسابه هو فرعون التسخير والاستعباد، وأن الخروج تم في عهد ابنه «هورامبيس» أو «رمسيس» كما قال «مانيتو»، والذي سيتأرجح ما بين كونه إخناتون «آمنحتب الرابع» وبين كونه «حور محب»، لكن ذلك الفرض جاء قبل أن تلقي علوم المصريات الأركيولوجية الضوء على كثيرٍ من المجهول، واكتشفت أنه لا «رمسيس» ولا «حور محب» كانا أبدًا أبناء لآمنحتب، بل إنهما قد أتيا بعد ذلك بفترة، وفي أسرةٍ أخرى هي الأسرة التاسعة عشرة، ثم أخيرًا تأتي آخر النظريات وأكثرها شيوعًا ورسوخًا الآن، وهي التي تقول باستعبادهم زمن الفرعون «رمسيس الثاني» (١٢٩٠–١٢٢٤ق.م.) أشهر ملوك الأسرة التاسعة عشرة وأجلهم شأنًا، وخروجهم زمن ولده «مرنبتاح» (١٢٢٤–١٢١٤ق.م.).

(٢) نظريات الخروج المتراوحة بين زمن «حتشبسوت» وبين زمن «مرنبتاح»

والنظرية الأولى هي القائلة بخروج بني إسرائيل من مصر زمن الفرعونة «حتشبسوت» و«تحتمس الثالث»، الذي شاركها في الحكم فترةً من الوقت، ثم أزاحها عن العرش وانفرد به، وقاد جيوش مصر ليقيم أكبر إمبراطوريات ذلك الزمان. ويمثل تلك النظرية أصدق تمثيل الأستاذ «جارستانج» عضو بعثة مارستن Martson التابعة لجامعة ليفربول، للتنقيب في فلسطين، وقد ملأ «جارستانج» الدنيا صخبًا وضجيجًا بما زعمه عن كشفٍ آركيولوجيٍّ حاسم في الأمر جميعه، حيث عثر على جعران في مقابر أريحا الملكية، عليه إشارات فسرها كأدلةٍ قاطعة، تثبت أن «موسى» قد أنجبته الفرعونة «حتشبسوت» عام ١٥٢٧ق.م. بالتحقيق، عندما كانت أميرة، وقبل أن تتربع على عرش مصر، أي خلال حكم الفرعون «تحتمس الأول» أو «تحتمس الثاني»، وأن «موسى» قد تربى في بلاطها وبين حاشيتها بعد ذلك، ثم فرَّ من مصر عندما نجح الانقلاب الذي قام به «تحتمس الثالث»، ثم عاد ليقود الخروج أثناء حكم «تحتمس الثالث» عام ١٤٤٧ق.م. وأن بني إسرائيل وصلوا أريحا وفتحوا فلسطين، بعد سبعة وأربعين عامًا من خروجهم من مصر، أي عام ١٤٠٠ق.م. على وجه التحديد.

وكما ظهرت ضجة «جارستانج» فجأة، خفتت فجأة، وانتهى «جارستانج» إلى الصمت التام، ولم يعد أحد يتحدث عن جعرانه الأعجوبة، ويبدو أن المصرولوجيين لم يقتنعوا تمامًا بتأويلاته لنقوش جعران أريحا، ربما لسقوطه في أخطاءٍ هامة تبرر ذلك الخفوت، فالتلاشي، لكشفٍ بهذه الخطورة.

وممن ذهبوا إلى تزمين الخروج بأيام حكم الفرعونة «حتشبسوت» الباحث «هانز جيدك H. Jedic» الذي أكد هذا المعنى، وحاول إيجاد تبريرٍ معقول للقناعة بغرق الفرعونة وجيوشها، رغم عدم وجود أي وثيقةٍ تاريخية في كل مدونات حوض المتوسط، تشير إلى غرق أي جيش أو أي فرعون، فأرجع الأمر إلى انفجار بركان جزيرة تيرا Tira المعروفة الآن بجزيرة سانتورين Santorin، الواقعة شمالي جزيرة كريت بحوالي سبعين كيلومترًا، حيث زعم أنه قد تصادف خروج الإسرائيليين عقب الانفجار، ولحظة وصولهم إلى بحيرة المنزلة؛ لكي يسلكوا الطريق الساحلي إلى أرض كنعان، وفي اللحظة التي كانت فيها جيوش «حتشبسوت» تدخل المنطقة، و«موسى» وأتباعه على ربوةٍ عالية بعد مرورهم من جنوبي البحيرة، وصلت موجة المد الهائلة التي سببها البركان، فأدى إلى غرق المصريين، و«جيدك» بذلك يفترض أن بحر سوف الذي عبره الإسرائيليون، لم يكن بحرًا بالمعنى المفهوم، بل موضعًا بساحل بحيرة المنزلة الجنوبي شمال الدلتا، ويكون المد الذي أغرق المصريين قادمًا من البحر الأبيض المتوسط.
ويبدو لنا أن من ذهبوا إلى تزمين الخروج بعهد الفرعونة «حتشبسوت»، قد ازدادت قناعتهم بمذهبهم، استنادًا إلى النقوش التي خُطَّت زمن حتشبسوت بحروفٍ هجائية في صورةٍ بدائية، عند موضع جبل الشريعة (سانت كاثرين وموسى بسيناء)، وورد فيها أكثر من مرة الاسم «منشه Manassah»، الذي دفع إلى الظن بأنه اسم «موسى» نفسه، هذا مع الاعتقاد الراسخ أن جبل سانت كاترين بسيناء، كان هو الجبل الذي توجَّه إليه الخارجون من مصر، إلا أنه لوجه الحق، أن حل رموز تلك النقوش غير محقَّق، إضافة إلى أن الصفات التي وردت في تلك المخربشات عن المدعو «منشه»، تخالف إلى حدٍّ بعيد ما ورد بشأن «موسى» في التوراة، فمنشه هذا كان عاملًا مصريًّا في المحاجر هناك، يعبد آلهةً مصرية كثيرة، وكان فيما يبدو مقربًا في زمنٍ سابق من الفرعونة حتشبسوت.٣٠
وربما انبنت قناعة «جارستانج» و«هانزجيدك» على ذلك النص المصري عن «حتشبسوت»، والذي وُجد منقوشًا على واجهة أحد معابدها، في منطقة إسطبل عنتر بضاحية مصر القديمة الآن، وهو معبدٌ إقليمي، أطلق عليه اليونانيين اسم «سبيوس أرتميدس»، ويحمل علاماتٍ شديدة الدلالة، يمكن تأويلها مع قصة الخروج، وهو نص مدهش بالفعل، يقول النص:

أصغِ إليَّ، إن جميع الناس من البدو هم على ترحالهم، وإني لم آخذ في اعتباري أعمالهم الشاذة، ولم تشغل خاطري، فإني لم أنسَ أن أشيد «وأصلح ما قد دمَّروه وأتلفوه» من قبلُ، وكان من بينهم حشود تقوم بهدم ما سبق تشييده، «كانوا يحكمون» بغير مشورة رع، ولم يحدث أن تم التصرف طبقًا للأمر الإلهي، حتى عصر جلالتي.

وحكم جلالتي الآن ثابت بقوة رع؛ لأنه قد سبقت النبوءة بمولدي، بأني سأكون من الملوك القادرين المنتصرين؛ ولذلك جئت كالحية النارية الملتهبة ضد أعدائي، «ولما سمحت لأولئك الذين أغضبوا الآلهة بالخروج، فكأن الأرض ابتلعت آثار أقدامهم»، وهذه إرادة أبي الآلهة، التي رتبت ذلك في حينه، وهم لا يوافقون على إلحاق الضرر بمن جاء بإرادة الإله آمون، وإني أتمتع بقوة احتمال حين تسطع عليه أشعة الشمس النورانية، «فوجود جلالتي ولقبي شرعي وقانوني»، والإله حورس الصقر هو الذي يحميني بجناحَيه، وينشر اسمي الملكي إلى أبد الآبدين.٣١
الواضح لدينا هنا أن «حتشبسوت» تريد تأكيد شرعية ملكها بإرادة الإله «آمون»، وهناك نصوصٌ عديدة حاولت فيها تأكيد تلك الشرعية، مع دليلٍ آخر يدعم ذلك الشك، حيث اصطنعت قصة تقول إنها ابنة مباشرة للإله آمون بالجماع الجسدي مع والدتها، وهو الأمر الذي تكرر مع أكثر من فرعون، وهو ما يقول بشأنه «عبد العزيز صالح»: «وعادةً ما ازداد تمسح هؤلاء بالدين وكرامات آمون، كلما أحس أحدهم بشبهة يمكن أن تمس شرعية ولايته للعرش، حيث يسارع إلى تأكيد بنوَّته المباشرة له، نتيجة تقمُّصه روح أبيه حين أنجبه، وعبرت عن هذه الادعاءات أربع روايات للفراعنة: حتشبسوت، وتحتمس الثالث، وتحتمس الرابع، وآمنحوتب الثالث.»٣٢
ويشير كل من «دريتون» و«فاندييه» إلى: «إن فكرة تدخل الإله تدخلًا مباشرًا في إنسان الملك الجالس على العرش، كانت شائعةً في الأسرة الثامنة عشرة، إذ تمثل النقوش في معبد الدير البحري عن حتشبسوت، ومعبد الأقصر عن آمنحتب الثالث، ومراحل الاقتران الإلهي؛ أي اجتماع آمون مع الملكة الوالدة، بعد أن يتخذ مظهر الملك الوالد.»٣٣

أما الجزء الخاص بالبدو في ذلك النص، فقد جاء عرضًا لإثبات اقتدارها وسلطانها، ولم يكن مقصودًا لذاته، ويبدو لنا لونًا من الادعاءات الكثيرة المتكررة في حوليات الفراعنة غير الشرعيين أو الضعاف، فيدعي أحدهم أنه أسقط حضارة دولةٍ معادية قبل زمنه بمئات السنين، أو يزعم أنه باني المعبد الفلاني وليس له، أو يكتفي بمحو اسم الفرعون صاحب الأثر العظيم ويضع عليه اسمه، وهي أمور معتادة ومعلومة مع دارس التاريخ المصري القديم، والنص هنا يتحدث عن بدوٍ كانوا يحكمون مصر، لا عن عبيد بمصر، إنه إشارة للهكسوس الحكام، وليس للإسرائيليين المستعبدين، مما يشير إلى أنها أرادت أن تنسب لنفسها تحرير مصر من الهكسوس، الذين حكموا مصر بالنص، وهدموا معابد الآلهة وحكموا بغير مشورة الإله رع، النص هنا لا يمكن تفسيره إطلاقًا بأنه يتحدث عن بني إسرائيل، فلا التوراة ادعت أنهم حكموا مصر، ولا مصر دونت ذلك، النص يتحدث إذن عن الهكسوس تحديدًا في فخر، لفرعونة مشكوك في شرعية حكمها.

أما الجملة: «ولما سمحت لأولئك الذين أغضبوا الآلهة بالخروج، فكأن الأرض ابتلعت أقدامهم.» فيبدو أنها تشير إلى اغتصابها عمل الفرعون «أحمس»، الذي سمح للهكسوس بالخروج من حواريس بعد حصارٍ طويل ومفاوضات، ليتجهوا إلى شاروهين، أما الباحث «غطاس الخشبة» فيبدو أنه لم يلتفت إلى مسألة حكمهم لمصر وهدمهم لمعابدها، ووقف فقط عند تلك الجملة، ليستنتج أنهم بنو إسرائيل.

وقد رتب الباحث نتائج عمله وأجملها في قوله: «إن الهكسوس طردوا من قلعة «حواريس» سنة ١٥٦٨ق.م. في السنة الخامسة لحكم «أحمس الأول»، وظل يطاردهم حتى دخلوا فلسطين، وأن «موسى النبي» ولد سنة ١٥٤٨ق.م. في أول حكم الملك «آمنحتب الأول»، وانتشل من السفط تحت رقابة أخته مريم بنت عمران، وأن خروج بني إسرائيل كان في نهاية حكم «حتشبسوت» عام ١٤٦٨ق.م. بقيادة موسى، حيث كان له من العمر ثمانون عامًا، والأشبه إن صح هذا، أنها ماتت غرقًا عندما لاحقتهم مع الجيش في أطراف بحيرة المنزلة، أو أنها حُمَّت بسبب ذلك، ودفنها تحتمس الثالث سرًّا، لاغتصابها الملك منه، ويبين من ذلك أن تاريخ طرد الهكسوس من مصر سنة ١٥٦٨ق.م. كان سابقًا لخروج بني إسرائيل من مصر سنة ١٤٦٨ق.م. بمائة سنة، الذين كانت متاعبهم قد بدأت في مصر منذ ذلك الحين، عقب طرد الهكسوس.»٣٤

«معلومة هامة»: تم اكتشاف أو التأكد من مومياء الملكة حتشبسوت العام ٢٠٠٨م … وأعلن زاهي حواس عن ذلك.

والواضح أن «الخشبة» قد حاول باجتهاد أن يوفق في بحثه، بين رواية التوراة وبين رؤيته وتزميناته هو الاجتهادية لوقائع التاريخ، وفي ذلك لا مثلبة عليه؛ لأننا لا نملك مصدرًا آخر يتعلق بتفاصيل الخروج الإسرائيلي سوى التوراة، ولا مناص من أخذه كمصدرٍ أساسي، عند بحث أي شأن من شئون الخروج الإسرائيلي من مصر.

إلا أن تحديد زمن الخروج الإسرائيلي من مصر، بزمن الفرعونة حتشبسوت، سيتضارب تمامًا مع تقارير التوراة التي اعتمدها هو نفسه واعتمدها غيره، كما نعتمدها نحن، حيث قررت التوراة أن الإسرائيليين قد عاشوا في مصر ٤٣٠ عامًا، وحيث إن الأستاذ الباحث قرر بحساباته، أنهم دخلوا في عهد الملك الهكسوسي الثالث، الذي ذكره «مانيتو» باسم «أبخنان»، فإنه بحسبةٍ بسيطة، سنجدهم قد دخلوا مصر بعد ٦٣ عامًا من غزو الهكسوس، ولما كان غزو الهكسوس لمصر قد تم حوالي ١٧٨٨ق.م. فإن ذلك سيعني دخول بني إسرائيل مصر حوالي ١٧٢٥ق.م. ولما كان باحثنا يقول بخروج بني إسرائيل زمن «حتشبسوت» التي توفيت عام ١٤٨٠ق.م. فمعنى ذلك أن الإسرائيليين لم يقضوا في مصر أكثر من ٢٤٥ عامًا.

ثم إننا لو احتسبنا النص المعتمد صادقًا تمامًا، فهو يشير لحكامٍ غزاة وليس لعبيد إسرائيليين، مما يعني أن مستنده الأساسي، لا يعطي التفسير الذي يذهب إليه هو نفسه، وإن كان ذلك لا يُقلِّل من جهده المحمود.

والنظرية الثانية هي نظرية الخروج زمن الفرعون تحتمس الثالث

وممن اقتربوا بتزمين الخروج من زمن الفرعونة «حتشبسوت»، من ذهب إلى أن الخروج قد حدث زمن الفرعون «تحتمس الثالث» شريكها في الحكم، وخليفتها المباشر، وقد قال بهذا الرأي عدد من الباحثين، نأخذ منهم نموذجًا الدكتور «أحمد سوسة»، في كتابٍ واسع الانتشار بين قراء العربية، مُعنوَن باسم «العرب واليهود في التاريخ»، وفيه قام سوسة اليهودي العراقي، الذي أسلم بمزج النظرية التي أسسها «جارستانج» بآرائه الخاصة، التي توصل إليها بشأن جنس هؤلاء الخارجين من مصر، وهو ما يستحق المعالجة، فقط بسبب الانتشار الواسع للكتاب المذكور، وليس لأي سببٍ علمي، وحيث اعتمد «سوسة» على تأسيس يعتمد اسم الفرعون المذكور عند «مانيتو» كفرعون للخروج، وقرأه «يوسفيوس» بالاسم «تثموزيس»، ليصحفه «سوسة» إلى «تحتمس» وليس «أحمس»، مهملًا قراءة «يوسابيوس» وقراءة «يوليوس الأفريقي»، اللتين كانتا بإمكانهما تصويب ذلك التصحيف مقدمًا، فهو عندهما «آموزيس» أو «آموس» أي «أحمس».

يقول الدكتور «سوسة»: إن جماعة يعقوب/بني إسرائيل، قد دخلت مصر في القرن السابع عشر قبل الميلاد، لحوقًا بالهكسوس الذين كانوا يحكمون مصر آنذاك، وأن تلك الجماعة عاشت هناك حوالي خمسة قرون، آخذًا بذلك بتقدير «مانيتو» حول زمن وجود الهكسوس في مصر، وبزيادة من سبعين إلى مائة عام عن تقدير التوراة، لمدة بقاء بني إسرائيل في مصر، ودليله على دخولهم زمن الهكسوس، ما عثر عليه من آثار الهكسوس في مصر، من أسماء ذكرها هي: «يوسف إيل» أو «يعقوب إيل».٣٥
وقد أخطأ الرجل بداية في ذكر الأسماء، فما تم العثور عليه تدقيقًا هو الاسم «يعقوب هر»، وقد ترجمها المؤرخ «فيليب حتي»: «ليحم هور إله الجبل»، واعتبرها إشارةً قاطعة ليعقوب، المعروف في التاريخ الديني باسم إسرائيل،٣٦ بينما نرى من جانبنا أن صدق الترجمة هي «ربوة يعقوب»، وليس «ليحم هور إله الجبل»، ومعلوم فعلًا أن المفردة «هور» تعني في العبرية «الجبل»، لكن التوراة كانت تشير إلى العشيرة أو القبيلة أو النسل بكلمة «ربوة»، التي تشبه عدد النسل بتراكم الرمال ليصنع ربوةً كالجبل، وتتكرر هذه المعاني في التوراة، كما في القول: «وأجعل نسلك كتراب الأرض» (تكوين، ١٣: ١٦) «وباركوا رفقة وقالوا لها: أنت أختنا، صيري ألوف «ربوات»، وليرث نسلك باب مبغضيه» (تكوين، ٢٤ :  ٦٠)، ومن ثم فالمقصود بيعقوب هور هو جبل يعقوب أو ربوة يعقوب أي «قبيلة يعقوب» أو نسل يعقوب، المهم أن «سوسة» يستمر متابعًا فيقول: إن النتيجة الحتمية، لبقاء سبعين شخصًا مع نسلهم في مصر مدة خمسة قرون متصلة، أن ينصهروا بالكامل ثقافيًّا وعرقيًّا في الشعب المصري، وقول سوسة هذا مقبول تمامًا وبالفعل، ويستند قبوله لدينا إلى ما لاحظناه من إشاراتٍ عند «مانيتو» وفي «التوراة»، عن لفيفٍ مع الخارجين، ليسوا من الإسرائيليين، وهو ما وجدناه عند «مانيتو» في حديثه، عمن أثاروا الشغب في حواريس ووصفهم ﺑ «المصريين الفاسدين»، وهو لا شك مأثور قديم معلوم، ظل يتواتر حتى وصل «مانيتو»، وهو المأثور الذي كان يعلم أن هؤلاء كانوا مصريين، لكنهم فاسدون، وهو الوصف الذي كان المصري القديم يطلقه على «المارقين بالمعنى الديني، أو على الخونة بالمعنى الوطني»، أما التوراة فقد وجدناها تقول لحظة الخروج من مصر:

فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلى سكوتٍ نحو ستمائة ألف ماشٍ من الرجال، عدا الأولاد، وصعد معهم «لفيف كثير» أيضًا. (خروج، ١٢: ٣٧، ٣٨)

وإذا كان النص هنا لم يوضح جنس هذا اللفيف، فإن البحث وراء الأمر في الكتاب المقدس، يكشف لنا عن جنس هذا اللفيف، في حديثٍ لموسى أمام شعبه في قادش، وهو ما لم يذكره سوسة، حيث وقف يخطب فيهم ويردد على مسامعهم وصايا الرب، ومن بين تلك الوصايا الوصية التي تقول:

لا تكره مصريًّا لأنك كنت نزيلًا في أرضه، والأولاد الذين يولدون لهم في الجيل الثالث، يدخلون منهم في جماعة الرب. (تثنية، ٢٣: ٧)

وهو ما يعني وجود مصريين بين الخارجين. المهم يقول «سوسة»: إنه قد بقي بعد تحرير مصر من الهكسوس شراذم أسرى، لا يمكن تصنيفهم جنسيًّا، كما لا يمكن القول إن هؤلاء الباقين هم تحديدًا بنو إسرائيل فقط، ويرى «سوسة» أن هؤلاء قد أخذوا بديانة التوحيد الآتونية، التي تدعو إلى عبادة إلهٍ واحد باسم «آتون»، والتي دعا إليها الفرعون «آمنحتب الرابع/إخناتون»، وقد أدى سقوط «إخناتون» وانهيار ديانته إلى اضطهاد تلك الجماعة، فحاصرهم «تثموزيس» كما قال «مانيتو» في مدينتهم «حواريس»، وقد احتسب «سوسة» أن «تثموزيس» هو «تحتمس الثالث» (١٥٠١–١٤٤٧ق.م.) الفاتح المصري المظفر، وهنا أول سقطاته الشديدة، وخبطه، وسوء تقديره؛ لأنه بمقارنةٍ بسيطةٍ مدققة في قوائم الملوك المصرية، كان يمكنه أن يعلم أن «تحتمس الثالث» سابق لإخناتون بحوالي ثمانين عامًا، وليس بعده، وأن هناك ثلاثة فراعنة تقع مدة حكمهم في المرحلة الفاصلة بين تحتمس الثالث وبين إخناتون على الترتيب: «آمنحتب الثاني» (١٤٣٦–١٤١٣)، و«تحتمس الرابع» (١٤١٣–١٤٠٥)، و«آمنحتب الثالث» (١٤٠٥–١٣٦٧).

ويستمر «سوسة» في عرض نظريته، فيقول: إنه لما فشل «تحتمس الثالث» في التغلب على هؤلاء المتحصنين في حواريس، هذا رغم ما نعلمه عن «تحتمس الثالث» كصاحب أعظم وأنجح حملات عسكرية في الشرق القديم، على وجه الإطلاق، ووصلت حملاته إلى سبع عشرة حملة (١٤ حملة [المؤلف])، وصل بها إلى عمق شمال سوريا («رتنو العليا» أعلى نهر الفرات [المؤلف])، المهم أن «تحتمس الثالث» لما فشل في ذلك الحصار — فيما يرى سوسة — لجأ إلى مصالحتهم، على أن يخرجوا مع ممتلكاتهم وأنعامهم من مصر.

ثم يؤكد لنا الدكتور «سوسة» أن هذا الخروج كان حملة مصرية بحت على فلسطين، والقول بمصريتهم يدعمه اقتباسه مما ذهب إليه «غوستاف لوبون»، حول وجود عدد كبير من العبيد المصريين الفارين من سادتهم، إضافة إلى بقايا الهكسوس الذين أخذوا بعقيدة التوحيد الآتونية مع هؤلاء المصريين، والجميع عند «سوسة» كانوا يتكلمون المصرية القديمة، ويرى أن «موسى» نفسه — كما ذهب كثيرون — مصري مائة بالمائة، وهو ما سبق وأكده «مانيتو» عن «أوزرسيف»، وبدليل قول بنات كاهن مديان لأبيهن، بعد أن سقى لهن موسى الغنم: «فقلن رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة، وأنه استقى لنا أيضًا وسقى الغنم» (خروج، ٢: ١٩).

ثم يستند «سوسة» إلى أكثر التآريخ عمومية وفضفاضة، فيعمد لتأكيد مصرية موسى، من تاريخ الحضارة لول ديورانت، حيث يقول: إن «موسى» كان اسمًا مصريًّا، وإنه اختصار للاسم «أحموس»، وإن «موسى» المصري هذا ذهب إلى العبيد المصريين وبقايا الهكسوس الموجودين بمدينة «حواريس»، وقام بتعليمهم قواعد النظافة المتبعة عند الكهنة المصريين، باعتباره كان كاهنًا مصريًّا كما أفاد «مانيتو»، وذلك لاتقاء شر وباء البرص الذي تفشى بينهم، وكان «موسى» من أتباع «إخناتون» ومن المخالفين للوثنية المصرية، وقد قال «مانيتو»: إن «أوزرسيف» كان كاهنًا مصريًّا خالف ديانة المصريين، وفي المأثور الديني أن ابنة فرعون أقامت عليه أساتذة من الكهنة المصريين، ليُفقِّهوه في علوم المصريين، هذا إضافة إلى ما جاء عند العلامة «ويج»،٣٧ لينتهي إلى أن «موسى» لا علاقة له بإله اليهود «يهوه»، إنما كان موسى من أتباع «إخناتون» وإلهه «آتون»، وأن نسبة «يهوه» لموسى لون من التزوير التوراتي، كذلك استند «سوسة» إلى آراء «سيجموند فرويد» بهذا الشأن، والتي سنفصِّلها بعد قليل تفصيلًا وافيًا، وأهم ما فيها أن تلك الفرقة الفارَّة من مصر، قد أخذت بعادة الختان، وهي عادةٌ مصريةٌ قح، أخذتها عنهم الشعوب الأخرى، ولم يكن تقرير التوراة لتلك العادة على بني إسرائيل من بعدُ، إلا «لأن الخارجين كانوا مصريين» بالأساس، كما أخذ بملاحظة فرويد للقب الإلهي التوراتي «آدون»، ومطابقته لاسم إله التوحيد الإخناتوني «آتون».

وإعمالًا لكل تلك المقدمات، ينتهي «سوسة» «إلى أن الخروج كان مصريًّا خالصًا»، وأنه كان حملة كأي حملةٍ مصريةٍ معتادة على فلسطين، وكل الفارق بين تلك الحملات جميعًا، وتلك الحملة بالذات، هو أن حملة «موسى» كانت منشقَّة عن الدولة المركزية الأم، ولا تتمتع بالتنظيم العسكري المألوف، ولا بإسناد الدولة، كما لم تكن ضمن أهدافها مصلحة الدولة المصرية، إنما كانت فرارًا من اضطهاد المجتمع المصري الوثني.

وعليه، «فإن جماعة الخارجين كانت غريبة على أرض كنعان؛ مصرية، لا صلة لها ببني إسرائيل الذين اختلطوا بالهكسوس عند دخولهم مصر، وذابت بذرتهم وضاعت تمامًا مع طرد الهكسوس من مصر، فقامت التوراة مع هذا الضياع بتنسيب الجماعة المختلطة الخارجة من مصر، إلى جماعة بني إسرائيل ويعقوب».

ومن هنا يستمر «سوسة» في سرد تصوره للأحداث، فيقول: إن الخارجين بقوا في سيناء أربعين سنة، هي المعروفة تقليديًّا بسنوات التيه، لكنه عند «سوسة» لم يكن تيهًا، بل انتظارًا وترقبًا مقصودًا داخل سيناء، وهو كلامٌ معقول، لكنه يحدد لذلك أسبابًا كان أهمها أنه لم تكن لديهم آنذاك القوة الكافية لطرد سكان فلسطين والحلول محلهم، ثم يزيد في إيراد الأسباب فيقع في مجموعة أخطاء، من قبيل أنهم بسيناء أمنوا شر الآشوريين، ولو أجرى مراجعةً تاريخيةً بسيطة، لعلم أن الآشوريين كانوا واقعين آنذاك تحت الاحتلال الكاسي، والسبب الآخر عنده أنهم بسيناء، كانوا بمأمنٍ من الآراميين، رغم أن الآراميين آنذاك لم يبلغوا بعدُ قوة تمكنهم من المغامرة، إضافة إلى حكمةٍ أخرى هي أن أرض كنعان، كانت حينذاك ساحة لمعارك بين رمسيس الثاني والحيثيين، والخطأ هنا فادح حقًّا؛ فهناك فارقٌ عظيم بين زمن «تحتمس الثالث» (١٤٩٠–١٤٣٦ق.م.) وبين زمن «رمسيس الثاني» (١٢٩٠–١٢٢٤ق.م.) يتجاوز تلك الأربعين عامًا المفترضة للتيه، بمائتي عام إضافية، أي إن الفارق بين الزمنين كان ٢٤٠ عامًا كاملة، هكذا؟! …

المهم أنه يقول بتجنُّب «موسى» التوغل في فلسطين، تلك السنين الأربعين (لم يحاول بالطبع إجراء أي حسابات، ليعلم أن ما ذهب إليه قد جعل سنوات التيه ٢٤٠ سنة)، وبعدها تمكن الخارجون من الدخول إليها بقيادة «يشوع» بعد موت موسى، بالعبور من شرقي الأردن إلى غربه في عمق فلسطين، وقد تم ذلك دون مشاكل؛ لأن مصر كانت عاجزة عن التدخل في شئون فلسطين، ومدِّ يد العون لملوك كنعان، وهو بدوره خطأٌ هائل وتناقضٌ عظيم، فلو أخذنا أخطاءه بحسبانها صادقة، واحتسبنا الخروج قد حدث زمن «تحتمس الثالث»، وأن التيه قد حدث زمن «رمسيس الثاني»، فإنه في كلا العهدين كانت مصر في أوج اقتدارها وعزتها.٣٨

(٣) نظرية الخروج زمن خلوِّ العرش بعد سقوط إخناتون

ويمثل هذه النظرية العالم النفسي الأشهر «سيجموند فرويد»، وهي تأخذ ثقلها العلمي، ليس من وثائق التاريخ، بقدر ما تأخذه من تطبيق «فرويد» للتحليل النفسي على القبيلة الإسرائيلية الخارجة من مصر، ومحاولته حل بعض الغوامض في تاريخهم بمنهجه الفريد والممتع، وهو يسلم برواية التوراة عن الدخول إلى مصر والخروج منها، ولا يناقش التفاصيل إلا فيما لا يبدو متَّسقًا مع المنطق؛ لذلك فإن نظريته هي محاولة للتفسير أكثر منها محاولة لبحثٍ علميٍّ تاريخيٍّ جغرافيٍّ مقارن، لكنه توصل أثناءها إلى بعض الفروض لتحديد زمن الخروج، وما حدث في شبه جزيرة سيناء في سنوات التيه، وأثر ذلك على تطور المفاهيم الدينية لبني إسرائيل.

وقد لاحظ «فرويد» أن قصة إلقاء «موسى» في اليمِّ، قصةٌ متواترة في مأثورات الحضارات القديمة بالمنطقة، وفي أساطير الرافدين وبلاد اليونان القديمة وغيرها، حول أبطال الأساطير، ومن هنا رصد لنا أهم العلامات البارزة التي تشكل العناصر الأساسية، لقصة إلقاء البطل الأسطوري في اليم، أو استبعاده عن بيت أبيه وأهله بأي أسلوبٍ آخر، ليربَّى بين قومٍ غرباء، ليلفت نظرنا إلى أن الأسطورة التقليدية تقول بعدة عناصر، أولها استبعاد البطل وهو طفل عن أسرته أو وطنه، وثانيها إنقاذ البطل الطفل المستبعد، بواسطة الرعاة أو أناسٍ بسطاء عمومًا أو حتى حيوانات، فترضعه أنثى الحيوان المنقذ أو المرأة البسيطة، وحين يشبُّ عن الطوق يعثر على أهله بعد مغامرات عديدة، وعادة ما تقول الأسطورة النمطية بانتقام الشاب اليافع من أبيه الذي فرط فيه، وبعدها يحظى بالشهرة والمجد.

لكن المشكلة في قصة النبي «موسى»، هو أنها تختلف عن الأسطورة النمطية، إلى حد السير بعكس الاتجاه التقليدي للأسطورة النمطية المعلومة، «فالأسرة التي تتخلص منه وضيعة جدًّا وليست أسرةً نبيلة»، فموسى سليل لاويين ضمن بني إسرائيل المستعبَدين بمصر، «وتنقذه أسرة من البيت الملكي» المصري، وتقوم الأميرة على رعايته، وهو عكس للأسطورة التقليدية، التي تقول بإنقاذ الطفل المستبعد، من بيتٍ نبيل على أيدي أسرةٍ وضيعة، ليشبَّ في البراري أو الغابات، وقد كان اختلاف أسطورة موسى عن الأسطورة النمطية التقليدية، مثيرًا دائمًا لدهشة الباحثين في الميثولوجيا، والمفترض في تفسير الأسطورة النمطية، أن تكون الأسرة النبيلة التي ولد بها الطفل هي الواقعية، والأسرة الوضيعة هي الوهمية، التي اصطنعتها الأسطورة، لتجعل نجاة البطل ميلادًا غير عادي أو مألوف، ليكتسب البطولة أو الملوكية أو القدسية، أي إن الأسطورة النمطية تحوي أسرتين: الحقيقية فيها هي الأسرة النبيلة أو الملكية، أما الأسرة الوضيعة فهي الأسرة الخيالية المتوهَّمة. لكن حتى هنا نجد قصة «موسى» تقلب الوضع، فتقول إنه ولد بأسرةٍ وضيعة، ونما ونشأ في أسرةٍ نبيلة؛ لذلك وحسب قواعد الأسطورة النمطية، لم يجد «فرويد» مفرًّا من احتساب «الأسرة التي تخلَّصت من الطفل «الأسرة الإسرائيلية»، هي الأسرة الوهمية، بينما كانت الأسرة الحقيقية هي التي ربَّته في البيت الملكي، ومن ثم لا بد أن يكون «موسى» مصريًّا بالفعل، جنسًا ونشأةً وتربية وثقافة»، من أصلٍ مصريٍّ نبيل، لكن حتى تحقق الأسطورة التوراتية أغراضها التي صيغت من أجلها، تجعل هذا المصري يهوديًّا.٣٩
وقد لاحظ «فرويد» أدلةً هامة على صدق نظريته في مصرية «موسى»، حيث قال: إن هذا المصري الذي وهب اليهود دينهم الجديد، قد أرسى بينهم عادة الختان، والمعلوم أنها عادةٌ مصريةٌ صميمة، كان أول من ابتدعها في الشرق هم المصريون،٤٠ وكان الشعب المصري فريدًا بين الشعوب. أما الأكثر فهو أن الديانة اليهودية، كانت تجهل العالم الآخر والحياة بعد الموت، بالرغم من التلازم بين عقيدة التوحيد وعقيدة العالم الآخر الخالد، وهو الأمر الذي قاد «فرويد» إلى أن ذلك النفي للبعث في ديانةٍ توحيدية، يجب أن تأخذ بالعقيدة الأخروية، يعطينا إشارات لكشف الأمر، فالمصريون يؤمنون طوال تاريخهم تمامًا بالعقيدة الأخروية، ولكن يوجد زمنٌ قصيرٌ جدًّا ومحدد في مصر، نفى الآخرة ورفض الاعتقاد بالعالم الآخر، ويجب أن يكون هو زمن الخروج حيث ترك تأثيره بنفي الآخرة عند الإسرائيليين الخارجين، وهو ما يحدد لنا زمن الخروج، ونحن نعلم «أن الفرعون الذي نفى الآخرة من عقيدته، ولا يوجد غيره فعل ذلك، هو «آمنحتب الرابع/إخناتون» (١٣٦٧–١٣٥٠ق.م.)» الذي دعا لعبادة إلهٍ واحد هو «آتون»، وألغى كل العبادات الأخرى، وأغلق بالقهر معابد الآلهة المتعددة، وفي نضاله ضد الخرافات الوثنية، كان لا بد أن يصطدم بأعمق العقائد في نفوس المصريين، التي يمثلها الإله «أوزيريس/أوزير»، إله الموتى والعالم الآخر وقاضي الحساب أمام الموازين، وفي سبيل التوحيد «ضحَّى «إخناتون» بأوزير وبعالمه الآخر»، ورفض فكرة البعث من بعد الموت برمَّتها، حتى لا تستدعي إلهًا يشارك «آتون» وحدانيته، وهي أعز الفكر للمصري القديم، والتي كانت وراء الغليان بالثورة ضد الفرعون فيما بعدُ، تحت قيادة كهنة آمون رع.

ويبقى لغز المفارقة بين أسطورة استبعاد موسى طفلًا، وبين استبعاد الطفل البطل في الأسطورة النمطية، وهو الأمر الذي وجد «فرويد» حلَّه في وضع «موسى» زمن «إخناتون»، وأنه كان بينهما صلة من نوعٍ ما، حيث «ربما كان موسى أحد أعضاء الأسرة الملكية الحاكمة في تل العمارنة» مدينة إخناتون، وربما كان عظيم الطموح قوي التصميم، وبحكم مركزه السيادي كفرد في العائلة المالكة، فقد كان يحلم بقيادة تلك الإمبراطورية المصرية الواسعة، التي تسيطر على معظم الشرق الأوسط القديم ذات يومٍ آتٍ، ومن ثم قام يؤيد الديانة التي دعا إليها سيده الملك بشدة، واعتنقها بتفانٍ، لكن بموت إخناتون وارتداد مصر إلى آلهتها التقليدية، كان على ذلك النبيل الملكي «موسى»، أن يتنازل عن أحد أمرَين عزيزَين عليه: فإما أن يتنازل عن عقيدته، ليأمن شر كهنة آمون ويعيش أميرًا في القصر بعد الارتداد، وبذلك لن يحقق شيئًا بسبب تاريخه وعلاقته بالفرعون إخناتون، والتي لا شك ستكون لعنةً دائمة تجعله يعيش في القصر — إن عاش فيه — مراقبًا منبوذًا، وإما أن يرفض مصر المرتدة عن عقيدة التوحيد، ويتمسَّك هو بهذه العقيدة وبحلمه القيادي معها، ومن ثم يرى فرويد أن الأمير المصري موسى ذا الأصل الملكي اتخذ قراره التاريخي، فأضاع وطنه وتمسك بآماله وطموحاته، بالتخطيط لتأسيس إمبراطوريةٍ جديدة، يعطيها ديانة آتون التي رفضتها مصر، كان يريد أن يقف ببطولةٍ نادرة في وجه القدر، باحثًا عن تعويض عما أصابه بانهيار ديانة التوحيد الإخناتونية في مصر.

وربما كان «موسى» آنذاك حاكمًا أميريًّا للإقليم الحدودي، الذي ذكرته التوراة باسم «جاسان»، كمسكن لبني إسرائيل وقت سقوط إخناتون، حيث استقرت بعض القبائل السامية منذ أيام الهكسوس، وهناك قرَّر موسى اختيار شعبه الذي سيعطيه عقيدته وطموحاته، لقد اختار أولئك العبيد.

وهكذا قاد الأمير المصري «موسى»، عبيد جاسان الساميين خارجًا بهم من مصر، في فترة خلو العرش بعد موت «إخناتون»، حيث لم تكن هناك سلطةٌ مركزية لتضع العصا بين عجلاته، وهو ما يعني رفض «فرويد» لقصة مطاردة المصريين للخارجين، التي ذكرتها التوراة؛ لذلك لا بد أن يكون الخروج قد حدث بين عامَي ١٣٥٨ و١٣٥٠ق.م. في الفترة الواقعة بين نهاية «إخناتون» وبين اعتلاء «حور محب» العرش وتوطيده سلطان الدولة، وهو زمن حكم الملك الصبي سمنكارع، ثم الصبي توت عنخ آمون، ثم آي بقية أسرة العمارنة الضعيفة، ولم يكن أمام هؤلاء الخارجين هدفٌ ممكن سوى فلسطين، حيث العشائر السامية، التي تمت بصلات قرابةٍ جنسية للبدو الخارجين من مصر.٤١

أما أبلغ دليل على مصرية «موسى»، فهو إشارة التوراة لثقل لسانه؛ مما اضطره للاستعانة بهارون، «الذي تزعم الأسطورة التوراتية أنه كان أخاه»، وهو ما يعني أن «موسى» كان يتكلم لغة غير أولئك البدو الساميين، الذين كانوا يقطنون «جاسان» تحت إمرته كحاكمٍ إقليمي، ومن ثم كان اتصاله بهم بحاجةٍ إلى مترجم، وهو ما يعني «أن «موسى» كان مصريًّا، لا يعرف لغة هؤلاء العبيد، الذين كانوا يتكلَّمون العبرية».

وكان «فرويد» يعلم الخلاف الخطر في أطروحته، بين «موسى» الذي يقدمه لنا كمصريٍّ مهيب، يهب بدو «جاسان» ديانةً صارمةً قوية، تحرم تمامًا جميع طقوس السحر والشعوذة، وبين «موسى» التوراتي، الذي يجعل من تمثال الثعبان إلهًا للشفاء، لكنه ذاته هو التفسير للتناقض بين الإله «آتون» السمح الراقي الرءوف، وبين «يهوه» إله التوراة الذي يسكن جبلًا كالشياطين، قاسيًا، ناريًّا، لا يرحم،٤٢ ومن ثم يجب علينا أن «نفترض مرحلةً كان فيها المصري «موسى» بكل جلاله، مستمرًّا حتى اختفى بالموت في سيناء، ثم تستأنف التوراة قصتها بموسى آخرَ وهمي، يمدُّ حياة «موسى» المصري الأصلي، وتنسب إليه كل الخرافات التوراتية، وقسوة البدو وربهم الشيطاني».
وقد استند «فرويد» في ذلك إلى استنتاجات «سيلين» في كتابه «موسى وأهميته في تاريخ بني إسرائيل اليهودي»، وأهمها أن سفر «يشوع» يُنبئ عن نهايةٍ مفجعة لموسى، أثناء تمرد قام به الشعب البدوي العنيد المشاكس، وأن الدين الذي أسسه تم هجره والنكوص عنه فورًا،٤٣ (وهو الأمر الذي حدث لإخناتون من قبلُ)، ومن ثم يتمسك «فرويد» بكشف «سيلين»: «أن ديانة «موسى» المصري الهادئ الدافئة، قد تم هجرها بعد اغتياله»، ثم انضم الخارجون من مصر، إلى قبائلَ أخرى نسيبة في قادش بسيناء، «حيث اعتنق الخارجون ديانة أقاربهم القوادش؛ ديانة يهوه»، وهناك تم الانصهار والامتزاج بين الشعبين، الذي أنتج شعب إسرائيل، ويرى أن ذلك قد تم بتأثير أنسباء «موسى»، المديانيين القاطنين في تلك المنطقة، وبعد فترة امتدت أربعين عامًا، عندما استشعروا بأنفسهم قوةً كافية، شرعوا في غزو فلسطين.

وهذا إنما يعني «أن «موسى» الحقيقي الخارج من مصر، سليل الملوكية والنبالة، لم يسمع قط باسم «يهوه» ولم يصل قادش، بل قتل قبل ذلك التحول»، أما «موسى» الثاني الخيالي الذي يعبد «يهوه»، ويجهل كل شيء عن «آتون»، فهو الاختراع التوراتي الذي التبس بعقائد «مديان»، ونسب لشخص «موسى»، الذي تمت نسبته لبني إسرائيل، «وهنا تظهر الأسرة الوهمية الخيالية في الأسطورة لأول مرة، أما في الأصل فلم تكن هناك أبدًا أسرةٌ إسرائيلية، نبت فيها موسى» كما تقول الأسطورة.

لكن ذلك الخلاف الأصلي بين عنصرَين متحدَين، أحدهما عاش في مصر، وتأثر بها، والثاني كان في بداوةٍ واضحة، أدى إلى انفصال العنصرين، عندما انقسمت مملكة سليمان بموته إلى مملكتَين: إسرائيل في الشمال، ويهوذا في الجنوب. ولأن الجنوب هو الملاصق لمصر، فإن فرويد يقول: «نؤكد أن من بقي مقيمًا في البلاد (الفلسطينية) كان موجودًا في الشمال، وأن من رجع من مصر استقرَّ في الجنوب.»٤٤

أي إن هناك أسباطًا لم يدخلوا مصر إطلاقًا، كانوا يسكنون شمالي فلسطين، وظلوا هناك طوال تلك الأحداث، وأسباطًا دخلوا مصر وخرجوا منها، وهم الذين عاشوا جنوبي فلسطين، وزمن الملك سليمان تم توحيد أسباط الجنوب وأسباط الشمال في مملكةٍ واحدة، أطلقت عليها التوراة «كل إسرائيل»، لكنهم ما لبثوا بموت سليمان أن انقسموا مرةً أخرى، عندما عاد الشمال لينشق عن الجنوب، في مملكةٍ عرفت باسم مملكة إسرائيل، بينما حمل الجنوب اسم مملكة يهوذا.

ولأن شخصًا مثل ذلك النبيل المصري، كان لا بد أن ترافقه حاشية، فقد رأى «فرويد» أن تلك الحاشية كانت مصرية، والتي لا شك كان أفرادها أشد المخلصين لديانة «آتون»، وهي من شكلَّت بعد ذلك من عرَّفتهم التوراة باسم «اللاويين»، الذين جعلهم «موسى» المصري الحقيقي كهنة ديانته، واستمروا في عملهم بعد مقتله؛ لذلك «فإن اللاويين لم يكونوا من بني إسرائيل، بل كانوا حاشيةً مصرية لمصريٍّ عظيم»، وبمرور الزمن لن نجد أسماءً مصرية في التوراة، إلا بين اللاويين، وقد ظل هؤلاء على وفائهم لذكرى قائدهم، وحافظوا على ميراثه، ولكنهم مع الاندماج في البدو الآخرين بالتمازج الذي حدث، كانوا أقلية، لكنها أقلية فاعلة؛ لأنهم كانوا الأكثر علمًا وتحضُّرًا، «وقد صمم هؤلاء المصريون على التمسك بمصر، فظلوا يركزون على قصة الخروج من مصر، للتذكير بالأصل المصري، كما ظلوا يتمسكون بشخص «موسى» المصري الحقيقي، وبعادة الختان المصرية»، بينما على الجانب الآخر، كان الباقون يخترعون «موسى»، الوهمي السيناوي المدياني القادشي، لكنهم لم يتمكنوا من التخلي عن عادة الختان، لكن حتى ينزعوا عنها أصلها المصري، قاموا ينسبونها للآباء الأوائل من زمن البطرك إبراهيم، فجعلوه يختتن في التسعين من عمره! في علامةٍ ميلودراميةٍ رمزية، على تأخر دخول الختان إلى بني إسرائيل.

وهناك علامات يسوقها «فرويد»، تشير إلى تلك الأحداث الافتراضية، «فالكتاب المقدس يميل باستمرار لنفي أن «يهوه» كان إلهًا أجنبيًّا»، وهو أمرٌ غريب، فهل كان ثمة شك في ذلك؟ إن «يهوه» يدوِّن بيد أنبيائه مزاعمه بالتوراة، ويؤكد أنه كان إله البطاركة القدامى «إبراهيم» و«إسحاق» و«يعقوب»، رغم المعلوم أنهم كانوا يعبدون إلهًا ساميًّا كنعانيًّا باسم «إيل».

ثم علامةٌ أخرى تتمثل في أمرٍ عجيب إلى حدٍّ بعيد، فالشعوب جميعًا تختار آلهتها، «لكن إله التوراة هو الوحيد الذي يختار شعبًا بعينه ليتألَّه عليه». إن تلك الواقعة الفريدة في التاريخ الديني، تشير إلى ما حدث، فموسى قد اختار هؤلاء ومنحهم ديانته، وجعلهم بذلك شعبه، وهو ما يفسر الاصطلاح المتواتر «الشعب المختار»؟

مع علاماتٍ أخرى تشير إلى ما حدث، «فقصة ردة الشعب وعبادته العجل الذهبي، توضح خلافًا حادًّا، أدى إلى قتل «موسى»، وارتداد الشعب عن ديانة «آتون»، كما نجد في حادثة تحطيم «موسى» لألواح الشريعة، رمزًا آخر لنهاية ديانته»، وليس كما فسرتها التوراة بسذاجةٍ شديدة، فقالت: إن «موسى» كسر الألواح نتيجة لغضبه، وهي المكتوبة بيد الله نفسه، ظل يكتب فيها أربعين يومًا على الحجرَين! (خروج، ٣٢).٤٥
وجاء وقت ندم فيه أولئك الهمج على قتل قائدهم، وسعوا إلى نسيان جريمتهم، ولا شك أن ذلك تم أثناء اجتماع «قادش»، الذي عقد بين كافة الأطراف، ولا جدال أنه تم حوالي عام ١٢١٥ق.م. حسبما يرى فرويد،٤٦ وفي تسوية «قادش» تحزب اللاويون لسيدهم القتيل، وفي العصور التالية انصهر اللاويون المصريون في الشعب؛ ولأنهم الكهنة، فقد حافظوا على المدوَّن القديم المقدس، ونقَّحوه في الاتجاه المناسب بمرور الزمن، على أيدي مجموعة أنبياء، عادوا للتبشير بالموسوية المصرية التوحيدية القديمة.٤٧
ويفترض «فرويد» أن «موسى» الأمير المصري زمن «إخناتون»، كان يحمل اسمًا من الأسماء المركبة، وتحمل في شقها الثاني اللفظ «موسى»، وليكن افتراضًا «تحوت موسى = تحتمس»، لكنه كان بعكس قريبة الملك إخناتون — العكوف الخيال — رجلًا ذا عزم، ولعل عزمه هذا هو الذي جعله يفرض شرائع أشد صرامة من إخناتون، وهو الأمر الذي لم يتحمله البدو الهمج؛ مما أدى إلى ثورتهم عليه بعد ذلك وقتلوه في سيناء،٤٨ ثم انصهروا بعد ذلك في قبائلَ أخرى نسيبة، كانت تقطن سيناء، وفي قادش اعتنقوا — بتأثير المديانيين — ديانة إله البراكين السينائي «يهوه»،٤٩ وإن كان «فرويد» يبدي شكًّا شديدًا في أن يكون اسم «إسرائيل» خاصًّا بأيٍّ من تلك القبائل، بقدر ما كان اسمًا لشعبٍ من الشعوب، التي اندمجوا فيها بعد دخولهم إلى فلسطين، حيث كان يعبد هناك كبير الأرباب السامي «إيل»، الذي ينسب إليه اسم إسرائيل.٥٠
والمسألة السيكولوجية في كل تلك الأحداث الافتراضية، التي قدمها «فرويد»، دون أن تستند إلى وقائعَ تاريخيةٍ مدروسة دراسةً ضافية، هي تلك التي يلخصها في عقدة «أوديب»، التي يقتل الابن فيها أباه، وهنا يقول: «نظرًا لأنه لم يعد هناك مجال ليحتل الحقد المميت على الأب، مكانه في إطار الدين الموسوي، فقد كان رد الفعل الجامح الوحيد، الذي يمكن أن يعلن عن نفسه، هو الشعور بالذنب، الذي ما وني الأنبياء يغذونه ويؤججون جذوته، والذي سرعان ما أمسى جزءًا لا يتجزأ من النظام الديني، كان له أيضًا دافعٌ سطحي؛ فقد مر الشعب بأوقاتٍ عصيبة، ولم تأخذ الآمال التي كان قد علقها على الله طريقها السريع إلى التنفيذ، وبات من الصعب على الشعب، أن يثابر على إيمانه بأنه الشعب المختار، وحتى لا يتخلى عن هذه السعادة، كان لا بد أن يأتي شعور بالذنب، ووعي بالخطيئة التي اقترفت، لتبرئة ساحة الإله في الوقت المناسب، وبالفعل إن الرب لم يعاقب الشعب، إلا لأنه انتهك حرمة شريعته.»٥١ إن الشعب قد عوقب لأنه قتل أباه موسى وهجر ديانته؛ لذلك كانت العودة إلى المأثور المصري — مع الشعور بالذنب — بعد ذلك بقرون، هي مما صنع من عقيدة هذا الشعب فيما بعدُ نموذجًا للتوحيد.

والمشكلة الكبرى في نظرية «فرويد» هنا، أنها بالكامل مجرد فروض وتصورات، لم يحاول أن يعثر لها على أي سندٍ وثائقيٍّ حقيقي، أو يجمع لها من القرائن الموضوعية ما يدعمها، رغم أنها تتسم بروح القبول والاتساق، بحيث لا يصح استبعادها كلية، بل إننا نرى أنه لو أنهك «فرويد» نفسه، بالبحث في الجانب التاريخي، لقدَّم لنا دعمًا فريدًا لنظريته، لكنه كان لا بد سيقوم ببعض التعديلات فيها، وهو ما سنقوم به، وسيشغل جزءًا كبيرًا من بحثنا هذا.

(٤) نظريات الخروج زمن مرنبتاح بن رمسيس الثاني

تُعدُّ نظرية الخروج، التي تقول: إن اضطهاد الإسرائيليين في مصر، قد حدث زمن الفرعون عاشق المعمار «رعمسيس الثاني»، وإنه هو من استعبدهم في أعماله الإنشائية الواسعة، وإن الخروج قد حدث زمن ولده «مرنبتاح»؛ من أشهر النظريات القائمة اليوم، وأحوزها للثقة بين المصرولوجيين، كذلك بين علماء التوراتيات، وقد اتفقت معظم الآراء اليوم حولها، وسلم بها كبراؤهم أمثال: «ألبرايت» و«نافيل» و«بتري» و«سايس» و«بروجش» و«بيير مونتييه» إلخ، وهم الكبار الأعلام في علوم المصريات.

وفي تسليم «نافيل» يقول: «إني لا أزال مسلِّمًا بوجهة النظر التي أدلى بها ليبسيوس، عن موضوع خروج بني إسرائيل، وهي التي يقتفيها معظم الأثريين: أن مضطهد اليهود هو رعمسيس الثاني، الذي كان حكمه الطويل، بداية انحلال الإمبراطورية المصرية، وأن الفرعون الذي ينسب إليه خروج بني إسرائيل، هو مرنبتاح».٥٢
أما «سايس» فيقول: «إن الآثار المصرية تحصر هذه الحادثة، في حكم الفرعون مرنبتاح، بورقة أنستاسي السادسة، وتشمل خطابًا من كاتب الملك مرنبتاح جاء فيه:
إن بعض بدو إيتام، قد سمح لهم على حسب التعليمات التي لديه، أن يجتازوا حصن إقليم سكوت، ليتاح لهم رعي ماشيتهم بالقرب من بلدة بتوم، في ضياع الفرعون العظيم.»٥٣

(يجدر هنا التنويه — بعد مراجعة ما قال سايس — أن الكلمة «إيتام» في تلك الترجمة، هي في الأصل النصي آدوم، وأن الكلمة «بدو» هي في النص الأصلي شاسو، فهي في الأصل: «إن بعض شاسو آدوم».)

ولما كان هذا الخطاب مؤرَّخًا بالسنة الثامنة من حكم «مرنبتاح»، فإن الأمر يعني أن هؤلاء البدو كانوا خارج حدود مصر حينذاك، و«سايس» يراهم هم عين الإسرائيليين، ومن ثم يفترض أنهم خرجوا من مصر قبل التاريخ، وعادوا يتطفَّلون القوت مرة أخرى،٥٤ أما «أولبرايت» فيجزم بحدوث الخروج زمن «رعمسيس الثاني» نفسه، فيقول: إن لوح «مرنبتاح» المسمى بلوح إسرائيل، مؤرَّخ بعام ١٢٢٩ق.م. ويقول فيه مرنبتاح إنه ضرب إسرائيل، فيعني ذلك أنهم خرجوا قبل تدوين اللوح، ومن ثم يحدد لخروج الإسرائيليين من مصر عام ١٢٩٠ق.م. وأنهم احتلوا فلسطين عام ١٢٦٠ق.م.

وهكذا، يظل لوح «مرنبتاح» فيصلًا وقاسمًا مشتركًا بين المصرولوجيين، في تحديد زمن خروج الإسرائيليين من مصر، ويميل أغلبهم إلى أن الحدث قد وقع في النصف الثاني من القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ولما كان «رعمسيس الثاني» فرعونًا قويًّا مقتدرًا، بلغت مصر في زمنه شأوًا بعيدًا في قوَّتها، فإن مسألة الخروج في زمانه لا بد سيشوبها شكٌّ كبير، خاصةً مع إفادة الكتاب المقدس التي ربطت بمصر، والتي تقول:

«وحدث في تلك الأيام أن ملك مصر مات» (خروج، ٣)، ومن ثم كان الاستنتاج أن «موسى» عاد إلى مصر من مهربه المدياني، بعد موت «رعمسيس الثاني»، الذي يجب أن يكون في تلك الحال هو فرعون الاضطهاد، ولما كانت مصر قد تعرَّضت في عهد ولده «مرنبتاح»، لعدة هجماتٍ متتابعة، جاءت متزامنة، فهاجمها الليبيون (التحنو) من الغرب، وهاجمتها شعوب البحر من الشمال والشرق، فإن انتصارات مرنبتاح استنزفت قوى مصر، لم تستطع معه استعادة عافيتها، إلا بعد ذلك بزمان، وأثناء فترة الضعف تلك تحديدًا، استغل بنو إسرائيل الفرصة، وانتزعوا حريتهم من العبودية، وهربوا خارج البلاد.

١  أورسيوس: تاريخ العالم، الترجمة العربية التي تمت في منتصف القرن الرابع الهجري، تحقيق وتقديم د. عبد الرحمن بدوي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط١، ١٩٨٢م، ص١٠٣.
٢  جاردنر: مصر الفراعنة، ترجمة د. نجيب ميخائيل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط٢، ١٩٨٧م، ص١٧٨.
٣  Hayes, W. C., Egypt of from the death of Ammene mes II, p. 19-20.
٤  سليم حسن: مصر القديمة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٢م، ج٤، ص٨٥، ٦٢، ٨٢.
٥  Efans. A, The Place of Minos at Konassos, 1921, p. 419.
٦  Save. St, J.E.A, 37, p. 63–217.
٧  Hayes, Egypt froem …, p. 24.
٨  محمد بيومي مهران: دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم، حركات التحرير في مصر القديمة، دار المعارف، القاهرة، ١٩٧٦م، ص١٤٢، ١٤٣.
٩  لويس عوض: مقدمة في فقه اللغة العربية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٨٠م، ص١٤.
١٠  غطاس الخشبة: رحلة بني إسرائيل إلى مصر الفرعونية والخروج، دار الهلال، القاهرة، ١٩٩٠م، ص١٤٣.
١١  لويس عوض: مقدمة … سبق ذكره، ص١٤، ١٥.
١٢  عبد المحسن الخشاب: تاريخ اليهود القديم في مصر، مكتبة مدبولي، القاهرة، ١٩٨٩م، ص٣٠، ٣١.
١٣  بيومي مهران: دراسات … سبق ذكره، ص١٣٧.
١٤  جاردنر: مصر الفراعنة، سبق ذكره، ص١٨١.
١٥  الموضوع نفسه.
١٦  جاردنر: مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص٦٨.
١٧  سليم حسن: مصر القديمة … سبق ذكره، ج٤، ص٩١، ٩٢.
١٨  جاردنر: مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص١٨٠، ١٨١.
١٩  سليم حسن: مصر القديمة … سبق ذكره، ج٤، ص١١٦.
٢٠  جاردنر: مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص١٨٥.
٢١  بيومي مهران: دراسات، سبق ذكره، ص١٠٢.
٢٢  نشره جاردنر، وجن، في جرنال الأركيولوجيا المصرية، متكرر النشر. J.E.A, III, p. 95.
انظر كذلك لافي A.S. Voll XXXV, p. II.
٢٣  جاردنر: مصر الفراعنة … سبق ذكره، ص١٩٠.
٢٤  نفسه، ص١٩١.
٢٥  سليم حسن: مصر القديمة … سبق ذكره، ج٤، ص١٤٨، ١٤٩.
٢٦  برستد: فجر الضمير، مكتبة الأسرة، ص٢١٨، ٢١٧.
٢٧  غطاس الخشبة: رحلة … سبق ذكره، ص١٣٧.
٢٨  سامي سعيد: الرعامسة الثلاثة الأوائل، دار الشئون الثقافية، بغداد، ١٩٨٨م، ص٢٢.
٢٩  غطاس الخشبة: رحلة … سبق ذكره، ص١٣٧.
٣٠  روبنسون: إسرائيل في ضوء … سبق ذكره، ص١٠٧.
٣١  الخشبة: رحلة … سبق ذكره، ص١٩٣، ١٩٤.
٣٢  عبد العزيز صالح: الشرق الأدنى القديم، الهيئة العامة للمطابع الأميرية، ج١، القاهرة، ١٩٦٧م، ص١٩٩.
٣٣  إتيين دريتون، وجاك فاندييه: مصر، ترجمة عباس بيومي، مكتبة النهضة المصرية، د.ت، ص٩٢، انظر أيضًا: جيمس هنري برستد: كتاب تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى الفتح الفارسي، ترجمة د. حسن كمال، وزارة المعارف المصرية، ط١، القاهرة ١٩٢٩م، ص١٧٩.
٣٤  الخشبة: رحلة … سبق ذكره، ص١٦١، ١٦٢.
٣٥  أحمد سوسة: العرب واليهود في التاريخ، العربي للإعلان والطباعة والنشر، دمشق، ط٢، د.ت، ص٢٧.
٣٦  اليوسف: سبق ذكره … ص٣٨.
٣٧  Weech, Civilization of Near East, pp. 84–88.
٣٨  أحمد سوسة: العرب واليهود … سبق ذكره، ص٢٣٤، ٢٩٨.
٣٩  سيجموند فرويد: موسى والتوحيد، ترجمة جورج طرابيشي، دار الكشاف، بيروت، ط٤، ١٩٨٢م، ص١٢–١٧.
٤٠  نفسه: ص٣٥.
٤١  نفسه: ص٣٥، ٣٩.
٤٢  نفسه: ص٤٨.
٤٣  نفسه: ص٤٩.
٤٤  نفسه: ص٥٠.
٤٥  نفسه: ص٥٠، ٦٥.
٤٦  نفسه: ص٦٦، ٦٧.
٤٧  نفسه: ص٧٠.
٤٨  نفسه: ص٨٥-٨٦.
٤٩  نفسه: ص٨٦-٨٧.
٥٠  نفسه: ص٨٧.
٥١  نفسه: ص١٨٥.
٥٢  Navil, Archelolgy of the old Testament, 1913, p. 93.
٥٣  سليم حسن: مصر القديمة … سبق ذكره، ج٧، ص١٠٩.
٥٤  الموضع نفسه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤