الفصل الأول

الإستطيقا الفردية وعلم الاجتماع «السوسيولوجيا»

(١) النزعة الفردية في الفن

يبدو أن الفكرة الحديثة القائلة بإستطيقا سوسيولوجية تتعدى تعديًا خطرًا على ما لكل عمل فني وكل خالق وكل متذوق من حقوق ثابتة في الشخصية وفي الحرية.

(١-١) النزعة الفردية الرومانسية L’individualisme romantique

يعتقد عدد كبير من الرومانسيين ومن أتباع مذهب «الفن للفن» أن الفنان ينبغي أن ينعزل عن المجتمع وأن يلوذ «ببرج عاجي»؛ وذلك لأن الناس بطبيعتهم أعداء للعبقري الشاذ الذي يشق عليهم فهمه.

وقد ورد في تقرير الدكتور نُوار في مسرحية فنِي Vigny المسماة Stello: «… يقوم وحده وبحرية بتأدية رسالته متَّبعًا أحوال ذاته متجرِّدًا من أثر التواردات حتى الجميلة منها؛ لأن العزلة هي مصدر الإلهامات … إن للشعراء والفنانين وحدهم دون كل الناس السعادة التي تمنحها إياهم قدرتهم على تحقيق رسالتهم في عزلة.»

وإذا نظرنا إلى فنان العصور الوسطى وجدنا أنه كان يقبل الاندماج في صناع الاتحادات اندماجًا كليًّا، وكان فنان القرن السابع عشر يشتاق لأن يكون «الرجل المبرز» في المجتمعات، أما عاطفة الوحدة والعزلة الرومانسية؛ فكانت موضة عابرة في وقت كانت النزعة الفردية ذاتها فيه حادثًا جماعيًّا، ولعلها كانت على الأكثر إحدى الطرق الممكنة لإدراك وفهم العلاقات بين الفن والحياة؛ فهم الفن على أنه ملجأ الشاردين أو انتقام المغلوبين بدلًا من فهمه على أنه تكرار للراضين المبسوطين.

ثم إن أكثر القائلين بالنزعة الفردية والتابعين لاتجاه الفن للفن — مثل الأخوين جونكور — يلجئون إلى تحايلٍ ليس بالجديد؛ فيعترضون على سفاهات وظلم مجتمعاتهم بأنهم يعملون من أجل الذوق الجيد ومن أجل «العدل السامي» في مجتمع آخر. ويقولون: «ليس عندنا شيء للجمهور الحالي بل للجماهير القادمة.» ويرتعدون من أن نجاح أعمالهم الفنية المقدَّر قد يتوقف في المستقبل نتيجة برودة سطح الأرض مثلًا! ولكن ما هي هذه «الجماهير المستقبلة»، بل ما هي هذه الجماهير المثالية؟ إن المجد الذي يحققه أكثر الفنانين اتباعًا للنزعة الفردية مفكر فيه «في إطار الاجتماعية».

(١-٢) النزعة الفردية العقلية L’individualisme rationaliste

وهذه الاجتماعية هي الحقيقة التي تحاول النزعة الفردية العقلية أن تقيمها من حيث هي دون أن تخرج رغم هذا عن حدود الفرد كمبدأ. وقد رأينا كانط على سبيل المثال يضع قوانين أساسية لكل جمال مبنية على اللعب الحر للملكات الشخصية عند كل فرد؛ ولكن هذه القوانين تحتوي لأول وهلة على امتداد عام يشمل كل الكائنات التي لديها الملكات نفسها، وعلى هذا يكون من الممكن أن نقارن الجاذبية الإستطيقية بالأمر القطعي l’imperatif categorique الخاص بالإلزام الخلقي. بل إننا قد رأينا في الحكم الذوقي أن الضرورة قيل عنها بواضح العبارة إنها ذاتية؛ حيث إن العمومية لا ترتكز على فكرة كلية.
وبالرغم من أن كانط قد أكد بوضوح أنه بدون الحياة الاجتماعية الواقعية لا يمكن أن يكون هناك فن؛ فإن «جمهورية الغايات الإستطيقية» التي ركز فيها الحركة الذاتية لذوقنا كما قد فعل من قبلُ بخصوص الأخلاقية، هذه الجمهورية لا تشبه في شيء مجتمع السوسيولوجيين الحديثين الذي هو عبارة عن تجمع واقعي ومحدود إلى أكبر الحدود ويتقبل وجود مجموعات أخرى أجنبية خارجة عنه. أما جمهورية كانط؛ فإنها العمومية المثالية البحتة التي لا تعرف أي استثناء في أي كائن مفكر موجود في الحقيقة أو ممكن الوجود، إنها جمهورية حق وليست جمهورية واقع، بل أسوأ من ذلك أنها جمهورية مضادة للحقائق الواقعية! ذلك أن من التفكير الخيالي الغريب افتراض أن شخصًا فظًّا ليس له من التربية أي نصيب سيفضِّل من تلقاء ذاته إحدى تراجيديات راسين على رواية مسلسلة في جريدة أو على أحد الأفلام البوليسية وأنه سيفضِّل رسمًا مطموسًا من الرسومات المحفورة لرمبرانت Rambrandt على صورة لامعة مطبوعة بالألوان على الحجر، أو القول بأن رجلًا من الصين قد تربَّى على موسيقى مبنية على تكنيكٍ قوامه ألحان بدون مصاحبة وبدون تبادلات تناسقية على سلالم خماسية النغم سيتذوق من أول مرة بوليفونية قطعة ترديدية لباخ أو انزلاق افتتاحية من افتتاحيات فاجنر.

إن العمومية التي تنسب إلى أكثر المؤلفات الممتازة عظمة، عمومية محدودة تشمل مجموعات اجتماعية تعيش — أولًا — وفق نفس التنظيم، وتسير — ثانيًا — في نفس التطور الجمعي للفن. وهذان الجانبان يمثلان في الواقع موضوعَين أساسيَين في الإستطيقا السوسيولوجية.

أما العمومية الكاملة للجمال المطلق التي قالت بها الدجماطية القديمة؛ فلم تفعل أكثر من أنها زادت عدد الأفراد إلى ما لا نهاية دون أن تضيف شيئًا جديدًا إلى كل فرد منهم، إن هذه العمومية تعدِّل فكر الأفراد الإستطيقي من حيث الكم لا من حيث الكيف. ويرى رجال علم الاجتماع أن الأثر الاجتماعي يكوِّن ويشكِّل إلى حد كبير الفرد، حتى ولو كان هذا الفرد العبقري المفرط العبقرية، في حين أن أتباع النزعة الفردية يرون أن الأثر الاجتماعي لا يزيد عن أن يكون عامل إفساد وتشويه. فالصفة الاستثنائية لرجل عظيم هي على الخصوص أنه يعبر تعبيرًا شديدًا استثنائيًّا عن عدد من الحاجات الاجتماعية. فإذا حدث أن لم يكن له هذا التعبير ولا النجاح ولا الجمهور؛ أي لم يكن له قيمة في شعور أي إنسان معروف؛ فإن هذا الفرد الاستثنائي يكون غير ذي قيمة مثله مثل حالة الجنون الفردي.

(٢) السوسيولوجية الطبيعية للفن La sociologie naturaliste de l’art

واجه أفلاطون وأرسطو الفن كأخلاقيَّين وكتربويَّين. فعاب أفلاطون على الفنانين عامة — بما فيهم هومير نفسه — أنهم ينشرون عاطفية مميِّعة، ولهذا عمد في نظرياته الوهمية الخاصة بإنشاء مدينة جديدة والمعروضة في كتابَيه «الجمهورية» و«القوانين» إلى إخضاع إنتاجات وإلهامات الفنانين — التي اعتبرها «هذيانية» — للسلطة القاسية الخطيرة للمشرعين غير الأكفاء. أما أرسطو فعلى عكس أفلاطون، كان يتوقع أن يجني من الفنون المختلفة — وبخاصة من المسرح والموسيقى — «تطهيرًا» مفيدًا للانفعالات الطبيعية التي لا تستخدم إلا قليلًا في الحياة الاجتماعية.

أما علماء الإستطيقا السوسيولوجية في العصور الحديثة فقد قاموا بأعمالهم وأبحاثهم كتابعين للنزعة الطبيعية. هذا، وقد سبق منتسكيو Montesquieu رائد غير معروف هو الأب ديبوس l’abbé Dubos الذي فكر في إيضاح الأثر — الجمعي طبعًا — الذي للمناخ أو للهواء على العبقرية وبالتالي على الإحساس بالجميل الذي هو «حاسة سادسة» هي حاسة «الانفعالات المصطنعة» أو حاسة اللعب. ثم أتى بعد ذلك بونالد ومدام دستال وفلمان فقالوا في إبهامٍ قولًا ناجحًا موَّفقًا: «الأدب تعبير عن مجتمعٍ ما.»

(٢-١) النزعة الطبيعية لتين: السلالة – البيئة – الفترة

نعرف من قبل أن تين يتصور فلسفته في الفن على أنها «علم نبات مطبَّق على الأعمال الإنسانية.» ويعني بذلك أنه إذا كان بناء نباتٍ ما يعتمد على البيئة الطبيعية ويتأثر بها فكذلك «العمل الفني يتحدد بالحالة العامة للعقل وللعادات المحيطة.»

وهذا التحديد يحدث بواسطة ثلاثة عوامل جمعية أولها: السلالة ونعني بها مجموعة «الاستعدادات الفطرية والوراثية»، وثانيها: البيئة الطبيعية التي تخلق بذاتها بيئة معنوية خصوصًا نتيجة نوع العمل والترف أو الفقر الذي ينجم عنها. «فالبيئة تأتي بالفن أو تذهب به متحكِّمة فيه كالتبريد الذي يثبت الندى أو يضيعه حسبما إذا كان شديدًا أو خفيفًا.» وثالثها: الفترة وهي عامل إستطيقي بحت، هي «السرعة المكتسبة» أو هي أثر كل جيل من الفنانين على الجيل التالي له.

هذه العوامل الجماعية تخلق «درجة حرارة معنوية» تتخيَّر كل عمل فني تمامًا كدرجة الحرارة الطبيعية التي تتخير كل نبات. وما العبقرية إذَن إلا محصلة القوى المختلفة «ففي ميدان الإستطيقا — كما في كل الميادين — نجد أن الموضوع لا يزيد عن أن يكون مسألة ميكانيكا.»

أما النقد العلمي عند هينيكان Hennequin فيطلب — بحق — أن يكون النصيب الأكبر في جانب القوى الإبداعية الفردية عند عظماء الرجال الاستثنائيين، وأن نميز في البيئة الاجتماعية تيارات عديدة متوازية؛ ولكنها غير سائرة على الدوام في اتجاه واحد. وتزعم المدرسة المعاصرة لدركايم — وبحق أيضًا — أن الضغط السامي للمجتمع من «مستوى آخر» غير مستوى المؤثرات المادية أو السيكولوجية، في حين أن طبيعة تين تتَّجه إلى وضع كل المؤثرات على مستوى واحد.

(٢-٢) النزعة الحيوية عند جويو: شدة الحياة

رأينا من قبل كيف يقيس جويو كل قيمة فنية عن طريق شدة الحياة التي يفترضها في مؤلف هذه القيمة وفي المتفرجين عليها وفي شخصياتها. وهذا الإشعاع إذا نما واشتد انتهى إلى تجاوُز الفرد تمامًا كما يحدث للحب، حسب أمنيات الطبيعة:
الفن، هو الحب.
إنني عندما أرى الجميل، أتمنى أن أكون اثنَين.
«إن العبقرية قوة للحب ومثلها مثل كل حب حقيقي تميل في همة إلى الإخصاب وإلى خلق الحياة.» «وقد ظهر لنا أن التضامن والتعاطف بين أجزاء الذات المختلفة يكوِّنان الدرجة الأولى للانفعال الإستطيقي، وسيظهر لنا التضامن الاجتماعي والتعاطف العالمي على أنهما مبدأ الانفعال الإستطيقي الشديد التعقيد والسمو.»
والحق أنه برغم ما في بلاغة جويو من إغراء وغنائية؛ فإنها ليست ذات معنى بالنسبة للإستطيقا ولا بالنسبة للعلم الاجتماعي. فهذه السوسيولوجية الحيوية التي يقول بها جويو ليست إلا امتدادًا للسيكوفسيولوجيا، ولم تزل مبنية على أساس المبدأ الفردي للذة الشخصية. «الفن الحق هو ذلك الفن الذي يعطينا الإحساس المباشر بالحياة البالغة الشدة والبالغة الامتداد جميعًا، الذي يعطينا الإحساس المباشر بالحياة الأكثر فردية والأكثر اجتماعية في نفس الوقت.» ومن ناحية أخرى تلجأ هذه الإستطيقية في كل لحظة إلى قيمة خارجة عن المجال الإستطيقي وتعتمد عليها. ويرى جويو مثلًا — تمامًا كما يرى الأديب المتصوف تولستوي والفيلسوف الوضعي كونت والمفكر الاشتراكي برودون — أن كل ما يوحِّد الناس جميل وأن كل ما يهدف إلى إضعاف الرباط الاجتماعي قبيح. ومن مثال هذا النوع الأخير «ابتذالية» زولا، والرقة الرقيقة عند الرمزيين. ويرى «أن أدب التدهوريين — مثله مثل أدب غير المتَّزنين — يتميَّز بسيطرة الغرائز سيطرة تهدف إلى تفكيك المجتمع ذاته، وأنه يكون لنا باسم قوانين الحياة الفردية أو الجمعية الحقُّ في الحكم على هذا الأدب.»١ إن ذلك يعني خلط الفن والأخلاق والدين واللادين وحتى العلم بعضها مع بعض. وإن من العواطف الفردية، بل من العواطف المضادة للمجتمع، ما يمكِّنه بجدارة أن يكون إستطيقيًّا أو على الأقل أن يكون كذلك في بعض فترات التطور الاجتماعي ولأسباب جماعية.

(٣) التصور الحقيقي للإستطيقا السوسيولوجية

افتراضنا افتراضًا مجردًا حتى الآن أن في إمكان سيكولوجية فردية أن تقيم قيمًا إستطيقية ملموسة؛ ولكننا كنا في كل لحظة نجدنا مضطرين إلى الإشارة إلى أثر الوقائع الجماعية. فالانسجام أو اللاانسجام اللذان يكون على أساسهما الجمال والقبح هما علاقات أكثر تعقيدًا وتشابكًا مما ترى النزعة الفردية؛ أشياء لها تاريخ، أشياء تتطور في الحياة الجماعية للإنسانية.

والجمال المعماري ليس «قطاعًا ذهبيًّا» عامًّا شاملًا من الوجهة النظرية لكل شيء في كل مكان، بل الجمال المعماري يتركز إما في القاعدة plate-bande أو في العقد المستدير أو العقد القوسي المكسور أو في الخطوط المموجة أو الممتدة في الأساليب الحديثة، أو في التماثلات أو بعض اللاتماثلات وكل هذا يحدث حسب تطورات تقبُّل الناس، وهذا التقبل ليس عموميًّا برغم حريته، بل جماعي لأنه منظم مضبوط بطريقة اجتماعية.

أما دور كل فرد على حدة؛ فليس هناك ما يبرر التفكير في التقليل منه؛ فإلى الفرد ترجع حتمًا القُوى الإبداعية والتنفيذات المختلفة في التنظيم والتطور الاجتماعي. ولكن هذا لا يرجع إلى الفرد كفرد أي بوصفه مستقلًّا عن الآخرين، بل يرجع إلى الفرد الاجتماعي أي المتشبع — من قبلُ — بروح الجماعة التي يتوجَّه إليها بإبداعيته والمعبِّر عن هذا الروح والذي لا يُرضي حاجات هذه البيئة إلا لأنه يُحس بها إحساسًا شديدًا يفوق إحساس الأفراد العاديين.

وقد كان لمدرسة دركايم وليفي بريل السوسيولوجية الفضل الأكبر في الإشارة في قوة إلى الصفة النوعية التي للحقائق الاجتماعية التي تحلِّق فوق الحقائق الفردية. ولكن البعض استطاعوا أن يلوموهما على أنهما قد بالغَا أحيانًا في سلبية الفرد داخل المجتمع كما بالغ الفرديون — على العكس منهما — في سلبية المجتمع أمام الإبداعات الفردية لعظماء الرجال. والحق أن للفرد ومجموعته، أو لنقُل إن الميول الفردية والميول الاجتماعية بداخل الفرد توجد على شكل مجموعتَين من القوى المتواجهة أو نوعَين من الحقائق الفعَّالة على الدوام تتجاذبان بعضهما مع البعض النشاط والتفاعل؛ فلا تنتهيان من ذلك. حقيقة أن في كل منعطف من منعطفات التاريخ نرى فنانًا عبقريًّا يحدث تطورًا جمعيًّا في اتجاه جديد أو يؤسس مدرسة جديدة أصيلة. غير أن المؤرخ النابِه يلاحظ من أول نظرة أن كل ما يُدَّعى أنه جديد ليس جديدًا في هذا التطور أو هذه الثورة التي ليست في حقيقتها إلا تأليفًا من المحاولات الجزئية المنعزلة التي قام بها كثير من السابقين. ويلاحظ أن هذا العمل ليس فرديًّا كامل الفردية؛ لأن العمل العبقري هو على الخصوص العمل الذي يأتي في حينه ليسد ثغرة بدأ العقل العام — وقد بلغ حد التشبُّع مما أنتج — يحس بها إحساسًا جعله يشيح وجهه في تعب وملل عن الأشكال المهلهلة المستهلكة من الفن.

ومثل الرجل العظيم كمثل الراعي يتأمر على قطعانه؛ لأنه يعرف كيف يجعلها تتبعه جاعلًا من نفسه هو قطيعًا أو على الأقل حيوانًا قائدًا لها. فإذا لم ينجح في جعلها تتبعه؛ فهو ليس الرجل العظيم. ومن الملاحظ أن الانتظار العام هو الذي يخلق الرسل في ميدان الفنون وفي الميادين الأخرى، وليست القيمة الفردية للرسل هي التي تولِّد الحاجات التي سيلبونها والتي تمثل الأسباب المبررة لوجودهم العظيم.

يقال: «إن الفن هو أنا، والعلم هو نحن.» ونحن نقول إن الفن أيضًا هو «نحن»! بل إن عمومية العلم تشبه — بما لها من اللاشخصية — الشكل الفارغ المجرد عند كانط، الذي يعني القانونية المجردة من الحياة والمشتركة لدى كل الناس الذين لا يحتكمون على شيء آخر يجعلونه عامًّا مشتركًا؛ في حين أن العمومية النسبية للفن هي امتداد وانتشار محدود؛ ولكنه واقع في بيئة حية. وليست هذه العمومية زيادة غير محدودة في عدد أفراد لا اتصال بينهم كما هو الحال في الجواهر الفردة عند ليبنتس، إنها تعني تنظيمًا لشخصية جماعية لها روح وجسد أو هي الإجماعية كما يقول جول رومان.

ويمكننا قياسًا على «تحت الشعور» الذي يقول به علماء النفس أن نقول إن القيم الفنية توجد قوية فعالة؛ ولكنها تكون تحت إستطيقية subesthétique ما دامت فردية لا أكثر؛ بحيث تكون «العتبة الحقيقة للشعور الإستطيقي» حقيقة اجتماعية بقدر ما هي حقيقة شخصية.
١  كان أوجست كونت يحتقر باسم «قانون الأحوال الثلاث» الفن «الميتافيزيقي» أي النقدي السلبي الذي عرفه القرن الثامن عشر في فرنسا. وكان برودون يعجب خطأ بكوربيه لأخلاقية فرشاته اتباعًا لهذا التعريف: «الفني تمثيل للحقيقة ساميًا إلى المثالية بقصدٍ تحسينًا كماليًّا للنوع.» أما تولستوي الشيوعي الديني؛ فقد أهدر الفن كله تقريبًا متهمًا إياه بالأرستقراطية، ولم يُعفِ من ذلك الإهدار إلا أقصوصتَين إنسانيتَين صغيرتَين فقط من مؤلفاته الفنية الخاصة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤