مطاردة في الظهيرة!

في الساعة الواحدة ظهرًا، كان الشياطين الثلاثة يقفون بسيارتهم أمام مطعم «دون كارلو» في قلب المدينة … وعندما بدءوا يغادرون السيارة إلى المطعم، ظهرت سيارة من شارع جانبي اجتازت الميدان بسرعة، ثم انطلق من نافذتها مدفعٌ رشاش في اتجاه رجل كان يركن سيارته بعد سيارة الشياطين بأقل من نصف متر … فأصابت الطلقاتُ الرجلَ وتوقَّفت الحركةُ في الميدان.

لم يتردَّد «أحمد» فأطلق لسيارته العنان بعد أن طلب من رشيد أن ينزل لمقابلة مندوب شركة «ترانزأوشن».

اندفعت السيارة «اللامبورجيني» خلف سيارة القتَلة، وأخذت السيارات تركن جانبًا كلما شاهد السائقون سرعة السيارتين … فقد كان هذا المشهد جزءًا من الحياة اليومية في مدينة «باليرمو»؛ حيث توجد قيادات عصابات المافيا القوية، التي لا يمرُّ يومٌ دون أن يكون لها ضحية أو أكثر …

أخذت إطارات السيارتَين تصفِّر فوق أرض الشوارع، وهي تسير بسرعة تتصاعد تدريجيًّا حتى تجاوزت مائةً وعشرين كيلومترًا وسط الشوارع المزدحمة … وكان «أحمد» يفكر في أنه لو كان معهما سلاح لاستطاع اصطياد السيارة … ولكن السيارة التي كانت من طراز «مازاراتي»، وهي سيارة سباق سريعة وقوية، كانت تنزلق على الأرض كأنها تطير … وعندما خرجت السيارتان من حدود المدينة ظهرت سيارات رجال البوليس وهي تُطارد السيارتَين معًا … والشيء المدهش أن سيارة البوليس أخذت تُطلق النار على سيارة «أحمد» و«عثمان»، وأخذ «أحمد» يُضيء الأنوار ليُنبِّهَ رجال البوليس إلى خطأ ما يفعلونه … ثم فضَّل ألَّا يُعرِّضَ نفسَه وزميله لمخاطر أكثر، فأخذ يُهدئ من سرعة السيارة حتى أوقفها بجانب الرصيف، وتوقَّفت سيارة البوليس خلفه، ونزل منها ضابط وجندي يحملان الأسلحة … بينما انطلقت سيارة أخرى خلف السيارة التي كان يركبها القتَلة.

نزل «أحمد» و«عثمان»، وتقدَّم منهما ضابط البوليس على حذر، وهو يضع فوهةَ مدفعِه الرشاش إلى الأمام … ويشرح له «أحمد» ما حدث … ولكن الضابط لم يصدِّق … وقال له «أحمد»: لقد كنتُ أُوقِف سيارتي على موعد على الغداء في مطعم «دون كارلو» عندما فُوجئت بهذه السيارة تُطلق النار على شخص ينزل من سيارةٍ خلفي … وقد صرعَتْه في الحال … ووجدتُ من واجبي أن أطاردَ السيارة التي تحمل القتَلة.

الضابط: سوف تأتي معي إلى قسم البوليس.

أحمد: ولكني على موعد غداء في مطعم «دون كارلو»، وسوف أستشهد بأصدقائي هناك.

الضابط: لنذهب إذن إلى المطعم ونرى.

ركبَ الضابط في المقعد الخلفي ومعه مدفعُه الرشاش … وعادت السيارتان إلى المدينة مرة أخرى … ووصلت إلى مطعم «دون كارلو»، ونزل الضابط خلف «أحمد» و«عثمان» … وكان الناس يقفون في حلقات يتحدثون عن الجريمة التي وقعَت في الميدان … ودخل الثلاثة إلى المطعم، وأخذ «أحمد» ينظر حوله دون أن يجد أثرًا ﻟ «رشيد» أو «ماشيتو» …

قال الضابط: أين أصدقاؤك؟

أحمد: إنني لا أرى أحدًا منهم هنا.

الضابط: دَعْك من اللف والدوران وتعالَ معي إلى القسم …

أحمد: إنها مسألة خطيرة أيها الضابط … إننا غرباء عن المكان، وكنَّا على موعد مع شخص يُدعَى «ماشيتو».

الضابط: وما هي بقية اسمه؟

أحمد: لا أعرف.

الضابط: هناك ألف شخص يحمل اسم «ماشيتو» في «صقلية»، فمن هو «ماشيتو» الذي تقصده؟

أحمد: إنه رجل متوسط القامة أشيب الشعر …

ولم يُكمل «أحمد» جملتَه؛ فقد قال الضابط بحزم: دَعْك من هذا الأسلوب … هيَّا بنا.

وركب الجميع في سيارة البوليس، واتجهت إلى قسم الشرطة في أحد الشوارع الجانبية، وأُودع الصديقان في الحبس، وقال الضابط: سأعود إليكما بعد قليل.

كان في الحبس خمسةُ رجال آخرين … تبدو عليهم الشراسة … وأخذوا ينظرون إلى «أحمد» و«عثمان» في أسلوب وقح، وقال أحدهم مشيرًا إلى «عثمان»: من أين جئت أيها الولد؟

لم يردَّ «عثمان» فقام الرجل إليه ورفع يده وهو يقول: عندما أسألك عن شيء فلا بد أن تردَّ.

ولكن قبل أن يُنزل يدَه بالصفعة على وجه «عثمان»، كانت قدمُ «عثمان» قد طارَت في الهواء وأصابَته بضربة موجعة سقط على أثرها وهو يئنُّ.

أخذ الرجال ينظرون إلى «أحمد» و«عثمان»، خاصة عندما وقف أحمد هو الآخر مستعدًّا للنزال …

مضَت ساعة، ثم ظهر الضابط مرة أخرى، واستدعى «أحمد» و«عثمان» للتحقيق ولم يَزِد ما قالاه عمَّا حدث … ولكن الضابط لم يكن مقتنعًا، وقال إن وكيل النيابة المختص سيأتي بعد قليل …

جاء بعضُ مصوِّري الصحف وطلبوا تصويرَ «أحمد» و«عثمان»، ورغم احتجاجهما على التصوير فإن المصورين التقطوا الصور، كما دار الحديث بين الصحفيِّين وبين الضابط المختص …

وعندما حضر وكيل النيابة كان يبدو عليه الإرهاق وضيق الصدر، واستمع إلى الصديقَين … وسألهما: لماذا جئتما إلى هنا؟

أحمد: جئنا طبعًا في سياحة.

النائب: وأين تنزلان؟

أحمد: في فيلا عند الشاطئ الشمالي.

النائب: ومَن الذي استأجر الفيلا؟

أحمد: «ماشيتو».

النائب: أين هو هذا «الماشيتو»؟

أحمد: كما ذكرت لك … كنَّا على موعد معه هذا اليوم لنتناول الطعام، ولكن وقعت هذه الحادثة …

أمر وكيل النيابة بحبس الصديقَين أربعة أيام على ذمة التحقيق، وتفتيش السيارة والفيلا، ثم ترك المكان … وأُعيد الصديقان إلى الحبس …

كان موقفًا عصيبًا … لا مثيل له في حياة الشياطين … لقد تدخَّلوا من أجل العدالة، فإذا بالعدالة تظلمهم … ولكن رغم هذا فإنهم بالتأكيد سيتدخلون لصالح العدالة مهما كان الثمن …

قضيَا ليلةً كئيبة في الحبس … ولكن في صباح اليوم التالي كان في انتظارهما مفاجأة …

جاء رجل الشرطة ونادى عليهما … وعندما سارَا معه إلى غرفة الضابط … سأله «أحمد»: هل هذا تحقيق جديد؟

الشرطي: لا … إن شخصًا مهمًّا جاء لضمان خروجكما، وهو شخص معروف.

أحمد: مَن هو هذا الشخص؟

الشرطي: لا بد أنك تعرفه جيدًا … لقد جاء من الصباح الباكر بعد أن نشرت الصحف صوركما … ودفع كفالة ضخمة للإفراج عنكما.

أحمد: وما هو اسمه؟

ولدهشة «أحمد» و«عثمان» قال الرجل: اسمه «سنيور ماشيتو».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤