الفيلم!

اقترب «عثمان» من نافذة مغلقة، وأخرج مجموعةَ أدواته الدقيقة وأعملها في مصراع النافذة الذي انفتح … واستطاع من خلال الزجاج أن يرى ضوءًا متوهجًا يقع على شاشة صغيرة وُضعت على جدار الغرفة المقابلة … ولدهشته البالغة، شاهد شيئًا كاد أن يجمِّد الدمَ في عروقه … فقد شاهد فيلمًا عن مقرِّ الشياطين السريِّ … كان شريطًا سينمائيًّا … ورغم أنه لم يكن شديدَ الوضوح … إلَّا أن المباني الرئيسية في المقر السري كانت واضحة … وأهمُّها أبراج الاستطلاع والرادار وحظائر السيارات وغيرها من المنشآت التي تقع تحت الصخور، ولكن تبدو ملامحها من فوق.

وسمع تعليقات، وأصوات ضرب … وصرخات عالية … وأخذ «عثمان» يستدير لمحاولة رؤية مَن بالغرفة … ولكن كان ذلك مستحيلًا لأن الظلام كان يسود الغرفة …

عرَف أنهم قاموا بتحميض الفيلم وهم يشاهدونه الآن، وأن كل شخص في هذه الغرفة يجب أن يتمَّ القضاء عليه حتى لا يتحدَّثَ بما شاهد …

كان «نورسو» و«بنيتو» يقفان خلفه، وفكَّر «عثمان» في خطة رائعة، فقال ﻟ «نورسو»: اسمع يا «نورسو»، إن العصابة لا تعرف حتى الآن أنك انضممت إلينا … وأريدك الآن أن تدخل هذه الغرفة، إن أحدًا لن يمنعك؛ لأنهم بالطبع ينتظرون رؤيتك … كل ما أريده أن تفتح باب الغرفة لنا … سأدخل بعدك أنا و«بنيتو» … إنني لا أعرف أين «أحمد» و«ماشيتو» … فعلينا أن نتصرف وحدنا … كان «نورسو» شجاعًا حقًّا؛ لأنه قَبِل هذا العمل على الفور، ودار حول المعسكر وخلفه بأمتار سار «عثمان» و«بنيتو»، وشاهداه عندما التقى به أحد الحراس وأخذَا يتحدثان … بالطبع كان الحارس يعرفه … وانتهز «عثمان» فرصة انشغال الحارس بالحديث إلى «نورسو» … واقترب منه … ثم ضربه بمدفعِه الرشاش فسقط دون أن ينطق بكلمة … ثم تكرَّر نفس المشهد مع حارس الباب … وساروا في دهليز طويل مُعتم حتى وصلوا إلى الغرفة التي يُدار فيها الفيلم، ودقَّ «نورسو» البابَ بطريقة خاصة، وبعد لحظات فُتح الباب ودخل «نورسو» ودون انتظار لحظة واحدة اقتحم «عثمان» و«بنيتو» الباب … وشاهد «عثمان» زميله «رشيد» … كان مقيدًا إلى مقعد وقد بدَت عليه آثارُ الضرب الشديد، وكان في الغرفة ثلاثة رجال آخرين … كان يبدو على أحدهم أنه هو الرئيس … فقد كان يجلس على كرسي في مواجهة شاشة العرض مباشرة … وكان الآخران يقفان بجوار كرسي «رشيد»، ومن الواضح أنهم كانوا يسألونه عمَّا يدور في الفيلم والمشاهد التي فيه.

أخرج الرجل الذي يقف على يمين «عثمان» مسدسَه بسرعة خارقة … كاد أن يصيب «عثمان» بطلقة لولا أن «نورسو» كان أسرعَ منه فعالجه برصاصة أردَته في الحال وصاح الزعيم: «نورسو» ماذا فعلت؟

نورسو: فعلتُ ما تُمليه العدالةُ عليَّ أيها «الدون مانويل».

الدون مانويل: سوف أمزِّقُك … سوف أحطِّمُك.

قال «عثمان»: إنك لن تمزِّقَ أحدًا بعد الآن أيها الزعيم، لقد انتهت القصة … ثم التفت إلى «بنيتو» وقال: فُكَّ رباط صديقي يا «بنيتو».

قام «بنيتو» بفكِّ وثاق «رشيد» الذي لم يكَدْ يرفع ذراعَيه حتى التفتَ إلى الحارس الذي يقف بجواره … وضربَه ضربةً قاسية فترنَّح على أثرها حتى عالجَه بضربة أخرى أسقطَته أرضًا …

كان واضحًا على وجه «رشيد» وعلى ذراعَيه أثرُ التعذيب الذي تعرَّض له … وكان «الدون مانويل» ينظر إلى ما حدث حوله في ذهول … ولكن عينه كانت على الباب المفتوح …

وعندما انشغل «عثمان» في فكِّ الفيلم من آلة العرض ووضعه في جيبه، قفز «الدون» قفزة هائلة … وانطلق من الباب كالسهم وتبعَته عشراتُ الطلقات من «بنيتو» … ولكنه دخل الغرفة المقابلة، وبعد لحظات كانت المدافع الرشاشة تنطلق في كل اتجاه …

قال «عثمان»: هيَّا نخرج من النافذة …

أسرع الجميع إلى النافذة وقفزوا منها … وأخرج «عثمان» قنبلة يدوية ألقاها على الغرفة ثم قنبلة أخرى ألقاها على الغرفة التي دخلها «الدون»، وصاح: لقد حصلنا على الفيلم وهذا هو المهم … حسابنا مع «الدون» فيما بعد …

وأسرع الجميع إلى الجانب الآخر حيث كان يجب أن يوجد «أحمد» و«ماشيتو»، ولكنهم لم يجدوا أحدًا … ففي تلك الأثناء كانت تدور معركة عنيفة عند طرف المعسكر الآخر.

كان «أحمد» قد لمح «ماشيتو» المزيف يسير مع شخص آخر وهما يضحكان … وسَمِعه يتحدث عن مغامرته قائلًا: لقد شربوا المقلب … وظنوا أنني «ماشيتو» المحامي، وقد كنَّا نشك فيه … وراقبناه حتى سافر، وذهبت واستوليت على جميع البرقيات التي وصلَته، وعرفت بخبر وصول هؤلاء الشبان … إن الفيلم الذي التقطَته طائرتُنا يساوي الملايين.

فقد اتفقت عصابة سادة العالم مع «دون مانويل» على التقاط هذا الفيلم مقابلَ أيِّ مبلغ نطلبه … وقد استطعنا تحديدَ المكان أولًا بقياس أطوال الموجات اللاسلكية التي تَصِل إلى «ماشيتو»، وقمنا بعمل عدة تجارب على مناطق قريبة من المكان حتى حددناه … ثم جهزنا إحدى طائراتنا بكاميرات تصوير استطاعَت أن تحصل على الفيلم الثمين … إن الزعيم يتفرج عليه الآن ويحصل على البيانات اللازمة من أحد الشبان.

قال «أحمد» في الظلام: إنه لن يحصل على أية معلومات بعد الآن.

ثم قفز «أحمد» عليه، وقفز «ماشيتو» على الرجل الآخر وقامت معركة عنيفة بين الرجال الأربعة … وعندما انتهت، كان «ماشيتو» والرجل الآخر يسقطان من فوق التل المرتفع إلى البحر …

وعندما استدار «أحمد» و«ماشيتو» للاتجاه نحو معسكر الشركة، كان «عثمان» و«نورسو» و«بنيتو» يبحثون عنهم في الظلام …

كانت القنابل التي فجَّرها «عثمان» قد لفتت أنظار أحمد و«ماشيتو» فاتَّجهَا إليها … وفي منتصف الطريق التقَوا جميعًا … وصاح «عثمان»: لقد حصلتُ على الفيلم … إنه في جيبي.

أحمد: وهل شاهده أحد؟

عثمان: لقد قضينا على اثنين، ولكن الثالث «دون مانويل» هرب.

أحمد: يجب أن نصلَ إليه.

واتجهوا جميعًا إلى المعسكر …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤